المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بُحُوثُ السيرة النبوية


الصفحات : 1 [2]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 51 : 02 AM
وَمُرّةُ مَنْقُولٌ مِنْ وَصْفِ الْحَنْظَلَةِ وَالْعَلْقَمَةِ،
وَكَثِيرًا مَا يُسَمّونَ بِحَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ.
بن كعب بن لؤىّ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كنانة بن خزيمة.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 57 : 02 AM
وَأَمّا كَعْبٌ:
قِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسَتْرِهِ عَلَى قَوْمِهِ وَلِينِ جَانِبِهِ لَهُمْ،
مَنْقُولٌ مِنْ كَعْبِ الْقَدَمِ(40) لثبوته(42) و
إمّا مِنْ الْكَعْبِ الّذِي هُوَ قِطْعَةٌ مِنْ السّمْنِ(41)،
وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: مِنْ كَعْبِ الْقَنَاةِ،
وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِارْتِفَاعِهِ عَلَى قَوْمِهِ وَشَرَفِهِ فِيهِمْ فَلِذَلِكَ كَانُوا يَخْضَعُونَ لَهُ حَتَّى أَرَّخُوا بِمَوْتِهِ.(43)
و
كعب ابن لُؤَيّ
هَذَا أَوّلُ مَنْ جَمَعَ يَوْمَ الْعَرُوبَةِ.
وهُوَ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ قَوْمَهُ كُلَّ جُمُعَةٍ، وَيُبَشِّرُهُمْ بِــــ
مَبْعَثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ،
وَيُنْشِدُ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا،
وَهُوَ أَخُو عَامِرٍ؛ وَسَامَةَ؛ وَخُزَيْمَةَ؛ وَسَعْدٍ؛وَالْحَارِثِ؛ وَعَوْفٍ، سَبْعَتُهُمْ أَبْنَاءُ لُؤَيٍّ أَخِي تَيْمٍ الْأَدْرَمِ،
وَهُمَا أَبْنَاءُ غَالِبٍ أَخِي الْحَارِثِ، وَمُحَارِبٍ ثَلَاثَتُهُمْ أَبْنَاءُ فِهْرٍ،
وَهُوَ أَخُو الْحَارِثِ، وَكِلَاهُمَا ابْنُ مَالِكٍ وَهُوَ أَخُو الصَّلْتِ وَيَخْلُدَ،
وَهُمْ بَنُو النَّضْرِ الَّذِي إِلَيْهِ جِمَاعُ قُرَيْشٍ عَلَى الصَّحِيحِ
وَهُوَ أَخُو مَالِكٍ؛ وَمِلْكَانَ؛ وَعَبْدِمَنَاةَ، وَغَيْرِهِمْ،
كُلُّهُمْ أَوْلَادُ كِنَانَةَ أَخِي أَسَدٍ؛
وَأَسَدَةَ؛ وَالْهَوْنِ أَوْلَادِ خُزَيْمَةَ، وَهُوَ أَخُو هُذَيْلٍ، وَهُمَا ابْنَا مُدْرِكَةَ - وَاسْمُهُ عَمْرٌو أَخُو طَابِخَةَ وَاسْمُهُ عَامِرٌ - وَقَمَعَةَ ثَلَاثَتُهُمْ أَبْنَاءُ إِلْيَاسَ،
وَأَخُو إِلْيَاسَ هُوَ عَيْلَانُ وَالِدُ قَيْسٍ كُلِّهَا وَهُمَا وَلَدَا مُضَرَ أَخِي رَبِيعَةَ، وَيُقَالَ لَهُمَا :«الصَّرِيحَانِ» مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَأَخَوَاهُمَا أَنْمَارٌ؛ وَإِيَادٌ تَيَامَنَا، أَرْبَعَتُهُمْ أَبْنَاءُ نِزَارٍ أَخِي قُضَاعَةَ - فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ قُضَاعَةَ حِجَازِيَّةٌ عَدْنَانِيَّةٌ كِلَاهُمَا أَبْنَاءُ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.(44).

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 59 : 02 AM
قوله: ابْنِ لُؤَيّ:


وَأَمّا لُؤَيّ، فَهُوَ تَصْغِيرُ اللّأْيِ(45)، وَهُوَ الثّوْرُ الْوَحْشِيّ (46)


ابْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَإِلَيْهِ جِمَاعُ قُرَيْشٍ، وَمَا كَانَ فَوْقَ فِهْرٍ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ بَلْ هُوَ كِنَانِيٌّ،ابْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 00 : 03 AM
قوله: فِهْرٌ [الجد العاشر للنبي - صلى الله عليه وسلم -]
وَأَمّا فِهْرٌ(47) فَقَدْ قِيلَ: إنّهُ لَقَبٌ، وَالْفِهْرُ مِنْ الْحِجَارَةِ: الطّوِيلُ،
واسمه:" قُرَيْشٌ "،
وَقِيلَ: بَلْ اسْمُهُ فِهْرٌ، وَقُرَيْشٌ لَقَبٌ لَهُ(48)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 06 : 03 AM
من هم قريش ؟
قبيلة قريش هم أولاد قريش، واختلف النَّسَّابون في قريش هذا منهو.. على عدة أقوال:
1.) الأول: قيل هو: النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بنمضر.
قال ابن هشام: " النضر: قريش، فمن كان من ولده فهو: قرشي. ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي"(49).
وإلى هذا القول ذهب بعض الشافعية(50)، ويدل على ذلك ما ذكره ابن إسحاق وغيره في قصة وفد كِنده: " أن الأشعث بن قيس قال: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار(51؛ 52)؛ فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبدالمطلب، وربيعة بن الحارث... ثم قال لهم: لا. بل نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمنا (53) ولاننتفي من أبينا، فقال الأشعث بن قيس: هل فرغتم يا معشر كندة؟ والله لا أسمع رجلاً يقولها إلا ضربته ثمانين" (54) قال البغدادي: "وهذا اختيار أبي عبيدة معمر بن المثنى، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وبه قال الشافعي رضي الله عنه وأصحابه)(55) وهو قول ابن حزم (56) وابن منظور (57) . وقول الحافظ ابن حجر(43)؛ وابن قيم الجوزية(58) .
2 . ) الثاني: أن قريشًا هو فهر بن مالك،
قال الزبيري: " قالوا: اسم فهر بن مالك، قريش، ومن لم يلد فهر فليس من قريش" (59).
وقال الزبيدي: "والصحيح عند أئمة النسب أن قريشًا هو: فهر بن مالك بن النضر، وهو: جماع قريش وهو: الجد الحادي عشر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -(60) ؛ لأن نسبه كالتالي: محمد بن عبدالهي بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر... (61)
فكل من لم يلده فليس بقرشي (62)
قيل: اسمه فهر. ولقبه: قريش. وقيل: العكس، وقد روي عن نسابي العرب أنهم قالوا: من جاوز فهرًا فليس من قريش (63)؛ قال الزهري: "وهو الذي أدركت عليه من أدركت من نسابي العرب أن من جاوز فهرًا فليس من قريش" (64).
قال الشنقيطي: "فالفهري قرشي بلا نزاع، ومن كان من أولاد مالك بن النضر، أو أولاد النضر بن كنانة ففيه خلاف، ومن كان من أولاد كنانة من غير النضر فليس بقرشي بلا نزاع"(65) ويدل على ذلك ما رواه واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بين هاشم» (66) .
وهناك أقوال أخرى ضعيفة..
وسميت قريش قريشًا من التقرش، والتقرش التجارة والاكتساب، وقال ابن إسحاق: يقال سميت قريش قريشًا لتجمعها من بعد تفرقها(67)،
قال الزبيدي: "وقد حكى بعضهم في تسمية فهر بقريش عشرين قولاً"..
أوردها في شرحه على (القاموس)" (68). وقيل غير ذلك (69).

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 17 : 09 PM
وَمَالِكٌ وَالنّضْرُ [الجدِّ الثاني عشر للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -] وَكِنَانَةُ لَا إشْكَالَ فِيهَا. قَوْلُهُ : " ابْنِ غَالِبٍ) لَا إِشْكَالَ فِيهِ كَمَا لَا إِشْكَالَ فِي مَالِكٍ وَالنَّضْرِ.". (70) مالك فاعل من (ملك) والنضر هو أبو جميع قريش، والنضر: الذهب بعينه هو الذهب الأحمر، والنضار: الخالص من كل شئ، وربما سمى الذهب: نضارا، وكل شئ استحسن فهو نضير.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 18 : 09 PM
وقَوْلُهُ : " ابْنِ كِنَانَةَ: هُوَ بِلَفْظِ وِعَاءِ السِّهَامِ (النّبل) إِذَا كَانَتْ مِنْ جُلُودٍ . فإن كانت من خشب، فهى جفير، وإن كانت من قطعتين مقرونتين فهى قرن، والكنانة تجمع هذا كله.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 20 : 09 PM
قوله: خُزَيْمَةُ:


وَخُزَيْمَةُ وَالِدُ كِنَانَةَ تَصْغِيرُ خَزَمَةَ، وَهِيَ :"مَرَّةٌ" وَاحِدَةُ مِنْ الْخَزْمِ، وَهُوَ: شد الشئ وَإِصْلَاحُهُ. وَ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخَزَمُ مِثْلُ الدّوْمِ تُتّخَذُ مِنْ سَعَفِهِ الْحِبَالُ، وَيُصْنَعُ مِنْ أَسَافِلِهِ خَلَايَا لِلنّحْلِ، وَلَهُ ثَمَرٌ لَا يَأْكُلُهُ النّاسُ، ولكن تألفه الغربان وتستطيبه.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 26 : 09 PM
ابن مُدْرِكَةَ، وَاسْمُهُ عَمْرٌو عِنْدَ الْجُمْهُورِ،وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ(71) عَامِرُ بْنُ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدّ بْنِ عَدْنَانَ بن أدّ


مُدْرِكَةُ وَإِلْيَاسُ:


وَأَمّا مُدْرِكَةُ(72) فَمَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ، وَإِلْيَاسُ أَبُوهُ. وَقَالَ فِي اشْتِقَاقِهِ أَقْوَالًا مِنْهَا: " أَنّهُ إفْعَالٌ مِنْ قَوْلِهِمْ: رَجُلٌ أَلْيَسُ، وَهُوَ الشّجَاعُ الّذِي لَايَفِرّ."
ويذكر عَنْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّهُ قَالَ: لَا تَسُبّوا إلْيَاسَ، فَإِنّهُ كَانَ مُؤْمِنًا (73) قال البرهان الزركشى: لا أدرى حال هذا الحديث.
والذى فى الجامع الصغير: «لا تسبوا مضر، فإنه كان قد أسلم» رواه ابن سعد عن عبدالله بن خالد مرسلا، وهو ضعيف.


وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ يَسْمَعُ فِي صُلْبِهِ تَلْبِيَةَ النبى -صلى الله عليه وسلم- بِالْحَجّ(74).
وهذه أسطورة لا يشرف النبى صلى الله عليه وسلم أن نخترعها له.
يَنْظُرُ فِي كِتَابِ الْمَوْلِدِ لِلْوَاقِدِيّ.


وَإِلْيَاسُ أَوّلُ مَنْ أَهْدَى الْبُدْنَ (75)


قَوْلُهُ: ابْنِ مُضَرَ : الأبيض مشتق من اللبن الماضر والمضيرة شئ يُصْنَعُ مِنْ اللّبَنِ(76)، فَسُمّيَ: مُضَرَ لِبَيَاضِهِ (77) .. وَ
مُضَرُ أَوّلُ مَنْ سَنّ لِلْعَرَبِ حداء الإبل(78)، وكان أحسن النّاس صوتا فِيمَا زَعَمُوا-.
وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيّ: « لَا تَسُبّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ،فَإِنّهُمَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ »(79).
وَمُضَرُ: قَالَ الْقُتَبِيّ هُوَ مِنْ الْمَضِيرَةِ، أو من اللبن الماضر،
قِيلَ : سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ شُرْبَ اللَّبَنِ الْمَاضِرِ وَهُوَ الْحَامِضُ،
وَقِيلَ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِبَيَاضِهِ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ يُمَضِّرُ الْقُلُوبَ لِحُسْنِهِ وَجَمَالِهِ. (80)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 34 : 09 PM
قَوْلُهُ: نِزَارٌ وَمَعَدّ:
وَأَمّا نِزَارُ، فَمِنْ النّزْرِ وَهُوَ الْقَلِيلُ، قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْأَصْبَهَانِيُّ: سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرِيدَ عَصْرِهِ.(81)]
وَكَانَ أَبُوهُ حِينَ وُلِدَ لَهُ، وَنَظَرَ إلَى النّورِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى الأصلاب إلى محمد...(82).. يغلو بعض الناس فى تقديس الرسول- صلى الله عليه وسلم- تقديسا ينزع بهم إلى تأليهه، أو يسبغ عليه ما أسبغ الأسطوريون على يسوع، فيرددون ما ردده السهيلي هنا، و
حقائق التاريخ تكذب هذه المفتريات، و
القرآن يدمغها بأنها ضلالة، و
الأحاديث الصحيحة تنفيها.
فإن هذه المفتريات تزعم أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان نورا يتنقل فى الأصلاب من آدم إلى عبدالله، وأن هذا النور كان يشرق فى جباه هؤلاء الذين كان ينتقل فى أصلابهم.
ويستشهدون على هذا بقوله سبحانه- (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) وأيضا بما رواه البزار وابن أبى حاتم من طريقين- عن ابن عباس- أنه قال فى هذه الآية: «يعنى تقلبه من صلب نبى إلى صلب نبى حتى أخرجه نورا»
والآية القرآنية لا تعطى هذا المفهوم،
وإليك ما يقوله ابن كثير فى تفسير قوله تعالى (الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ، وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الشعراء: 218 ،219. «قال ابن عباس: (الذى يراك حين تقوم) . يعنى إلى الصلاة،
وقال عكرمة: يرى قيامه وركوعه وسجوده.
وقال الحسن: (الذى يراك حين تقوم) إذا صليت وحدك،
وقال الضحاك: (الذى يراك حين تقوم) أى من فراشك، أو مجلسك،
وقال قتادة: (الذى يراك) قائما وجالسا، وعلى حالاتك وقوله تعالى: (وتقلبك فى الساجدين)
قال قتادة: (الذى يراك حين تقوم، وتقلبك فى الساجدين)
قال: فى الصلاة يراك وحدك، ويراك فى الجمع،
وهذا قول عكرمة، وعطاء الخراسانى، والحسن البصرى .
ويقول البغوى: «وقيل معناه: يرى تصرفك وذهابك ومجيئك فى أصحابك المؤمنين،
وقيل تصرفك فى أحوالك كما كانت الأنبياءمن قبلك» .
أما ما نقله البزار وابن أبى حاتم عن ابن عباس فهو كلام مفترى على حبر هذه الأمة ابن عباس؛ ولهذا لم يخرجه أحد من رواة الحديث فى صحيحه أو مسنده أو سننه،
وقول ابن عباس الذى نقله ابن كثير يدمغ ما نقله البزار بأنه موضوع.
ثم إنا نسأل: أكان آزر والد إبراهيم من الساجدين؟
وحسبنا هذا، ولن نتعرض لغيره ممن تنقل الرسول- صلى الله عليه وسلم- فى أصلابهم كما يزعمون.
والله تعالى يأمر فى القرآن نبيه أن يصدع بهذه الآيات: (قُلْ: إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ذكرت مرة فى سورة الكهف،
وأخرى فى فصّلت، (قُلْ: ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي، وَلا بِكُمْ )الأحقاف
(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ، وَلَا الْإِيمانُ)
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ)
أفمن خصائص البشرية ما يزعم المفترون؟ .
وهل تقلّب الرسل جميعا تقلب محمد، فهو ليس بدعا من الرسل؟
وإذا ثبت أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ببرهان القرآن- لم يكن يعرف إيمانا ولا كتابا قبل بعثته،
فمن أين هذه النبوة التى كان يشرق نورها على جباه أصلابه؟
إن حقائق القرآن تشهد لمحمد - صلى الله عليه وسلم- بأنه خاتم الرسل، وعلى خُلُقٍ عظيم، وبأنه بالمؤمنين رءوف رحيم، وبأنه ما افترى على الله كذبا.
فلنشهد له بما شهد له به القرآن، لا بما يزينه الشيطان.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 36 : 09 PM
نكمل :
وَهُوَ نُورُ النّبُوّةِ الّذِي كان ينتقل فى الأصلاب إلى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرِحَ فَرَحًا شَدِيدًابِهِ، وَنَحَرَ وَأَطْعَمَ، وَقَالَ: إنّ هَذَا كُلّهُ نَزْرٌ لِحَقّ هَذَا الْمَوْلُودِ،
فَسُمّيَ: نِزَارًا لِذَلِكَ(83) سمى بذلك قيل: أنه لقب به لنحافته؛
وعن الماوردى أنه كان مهزول البدن، فقال له ملك الفرس: ما لك يا نزار: ومعناها في الفارسية، مهزول.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 40 : 09 PM
قَوْلُهُ :" ابْنِ مَعَدٍّ " وَأَصْلُهُ مِنْ الْمَعْدِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ، وَهُوَ الْقُوّةُ.
مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ.. وَهَذَا النَّسَبُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فَجَمِيعُ قَبَائِلِ عَرَبِ الْحِجَازِ يَنْتَهُونَ إِلَى هَذَا النَّسَبِ،
وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: « ذَٰلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّـهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًاۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ».
[ الشُّورَى : 23 ]
لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ، إِلَّا وَلِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسَبٌ يَتَّصِلُ بِهِمْ.
وَصَدَقَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا قَالَ، وَأَزْيَدَ مِمَّا قَالَ؛ وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ قَبَائِلِ الْعَرَبِ الْعَدْنَانِيَّةِ تَنْتَهِي إِلَيْهِ بِالْآبَاءِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ بِالْأُمَّهَاتِ أَيْضًا، كَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ فِي أُمَّهَاتِهِ وَأُمَّهَاتِ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ، مِمَّا يَطُولُ ذِكْرُهُ.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 44 : 09 PM
عَدْنَانُ: [الجدُّ العشرون]
وَأَمّا عَدْنَان
قَوْلُهُ : " ابْنِ عَدْنَانَ مِنْ عَدَنَ إذَا أَقَامَ في المكان؛
ومنه جنات عدن أي جنات إقامة وخلود(84)
وَقَدْ رَوَى أَبُو جَعْفَرِ بْنُ حَبِيبٍ فِي تَارِيخِهِ" الْمُحَبَّرِ " مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " كَانَ عَدْنَانُ وَمَعَدٍّ وَرَبِيعَةُ وَمُضَرُ وَخُزَيْمَةُ وَأَسَدٌ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، فَلَا تَذْكُرُوهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ " .
وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا :" لَا تَسُبُّوا مُضَرَ وَلَا رَبِيعَةَ فَإِنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ "...
وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.(85)
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ حديثا مرفوعا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " اسْتَقَامَ نَسَبُ النَّاسِ إِلَى مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ قَالَ : أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : بَيْنَ مَعَدٍّ وَإِسْمَاعِيلَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَيِّفٌ وَثَلاثُونَ أَبًا، وَكَانَ لا يُسَمِّيهِمْ وَلا يَنْفُذُهُمْ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ حَيْثُ سَمِعَ حَدِيثَ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " أَنَّهُ كَانَ إِذَا بَلَغَ مَعَدَّ بْنَ عَدْنَانَ أَمْسَكَ "( 86).
أضف ايضا ما عند ابن سعد في طبقاته حديثا مقطوعا؛ وفي المنتظم في التاريخ: " قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: " مَا وَجَدْنَا أَحَدًا يَعْرِفُ مَا وَرَاءَ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ " (87).

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 04 / 2019, 54 : 09 PM
تَنْبِيهٌ :
اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ مِنَ النَّسَبِ الشَّرِيفِ عَلَى عَدْنَانَ، وَقَدْ أَخْرَجَ فِي التَّارِيخِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ يَعِيشَ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِثْلَ هَذَا النَّسَبِ، وَ
زَادَ بَعْدَ عَدْنَانَ " ابْنَ أَدَدَ بْنِ الْمُقَوِّمِ بْنِ تَارِحِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ نَابِتِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ " .

قلت (الرمادي):" وَأكتفي بهذا القدر مِن التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ.
وَاَللهُ أَعْلَمُ
فقد- أَعْرَضَ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ رَفْعِ نَسَبِ عَدْنَانَ إلَى إسْمَاعِيلَ، لِمَا فِيهِ مِنْ التّخْلِيطِ(88) والتغيير فِي الْأَلْفَاظِ، وَعَوَاصَةِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَعَ قِلّةِ الْفَائِدَةِ فِي تحصيلها.


﴿ باب رقم : 46/ الفصل: 2 ﴾
نال شرف قراءة ومراجعة وبحث وكتابه :" التَّرْجَمَةِ النَّبَوِيَّةِ ".
ضعيف الحال ؛ صاحب الجسم الهزال مشغول البال ... إن لم يصلح حاله صاحب الأمر ومالك الأمر رب العرش العظيم ... رب الأولين وإله الأخرين ومالك يوم الدين :
محمدفخرالدين الرمادي
12 شعبان 1440 هــ~ 17 أبريل 2019م
[يتبع بإذنه تعالى]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
19 / 04 / 2019, 26 : 07 PM
*-*-*-*-

„العواتك‟
و
„الفواطم‟

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
19 / 04 / 2019, 08 : 08 PM
اتماماً لمسألة النسب الطاهر الشريف لخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم- نضع فوق رؤوس الأشهاد وأمام أعين الناس في الغرب قبل الشرق والجنوب قبل الشمال ما تناولته كتب الحديث مِن بحث كَرَامَةِ أَصْلِهِ وعرض كَرَامَةِ أَصْلِهِ؛ فالحديث عن خاتم الأنبياء والحديث عن خاتمة الرسالات والحديث عن آخر تشريع السماء وآخر منهاج الرحمن لخلقه أجمعين ؛ وحامل الرسالة ومبلغ التشريع هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ... فوجب على الجميع التأكد والتثبت عنه وعن اصله ...
فنقرأ:
١ . ] أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ- كان يَعْتَزِي في الحربِ ويقول :
« أنا ابنُ „ العواتِك ‟»[(1)] .
يعني انْتَسَبَ وَانْتَمَى[(2)].
أي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ وَهِيَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ[(3)].
قلت(الرمادي) : وهذه تحتاج لوقفة تشريعية ومنهجية فكلام النبي المرسل والرسول المبتعث حديث تشريعي وطريقة منهجية ... وليس مجرد كلام طيب -فقط- ... بل تشريع ومنهج وطريقة وطراز خاص من الحياة لأمة الإسلام ... فغياب منهجية السنة في الحياة العامة وغياب التشريع الإسلامي المحمدي في طريقة الحياة تجعلنا نقلد الغرب تارة -والغرب تائه في نظريات تربوية أو تعليمية- أو نتقمص الشرق تارة آخرى -والشرق يتراجع في كافة المجالات- ...

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 31 : 04 PM
١ . ] أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلَّمَ- كان يَعْتَزِي في الحربِ ويقول :
«أنا ابنُ „ العواتِك ‟»[(1)]
[حديث مرسل].
يعني انْتَسَبَ وَانْتَمَى[(2)]. أي يَعْتَزِي بِعِزْوَاتِهِمْ وَهِيَ الِانْتِسَابُ إلَيْهِمْ[(3)].


١ . ١ . ] وروي عن علي -رضي الله تعالى عنه؛ وكرم وجهه- [(4)] وعن قتادة « أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجرى فرسه مع أبي أيوب الأنصاري فسبقته فرس المصطفى، فقال:
« أنا ابن „ العواتك ‟.. إنه لهو الجواد البحر » يعني فرسه. [(5)] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 38 : 04 PM
١ . ٢ . ] « أنا ابنُ „ العواتِك ‟ من سُلَيمٍ»[(6)]
[وهذا الخبر يرتفع لدرجة الحديث الحسن] [(7)]


٢ . ] وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعَ الْبَرَاءُ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا أَبَا عُمَارَةَ ، أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ ؟ ،
فَقَالَ : لَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَفِرَّ، إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا رُمَاةً، فَلَمَّا لَقِينَاهُمْ وَحَمَلْنَا عَلَيْهِمُ انْهَزَمُوا، فَأَقْبَلَ النَّاسُ عَلَى الْغَنَائِمِ، فَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ، فَانْهَزَمَ النَّاسُ فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ
[مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] [(8)].


٢ . ١ . ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بعض غزواته « أنا النبي لا كذب، أنا „ ابن عبدالمطلب ‟ أنا ابن „ العواتك ‟ »[(9)]


٢ . ٢ . ] وقال صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته -أي في غزوةحنين وفي غزوة أحد - « أنا النبي لا كذب، أنا „ ابن عبدالمطلب‟، أنا ابن „ العواتك ‟»[(10)]
ثم:

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 43 : 04 PM
٣ . ] قوله صلى الله عليه وسلم:« أنا ابن „ العواتك ‟ و „ الفواطم ‟ » [(11)]
[والحديث مرسل؛وتجده عند البخاري] [(12)]


٣ . ١ . ] وروى عن أبي بكر بن البرقي قال حدثني بعض الطالبيين قال: يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد:« أنا ابن „ الفواطم ‟ »[(13)] ولاينافيه ما سبق أنه قال في ذلك اليوم «أنا ابن „ العواتك ‟» لأنه يجوز أن يكون قال كلا من الكلمتين في ذلك اليوم.[(14)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 47 : 04 PM
تنبيه :
افتخر رسول الله صلى الله عليه وسلم بجداته.. أي تحدث بنعمة ربه -سبحانه وتعالى في سماه وتقدست اسماه- قاصداً به التنبيه على :
١ . ] شرف هؤلاء النسوة."[(15)]؛

أو
٢ . ] لمزيد شرفهن على غيرهن[(16)]
٣ . ] أو لفضلهن على غيرهن،
فقال «أنا ابن „ العواتك ‟ و „ الفواطم ‟»[(17)]
٤ . ] وإما لشهرتهن[(18)]
٥ . ] فهو لم يَرِد صلى الله عليه وسلم بذلك الفخر إنما أراد تعريف منازل المذكورات ومراتبهن.. كــ
رجل يقول: كان أبي فقيهاً.
لا يريد به الفخر وإنما يريد به تعريف حاله دون ما عداه.[(19)]
٦ . ] وقد يكون أراد به الإشارة لنعمة الله -تعالى- على نفسه وآبائه وأمهاته على وجه الشكر، وليس ذلك من الاستطالة والفخر في شئ... والله تعالى أعلم.[(20)]„ ‟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 54 : 04 PM
التعليق على الأحاديث:


اختلف الناس في عدد „ العواتك ‟ من جداته صلى الله عليه وسلم، فـ
منهم مِن مكثر و
مِن مقلّ.[(21)] و
قد نقل الحافظ ابن عساكر أن العواتِك من جداته صلى الله عليه وسلم أربع عشرة [ ١٤ ]؛ و
قيل إحدى عشرة [ ١١ ] .[(22)] و
قال صاحب الإستيعاب :" الحديث عند هشيم عن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده عن سيابة بن عاصم السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين:
« أنا ابن „ العواتك ‟ »... فـــ
سئل هشيم عن „ العواتك ‟ فـــ
قال:" أمهات كنَّ له من قيس".
قال أبو عمر؛ ابن عبدالبر: " يعني جدات كنَّ له لآبائه وأجداده. و
قد روى في هذا الحديث عن سيابة بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم:
« أنا ابن „ العواتك ‟ من سليم » . و
لا يصح ذكر سليم فيه. و
العواتك جمع عاتكة... وفي ذلك قولان:


١ . ] أحدهما : العواتك ثلاث من بني سليم؛


١ . ١ . ] إحداهن : عاتكة بنت الأوقص بن مالك وهي جدة النبي صلى الله عليه وسلم من قبل بني زهرة و


١ . ٢ . ] الثانية عاتكة بنت هلال بن فالج أم عبدمناف؛ و


١ . ٣ . ] الثالثة عاتكة أم هاشم.[(23)]
قلت (الرمادي) : " أما القول الثاني فقد ذكرته -بفضل الله تعالى وكرمه- سابقاً.
تحت عنوان :
[ البركة بقدوم الرضيع أرض بني سعد.. ومرضعاته ] فليراجع هناك.[(24)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 11 : 05 PM
عن أبي عبدالله العدوي أن „ العواتك ‟ من جداته صلى الله عليه وسلم أربع عشرة[ ١٤ ][(25)]
قلتُ قبل قليل:" أن منهم مِن مكثر
و
مِن مقلّ"
وَأَمَّا الْعَوَاتِكُ فَاثْنَتَا عَشْرَةَ:


اثْنَتَانِ مِنْ قُرَيْشٍ:


* . ] فَأَمَّا الْقُرَشِيَّتَانِ:
فَـ أُمُّ أُمِّهِ « آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ » بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِالدَّارِ ،


وَ


أُمُّ بَرَّةَ أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى،


وَ


أُمُّ رَيْطَةَ بِنْتُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ،


وَ


أُمُّهُ أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّةُ،




وَ


أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فَهْمٍ،






وَ


أُمُّ هِلَالٍ هِنْدٌ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ،




وَ


أُمُّ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ عَاتِكَةُ بِنْتُ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ،




وَ


أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ يَخْلُدَ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.




وَ


وَاحِدَةٌ مِنْ بَنِي يَخْلُدَ ابْنِ النَّضْرِ،




وَ


ثَلَاثٌ مِنْ سُلَيْمٍ؛






فـ


* . ] أَمَّا السُّلَمِيَّاتُ:


﴿ ١. ﴾ عَاتِكَةُ بِنْتُ هِلَالِ بْنِ فَالِجٍ، بْنِ ذَكْوَانَ،


وَ


هِيَ وَأُمُّ عَبْدِمَنَافٍ بْنِ قُصَيٍّ :
وَ


﴿ ٢. ﴾ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ،




وَ


هِيَ أُمُّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ؛




وَ


﴿ ٣ . ﴾ الثَّالِثَةُ أُمُّ جَدِّهِ لِأُمِّهِ وَهْبٍ،




وَ


هِيَ


عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَوْقَصِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ.
وَ


هِيَ أُمُّ وَهْبٍ أَبِي «آمِنَةَ» أُمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .


فَــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْأُولَى مِنَ الْعَوَاتِكِ عَمَّةُ الثَّانِيَةِ، وَالثَّانِيَةُ عَمَّةُ الثَّالِثَةِ...




وَ


بَنُو سُلَيْمٍ تَفْخَرُ
بِـ


١ . ] هَذِهِ الْوِلَادَةِ .
وَ
لِبَنِي سُلَيْمٍ مَفَاخِرُ أُخْرَى:
مِنْهَا :




أَنَّهَا


٢ . ] أَلَّفَتْ مَعَهُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ أَيْ شَهِدَهُ مِنْهُمْ أَلْفٌ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


٣ . ] قَدَّمَ لِوَاءَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَلْوِيَةِ، وَكَانَ أَحْمَرَ .
وَ
مِنْهَا :


أَنَّ


٤ . ] عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ وَالشَّامِ: أَنِ ابْعَثُوا إِلَيَّ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ أَفْضَلَهُ رَجُلًا، فَبَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ عُتْبَةَ بْنَ فَرْقَدٍ السُّلَمِيَّ، وَبَعَثَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مُجَاشِعَ بْنَ مَسْعُودٍ السُّلَمِيَّ، وَبَعْثَ أَهْلُ مِصْرَ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ السُّلَمِيَّ، وَبَعَثَ أَهْلُ الشَّامِ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ.


قُلْتُ[(26)]: هَكَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَوَاتِكَ سُلَيْمٍ، وَجَعَلَ أُمَّ عَبْدِمَنَافٍ عَاتِكَةَ بِنْتَ مُرَّةَ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، فَـــــــــــــــــــــــ
إِنَّ أُمَّ عَبْدِمَنَافٍ حُبَّى بِنْتُ حُلَيْلٍ الْخُزَاعِيَّةُ،
وَ
قَالَ غَيْرُهُ: أُمُّ هَاشِمٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَأُمُّ مُرَّةَ بْنِ هِلَالٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ قُنْفُذَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ هِلَالِ بْنِ فَالِجٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَصِيَّةَ بْنِ خِفَافِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ.


