طويلب علم مبتدئ
01 / 10 / 2017, 42 : 09 PM
الأحاديث الصحاح
في
أدعية الاستفتاح
جمع وإعداد
مفرح بن سعيد العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين القائلِ: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7]، والصَّلاة والسلام على نبيِّنا محمد القائلِ: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاعلم رحِمك الله أنَّ اتِّباع سنَّة النبي صلى الله وعليه سلم أمرٌ عظيم، يجب العنايةُ به والحرص عليه؛ فهو السبيل الموصلة إلى مرضاة رب العالمين، والفوزِ بجنات النعيم.
ومِن هذه السنن الجليلة التي يَنبغي الحرصُ عليها: أدعية الاستفتاح في الصلوات؛ فقد جاءت السنَّةُ المطهَّرة بأدعية متنوعة لاستفتاح الصلاة، وتنوُّعُ الشيء وتعدُّدُه يدلُّ على عظيم شأنه.
وقد حرَصتُ في هذا البحث أن أجمع بعضًا مِن الأدعية الثابتة في الصحيحين أو في أحدهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في استفتاحه للصلاة، وقد بيَّنتُ معانيَ ألفاظ بعض الأدعية التي تَحتاج إلى توضيحٍ وبيان؛ وذلك ليسهُل على المسلم والمسلمة حفظُها ومعرفة معانيها.
هذا، وأُوصي الجميعَ بحِفظ هذه الأدعية، وتعلُّمِ معانيها، وقراءتها في الصلاة، والتنويع بينها، فيقرأ هذا الدعاءَ تارةً، وتارة يقرأ دعاء آخَرَ، وهذا فيه من الفوائد ما يلي:
1- اتِّباع سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم ينوِّع بين أدعية الاستفتاح، ولو لم يَحصل إلَّا هذه، لكفى بها.
2- حضور القلب عند قراءة هذا الدُّعاء في الصَّلاة والتفكُّر في معانيه؛ وهذا أدعى للخشوع والطمأنينة.
3- إحياء هذه السنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي التنويعُ في أدعية الاستفتاح، فالبعضُ قد لا يحفظ إلا دعاءً واحدًا فقط ويكرِّره في جميع صلواته، فيكون قد فوَّت على نفسه خيرًا كثيرًا.
ختامًا، أسأل اللهَ العظيم أن يرزقنا الإخلاصَ والقَبولَ، وأن ينفَع بهذا البحث عمومَ المسلمين، وأن يُعيننا جميعًا على العمَل بسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والتمسُّكِ بها، والدَّعوة إليها على علمٍ وبَصيرة.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مفرح بن سعيد العتيبي
البريد الإلكتروني: ( تم حذف البريد لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى )
حرر في ليلة الأربعاء: 14/ 1/ 1437هـ
في مدينة الرياض - حرسها الله دارًا للإسلام والسنَّة
♦ ♦ ♦
1 - عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسكتُ بين التكبير وبين القراءة إسكاتةً - قال: أحسبه قال: هُنَيَّةً - فقلتُ: بأبي وأمِّي يا رسولَ الله، إسكاتُك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خَطاياي، كما باعَدتَ بين المشرِق والمغرِب، اللهمَّ نقِّني مِن الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنَس، اللهمَّ اغسِلْ خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ))؛ رواه البخاري (1/ 181) برقم (744)، ومسلم (1/ 419) برقم (598).
هُنَيَّة: بمعنى قليل مِن الزَّمان، والمراد هنا: أن يَسكتَ سكتةً لطيفة.
