أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 
تابعونا عبر تويتر تابعونا عبر فيس بوك

الإهداءات



ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: صلاة الفجر للشيخ أحمد الحذيفي 10 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ ياسر الدوسري 10 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ عبدالله البعيجان 9 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ عبدالمحسن القاسم 9 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ ماهر المعيقلي 9 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة المغرب للشيخ ماهر المعيقلي 9 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان العشاء للمؤذن علي ملا الخميس 9 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان العشاء للمؤذن محمد ماجد حكيم الخميس 9 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان المغرب للمؤذن عماد بقري الخميس 9 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: أذان المغرب للمؤذن د. عمر كمال الخميس 9 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع شريف حمدان مشاركات 2 المشاهدات 778  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 18 / 05 / 2013, 13 : 08 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : ملتقى السيرة النبويه


احبتي في الله


مراتب الجهاد
إذَا عُرِفَ هذا، فالجهادُ أربع مراتب: جهادُ النفس، وجهادُ الشيطان، وجهادُ الكفار، وجهادُ المنافقين.
فجهاد النفس أربعُ مراتب أيضاً:
إحداها: أَنْ يُجاهِدَها على تعلُّم الهُدى، ودين الحق الذى لا فلاح لها، ولا سعادة فى معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمُه، شقيت فى الدَّارين.
الثانية: أن يُجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرَّدُ العلم بلا عمل إن لم يَضُرَّها لم ينفعْها.
الثالثة: أن يُجاهدها على الدعوة إليه، وتعليمِهِ مَنْ لا يعلمهُ، وإلا كان مِن الذين يكتُمون ما أنزل الله مِن الهُدى والبينات، ولا ينفعُهُ علمُهُ، ولا يُنجِيه مِن عذاب الله.
الرابعة: أن يُجاهِدَها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وأذى الخلق، ويتحمَّل ذلك كله لله. فإذا استكمل هذه المراتب الأربع، صار من الربَّانِيينَ، فإن السلفَ مُجمِعُونَ على أن العَالِمَ لا يَستحِقُّ أن يُسمى ربَّانياً حتى يعرِفَ الحقَّ، ويعملَ به، ويُعَلِّمَه، فمَن علم وَعَمِلَ وعَلَّمَ فذاكَ يُدعى عظيماً فى ملكوتِ السموات.

فصل



وأما جهادُ الشيطان، فمرتبتان، إحداهما: جهادُه على دفع ما يُلقى إلى العبد مِن الشبهات والشُّكوكِ القادحة فى الإيمان.
الثانية: جهادهُ على دفع ما يُلقى إليه من الإرادات الفاسدة والشهواتِ، فالجهادُ الأول يكون بعده اليقين، والثانى يكون بعدَه الصبر. قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ، وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24]، فأخبر أن إمامة الدين، إنما تُنال بالصبر واليقين، فالصبر يدفع الشهواتِ والإرادات الفاسدة، واليقينُ يدفع الشكوك والشبهات.

فصل

وأما جهادُ الكفار والمنافقين، فأربع مراتب: بالقلب، واللِّسان، والمالِ، والنفسِ، وجهادُ الكفار أخصُّ باليد، وجهادُ المنافقين أخصُّ باللسان.

فصل

وأما جهادُ أرباب الظلم، والبِدعِ، والمنكرات، فثلاث مراتبَ: الأولى: باليدِ إذا قَدَرَ، فإن عَجَزَ، انتقل إلى اللِّسان، فإن عَجَزَ، جاهد بقلبه، فهذِهِ ثلاثةَ عشرَ مرتبةً من الجهاد، و ((مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالغَزْوِ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنَ النَّفَاقِ)).