* . ] وَعَدَوِيَّتَانِ"


وَأَمَّا الْعَدَوِيَّتَانِ: فَــ
مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ عَبْدِاللَّهِ، فَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
إِنَّ أُمَّ عَبْدِاللَّهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو،


وَ


أُمَّ فَاطِمَةَ تَخْمَرُ بِنْتُ عَبْدِقُصَيٍّ،




وَ


أُمَّهَا هِنْدٌ بِنْتُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ وَائِلَةَ بْنِ الظَّرِبِ.


وَ


أَمَّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ نَاصِرَةَ بْنِ كَعْبٍ الْفَهْمِيَّةُ .


وَ


أَمَّا عَاتِكَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ الظَّرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ،


وَ


هُوَ عَدْوَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ،


وَ


أُمُّ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ عَاتِكَةُ،


فَـ


هِيَ عِكْرِشَةُ، وَهِيَ الْحَصَانُ بَنْتُ عَدْوَانَ ...
وَ
هُذَلِيَّةٌ "


* . ] وَ أَمَّا الْهُذَلِيَّةُ:

فَـ


عَاتِكَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلَ، هِيَ أُمُّ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِزَامٍ جَدِّ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ لِأُمِّهِ،


وَ


عَمْرٌو جَدُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبُو أُمِّهِ. ...،


وَ


* . ] قُضَاعِيَّةٌ


* . ] وَ أَمَّا الْأَسَدِيَةُ:
فَـ
أُمُّ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ هِنْدٌ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كِلَابٍ،




وَ


أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ.


* . ] وَ أَمَّا الْقُضَاعِيَّةُ:


فَـ


أُمُّ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ مَاوِيَّةُ بِنْتُ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرِ بْنِ شَيْعِ اللَّهِ بْنِ أَسَدِ بْنِ وَبَرَةِ،




وَ


أُمُّهَا وَحْشِيَّةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ ضِنَّةَ الْعُذْرِيَّةُ،




وَ


أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ رَشْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ.[(27)]




وَ


* . ] أَمَّا الْأَزْدِيَّةُ:


فَـ


أُمُّ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بِنْتُ مُرَّةَ بْنِ أُدٍّ أُخْتِ تَمِيمٍ،


وَ


أُمُّهَا مَاوِيَّةُ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ،




وَ


أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَزْدِ بْنِ الْغَوْثِ، وَقَدْ وَلَدَتْهُ هَذِهِ الْأَزْدِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ قِبَلِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ، فَإِنَّ أُمَّ غَالِبٍ لَيْلَى بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ،


وَ


أُمُّهَا سَلْمَى بِنْتُ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ،


وَ


أُمُّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ الْأَزْدِ هَذِهِ .[(28)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 17 : 05 PM
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
قَولُه عليه السلام :
« أَنَا ابْنُ „ الْعَوَاتِكِ ‟ مِنْ سُلَيْمٍ.
« الْعَوَاتِكُ : جَمْعُ عَاتِكَةٍ .
وَ
أَصْلُ الْعَاتِكَةِ: الْمُتَضَمِّخَةُ بِالطِّيبِ.[(29)]
و
هي التي تكثر من الطيب حتى تحمّر بشرتها[(30)]
و
العاتكة في اللغة: الطاهرة[(31)]. و
عتكت المرأة: شرفت ورأست.
و
العاتك: الكريم والخالص من الألوان[(32)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 04 / 2019, 31 : 05 PM
الفواطم:


قال[(33)] أن الفواطم من جداته عشرة اهـ.[(34)].. و
قيل خمس، و
قيل ست، و
قيل ثمان، ولم أقف[(35)] على مَن اسمها فاطمة من جداته من جهة أبيه إلا على اثنين:




فاطمة أم عبدالله،




و








فاطمة أم قصي،
إلا أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يرد الأمهات التي في عمود نسبه صلى الله عليه وسلم، بل أراد الأعم حتى يشمل :
فاطمةأم أسد بن هاشم،




و






فاطمة بنت أسد التي هي أم علي بن أبي طالب كرم الله وجهه




و






فاطمةأمها. و
هؤلاء الفواطم غير الثلاث الفواطم اللاتي قال صلى الله عليه وسلم فيهن لعلي وقد دفع إليه ثوبا حريرا وقال له:
« اقسم هذا بين الفواطم الثلاثة »


فـــــ
إن هؤلاء :
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم،




و




فاطمة بنت حمزة،






و






فاطمة بنت أسد[(36)]


ثم رأيتُ[(37)]بعضهم عدّ فيهن :




أم عمرو بن عائذ،




و










فاطمة بنت عبدالله بن رزام




و






أمها فاطمة بنت الحارث،
و










فاطمة بنت نصر بن عوف أمّ أم عبدمناف، والله أعلم.[(38)]


ذِكْرُ „ الْفَوَاطِمِ ‟: [(39)]


وَأَمَّا الْفَوَاطِمُ اللَّائِي وَلَدْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَـ




خَمْسٌ:


«١« قُرَشِيَّةٌ:[(40)]


أَمَّا
الْقُرَشِيَّةُ : فَـ
أُمُّ أَبِيهِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ :
فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيَّةُ.


و


«2« قَيْسِيَّتَانِ[(41)]:


وَ
أَمَّا
الْقَيْسِيَّتَانِ: فَـ
أُمُّ عَمْرِو بْنِ عَايِذِ بْنِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رُزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَحْوَشَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ، وَ
أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ .


وَ


«3« يَمَانِيَّتَانِ[(42)]:


وَ
أَمَّا
الْيَمَانِيَّتَانِ : فَـ


أُمُّ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ:
فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ سَيَلَ بْنِ أَزْدِ شَنُوءَةَ ،


وَ








أُمُّ حُبَّى بِنْتِ حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلُولٍ ،


وَ


هِيَ أُمُّ وَلَدِ قُصَيٍّ فَاطِمَةُ بِنْتُ نَصْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَارِثَةَ الْخُزَاعِيَّةُ.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ


أما عمات النبي [صلى الله عليه وآله وسلم]


عماتُ النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] ست، وهن بنات عبدالمطلب .


قال القسطلاني[(43)] : وأما عماته [صلى الله عليه وآله وسلم] بنات عبدالمطلب بن هاشم فجملتهن ست:


1. ] عاتكة ،


و


2. ] أميمة ،




و


3. ] البيضاء وهي أم حكيم ،


و


4. ] برة ،


و


5. ] صفية ،


و


6. ] أروى ، ولم يسلم منهن إلا صفية أم الزبير بلا خلاف .




و
اختلف في أروى و عاتكة،
فـــــــــــــــــ
ذهب أبو جعفر العقيلي إلى إسلامها، وعدهما في الصحبة،
و
ذكر الدار قطني: عاتكة في جملة الاخوة والأخوات،
و
لم يذكر أروى،
و
أما ابن إسحاق فذكر أنه لم يسلم منهن غير صفية[(44)]
و
قال ابن حجر في الإصابة: أميمة اختلف في إسلامها
فنفاه محمد بن إسحاق، ولم يذكرها غير محمد بن سعد[(45)] ..
قلت(الرمادي):" لن نستفيد كثيراً من مثل هذه البحوث!!!؟". وأبحثها في الملاحق

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 04 / 2019, 18 : 11 PM
نهاية « ٤٨ »
الفصل الثامن والأربعون؛ من بحوث السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وخالص البركات...


كلمة أخيرة :


يجب أن تكون على قمة سلم معرفتنا معرفة يقينية بثلاثة أمور :


1. ] الأمر الأول : معرفة يقينية بالإله الذي نعبده؛


2 . ] الأمرالثاني : معرفة يقينية بالنبي والرسول الذي نتبعه ؛


3 . ] معرفة يقينية وهي الثالثة : بتفسير وتأويل آيات الأحكام وأحاديث الأحكام المتعلقة بحياتنا اليومية لنسيِّر سلوكنا وفق ما يحبه الله ويرتضيه؛ ووفق ما بلغنا به رسوله الكريم ووفق ما نزل به الوحي المجيد ... لذا تكلفتُ -وليَّ الفخر- البحث في نسب مَن نؤمن بأنه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين صلى الله عليه وآله وسلم .
*-*-*-*-
محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
24 شعبان 1440 هــ ~ 29 أبريل 2019 م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 04 / 2019, 36 : 11 PM
《نهاية المجلد الأول》
تم بكرمٍ وتوفيقٍ مِن خالق الإنسان في أحسن تقويم ، ومبدع الأكوان في أفضل تشكيل ، ومنشأ الحياة في أبهى صور التخليق -سبحانه في علاه وتعالى في سماه- الإنتهاء من القراءة الأولى وكتابة المجلدالأول من سيرة سيد المرسلين وخاتم الأنبياء ومتمم المبتعثين ، وأخرجته على موقع أهل العلم المكرمين... واسعى إلى إعداد المجلد الثاني مِن سلسلة بحوث السيرة المحمدية وفصول الهداية النبوية مِن بعد إذنه-تعالى ذكره- وبمشيئته وفضله وحسن توفيقه وكامل رضاه ورعايته. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
الإثنين 24 من شهر شعبان 1440 هــ ~ الموافق 29 أبريل 2019 م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
02 / 05 / 2019, 18 : 12 PM
http://islamilimleri.com/Kulliyat/Fkh/3Maliki/goodstar_bar.gif

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
05 / 06 / 2019, 44 : 10 AM
https://www.islamweb.net/PicStore/Random/1421736216_202255.jpg

صلى الله عليه وآله وسلم

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 06 / 2019, 19 : 11 PM
«*» بتوفيق من القادر القدير الوهاب الرزاق المنعم البصير تمكنتُ من الوصول إلى نهاية القسم الأول من السيرة النبوية العطرة -على صاحبها أكمل السلامات وأفضل الصلوات وأزكى التحيات- وما زالت هناك بحوث ودراسات متعلقةبه.. وتحتاج إلى إمعان نظر وإعادة تحقيق ومزيد دقيق إذ أن القسم الأول يتحدث عن إرهاصات ما قبل وجود خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين؛ رسول رب العالمين النبي المبتعث للأنس والجن والملآئكة والخلائق أجمعين.. « محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب»-صلوات الله وسلامه عليه وآله-؛ وكنت وضعت -بصفة عامة- خطة البحث بدراسة الجزء الأول وهو متعلق بالسيرة النبوية بشمولها؛ هذا أولاً، والجزءالثاني ومتعلق بالسنة المحمدية وكمالها؛ وهذا ثانياً.. وإثناء التحضير ظهرت مسائل وبرزت قضايا وقرأت أقوالاً؛ تحتاج إلى إعادة تنضيد.. كما نُسِبَت إلى السيد الجليل -عليه السلام- أحاديث؛ عند تخريجها تجدها ضعيفة أو موضوعة.. تحتاج تسليط الضوء عليها.. أضف ما هو موجود في بطون مراجع وكتب لم تحقق أو تدقق؛ وما زاد الأمر تعقيداً أن كل فريق يدعو لما يناسب منهجه فيتحزب لما يوافق هواه؛ والأصل في الجميع الإلتزام بصحيح الأثر وصحيح الحديث؛ ولكن النفس ترغب فيما تهواه وتميل لما تعشق وتتمناه..
أقول(الرمادي) : هذه محاولة مني -كاتب هذه السطور؛ تحمل نشرها على عاتقه مسؤول الجريدة الإلكترونية (ملتقىٰ أهل العلم)- فإن كان هناك أحسان؛ فالفضل يعود إلى توفيق الله سبحانه وتعالى وكرمه للناشر والكاتب؛ وإن كانت الآخرى -ولا نريدها- فنرجوا -الناشر والكاتب- من الرحمن الرحيم المسامحة والغفران؛ ومن أهل العلم الشرعي تقديم النصح.
«**» وبما أنه لم يصلني من السيدات والسادة القراء حتى كتابة هذه السطور ما يفيد التخطئة أو فساد في مسألة؛ فسأكمل بمشيئته وفضله ومنه وارجو أن أوفق؛ مع العهد أمام الله -تعالى ذكره- أن اراجع ما كتبته في المجلد الأول للتصحيح أو التحقيق أو زيادة وتوضيح ، وفي النية ترجمة هذه البحوث والدراسات إلى اللغة المعتمدة والتي تعين الناس على قراءة هذه السلسلة.



ومن الله -تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- التوفيق والصلاح والهداية والرشاد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وكتبه:
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
الأحد : ٦ شوال ١٤٤٠ هــ ~ ٩ يونيو ٢٠١٩ م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 06 / 2019, 21 : 11 PM
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الأمين، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 06 / 2019, 46 : 11 PM
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

[ آية ٣٠؛ سورة النمل ٢٧]

ـــــــــــــــــ

نبوة آخر المرسلين؛ وبعثة خاتم الأنبياء؛ ورسالة متمم المبتعثين [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ]
[٢.] المجلد الثاني
اللهم يا معين وفقني لما تحب وترضى وابعد عني الخطأ والزلل والفساد في القول والعمل... آمين
رب يسر وأعن...

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
10 / 06 / 2019, 15 : 08 PM
أبحاث المجلد الثاني :

﴿ ١ ﴾ الْبَابُ الْأَوَّلُ :[«ــــــــــــــــــ قِدَمُ نُبُوَّتِهِ ــــــــــــــــ »]
امهدُ لترجمة هذا الباب«قِدَمِ نُبُوَّتِهِ» بمقدمة
فـ قد جاء في مبحث « أول الأنبياء... و «آخرهم[ (1) ]«حديث:
١. . ] عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ «كنتُ „ أَوَّلَ ‟ الأنبياء خلقا و „ آخِرَهم ‟ بعثا (*)».[ (2) ].
قلتُ (الرمادي): وجاء في حديث طويل بعبارة:
٢. ] « وجعلتكَ أوَّلَ النَّبيِّينَ خَلقًا وآخرَهم بعثًا » [ (3) ].
٣. ] وروى ابن إسحاق عن قتادة [مرسلا] قال: قال رسول الله ﷺ «كنت „ أول ‟ الناس في الخلق و „ آخرهم ‟ في البعث» (*)
٤. ] عَنْ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ قَالَ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلهِ وَسَلَّمَ: “ أَلَا إنَّ اللَّهَ [عَزَّوَجَلَّ[ (4) ] خَلَقَ خَلْقَهُ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ ”
وجاء برواية :
٥. ] " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ ". [ (6) ]
معنى الحديث السابق يوضح من حديث
٣.. ] عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ :" أَنَا مِنْ خِيَارٍ إِلَى خِيَارٍ ".[ (7) ]
﴿ ١ . ٢. ﴾.] « „ وآدم ” بين الروح والجسد [ (8) ]
حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّ رَجُلًا [ (9) ]سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : „ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا ؟ ”[ (10) ].
قَالَ : « كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ[ (11) ]»
كما توجد رواية آخرى بصيغة سؤال "« قَالُوا[ (12) ]يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى وَجَبَتْ[(13) ]لَكَ النُّبُوَّةُ !؟..».[ (14) ]
تنبيه:
أَمَّا مَا يَدُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِلَفْظِ :
"كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ". [ (15) ] كمَا يَرْوِيه بعض الْجُهَّالُ: كَابْنِ عَرَبِيٍّ فِي الْفُصُوصِ[ (16) ] وَغَيْرِهِ مِنْ جُهَّالِ الْعَامَّةِ؛ وكقولهم:
" كُنْت نَبِيًّا وَآدَمُ لَا مَاءَ وَلَا طِينَ"[ (17) ].
فَهَذَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّادِقِينَ؛ وَلَا هُوَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ الْمُعْتَمَدَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ، فَإِنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ قَطُّ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ وَخَلَطَ التُّرَابَ بِالْمَاءِ حَتَّى صَارَ طِينًا؛ وَأَيْبَسَ الطِّينَ حَتَّى صَارَ صَلْصَالًا كَالْفَخَّارِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالٌ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ مُرَكَّبٌ مِنْ الْمَاءِ وَالطِّينِ وَلَوْ قِيلَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ لَكَانَ أَبْعَدَ عَنْ الْمُحَالِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَ لَا اخْتِصَاصَ لَهَا.. وَإِنَّمَا قَالَ:» بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ«[(18) ]
قَالَ السَّخَاوِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَضْلًا عَنْ زِيَادَةِ: "وَكُنْتُ نَبِيًّا وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ" ،
وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ: إِنَّ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ وَمَا قَبْلَهَا قَوِيٌّ ،
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ فِي التِّرْمِذِيِّ : « مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ : وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ ، وَالْجَسَدِ »،
قَالَ السُّيُوطِيُّ: وَزَادَ الْعَوَّامُ :
" وَلَا آدَمَ وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ "
وَلَا أَصْلَ لَهُ أَيْضًا . [ (19) ] .
وَشَاهِدُهُ حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ.. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ ؟ قَالَ : " بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ». [ (20) ]
ثم وجدتُ روايتين:
آحداهما: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ رَجُلٍ ، بصيغة :" قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى جُعِلْتَ نَبِيًّا ؟ قَالَ :«وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ"« .[ (21) ]
والآخرى: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قِيلَ:"يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَتَى كُتِبْتَ نَبِيًّا ؟"، قَالَ:» وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ ، وَالْجَسَدِ ». [ (22) ]
وأختمُ الباب الأول؛ هذا من مباحث مبشرات ما قبل نبوته:
" بما جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ العرباض بْنِ سَارِيَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:» إنِّي عَبْدُ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ »[ (23) ]
ومعنى"منجدل " أَيّ مُلْتَفٌّ وَمَطْرُوحٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ صُورَةً مِنْ طِينٍ لَمْ تَجْرِ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ[ (24) ].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلتُ(الرمادي):" هَذَا آخِرُ مَا فَتَحَ اللَّهُ -تَعَالىٰ في سَمَاه وتَقَدسَت اسْمَاه- بِهِ الْآنَ عليَّ مِنَ قراءة ومراجعة هذا الباب وكتابته.. وَإِنْ فَتَحَ السميع العليم عليَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ أَلْحَقْتهَا في مستدركٍ خاص بالأبواب، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ ، [ (25) ].
هذا البحث قراءَه وراجعه وكتبه :

Dr . MUHAMMAD ELRAMADY


7 شوال 1440 هــ ~ 10 يونيو 2019م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
التعليقات والتخريج والهوامش تطلب من صاحب البحث عن طريق إدارة الموقع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ



(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 06 / 2019, 12 : 01 AM
﴿ ٢﴾ الْبَابُ الثَّانِي :«„ـــــــــ ميثاق النبيين ـــــــــ‟»
﴿٢ . ١ . ﴾ تمهيد :
لعله من المفيد -وليس من باب الإعجاب- أن آتي بشهادةِ مَن ليس مِن المسلمين؛ فـ استشهدُ بـ أمريكي المولد والمنشأ حين أريد أن أتحدث عن أعظم الشخصيات المؤثرة في التاريخ؛ خاصةً في بداية هذا الجزء من المجلد الثاني من موسوعتي :
« خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين »؛
والتي عنونتها بـ :
«الرسالة النبوية ؛ والشمائل المصطفوية ؛ والخصائل الرسولية ؛ والدلائل الإعجازية ؛ والصفات الأحمدية ؛ والأخلاق المحمدية لسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية-صلى الله عليه وآله وسلم-»
والشهادةٌ التي أعتمدتها وصفَ صاحبها نفسه فقال إنه :" انفصالي..عرقي.. مناصر للبيض"[(26)] فقد اقترح عام 1996م تقسيم الولايات المتحدة إلى أربعة دويلات: دويلة للبيض، ودويلة للسود، ودويلة للهسبان السمر، ودويلة للأعراق المختلطة.[(27)] "..
صاحب هذه الشهادة هو:

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 06 / 2019, 03 : 05 PM
صاحب هذه الشهادة هو:
„ Michael H. Hart ‟[(28)]
وهو فيزيائي فلكي يهودي[(29)] أمريكي ألفَ كتابه عام 1978م:
„ The 100 : A Ranking of the Most Influential Persons in History ‟
وترجمة عنوان الكتاب : „ المائة: ترتيب أكثر الشخصيات تأثيرًا في التاريخ ‟، وقد اعتبر النبي محمد بالمرتبة الأولى لأكثر الأشخاص المؤثرين في التاريخ؛ وبرر "Hart " ذلك في كتابه حين قال: „ اختياري لمحمد على رأس قائمة الأشخاص الأكثر تأثيراً في العالم قد يفاجئ بعض القراء وقد يشكك به آخرون، ولكنه الشخص الوحيد في التاريخ الذي كان ناجحاً بتفوقٍ في الجانبين الديني والدنيوي ‟[(30)]..

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 06 / 2019, 11 : 05 PM
والشخصية العظيمة.. وضع فولتير لها معيارا يحددها فقال: „ إن الذي يتحكم في عقولنا من خلال قوة الحق.. لا ..الذي يستعبدها من خلال العنف.. هو من ندين له بتعظيمنا ‟.[(31)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 06 / 2019, 13 : 05 PM
وأكتفي بشهادة هذا الكاتب ، وإن كان هناك العديد من الشهادات مِن كبار علماء الغرب المسيحي كـ رجال إمبراطورية بريطانيا العظمى: الإنجليز، أو رجال فرنسا الفتية، أو رجال ألمانيا القوية.. شهادات تصف نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- . [(32)] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 06 / 2019, 17 : 05 PM
والمدخل لهذا الباب „ميثاق النبيين”ينقسم إلى ما نطق به القرآن المجيد؛ أي ما في الصدور مسطور وفي القلوب محفوظ محفور قبل أن يسطر في الكراس بالحروف وهذا أولاً.. و


ثانياً: ما قاله الرسول الخاتم [ﷺ] من أحاديث نبوية.. أخبر بها عن مسألة الباب هذا.. ثم يأتي :


ثالثاً: ما بوَّب له السادة العلماء النجباء.. -على سبيل المثال وليس الحصر- ما صنفه شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي [توفى في مكة المكرمة في شهر رجب؛ سنة 973 هـ؛ ودفن بالمعلاة على تربة الطبريين] في كتابه «أشرف الوسائل إلى فهم الشمائل»؛ وهو شرح لكتاب «الشمائل النبوية» للترمذي [توفى سنة (279) تسع وسبعين ومائتين] وابن حجر الهيتمي قراءَه بالحرم المكي المكرم أمام الكعبة المشرفة في رمضان سنة (949هـ).


أقول [الرَّمَادِيُ] : ولتبيان المقصد من هذا الباب والحديث هنا عن- „ ميثاق النبيين ”- يستدعي الكلام على ابتداء وجوده [ﷺ]؛ وليس فقط الإخبار عن خَلقه [بفتح الخاء؛ وتكلمت على هذه الجزئية في المجلد الأول فلتراجع هناك] .


توضيح المسألة :

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
18 / 09 / 2019, 42 : 10 AM
توقفتُ عن النشر -ولم أتوقف عن القراءة والبحث والمراجعة والتحقيق والتدقيق والكتابة والتبيض- خلال الفترة الزمنية السابقة -اقتربت من ثلاثة شهور - لأسباب خارجة عن إرادتي وليست في استطاعتي؛ إذ أن التكاليف الشرعية والمشاغل الحياتية تستغرق أكثر الأوقات فكيف يستوفي حقها مَن خلق ضعيفاً وينشغل بها عن غيرها مَن كان عجولا لأمره جهولا بما ينفعه ظلوما لنفسه ولغيره ... فيضيف حملا فوق حمل ... والله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- هو الغفور الرحيم فأرجو -أولاً- منه المغفرة والعفو ... وأنا المقصر ... كما ...


ارجو من السيدات والسادة القراء والمتابعين ؛ وخاصة الأخ الكبير وصاحب الفضل الجزيل فضيلة الشيخ / شريف حمدان... قبول عذري الواهي وحجة التلميذ المتسرب من التعليم وطيش الشاب اللاهي...!!! ؛




محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
19 محرم 1441 هـ ~ 18 سبتمبر 2019م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
18 / 09 / 2019, 05 : 11 AM
توضيح مسألة „ ميثاق النبيين ”:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَرَأَ : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ.. ﴾ قَالَ [ﷺ]: «بُدِئَ بِي فِي الْخَلْقِ، وَكُنْتُ آخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ « [(8)][(33)].
وجاءت رواية : قَالَ :
ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ [ﷺ]؛ كَانَ يَقُولُ : « كُنْتُ أَوَّلَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْخَلْقِ، وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ «. [(9)][(34)]
وله شاهد من حديث ميسرة الفجر.
وجاءت رواية : عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِ اللَّهِ : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ﴾ الْآيَةَ.
قَالَ [ﷺ]: « كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ، وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ » فَبَدَأَ بِهِ قَبْلَهُمْ . [ (10) ] [(35)].
فإتاؤه النبوة والحكمة وسائر أصناف حقيقتِهِ وكمالاتها معجل لا تأخر فيه؛ وإنما المتأخر فيه تكوّنُهُ وتنقلُهُ في الأصلاب والأرحام الطاهرة إلى أن ظهر جسده الشريف المتصف بها.

شريف حمدان
18 / 09 / 2019, 36 : 11 AM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 10 / 2019, 15 : 06 PM
﴿٢ . ٢ . ﴾ ﴿ ...حِينَ أُخِذَ مِنِّي الْمِيثَاقُ ﴾

﴿٢ . ٢ . ١. ﴾ قَالَ رَجُلٌ [(11)][(36)] لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- : " مَتَى اسْتُنْبِئْتَ ؟".
فَقَالَ: « وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ..حِينَ أُخِذَ مِنِّي الْمِيثَاقُ ».[(12)][(37)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 10 / 2019, 34 : 06 PM
رواية آخرى :
﴿٢ . ٢ . ٢. ﴾ قال ابن عباس: قيل :" يا رسول الله متى أخذ ميثاقك؟".
قال :« وآدم بين الروح والجسد ». [(13)][(38)]
وجاءت رواية بإضافة حرف:« إِذْ »:
﴿٢ . ٢ . ٣. ﴾ عَنِ ابْنِ أَبِي الْجَدْعَاءِ قَالَ : قُلْتُ : " يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ "؛
قَالَ : « إِذْ آدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ ».[ (14) ][(39)] .
وجاء الحديث برواية :
" مَتَّى كَنْتَ نَبِيًّا؟ ".
بلفظ « كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد ». [ (15)]. [(40)]
وفي الترمذي وغيره عن أبي هريرة أنه قال للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- :
"متى كنت... "..
أو ..
" متى.. كتبت نبيا؟ "،
قال: « كنت نبيا وآدم بين الروح والجسد ». [ (16)] [(41)].
[قال الترمذي حسن صحيح، وصححه الحاكم أيضا].
وجاء برواية :
" قِيلَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- :
" مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ؟".
قَالَ : « بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ وَنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ». [(17 ) ] [(42)].
وجاء :
" أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- :
" مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا؟ "،
قَالَ : « بَيْنَ الرُّوحِ وَالطِّينِ مِنْ آدَمَ ». [(18) ][(43)]
وقَالَ عُمَرُ :
" مَتَى جُعِلْتَ نَبِيًّا؟ "،
قَالَ: « وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي الطِّينِ ».[ (19) ] [(44)]
وفي لفظ :
« وآدم منجدل[ (20) ][(45)] في طينته ».
ففي صحيحي ابن حبان والحاكم عن العرباض بن سارية مرفوعا :
« إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته ».
وهو يدل علىٰ أن آدم لمّا صوّر استخرج محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ونُبّئ وأخِذَ منه الميثاق..
ثم
أعيد إلىٰ ظهره ليخرج أوان وجوده..
فهو أوّلهم خَلْقاً..
لأن خلق آدم حينئذٍ كان مواتاً لا روح فيه.. وخُصَّ بهذا الاستخراج الأوّل من بين ذريّة آدم الذين كان استخرجهم بعد نفخ الروح فيه وأُظْهِرَ ومُيّزَ بذلك.. وإنما خصّ الأظهار بحالة كون آدم بين الروح والجسد، لأنه أوان دخول الأرواح الأجساد والتمايز حينئذٍ أتم وأظهر..
فكان الحديث علىٰ ابتداء وجوده [ﷺ]؛ مِن الأهمية بمكان وليس فقط الإخبار عن خَلقه؛ وليس فقط الإخبار بميثاق النبيين!.
وقد فسرت آيةُ
« وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ... ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ ... لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ... وَلَتَنصُرُنَّهُ ... قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ .... وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي .... قَالُوا أَقْرَرْنَا .... قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ » . [ (21) ] [(46)]
بأنه -سبحانه وتعالى- أخذ من كل نبي بعثه من لدن آدم إلىٰ محمّد لئن بعث محمّد وهو حي ليُؤمنن به ولينصرنه ويُلزم من هذا أن الأنبياء كانوا يأخذون الميثاق من أممهم بأنهم إن أدركوا محمّداً آمنوا به فتكون نبوته عامة لجميع الخلق من آدم إلىٰ يوم القيامة، ويكون الأنبياء وأممهم من أمته.



قَالَ حَبر الأمة؛ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنه وعن أبيه وأمه-: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ : لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ وَأَمَرَ أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَىٰ أُمَّتِهِ: إنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرُنَّهُ . [ (22) ] . [(47)]
وهنا يتضح قوله -عليه السلام- : « بعثتُ إلىٰ الناس كافة » [ (23) ][(47)]
وجاء برواية :
« وَبُعِثْتُ إِلَىٰ النَّاسِ عَامَّةً »..
فيتناول الحديث هذا من قَبل زمانه ايضاً و
به تبين معنى : « كنتُ نبياً وآدم بين الروح والجسد » ...
وحكمة كون الأنبياء تحت لوائه وصلاته بهم (جميعاً) ليلة الإسراء.".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 10 / 2019, 39 : 06 PM
﴿٢ . ٣ .﴾ وأخذ الله الميثاق منه كما أخذه من النبيين من قبله، لقوله -تعالى في سماه؛ وتقدست اسماه- ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [(24) ].[(48)]
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ مِيثَاقَهُمْ ﴾ = :" عَهْدَهُمْ". [ (25) ]. [(49)]
وَعَنْه:أيضاً: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ﴾ ؛ قَالَ :" إِنَّمَا أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ عَلَى قَوْمِهِمْ". [(26) ][(50)]

شريف حمدان
29 / 10 / 2019, 38 : 11 PM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 10 / 2019, 28 : 11 PM
﴿ ٢ . ٤ . ﴾ ثم – مِن بعد إذنه وتفضله وتكرمه ومعونته؛ سبحانه وتعالىٰ - أرتبُ الآيات المتعلقة بصلب الموضوع:
﴿ ٢ . ٤ . ١ . ﴾ آية 1.] :《 وَإِذْ أَخَذَاللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ 》.[ (27) ][(51)].

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 10 / 2019, 33 : 11 PM
إعادة قراءة النص القرآني الكريم ؛ وتأويل الذكر الحكيم :
:《 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ ... لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ 》
يوضح معنى الآية بتأويلها إذ :" يقولُ اللهُ -تبارَك وتعالَى- لنبِّيه [ﷺ]: « واذكُرْ- يا محمَّدُ- حينما عَهد الله تعالىٰ إلىٰ جميعِ الأنبياء، وأخَذ منهم الميثاقَ المؤكَّد ... فقال لهم: « بسببِ ما امتنَّ به عليهم من إعطائِهم الكتابَ والحِكمة، ثمَّ جاءَهم وجاء مَن يَتْبعهم من الأمم رسولٌ يُقِرُّ بما جاؤوا به ويُصدِّقه
- وهو الرَّسول محمَّد [ﷺ]-
فيجب عليهم الإيمانُ به وتصديقُه، ونُصرته ».