هذا دعاء في غاية المناسبة في هذا المقام الشريف؛ موقف المناجاة؛ لأنَّ المصلِّيَ يتوجَّه إلى الله تعالى في أن يَمحوَ ذنوبَه، وأن يبعد بينه وبينها إبعادًا لا يحصل معه لقاءٌ، كما لا لِقاءَ بين المشرق والمغرب أبدًا، وأن يزيلَ عنه الذنوبَ والخطايا وينقِّيَه منها، كما يُزال الوسَخ مِن الثوب الأبيض الذي يَظهر أثرُ الغسل فيه، وأن يَغسِله مِن خطاياه ويبرد لهيبها وحرَّها بهذه المنقيات الباردة؛ الماء، والثَّلج، والبَرَد، وهذه تشبيهات في غاية المطابقة؛ (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام).
2 - عن عبدة بن أبي لبابة، أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يَجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهمَّ وبحمدك، تَبارَك اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرُك"؛ أخرجه أصحاب السنن الأربعة، ورواه مسلم برقم (399) (52).
سُبحانك: تَنزيهٌ لله سبحانه عن كلِّ نقص وعيب.
وبحَمْدك: أحمَد بحمدك.
وتَبارَك: مِن البركة؛ وهي الكَثرةُ والاتِّساع.
تعالى: علا وارتفَع.
جدُّك: عظَمتُك.
3 - عن ابن عمر، قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ مِن القوم: "اللهُ أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأَصيلًا"، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن القائل كلمةَ كذا وكذا؟))، قال رجلٌ من القوم: أنا يا رسولَ الله، قال: ((عَجبتُ لها؛ فُتحتْ لها أبوابُ السماء))، قال ابنُ عمر: "فما تركتُهنَّ منذ سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ ذلك"؛ رواه مسلم (1/ 420) برقم (601).
بُكرة: أول النهار.
أَصيلًا: آخر النهار.
4 - عن أنسٍ، أنَّ رجلًا جاء فدَخل الصفَّ وقد حَفَزَه النَّفَسُ، فقال: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه"، فلمَّا قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاتَه قال: ((أيُّكم المتكلِّم بالكلمات؟))، فَأَرَمَّ القومُ، فقال: ((أيُّكم المتكلِّم بها؟ فإنَّه لم يقُلْ بأسًا))، فقال رجلٌ: جئتُ وقد حَفَزَني النَّفَس فقُلتُها، فقال: ((لقد رأيتُ اثني عشَرَ ملَكًا يَبتدرونها، أيُّهم يرفعها))؛ رواه مسلم (149) (600).
حَفَزَه النَّفَس: هو بفَتْح حروفه وتخفيفها؛ أي: ضَغَطَه لسرعته.
فأرَمَّ القومُ: هو بفتح الراء وتشديد الميم؛ أي: سَكتوا.
يَبتدرونها: يتَسابقون إليها.
5 - عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوفٍ، قال: سألتُ عائشةَ أم المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يَفتتح صلاتَه إذا قام مِن الليل؟ قالت: كان إذا قام مِن الليل افتتَح صلاتَه: ((اللهمَّ ربَّ جِبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطرَ السَّماوات والأرض، عالمَ الغيبِ والشهادة، أنتَ تحكُم بين عبادِك فيما كانوا فيه يَختلفون، اهْدِني لِما اختُلف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تَهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ))؛ رواه مسلم (1/ 534) برقم (770).
جبرائيل: ويُطلق عليه جِبريل؛ وهو خيرُ الملائكة، وموكَّلٌ بإنزال الوحي.
مِيكائيل: ملَك مِن الملائكة، موكَّل بإنزال المطر.
إسرافيل: ملَك مِن الملائكة، موكَّل بالنَّفخ في الصور يوم القيامة.
((فاطِر السماوات والأرض)): خالَق السماوات والأرض.
((عالم الغيب والشهادة)): عالم ما غاب عن العِباد وما شاهَدوه.
((اهْدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك)): وفِّقني إلى الحقِّ الذي اختُلف فيه، بفضلِك وتيسيرك.
((صراط مُستقيم)): طريق الحقِّ والصَّواب.