فصل

ولا يَتِمُّ الجهِادُ إلا بالهِجْرةِ، ولا الهِجْرة والجهادُ إلا بالإيمَانِ، والرَّاجُونَ رحمة الله هم الذين قاموا بهذِهِ الثلاثة. قال تعالى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِى سَبِيلِ اللهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ، وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة: 218].
وكما فصل أن الإيمان فرضٌ على كل أحد، ففرضٌ عليهِ هِجرتان فى كل وقت: هجرةٌ إلى الله عزَّ وجلَّ بالتوحيدِ، والإخلاص، والإنابة، والتَّوكُّلِ، والخوفِ، والرَّجاءِ، والمحبةِ، والتوبةِ، وهِجرةٌ إلى رسوله بالمُتابعة، والانقيادِ لأمره، والتَّصدِيق بخبره، وتقديم أمره وخبره على أمر غيرِهِ وخبره: ((فمَن كانت هِجرتُهُ إلى الله ورسُولِهِ، فَهِجْرتُهُ إلى الله ورسولِهِ، ومَن كانت هِجْرتُهُ إلى دُنيا يُصيبها، أو امرأةٍ يتزوَّجُهَا، فَهِجْرته إلى ما هاجر إليه)).
وفرضَ عليه جهادَ نفسه فى ذات الله، وجِهادَ شيطانه، فهذا كُلُهُ فرضُ عينٍ لا ينوبُ فيه أحدٌ عن أحد.
وأما جِهَادُ الكُفار والمنافقين، فقد يُكتفى فيه ببعضِ الأمَّةِ إذا حَصَلَ منهم مقصود الجهاد.