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 10 / 2019, 36 : 11 PM
ثمَّ ... قال لهم؛ مؤكِّدًا عليهم؛ ومُقرِّرًا لهم : « أأقررتُم بهذا الميثاقِ ... والتزمتُم به، وأخذتُم عهدي ومِيثاقي الشَّديدَ عليه!؟ ».
فقال الأنبياءُ جميعُهم : « أَقرَرْنا... وقَبِلنا ».
فقال لهم -تبارَك وتعالَىٰ- : « فاشْهدوا علىٰ أنفسِكم .... وعلىٰ أَتْباعِكم من الأمم بذلك، وسأكونُ أنا –عز وجل- من الشاهِدين عليكم وعلىٰ أُممكم؛ فمَن أَعرَض وتولَّىٰ بعد ذلك عمَّا عاهَد عليه، فأولئك هم الفاسِقون الخارِجون من دِين اللهِ، والمستكبِرون عن طاعتِه والتِزام أمْره ». [ (28) ] [(52)] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 10 / 2019, 39 : 11 PM
و « الْـــ :《 مِيثَاقُ 》» : " عقدٌ مؤكَّدٌ بيمينٍ وعهدٍ، أو العهدُ المُحكَمُ، وأصله: العقدُ والإحكامُ ". [ (29) ][(53)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 10 / 2019, 42 : 11 PM
:《 ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ 》
أي : ثمَّ جاءَكم - أيُّها النَّبيِّون- وجاء أُممَكم وأتْباعَكم رسولٌ يُصدِّق ما معكم من الكتُب، و
هو محمَّدٌ [ﷺ].
:《 لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ 》
أي : فعليكم أن تؤمنوا به؛ وتصدِّقوه؛ وتنصروه علىٰ أعدائه وتُعِينوه علىٰ نشْر رسالته. ولا يَحْمِلَنَّكم ما آتيتكم من كتاب وحِكمة علىٰ أن تَتركوا متابعتَه، أو تستغنوا بما آتيتكم عمَّا جاء به .
و
في الحديث عن جابر بن عبدالله -رضِي اللهُ عنهما-، أنَّ رسولَ اللهِ [ﷺ] قالَ:
﴿ لَو كَانَ أخِي موسى حيًّا ، ما وَسِعَه إلَّا اتِّباعي ﴾.[ (30) ][(54)] [(55)] [ (31) ] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 10 / 2019, 47 : 11 PM
ثم.... نأتي إلىٰ الحوار بين الرب الإله الذي أرسل كل الأنبياء والمرسلين وبين الأنبياء والرسل أجمعين فنطق القرآن يقول :
《 قَالَ : أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي 》..
أي: اعترفتُم والتزمتُم بذلك الميثاقِ، وأخذتُم عهدي الثَّقيل، ومِيثاقي الشَّديد المؤكَّد، ووصيَّتي بالإيمانِ بهذا الرَّسول ونُصرته، وقَبِلتُم ذلك ورضيتُموه!؟
قَالُوا :
《 أَقْرَرْنَا 》...
أي:
قالوا: اعتَرفنا وقَبِلنا، والتَزمنا بأنْ نؤمِنَ به ونَنصُره.
:
《 قَالَ فَاشْهَدُوا 》...
أي:
قال اللهُ تعالىٰ للأنبياءِ: فاشَهْدوا علىٰ أنفسِكم، وعلىٰ أَتْباعِكم من الأُممِ بذلك .
:
《 وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ》.....
أي:
مِن الشَّاهدين عليكم وعلىٰ أُممكم، وكفَىٰ بالله شهيدًا. [ (32) ] [(56)].

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
01 / 11 / 2019, 12 : 12 AM
فإذا كانت هذه المسألة هكذا .... أنبياءُ اللهِ -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- جميعاً ورسله -صلوات الله تعالى عليهم وسلامه-؛ وأتباعهم ومَن أمنوا بهم مِن قبل أن يُرسَل خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين طُلب منهم الإقرار بنبوته؛ والإعتراف برسالته؛ والسير خلفه؛ وإتباع هديه؛ والتقيد بمنهاجه والتمسك بشريعته.... في حالةِ إذا كانوا أحياء وهو -صلى الله عليه وآله وسلم- بعث!!!؛
فما حالنا نحن الذين أمنا بالله -تعالىٰ- رباً وبكتابه دستورا ومنهاجا وشريعة وبمحمد نبيا ورسولا !!؟...

أنكتفي بيوم في العام بتذكرهِ ويقول جهلة الأمة:" ذكرى المولد النبوي"!!!؟...
أيفرح سذج الأمة بحلوى وقطع من السكر أحتفالا بسنته العطرة وطريقته المثلى!!!؟...
الناظر في حالة أمة تدعي أنها أمة «أقرأ»... وتدعي أنها أمة إسلامية يرى : « حالة الضعف الشديد الذي طرأ علىٰ الأذهان في فهم الإسلام؛ وبالتالي طريقة تأويل آياته وتفسير نصوصه؛ ومن ثم تطبيقه في معترك الحياةاليومية؛ وكيفية حمله منار هدى للعالمين ».
نحتاج إلىٰ إعادة نظر لما يجري حولنا!!!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
نال شرف قراءة النصوص القرآنية المجيدة؛ والذكر الحكيم والنظر في مراجع التأويل والتفسير:
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي


الخميس : 03 ربيع أول 1441 هــ ~ 31 أكتوبر 2019م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 11 / 2019, 54 : 04 PM
https://www.altafsir.com/images/mail/foter.gifـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
14 / 11 / 2019, 29 : 10 AM
الفَوائدُ العِلميَّةُ واللَّطائِف:
-*-*-*-*-*-*-*
١ . ] في أخْذ اللهِ علىٰ النَّبيِّين الميثاقَ بالتكليفِ دليلٌ علىٰ أنَّهم مَرْبُوبُون، مُتعبَّدون لله -عزَّ وجلَّ-، كما أنَّ غيرهم كذلك .
٢ . ] في قوله:《 وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ...》 فضيلةُ نبيِّنا محمَّد -صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّمَ-، وعلوُّ مرتبتِه، وجلالةُ قدْره، وأنَّه أفضلُ الأنبياء؛ لكونِ اللهِ أَخَذ علىٰ جميعِ الأنبياء الميثاقَ والعهدَ أن يُؤمنوا به ويَنصُروه.
٣ . ] قوله تعالى:《 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ...》 خبرٌ، مقصودٌ منه أمرُ الذين كانوا في زمان الرسول [ﷺ] أن يُؤمنوابه. [(57)] [ (33) ] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
14 / 11 / 2019, 45 : 10 AM
إعادة قراءة النص القرآني:
قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ : الـ :《 مِيثَاقُ 》 " [هو] الَّذِي أُخِذَ عَلَيْهِمْ وَقْتَ اسْتِخْرَاجِ الْبَشَرِ مِنْ صُلْبِ آدَمَ كَالذَّرِّ ،
قَالُوا : فَأَخَذَاللَّهُ حِينَئِذٍ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ بِالتَّبْلِيغِ وَتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَبِجَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ النُّبُوَّةُ . " . [ (35) ][(59)]





ذَكَرَ -جَلَّ وَعَلَا- فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ أَخَذَ مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ ، ثُمَّ خَصَّ مِنْهُمْ بِذَلِكَ خَمْسَةً ﴿ ٥ ﴾.. وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- بَيَّنَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَبَيَّنَ الْمِيثَاقَ الْمَأْخُوذَ عَلَىٰ جَمِيعِ النَّبِيِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَىٰ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ :《 وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَ لَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ》[ (36) ] .[(50)]





فَـبَيَّنَ -جَلَّ وَعَلَا- الْمِيثَاقَ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَىٰ خُصُوصِ الْخَمْسَةِ ﴿ ٥ ﴾ -الَّذِينَ اشْتُهِرَ أَنَّهُمْ- هُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ فِي سُورَةِ " الشُّورَى " ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:《 شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَاتَتَفَرَّقُوا فِيهِ 》[ (37) ] [(50)].



وَبِمَا ذَكَرْتُ تَعْلَمُ " أَنَّ آيَةَ " آلِ عِمْرَانَ" ، وَآيَةَ " الشُّورَى " ، فِيهِمَا بَيَانٌ لِآيَةِ "الْأَحْزَابِ " هَذِهِ. ". [ (38) ][(50)]



وَ
عِنَانُ الْكَلَامِ إِلَىٰ الْإِعْلَامِ بِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ هُوَ مِنْ عُهُودٍ أَخَذَهَا اللَّهُ عَلَىٰ النَّبِيينَ وَالْمُرْسَلِينَ مِنْ أَوَّلِ عُهُودِ الشَّرَائِعِ؛ فـــــ
يَكُونُ الْمَعْنَىٰ : اذْكُرْ -يا محمد- وَقْتَ أَخْذِنَا -الحق تبارك وتعالىٰ- مِيثَاقًا عَلَىٰ النَّبِيينَ..
وَقَالَ قَتَادَةُ :" بِتَصْدِيقِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا "، وَ
" الْإِعْلَانِ بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ "، وَ
" إِعْلَانِ رَسُولِ اللَّهِ أَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ " .
وَ
قَالَ مُقَاتِلٌ : " أَخَذَ مِيثَاقَهَمْ عَلَىٰ أَنْ :
" يَعْبُدُوا اللَّهَ " وَ
" يَدْعُوا إِلَىٰ عِبَادَةِ اللَّهِ " وَ
" يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا " وَ
" يَنْصَحُوا لِقَوْمِهِمْ" ...
أَيْ
عَهْدَهُمْ عَلَىٰ الْوَفَاءِ بِمَاحُمِّلُوا ، وَأَنْ
يُبَشِّرَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ ، وَ
يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛
أَيْ كَانَ مَسْطُورًا حِينَ كَتَبَ اللَّهُ مَا هُوَ كَائِنٌ، وَحِينَ أَخَذَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- الْمَوَاثِيقَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ . ".
-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
وأوضحُ المسألةَ:


إذ يَقُولُ -تَعَالَىٰ- مُخْبِرًا عَنْ أُولِي الْعَزْمِ الْخَمْسَةِ ﴿ ٥ ﴾، وَبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ : أَنَّهُ أَخَذَ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فِي "
- إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ، وَ
- إِبْلَاغِ رِسَالَتِهِ، وَ
- التَّعَاوُنِ وَ
- التَّنَاصُرِ وَ
- الِاتِّفَاقِ.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
14 / 11 / 2019, 02 : 11 AM
فائدة:







خَصَّ -مَن سما في علاه وتقدست اسماه- هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةَ بِالذِّكْرِ مِنْ بَيْنِ النَّبِيِّينَ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْكُتُبِ وَالشَّرَائِعِ وَأُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، وَقَدَّمَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .. فَــ
هَذَا الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أُخِذَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ إِرْسَالِهِمْ، وَكَذَلِكَ هَذَا . فَبَدَأَ فِي الْآيَةِ الأحزاب: ورقمها: (7) بِالْخَاتَمِ -ﷺ-؛ لِشَرَفِهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - ثُمَّ رَتَّبَهُمْ بِحَسَبِ وَجُودِهِمْ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ-.





عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فِيقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:《 وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ 》 الْآيَةَ : قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 《 كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ، [ فَبُدِئَ بِي ] قَبْلَهُمْ 》.





وَقَدْ ذُكِرَ ضَمِيرُ مُحَمَّدٍ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَهُمْ إِيمَاءً إِلَىٰ تَفْضِيلِهِ عَلَىٰ جَمِيعِهِمْ ، ثُمَّ جُعِلَ تَرْتِيبُ ذِكْرِ الْبَقِيَّةِ عَلَىٰ تَرْتِيبِهِمْ فِي الْوُجُودِ . وَ




لِهَذِهِ النُّكْتَةِ خُصَّ ضَمِيرُ النَّبِي بِإِدْخَالِ حَرْفِ مِنْ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ ، ثُمَّ أُدْخِلَ حَرْفُ مِنْ عَلَىٰ مَجْمُوعِ الْبَاقِينَ فَكَانَ قَدْ خُصَّ بِاهْتِمَامَيْنِ :
١ . ] اهْتِمَامِ التَّقْدِيمِ ،
وَ
٢ . ] اهْتِمَامِ إِظْهَارِ اقْتِرَانِ الِابْتِدَاءِ بِضَمِيرٍ بِخُصُوصِهِ غَيْرَ مُنْدَمِجٍ فِي بَقِيَّتِهِمْ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - . ". [(39)][(50)]



و
تنتهي الآية بقوله -تعالىٰ- :《 وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا 》 أي :عَهْدًا شَدِيدًا عَلَىٰ الْوَفَاءِ بِمَاحُمِّلُوا.


وَ


يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ مَرَّتَيْنِ ، فَأَخَذَعَلَيْهِمْ فِي
الْمَرَّةِ الْأُولَىٰ مُجَرَّدَ الْمِيثَاقِ بِدُونِ تَغْلِيظٍ وَ لَا تَشْدِيدٍ ،


ثُمَّ
أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ ثَانِيًا مُغَلَّظًا مُشَدَّدًا[ (40) ][(50)]
ــــــــــــــــــــــــــــ
نال شرف قراءة ومراجعة المراجع وتكحلت عيناه بكتابه هذا البحث :
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
17 ربيع أول 1441 هـ~ 14 نوفمبر 2019م









سلسلة ابحاث:




﴿ سنن الأنبياء ؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء ؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾




﴿ السيرة النبوية الأحمدية المحمدية ﴾
على صاحبها أفضل الصلوات وأكمل التسليمات وعظيم البركات وخالص الدعوات



„ المجلد الثاني‟ :
٢ . ] الْبَابُ الثَّانِي : « ميثاق النبيين »



ويليه بإذنه تعالى الباب الثالث



- * / - * / - * / - * /

شريف حمدان
15 / 11 / 2019, 28 : 06 AM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
04 / 12 / 2019, 11 : 04 PM
[ ٣ . ] الْبَابُ الثَّالث: { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِالْأَوَّلِينَ }
﴿ الشعراء: ١٩٦﴾
﴿ بشارة الكتب السابقة ﴾ ﴿[ ١]﴾
مدخل المسألة:
منذ بداية الخليقة وتحت سماء مبدعها ورافعها بغير عمد نراها-سبحان مَن سما في علاه وتقدست اسماه وسما في سماه فوق أعناق ورؤوس خلقه من الإنس والملآئكة والجان مِن مَن ابدعه فسواه- اختلف خامس البشرية مع سادسها.ز. فلم يجد وسيلةً لإنهاء الخلاف إلا اقصاؤه من الوجود المنظور.. وتصفيته الجسدية من الجوار المحدود... وأما داخل الفسطاط الواحد فانقسم البشر كلٌ انعزل فانفصل بخيمة عن الآخر وقتتل... ثم داخل الخيمة الواحدة تفرق واستدار فريق بظهره عن فريق ٍ آخر فوجدت طائفة تسير وفق الفطرة وطائفة تعاند وتكابر ؛ فأراد واجدهم ورازقهم أن يهذبهم فارسل طوفانا ثم توالت الأنبياء وتواترت الرسل لتبين كلمة الحق المبين وتظهر الدين الصحيح القويم.. ثم أرسل -تعالى ذكره- آيات تسع بينات.. معجزات باهرات فنسي بعضهم نصيبا مما ذكروا به.. فمنذ التاريخ المسطور وجد مَن اتبع فيلسوف اجتهد بعقله المحدود.. أو مَن تجذر تحت عباءة كبرى فتهوّد بعضهم وتنصّر فريق وكانوا جميعاً تحت عباءة الإسلام بمفهومه العام... ثم لحكمة أرادها-عزَّ وجلَّ- وجد مسلمون.. ثم اتَّسَعَ الخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ وكبر الراتق فوجد اليوم في نفس الخيمة شيعة وسنة... وتحت مسمى كل منهما تشيع فريق وتفرق آخر.. فتشعبت السلوكيات تنافرا وتعارضت عقائد البعض كل بما يؤمن ويعتقد واختلف الإيمان كيفما رأى البعض وتسعت رقعة الخلاف بتواجد أفكار تبعتها مبادئ تخالف الفطرة التي خلقت الناس عليها.. ومفاهيم تعارض التركيبة الأصلية للإنسان فتعارضت القيم فتعددت المسائل وكيفية النظر إليها : منها الإجتماعية في سبل التزاوج وكيفية الاستمتاع ... فوجد إشباع طبيعي بين ذكر وأنثى بعقد شرعي صحيح ؛ ووجدت أخدان ووجد إشباع خاطئ زنا يعاقب عليه أو إشباع شاذ والأشكال الآخيرة تندرج تحت ما يسميه البعض حرية شخصية... فتناثرت الأمور الإعتيادية الطبيعية فلكل قوم عادة وعادات وشأن وتقاليد... صرنا اليوم نتحدث عن قضايا شتى متنافرة ومسائل عدة متعارضة... والإشكال يأتي حين تريد إثبات خطأ ما مِن واقع حال مَن يقوم به.. فيصعب عليك اقناعه... فقط... كمثال: المدخن يرفض التوقف عن نرجيله... ويسعى لرص فوق شيشته جمرا يحرق رئتيه قبل أن يحترق طباق التدخين... ولا يكتفي بإذاء نفسه بل يتعدى الأذى مَن يجلس بجواره وإن كانت طفلته الرضيع أو نجله الوحيد ؛ وكمثال آخر: شارب الخمر يدمنه مع مضاره وإن علمها ولكنه لم يدركها... فصارت مسائل بحكم العادة والإعتياد والتقاليد لا تبحث بل تمارس... بغض النظر عن صحتها أو مضارها... أو موافقتها للطبيعة البشرية والخلقة الإنسانية وبحكم ميراث الأجداد لا تناقش.. وفي بعض المجتمعات صار هناك قانون ينظم وعقوبة تردع..
ومن مسائل التشرذم والتفرق ولعلها من المسائل الإستفزازية تحت الخيمة الإسلامية الواسعة: مسألة التصوف وكيف يتكلم عنها السلفي؛ ويهاجمها السني؛ وإن كان الجميع ليسوا في طبق واحد.. وكمثال حي منظور فقد حدث في شهر (ذي الحجة) مولد سيدهم أبي الحسن الشاذلي في خميثرة تبعد 150 كيلومترا من مرسى علم.. وصعود -يوم عرفة- بسطاء العامة جبلا بالقرب من ضريحه اسوة بجبل الرحمة بالقرب من بيت الله العتيق.. وتزداد المسألة تعقيدا حين يكتب د. عبدالحليم محمود شيخ الأزهر-الأسبق- كتابا عن الشاذلي يذكر فيه أنه كلم ربه؛ وغفل الشيخ عن قوله تعالى : ﴿ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ﴾... والحديث عن الرسل؛ الذين اختارهم الله واصطفاهم واجتباهم وليس الحديث عن بعض الصالحين... وحين زار -عليٌ الشاذلي- المدينة المنورة التي طيّب الله ثراها بمقدم خاتم الأنبياء وآخر المرسلين.. ثم طيبت بمرقده الطاهر... يقف الشاذلي على باب الضريح(!)نصف نهار عار القدمين والرأس منتظرا الإذن من الرسول الأعظم فيُسمع من الروضة الشريفة مَن يقوله له :" يا علي (الاسم الأول للشاذلي) أدخل!!"... فهذه الروايات وما يشبهها تزيد الفجوة بين سكان يقطنون نفس الخيمة الواحدة..
ومسألةٌ آخرى -تعتبر من مسائل مقارنة الأديان؛ وهو علمٌ استحدث استنبط من عموم آيات القصص القرآني- .. مسألة : إثبات نبوة آخِر المرسلين وإثبات رسالة خاتم النبيين وأنه بشر به متمما للمبتعثين مِن كتب السادة أهل الكتاب السابقين.. وأهل العلم الأولين..
فهذه المسألة -بشارة الكتب السابقة بنبوته وإثبات مجيئه- من المسائل الشائكة وفي نفس الوقت من المسائل المستفزة.. خاصةً وإنها مسألة تتعلق بـ عقيدة ومرتبطة بـ إيمان..قد ترسخ منذ ألفي عام أو يقترب.. وهي من المسائل الحساسة.. والتي تثير غضب أتباع الديانات.. والصراع القائم منذ بداية عصر النبوات مبني على هذه الجزئية.. يلحق ذلك كله محاولات بشرية بالقضاء على مَن يقول بنبوته إما بتصفيته المعنوية أو بتصفيةجسدية.. وقصة نبي الله زكريا وأبنه يحيى -عليهما السلام- مازالت تبصرها العيون تليها قصة صلب ومِن ثم قتل السيد المسيح ابن مريم العذراء البتول -وفق روايةالكتاب المقدس- مازالت شاخصة أمام أعين الصغار والكبار وخاصةً طريق الآلام والمحطات الأربع عشر المعلقة في كل كنيسة.. وقد قمتُ -عمداً زمن دراستي ومازلت- بزيارة العديد من كنائس.. وأجدها -المحطات الأربع عشر- بألوان مختلفة وتصوير أو رسوم متغيرة.. وفي طفولتي المبكرة وصباي رأيتُ تلك الصور والمحطات على الشاشة الفضية وما جدَّ من تشخيص وإخراج لها..
إذاً هناك مسائل ملتهبة حين يقترب المرء منها؛ خاصةً مَن لا يؤمن بصدقها كما هي عند مَن المؤمن بها وعند المعتقد في صحتها.. والمكتبة الإسلامية الحوارية والتناظرية ممتلئة بمراجع ومصادر..
ومن طرائف ما حدث لي زمن كنت طالبا؛ أني سمعت مرارا عن كتاب " الإعلام " تأليف الإمام القرطبي؛ وقدرا في عمرة 1429 هـ وجدته في مكتبة بمكة الكرمة اسمها "دار الزمان" وكان الكتاب في حالة سيئة للغاية.. وما يهمني المادة العلمية التي به خاصة أنه من تحقيق د. أحمد حجازي السَّقَّا وكان على غلافه الخارجي الثمن 25 ريالا سعوديا وتحدثتُ مع البائع خجلا.. إذ أنني حملت بعدة كُتب ومراجع وقمت بـ"هز(!)" السعر؛ وهي عادة قبيحة.. فما كان منه إلا أنه وافق وفهمت أنه لا يعرف قيمة المادة العلمية لكتاب "الإعلام" للقرطبي.
أعود لتلك المسائل الملتهبة أو القضايا الشائكة والتي لا يصلح فيها الحوار أو النقاش.. وتلك المناظرات -وما أكثرها- والردود ودحض ما يقوله علماء المسلمين من أهل الكهنوت تبين مدى رفضهم لفكرة وجود ما ثبت في الكتاب المقدس بخصوص الإخبار بنبوة «أحمد»... ونلاحظ مدى الحرج ودرجته مع مَن عاشرهم في ديارهم -بلاد الغرب- أو ساكنهم -وقت الدراسة- في دورهم -أمريكا أو أوروبا- أو مَن تزوج من بناتهم [أهل الكتاب]... يتبقى مَن يرى في نفسه القدرة على بحثها بحياد تام دون وجود صورة ذهنية سابقة أو حكم سابق ترفض ما يقال أو كُتب..
ما يخصني في هذه الجزئية من بحوث السيرة النبوية:
بيدَ أنه من إتمام بحوث السيرة النبوية العطرة لخاتم الأنبياء -وإني تشرفتُ في قراءتها ومراجعتها وكتابة بحوث حولها- يستلزم التعرض لما نملكه من فهم قد يرتقي إلى دليل في هذه المسألة وفق ما أجده في مصادر/مراجع صالحة وفق ما يصلح/يصح الإستدلال به حسب ما تحمله اللغة من معنى أو وفق ما تصلح الرواية أو النص الإستدلال به.. ولن أحمل النص أكثر مما يتحمل.. هذا إذا بحثتُ في كتب الأولين ومراجع ومصادر أتباع الأديان السابقين.. ثم إنني أجد في محكم التنزيل آية من الذكر الحكيم تشير إلى هذه المسألة وتتكلم؛ فنطق القرآن الكريم وتكلم الذكر ا لحكيم يقول : ﴿ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾ ﴿الشعراء: ١٩٦﴾. و
الآية تحمل تأويلين.. والأمانة العلمية في البحث وضرورة السير وفق الخطة العلمية التي وضعتها منذ البداية في بحوث السيرة النبوية العطرة .. تلزمني أن أفتح بابا قد يأتي من خلاله ريح بل رياح تعود لضيق صدر مَن يقرأ مثل هذ المباحث ذات وجهات النظر المتعددة.. وأحيانا تكون مرفوضة!
7 ربيع آخر 1441هـ ~ 04 / 12/ 2019م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
04 / 12 / 2019, 44 : 04 PM
﴿ [ ١ ] ﴾ :" الإشارة إلى نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب الأولين [(1)]

2- وفي كتاب (زندا افستا):
بشارة عن رسول «يوصف بأنه (رحمةللعالمين) (سوشيانت)..ويتصدى له عدو يسمى بالفارسية القديمة بأبي لهب، ويدعو إلى إله واحد لم يكن له كفواً أحد (هيج جيزبار ونمار) وليس له أول ولا آخر، ولا ضريع ولا فريع ولا صاحب ولا أب ولا أم ولا ولد، ولا مسكن ولا جسد، ولا شكل ولا لون ولا رائحة (حزاخاز وانجام وابنا زود شمس والمنز ويار ويدر ومادر وزن وفرزند وماي سوى ومن آسيا وتنافي ورنك وبواست).»
3- وفي الكتب الزرادشتية:
«إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم، يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، يومئذ يصبحون –وهم أتباع للنبي - رحمة للعالمين وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ، وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم، وأن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات».
**
:" ومن سُنَّة الله- تعالى- أن كل نبي يُسَلِّم جذوة دعوته إلى الذي يليه، وهكذا فقد بَشَّرَتْ برسول الله صلى الله عليه وسلم الكتب السالفة، وأَخْبَرَتْ به الرسل السابقة، من عهد آدم أبي الأنبياء والبشر إلى عهد المسيح عيسى بن مريم، كُلَّمَا قام رسولٌ أُخذ عليه الميثاق بالإيمان برسول الله والبشارة بنُبُوَّتِه ورسالته.
وهذه البشارات هي بمنزلة الإعلان والبلاغ المسبق من الله ومن الرسل إلى الأمم والشعوب بمَقْدَم محمد-رسول الله-، والحكمة منها أن لا يحدث انقطاع في الهدي الإلهي؛ فإذا جاء نبيٌّ جديد فلا يُقَابله أتباع النبي السابق بشيء من العداوة والبغضاء والتعصُّبِ المذموم، بل يشعرون أنه امتداد لما كان عليه النبي السابق؛ فتتواصل بذلك الهداية الإلهية، وتتعاضد وتتكامل الرسالات السماوية.
-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*
بشارة رسول الله [ﷺ] في كتب الهندوس
أخبر القرآن الكريم أن الله تعالى أرسل لكل أُمَّة رسولاً يدعوهم إلى التوحيد، فينذرهم ويُبَشِّرهم؛ ليُقيم عليهم الحُجَّة يوم القيامة، وأن كل هذه الأمم والشعوب قد عَرَفت وتَيَقَّنَتْ -عن طريق أنبيائهم ورسُلهم- بمجيء خاتم الأنبياء والرُّسل -محمد-، وهو ما أخبر به القرآن الكريم في قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196]، أي: “إِنَّ ذِكْرَ محمدٍ في كتب الأولين”[.([1]).].
1.] في كتب البراهمة (كتاب السامافيدا):
». ورغم أنه لم يَعُدْ من كتب السابقين إلاَّ بقايا قليلة جدًّا، لكنها لم تَخْلُ من ذِكْرِ لمحمد ورسالته؛ ففي
كتاب (السامافيدا)،
أحد الكُتب المقدَّسَة لدى البراهمة، نجد النصَّ التالي:
« أحمد تلقَّى الشريعة من ربِّه، وهي مملوءة بالحكمة،وقد قُبست من النور كما يقبس من الشمس» .[.([2]).] .
كتاب أدهروهيدم:
4- وفي كتاب اوروافيدم(ادهروويدم):
وجاء في كتاب مُقَدَّسٍ آخر عند الهندوس وهو (أدهروهيدم) ما نصُّه:
« أيها الناس، اسمعوا وَعُوا؛ يُبْعَثُ المحمَّدُ بين أظهر الناس، وعَظَمَتُه تُحْمَدُ حتى في الجنة، ويجعلهاخاضعة له وهو المحامد » [.([3]).] ..
يعني محمد.
كتاب « بفوشيا برانم »:
وفي كتاب هندوسي ثالث هو (بفوشيا برانم) ما يلي:
5- وفي كتاب بنوشيا برانم (بهوش برانم):.
« في ذلك الحين يُبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم [.([4]).] .، والمَلِك يطهِّره بالخمس المطهرة »
(ج2 فصل 3 عبارات 3 وما بعدها).[.([5]).] . ....
ولا شكَّ في أنها الصلوات الخمس التي يمحو الله بهنَّ الخطايا. و
قد جاء وصف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتاب (بنوشيا برانم)، فقد ورد فيه: وفي نفس الكتاب وصف لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
«هم الذين يختتنون، ولا يربون القَزَع [.([6]).] . ، ويربون اللِّحَى، ويُنادون الناس للدُّعاء بصوت عال[.([7]).] .، ويأكلون أكثر الحيوانات إلاَّ الخنزير، ولا يستعملون الدرباء[.([8]).] . للتطهير، بل الشهداء هم المتطهرون، ويُسمون بمسليّ [.([9]).] .؛ بسبب أنهم يُقاتلون من يُلبس الحقَّ بالباطل، ودينهم هذا يخرج منِّي وأنا الخالق » [.([10]).] .
(ج 3 فصل 3عبارات 27 -28)].

[ ([1])] القرطبي: الجامع لأحكام القرآن 13/138. ".

[ ([2])] السامافيدا الجزء الثاني من الفقرة 6-8، نقلاً عن صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /351. ".

[ ([3])] كتاب أدهروهيدم، الجزء العشرون الفصل 127 الفقرة 70، نقلاً عن صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /352. ".

[ ([4])] وأيضًا فإن في الإنجيل إنجيل يوحنا أن المسيح أخبر بهذه الصفة، بقوله: “إن أركون العالم سيأتي”. وأركون تعني السيد والعظيم. انظر: ابن تيمية: الجواب الصحيح 5 /304، 305. ".

[ ([5])] الجزء 2 الفصل 3 العبارة الثالثة وما بعدها، نقلاً عن صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /352. ".

[ ([6])] جمع قزعة وهي القطعة من السَّحاب، وسمِّي شعر الرأس إذا حُلِق بعضه وترك بعضه.... قزعًا؛ تشبيهًا بالسَّحاب المتفرِّق. انظر: شمس الحق آبادي: عون المعبود شرح سنن أبي داود 11 /165. ".

[ ([7])] ينادون للدعاء: أي ينادون للصلاة؛ لأن الصلاة دعاء. ".

[ ([8])] الدرباء: نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان، ويعدون هذا العمل تطهيرًا من الخطايا. ".

[ ([9])] مسلي: أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شيء من التحريف. ".

[ ([10])] الجزء الثالث الفصل الثالث عبارات 27، 28، نقلاً عن صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1
/352. ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
04 / 12 / 2019, 00 : 05 PM
رسول الله في الترتيلات الهندوسية:


كتب الويدات:


ولقد قامت مجموعةمن الباحثين الهندوس بتحليل العديد من الترتيلات الهندوسية المختلفة، والتي جاءت في كتب الويدات وغيرها من الكتب الهندوسية، فوجدوا أن النبي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قد ذُكِرَ صراحةً، كما ذُكِرَتْ بعضُ محاور رسالته ودعوته؛ لذلك كَتَبَ عددٌ من علماء الهندوس وغيرهم بحوثًا حول هذه الشخصية الفذَّة التي وجدوها في كتبهم، وهي شخصية (نراشنس)، فدرسوها في ضوء ما ذُكِرَ لها من الخصائص والأوصاف.


وكلمة (نراشنس) كلمة سنسكريتية [.([1]).] . مكوَّنة من مقطعين:
أوَّلهما: (نر)، ومعناه الإنسان، وهذا غريب بالنسبة للويدات التي قلَّمَا تختار من البشر أحدًا لمدحه والثناء عليه. و
المقطع الثاني: (أشنس)، ومعناه اللغوي: مَنْ يُحْمَدُ ويُثْنَى عليه بكثرة، فهو مرادف لمحمد مرادفة تامَّة، ومع ذلك فلم تَكْتَفِ الويدات بذكر اسم هذا النبي العظيم فقط، بل « وفَّرَتْ لنا تفاصيل أخرى تقطع سبل النقاش والجدال، وتَبُتَّ البشارة بتَّة لا مجال فيها لأدنى احتمال، وأكبر مجموعة لهذه التفاصيل هي ما ورد في (أتهرو ويد) في بابه العشرين، والفصل السابع والعشرين بعد المائة، بينما يوجد بعض البيانات في مناتر [.([2]).] . أخرى جاءت متفرِّقَة في بقية الويدات والكتب المقدسة عند الهندوس» [.([3]).] . .