6 - عن عليِّ بن أبي طالبٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة قال: ((وجَّهتُ وجهيَ للذي فطَر السماواتِ والأرضَ حَنيفًا، وما أنا مِن المشركين، إنَّ صلاتي، ونُسُكي، ومَحياي، ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، اللهمَّ أنت المَلِك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، واهدني لأحسنِ الأخلاق لا يَهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها لا يصرفُ عني سيِّئَها إلا أنت، لبَّيك وسعدَيك والخيرُ كلُّه في يدَيك، والشرُّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتَعاليتَ، أستغفرُك وأتوب إليك))؛ رواه مسلم (1/ 534) برقم (771).
وجَّهتُ وجهي: أخلصتُ ديني وعملي لله.
حَنيفًا: مائلًا عن الشِّرك إلى الدين الحقِّ.
صلاتي: عبادتي.
نُسُكي: ذَبْحي، ويَشمل كلَّ ما يتقرَّب به إلى الله تعالى.
مَحياي: ما آتيه في حياتي.
مَماتي: ما أموت عليه من الإيمان والعمل الصَّالح.
لبَّيك: مقيمٌ على طاعتك ومستجيبٌ لك استجابةً بعد استجابة.
سَعْدَيك: إسعادًا بعد إسعاد.
الشر ليس إليك: ليس شرًّا بالنِّسبة إلى حِكْمتك.
أنا بك وإليك: بك أستجيرُ، وإليك ألتجئ.
تباركتَ: استحققتَ الثناءَ العظيم المتزايد.
تعاليتَ: تعاظمتَ.
7 - عن ابن عباسٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جَوْف الليل: ((اللهمَّ لك الحمدُ أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمدُ أنت قَيَّامُ السماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربُّ السماوات والأرض ومن فيهنَّ، أنت الحقُّ، ووعدُك الحقُّ، وقولُك الحقُّ، ولقاؤك حقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنارُ حقٌّ، والساعةُ حقٌّ، اللهمَّ لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفِرْ لي ما قدَّمتُ وأخَّرتُ، وأَسررتُ وأعلنتُ، أنت إلهي لا إله إلا أنت))؛ رواه مسلم (1/ 532) برقم (769)، والبخاري (3/ 3) برقم (1120).
نور السماوات والأرض: اسمٌ من أسماء الله تعالى، ومعناه: أنَّ السماوات والأرض أنارت بنور الله.
قَيَّام السماوات والأرض: الذي يَقوم بحِفْظها ورِعايتها، وفي رواية البخاري: ((قيِّم السماوات والأرض))، وكلاهما بمعنًى واحد.
اللهمَّ لك أسلمتُ: انقدتُ وأطعتُ.
وبك آمنتُ: صدَّقتُ بك وبجميع أوامرك.
وإليك أنبتُ: رجعتُ إليك وأعرضتُ عمَّا سِواك.
وبك خاصمتُ: أدافِعُ عن دينك بالحجَّة أو بالجهاد.
وإليك حاكَمتُ: جعلتك حكَمًا بيني وبين مَن جحد الحقَّ، فلا أرضى إلا بحُكمك.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم المراجع:
1 - صحيح البخاري.
2 - صحيح مسلم.
3 - شرح النووي على صحيح مسلم.
4 - زاد المعاد في هدي خير المعاد؛ لابن قيم الجوزية.
5 - شرح كتاب حصن المسلم؛ للمؤلف: مجدي عبدالوهاب أحمد.
في
أدعية الاستفتاح
جمع وإعداد
مفرح بن سعيد العتيبي
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين القائلِ: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾ [الحشر: 7]، والصَّلاة والسلام على نبيِّنا محمد القائلِ: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاعلم رحِمك الله أنَّ اتِّباع سنَّة النبي صلى الله وعليه سلم أمرٌ عظيم، يجب العنايةُ به والحرص عليه؛ فهو السبيل الموصلة إلى مرضاة رب العالمين، والفوزِ بجنات النعيم.