فصل

فى مَن كمَّل مراتب الجهاد كلها
وأكملُ الخَلْقِ عند الله، من كَمَّلَ مراتِبَ الجهاد كُلَّهَا، والخلق متفاوِتونَ فى منازلهم عند الله، تفاوتهم فى مراتب الجهاد، ولهذا كان أكملَ الخلقِ وأكرمهم على الله خاتِمُ أنبيائِه ورُسُلِهِ، فإنه كمَّل مراتبَ الجهاد، وجاهد فى الله حقَّ جهاده، وشرع فى الجهاد من حِينَ بُعِثَ إلى أن توفَّاهُ الله عزَّ وجلَّ، فإنَّه لما نزل عليه: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّر * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 1-4] شَمَّر عن ساق الدعوة، وقام فى ذاتِ الله أتمَّ قيام، ودعا إلى الله ليلاً ونهاراً، وسّراً وجهاراً، ولـمَّا نزل عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحجر: 94]، فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغيرَ والكبيرَ، والحرَّ والعبدَ، والذكَر والأُنثى، والأحمرَ والأسودَ، والجِنَّ والإنسَ.
ولما صَدَعَ بأمرِ الله، وصرَّحَ لقومه بالدَّعوة، وناداهم بسبِّ آلهتهم، وعَيبِ دينهم، اشتد أذاهم له، ولمن استجاب له مِن أصحابه، ونالوه ونالوهم بأنواع الأذى، وهذهِ سُـنَّة الله عزَّ وجلَّ فى خلقه كما قال تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ} [فصلت: 43]. وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112]. وقال: {كَذَلِكَ مَا أتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ، بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 52-53].
فَعزَّى سبحانه نبيّه بذلك، وأن له أُسوةً بمن تقدَّمه من المرسلين، وعزَّى أتباعه بقوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوْا الجَنَّةَ وَلَمَّا يأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُم، مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ، أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].
وقوله: {آلم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَليَعْلَمَنَّ الْكَّاذِبِينَ * أمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّـيِّئاتِ أَن يَسْبِقُونَا، سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * مَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللهِ فَإنَّ أَجَلَ اللهِ لآتٍ، وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ، إِنَّ اللهَ لَغَنِىٌ عَنِ العَالَمِينَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَـيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً، وَإن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا، إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَـبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى الصَّالِحِينَ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللِّهِ فَإذَا أُوذِىَ فِى اللهِ، جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ، أَوَ لَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ العَالَمِينَ} [العنكبوت: 1-10].
فليتأملِ العبدُ سياقَ هذِهِ الآياتِ، وما تضمنَّته من العِبَرِ وكُنُوز الحِكَم، فإنَّ الناسَ إذَا أُرسِلَ إليهم الرُّسُلُ بين أمرين: إما أن يقولَ أحدهُم: آمنا، وإما ألا يقولَ ذلك، بل يستمرَّ على السيَّئاتِ والكُفر، فمَن قال: آمنا، امتحنه ربُّه، وابتلاه، وفتنه، والفتنة: الابتلاء والاختبار، ليتبينَ الصادِقُ مِن الكاذِب، ومَن لم يقل: آمنا، فلا يَحْسَبْ أنه يُعْجِزُ الله ويفوتُه ويَسبِقُه، فإنه إنما يطوى المراحِلَ فى يديه.
وكَيـفَ يَفِـرُّ المرْءُ عَـنْهُ بِذَنْـبِهِ * * * إِذَا كَانَ تُطْوى فى يَدَيْهِ المرَاحِلُ
فمَن آمن بالرُّسُلِ وأطاعهم، عاداه أعداؤهم وآذوه، فابتُلى بما يُؤلِمه، وإن لم يُؤمن بهم ولم يُطعهم، عُوقِبَ فى الدنيا والآخرة، فَحَصَلَ له ما يُؤلمه، وكان هذا المؤلمُ له أعظَمَ ألماً وأدومَ مِن ألم اتِّباعهم، فلا بد من حصول الألم لكل نفسٍ آمنت أو رغبت عن الإيمان، لكن المؤمن يحصل له الألم فى الدنيا ابتداءً، ثم تكون له العاقبةُ فى الدنيا والآخرة، والمُعرِضُ عن الإيمان تحصلُ له اللَّذةُ ابتداءً، ثم يَصير إلى الألم الدائم. وسئل الشافعى رحمه الله أيُّما أفضلُ للرجل، أن يُمكَّن أو يُبتلى ؟ فقال: لا يُمكَّن حتى يُبتلى. والله تعالى ابتلى أُولى العَزْمِ مِن الرسل فلما صَبَرُوا مكَّنهم، فلا يَظُنَّ أحد أنه يخلص من الألم البتة، وإنما يتفاوتُ أهلُ الآلام فى العُقُول، فأعقلُهم مَنْ باع ألماً مستمِراً عظيماً، بألم منقطع يسير، وأشقاهُم مَنْ باع الألَمَ المنقطِعَ اليسير، بالألم العظيم المستمر.