وقد تُرجمت هذه المناتر على الصورة التالية:


1- « اسمعوا أيها الناس باحترام، إن نراشنس يُحمد ويثنى عليه، ونحن نعصم ذلك المهاجر -أو حامل لواء الأمن- بين ستين ألف عدوٍّ وتسعين عدوًّا».


ويُلاحَظُ في هذه الترتيلة عدَّة أشياء:


أوَّلها: أن هذه الشخصية تتمتَّع بحمد الناس وثنائهم عليها، وتمتاز على الآخرين بذلك، ولا يُعرف في تاريخ البشر إنسانٌ حمده الناس وأثْنَوْا عليه بمعشار ما أثْنَوْا على محمدٍ وحمدوه، فهو الذي امتاز بهذه الخصيصة بين الأنبياء.


وثانيها: أن هذه الترتيلة ذَكَرَتْ كلمة المهاجر، ومن المعلوم أن محمدًا قد هاجر من مكة إلى المدينة، وموضوع الهجرة من أبرز الأحداث التي مرَّ بها الأنبياء عليهم السلام.


وثالثها: وهو الغريب في هذه الترتيلة أنها أحصت أعداء النبي ؛ فهم ستين ألفًا وتسعين عدوًّا، وقد تتبع بعض الباحثين عدد من عادى النبي في حياته فوجدهم يقربون من هذا العدد، والله أعلم.[.([4]).] .


2- « يكون مركبه الإبل، وأزواجه اثنتي عشرة امرأة، ويحصل له من علو المنزلة، وسرعة المركب أنه يمسُّ السماء ثم ينزل.»


وهذه الترتيلة واضحة جدًّا في دلالتها على نُبُوَّةِ محمد -صلى الله عليه وسلم- والبشارة به؛ إذ ما من وصف ذُكِرَ فيها إلاَّ وقد تَحَقَّقَ في رسول الله، فــ :" نراشنس " -محمد – كان دائم الركوب للإبل في أسفاره وغزواته، وهذا مشهور متواتر في كتب السيرة، وهو دليل على أن ميلاد هذا النبي لا يكون إلاَّ في منطقة صحراوية؛ لأن الإبل لا توجد إلاَّ في مثل هذه المناطق، وقد وُلِدَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالفعل في مكة، وهي أرض صحراوية قاحلة تُحِيطُ بها صحاري شاسعة.
ثم
إن النبي لا يكون عزبًا بل يتزَوَّج من اثنتي عشرة امرأة، ولم يَثْبُتْ ذلك لأحد غيره من الأنبياء والمرسلين؛ فقد تَزَوَّج رسول الله من اثنتي عشرة امرأة على رأي من قالوا بأن السيدة ريحانة بن تزيد -رضي الله (http://www.albshara.com/showthread.php?t=16104)عنها- كانت زوجة من زوجاته .[.([5]).] .


وقد تحدَّث ويدبركاش أبادهياي - وهو أحد كبار علماء اللغة السنسكرتية في شبة القارة الهندية- عن ترجمة الفقرة الثانية من هذه البشارة في كتابة: “نراشنس أور أنتم رشي” ؛ ص14، وهي أن أزواجه تكون اثنتي عشرة امرأة، وهو لم يُشِرْ إلى احتمال أيِّ معنًى آخر سواه [.([6]).] .


وهناك إشارة أيضًا إلى رحلة الإسراء والمعراج التي ركب فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- البراق [.([7]).] . الذي كان من سرعته أنه يضع قدمه عند منتهى طرفه، وأنه علا به إلى السماء، ثم نزل إلى الأرض .[.([8]).] .


ويتَّضِحُ من هاتين الترتيلتين -وغيرها من بقيَّة التراتيل المتعلِّقَة بــ: "نراشنس"- مدى تطابقهما مع أوصاف محمد -صلى الله عليه وسلم- ؛ لذلك فهو دليل صريح من كتب الهندوس على التبشير بنُبُوَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-،
و
لا يَتَوَانَى بعض علماء الهندوس فيذكر ذلك صراحة، ولا يَستغرب أحد أن كُتب الهندوس قد جاءت بأوصاف لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛
فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
اعتقادُنا بـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنها مجموعة من الكتب الموضوعة بأيدٍ بشريَّة قد يكون صحيحًا إن كان المقصود بذلك التحريف والتبديل؛ لأنه لا يُعقل أن تتنزل الرسالات في منطقة الشرق الأوسط(!)، وتُنسى بقية المعمورة بساكنيها من الوحي والرسالات -وحاشا لله سبحانه ذلك- لأنه يتعارض مع رحمته وعدله، و
قد أخبرنا القرآن الكريم أن كل أُمَّةٍ من الناس لم تَخْلُ من نذير أو بشير،
قال الله تعالى: { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ } [فاطر: 24].
و
من ثَمَّ يمكن التعويل على هذه الترتيلات الهندوسية -استنادًا لما ذكره علماؤها- في التصديق والبشارة بنُبُوَّة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ".
**

[ ([1])] السنسكريتية: هي لغة قديمة في الهند، وهي لغة طقوسية للهندوسية، والبوذية، والجانية. ".

[ ([2])] مناتر: هي التراتيل الهندوسية في كتب الويدات. ".

[ ([3])] صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /366. ".

[ ([4])] صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /371. ".

[ ([5])] انظر المصدر السابق نفسه 1 /371، 372،
و
- ابن كثير: السيرة النبوية 4 /605، و
- ابن سيد الناس: عيون الأثر 2 /388. ".

[ ([6])] نقلاً عن صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /374. ".

[ ([7])] البُراق: دابة يركبها الأَنبياء عليهم السلام. و
قيل: البراق فرس جبريل، و
هي الدابة التي ركبها الرسول في الإسراء والمعراج؛
سُمِّي بذلك لنصوع لونه وشدَّة بريقه، و
قيل: لسرعة حركته شبَّهه فيها بالبَرْق.
- انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة برق 10 /14.".

[ ([8])] انظر: صفي الرحمن المباركفوري: وإنك لعلى خلق عظيم 1 /375.". ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
04 / 12 / 2019, 26 : 05 PM
**
﴿ [ ٣ ] ﴾ : محمد الرسول صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل والكتب القديمة.
- النص القطعي الثبوت هو : " وحي من عند الله -تعالى- "؛ و
- النص القطعي الدلالة: له معنى واحد- يثبت لنا نبوة محمد بن عبدالله..
والدليل على ذلك قوله تعالى:




{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }

الكتب السابقة = الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ الْأُخْرَى
كَــ.
- والزبور هو الكتاب الذي أنزله الله على داود، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163].
و
- صحف إبراهيم هي الصحف التي أنزلها الله على إبراهيم، قَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى﴾ [الأعلى: 18-19].
- التَّوْرَاةِ
وَ
الْإِنْجِيلِ
وَ
الزَّبُورِ [.([1]).] مِنَ الْكُتُبِ السَّابِقَةِ بِمَا فِيهَا الْإِنْجِيلُ وَالتَّوْرَاةُ وَالزَّبُورُ [.([2]).]


{ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }


الْخِطَابُ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا كِتَابًا نَزَلَ بِشَرِيعَةٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى [.([3]).]،

[ ([1])] انظر : [ مباحث في علوم القرآن؛ القطان؛ مناع؛ [ج: (1)؛ (ص: 101) ]؛ مكتبة وهبة؛ دون ذكر سنة النشر؛ الطبعة السابعة ].

[ ([2])] انظر :" [الإمام أبو زهرة ؛ زهرة التفاسير؛ تفسير قوله تعالى :" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه" ؛ سورة المائدة] .

[ ([3])] انظر :" [المصدر السابق؛ تفسير قوله تعالى :" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه"؛ الجزء الرابع؛ ص:( 2227 )].

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
04 / 12 / 2019, 28 : 05 PM
البحث القادم :
﴿ بشارة الكتب السابقة ﴾

شريف حمدان
05 / 12 / 2019, 10 : 09 PM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 51 : 05 PM
﴿ بشارة الكتب السابقة ﴾
﴿ [ ١ ] ﴾ ثبوت التبشير والاستشهاد به علىٰ أهل الكتاب[ ([1])]

[ ([2]) ] انظر: د. نصـراللّـه عبدالرحمن أبوطالـب؛ تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام؛ ورسوله محمـد -صلى الله علــيه وآله وســلم-؛ الطبعة الثانية ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 07 : 06 PM
تمّ في حياة الرسول -عليه الصلاة والسلام- الاستشهاد علىٰ اليهود والنصارىٰ بوجود التبشير برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، بل وحُججوا بذلك، بل وجاءت الآيات القرآنية تشهد بتمام معرفتهم برسول الله محمد -ﷺ-، وأن كفرهم به ما هو إلا غيرةً وحسدا مِن عند أنفسهم، هذا وقد نصت الآيات علىٰ أنهم -الذين سكنوا يثرب منهم- كانوا ينتظرونه ويتحدون العرب حولهم به، فلما جاءهم بما يتوقعون كفروا به، فقط لأنه لم يكن يهوديا.. و
قد آمن منهم –من اليهود والنصارى – كثير في زمن الرسول ومن بعده، وشهدوا بأن التبشير به قد تمّ، وبأن علماؤهم قد عرفوه كما يعرفون أبناءهم.. ولولا ذلك لما آمنوا ؛ والقرآن ينص في مواضع كثيرة علىٰ معرفتهم التامة برسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم-.. وكان بذلك إسلام اليهود والنصارىٰ في حياة الرسول -ﷺ- ومن بعده دليلا قائما في حد ذاته علىٰ أن التبشير برسول الإسلام قد تمّ.[.([1]).] "... و



كيف يمكن لرسول الله محمد -عليه الصلاة والسلام- أن يعلن أن التبشير به قد تمّ في كتبهم لولا أنّ ذلك حقّ.. ما كان ليتجرأ علىٰ هذا الإعلان الذي يمكن أن يُكذّب فيه بسهولة من قبل كل اليهود والنصارى لولا أنّه من عند الله -تعالى- الذي يعلم أنّه الحقّ.. وتمّ إثبات كل هذا الإحتجاج علىٰ أهل الكتاب في :
- آيات عديدة من الكتاب و
- أحاديث كثيرة من السنة و
- تأريخ الصحابة و
- من بعدهم..








فمن الآيات القرآنية أوردُ ما يلي.[.([2]).] ".:
{ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين }
[البقرة:89][.([3]).".
{ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُون }
{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون }
[الأعراف: 156؛ 157] [.([4])]".

[ ([1])] انظر"د. نصـراللّـه عبدالرحمن أبوطالـب؛ تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام؛ ورسوله محمـد -صلى الله علــيه وآله وســلم ".

[ ([2])] انظر" المصدر السابق ".

[ ([3])] انظر" نفس المصدر السابق ".

[ ([4])] انظر" المصدر السابق ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 16 : 06 PM
- وعن بعض قساوسة النصارىٰ زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالىٰ:
{ ...وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُون }
{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِين }
[المائدة:82 ؛ 83].[.([1]).]
ثم يكمل القرآن الكريم فنطق يقول:
{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبَّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِين }
{ فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِين }[المائدة:84؛ 85]".

[ ([1])] انظر" د. نصـراللّـه عبدالرحمن أبوطالـب؛ تباشير الإنجيل والتوراة بالإسلام؛ ورسوله محمـد -صلى الله علــيه وآله وســلم- الطبعة الثانية ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 20 : 06 PM
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين }
[الصف:6]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 23 : 06 PM
{ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِين }
{ أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيل }
[الشعراء:196؛ 197]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 33 : 06 PM
{ وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِين }


{ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون }


{ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُون }


{ قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون }


{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَالإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين }
[سورة آل عمران: مِن الآية 81 إلى: 85]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 36 : 06 PM
{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَاب }
[الرعد:43].

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 39 : 06 PM
{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين }
[الأحقاف:10]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2019, 46 : 06 PM
-** -**-** -**-**-



البحث القادم :



بِشَارَاتُ
و
عَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ



-**- **-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-**-
نال شرف قراءة النصوص الشرعية والمراجع والمصادر وإخراجها وإعادة ترتيبها :


محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي


الأثنين: 12 ربيع آخر 1441 ه ~ 09 ديسمبر 2019م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
10 / 12 / 2019, 32 : 06 PM
﴿ ٤ . ﴾ ــــــــــــــــــــــــــــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ :
إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ

أثبتُ بالحجَّة والدَّليل والبرهان نبوةَ خاتمِ المرسلين وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين مِن قَبل إيجاد آدم وخلقه من عدم إلىٰ عهد ابن العذراء البتول - عليهم جميعا سلام الله -.. كلمة الله وروح منه.. معجزة خلقه مِن بعد أن كان عدما.. والرابط بينهما قوله تعالىٰ في سورة [آل عمران] ﴿. إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (٥٩) ﴾ -عليهما السلام- .


فما زلتُ أبحث قضية « ما قبل „النبوة‟ المحمدية » وتمحيص[(87)] مسائلها؛ وخاصة مسألة البشارة بمجيئه في الكتب التي يؤمن أصحابها بها، ومَن يَتْبع نصوصَها بأنها كتب مقدسة.. أو جاءت علىٰ لسان نبي مرسل أو رؤيا كرؤية النبي „دانيال‟.. خاصةً وإن : ( موضوع البشارات بالرسول -ﷺ- لا يعدو إلا أن يكون فصلا صغيرا من كتاب أدلة الإيمان). [(88)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(87)] مَحَصَ الذَّهَبَ بِالنَّارِ : صَفّاهُ بِالنَّارِ وَأَزَالَ مِنْهُ كُلَّ مَا خالَطَهُ مِنْ شَوْبٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والبشارات في الكتب السابقة [(89)] هي تلك الأنباء والأوصاف التي وردت عن مَقدم محمد -صلى الله عليه وسلم- مبينة :
"1" اسمه و
"2" صفاته البدنية و
"3" المعنوية و
"4" نسبه و
"5" مكان بعثته، و
"6" صفة أصحابه و
"7" صفة أعدائه ، و
"8" معالم الدين الذي يدعو إليه، و
"9" الحوادث التي تواجهه، و
"10" الزمن الذي يبعث فيه، لـ يكون ذلك دليلاً علىٰ صدقه عند ظهوره بانطباق تلك الأوصاف عليه، وهي أوصاف وبشارات تلقاها أهل تلك الأديان نقلاً عن رهبانهم وأحبارهم وكهنتهم قبل ولادة محمد -ﷺ- بقرون كثيرة. و
قد أشار القرآن الكريم إلى تلك البشارات، ودلل بها على صدق محمد -صلى الله عليه وسلم- . فـ قال تعالى ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾
[الرعد:43].
و قال -تعالىٰ-﴿ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ ءَايَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾
[الشعراء:197].
و قال -تعالىٰ-﴿وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ ﴾
[الشعراء:196].
و قال -تعالىٰ- عن محمد صلى الله عليه وسلم :﴿الَّذِينَ ءَاتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾
[البقرة:146].
و هذا يعني أن انطباق البشارات علىٰ محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يدل علىٰ أنه المقصود بها، وأنه الرسول الذي أخبر الله بمقدمه، ومن هذه البشارات ما يأتي:

شريف حمدان
23 / 01 / 2020, 04 : 05 AM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 58 : 06 PM
الفصل الأول :
﴿ ٤ . ١ . ﴾ النبي الأمي في الكتب السابقة:
لقد أشار القرآن الكريم إلىٰ أمية الرسول -ﷺ- وأنها مذكورة عند أهل التوراة والإنجيل.
قال تعالىٰ ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ﴾
[الأعراف:157].
إن أمية النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيفية بدء الوحي إليه لأول مرة موجود عند أهل الكتاب إلىٰ يومنا هذا .
فـ
قد جاء في سفر أشعيا:
قال إشعياء النبي بالروح:
" ويدفع الكتاب للأمي ويقال له : اقرأ هذا.. أرجوك.. فيقول: أنا أمي "[(90)] .
و
لكنك تجد النص : ".. وَيُقَالُ لَهُ : " اقْرَأْ هَذَا " فَيَقُولُ:" لاَ أَعْرِفُ الْكِتَابَةَ "
(أشعياء29/10-12).

أي لست بقارئ [(91)] .


أقول :
(أ) وهذا ترجمة للنص الذي ورد في نسخة الملك جيمس للكتاب المقدس المعتمدة عند النصارىٰ وهي أوثق النسخ للتوراة والإنجيل عندهم [(92)].
و
في النسخة المسماة „Bible Good News " ورد ما ترجمته كالآتي:
" إذاً تعطيه إلىٰ شخص لا يستطيع القراءة وتطلب إليه أن يقرأه عليك سيجيب بأنه لا يعرف كيف ."

(ب) وبينما نجد هذا النص الواضح في الطبعات الإنجليزية ... نرى أن القسس العرب قد حرفوا هذا النص في نسخته العربية فجعلوا العبارة كالآتي :
" أو يدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له: اقرأ هذا فيقول : لا أعرف الكتابة "[(93)]



(ت) فالسائل يطلب القراءة والنبي ينفي عن نفسه معرفة الكتابة !

هذا..
لئلا تتطابق الحادثة المذكورة في النص السابق مع قصة نزول جبريل -عليه السلام- علىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم-ومطالبته له بالقراءة فنفىٰ النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نفسه القدرة علىٰ القراءة.







قال الحافظ ابن حجر : وقد وقع في مرسل عبيد بن عمير عند ابن إسحاق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :
" أتاني جبريل بنمط من ديباج فيه كتاب قال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ"[(94)].





و
كم من الزمن قد مر بعد عيسى ابن مريم -عليه السلام؛ وعلى أمه الرحمة والبركات-، وما نزل وحي علىٰ نبي أمي إلا علىٰ النبي الأمي محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وسلم- الذي يجدون أميته مكتوبةً عندهم حتىٰ يومنا هذا.[(95)].

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 05 : 07 PM
2 . ] اسم النبي:
أ - لا تزال نسخ التوراة باللغة العبرية تحمل اسم محمد جلياً واضحاً إلىٰ يومنا هذا.
فـ
في نشيد الأنشاد من التوراة في الاصحاح الخامس الفقرة السادسة عشر وردت هذه الكلمات:
" حِكو مَمْتَكيم فِكلّو محمديم زيه دُودي فَزيه ريعي.".
(ث ) ومعنى هذا : " كلامه أحلىٰ الكلام إنه محمد العظيم هذا حبيبي وهذا خليلي ".
فــ
اللفظ العبري يذكر اسم محمد جلياً واضحاً ويلحقه بــ :




"يم"






التي تستعمل في العبرية للتعظيم.
واسم محمد مذكور أيضاً في المعجم المفهرس للتوراة . [(96)].



(ث) عند بيانه هذا اللفظ المتعلق بالنص السابق "محمديم" .[(97)] .


لكن عنداليهود والنصارى لم يتم التسليم بأن لفظ "محمد" هو اسم النبي وتصر علىٰ أنه صفة للنبي وليس اسماً له .



فـــ




يقولون إن معنىٰ لفظ "محمد يم" هو "المتصف بالصفات الحميدة "
كما جاء في نسخة الملك جيمس المعتمدة عند النصارىٰ .
(ج) وعليه فيكون المعنىٰ لهذه الإشارة عندهم "كلامه أحلىٰ الكلام . [(98)] إنه صاحب الصفات الحميدة ".





(ح) فمن هو(!!!).. يا أهل الكتاب.. غير "محمد يم" محمد العظيم الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي كلامه أحسن الكلام وهو المحمود في صفاته كلها، وهو حبيب الله وخليله كما جاء ذلك في نفس النشيد عقب ذكر اسمه .
" هذا هو حبيبي وهذا هو خليلي ".
ب- وأما ما جاء عن اسمه عند النصارىٰ ، فقد ورد في عدة أماكن،




منها :
ما جاء في إنجيل يوحنا [(99)] في قول عيسى عليه السلام وهو يخاطب أصحابه :
" لكني أقول لكم إنه من الخير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي الفارقليط."

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 14 : 07 PM
وكلمة


"المعزي"


أصلها منقول عن الكلمة اليونانية باراكلي طوس المحرفة عن الكلمة بيركلوطوس التي تعني محمد أو أحمد.
" إن التفاوت بين اللفظين يسير جداً ، وإن الحروف اليونانية كانت متشابهة ، وإن تصحيف "بيركلوطوس" إلى "باراكلي طوس" من الكاتب في بعض النسخ قريب من القياس ،
ثم
رجحوا هذه النسخة على النسخ الأخرى."[(100)]





جـ . ] وهناك إنجيل اسمه إنجيل
"برنابا"
استبعدته الكنيسة في عهدها القديم عام 492م
بــــ
أمر من البابا جلاسيوس ،
و
حرّمت قراءته
و
صودر من كل مكان،
لكن مكتبة البابا كانت تحتوي على هذا الكتاب.
و
شاء الله أن يظهر هذا الإنجيل على يد راهب لاتيني اسمه
"فرامرينو"
الذي عثر على رسائل
"الإبريانوس"
و
فيها ذكر إنجيل برنابا يستشهد به،
فــ
دفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا
و
توصل إلى مبتغاه عندما صار أحد المقربين إلى البابا "سكتش الخامس" فوجد في هذا الإنجيل أنه سَيُزعم أن عيسى هو ابن الله وسيبقى ذلك إلى أن يأتي محمد رسول الله فيصحح هذا الخطأ.

















يقول إنجيل برنابا في الباب "22":
" وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله الذي متى جاء كشف هذا الخداع للذين يؤمنون بشريعة الله ".
و
قد اسلم فرامرينو
و
عمل على نشر هذا الإنجيل الذي حاربته الكنيسة بين الناس[(101)].
د- هذا وقد كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم موجوداً بجلاء في كتب اليهود والنصارى عبر التاريخ ،
و
كان علماء المسلمين يحاجون الأحبار والرهبان بما هو موجود من ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كتبهم،
قال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
(لأعراف:157)



و
من ذلك:
• جاء في سفر أشعيا :" إني جعلت اسمك محمداً ، يا محمد يا قدوس الرب ، اسمك موجود من الأبد "
ذكر هذه الفقرة علي بن ربّن الطبري الذي كان نصرانياً فهداه الله للإسلام في كتابه : " الدين والدولة "،
و
قد توفي عام 247هـ[(102)] .
• وجاء في سفر أشعيا أيضاً : " سمعنا من أطراف الأرض صوت محمد "[(103)].
• وجاء في سفر حبقوق :" إن الله جاء من التيمان ، والقدوس من جبل فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده " .
ذكره علي بن ربن الطبري في كتابه :" الدين والدولة ". [(104)] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 36 : 07 PM
وذكره إبراهيم خليل احمد، الذي كان قساً نصرانياً فاسلم في عصرنا ونشر العبارة السابقة في كتاب له عام 1409هـ .


• وجاء في سفر أشعيا أيضاً :
" وما أعطيه لا أعطيه لغيره ، أحمد يحمد الله حمداً حديثاً ، يأتي من أفضل الأرض ، فتفرح به البَرّية وسكانها ، ويوحدون الله على كل شرف ، ويعظمونه على كل رابية"[(106)] .


وذكره عبدالله الترجمان الذي كان اسمه : [ انسلم تورميدا ] ،
و
كان قساً من أسبانيا فأسلم وتوفي عام 832 هـ .


و لقد روى جبير بن مطعم قال : سمعت رسول الله يقول : إِنَّ لِي أَسْمَاءً ، أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِيَ الْكُفْرَ ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ [(107)] .


قال الله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِين﴾
(الصف:6).


• ويقول مطران الموصل السابق الذي هداه الله للإسلام ، وهو البروفيسور: [ عبدالأحد داود ] الآشوري في كتابه:
" محمد في الكتاب المقدس[(108)] :
" إن العبارة الشائعة عند النصارى :
" المجد لله في الأعالي ، وعلى الأرض السلام ، وبالناس المسرة "
لم تكن هكذا ،
بل
كانت:
" المجد لله في الأعالي ،
و
على الأرض إسلام ،
و
للناس أحمد "








* * * * * * * *









هـ - و لقد جاء ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم في الكتب المقدسة عند
الهندوس فقد جاء في كتاب "السامافيدا"[(109)] ما نصه :
" أحمد تلقى الشريعة من ربه وهي مملوءة بالحكمة وقد قبست من النور كما يقبس من الشمس".


و- وجاء في كتاب أدروافيدم أدهروويدم وهو كتاب مقدس عند الهندوس[(110)] :
" أيها الناس اسمعوا وعوا يبعث المحمد بين أظهر الناس ... وعظمته تحمد حتى في الجنة ويجعلها خاضعة له وهو المحامد"[(111)]


ز- وجاء في كتاب هندوسي آخر هو بفوشيا برانم "بهوشى بهوشى برانم"[(112)] :
" في ذلك الحين يبعث أجنبي مع أصحابه باسم محامد الملقب بأستاذ العالم[(113)] ، والملك يطهره بالخمس المطهرات" .
و
في قوله:
" الخمس المطهرات "....
إشارة إلى الصلوات الخمس التي يتطهر بها المسلم من ذنوبه كل يوم[(114)].


و:" وأما البشارات التي كانت في كتب الأولين؛ فــ
منها :
ما ثبت بإسناد صحيح؛ ففي صحيح البخاري عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قلت :" أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في التوراة !!!؟.
قال: " أجل والله، إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: { يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } . وحزرا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا.[(115)]


والبشارات ....
منها :
ما له إسناد ضعيف، أو مختلف فيه؛ فــ
في مسند أحمد عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال: جــلــبــتُ جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه و سلم، فلما فرغت من بيعتي قلت: " لألقين هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشرا التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجمله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك ذا صفتي ومخرجي؟
فقال برأسه هكذا،أي لا.
فقال ابنه: " إي والذي أنزل التوراة، إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
فقال: أقيموا اليهود عن أخيكم، ثم ولي كفنه وحنطه،
وصلى عليه.
قال ابن كثير: هَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ، وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي الصَّحِيحِ.
قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده ضعيف لجهالة أبي صخر العقيلي.


وبعض هذه البشارات لم يصح، وبعضها قد حُرِّف فيما بعد..


وقد ذكر ابن كثير في السيرة النبوية (1/233) (وهو جزء من البداية والنهاية) جُملاً من هذه البشارات.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 47 : 07 PM
الخميس: ١٧رجب ١٤٤١ هــ ~ ١٢ مارس ٢٠٢٠م
"البحث القادم :
بشارة نسبه -صلى الله عليه وآله وسلم

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 52 : 07 PM
﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ:
إِرَهَاصَاتُ
وَ
بِشَارَاتُ
وَ
عَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ(!)
بشارةُ نَسَبِه - صلى الله عليه وآله وسلم-

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 58 : 07 PM
بشارةُ نَسَبِه
﴿ ٤ . ٢ . ﴾ الفصل الثاني:" نسبه صلى الله عليه وآله وسلم
لقد دعا خليل الرحمن إبراهيم [ الجد الأعلى لمحمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ] وابنه إسماعيل [ الأب الأعلى ]-عليهم جميعاً الصلاة والسلام- دعا اللهَ -جلَّ جلاله- وهما بمكةَ المكرمة أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة له، وأن يبعث فيهم رسولاً منهم، وقد ذكر الله -سبحانه وتعالى- دعاءهما كما جاء نصاً في القرآن الكريم والذكر الحكيم فنطق القرآن المجيد بقوله تعالى :
﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [128] .. و
الشاهد قوله تعالى في سماه وتقدست اسماه :
﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (سورةالبقرة: الايتان : 128 و 129).
هذا ما اثبته الله تعالى في العهد الحديث(!) -القرآن الكريم والذكر الحكيم-؛
و
إليك البيان من بشارات العهد العتيق -التوراة - و العهد الجديد - الإنجيل-:

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 03 / 2020, 12 : 08 PM
أ . ] جاء في توراة موسى -عليه السلام- وهي آحدى الكتب السماوية؛ والتي يعترف بها أتباع النبي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- ذكر للوعد الإلهي لإبراهيم أن يجعل من ذرية إسماعيل أمة هداية عظيمة.
فـــ
لنقرأ معاً كما ورد في سفر التكوين [(116)] ما يأتي :
« وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيرًا جِدًّا. اِثْنَيْ عَشَرَ رَئِيسًا يَلِدُ، وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً»
[الأصحاح: (17) من سفر التكوين: آية : (20)].





ب . ] وورد فيها أيضاً وفي نفس السفر: « وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضًا سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ ».
[ الأصحاح: (21) من سفر التكوين:آية : (13)].[(117)]





و
لم تكن هناك أمة هداية من نسل إسماعيل إلا أمة محمد صلى الله عليه وسلم التي قال الله عنها :
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
( آل عمران:110 ).





ج . ] وجاء في التوراة - أيضاً-؛ ولكن في سفر التثنية [(118)] على لسان موسى -عليه السلام- :« (17) قَالَ لِيَ الرَّبُّ: قَدْ أَحْسَنُوا فِي مَا تَكَلَّمُوا. (18) أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ »
[سفر التثنية؛ أصحاح: (18)؛ الايتان(*): (17 و 18)]..
و المقصود باخوتهم أبناء إسماعيل لأنه أخو إسحاق -صلوات الله وسلامه عليهما- الذي ينسب إليه بنو إسرائيل، حيث هما ابنا إبراهيم الخليل -عليه السلام-، ومحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- من ذرية إسماعيل ولو كانت البشارة تخص أحداً من بني إسرائيل لقالت: « منهم » [(119)] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) نبهني أحد السادة الفضلاء من كبار العلماء بأنه لا يصح استخدام لفظ : " آ ية " لجملة من الكتاب المقدس عند النصارى [ الإنجيل ] على أساس وجود تحريف وتعديل وتبديل وإضافة وحذف من عند أنفسهم... فاستأذنته متفضلا بالرد عليه بأنه يوجد حديث :" إذا حدثتكم بني إسرائيل فلا تكذبوهم ولا تصدقوكم ...! "... فنبهني مرة ثانية على أنه لابد من الدقة في الكلام من طرفي... ولم ينتهي البحث من عندي... ثم شكرته راجيا منه يسعفني بلفظة آخرى.. فوعد .. وانصرفنا.
وكتبه محرره: محمدفخرالدين الرمادي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
07 / 04 / 2020, 56 : 03 PM
... فنبي الإسلام وخاتم الأنبياء وآخر المرسلين محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- متمم المبتعثين هو من وسط أخوتهم، وهو مثل موسى -عليه السلام-
- نبي و
- رسول و
- صاحب شريعة جديدة، و
- حارب المشركين و
- تزوج و
- كان راعي غنم، ولا تنطبق هذه البشارة على يوشع كما يزعم اليهود لأن يوشع لم يوح إليه بكتاب، كما جاء في سفر التثنية :
« وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى الَّذِي عَرَفَهُ الرَّبُّ وَجْهًا لِوَجْهٍ ».
[سفر التثنية؛ أصحاح: (34)؛ آية : (10)] [(120)] .











كما أن البشارة لا تنطبق على عيسى -عليه السلام- كما يزعم النصارى، إذ لم يكن مثل موسى -عليه السلام- من وجوه ، فقد :
- ولد من غير أب؛ و
- تكلم في المهد؛ و
- لم تكن له شريعة كما لموسى -عليه السلام-، و
- لم يمت بل
- رفعه الله تعالى إليه .