ومِن هذه السنن الجليلة التي يَنبغي الحرصُ عليها: أدعية الاستفتاح في الصلوات؛ فقد جاءت السنَّةُ المطهَّرة بأدعية متنوعة لاستفتاح الصلاة، وتنوُّعُ الشيء وتعدُّدُه يدلُّ على عظيم شأنه.
وقد حرَصتُ في هذا البحث أن أجمع بعضًا مِن الأدعية الثابتة في الصحيحين أو في أحدهما عن النَّبي صلى الله عليه وسلم في استفتاحه للصلاة، وقد بيَّنتُ معانيَ ألفاظ بعض الأدعية التي تَحتاج إلى توضيحٍ وبيان؛ وذلك ليسهُل على المسلم والمسلمة حفظُها ومعرفة معانيها.
هذا، وأُوصي الجميعَ بحِفظ هذه الأدعية، وتعلُّمِ معانيها، وقراءتها في الصلاة، والتنويع بينها، فيقرأ هذا الدعاءَ تارةً، وتارة يقرأ دعاء آخَرَ، وهذا فيه من الفوائد ما يلي:
1- اتِّباع سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم ينوِّع بين أدعية الاستفتاح، ولو لم يَحصل إلَّا هذه، لكفى بها.
2- حضور القلب عند قراءة هذا الدُّعاء في الصَّلاة والتفكُّر في معانيه؛ وهذا أدعى للخشوع والطمأنينة.
3- إحياء هذه السنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهي التنويعُ في أدعية الاستفتاح، فالبعضُ قد لا يحفظ إلا دعاءً واحدًا فقط ويكرِّره في جميع صلواته، فيكون قد فوَّت على نفسه خيرًا كثيرًا.
ختامًا، أسأل اللهَ العظيم أن يرزقنا الإخلاصَ والقَبولَ، وأن ينفَع بهذا البحث عمومَ المسلمين، وأن يُعيننا جميعًا على العمَل بسنَّة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، والتمسُّكِ بها، والدَّعوة إليها على علمٍ وبَصيرة.
وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مفرح بن سعيد العتيبي
البريد الإلكتروني: ( تم حذف البريد لأن عرضه مخالف لشروط المنتدى )
حرر في ليلة الأربعاء: 14/ 1/ 1437هـ
في مدينة الرياض - حرسها الله دارًا للإسلام والسنَّة
♦ ♦ ♦
1 - عن أبي هريرة، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسكتُ بين التكبير وبين القراءة إسكاتةً - قال: أحسبه قال: هُنَيَّةً - فقلتُ: بأبي وأمِّي يا رسولَ الله، إسكاتُك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهمَّ باعِدْ بيني وبين خَطاياي، كما باعَدتَ بين المشرِق والمغرِب، اللهمَّ نقِّني مِن الخطايا كما يُنقَّى الثوبُ الأبيض من الدَّنَس، اللهمَّ اغسِلْ خطاياي بالماءِ والثَّلجِ والبَرَدِ))؛ رواه البخاري (1/ 181) برقم (744)، ومسلم (1/ 419) برقم (598).
هُنَيَّة: بمعنى قليل مِن الزَّمان، والمراد هنا: أن يَسكتَ سكتةً لطيفة.
هذا دعاء في غاية المناسبة في هذا المقام الشريف؛ موقف المناجاة؛ لأنَّ المصلِّيَ يتوجَّه إلى الله تعالى في أن يَمحوَ ذنوبَه، وأن يبعد بينه وبينها إبعادًا لا يحصل معه لقاءٌ، كما لا لِقاءَ بين المشرق والمغرب أبدًا، وأن يزيلَ عنه الذنوبَ والخطايا وينقِّيَه منها، كما يُزال الوسَخ مِن الثوب الأبيض الذي يَظهر أثرُ الغسل فيه، وأن يَغسِله مِن خطاياه ويبرد لهيبها وحرَّها بهذه المنقيات الباردة؛ الماء، والثَّلج، والبَرَد، وهذه تشبيهات في غاية المطابقة؛ (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام).