فإن قيل: كيف يختار العاقلُ هذا ؟ قيل: الحاملُ له على هذا النَّقْدُ، والنَّسيئة.
* والنَّفْسُ مُوكلةٌ بِحُبِّ العَاجِلِ *
{كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ العَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة: 20-21]، {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ العَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان: 27].
وهذا يحصُل لكل أحد، فإن الإنسان مدنى بالطَّبع، لا بُد له أن يعيشَ مع الناس، والناسُ لهم إرادات وتصورات، فيطلبُون منه أن يُوافِقهم عليها، فإن لم يوافقهم، آذوْه وعذَّبوه، وإن وافقهم، حَصَلَ له الأذى والعذابُ، تارةً منهم، وتارةً مِن غيرهم، كمن عنده دِينٌ وتُقى حلَّ بين قوم فُجَّارٍ ظَلَمَةٍ، ولا يتمكنون مِن فجورهم وظُلمهم إلا بموافقته لهم، أو سكوتِه عنهم، فإن وافقهم، أو سكت عنْهم، سَلِمَ مِن شرهم فى الابتداء، ثم يتسلَّطُونَ عليه بالإهانة والأذى أضعافَ ما كان يخافهُ ابتداء، لو أنكر عليهم وخالفهم، وإن سَلِمَ منهم، فلا بد أن يُهان ويُعاقَب على يد غيرهم، فالحزمُ كُلُّ الحزم فى الأخذ بما قالت عائشة أم المؤمنين لمعاوية: ((مَنْ أَرْضَى الله بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ الله مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ أَرْضَى النَّاسَ بِسَخَطِ الله لم يُغْنُوا عَنْهُ مِنَ الله شَيْئَاً)).
ومَنْ تأمل أحوالَ العالَم، رأى هذا كثيراً فيمن يُعينُ الرؤساءَ على أغراضهم الفاسدة، وفيمن يُعينُ أهلَ البِدَعِ على بِدعهم هَرَباً من عُقوبتهم، فمَنْ هداه الله، وألهمه رُشده، ووقاه شرَّ نفسه، امتنع مِن الموافقة على فِعل المحرَّم، وصَبَرَ على عُدوانهم، ثم تكونُ له العاقبةُ فى الدنيا والآخرة، كما كانت لِلرُّسل وأتباعهِم، كالمهاجرين، والأنصار، ومَن ابتُلى مِن العلماء، والعُبَّاد، وصالحى الوُلاة، والتجار، وغيرهم.
ثمَّ عزَّاهم تعالى بعزاءٍ آخر، وهو أن جِهادهم فيه، إنما هو لأنفسهم، وثمرته عائدة عليهم، وأنه غنى عن العالمين، ومصلحةُ هذا الجهاد، ترجعُ إليهم، لا إليه سُبحانه، ثم أخبر أنَّه يُدخلهم بجهادهم وإيمانهم فى زُمرة الصالحين.
ثم أخبر عن حال الدَّاخل فى الإيمان بلا بصيرة، وأنه إذا أُوذى فى الله جعل فتنةَ الناسِ له كعذاب الله، وهى أذاهم له، ونيلُهم إياه بالمكروه والألم الذى لا بد أن يناله الرسلُ وأتباعهم ممن خالفهم، جعل ذلك فى فراره منهم، وتركِهِ السبب الذى ناله، كعذابِ الله الذى فرَّ منه المؤمنون بالإيمان، فالمؤمنون لِكمال بصيرتهم، فرُّوا مِن ألم عذاب الله إلى الإيمانِ، وتحمَّلُوا ما فيهِ من الألم الزائل المُفارق عن قريب، وهذا لضعف بصيرته، فرَّ من ألم عذاب أعداء الرسل إلى موافقتهم ومتابعتهم، ففرَّ مِن ألمِ عذابهم إلى ألمِ عذاب الله، فجعل ألمَ فتنة الناس فى الفِرار منه، بمنزلة ألم عذاب الله، وغُبِنَ كُلَّ الغَبن إذ استجار مِن الرَّمضاء بالنار، وفرَّ مِن ألم ساعة إلى ألم الأبد، وإذا نصر الله جُنده وأولياءه، قال: إنى كنتُ معكم، والله عليم بما انطوى عليه صدرُه من النفاق.
والمقصود: أن الله سبحانه اقتضت حكمتهُ أنه لا بد أن يمتحن النفوسَ ويبتَليها، فُيظْهِرَ بالامتحان طِّيبَها مِن خبيثها، ومَنْ يصلُح لموالاته وكراماته، ومَنْ لا يصلُح، وليُمحِّص النفوسَ التى تصلُح له ويُخلِّصها بِكِير الامتحان، كالذَّهب الذى لا يخلُص ولا يصفو مِن غِشه، إلا بالامتحان، إذ النفسُ فى الأصل جاهلة ظالمة، وقد حصل لها بالجهل والظلم مِن الخُبث ما يحتاجُ خروجه إلى السَّبكِ والتصفية، فإن خرج فى هذه الدار، وإلا ففى كِير جهنم، فإذا هُذِّب العبدُ ونُقِّىَ، أُذِنَ له فى دخولِ الجنة.