د . ] وفي إنجيل متى[(121)] جاء ما يلي: «(42) قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ[(122)]:
« أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ؟ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا!.» «(43) لِذلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَه ُ».
وهذا معناه أن الرسالة تنتقل من بني إسرائيل إلى أمة أخرى ، فيكون الرسول المبشر به من غير بني إسرائيل؛ فــ
اثبت القرآن المجيد هذه البشارة على لسان ابن العذراء البتول فقال :
«. وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد ُ... »
[ سورة الصف: آية رقم ٦]















التبشير هو: الإخبار بحادث يسر، وأطلق هنا على الإخبار بأمر عظيم النفع لهم؛ لأنه يلزمه السرور الحق، فإن مجيء الرسول إلى الناس نعمة عظيمة. ووجه إيثار هذا اللفظ:الإشارة إلى ما وقع في الإنجيل من وصف رسالة الرسول الموعود به بأنها "بشارة الملكوت"[(123)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
البحث القادم : البشارة بـ مكان بعثته صلى الله عليه وآله وسلم :

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
07 / 04 / 2020, 45 : 04 PM
﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
﴿ ٤ . ٣ . ﴾ الفصل - مكان بعثته صلى الله عليه وآله وسلم :
أ- تذكر التوراة المكان الذي نشأ فيه إسماعيل -عليه السلام-، فقد جاء في سفر التكوين [(124)] :" وفتح الله عينيها[(125)] ".( فأبصرت بئر ماء[.([1]).] [(126)] (35:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 35 ) بئر زمزم .
". فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام") [.([2]).] [(127)] (36:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 36 ) إسماعيل عليه السلام .".
وكان الله مع الغلام فكبر. وسكن في البرية وكان ينمو رامي قوس. وسكن في برية فاران"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[تقرأ عند موقع تكلا]
:" 19 (https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showVerses.php?book=1&chapter=21&vmin=19&vmax=19) وَفَتَحَ اللهُ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ مَاءً وَسَقَتِ الْغُلاَمَ. 20 (https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showVerses.php?book=1&chapter=21&vmin=20&vmax=20) وَكَانَ اللهُ مَعَ الْغُلاَمِ فَكَبِرَ، وَسَكَنَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَكَانَ يَنْمُو رَامِيَ قَوْسٍ. 21 (https://st-takla.org/Bibles/BibleSearch/showVerses.php?book=1&chapter=21&vmin=21&vmax=21) وَسَكَنَ فِي بَرِّيَّةِ فَارَانَ، وَأَخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ أَرْضِ مِصْرَ.". ] (ظ) وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أن إسماعيل -عليه السلام- كان رامياً، فقد مر على نفر من قبيلة أسلم يرمون بالسهام فقال لهم:
( ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا )[.([3]).] [(128)] (37:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
( 37 ) أخرجه البخاري كتاب: ( الجهاد والسير )؛ باب: ( التحريض على الرمي )، و
انظر ايضا : ابن ماجه في السنن كتاب: ( الجهاد ) باب: ( الرمي في سبيل الله ) ، و
انظر أيضا : أحمد في مسنده (1/364) و ( 4/50 ) ؛ و
انظر : ابن حبان في صحيحه : ( 10/ 548) وغيرهم .".).

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
07 / 04 / 2020, 10 : 05 PM
ب- كما جاء في التوراة في سفر أشعيا[.([1]).] [(129)] (38:"( 38 ) الإصحاح 21الفقرة 12.".):
" وحي من جهة بلاد العرب" (ع) وهذا إعلان عن المكان والأُمة التي سيخرج منها الرسول حاملاً الوحي من الله إلى الناس .





ج- ويأتي تحديد آخر للمكان الذي سترتفع فيه الدعوة الجديدة بشعاراتها الجديدة التي ترفع من رؤوس الجبال ويهتف بها الناس، فتقول التوراة في سفر أشعيا[.([2]).] [(130)] (39:"( 39 ) الإصحاح 42 الفقرة 10-11.".):


" غنوا للرب أغنية جديدة ، تسبيحهُ من أقصى الأرض ، أيها المنحدرون في البحر وملؤه، والجزائر وسكانها ، لترفع البرّية ومدنها صوتها[.([3]).] [(131)] (40:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
( 40 ) رفع الصوت بالأذان.".)


الديار التي سكنها قيدار[.([4]).] [(132)] (41:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
( 41 ) هو أحد أبناء إسماعيل -عليه السلام- كما تذكر ذلك التوراة في سفر التكوين إصحاح 25 فقرة 12-13 ".).





لتترنم سكان سالع[.([5]).] [(133)] (42:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
( 42 ) جبل سلع بالمدينة .".)



من رؤوس الجبال ليهتفوا[.([6]).] [(134)] (43:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 43 ) رفع الصوت بالأذان .".)"(غ) و


الأغنية عندهم هي الهتاف بذكر الله الذي يرفع به الصوت من رؤوس الجبال ، وهذا لا ينطبق إلا على الأذان عند المسلمين،
كما
أن سكان سالع ، والديار التي سكنها قيدار هي أماكن في جزيرة العرب،وكل ذلك يدل على أن مكان الرسالة الجديدة والرسول المبشر به هو جزيرة العرب.











د- وجاء في التوراة في سفر التثنية[.([7]).] [(135)] (44:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
( 44 ) الإصحاح 33 الفقرة 2."):
"جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من ساعير وتلالأ من جبل فاران".(ف)
و






يرى بعض شراح التوراة ممن أسلم أن هذه العبارة الموجودة في التوراة تشير إلى أماكن نزول الهدى الإلهي إلى الأرض ....
..... فمجيئه من :


- سيناء : إعطاؤه التوراة لموسى -عليه السلام- . و
إشراقه من


- ساعير : إعطاؤه الإنجيل للمسيح عيسى -عليه السلام-. و
ساعير : سلسلة جبال ممتدة في الجهة الشرقية من وادي عربة في فلسطين وهي الأرض التي عاش فيها عيسى -عليه السلام- . و
تلألؤه من


- جبل فاران : إنزاله القرآن على محمد -صلى الله عليه وسلم- . و
فاران هو الاسم القديم لأرض مكة التي سكنها إسماعيل -عليه السلام- .











هـ وجاء في التوراة أن داود -عليه السلام- يترنم ببيت الله ويتمنى أن يكون فيه ، ويعلل ذلك بمضاعفة الأجر هناك[.([8]).] [(136)] (45:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
( 45 ) المزمور 84 الفقرة 1-2-3-4 وَ 10 .".)





وتقول التوراة نقلاً عنه[.([9]).] [(137)] (46:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 46 ) المزمور 84 الفقرة 6 .".):



" ما أسعد أولئك الذين يتلقون قوتهم منك، الذين يتوقون لأداء الحج إلى جبل المجتمع الديني الذي خَلُصَ لعبادة الله[.([10]).] [(138)] (47:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 47 ) هو بالنص الإنجليزي جبل (Zion)، و
معنى : ( Zion ) : المجتمع الديني الذي خلص لعبادة الله ،
أو

المدينة الفاضلة كما جاء ذلك في قاموس :


Webste s Seventh New Collegiate Dictiona


وقد ذكر معاني أخرى لا تستقيم مع الموضع الجغرافي المذكور في النص. و




عند الرجوع إلى أصل الكلمة ( Zion ) العبري تبين أنها مقتبسة من جذر يعني :
- جفاف ....
- صحراوي ....
- أجرد (أرض أو مكان)
- جاف ....
- مكان مقفر .....
- برية. و
هذا كله يشير إلى أن المكان المعبر عنه بكلمه : ( Zion ) في النص الإنجليزي هو :
برية مكة الجرداء المقفرة الجافة،





(راجع كتاب


The New St)
ong Exhaustive Conco dance of the Bible, James St ong, LL.D. 5.T.D
و


المعجم العبري ص99 فقره: رقم 6723 . أنظر نهاية المبحث ".)




وهم يمرون عبروادي بكه الجاف فيصبح مكاناً للينابيع "[.([11]).] [(139)] (48:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 48 ) ص585 Good News Bible.".).(ق) و







في نسخة أخرى : " فيصيرونه بئراً[.([12]).] [(140)] (49:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ"
(49) وادي بكه يصيرونه بئراً من المعجم سترونغ المفهرس الشامل للكتاب المقدس ص95 .".)


أو ينبوعاً [.([13]).] [(141)] (50:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 50 ) الكتاب المقدس الذي تصدره جمعية الكتاب المقدس بالشرق الأدنى .".)


" ووادي بكة قد ورد ذكره في القرآن الكريم وأنه هو الذي فيه البيت الحرام قال تعالى:
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ(97) ﴾
(آل عمران:96-97).




و
قد ذكر الله جفاف هذا الوادي بقوله سبحانه وهو يذكر دعاء إبراهيم -عليه السلام-:
﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ …﴾
(إبراهيم:37).
و




معلوم أن هذا الوادي الجاف قد جعل الله فيه بئر زمزم عندما سكنت هاجر فيه مع ابنها إسماعيل -عليه السلام -.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
07 / 04 / 2020, 19 : 05 PM
وقد أُخرج النصارى العرب بالنص على وادي بكة ! فحرفوه كما في الكتاب المقدس عندهم في الطبعة العربية فقالوا : " عابرين في وادي البكاء"(ل) و




حذفوا أيضاً لفظ "الحجاج" الذي ورد في النص الإنجليزي المذكورة ترجمته سابقاً . ولا توجد صلة بين وادي بكة والبكاء ، وقد


ورد اسم"بكة" في النص الإنجليزي مبتدئاً بحرف كبير مما يدل على أنه علم غير قابل للترجمة (Baca). و
كما جاء في الكتب الزرادشتية[.([1]).] [(142)] (51:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
( 51 ) يذهب بعض الباحثين إلى أن الزرادشتية هي المجوسية ، وقيل بل المجوسية أسبق من الزرادشتية ، وإنما زرادشت أظهر المجوسية وحددها في القرن الثالث الميلادي .
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب"
[أخرجه :
- ابن أبي شيبة في المصنف : ( 2 /435 ) و
- مالك في الموطأ : ( 1 /278 ) ، ومن طريقه الشافعي في مسنده : ( 1 /209 ) ومن طريق الشافعي البيهقي في السنن الكبرى ، و
كذلك :
- رواه الطبراني في المعجم الكبير : ( 19 /437 )
قال في مجمع الزوائد : ( 6 /13 ) : رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم ،


وقال في تلخيص الحبير : ورواه (يعني الحديث) ابن أبي عاصم في كتاب النكاح بسند حسن .
أنظر الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة :0 2 /1149 ) .




" .) بشارات تشير إلى المكان الذي تظهر فيه دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- ، و
من ذلك :
" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام "[.([2]).] [(143)] (52:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
( 52 ) من كتاب " محمد في الأسفار العالمية " للأستاذ عبدالحق.".) (ن).













البحث القادم : البشارة بـ صفاته صلى الله عليه وآله وسلم :


محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
الثلاثاء: 14 شعبان 1441 هــ ~ 07 ابريل 2020م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
08 / 04 / 2020, 46 : 06 PM
﴿ ٤ . ٤ . ﴾ - صفاته صلى الله عليه وآله وسلم :
** - ** - ** - **
من صفاته صلى الله عليه وآله وسلم أنه أمي .
أ . ] كما وصف في سفر أشعيا[(143)](53:"( 53 ) الإصحاح : 21 الفقرة : 6.".) بأنه راكب الجمل وفي هذا إشارة إلى أنه من الصحراء و
هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم .
ب . ] ووصف في المزامير[(144)](54:"( 54 ) في مزمور : 72 الفقرة :10 .".) بـأن : "ملوك شبا وسبأ يقدمون هدية "(هـ)، و
قد انتهىٰ ملوك اليمن ولم يظهر نبي دان له ملوك اليمن إلا محمد صلى الله عليه وسلم .
جـ . ] ووصف فيها أيضاً[(145)](55:"( 55 ) مزمور :72 الفقرة :15.". ) بأنه " يصلىٰ عليه ويبارك عليه كل وقت " و
هكذا شأن محمد صلى الله عليه وسلم فالمسلمون يباركون عليه كل يوم عدة مرات في صلاتهم .
د . ] ووصف فيها أيضاً[(146)](56:"( 56 ) مزمور :45 الفقرة :3 .".) بأنه "متقلد سيفاً" ، و
فيها أيضاً[(147)](57:"( 57 ) الفقرة : 5 من المزمور السابق .".) مايلي:
" وأنه يرمي بالنبل " .
هـ . ] وجاء في إنجيل متى[(148)](58:"( 58 ) الإصحاح : 21 الفقرات : 41-44 .".) وصفه بأنه الحجر الذي أتم بناء النبوة ، فــ
فيه : " قال لهم يسوع[(149)](59:"( 59 ) هو عيسى ابن مريم -عليهما السلام- .".) أما قرأتم قط في الكتب. :" الحجر الذي رفضه البناءون هو قد صار رأس الزاوية. من قِبَل الرب ... كان هذا .. وهو عجيب في أعيننا .. لذلك أقول لكم إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره"(ط) و
أمةُ محمد صلى الله عليه وسلم أمةٌ أمية ، لم يكن لها شأن بين الأمم ، و
كان من العجيب أن يكون الرسول الذي يخرج منها هو رأس الزاوية في بناء النبوة. و








قد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: « إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ .... قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ »[(150)](60:"( 60 ) أخرجه البخاري كتاب : ( المناقب ) ؛ باب : ( خاتم النبيين ) ، و مسلم ؛ كتاب : ( الفضائل ) ؛ باب : ( ذكر كونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ) ، وابن حبان في صحيحه : ( 14 /315 ) .".) و
تذكر هذه البشارة على لسان عيسى ابن مريم -عليهما السلام- أن صاحب هذا الوصف ليس من بني إسرائيل ، وأن النبوة ستنزع من بني إسرائيل وتعطى لأمة أخرى "تعمل أثماره" ... أي تحقق ثماره، فــ
كانت هذه الأمة التي كانت مزدراة في أعين الناس هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، و
هي الأمة الجديدة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس
و . ] وجاء في سفر أشعيا[(151)](61:"( 61 ) الإصحاح 21 الفقرة 13-17 .".) : " وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين[(152)] (:"(62 ) ددان : بلد أقرب من تيماء إلى المدينة النبوية المنورة .".). هاتوا ماءً لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه. فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول ومن أمام القوس المشدودة ومن أمام شدة الحرب. فــ
إنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد "قيدار" وبقية عدد قِسِيّ أبطال بني قيدار تقل، لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم ".(ع)


تفيد هذه البشارة أن الله أوحىٰ إلى أشعيا :" لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " بأن وحياً سيأتي من جهة بلاد العرب : " وحي من جهة بلاد العرب " و
أن تلك الجهة من بلاد العرب هي الوعر التي تبيت فيها قوافل الددانيين .
و
ددان قرب ( يثرب ) المدينة النبوية المنورة - والتي طيّب الله تعالى ثراها بمرقده بها وبجواره صاحبيه ووزيريه- كما تدل على ذلك الخرائط الكنسية القديمة . و


يأمر الوحي الذي تلقاه أشعيا أهل تيماء أن يقدموا الشراب والطعام لهارب يهرب من أمام السيوف ، ومجيئ الأمر بعد الإخبار عن الوحي الذي يكون من جهة بلاد العرب قرينة بأن الهارب هو صاحب ذلك الوحي الذي يأمر الله أهل تيماء بمناصرته : " هاتوا ماءً لملاقاة العطشان ، يا سكان أرض تيماء وافوا الهارب بخبزه " و


أرض تيماء منطقة من أعمال المدينة ، وفيها يهود تيماء الذين انتقل معظمهم إلى يثرب.
ويذكر المؤرخون الإخباريون العرب نقلا عن اليهود في الجزيرةالعربية أن أول قدوم اليهود إلى الحجاز كان في زمن موسى -عليه وعلى أخيه السلام- عندما أرسلهم في حملة ضد العماليق في تيماء، وبعد قضائهم على العماليق وعودتهم إلى الشام بعد موت موسى -عليه السلام- منعوا من دخول الشام بحجة مخالفتهم لشريعة موسى لاستبقائهم إبناً لملك العماليق. فاضطروا للعودة إلى الحجاز والاستقرار في تيماء[(153)] (63:"( 63 ) كان ذلك منذ اثني عشر قرناً قبل الميلاد .".) ثم انتقل معظمهم إلى يثرب[(154)] (64:"( 64 ) الروض المعطار في خبر الأقطار ، معجم جغرافي ، محمد بن عبدالمنعم الحميري ، مكتبة لبنان ، 1984م ص 146-147. وجاء مثل ذلك في : وفاء الوفاء بأخبار المصطفى ، للسمهودي ، دار احياء التراث العربي؛ بيروت : ( ج1 ؛ ص 159.".). فــ


أهل يثرب من اليهود هم من أهل تيماء المخاطبين في النص. وكان تاريخ مخاطبة اشعياء لاهل تيماء في هذا الاصحاح هو النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. و


يفيد الوحي إلى أشعيا أن الهارب هرب ومعه آخرون :" فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ".
ثم
يذكر الوحي الخراب الذي يحل بمجد " قيدار " بعد سنة من هذه الحادثة ، مما يدل على أن الهروب كان منهم ، وأن عقابهم كان بسبب تلك الحادثة : " فإنه هكذا قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد " قيدار " ، و
بقية عدد قسي أبطال بني " قيدار " تقل " و
تنطبق هذه البشارة على محمد صلى الله عليه وسلم وهجرته تمام الانطباق ، فقد
- نزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم في بلاد العرب ، و
- في الوعر من بلاد العرب، في مكة والمدينة. و
- هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة من أرض بني " قيدار " [(155)] (65:"( 65 ) سبق البيان أن :" قيدار " أحد أبناء إسماعيل الذي سكن برية فاران (مكة) .".) قريش الذين كانوا قد عينوا من كل بطن من بطونهم شاباً جلداً ليجتمعوا لقتل محمد صلى الله عليه وسلم ليلة هجرته ، فجاء الشباب ومعهم أسلحتهم فخرج الرسول مهاجراً هارباً ، فتعقبته قريش بسيوفها وقسيها كما تذكر العبارة : " فإنهم من أمام السيوف قد هربوا ، من أمام السيف المسلول ، ومن أمام القوس المشدودة ".
ثم
عاقب الله قريشاً أبناء " قيدار " بعد سنة ونيف من هجرته صلى الله عليه وسلم بما حدث في غزوة بدر من هزيمة نكراء أذهبت مجد قريش ، وقتلت عدداً من أبطالهم : " كما قال لي السيد الله : في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد " قيدار " ، وبقية عدد قسي أبطال بني " قيدار " تقل " . و


تؤكد العبارة أن هذا الإخبار وأن هذا التبشير بنزول الوحي في بلاد العرب ، وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وما يجري له من هجرة ونصر هو بوحي من الله : " لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم " إن ما حملته هذه البشارة من معانٍ لابد أن يكون قد وقع ، لأنه يقع في عصرٍ آلة الحرب فيه السيف والنبل ، وقدانتهى عصر الحرب بالسيف والنبل .‍‍‍‍
• فهل نزل وحي في بلاد العرب غير القرآن ؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!
•‍‍‍ و هل هناك نبي هاجر من مكة إلى المدينة واستقبله أهل تيماءغير محمد صلى الله عليه وسلم ؟!
• وهل هناك هزيمة لقريش بعد عام من الهجرة إلا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ؟!
إن هذه البشارة تدل على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ،وأنها إعلان إلهي عن مقدمه ينقلها أحد أنبياء بني إسرائيل أشعيا[(156)] (66:"( 66 ) عاش في النصف الأخير من القرن الثامن قبل الميلاد. كما ورد فيGood News Bible ؛ ص : ( 665) ".) ،
وبقي
هذا
النص
إلى
يومنا
هذا
على
الرغم
من
حرص
كفرة
أهل الكتاب
على
التحريف
و
التبديل .
ز- وجاء في صفته في المزامير[(157)] (67:"( 67 ) المزمور 45 الفقرة 3 .".) :" انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد تقلد سيفك " (و)
ح- وجاء في التوراة في سفر أشعيا[(158)] (68:"( 68 ) الإصحاح 42 الفقرة 1.".) في وصفه: " هو ذاعبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي ، وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم. لايصيح ولا يرفع ولا يُسمع في الشارع صوته " (ي) و




هذا يتطابق مع ما نقله الصحابي الجليل عبدالله بن عمرو رضي الله عنه من التوراة التي قرأها في زمنه ، فقد قال عطاء بن يسار له : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ[(159)] (69:"( 69 ) السخب ويقال فيه الصخب هو رفع الصوت بالخصام .".) فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا[(160)] (70:"( 70 ) أخرجه البخاري: كتاب : ( البيوع ) ؛ باب : ( كراهية السخب في الأسواق ) ، والبيهقي في السنن الكبرى : ( 7 /45 ) وأحمد في المسند : ( 2 /678 ) .".).
ط . ] وجاء في صفة الدين الذي يأتي به ما يأتي :
أولاً : الأذان للصلاة كما سبق بيانه .
ثانياً : الصلاة كتفاً إلى كتف : فقد جاء في التوراة في سفر صفنيا[(161)] (71:"( 71 ) الإصحاح 3 الفقرة 9-10 .".) ما يأتي:
"لأني حينئذ أحول الشعوب إلى شَفة نقية ليدعوا كلهم باسم الرب ليعبدوه بكتف واحدة"(أً)
و
بالإسلام توحدت لغة العبادة لله ، فيقرأ القرآن في الصلاة بلغة واحدة هي العربية، ويصفون كتفاً إلى كتف .





ثالثاً : تحويل القبلة : فقد جاء في إنجيل يوحنا[(162)] (72:"( 72 ) الإصحاح 4 الفقرة 20-21 .".) ما يأتي : إن امرأة سامرية تقول لعيسى -عليه السلام- : " آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون إن في أورشليم[(163)] (73:"( 73 ) هي القدس .".) الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه ، قال لها يسوع[(164)] (74:"( 74 ) هو عيسى ابن مريم -عليهما السلام- .".) يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون " (بً) وهذا إعلان بأن القبلة ستتحول من بيت المقدس. ولا يكون ذلك إلا على يد رسول، كما حدث على يد النبي صلى الله عليه وسلم وفقاً لأمر الله القائل :
﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِالْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ (البقرة:144).





رابعاً : الهداية إلى جميع الدين الحق : فقد جاء في إنجيل يوحنا[(165)] (75:"( 75 ) الإصحاح 16 الفقرة 12-13 .".) ما يأتي: يقول عيسى -عليه السلام- :" إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتيه " (تً) قال الله تعالى:
﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ (النحل:89). و
قال تعالى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)﴾(النجم:3-4).



خامساً : ذكر بعض شعائر دينه صلى الله عليه وسلم في الكتب السابقة : فقد جاء في كتاب: بفوشيا برانم[(166)] (76:"( 76 ) ( الجزء 3 - ؛ فصل 3 ) ، وهو من كتب الهندوس كما سبق ذلك .".) وصفٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم:
" هم الذين يختتنون ، ولا يربون القزع، ويربون اللحى ،وهم مجاهدون وينادون الناس للدعاء[(167)] (77:"( 77 ) ينادون للدعاء : أي ينادون للصلاة لأن الصلاة دعاء.".) بصوت عال،ويأكلون أكثر الحيوانات إلا الخنزير، ولا يستعملون الدرباء. [(168)] (78:"( 78 ) الدرباء نبات يخرج به الهنود الدم من جسم الإنسان ويعدون هذا العمل تطهيراً من الخطايا.". ) للتطهير بل الشهداء هم المتطهرون ، ويسمون بــ" مسلي"[(169)] (79:"( 79 )" مسلي" أي يسمون بالمسلمين، دخل عليها شئ من التحريف.".) بسبب أنهم يقاتلون من يلبس الحق بالباطل ، ودينهم هذا يخرج منا وأنا الخالق".(ثً)
وجاء في كتاب "محمد في الأسفار العالمية" ما ترجمه الأستاذ عبدالحق من كتب الزرادشتية بشأن محمد وأصحابه" إن أمة زرادشت حين ينبذون دينهم يتضعضعون، وينهض رجل في بلاد العرب يهزم أتباعه فارس، ويخضع الفرس المتكبرين، وبعد عبادة النار في هياكلهم يولون وجوههم نحو كعبة إبراهيم التي تطهرت من الأصنام، ويومئذ يصبحون هم أتباع النبي رحمة للعالمين، وسادة لفارس ومديان وطوس وبلخ. [(170)] (80:"( 80 ) وهي الأماكن المقدسة للزرادشتيين ومن جاورهم.".) وإن نبيهم ليكونن فصيحاً يتحدث بالمعجزات" [(171)] (81:"( 81 )"محمد في الأسفار العالمية"ص 47".). (ن)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
08 / 04 / 2020, 06 : 07 PM
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بُحُوثُ
السِيرَةِ النَّبوية
- علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات وعظيم التحيات -
« الرسالة النبوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والدلائل الإعجازية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية لـــــسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية - صلىٰ الله عليه وآله وسلم - »
« سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة.. ذات حضارة‟ »
**
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
١٥ شعبان ١٤٤١هـ ~ 08 ابريل 2020م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 10 / 2020, 57 : 10 PM
﴿ سُنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وأحاديث الأحكام المنبثقة من سنة خاتم الأنبياء ﴾
[ ١ . ] مقدمة المجلد الثالث
العنوان العريض للمجلد :
حصوله -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- علىٰ بعثة خاتم الأنبياء.. وتكليفه برسالة آخر المرسلين.. وارتقاءه منصب نبوة متمم المبتعثين
[ أ . ] السلسلة الأولىٰ: « خاتم الأنبياء » صلى الله عليه وآله وسلم
« الرسالة النبوية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والدلائل الإعجازية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية لـسيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلىٰ الله عليه وآله وسلم « ..
سلسلة بُحُوث السِيرَةِ النَّبوية -علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات..
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة.. ذات حضارة ‟.
**
حضرات السيدات القارئات المربيات.. والسادة المتابعين القوامين.. وطلاب العلم..!
عشنا ما يزيد عن عامين سواء وفق التقويم الهجري الإسلامي [فبداية نشر هذه السلسلة الطيبة علىٰ موقع „ ملتقىٰ أهل العلم ” كان يوم الإثنين ٢١ صفر ١٤٣٨ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ] أو ميلادياً حسب واضع عدَّ السنين الراهب الأرمني دنيسيوس الصغير؛ أو وفقاً للتقويم الغريغوري نسبة إلىٰ غريغوريوس الثالث عشر بابا روما في القرن السادس عشر الذي قام بتعديل نظام الكبس في التقويم اليولياني ليصبح علىٰ النظام المتعارف عليه حاليًا مع فارق اربع سنوات لم تحسب [ بدءً من ٦ من شهر ديسمبر عام ٢٠١٧ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن „ النذيرة مريم ” العذراء الزهراء البتول عليهما السلام ]..















اقولُ: عشنا ما يزيد عن عامين مع تمهيدات بعثة السيد الجليل؛ والنبي النبيل؛ وتعايشنا ارهاصات رسالة خاتم الأنبياء الكريم ومقدمات آخر المرسلين الموثقين ومداخلات عامة لمتمم المبتعثين من رب الأولين وإله الآخرين لكافة الخلق أجمعين .. ولعل ما أطال الفترة مع هذه المقدمة التمهيدية والمدخل إلىٰ سيرته العطرة -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- والتي استوعبت مجلدين [لهما - بإذنه تعالى ومن بعد مشيئته- استدراكات وزيادات]؛ استعرضتُ فيهما بشارات مجيئه -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- منذ عهدِ أبي البشر آدم؛ ومروراً بأبي الأنبياء إبراهيم الخليل؛ وماذكر من بشارات في العهد العتيق [توراة سيدنا موسى الكليم -عليه السلام-] فالعهدالجديد [انجيل كلمة الله وروح منه؛ المعجزة في ولادته؛ والمعجزة في حياته.. عبد الله ونبيه ورسوله عيسى ابن مريم بنت عمران النذيرة العذراء الزهراء البتول -عليهما السلام-] فالعهد الحديث [كتاب الله (سما في علاه وعلا في سماه وتقدست اسماه): القرآن المجيد والذكر الحكيم والمصحف الشريف]..











اقولُ: استعرضتُ بشارات مجيئه؛ وأوضحها:
- بشرىٰ كلمة الله وروح منه السيد الجليل صاحب المعجزات بإذن ربه العلي القدير : المسيح عيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -صلى الله عليه وآله وسلم- فـ
- نسبه و
- عائلته و
- تنشأته و
- الأحداث الهامة التي جرت قبل بعثته فــ
- زواجه من أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها-..
وقد تبقت مكملات بحوث واستدركات فصول سأضعها -مِن بعد إذنه تعالىٰ وكامل توفيقه وحسن رعايته وتمام هدايته- في نهاية المجلدات والتي توقعتُ حسب خطة البحث أنها ستصل إلى عشرة مجلدات[ أو تزيد]؛ اضف الهوامش والتعليقات والترجمات للشخصيات المحورية التي ورد ذكرها إثناء البحث.. وفهرس للآيات القرآنية وموضعها من الكتاب الكريم؛ وإن تيسر ما افهمه من التفسير أو استوعبه من التأويل، والأحاديث الشريفة مع تخريجها ودرجتها.. ولعل ما أطال الفترة الزمنية في النشر الأسباب الآتية:
١ . ) وفرة المصادر والمراجع التي تتكلم وتبحث عن الفكرة الواحدة؛ فوجب قراءتها جميعاً ومِن ثم مراجعتها بتمعن وإدراك وفهم ومحاولة استخلاص المفيد منها والتوفيق بينها إذا استلزم الأمر.
٢ . )إنشغالي ببحوث آخرىٰ بعيدة عن موضوعات السيرة النبوية من حيث البحث وكذا مسائل وقضايا وتحضير خطبة الجمعة من كل إسبوع - والحمد لله رب العالمين.. أن أكرمت بهذا كله - .
٣ . )التزامات شخصية وحياتية ووظيفية يجب أن اقوم بها..
وقد ألزمتُ نفسي مِن البداية تقديم ما اطمئن إليه علمياً من حيث التدقيق والتحقيق والتوثيق.
*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*
[٢ . ] توثيق البعثة المحمدية وتحقيق الرسالة النبوية الأحمدية من خلال النصوص القطعية الثبوت والقطعية الدلالة:
[٢ . ١ . ] واللهُ تعالى كَامِلُ الْقُدْرَةِ.. كَامِلُ الرَّحْمَةِ فَــ أَرْسِلَ رَسُولًا رَحْمَةً مِنْهُ.. كَمَا قَالَ تَعَالَى :
﴿ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إلَّا « „ رَحْمَةً ” » لِلْعَالَمِينَ ﴾[(1)] ..
فقال الطبري:" وَمَاأَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَىٰ خَلْقِنَا إِلَّا رَحْمَةً.. "..
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَىٰ هَذِهِ الْآيَةِ ، وتأويل الآية فيه تفصيل ؛ يرجع إليه في مواضعه . وَ