2 - عن عبدة بن أبي لبابة، أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يَجهر بهؤلاء الكلمات، يقول: "سبحانك اللهمَّ وبحمدك، تَبارَك اسمُك، وتعالى جَدُّك، ولا إلهَ غيرُك"؛ أخرجه أصحاب السنن الأربعة، ورواه مسلم برقم (399) (52).
سُبحانك: تَنزيهٌ لله سبحانه عن كلِّ نقص وعيب.
وبحَمْدك: أحمَد بحمدك.
وتَبارَك: مِن البركة؛ وهي الكَثرةُ والاتِّساع.
تعالى: علا وارتفَع.
جدُّك: عظَمتُك.
3 - عن ابن عمر، قال: بينما نحن نصلِّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال رجلٌ مِن القوم: "اللهُ أكبر كَبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسُبحان الله بُكرةً وأَصيلًا"، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن القائل كلمةَ كذا وكذا؟))، قال رجلٌ من القوم: أنا يا رسولَ الله، قال: ((عَجبتُ لها؛ فُتحتْ لها أبوابُ السماء))، قال ابنُ عمر: "فما تركتُهنَّ منذ سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقولُ ذلك"؛ رواه مسلم (1/ 420) برقم (601).
بُكرة: أول النهار.
أَصيلًا: آخر النهار.
4 - عن أنسٍ، أنَّ رجلًا جاء فدَخل الصفَّ وقد حَفَزَه النَّفَسُ، فقال: "الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه"، فلمَّا قضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صلاتَه قال: ((أيُّكم المتكلِّم بالكلمات؟))، فَأَرَمَّ القومُ، فقال: ((أيُّكم المتكلِّم بها؟ فإنَّه لم يقُلْ بأسًا))، فقال رجلٌ: جئتُ وقد حَفَزَني النَّفَس فقُلتُها، فقال: ((لقد رأيتُ اثني عشَرَ ملَكًا يَبتدرونها، أيُّهم يرفعها))؛ رواه مسلم (149) (600).
حَفَزَه النَّفَس: هو بفَتْح حروفه وتخفيفها؛ أي: ضَغَطَه لسرعته.
فأرَمَّ القومُ: هو بفتح الراء وتشديد الميم؛ أي: سَكتوا.
يَبتدرونها: يتَسابقون إليها.
5 - عن أبي سلمة بن عبدالرحمن بن عوفٍ، قال: سألتُ عائشةَ أم المؤمنين: بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم يَفتتح صلاتَه إذا قام مِن الليل؟ قالت: كان إذا قام مِن الليل افتتَح صلاتَه: ((اللهمَّ ربَّ جِبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطرَ السَّماوات والأرض، عالمَ الغيبِ والشهادة، أنتَ تحكُم بين عبادِك فيما كانوا فيه يَختلفون، اهْدِني لِما اختُلف فيه من الحقِّ بإذنك، إنك تَهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ))؛ رواه مسلم (1/ 534) برقم (770).
جبرائيل: ويُطلق عليه جِبريل؛ وهو خيرُ الملائكة، وموكَّلٌ بإنزال الوحي.
مِيكائيل: ملَك مِن الملائكة، موكَّل بإنزال المطر.
إسرافيل: ملَك مِن الملائكة، موكَّل بالنَّفخ في الصور يوم القيامة.
((فاطِر السماوات والأرض)): خالَق السماوات والأرض.
((عالم الغيب والشهادة)): عالم ما غاب عن العِباد وما شاهَدوه.
((اهْدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك)): وفِّقني إلى الحقِّ الذي اختُلف فيه، بفضلِك وتيسيرك.
((صراط مُستقيم)): طريق الحقِّ والصَّواب.