فصل

[ذكر السابقين إلى الإسلام من الرجال والنساء والصبيان]
ولما دعا صلى الله عليه وسلم إلى الله عزَّ وجَلَّ، استجاب له عِبادُ الله مِن كل قبيلة، فَكَانَ حائِزَ قصبِ سَبْقِهِم، صِدَّيقُ الأُمة، وأسبقُها إلى الإسلام، أبو بكر رضى الله عنه، فآزره فى دين الله، ودعا معه إلى الله على بصيرة، فاستجابَ لأبى بكر: عثمانُ بن عفان، وطلحةُ بن عُبيد الله، وسعدُ بنُ أبى وقاص.
وبادر إلى الاستجابة له صلى الله عليه وسلم صِدَّيقَةُ النِّساءِ: خديجةُ بنت خُويلد، وقامت بأعباء الصِّدِّيقيَّةِ، وقال لها: ((لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسى)). فَقَالَتْ لَهُ: ((أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ الله أبَداً))، ثم استَدَلَّت بما فيه من الصفات الفاضلة، والأخلاق والشيم، على أن مَنْ كان كذلك لا يُخزَى أبَدَاً، فعلمت بكمال عقلها وفِطرتها، أن الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، والشِّيم الشريفة، تُناسِبُ أشكالها من كرامة الله، وتأييده، وإحسانه، ولا تُناسِبُ الخزىَ والخِذلان، وإنما يُناسبه أضدادُها، فمَن ركَّبه الله على أحسنِ الصفات وأحسن الأخلاق والأعمال إنما يليقُ به كرامتهُ وإتمامُ نعمته عليه، ومَنْ ركَّبه على أقبح الصفاتِ وأَسْوَإِ الأخلاق والأعمال إنما يليق به ما يناسبُها، وبهذا العقل والصدِّيقية استحقَّت أن يُرْسِلَ إِلَيْهَا رَبُّها بالسَّلاَمِ مِنْهُ مَعَ رَسُولَيْهِ جِبْرِيل وَمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