أَوْلَىٰ الْأقْوْالَ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ .. الْقَوْلُ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله تعالى عنهما- ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِجَمِيعِ الْعَالَمِ . [(2)]
[٢ . ٢ . ] وكونُه مبعوثاً إِلَى كافة الورىٰ، اثبت القرآن المجيد قوله تعالى:
﴿ „ وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً ” ﴾ [(3)] و
[٢ . ٣ . ] قال تعالى:
﴿ „ قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ” ﴾ [(4)] و
[٢ . ٤ . ] قال تعالى:
﴿ „ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ” ﴾ [(5)] أي: وأُنْذِرُ مَنْ بِلَغَه، و
[٢ . ٥ . ] قال تعالى:
﴿ „ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً ” ﴾ [(6)] و
[٢ . ٦ . ] قال تعالى:
﴿ „ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ” ﴾ [(7)]، و
[٢ . ٧ . ] قال تعالى:
﴿ „ تَبَارَكَ الَّذِي نـزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ” ﴾ [(8)] و
[٢ . ٨ . ] قال تعالى:
﴿ „ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ ” ﴾ [(9)].
هذا من حيث النصوص القرآنية ...
أما حيث السنة النبوية المحمدية العطرة فــ
[٢ . ٩ . ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - « „ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ” » . [(10)]. و
جاء من طريق آخر:
عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: « „ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِيهِمْ يَا أَيُّهَاالنَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ” ».[(11)] . و
[٢ . ١٠ . ] يأتي جزء من حديث [(12)] يقول فيه -عليه السلام-: « „ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَىٰ قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْت إلَىٰ النَّاسِ عَامَّةً ” » و
[٢ . ١١ . ] يأتي جزء آخر من حديثه [(13)] عليه السلام: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « „ أُعْطِيت خَمْسًا وَلَا أَقُولُهُ فَخْرًا ” » :-منها- « „ بُعِثْت إلَىٰ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ ” » . [(14)].
[٢ . ١١ . ١. ] وجاء من طريق آخر :
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَىٰ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « „ وَأُعْطِيت خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ كَانَ قَبْلِي.. ” » : - منها- « „ بُعِثْت إلَىٰ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ ” » [(15)].
[٢ . ١١ . ٢. ]عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : خَرَجْت فِي طَلَبِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدْته يُصَلِّي ، فَانْتَظَرْته حَتَّىٰ صَلَّىٰ ، فَقَالَ: « „ أُوتِيت اللَّيْلَةَ خَمْسًا لَمْ يُؤْتَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي .. ” » .. - منها- : « „ وَأُرْسِلْت إلَىٰ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ ” » [(16)].
**
والحاصل :
أَنَّ إرْسَالَ الرَّسُولِ مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ عَلَىٰ كَمَالِ قُدْرَتِهِ- سبحانه وتعالى- وَإِحْسَانِهِ . [(17)]
-*-*
وينبغي لي أن أتحدث في تمهيدٍ عن ثلاثة محاور:
١. ] الأول: الغاية من بعثة الرسل.
أما المحور الثاني :
٢. ] حاجة الناس إلى الرسل.
أما الثالث:
٣. ] الغاية من بعثة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين النبي العربي الأمي الأمين صلىٰ الله عليه وآله أجمعين.
كما ينبغي لــ كل إنسان الإجابة عن تلكم الأسئلة :
١ .] ما هي الغاية من الخلق والإنشاء والإبداع والتقويم للإنسان؛
٢ .] ما هي الغاية من وجود الإنسان علىٰ الأرض؛
٣ .] ماذا بعد إنتهاء الحياة لكل إنسان علىٰ الأرض؛ أموتٌ بعده فناء وعدم!!؟.. بمعنىٰ أنه : لا حساب ولا مسائلة ولا جزاء!!..
أم نعيم مقيم دائم!!
أو تلك الآخرىٰ..
١ .] فإذا كان الأمر فيه محاسبة علىٰ أفعال قمنا بها؛ وأقوال تكلمنا بها، وجزاء علىٰ تصرفات في الحياة الدنيا سنحاسب عليها في الحياة الآخرة .. هنا حق لنا أن نعلم جيداً وبالتفصيل كيف نعيش وفق منهاج خالق.. وكيف نحيا وفق طريقة رازق.. وكيف نعمل ونقول وفق شريعة رب غفور رحيم.. فوجب إرسال الرسل وبعث الكتب..
فنطق القرآن الكريم بالقول الصادق:
﴿ „ وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ „ لَاتَعْلَمُونَ شَيْئًا ” وَجَعَلَ لَكُمُ „ السَّمْعَ ” وَ „ الْأَبْصَارَ ” وَ „ الْأَفْئِدَة َ” لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ”﴾ [(18)]
فأعطىٰ سبحانه وتعالىٰ الجميع دون استثناء أدوات التعلم .. ثم جاء الأمر بتعلم أمرين؛ أو بتعبير أدق بتعلم كتابين..
الأول منهما : ﴿ „ اقْرَأْ ” بِــ „ اسْمِ رَبِّكَ” ﴾ وهذا قُصد به الكتاب المحفوظ في الصدور؛ القرآن الكريم والذكر الحكيم والمصحف الشريف..
وأما قراءة الكتاب الثاني فقال : ﴿ الَّذِي „ خَلَقَ”﴾.
ثم جاء بمثال عن كيفية خلقه -سبحانه- لآحدى مخلوقاته ... وهو أرقاهم : ﴿ خَلَقَ „ الْإِنسَانَ ” مِنْ عَلَقٍ ﴾ [(19)] وهذا قصد به قراءة الكتاب الذي هو في الكون منشور.. وهذا الكتاب المنشور في الكون هو تعلم الطب لمعالجة الإنسان والحيوان؛ والصيدلة لحماية الإنسان من الأوبئة والأمراض؛ والهندسة للإعمار؛والزراعة لقوت الإنسان والحيوان... هكذا ..
لذا فقد وجب قراءة كتاب نزل من خالق الإنسان في أحسن تقويم وواجد الكون ومنشأ الحياة من عدم .. وجب قراءة كتاب نزل بواسطة أمين السماء جبريل -عليه السلام- علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وآله وسلم- وهذا هو الكتاب الأول.. القرآن المجيد والذكر الحكيم والهدي ا لكريم والنور المبين... قراءة تطبيقية.. منهجية.. تشريعية.. عملية حياتية يومية وليس قراءة قراء المقابر...
أما
الكتاب الثاني فقراءة الكتاب المنشور في كينونة الإنسان وتركيبته النفسية والخَلقية ؛ وما هو منشور في الكون والحياة.. ثم يبين سبحانه : ﴿ „ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ” ﴾ ﴿ „ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ”﴾ [(20)]
وهذه هي الآيات الخمس الْأُول .. وهي أيضا التكليف الأول لمحمد النبي الرسول ولمن يتبعه من المسلمين المؤمنين والتي هي أول ما نزل علىٰ قلب أمين السماء والأرض بواسطة أمين السماء جبريل -عليهما السلام- مِن مَن خلقهما -سبحانه وتعالى-..
وكي تتضح لنا غاية إرسال خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين نقرأ معاً ما سيقوم به معنا الرسول من دور نبوي ووظيفة رسولية..
فكان الدور الأول متعلق بـ الآيات والعلامات العقلية والذهنية والإستدراكية في الكون والحياة والإنسان ؛ فقال :
١ . ] ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ „ آيَاتِكَ ” ﴾ وقصد هنا علامات وأدلة وجود خالق الأشياء جميعاً مِن عدم ومِن غير مثال سابق -تعالى في سماه وتقدست اسماه-؛
وَ
٢ .] ﴿ يُعَلِّمُهُمُ „ الْكِتَابَ ” ﴾ وقصد هنا القرآن الكريم وَ
٣ . ] ﴿ „ الْحِكْمَةَ ” ﴾ وقصد هنا السنة النبوية العطرة وَ
٤. ] ﴿ „ يُزَكِّيهِمْ” ﴾ [(21)] ..بمعنىٰ يطهرهم طهارة قلبية ونفسية وعقلية وروحية وجسدية وما فوق الجسد مِن ملابس ثم طهارة مكانية ..
ثم تأتي قضية هامة وجوهرية فنطق القرآن المجيد والذكر الحكيم يقول:
٥. ] ﴿ „ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ” ﴾ [(22)]...
ونعيد صياغة الأسئلة؛
فما هي:
١ . ] الغاية من بعثة الرسل.!!
٢ . ] ما هي صفات الأنبياء والرسل..!!
٣ . ] ما هي وظيفة الرسل وما هو دور الأنبياء..!!
٤ . ] ما هي مميزات الأنبياء الرسل..!!
٥ . ] ما هي الكتب السماوية.. وعما تتحدث..!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بإذْنِهِ تَعَالىٰ)
نال شرف قراءة المراجع ومراجعة المصادر وكتابة هذا البحث:
مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
حُرِّرَ في يوم الإحد 24 صفر 1442 من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 11 من شهر أكتوبر عام 2020 من الميلاد العجيب للسيد الجليل والنبي النبيل المسيح عيسى ابن مريم النذيرة العذراء الزهراء البتول عليهما السلام.
*
( د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ )

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 10 / 2020, 44 : 12 PM
: التَّمْهِيدُ :
[ ٣ . ] المجلد الثالث «وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأشْيَاءُ »[(23)]









[٣ . ١ . ] قد يتعَّجب البعض .. وقد يستنكر من اهتمامي -في هذا التمهيد للمجلد الثالث- بالحديث عن العالم قبل بعثة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عموماً؛ والحديث عن حالة العرب خصوصاً علىٰ الرغم من أنهما ضرورة من ضرورات التعمُّق في سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- نفسه؛ لفهمها وإدراك حتمية البعثة؛ والمدخل الطبيعي لرسالة السماء الخاتمة؛ وليس ذلك ترفًا فكريا أو إضافة من القول أُبيضُ به فازيد عدد صفحات المجلد، وإنما هو مقدِّمة تمهيدية لازمة ومدخل علمي لاكتمال فهم السيرة النبوية فهمًا دقيقاً كاملاً.. والإدراك الصحيح والفهم الواعي لضرورة وجود المنهجية القرآنية والكيفية العملية والقولية للسيد الجليل والنبي النبيل الخليل خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين.





وذلك لأنه كما قال الأولون: « بضدها تتبيَّن الأشياء »[(23)] . فلا يمكن لمتابع مدقق واع ومن ثم مؤمن عن قناعة وفهم أن يستوعب جمال السيرة المحمدية وبالتالي يدرك بفهم ووعي السنة النبوية وكمال صاحبها -صلى الله عليه وسلم-، ولا أن يُدرك سموَّ مبادئ الإسلام وعظمة تشريعاته ودقة منهجه في الحياة إدراكًا تامًّا، إلاَّ إذا رأى مدىٰ الانحطاط الذي وصل إليه العالم قبل مجئ البعثة المحمدية والرسالة المصطفوية -رسالة الإسلام- في كل مجالات الفرد والمجتمع والحياة ؛ خاصَّة في المجالات الفكرية والإنسانية، كالعقائد والتشريعات الإجتماعية والإقتصادية والقانونية والنظم الداخلية والمبادئ العامة والأخلاق التي يجب ان تسود الأفراد والمجتمع والأسرة والعلاقات السياسية بين الدول والنظم الخارجية.





فقد انحدرت كل القيم الإنسانية في طول الأرض وعرضها، ولم يبقَ علىٰ الكوكب أحد يتمسَّك بالدين والأخلاق إلا أفراد قلائل من أهل الكتاب.

**

[ ٣ . ٢ . ] العالم قبل الإسلام:"
كان العالم قبل مجيء الإسلام في ضلالٍ عقدي ، وتيهٍ فكريّ ، وظلمةٍ أخلاقيّة ؛ وفساد إجتماعي.. ففي الحديث النّبوي الشّريف يذكر أنّ الله -سبحانه وتعالىٰ- اطّلع علىٰ أهل الأرض قبل نزول رسالة الإسلام فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقيّةٌ من أهل الكتاب.
ولا شكّ أنّ المقت مِن الله -تعالىٰ ذكره وجلَّ قدره- يتضمّن كراهية حال النّاس التي كانوا عليها بابتعادهم عن منهج الله -تعالىٰ-وشريعته التي أنزلها علىٰ أنبيائه وبعث بها رسله.
فــ
عن عياض بن حمار المُجاشعيِّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته فيما يرويه عن ربِّ العزَّة -عز وجل-: "... وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ[(24)] ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ[(25)] ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا. وَإِنَّ اللهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ[(26)] عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلاَّ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [(27)]. [(28)] .
لقد استحقَّ مَنْ علىٰ الأرض جميعًا مقت الله –تعالىٰ- لهم ؛ وذلك بسبب الانهيار القيمي والفساد الأخلاقي اللذين حدثا بوازع من وساوس الشياطين وأمانيهم ، التي ظلَّت تلعب بنفوس الناس علىٰ مدار قرون، حتى " اجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ" كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.



**





[ ٣ . ٣ . ] العصر الجاهلي :"
عُرف العصر الجاهليّ بكونه ضحلاً علىٰ مستوىٰ الفكر والثقافة عند مقارنته بالعصور الأخرىٰ كــ
- عصر الرومان، و
- اليونان، و
- الفرس،و
- الهنود، فــ
قد تميّزت هذه العصور بازدهار العلوم والآداب والفلسفة ، وربما كان الشعر والقصص والأمثال ما ميّز العرب في الجاهلية ، إضافة إلىٰ معرفتهم بالأنساب وبعض طرق العلاج والطبّ التي توارثوها، وبالرغم من وجود هذه المعرفة إلّا أنّها لا ترقىٰ لمرتبة العلوم:
- كونها غير منظّمة، و
- لم يوجد علماء ومختصون يدوّنونها ويثبتونها، و
لكن في أطراف الجزيرة العربية في العصر الجاهليّ برزت بعض أشكال العلوم والفنون مثل :
- إرواء الأرض ، و
- هندسة البناء المميزة والفريدة من نوعها .... وخاصة بناء القصور وزخرفتها... و
في مجال الطب أيضاً ، و
في الزراعة ، و
في بيطرة الدواب والمواشي ، و
ربما يعود سبب وجود هذه العلوم إلىٰ الاتصال المباشر مع الحضارات الأخرىٰ كالرومان، والفرس، والحبشة نظراً لقربهم من هذه المناطق. [(29)].
[ ٣ . ١ . ١. ] شرعية تذاكر أحوال الجاهلية:"
وليس في الحديث عن أمر الجاهلية شيء؛ فقد كان الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- يتذاكرون أمر الجاهلية في أحاديثهم ليعرفوا نعمة الله -تعالىٰ- عليهم بالإسلام، ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن ذلك؛ بل كان -عليه الصلاة والسلام- يبتسم، فكان ذلك منه إقرارًا لهم علىٰ فعلهم؛ فــ







عن سِمَاكِ بن حرب قال: قلتُ لجابر بن سَمُرَةَ رضي الله عنه: أكنتَ تُجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟


قال:"نَعَمْ، كَثِيرًا كَانَ لاَ يَقُومُ مِنْ مُصَلاَّهُ الَّذِي يُصَلِّي فِيه ِالصُّبْحَ أَوِ الْغَدَاةَ حَتَّىٰ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَامَ، وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ ... فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ "[(30)]
و




قال النووي في شرحه علىٰ صحيح مسلم :«وَفِيهِ جَوَازُ الْحَدِيثِ بِأَخْبَارِ الْجَاهِلِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ ». [(31)]
و


إذ أتناول هذه الفترة لن أكتفي بالحديث عن جزيرتهم العربية وحدها، وإنما سأتحدَّث عن العالم كله قبل الإسلام؛ وذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بُعِث للعالمين كافَّة رحمة ونورًا وهداية، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [(32)] ؛ فميدان عمل دعوته -صلى الله عليه وسلم- هو الأرض بكاملها بمَن عليها.. وفي الزمان بأكمله منذ بُعث إلىٰ أن يرث الله تعالىٰ الأرض ومن عليها.
كما أن الدعوة والدولة الإسلامية كليهما لهما تقاطعات مع هذه الحضارات في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فكان هناك مؤيِّدون للدعوة من هذه الحضارات، وكان هناك معارضون، وكذلك كان هناك محايدون، ولن يمكن أن نفهم ردود فعلهم إلا بدراسة أحوالهم ودوافعهم لاتخاذ المواقف التي سجلتها السيرة المحمدية العطرة وسطرتها السنة النبوية الزكية البهية.
[ ٣ . ١ . ٢. ] خصائص الحضارات قبل الإسلام:"
وسنجد أن كل الحضارات الموجودة قبل الإسلام امتازت بخصائص كثيرة متشابهة ؛ لعلَّ من أبرزها ثلاثًا:
[١ . ] أولها : فــ
هو الانحراف العقائدي الكامل؛ حيث فسدت العقائد، وعبدَ الناس آلهةً شتىٰ من دون الله -جلَّ في علاه وتقدست اسماه وسما وعلا في سماه؛ سبحانه وتعالى عما يشركون- لا تملك لأنفسها -فضلاً عن أن تملك لهم - ضرًّا ولا نفعًا؛ فــ
- عبدَ العرب الأصنام، و
- عبد الصينيون بوذا، و
- عبد الفُرْس النار، و
تخبَّط الرومان بين الوثنية والمسيحية المحرَّفة التي ابتدعوها؛ بينما
- عَبَدَ المصريون القدماء آلهة متنوعة من الشمس إلىٰ أوهام أخرىٰ كحورس وبتاح وآمون. و
[ ٢ . ] ثانية الخصائص :
هي الانهيار الأخلاقي التام؛ والفساد الإجتماعي.. حيث انتشرت الفواحش، ولم يعد الناس يعرفون معروفًا أو يُنكرون منكرًا؛ بل انقلبت الأحوال حيث أصبح المنكر معروفًا يتداوله الناس جهرًا دون خشية ، وصار المعروف بينهم منكرأ.. كـ إنتشار الزنا والمخادنة وتفشي الدعارة مثلاً؛ فصارت الداعرات ذوات بيوت مُشْهَرَة ، وعلامات مرفوعة ؛ وآلوية منصوبة.. كما صارت نسبة أولاد الزنا للزناة أمرًا شائعًا مشروعًا لا ينفيه أحد ، ولا تُصيبه معرَّة بسببه.
و
أما الخاصية [ ٣ . ] الثالثة : فــ
هي التعاظم الشديد في القوة المادية؛ فقد كانت هذه الحضارات دنيوية صِرْفة، لا يهتم ملوكها وحكامها إلا بالقوة المادية التي تزيد في ملكهم؛ لذا فقد اهتمُّوا بزيادة قوتهم؛ وتكوين جيوش ضخمة يحاولون بها السيطرة علىٰ العالم واستعباد البشر.
ومن هنا تعلم -أيها القارئ الكريم- أن المسلمين حينما انطلقوا للدعوىٰ لـ عبادة الرب الواحد الأحد الفرد الصمد ؛ الذي لا تصح أن تكون له صاحبة ولا يجوز أن يكون له ولد ، وواجهوا تلك الحضارات في صراعات عسكرية ، كانوا يُواجهون في الواقع قوىٰ عظمىٰ تملك قدرات عسكرية وآلة تدمير جهنمية -حسب وقتها- ومادية هائلة ؛ ولكن نجح المسلمون –بفضل من الله تعالىٰ- في الانتصار علىٰ هذه القوىٰ بالفرق الواضح بينهم في الجانب العقائدي والجانب الأخلاقي ؛ علىٰ الرغم من التفاوت الهائل في القوى المادية. [(33)].



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(يُتْبَعُ بإذنه تعالى)
نال شرف قراءة المصادر وتكحلت عيناه باعداد البحث وكتابته :
د. مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
حُرِّرَ في يوم الإثنين ٢٥ صفر ١٤٤٢ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ١٢ من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم النذيرة الزهراء العذراء البتول عليهما السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
14 / 10 / 2020, 01 : 04 PM
«العالم قبل البعثة الأحمدية(*) الرسولية.. والنبوة المحمدية»
[٤. ] المدخل للمجلد الثالث:
[٤. ١. ] العالم قبل مبعث الرسول «محمد بن عبدالله»-صلى الله عليه وآله وسلم-:
رسول الله -صلى الله علیه وآله وسلم- بُعثَ والناس في ضلالة عمیاء، وجاھلیة جھلاء، والعالم يموج بألوان مختلفة من الشرك والظلم، والتخلف والانحدار والبعد عن الفطرةالتي فطر الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه وعلا في علاه- الناس علیھا.
وفي صدارة العالم دولتان فقدتا مقومات البقاء، وانحدرتا إلى مستوى البھائم العجماء، فــ
- الفرس مجوس يعبدون النار،ويُحِلُّون نكاح المحارم، ويغرقون في لُجِّيٍّ من الخرافات، و
- الروم حرفت المسیحیة، واعتنقت خرافة الثالوث، وعقیدة الصلب والفداء، وباتت مُخترقة من عدة وثنیات أفلحت في إضلالھا، ومن وراء ھؤلاء :
- يھود غضب الله علیھم لضیاع الدين بینھم، واتخاذھم أحبارھم أرباباً من دون الله ، يحلون لھم ما حرم عليهم ويحرمون ما أحل، و
- ھنود يُطبقون على عبادة العجول والأبقار، و
- يونان قد مسختھم الأساطیر الكلامیة والفلسفات المنطقیة، وصدتھم عن سبیل الھدى، و
- ديانات أخرى كثیرة تنتشر ھنا وھناك في أرجاءالمعمورة، وتتشابه في أوصاف التخبط والانحلال والاضطراب والحیرة.
وكان سبب شقاء ھذه الحضارات المزعومة، والمدنیات المحرومة قیامھا على أسس مادية فقط دون أن يكون لھا أي تعلق بنور الوحي الإلھي، ولا جرم أَنْ نظر الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- لأي أھل الأرض فمقتھم : عربھم وعجمھم إلا بقايا أھل الكتاب، كما قال النبي -صلى الله علیه وسلم-، فقد جاء عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال ذات يوم في خطبته: " ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مال نحلته عبدا حلال ... وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن لا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان وإن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت رب إذا يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة قال استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق فسننفق عليك ........"[(34)].
وھذه البقايا تتمثل في أفراد أبت أن تنزلق في أوحال الشرك، وظلت ثابتة على منھج التوحید منتظرة خروج نبي جديد بشرت به أنبیاؤھم، وتعلقت به أحلامھم.
[٤. ١. ١. ] الحياة «الإنسانية»
كانت الحياة «الإنسانيّة» قبل مجيء الإسلام حياةَ يتخبّط أفرادها في غياهب الضّلالات وظلمات الشّرك، وقد كان منطق القوة والقبليّة يحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، فلقد كانت القبائل العربيّة وغيرها تتناحر فيما بينها وتتقاتل لأهون ِالأسباب، فــ
- حرب «البسوس»[(35)] مثلاً التي استمرت ما يقارب أربعين [40] سنة كان سببها أنّ ناقةً داست بأقدامها بيضة لطير القبّرة، وكذلك كانت :
- حرب «داحس» و
- «الغبراء»[(36)]. و
لقد ساهمت «البداوة» وظروفها الصّعبة أحيانًا كثيرة في إكساب النّاس صفات الهمجيّة وعدم الرّحمة، فقد كان همّ كثيرٍ من القبائل أن تعيش في مأمن وعيش كريم؛حيث يتوفّر الماء والكلأ بدون التّفكير في بناء علاقات حسنة مع القبائل الأخرى، ويمكن القول أنّ جميع جوانب الحياة :
- «الفكريّة» و
- «الإجتماعيّة» و
- «الإنسانيّة»و
- «العلميّة» كانت سوداء قاتمة، باستثناء قلّة من النّاس الذين تمسّكوا في عقيدتهم بدين :
- «الحنيفيّة» السّمحة، وهو دين خليل الرحمن «إبراهيم» -عليه السّلام-..
- فما هي أبرز جوانب الحياة ما قبل الإسلام ؟.
الحياة ما قبل الإسلام
[٤. ٢. ] العرب قبل الإسلام :
لم يكن حال العرب قبل الإسلام في جميع نواحي حياتهم إلاّ مثالاً على التخلّف والجهل والضّلال، فعلى الرّغم من وجود بعض الإيجابيّات وتوافر بعض الأخلاق عند العرب في الجاهليّة، إلاّ أنّ معظم أفكارهم ومعتقداتهم كانت مبنيّةً على الباطل والعرف الخاطىء، وقد أتى الإسلام بنوره حينما بُعث النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- في جزيرة العرب ليبدّد هذا الظّلام القاتم وليضع للنّاس منهجًا ربانيًّا واضحًا في الحياة الدنيا؛ وكيفية معينة من العيش ؛ وطرازاً خاصاً من الحياة .. يضمن للنّاس حياة السّعادة والطّمأنينة التي ينشدون في الحياة الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة.
- فما هي أبرز مظاهر أحوال العرب قبل مجيء الإسلام؟ [(37)].
كانت القبائل في فترة ما قبل الإسلام يغزو بعضها بعضاً، وقد كانت الحرب بدون ضوابط أخلاقيّة، فقد كانت تسمح للمتغلّب أن يقتل وأن يسرق وأن يسبي النّساء والذّراري بمنطق متوحّش، بعيد عن أيّ معنى من معاني الإنسانيّة.
أمّا بالنّسبة لأعمال النّاس وتكسبهم فقد كان كثيرٌ منهم يرعى الإبل والأغنام، كما اشتغل عددٌ منهم بالتّجارة، وعلى الصّعيد الفكري والعقدي فقد مثّل أظلم جوانب الحياة الإنسانيّة حيث كانت القبائل تتخذ أصنامًا تصنعها بيدها وتعبدها من دون الله -سبحانه وتعالى-، حتّى وصل عدد الأصنام حول الكعبة المشرفة بمكة المكرمة إلى ما يقارب من ثلاثمائة صنم.
وقد كان النّاس قبل الإسلام يتطيّرون ويتشاءمون، فعندما كان يهمّ أحدهم بسفرٍ أو عمل معيّن كان يضع طيراً ثمّ يحرّش بينها فتطير، فإذا طارت باتجاه اليمين تفاءل بذلك واستبشر ومضى في أمره، وإن طارت باتجاه الشّمال تشاءم بذلك ونكص على عقبيه فلم يعزم، كما أنّهم كانوا يتشاءمون من صوت الغراب والبومة.
**
ولم يكن العرب أحسن حالاً من ھذه الأمم، فقد بدّل لھم عمرو بن لُحِي الخزاعي[(38)] ديانة إبراھیم الخلیل التي كانوا يدينون بھا، ومن ثم انتشر الشرك بین أھل مكة وخارجھا، حیث كان أھل الحجاز أتباعاً لمكة لأنھم ولاة البیت وأھل الحرم.
وبانتشار الوثنیة بین العرب كثرت الخرافات الدينیة التي أثرت بدورھا في الحیاة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادية تأثیراً بالغاً.





" العالم قبل مبعث الرسول الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم- كان يستعد لتحول عام في جميع الكيان البشري. وقد كان الأحبار من اليهود، والرهبان من النصارى وبعض الكهنة يُنبئ بمقدم مثل هذا الرسول، لما وجدوه في كتبهم من صفته وزمانه.



وكانت يهود (يثرب) إذا حدثت بينهم وبين العرب (المشركين) منازعات، يتوعدونهم بظهور النبي وانهم ينصرونه، فينتقمون من أعدائهم.





قال ابن عباس: إن اليهود كانوا يستفتحون على (الأوس) و (الخزرج) برسول الله، قبل مبعثه، فلما بعثه الله من العرب، كفروا به وجحدوا ما كانوا يقولون فيه.[(39)].



وإلى هذا تشير الآية الكريمة:
﴿ وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِين ﴾
[البقرة:89] [(40)].
وقد كان الكهان من العرب تأتيهم الشياطين من الجن، فتذكر بعض أمر الرسول، مما كانت تسترق السمع، فلما تقارب زمانه -صلى الله عليه وآله وسلم-، حِيلَ - في السماء - بين الشياطين وبين المقاعد التي كانت تقعد فيها وتسترق الأنباء،


وكانت إذا أرادت أن تستمع إلى الملأ الأعلى تُرمى بالشظايا والشهب.



وإلى هذا تشير الآية الكريمة ـ عن لسان الشياطين ـ
﴿ وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا ﴾
﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا ﴾
﴿ وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ﴾[(41)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ




(*) اعتماداً على قوله تعالى
{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَالتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُفَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين } [الصف:6]




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يتبع بإذنه تعالى
محمد الرمادي
الأربعاء : 14 أكتوبر 2020~ الموافق 27 من شهر صفر 1442 ه.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
14 / 10 / 2020, 40 : 06 PM
٥ . ]《 الحالة الدينية في بلاد العرب قبل الإسلام! 》[(41)]

٥. ١ . ]« ديانات العـرب »:

في العصر الجاهلي كانت هناك العديد من الأديان التي يتبعها العرب وغيرهم، ولكن معظمهم كانوا من عبدة الأصنام والأوثان، فقَبلَ ظهورِ الإسلامِ كانَ العرب يعبدونَ الأوثان بشكلٍ رئيسيّ[(42)]، ومن أهم الأوثان التي عرفها العرب وعبدوها في الجاهليّة.. فأشهر أصنامهم التي عبدوها:
- اللّات، و
- هُبَل، و
- العُزّى[(43)]،و
- مناة، فقد كانوا يقدّمون الذبائح لها، وفي بعض المناطق كان العرب يعبدون :
- القمر[(44)]،كما كانَ جزءٌ منهم يعبدُ :
- الشمسَ[(45)]. إضافة إلى أنّ القليل منهم اعتنقَ الديانة اليهوديّة، والمسيحيّة[(46)]، إذ قد كانت هنالك ديانات أخرى في الجاهلية كاليهودية، والحنفية التي يعبد أتباعها الله وحده، وغيرها العديد من المذاهب والديانات المختلفة[(47)]، وقد وُجِد أنّ مِن العرب أيضاً مَن يتبعُ ديانة إبراهيم -عليه السَّلام-[(48)]. و


يوجد رأي يقول بأنه كان معظم العرب يدينون بدين إبرهيم -عليه السلام- منذ أن نشأت ذريته في مكة وانتشرت في جزيرة العرب، فكانوا يعبدون الله -سبحانه وتعالى- ويوحدونه ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، حتى طال عليهم الأمد ونسوا حظًا مما ذكروا به، إلا أنهم بقى فيهم التوحيد وعدة شعائر من هذا الدين.

٥ . ٢ . ] إنَّ مما لاشك فيه أنَّ هاجر المِصرية؛ أم إسماعيل بن إبراهيم الخليل كانت مسلمة، وأن ولدها إسماعيل كان مسلماً كأبيه إبراهيم وأمه هاجر، وأن الله -تعالىٰ- نبّأه وأرسله رسولاً إلىٰ أهل بيته من زوجة وولد، وإلىٰ أخواله وجيرانه من قبيلة جُرهُم اليمانيَّة، وأن دين الله -وهو الإسلام بمفهومه الواسع- قد عَمَّهم وانتظمت حياتهم به زمناً طويلاً لا يُعُرف منتهاه. وكما هي سنة الله -سبحانه- في الناس إذا انقطع الوحي عليهم، جهلوا واصبحوا كالأرض إذا انقطع عنها الغيث -مطر السماء- أمحلت وأجدبت، وتحولت خضرتُها ونضارتُها إلىٰ فترة وظلام يجهل فيه الإنسان ذاته ويتنكر فيه لعقله[(49)].

٥ . ٣ . ] وأول ما بدأ الشركُ في العرب المستعربة من ولد إسماعيل أنهم كانوا إذا خرجوا من الحرم لطلب الرزق، أخذوا معهم حجارةً من الحرم، فإذا نزلوا منزلاً وضعوها عندهم، وطافوا بها طوافهم بالبيت، ودعوا الله عندها، وإذا رحلوا أخذوها معهم، وهكذا. وبموت من أحدث لهم هذا الحدث، ومع مرور الزمان، نشأ جيلٌ جاهلٌ ينظر إلىٰ تلك الأوثان من الحجارة أنها آلهة يتقرب بها إلىٰ الله -تعالى- رب البيت والحرم وخالق الناس والمخلوقات.
فكان هذا مبدأ الوثنية في أولاد إسماعيل من العدنانيين[(50)].

٥ . ٤ . ] حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس ودانوا له، ظنًا منهم أنه من الأكابر. ".