6 - عن عليِّ بن أبي طالبٍ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه كان إذا قام إلى الصَّلاة قال: ((وجَّهتُ وجهيَ للذي فطَر السماواتِ والأرضَ حَنيفًا، وما أنا مِن المشركين، إنَّ صلاتي، ونُسُكي، ومَحياي، ومماتي لله ربِّ العالمين، لا شريك له، وبذلك أُمرتُ وأنا من المسلمين، اللهمَّ أنت المَلِك لا إله إلا أنت، أنت ربي، وأنا عبدُك، ظلمتُ نفسي، واعترفتُ بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوبَ إلا أنت، واهدني لأحسنِ الأخلاق لا يَهدي لأحسنِها إلا أنت، واصرِفْ عني سيِّئَها لا يصرفُ عني سيِّئَها إلا أنت، لبَّيك وسعدَيك والخيرُ كلُّه في يدَيك، والشرُّ ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركتَ وتَعاليتَ، أستغفرُك وأتوب إليك))؛ رواه مسلم (1/ 534) برقم (771).
وجَّهتُ وجهي: أخلصتُ ديني وعملي لله.
حَنيفًا: مائلًا عن الشِّرك إلى الدين الحقِّ.
صلاتي: عبادتي.
نُسُكي: ذَبْحي، ويَشمل كلَّ ما يتقرَّب به إلى الله تعالى.
مَحياي: ما آتيه في حياتي.
مَماتي: ما أموت عليه من الإيمان والعمل الصَّالح.
لبَّيك: مقيمٌ على طاعتك ومستجيبٌ لك استجابةً بعد استجابة.
سَعْدَيك: إسعادًا بعد إسعاد.
الشر ليس إليك: ليس شرًّا بالنِّسبة إلى حِكْمتك.
أنا بك وإليك: بك أستجيرُ، وإليك ألتجئ.
تباركتَ: استحققتَ الثناءَ العظيم المتزايد.
تعاليتَ: تعاظمتَ.
7 - عن ابن عباسٍ، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جَوْف الليل: ((اللهمَّ لك الحمدُ أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمدُ أنت قَيَّامُ السماوات والأرض، ولك الحمد أنت ربُّ السماوات والأرض ومن فيهنَّ، أنت الحقُّ، ووعدُك الحقُّ، وقولُك الحقُّ، ولقاؤك حقٌّ، والجنَّةُ حقٌّ، والنارُ حقٌّ، والساعةُ حقٌّ، اللهمَّ لك أسلمتُ، وبك آمنتُ، وعليك توكَّلتُ، وإليك أنبتُ، وبك خاصمتُ، وإليك حاكمتُ، فاغفِرْ لي ما قدَّمتُ وأخَّرتُ، وأَسررتُ وأعلنتُ، أنت إلهي لا إله إلا أنت))؛ رواه مسلم (1/ 532) برقم (769)، والبخاري (3/ 3) برقم (1120).
نور السماوات والأرض: اسمٌ من أسماء الله تعالى، ومعناه: أنَّ السماوات والأرض أنارت بنور الله.
قَيَّام السماوات والأرض: الذي يَقوم بحِفْظها ورِعايتها، وفي رواية البخاري: ((قيِّم السماوات والأرض))، وكلاهما بمعنًى واحد.
اللهمَّ لك أسلمتُ: انقدتُ وأطعتُ.
وبك آمنتُ: صدَّقتُ بك وبجميع أوامرك.
وإليك أنبتُ: رجعتُ إليك وأعرضتُ عمَّا سِواك.
وبك خاصمتُ: أدافِعُ عن دينك بالحجَّة أو بالجهاد.
وإليك حاكَمتُ: جعلتك حكَمًا بيني وبين مَن جحد الحقَّ، فلا أرضى إلا بحُكمك.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أهم المراجع:
1 - صحيح البخاري.
2 - صحيح مسلم.
3 - شرح النووي على صحيح مسلم.
4 - زاد المعاد في هدي خير المعاد؛ لابن قيم الجوزية.
5 - شرح كتاب حصن المسلم؛ للمؤلف: مجدي عبدالوهاب أحمد.