فصل

وبادر إلى الإسلام علىُّ بنُ أبى طالب رضى الله عنه وكان ابنَ ثمان سنين، وقيل: أكثرَ من ذلك، وكان فى كفالةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذه من عمهِ أبى طالب إعانةً له فى سَنَةِ مَحْلٍ.
وبادر زيدُ بنُ حارثة حِبُّ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكان غُلاماً لخديجة، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوَّجَها، وقَدِمَ أبوه وعمُّه فى فِدائه، فسألا عن النبىِّ صلى الله عليه وسلم، فقيل: هو فى المسجد، فدخلا عليه، فقال: يا ابنَ عبد المطلب، يا ابنَ هاشم، يا ابنَ سيِّدِ قومه، أنتُم أهلُ حَرَم الله وجيرانه، تفكُّون العانى وتُطعِمُونَ الأسير، جئناكَ فى ابننا عِندك، فامنُن علينا، وأَحْسِنْ إلينا فى فِدائِه، قال: ((ومَن هو)) ؟ قالوا: زيدُ بنُ حارثة، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((فَهَلاَّ غَيْرَ ذلِك)) ؟ قالوا: ما هو ؟ قال: ((أَدْعُوهُ فأُخيِّرُه، فَإن اخْتارَكُم، فَهُوَ لَكُم، وَإِن اخْتَارَنى، فَوَاللَّهِ مَا أَنَا بالَّذِى أَخْتَارُ عَلَى مَن اخْتَارَنى أحَدَاً)) قالا: قد رددتنا على النَّصَفِ، وأحسنتَ، فدعاه فقال: ((هل تعرِفُ هؤلاء)) ؟ قال: نعم، قال: (( مَن هذَا )) ؟ قال: هذا أبى، وهذا عمى، قال: ((فأنا مَن قد علمتَ ورأيتَ، وعرفتَ صحبتى لك، فاخترنى أو اخترهما)) قال: ما أنا بالذى أختارُ عليك أحداً أبداً، أنتَ منى مكان الأب والعم، فقالا: ويحكَ يا زيد، أتختارُ العبودية على الحرية، وعلى أبيك وعمك، وعلى أهل بيتك ؟، قال: نعم، قد رأيتُ من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذى أختارُ عليه أحداً أبداً، فلما رأى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ذلك، أخرجه إلى الحِجرْ، فقال: ((أُشْهِدُكُم أنَّ زَيْدَاً ابنى، يَرِثُنى وأرِثُه)) فلما رأى ذلك أبوه وعمُّه، طابت نفوسُهما، فانصرفا، ودعى زيدَ بن محمد، حتى جاء الله بالإسلام، فنزلت: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} [الأحزاب: 5]، فَدُعِىَ من يَومئذ: زيدَ بن حارثة. قال معمر فى ((جامعه)) عن الزهرى: ((ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة، وهو الذى أخبر الله عنه فى كتابه أنه أنعم عليه، وأنعم عليه رسوله، وسماه باسمه)). وأسلم القسُّ ورقةُ بنُ نوفل، وتمنَّى أَنْ يَكُونَ جَذَعَاً إذ يُخرِجُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قومُه، وفى ((جامع الترمذى)) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه فى المنام فى هيئة حسنة، وفى حديث آخر: ((أنه رآه فى ثياب بياض)).
ودخل الناسُ فى الدين واحداً بعد واحد، وقريشٌ لا تُنكِرُ ذلك، حتى بادأهم بعيب دِينهم، وسبِّ آلهتهم، وأنها لا تَضُرُّ ولا تنفعُ، فحينئذ شمَّروا له ولأصحابه عن سَاقِ العداوة، فحمى الله رسولَهُ بعمِّه أبى طالب، لأنه كان شريفاً معظَّمًا فى قريش، مُطاعاً فى أهله، وأهل مكة لا يتجاسَرونَ على مُكاشفته بشىءٍ من الأذى.
وكان مِن حكمةِ أحكم الحاكمين بقاؤُه على دين قومه، لما فى ذلك من المصالح التى تبدو لمن تأمَّلها.
وأما أصحابُه، فمَن كان له عشيرةٌ تحميه، امتنع بعشيرته، وسائرهُم تَصَدَّوْا له بالأذى والعذاب، منهم عمَّار بن ياسر، وأمُّه سُمَيَّة، وأهلُ بيته، عُذِّبوا فى الله، وكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ بهم وهم يُعذَّبون يقول: ((صَبْراً يا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الجَنَّةُ)).
ومنهم بلالُ بنُ رباح، فإنه عُذِّبَ فى الله أشدَّ العذاب، فهانَ على قومه، وهانت عليه نَفْسُهُ فى الله، وكان كلما اشتدَّ عليه العذابُ يقول: ((أحدٌ أحدٌ. فيمرُّ به ورقةُ بن نوفل. فيقول: إى واللهِ يا بلال أحدٌ أحدٌ، أما واللهِ لَئِن قتلُتُموهُ، لأتَّخِذَنَّه حَنَاناً)).


lvhjf hg[ih]











التعديل الأخير تم بواسطة شريف حمدان ; 18 / 05 / 2013 الساعة 21 : 08 PM
عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 19 / 05 / 2013, 33 : 01 PM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
ابا احمد
اللقب:
مشرف الملتقيات القرآنيه والمرئيات
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية ابا احمد


البيانات
التسجيل: 21 / 02 / 2009
العضوية: 21900
العمر: 61
المشاركات: 9,563 [+]
بمعدل : 1.73 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 1142
نقاط التقييم: 39
ابا احمد is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابا احمد غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
كل الشكر والتقدير لك اخى ******
على جهدك الطيب الرائع
اسال الله ان يتقبله منك فى ميزان حسناتك









عرض البوم صور ابا احمد   رد مع اقتباس
قديم 20 / 05 / 2013, 32 : 05 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان


البيانات
التسجيل: 26 / 01 / 2008
العضوية: 38
العمر: 65
المشاركات: 189,396 [+]
بمعدل : 31.95 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 19176
نقاط التقييم: 791
شريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to behold
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 38
عدد المشاركات : 189,396
بمعدل : 31.95 يوميا
عدد المواضيع : 93024
عدد الردود : 96372
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : شريف حمدان المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
السلام عليكم ورحمه الله

اخي ******

ابا احمد
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

و

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد ملتقى السيرة النبويه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018