٥ . ٤ . ١. ] بداية الخلل جاء عن طريق العلماء وأفاضل الأوليـاء‏:
ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقًا؛ لأن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه بـ « هُبَل » وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم‏.‏‏ ثم كثر فيهم الشرك، وكثرت الأوثان في كل بُقعة‏.‏"
٥ . ٤ . ٢ . ] أما فكرة الشرك وعبادة الأصنام فقد نشأت فيهم على أساس أنهم لما رأوا الملائكة والرسل والنبيين وعباد الله الصالحين من الأولياء والأتقياء والقائمين بأعمال الخير ـ لما رأوهم أنهم أقرب خلق الله إليه، وأكرمهم درجة وأعظمهم منزلة عنده، وأنهم قد ظهرت على أيديهم بعض الخوارق(!!!) والكرامات، ظنوا أن الله أعطاهم شيئًا من القدرة والتصرف في بعض الأمور التي تختص بالله -سبحانه وتعالى-، وأنهم لأجل تصرفهم هذا ولأجل جاههم ومنزلتهم عند الله يستحقون أن يكونوا وسطاء بين الله -جلَّ وعلا- وبين عامة عباده، فلا ينبغى لأحد أن يعرض حاجته على الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم يشفعون له عند الله، وأن الله لا يرد شفاعتهم لأجل جاههم، كذلك لا ينبغى القيام بعبادة الله إلا بواسطة هؤلاء؛ لأنهم بفضل مرتبتهم سوف يقربونه إلى الله زلفي‏.‏
٥ . ٤ . ٣ . ] ولما تمكن منهم هذا الظن ورسخ فيهم هذا الاعتقاد اتخذوهم أولياء، وجعلوهم وسيلة فيما بينهم وبين الله -علا في سماه وتقدست اسماه وجلَّ عن الشريك والشبيه-، وحاولوا التقرب إليهم بكل ما رأوه من أسباب التقرب؛ فنحتوا لمعظمهم صورًا وتماثيل .. وهذه الصور والتماثيل هي التي تسمى بالأصنام‏.‏
٥ . ٤ . ٤ . ] وربما لم ينحتوا لهم صورًا ولا تماثيل، بل جعلوا قبورهم وأضرحتهم وبعض مقراتهم ومواضع نزولهم واستراحتهم أماكن مقدسة، وقدموا إليها النذور والقرابين، وأتوا لها بأعمال الخضوع والطاعات، وهذه الأضرحة والمقرات والمواضع هي التي تسمى بالأوثان‏.
٥ . ٥ . ] قلتُ: أن الأصنام والتماثيل أول من أتىٰ بها من الشام إلىٰ الديار الحجازية « عمرو بن لُحي الخُزاعيٌّ »[(51)]،
ونكمل هذه المسألة : إذ أنه سافر ذات مرة من مكة إلىٰ الشام فرأى أهلَ الشام يعبدون الأصنام، فسألهم قائلاً: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ ،
قالوا: نعبدها نستمطرها فتمطرنا، ونستنصرها فتنصرنا.
فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً فأذهب به إلىٰ بلاد العرب فيعبدوه؟
فأعطوه صنماً يقال له: «هُبل»[(52)]، وهو الذي نصبوه حول الكعبة وبقي حولها إلىٰ يوم الفتح الإسلامي حيث حُطَّم مع ثلاثمائة وستين [360] صنماً، وأبعدت،فطُهِّر البيت الحرام، وطهرت مكة والحرم منها، والحمد لله رب العالمين.
وكان « عمروبن لُحي » محترماً في مكة عند أهلها، يشرع لهم فيقبلون شرعه، ويبتدع لهم فيُحَسِّنون بدعتَهُ، فكان أول من بدَّل دينَ إبراهيمَ وإسماعيلَ في الحجاز، ويشهد لهذا قولُ النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وسَلَّمَ- في حديثه الصَّحيح: "رأيت عمرو بن لُحي يجرٌّ قُصبَهُ في النار .. إنه كان أول من غَيَّر دين إسماعيل، فنصب الأوثان، وبحَّر البحيرة، وسيَّب السَّائبة، ووصل الوصيلة، وحمىٰ الحامي[(53)]،[(54)].
وبمقتضىٰ بدعة «عمرو بن لُحي» في جَلبِ الأصنام إلىٰ الحجاز من الشام انتشرت الأصنامُ في بلاد العرب، وهذا بيانُ أسمائها ومواقعها، والقبائل التي كانت تعبدها، كما ذكر ذلك ابنُ إسحاق وغيرُه من المؤرِّخين:
١ . ] سُواع: بِـ :" رُهَاط بساحل ينبع، تعبده قبيلةُ هذيل المُضرية" .
٢. ] ود: بـ :" دُومة الجندل شمال المدينة قريباً من الشام، تعبده كَلبٌ القضاعيةُ".
٣. ] يغوث: بـ :"جُر ". [(55)].

٥ . ٥ . ١ . ] تحقيق هذه المسألة :"
جاء تحت عنوان :« أَوَّلُ عِبَادَةِ الْحِجَارَةِ كَانَتْ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ »
فـ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: - وَيَزْعُمُونَ - أَنَّ أَوَّلَ مَا كَانَتْ عِبَادَةُ الْحِجَارَةِ فِي بَنِي إسْمَاعِيلَ ، أَنَّهُ كَانَ لَا يَظْعَنُ مِنْ مَكَّةَ ظَاعِنٌ مِنْهُمْ ، حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ ، وَالْتَمَسُوا الفَسَحَ فِي الْبِلَادِ ، إلَّا حَمَلَ مَعَهُ حَجَرًا مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ تَعْظِيمًا لِلْحَرَمِ ، فَحَيْثُمَا نَزَلُوا وَضَعُوهُ فَطَافُوا بِهِ كَطَوَافِهِمْ بِالْكَعْبَةِ ، حَتَّى سَلَخَ ذَلِكَ بِهِمْ إلَى أَنْ كَانُوا يَعْبُدُونَ مَا اسْتَحْسَنُوا مِنْ الْحِجَارَةِ ، وَأَعْجَبَهُمْ ؛ حَتَّى خَلَفَ الْخُلُوفُ ، وَنَسُوا مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَاسْتَبْدَلُوا بِدِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ غَيْرَهُ ، فَعَبَدُوا الْأَوْثَانَ ، وَصَارُوا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ مِنْ الضَّلَالَاتِ ؛ وَفِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ بَقَايَا مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ يَتَمَسَّكُونَ بِهَا ، مِنْ تَعْظِيمِ الْبَيْتِ، وَالطَّوَافِ بِهِ ، وَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، وَالْوُقُوفِ عَلَى عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ ، وَهَدْيِ الْبُدْنِ ، وَالْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، مَعَ إدْخَالِهِمْ فِيهِمَا لَيْسَ مِنْهُ . فَكَانَتْ كِنَانَةُ وَقُرَيْشٌ إذَا أَهَلُّوا قَالُوا : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، إلَّا شَرِيكٌ هُوَ لَكَ ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ . فَيُوَحِّدُونَهُ بِالتَّلْبِيَةِ ، ثُمَّ يُدْخِلُونَ مَعَهُ أَصْنَامَهُمْ ، وَيَجْعَلُونَ مِلْكَهَا بِيَدِهِ . يَقُولُ الحقُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنبيه ورسوله وخاتم رسله مُحَمَّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾[(56)]، أَيْ مَا يُوَحِّدُونَنِي لِمَعْرِفَةِ حَقِّي إلَّا جَعَلُوا مَعِي شَرِيكًا مِنْ خَلْقِي.[(57)].

٥ . ٥ . ٢ . ] « جَلَبُ الْأَصْنَامِ مِنْ الشَّامِ إلَى مَكَّةَ »
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الشَّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ ، فَلَمَّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ - وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ . وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ - رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الَّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا لَهُ : هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا ، فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا ، ونَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا ، فَقَالَ لَهُمْ : أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا ، فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ ، فَيَعْبُدُوهُ ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ هُبَلُ ، فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.[(58)].

٥ . ٥ . ٣ . ] « قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ وَذِكْرُ أَصْنَامِ الْعَرَبِ» ؛ « رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجُرُّ قَصَبَهُ فِي النَّارِ »[(59)]
" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : حُدِّثْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « „ رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، فَسَأَلْتُهُ عَمَّنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مِنْ النَّاسِ ، فَقَالَ : هَلَكُوا ‟ »[(60)].
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ السَّمَّانَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ : عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَامِرٍ ،وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَكْثَمَ بْنِ الْجَوْنِ الْخُزَاعِيِّ : « „ يَا أَكْثَمُ ، رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ بِرَجُلٍ مِنْكَ بِهِ ، وَلَا بِكَ مِنْهُ : فَقَالَ أَكْثَمُ: عَسَى أَنْ يَضُرَّنِي شَبَهُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا ، إنَّكَ مُؤْمِنٌ وَهُوَ كَافِرٌ ، إنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ غَيَّرَ دِينَ إسْمَاعِيلَ ، فَنَصَبَ الْأَوْثَانَ ، وَبَحَرَ الْبَحِيرَةَ[(61)] ، وَسَيَّبَ السَّائِبَةَ[(62)] ، وَوَصَلَ الْوَصِيلَةَ[(63)] ، وَحَمَى الْحَامِي[(64)] ‟ » [(65)].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

(يُتْبَعُ بإذْنِهِ تَعَالىٰ)
﴿ سُنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وأحاديث الأحكام من سنة آخر المرسلين ومتمم المبتعثين والأنبياء﴾
بحوث السيرة النبوية؛ على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام.







المجلدالثالث :" حصوله -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- علىٰ بعثة خاتم الأنبياء..وتكليفه برسالة آخر المرسلين.. وارتقاءه منصب نبوة متمم المبتعثين".
نال شرف قراءة المراجع ومراجعة المصادر وكتابة هذا البحث:
مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
حُرِّر َفي يوم الإربعاء ٢٧ صفر ١٤٤٢ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق ١٤ من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد الجليل والنبي النبيل المسيح عيسى ابن مريم النذيرة العذراء الزهراء البتول عليهما السلام.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
17 / 10 / 2020, 49 : 11 AM
6 . ] « „ الجانب 《..الاجتماعي..》في العصر الجاهلي ‟ »
١ . ] كانت في عرب الجاهلية أوساطٌ متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، كما في أي مجتمع في أي مكان مِن العالم.. فقد كانَ العرب يعيشونَ - بصفة عامة - كــ :" بَدوٍ " في شبه الجزيرة العربيّة ، وكانوا يُقيمون فيها كقبائل تنقسمُ إلى ٣ طبقاتٍ [(66)]، وهي:
[ أ . ] أبناءِ القبيلة الذينَ ينتمونَ إلى أهلِها بالدَّم [(67)]، و
[ ب . ] الموالي الذين يُعَدّونَ أقلَّ منزلةً من أبناءِ القبيلة [(68)]، و
[ ج . ] العبيد الذينَ أَسَرَتهم القبيلة عن طريق الحروب ، علماً بأنّ البيئة الاجتماعيّة كانت تحملُ مختلفَ الصِّفاتِ الكريمة، والسيِّئة، كــ
- الشجاعة، و
- الكَرَمِ،
أو
- العَصَبيّة، و
- السَّلْب [(69)].
بيدأنه بدقة النظر في مظاهر الحياة في العصر الجاهلي؛ خاصة « „ الجانب 《..الاجتماعي..》‟ » نجد أنه ينقسم العرب في الجاهليّة إلى قسمين رئيسيين [(70)]:







القسم الأول :
سكان البدو: وكانت هذه الفئة هي الفئة الغالبة ، واعتمد عيش هذه الفئة على التنقّل خلف مصادر الماء والعشب، كما أنهم اتخذوا الخيام مساكن لهم، وتميزوا بقدراتهم الشعرية الفريدة، وكان طعام أهل البادية عبارة عن الحليب والتمر، فقد كانت الإبل عماد حياتهم، فقد كانوا يأكلون لحومها، ويشربون حليبها، ويلبسون من وبرها، ويُحمّلونها أثقالهم، وكانوا أيضاً يفتدون بها أسراهم ويحررونهم، وكانوا أيضاً يُقوّمون بها الأشياء، فتُقدّر أثمان السلع بالإبل أو المواشي [(71)]. أما





القسم الثاني :
سكان الحضر: وهم مَن سكن المدن، وعاشوا في الدور والقصور، وأصبحوا أقل شجاعة ومروءة ،كما أنهم عرفوا بحب المال، وتفاخروا بجمال الثياب، وأطباق الفضة والذهب التي يأكلون بها، وتزيين القصور والمنازل التي سكنوها، وقد عملوا في التجارة والزراعة، ومن أشهر الأمثلة على الحضر سكان الحجاز [(72)].
٢ . ] حال العرب قبل الإسلام ونظرتهم إلى المرأة [(73)]:
كانت في العرب أوساط متنوعة تختلف أحوال بعضها عن بعض، فكانت
٢ . ١ . ] علاقة الرجل مع أهله مِن الأشراف على درجة كبيرة من الرقى والتقدم، وكان لها من حرية الإرادة ونفاذ القول القسط الأوفر، وكانت محترمة مصونة ؛ و
آتي بمثال :
" هند بنت عتبة العبشمية القرشية الكنانية، أبوها عتبة بن ربيعة سيد من سادات قريش وبني كنانة، عُرِف بحكمته وسداد رأيه. وهي إحدى نساء العرب اللاتي كانت لهن شهرة عالية قبل الإسلام وبعده. زوجة أبي سفيان بن حرب، وأم الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان. وكانت امرأةً لها نَفسٌ وأنفة، ورأي وعقل. "... والمرأة تُسَلُّ دونها السيوف، وتراق الدماء، ولـــ
نراجع قصة :" مقتل ملك العرب عمرو بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان اللخمي.. المشهور بـ عمرو ابن هند على يد عمرو بن كلثوم [(74)] فــ
ذكروا أن عمرو ابن هند، وأمه هند بنت الحارث بن حجر بن آكل المرار الكندي وأبوه المنذر بن ماء السماء اللخمي، هذا نسب أهل اليمن.
قال الملك عمرو ابن هند ذات يوم لجلسائه:
" هل تعلمون أن أحداً من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي؟ "
فقالوا :" لا ما خلا عمرو بن كلثوم فإن أمه ليلى بنت المهلهل أخي الملك كليب، وعمها الملك كليب، وهو وائل بن ربيعة وزوجها كلثوم ". فــ
سكت عمرو على ما في نفسه.
ثم
بعث عمرو ابن هند إلى عمرو بن كلثوم يستزيره وأن تزور ليلى هنداً. فــ
قدم عمرو من البحرين في فرسان تغلب، و
معه أمه ليلى، فــ
نزل شاطئ الفرات و
بلغ عمرو ابن هند قدومه. فــ
أمر بخيمة فضربت بين الحيرة والفرات و
أرسل إلى وجوه مملكته فـــ
صنع لهم طعاماً
ثم دعا الناس إليه فــ
قرب إليهم الطعام على باب السرادق وهو وعمرو بن كلثوم وخواص من الناس في السرادق، و
لــ
أمه هند في جانب السرادق قبة .. وأم عمرو بن كلثوم معها في القبة.
وقد قال عمرو ابن هند لأمه: " إذا فرغ الناس من الطعام فلم يبق إلا الطُرَف فنحّي خدمك عنك، فإذا دعوت بالطرف، فاستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء "
يريد طرف الفواكه وغير ذلك من الطعام. فـــ
فعلت هند ما أمرها ابنها حتى إذا دعا بالطرف
قالت هند لـليلى: "ناوليني ذلك الطبق ".
قالت: "لتقم صاحبة الحاجة إلى حاجتها". فــ
قالت: "ناوليني" وألحت عليها.
فقالت ليلى: " واذلاه.... يا لتغلب". فــ
سمعها ابنها عمرو بن كلثوم فثار الدم في وجهه والقوم يشربون. ونظر عمرو ابن هند إلى عمرو بن كلثوم، فعرف الشر في وجهه، و
قد سمع قول أمه: "واذلاه ... يا لتغلب"، و
نظر إلى سيف عمرو ابن هند ، وهو معلق بالسُّرادق ولم يكن بالسرادق سيفٍ غيره فثار إلى السيف مصلتاً فضرب به رأس عمرو ابن هند فقتله
ثم
خرج فنادى :" يا لتغلب". فــ
انتهبوا :
- ماله و
- خيله و
سبوا النساء و
لحقوا بالجزيرة. و




قد كان المهلهل بن ربيعة وكلثوم بن عتاب أبو عمرو بن كلثوم اجتمعوا في بيت كلثوم على شراب، قال وعمرو يومئذ غلام وليلى أم عمرو تسقيهم فبدأت بأبيها مهلهل ثم سقت زوجها كلثوم بن عتاب ثم ردت الكأس على أبيها وابنها عمرو عن يمينها فغضب عمرو من صنيعها وقال:

صَبَنْتِ الكَأْسَ عَنَّا أُمَّ عَمْرٍو * وَكَانَ الكَأْسُ مَجْرَاهَا اليَمِيْنَا
وَمَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ أُمَّ عَمْـرٍو * بِصَاحِبِكِ الذِي لاَ تَصْبَحِيْنَا
فلطمه أبوه
وقال: "يا لكع (أي يا أحمق)، بلى والله شر الثلاثة. أتجتري أن تتكلم بهذا الكلام بين يديّ؟". فــ
لما قتل عمرو ابن هند قالت له أمه: " بأبي أنت وأمي، أنت والله خيرُ الثلاثة اليوم ". [(75)] و
كان الرجل إذا أراد أن يمتدح بما له في نظر العرب المقام السامي من الكرم والشجاعة لم يكن يخاطب في معظم أوقاته إلا المرأة، وربما كانت المرأة إذا شاءت جمعت القبائل للسلام، وإن شاءت أشعلت بينهم نار الحرب والقتال، و
مع هذا كله فقد كان الرجل يعتبر بلا نزاع رئيس الأسرة وصاحب الكلمة فيها، وكان ارتباط الرجل بالمرأة بعقد الزواج تحت إشراف أوليائها، ولم يكن من حقها أن تفتات عليهم‏.‏
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(*) قارن -اليوم- حالةَ أمةٍ يصل تعدادها إلى أكثر من مليار وسبع مائة مليون(!)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


بينما هذه حال الأشراف، كان هناك في
٢ . ٢ . ] الأوساط الأخرى : مَن لم يحترم العرب المرأة في الجاهليّة بل عاملوها كما يعامل متاع الرّجل، فهي عندهم لا ترث، وإذا مات عنها زوجها أهملت نفسها ومرّغت نفسها بالتّراب [(76)]، وكان أولياء الرّجل أحقّ أحيانًا بها من أهلها [(77)] ، وهناك أنواع من الاختلاط بين الرجل والمرأة، لا نستطيع أن نعبر عنه إلا بالدعارة والمجون والسفاح والفاحشة‏.‏
٢ . ٢ . ١. ] روى البخاري - في صحيحه - وغيره عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها‏ - إن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء‏:
‏فــ
١. ] نكاح منها نكاح الناس اليوم؛ يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها،
ونكاح آخر‏:‏
٢. ] كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرتْ من طمثها‏:‏ أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نَجَابة الـولد، فكان هـذا النكاح ‏‏يسمى‏‏ نكاح الاستبضاع،
ونكاح آخر‏:‏
٣. ] يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت، ووضعت ومر‏‏ت ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، ‏فـ‏تقول لهم‏:‏ قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان فـ‏تسمى من أحبت منهم‏ باسمه، فيلحق به ولدها‏.‏ لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل
ونكاح رابع :‏
٤. ] يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها، وهن البغايا،كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاطته به، ودعى ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث‏ الله‏ محمدًا -صلى الله عليه وآله وسلم- بالحق هدم نكاح أهل‏ الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم‏.‏


و
٢ . ٣ . ] كانت عندهم اجتماعات بين الرجل والمرأة تعقدها شفار السيوف، وأسنة الرماح، فكان المتغلب في حروب القبائل يسبي نساء المقهور فيستحلها، ولكن الأولاد الذين تكون هذه أمهم يلحقهم العار مدة حياتهم‏.‏
و
٢ . ٤ . ] كان من المعروف في أهل الجاهلية أنهم كانوا يعددون بين الزوجات من غير حد معروف ينتهي إليه، حتى حددها القرآن في أربع‏.‏
و
٢ . ٥ . ] كانوا يجمعون بين الأختين، وكانوا يتزوجون بزوجة آبائهم إذا طلقوها أو ماتوا عنها حتى نهى عنهما القرآن ‏{ ‏وَلاَتَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ‏} ‏[(78)] ‏وكان الطلاق والرجعة بيد الرجال، ولم يكن لهما حد معين حتى حددهما الإسلام‏.















٢ . ٦ . ] وكانت علاقة الرجل مع أولاده على أنواع شتى، فمنهم مَن كان
٢ . ٦ . ١ . ] يئد البنات خشية العار والإنفاق، كما كان أحدهم يكره أن يرزقه الله ببنت، وإذا رزق ببنتٍ تشاءم لذلك واسودّ وجهه وسارع إلى وأدها ودفنها في التّراب وهي حيّة خوفًا من الفقر والعار [(79)].
و

٢ . ٦ . ٢ . ] يقتل الأولاد خشية الفقر والإملاق‏:‏‏ { ‏قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْالْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏ }‏ [(80)]‏ .
٢ . ٦ . ٢ . ١ .] ولكن لا يمكن لنا أن نعد هذا من الأخلاق المنتشرة السائدة، فقد كانوا أشد الناس احتياجًا إلى البنين ليتقوا بهم العدو‏.‏
أما

٢ . ٧ . ] معاملة الرجل مع أخيه وأبناء عمه وعشيرته فقد كانت موطدة قوية، فقد كانوا يحيون للعصبية القبلية ويموتون لها، وكانت روح الاجتماع سائدة بين القبيلة الواحدة تزيدها العصبية، وكان أساس النظام الاجتماعي هو العصبية الجنسية والرحم، وكانوا يسيرون على المثل السائر‏:‏ ‏
(‏ انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا ‏)‏
على المعنى الحقيقي من غير التعديل الذي جاء به الإسلام؛ من أن نصر الظالم كفه عن ظلمه، إلا أن التنافس في الشرف والسؤدد كثيرًا ما كان يفضى إلى الحروب بين القبائل التي كان يجمعها أب واحد، كما نرى ذلك بين :
- الأوس والخزرج، و
- عَبْس وذُبْيان، و
- بَكْر وتَغْلِب .. وغيرها‏.
أما العلاقة بين
٢ . ٨ . ] القبائل المختلفة فقد كانت مفككة الأوصال تمامًا وكانت الأشهر الحرم رحمة وعونًا لهم على حياتهم وحصول معايشهم‏. ‏فقد كانوا يأمنون فيها تمام الأمن؛ لشدة التزامهم بحرمتها ..
و
قصارى الكلام أن الحالة الاجتماعية كانت في الحضيض من الضعف والعماية، فـ يُغیر بعضھم على بعض فیقتلون ويسبون، ويخوضون الحروب الطاحنة لأتفه الأسباب، والخرافات لها جولة وصولة، والجهل ضارب أطنابه ويستمرئونه ، ويُحَكِّمون العادات.، والناس يعيشون كالأنعام، والمرأة تباع وتشترى وتعامل كالجمادات أحيانا، والعلاقة بين الأمة واهية مبتوتة، وما كان من الحكومات فجُلُّ همتها ملء الخزائن من رعيتها أو جر الحروب على مناوئيها‏.
فلما جاء الإسلام بتباشير النّور ليبدّد ظلمات السّلوك الإنساني التي سادت لفتراتٍ طويلة، وليأصّل أخلاقيّات التّعامل الإنساني، وتسود شريعة كاملة شاملة تحكم سلوك الأفراد وعلاقاتهم مع بعضهم البعض [(81)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
فخرالدين محمد بن إبراهيم الرمادي
01 ربيع أول 1442 ه~ 17 أكتوبر 2020م
يتبع بإذنه تعالى

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
20 / 10 / 2020, 25 : 12 AM
[ ٧ . ] العصر الجاهلي ...《 الجانب الإخلاقي..》

بحث عن العرب في جاهليتهم!..

* . ] لعل هذا الجانب الأخلاقي من حياة الناس في العصر الجاهلي قبل بزوغ نور الإسلام؛ وإضاءة الدنيا بشمس الهَدي القرآني الكريم؛ وسطوع أنوار السراج المنير المحمدي ... إذ هو خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين ... الذي -صلى الله عليه وآله وسلم - يحمل آخر رسالة تشريعية منهاجية تعبدية أخلاقية علوية إلهية ربانية للبشرية ... فرسالته - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - طراز خاص من العيش؛ وطريقة معينة في الحياة؛ وكيفية فريدة في معالجات مسائل وقضايا وحاجات ومتطلبات الإنسان لم يأتِ على منوالها مثال سابق؛ ولم تلحقها بعديد من السنين والأعوام ما يشابهها أو يقترب منها .. أينما وجد وفي أي زمان كان... حتى يرث الله تعالىٰ الأرض ومن وما عليها .

اقول [(الرمادي)] : هذا الجانب من جوانب الحياة الإجتماعية مِن اعقد بحوث حياة الإنسان في تاريخه القديم والحديث.. لما يحمل مِن المتناقضات.. والمتعارضات.. والمختلفات في كيان فرد ونفسيته أو تجمع بشري في مجموعه أو قبيلة وما يعلوها من أفكار ومفاهيم أو عشيرة أو دولة ما يسيطر عليها من قيم وقناعات ... وما تمليه النفس الإنسانية لحظة الإشباع علىٰ المرء من رغبات.. وميول.. ونزعات.. وشهوات تتفق - أحيانا - مع صفته الآدمية النقية الصافية الراقية العلية ... أو تهبط به كثيراً من خلال وساوس الشيطان الإنسي أو الآخر الجني الرجيم الملعون ... تهبط به إلىٰ دركات بهيمية.. ومنزلقات غير إنسانية... مع وجود العقل والإدراك والفهم.. ويستغرب المرء أن يتم تشريع فساد خُلقي وإنحلال أخلاقي من خلال برلمان دولة أو نظام حكومة أو قانون يسن لإشباغ رغبات ساقطة .

* . ] العرب في الغرب :

تظهر صورة العرب - بصورة نمطية تكاد لا تتغير - في الإعلام الغربي ومنذ زمن وما تقدمه الشاشة الفضية وما يتفوه به ساسة تلك البلاد لكسب قطيع من الجمهور وتعاطف فريق من المؤيدين لهذا الحزب الشعبوي أو ذاك ... ويضاف بجوارها تصوّر في الذهن الجمعي عند مَن يسكن القارة الأوروبية أو الأمريكتين أو كندا عن المسلم ... تظهرا - الصورة النمطية والتصور الذهني الخاطئ - العربي/ المسلم بألوان قاتمة السّواد ، تجلّلها مزاعم الإرهاب والتّخلف والرّجعيّة والجهل والسذاجة - وقد يساعد بعض الجهلة في تثبيت هذه الصورة النمطية وذلك التصور الذهني ؛ كما حدث في بارس- فرنسا خلال جمعتين متتاليتين -، والحقيقة المُرة وأنّه علىٰ الرّغم مِن أنّ العرب تأخّروا عن ركب الحضارة وتخلفوا عن التّطور والتقدم العلمي حينما أصبحوا تبعًا للغرب يسيرون خلف ركابه في التّكنولوجيا والحداثة ، إلاّ - أنه من نافلة القول ؛ إذ يحلو عند البعض التغني بأمجاد الأجداد والتباهي بما قام به الأباء والاعتماد على فتاوى صدرت منذ أكثر من 500 عام والتفاخر بما كان عليه مَن سبقنا دون النظر إلىٰ حالة - المتحدث - اليوم أو محاولة تغيير ذلك الواقع إلى الأفضل - .. نعم وصحيح أنّ الفضل يعود إليهم... وخاصّة في عصور النّهضة حينما كان الغرب يحرص علىٰ تعلّم لغتهم - العربية - حتّى ينهل مِن علمهم ومعارفهم ، وما العلماء المسلمون الذي تميّزوا في كلّ ميادين العلم قديمًا إلاّ مثالاً علىٰ هذا التّطور وتلك النّهضة العلميّة والثّقافيّة الإسلامية[(83)]...

والعام الدراسي : 2019م ~ 1440 هـ - تُدخل وزارة التعليم للمملكة العربية السعودية اللُغة الصينية في مناهجها مع أنها تحمل أكثر من ٠٠٠ ,٢٠ رمزا ... وليس لها ابجدية... تدخلها في برنامج تعلم اللغات الأجنبية باعتبارها لغة الاقتصاد العالمي... ولغة المستقبل...!!!.
كما تعتمد جمهورية مِصر العربية نظام التعليم الياباني؛ وترسل مدرسين للحصول على دورات تدريبية...!!!. وهذه القضية ليست سلبية؛ ولكنها تحتاج إلى تقييم من رجال التعليم وأهل التربية التخصصية !!!.










أعود لابحث 《الجانب الإخلاقي..》 عند العرب في جاهليتهم!..

*. ] العرب قبل الإسلام:

يُطلَق وصف العرب علىٰ الأشخاص الذين يتحدّثونَ باللغة العربيّة - الفصحى؛ وليس اللهجة العامية لكل منطقة أو الدارجة لكل مقاطعة - باعتبارها لُغتهم الأمّ ، وقد بَيَّن باحثو التاريخ أنّ العرب ذوو أَصْلٍ ساميّ ؛ فهم ينحدرون من نَسْل سام بن نوح ، ويقطنونَ منطقة شبه الجزيرة العربيّة ...

*. ] العرب في الجاهليّة:

هم أولئك الذين عاشوا في الفترة التي سَبَقت ظهور الإسلام ، كما أنّ :


لفظة الجاهليّة تعني لغةً: ضدّ العِلم، و
الجاهليّة كمصطلح تعني: الفترة التي كانَ فيها العرب يجهلونَ وجودَ الله ، ورسوله ، وشرائع الدِّين ؛ إذ كانوا يعكفونَ علىٰ عبادة الأصنام ... و
أدق تعبير يمكنني أن استحضره كمثال ما قاله :"...جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ للــ نجاشي؛ ملك الحبشة ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ! كُنَّا قَوْمًا:
- أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ
- نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَ
- نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَ
- نَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَ
- نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَ
- نُسِيءُ الْجِوَارَ ،
- يَأْكُل ُالْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ، فَـــ
- كُنَّا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ بَعَثَ اللَّهُ - عَزَّوَجَلَّ - إِلَيْنَا نَبِيًّا وَرَسُولًا مِنَّا ، نَعْرِفُ :
- نَسَبَهُ وَ
- صِدْقَهُ وَ
- أَمَانَتَهُ وَ
- عَفَافَهُ ، فَدَعَانَا إِلَىٰ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ ، وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ ، وَأَمَرَنَا بِــــ:
- صِدْقِ الْحَدِيثِ، وَ
- أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَ
- صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ
- حُسْنِ الْجِوَارِ ، وَ
- الْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ ، وَ
- الدِّمَاءِ ، وَ
- نَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ ، وَ
- قَوْلِ الزُّورِ ، وَ
- أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَ
- قَذْفِ الْمُحْصَنَةِ ، وَ
أَمَرَنَا:
- أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَ
أَمَرَنَا:
- بِالصَّلَاةِ وَ
- الزَّكَاةِ وَ
- الصِّيَامِ وَ
- الْحَجِّ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ...




قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ ، فَصَدَّقْنَاهُ ، وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَىٰ مَا جَاءَبِهِ ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ ، وَلَمْ نُشْرِكْ بِهِشَيْئًا ، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا، فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ، لِيَرُدُّونَا إِلَىٰ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ - عَزَّوَجَلَّ - ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ ، فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا ، وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَىٰ بَلَدِكَ ، وَاخْتَرْنَاكَ عَلَىٰ مَنْ سِوَاكَ ، وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ، وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ .." [(84)] ...

نقل إلينا الصحابي الجليل والخطيب البليغ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ واقع مكة - وإن كُرمت بالبيت العتيق وشرفت بالكعبة المشرفة - ، نقلاً بليغاً كاملاً لكافة مناح الحياة الجاهلية ..

وقال آخرون : إنّ اسم الجاهليّة يعني: حالة من التباهي بالأحساب ، والمُفاخَرة بالأنساب...

أمّا في القرآن الكريم فتعني لفظة الجاهليّة: الحِميّة، والطَّيْش، والغضب، كما تشير أيضاً إلىٰ أفعال العرب في تلك الفترة[(85)].

وَ
الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَىٰ : هِيَ الْقَدِيمَةُ الَّتِييُ قَالُ لَهَا :
" الْجَاهِلِيَّةُالْجَهْلَاءُ " ، وَ
هِيَ الزَّمَنُ الَّذِي وُلِدَ فيهِ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - : كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْبَسُ الدِّرْعَ مِنَ اللُّؤْلُؤِ فَتَمَشِي وَسَطَ الطَّرِيقِ تَعْرِضُ نَفْسَهَا عَلَىٰ الرِّجَالِ ، وَ




قِيلَ: مَا بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ. وَ






قِيلَ: بَيْنَ إِدْرِيسَ وَنُوحٍ. وَ






قِيلَ: زَمَنُ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ ، وَ

الْجَاهِلِيَّةُ الْأُخْرَىٰ : مَا بَيْنَ عِيسَىٰ - ابن مريم - وَمُحَمَّدٍ بن عبدالله بن عبدالمطلب - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - . وَ

يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجَاهِلِيَّةُ الْأُولَى : جَاهِلِيَّةُ الْكُفْرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ . وَ

الْجَاهِلِيَّةُ الْأُخْرَىٰ : " جَاهِلِيَّةُ الْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ في الْإِسْلَامِ " ، فَكَأَنَّ
الْمَعْنَىٰ في تأويل الآية :
" ... وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَىٰ ... ". :
أي وَلَا تُحْدِثْنَ بِالتَّبَرُّجِ جَاهِلِيَّةً في الْإِسْلَامِ تَتَشَبَّهْنَ بِهَا بِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْكُفْرِ . وَ
يُعَضِّدُهُ مَا رُوِيَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
" إِنَّ فيكَ جَاهِلِيَّةً " ؛
قَالَ: " جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ أَمْ إِسْلَامٍ ؟ "..
فَقَالَ : "بَلْ جَاهِلِيَّةُ كُفْرٍ " .[(86)].

من المفيد من باب المقارنة أن نلقي نظرة سريعة علىٰ :

* . ] الجانب الأخلاقي: في العالم قبل الإسلام: [(87)].

كان العالم قبل الإسلام بَعيدًا عن القِيم والأخلاق التي تحكم سلوك النّاس ومعاملاتهم، فقد استحوذ الشّيطان علىٰ نفوس النّاس... والهوي علىٰ قلوبهم... فأضلّهم الأول عن شريعة الله... والثاني عن أخلاقيّات الدّين ومنهاجه ؛ فشاعت فيهم مساوئ الأخلاق ومسترذلات المنكرات كــ : الزّنا.. والبغي.. والسّرقة.. والعدوان.. والرّبا.. وشرب الخمر.... وغير ذلك الكثير. [(88)]... وهذا بصفة عامة... أما

* . ] حال العرب قبل الإسلام من ناحية الأخلاق[(89)]:

صفات العرب في الجاهليّة[(90)]..

ممّا لا شكّ فيه أنّ العرب كان لهم صفاتهم وخصائصهم الإجتماعيّة والأخلاقيّة عبر التّاريخ التي تميّزوا بها بين الحضارات وبقية الأمم[(91)]:

أخلاق العربي في الجاهلية[(92)]:

لاشك في أنّ العربي في الجاهليّة عُرف بالعديد من الأخلاق التي ميّزته عن غيره ، وبالرغم من أن بعض هذه الصفات هي من الصفات الدنيئة وبعضها من الرذائل التي ينكرها عقل الإنسان السليم ، فقد انتشر بين العرب في الجاهلية المنكرات.. والبغي.. وشتّى صنوف المعاصي والآثام ، فكانت للزّانيات دورٌ لها وتعلق راياتٍ يعرفون بها ، كما شرب العرب الخمر وتغنّوا بها ، ولكنه تميز بالعديد من المزايا والأخلاق الفاضلة، و

من أهم هذه الأخلاق[(93)] والتي صارت من :

*. ] عادات العرب قبل الإسلام[(94)]:

امتلكَ العرب قبل الإسلام مجموعة من العادات والتقاليد السلبيّة التي حرص الإسلام علىٰ إلغائها ، واستبدالها بالعادات الحسنة والنافعة[(95)] ، فمن أهمّ هذه التقاليد والعادات[(96)]:

*. ] الغزو والثأر:

وهيَ عادةٌ كانت تُؤدّي إلىٰ حروبٍ تستمرُّ لسنواتٍ طويلةٍ بين القبائلِ والعائلاتِ البدويّة ، وكانت أسباب الحروب تتمثّل أساساً بصعوبة الحياة في الصحراء ؛ فقد كانَوا يقتتلون لأبسط الأسباب ، كــ الخلاف علىٰ المراعي ؛ وذلك بسبب الجوع ، وشُحّ الامطار في المنطقة[(97)].

*. ] التعصُّب:

إذ كانَ العربيّ يفتخر بانتمائه إلىٰ قبيلته ، فيمدحها ، ويدافع عنها ، حيث كانوا مُتفرِّقين ، لا تجمعهم سُلطة عُليا مُحدَّدة ، إذ كانت القبيلة هيَ الحاكمة لكلِّ فئة من الناس؛ ممّا وَلَّد لديهم التعصُّب، والهمجيّة[(98)].

*. ] شُرب الخمر ... ولعب المَيسِر:

بالغَ العرب قبلَ الإسلامِ في شُربِ الخمرِ حتىٰ اتَّخذوا لهم " ساقياً " ، كما كانوا يمارسون لعب المَيسِرَ ، وما يتبعه من شرور ، وقد أنكرَ بعض العرب عادة شُرب الخمرِ ؛ لما يُحدِثه من ذهابٍ للعقلِ ، وخَدْشٍ للمروءة[(99)].

وعلىٰ الرّغم من تلك الصّفات الذّميمة ، إلاّ أنّ العرب كانت لهم بعض الخصال الحسنة مثل :
«النّخوة»
و
«الجود»
و
«الكرم».

تميَّز العرب منذ زمنٍ طويلٍ بمجموعةٍ مِن العادات والتقاليد ، التي تُشكل الموروث العربي الأصيل ، والمتمثل بالقيم والمبادئ السامية ، التي كانت تتجلىٰ في حياة العرب ،وخلال تعاملهم مع الآخرين ، ورغم أنّ هناك بعض العادات المُشينة ، التي بددها ظهور الإسلام في شبه جزيرتهم العربية قبل آلاف السنين ، بيد أن هناك بعض الشيم والعادات المُشرفة التي عزّزها الإسلام لدىٰ العربي ، و

من هذه الصفات تلك المتعلقة بالرجال العرب ...

صِفات العرب قَبْل الإسلام[(100)]:

اتَّصفَ العرب قَبل مجيء الإسلام بمجموعةٍ من الصِّفاتِ الحسنةِ، منها: [(101)]

صفات الرجال عند العرب[(102)]

*. ] الفَخْر:

وذلك نظراً لوقوعِ المسجدِ الحرامِ في شبة جزيرتهم... جزيرةِ العربِ ، حيث كانوا يَعتزّونَ بأنفسهم ، ويفتخرون بذلك ، حتىٰ وصل بهم الأمر إلىٰ أن يتكبَّروا به علىٰ الناسِ[(103)]

*. ] الشّهامة والنّخوة[(104)]:

فالعربي يتحلّىٰ بصفات الشّهامة والنّخوة التي تأبىٰ عليه إلاّ نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف[(105)] ... فتمثلت هاتان الصفتان بنجدة الملهوف ، وإغاثة المنكوب ، وإعانة المحتاج ، فمن استجار بالرجل العربي لم يمسه ظلم ، ولم يقربه أذىٰ ، كما أنّ الرجل العربي لا يقبل أنّ يرىٰ محتاجاً لمالٍ ، أو طعامٍ ، أو كساءٍ ، ويقف مكتوف الأيدي دون مدّ يد المساعدة.

* . ] الكرم والجود[(106)] :

وهما من الصفات المُتأصِّلة في العرب قَبل الإسلام ،


فـــــ


من عادات العرب الأصيلة إكرام الضيف ؛ باستقباله حسن استقبال ، والترحيب به بأجمل الكلام والودّ ، بالإضافة إلىٰ عمل ولائم الطعام التي تليق بالضيف ، وتُعبّر عن كرم المُستقبِل له ، وقد كانوا يُوقِدونَ النار في الليل ؛ حتىٰ يستدلَّ المسافرونَ علىٰ بيوتهم ، علماً بأنّهم كانَوا يطلقون عليها اسم «نار الضيافة» ، و

من أشهر الشخصيّات العربيّة التي ارتبطَ اسمها بالكرم «حاتم الطائيّ». [(107)]، فـــ


لاشتهار العرب قديمًا بالكرم والسّخاء رويت في ذلك القصص والحكايات الكثيرة ، فقد كان «حاتم الطائي» أحد من تميّزوا بالكرم والسّخاء الشّديد قديماً ، وممّا يروى عنه أنّه كان إذا أتاه عبده بضيفٍ من الأضياف أعتقه مكافأةً له علىٰ ذلك ، كما أنّه ذبح يومًا خيله النّفيسة وقدّمها طعامًا لضيوفه حينما لم يجد ما يضيّفهم به ،


و

من الشّخصيات التي اشتهرت بالكرم أيضًا من العرب «عقبة ابن أبي معيط» الذي يعتبر أحد وجهاء قريش وألدّ أعداء الدّعوة الإسلاميّة ؛ حيث كان يولم لكبراء قريش في كلّ مرّة يرجع فيها من أسفاره . [(108)] وقد

عُرف عن العرب قديماً عدم سؤالهم عن حاجة الضيف إلا بعد مرور ثلاثة أيام... فــ

الكرم [(109)]: ‏إذاً من الصفات التي كان العربي يتباهىٰ بها بل ويتبارز أيضاً، كما أن العديد من الأشعار العربية كانت تحكي عن الكرم التي تميز به العربي[(110)]‏.

*. ] العِزّة:

فقد كانَ العرب قبلَ الإسلام يرفضونَ العيش بذلّ ، ويعتزّون بحرّيتهم، ويرفضون الظُّلمَ[(111)].

*. ] العِفّة:

علىٰ الرغم من اتِّصاف جزءٍ من العرب بعدم اهتمامهم بالعِفّة ، وانشغالهم بالشُّرب ، ولعب المَيسِر ، إلّا أنّ فريقاً من العربِ كانوا أشدّ غيرةً علىٰ النساءِ من غيرهم من الشعوب ، وكانوا يحافظونَ علىٰ عِرْضهم ، وشَرَفهم ، حتى وصلت فيهم الغيرة إلىٰ وَأْد البنات ؛ حتىٰ لا يلحق بهم العار ، أمّا

المرأة، فقد كانت تحافظ علىٰ نفسها ، كما كانت تتَّصف بعِزّة النفس[(112)].

ويصح لي الاستدلال بــ

:"حَدِيثِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ فِي الْبَيْعَةِ ؛ حين قالت : { أَوَتَزْنِي الْحُرَّةُ ؟ ، }
فــ عَنْ الشَّعْبِيِّ فِي قِصَّةِ مُبَايَعَةِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ ، وَفِيهِ : { فَلَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: :" وَلَا يَزْنِينَ "...
قَالَتْ : أَوَ تَزْنِي الْحُرَّةُ ؟ ، [والاستدلال عندي لقولها ]
لَقَدْ كُنَّا نَسْتَحِي مِنْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ : فَكَيْفَ فِي الْإِسْلَامِ ؟ }.".







* . ] الفطنة ورجاحة العقل:

كان العربي يستبصر صفات الناس ومقاصدهم ، مِن الشكل الخارجي ، وطريقة الكلام والتصرف ، وكان قادراً علىٰ الحكم بالعدل بين الناس ، وتوظيف الحكمة بالقضاء العشائري.

* . ] طلاقة اللسان فصاحته... ومِن ثم الخطابة[(113)]:

فهذه من الصّفات التي ميّزت العرب بلا شك حتّىٰ اشتهروا بالفصاحة والبيان شهرةً بلغت الآفاق، وقد كانوا يجتمعون في أسواق ومجالس أدبيّة يتبادلون فيها القصائد والشّعر والخطابة ويتنافسون علىٰ ذلك ، وما المعلّقات السّبع [ والمذهبيات ] التي كانت تعلّق علىٰ أستار الكعبة إلاّ مثالًا علىٰ هذه الصّفة المتأصّلة فيهم[(114)]، فكان الرجل العربي مفوّهاً ، طليق اللسان ، بليغ الكلمة ، وفصيح المعنىٰ ؛ فإذا ما تحدث أصاب ، وإذا ما صمت كان ذلكٍ لحكمةٍ حقيقية ، وكان فرسان القوم من العرب شعراء يُجيدون النظم والتصور ، وكثيراً ما كانت تُقام التعاليل من أجل الاستماع لشاعر القبيلة وفارسها .

* . ] العفو عن المُخطئ:

رغم قدرة العرب علىٰ معاقبة المُخطئ ، فقد كان العفو سيّد الموقف ، في حين اشتهرت بلاد العرب بعادة :" الدخيل " الذي يقصد شيخاً أو وجيهاً من وجوه العشيرة ؛ ليحتمي به من شر ما فعل ، أو شرّ ما تم اتهامه به ، وعليه كان يحصل علىٰ العفو في أغلب المرات ، بسبب كفالته من أحد الأطراف ، وعفو الطرف الآخر عنه.

*. ] الصّدق[(115)]:

فالعربي الأصيل ... وحتّىٰ قبل الجاهليّة كان يحرص علىٰ الصّدق حتّىٰ لا يقال بين العرب أنّه كاذب ، فلقد اجتمع «أبو سفيان» وقت كان كافراً وقُبيل إسلامه – يومًا - بـ «هرقل» عظيم الرّوم فسأله بعض الأسئلة عن الرّسول - عليه الصّلاة والسلّام - فصدقه القول ولم يكذب في ذلك علىٰ الرّغم من عدواته للإسلام حتّىٰ لا يؤثر عنه الكذب بين العرب[(116)] ...
فتميَّز العرب قبلَ الإسلام بالصدق ، ونفورهم من الكذب ، وقد كانت هذه إحدىٰ أهمّ الصفات التي تميَّز بها الرسول الأعظم - عليه الصلاة والسلام -، وصاحبه «أبا بكر»الصديق[(117)].

* . ] تجنب الغدر أو الخيانة:

من صفات العربي الأصيل أنّه لا يغدر حتىٰ بعدوّه ، ولا يلجأ للخديعة ، بل يواجه الطرف الآخر بكلّ بسالة ، وإذا ما ناله ظلم وسُلب منه حق ، وما كان بالمقدور تحصيله باليد ، راعىٰ أصول ذلك بالتشكي لدىٰ رأس القبيلة ، أو قاضياً من قضاة البادية المعروفين بنزاهتهم وإنصافهم للمظلوم.

*. ] الفروسيّة والشّجاعة[(118)]:

فقد اتّسم العرب بصفات البطولة والشّجاعة حتّىٰ إنّهم كانوا يعيبون علىٰ بعضهم الفرار من المعارك ويعتبرونها سُبَّة وبالتالي سبتة علىٰ المرء لا تزول بزوال الأيّام ، وقد كان الرّجل منهم يتمنّىٰ الموت في خضم المعارك وفي ساحات الوغىٰ حيث مظنّة التحام الصّفوف وضرب الأسنة والرّماح[(119)] ... فـكانت الشجاعة صِفة غريزيّة في كلّ عربيّ ، إذ كانَ العربيّ يمتلك قوّةً تدفعُه إلىٰ القتالِ دون خوف ، ونصرة المظلومِ دونَ تردُّد، وقد ساعدَت ظروف حياتهم البدويّة علىٰ التأهُّب لأيّ خطرٍ قد يصيبهم ، فلمّا جاءَ الإسلام ، قوَّم هذه الصِّفة ؛ فأمرَ بكَفّ الأيدي عن الاعتداء علىٰ الآخرينَ دونَ وجودِ سببٍ للقتال[(120)].

*. ] عزة النفس والإباء وعدم قبول الضيم[(121)]:‏
وهذه الصفات نتيجة لفرط شجاعة العربي ، ولشدة غيرته ، وسرعة انفعاله[(122)].



* . ] تحدي المخاطر:

فها هو «الزير سالم» قد أرسلته الجليلة ، زوجة أخيه «كُليب وائل التغلبي»، إلىٰ وادي السباع ، لإحضار حليب إناثها ، سعياً منها للتخلّص من الزير للأبد ، لكنه خيّب ظنها وعاد بالفعل ، مُحضراً حليب السباع ، بمساعدة أخيه «همام» وصديقه «امرؤ القيس».

* . ] صفات أخرى:

*. ] الذود عن الحمىٰ:

حيثُ لا يقوىٰ علىٰ غزو عشيرته أحد ، وإن حصل بالفعل لقي المُعتدين ردّاً قاسياً ، تحكي فيه القبائل ، وتتباهىٰ فيه ألسن الشعراء.

*. ] حُسن الجِوار:
كانَ العرب يُؤدّونَ حقّ الجار كجزءٍ من خِصالهم النبيلة التي كانوا يحرصونَ عليها، فكانوا يُقدِّمون الحماية ، والإغاثة لجيرانهم ، ويَعدّونه جزءاً من شَرَفهم[(123)].

*. ] الصَّبر:

تُعَدّ الظروف المعيشيّة للعرب في شبه الجزيرة العربيّة ظروفاً قاسيةً، وهذا ما وَلَّد فيهم قوّةً وصَبْراً علىٰ تحمُّلِ مختلفِ المصاعبِ التي قد يواجهونها، كالجوع، والسفر ِالطويل، وغيرها[(124)].

*. ] المضي في العزائم[(125)].

*. ] الحلم، والأناة، والتؤدة[(126)].

*. ] الصدق البدوي،
وعدم التلوث بملوثات الحضارة ومكائدها‏، فقد عُرف العربي بصدقه ونقائه[(127)]

*. ] الوفاء:

وهو عكس الغَدْر ، والكذب، حيث كانَ العرب يُحافظونَ علىٰ عهودهم، ويُثنونَ علىٰ الوفيّ، ويُشهِرونه، ويرفضون الغدر، وخيانة الوعود[(128)].

* . ] الوفاء بالعهود[(129)]:

عُرف العربي بوفائه بالعهود مهما كانت ، فقد كان العهد مثل الدين الذي يتمسكون به ، وهنالك العديد من القصص الشهيرة التي تناقلتها المصادر التاريخية[(130)].
فـ إذا ما قطع علىٰ نفسه عهداً التزم به ، وكان أعزّ عليه أنّ يُجزّ رأسه عوضاً عن عدم وفائه بها.

-*-*-*

* . ] أحوالھم الخُلقیة:

كان فیھم - العرب - من الدنايا والرذائل ما ينكره العقل السلیم ، لكنھم حافظوا علىٰ جملة من الأخلاق تمیزوا بھا عن سائر الأمم حینئذ والشعوب ، كــ :
- الوفاء بالعھد.. و
- عزةالنفس.. و
- مضاء العزيمة.. و
- إباء الضیم.. و
- النخوة.. و
- المروءة.. و
- الشجاعة.. و
- الكرم . . و
- حميد الصفات التي شاع الفخر بھا في أشعارھم.

والمتأمل لحالة العرب قبل الإسلام ، وحالة الأمم الأخرىٰ من غیرھم يمكن أن يستنتج بعض الحكم التي كانت سببا في تشريفھم بحمل عبء الرسالة العامة ، وقیادة الأمة الإنسانیة والمجتمع البشري إلىٰ أعظم الرشد وأبین الھدىٰ.

- فمن حكمة اختیار العرب لھذه المھمة أنھم أقل الأمم حینئذ حضارة وأبعدھم عن المدنیة، فھم قوم أمیون كما وصفھم الله:
{ ھُوَ الَّذِي بعَثَ فِي الْأُمِّیِّینَ رَسُولاً مِنْھُم } [(131)].

إذ لو كانوا متحضرين كأھل المدنیات المجاورة من فرس وروم ويونان لربما قال قائل :«أنه انفعال حضاري وارتقاء مدني» ، بل شاء الله أيضاً ان يكون رسول ھذه الأمة أمیاً كذلك تأكیداً لذات المعنى
{ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِیَمِینِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }[(132)].

لقد شاء الله أن تكون معجزة النبوة والشريعة واضحة في الأذھان لا لبس فیھا.

- ومن حكمة اختیار العرب لمھمة قیادة البشرية حفاظھم علىٰ الأخلاق التي لم تعرف لغیرھم علىٰ ھذا النحو ، خصوصاً :
- الوفاء بالعھد، و
- عزة النفس، و
- مضاء العزم، إذ لايمكن لأي أمة بدون ھذه الصفات أن تحمل أمانة ، أو تتحمل مسؤولیة ولا يمكن قمع الشر والفساد ، وإقامة العدل والخیر إلا بھذه القوة القاھرة وبھذا العزم الصمیم والذي خلت منه الأمم الأخرىٰ.

وقد ظھر ھذا البرھان العملي من خلال المواجھات التي ثبتوا فیھا أمام العالم أجمع وتحدوا فیھا أرقىٰ الأمم حضارة ، وأكثرھا عددا وأمضاھا سلاحاً لذلك أظھر النبي - صلى الله علیه وسلم * اعتزازه بالمشاركة في تعزيز مبادئ الحق وإقرار مكارم الأخلاق .

وقد شھد النبي - صلى الله علیه وآله وسلم - حلف «الفضول» وكان في العشرين من عمره، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :
« لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوْ أُدْعَىٰ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ »[(133)]. و
قد كانت رجولته - صلى الله علیه وسلم - في القمة، بَیْدَ أن قواه الروحیة وصفاءه النفسي جعلا ھذه الرجولة تزداد بمحامد الأدب والاستقامة والقنوع ؛ فلم تُؤثرَ عنه شھوة عارضة ، أو نزوة خادشة ، ولم تحكَ عنه مغامرة لنیل جاه أو اصطیاد ثروة ، بل علىٰ العكس بدأت سیرته تومض في أنحاء مكة بما امتاز به عن أقرانه - إن صحت الإضافة؟- - من خِلالِ شمائلَ كريمةٍ، وفكرٍ راجحٍ، ومنطقٍ صادقٍ ونھجٍ أمینٍ ... و








بعد زواج خديجة - رضي الله عنھا - تابع النبي - صلى الله علیه وسلم - حیاة العزلة وھجر ما كان علیه العرب من خمر ولغو وقمار وأوثان... وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته وتدبیر معاشه والضرب في الأرض والمشي في الأسواق... و

تأتي حادثة تجديد بناء الكعبة قبل البعثة بخمس سنین لتكشف عما وصل إلیه النبي - صلى الله علیه وسلم - من مكانة أدبیة بین قومه... فقد اختلفت قريش فیمن يستأثر بشرف وضع الحجر الأسود في مكانه فاتفقوا علىٰ تحكیم أول داخل من بني شیبة ، فدخل رسول الله - صلى الله علیه وسلم - ، فلما دخل ھتفوا جمیعاً: ھذا «الأمین» ارتضیناه حكماً، فأمر بثوب فأخذ الحجر ووضعه في وسطه، ثم أمرھم برفعه جمیعاً، ثم أخذه بیده الشريفة فوضعه مكانه! ... و
تتابعت إرھاصات نبوته - صلى الله علیه وسلم - ، وقد أخذ يقترب من الأربعین فكان يسمع تسلیم الحجر علیه ، وكان لا يرىٰ رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد حُبب إلیه العزلة والتعبد في غار حراء... حتىٰ جاء الیوم المشھود، أسعد يوم في تاريخ البشرية كلھا، لقد بُعث رسول الله - صلى الله علیه وسلم - .
{ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿ 1﴾ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿ 3﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿ 4﴾ عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم (5) }[(134)].

-*-*-*-*-*

أقول ([(الرَّمَادِيُّ)]) : أكتفي بهذا القول عن حياة العرب قبل الإسلام .. وقبل البعثة المحمدية وقبل الرسالة الخاتمة لسيد ولد آدم أجمعين... ومِن يريد الزيادة فالرجاء العودة إلىٰ كتب التخصص عن تاريخ العرب قبل الإسلام ؛ ولعل ما يحضرني الأن ما كتبه الأستاذ :

- الدكتور: شوقي ضيف في موسوعته «العصر الجاهلي؛ تاريخ الأدب العربي»... علىٰ سبيل المثال وليس الحصر...

-*-*-*

سلسلة بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
(يُتْبَعُ بإذنه تعالى )
نال شرف قراءة المصادر ومراجعتها وكتابة البحث:
د. مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ
حُرِّرَفي يوم الاثنين ٢ ربيع الأول ١٤٤٢ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~الموافق ١٩ من شهر أكتوبر عام ٢٠٢٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريمالعذراء الزهراء البتول عليهما السلام.





-*-*-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
21 / 10 / 2020, 22 : 10 PM
[ ٤ ] مقدمة المجلد الرابع




《..زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》 -صلى الله عليه وآله وسلم-







لا يوجدُ أدنىٰ شك أو لحيظة ارتياب في أن أوان مبعث نبي آخر الزمان كان قد أوشك علىٰ الظهور؛ وقد أزف وقت مجئ الرسالة الخالدة لآخر المرسلين؛ وستهبط شريعة الخالق الواجد المبدع المصور الرازق الكاملة ...


فقد وجبت أن تنزل من السماء بلا ريب للتقييد بالتنفيذ والتطبيق؛ وصار منهاج متمم المبتعثين يلزم البشر أجمعين أن يتقيدوا به؛ فجاءت الأدلة القطعية الثبوت؛ القطعية الدلالة من نصوص وحي السماء سواء العهد العتيق [التوراة]؛ أو العهد الجديد [الأنجيل]؛ والعهد الحديث [القرآن] تثبت هذا، وتخبر كل الأتباع بالأدلة العقلية والنقلية فتؤكد على هذا ؛ كما تضافرت :
١ . ] إخْبَارُ الْكُهَّانِ مِنْ الْعَرَبِ، فَقد أَتَتْهُمْ بِهِ الشَّيَاطِينُ مِنْ الْجِنِّ فِيمَا تَسْتَرِقُ مِنْ السَّمْعِ، إذْ كَانَتْ وَهِيَ لَا تُحْجَبُ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَذْفِ بِالنُّجُومِ. وَ
كَانَ الْكَاهِنُ وَالْكَاهِنَةُ لَا يَزَالُ يَقَعُ مِنْهُمَا ذِكْرُ بَعْضِ أُمُورِهِ، لَا تُلْقِي الْعَرَبُ لِذَلِكَ فِيهِ بَالًا، حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ -تَعَالَى ذكره وتقدس سره-، وَوَقَعَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ الَّتِي كَانُوا يَذْكُرُونَ، فَعَرَفُوهَا[(1)].







١ . ١ . ] قَذْفُ الْجِنِّ بِالشُّهُبِ ، وَآيَةُ ذَلِكَ عَلَى مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :





فَلَمَّا تَقَارَبَ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَضَرَ مَبْعَثُهُ، حُجِبَتْ الشَّيَاطِينُ عَنْ السَّمْعِ، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَقَاعِدِ الَّتِي كَانَتْ تَقْعُدُ لِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ فِيهَا، فَرُمُوا بِالنُّجُومِ، فَعَرَفَتْ الْجِنُّ أَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ حَدَثَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ فِي الْعِبَادِ؛ يَقُولُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْنَ بَعَثَهُ، وَهُوَ يَقُصُّ عَلَيْهِ خَبَرَ الْجِنِّ إذْ حُجِبُوا عَنْ السَّمْعِ، فَعَرَفُوا مَا عَرَفُوا، وَمَا أَنْكَرُوا مِنْ ذَلِكَ حَيْنَ رَأَوْا مَا رَأَوْا:
{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا }... إلَى قَوْلِهِ : {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا }[(2)].





فَلَمَّا سَمِعَتْ الْجِنُّ الْقُرْآنَ عَرَفَتْ أَنَّهَا إنَّمَا مُنِعَتْ مِنْ السَّمْعِ قَبْلَ ذَلِكَ، لِئَلَّا يُشْكِلَ الْوَحْيُ بِشَيْءٍ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ فَيَلْتَبِسُ عَلَى أَهْل ِالْأَرْضِ مَا جَاءَهُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ، لِوُقُوعِ الْحُجَّةِ، وَقَطْعِ الشُّبْهَةِ. فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا، ثُمَّ وَلَّوْا إلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ : { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } الْآيَةَ .







١ . ٢ . ] وتوجد رواية عن ابن هشام في السيرة النبويةتقول :
" قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- :" ... قَدْ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ... نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَعْتَنِقُ الْأَوْثَانَ، حَتَّى أَكْرَمْنَا اللَّهُ بِرَسُولِهِ وَبِالْإِسْلَامِ[(3)] .هذه شهادة صدق...







١ . ٣ . ] وأما الرواية الثانية فنجدها في حديث ابن عم رسول الله[(4)] مع ملك الحبشة[(5)] وقت هجرته إليها روته أُمُّ سَلَمَةَ[(6)] بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَتْ: قَالَ " جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ[(7)]- عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : أَيُّهَا الْمَلِكُ[(8)] ،كُنَّا قَوْمًا : [ وأخذت أمنا؛ أم المؤمنين أم سلمة تعدد ما قاله سيدنا جعفر...فــ
قال: كُنَّا قَوْمًا :
1 . ] أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ
2. ] نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ، وَ
3. ] نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ، وَ
4 . ] نَأْتِي الْفَوَاحِشَ ، وَ
5 . ] نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ، وَ
6 . ] نُسِيءُ الْجِوَارَ ، وَ
7 . ] يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ...
فَـــــ
كُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ :
- نَسَبَهُ وَ
- صِدْقَهُ وَ
- أَمَانَتَهُ وَ
- عَفَافَهُ، فَدَعَانَا إِلَى :
1 . ] اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ لِـ
2 . ] نُوَحِّدَهُ، وَ
3 . ] نَعْبُدَهُ، وَ
4 . ] نَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ، وَ


أَمَرَنَا




بِـ
1 . ] صِدْقِ الْحَدِيثِ ، وَ
2 . ] أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ، وَ
3 . ] صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ
4 . ] حُسْنِ الْجِوَارِ وَ
5 . ] الْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ،وَ




نَهَانَا عَنِ :
1 . ] الْفَوَاحِشِ ، وَ
2. ] شَهَادَةِ الزُّورِ ، وَ
3 . ] أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ وَ
4 . ] يقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ، وَ
أَمَرَنَا




أَنْ :
- نَعْبُدَ اللَّهَ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَ
- إِقَامَ الصَّلَاةِ، وَ
- إِيتَاءَ الزَّكَاةِ[(9)]. –
قَالَتْ [أم سلمة] : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ - فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَاجَاءَ بِهِ، فَعَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا، وَأَحْلَلْنَا مَا أَحِلَّ لَنَا، فَغَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا، وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا؛ لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ[(10)]
و








هذه أروع شهادة صدق من جعفر بن أبي طالب أمام ملك الحبشة اصحمة النجاشي وقت الهجرة الأولى إليها وأمام أثنين من وفد قريش للوشاية بالمسلمين..
ولم يكذبه أحد منهما!!!!
وَ
تضافرت روايات :
٢ . ] الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ وَ
٣ . ] الرُّهْبَانِ مِنْ النَّصَارَى[(11)] بـمُعْرِفَةِ مَبْعَثِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ فـقَدْ تَحَدَّثُوا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ مَبْعَثِهِ، لَمَّا تَقَارَبَ مِنْ زَمَانِهِ.
أَمَّا




الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ،وَالرُّهْبَانُ مِنْ النَّصَارَى، فَعَمَّا وَجَدُوا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَتِهِ وَصِفَةِ زَمَانِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ عَهْدِ أَنْبِيَائِهِمْ إلَيْهِمْ فِيهِ.
و


هذه أدلة قد تعرضت لها في بحوث المجلد الأول؛ وأذكر القارئــ(ــ)ــة الكريمــ(ــ)ــة بما جاء :
* . ] عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله ﷺ» :
كنتُ „ أَوَّلَ ‟ الأنبياء خلقا
و „ آخِرَهم ‟ بعثا [(12)]
** . ] وجاء في مسند الإمام أحمد؛ مسند الشاميين،حديث عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
« إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ " مكتوبٌ "لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ؛ وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ [أمري] دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ؛ وَبِشَارَةُ عِيسَىٰ بِي؛ وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ"حين وضعَتني" وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ تَرَيْنَ ».
و
لنا أن نسمع القول الصريح في سورة الصف؛ إذ نطق القرآن الكريم بالقول :
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين ﴾[(13)ٍ.
وعَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:« إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ ». فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَ
زَادَ فِيهِ :« إِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ »[(14)].
وتحدثتُ من قبل عن :" بَدْءِ الْوَحْيِ„" مَبْعَثُهُ " ‟ [صلى الله عليه وآله وسلم] وجرى الحديث عن" الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ "... " الحَسَنَةِ ".
ثم كان الحديث عن :" مرحلة النبوة؛ وتحدثتُ عن إرهاصات نبوة محمد بن عبدالله عند أهل الكتاب وكهان العرب عندما قارب زمن بعثة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-.. بيد أنني فضلت وضعها ضمن ملاحق بحوث السيرة. وفي بحوث سابقة تحدثت عن إرهاصات النبوة قبيل البعثة فالرجاء مراجعة ما سبق وكتبته.





قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا : إِنَّ مِمَّا دَعَانَا إِلَى الْإِسْلَامِ - مَعَ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى-، وَهَدَاهُ لَنَا -أَنْ كُنَّا نَسْمَعُ مِنْ رَجُلٍ مَنْ يَهُودَ، وَكُنَّا أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ؛ وكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ لَنَا، وَكَانَتْ لَا يَزَالُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ شُرُورٌ فَإِذَا نِلْنَا مِنْهُمْ بَعْضَ مَا يَكْرَهُونَ قَالُوا لَنَا : إِنَّهُ قَدْ تَقَارَبَ زَمَانُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ الْآنَ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ فَكُّنَا كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجَبْنَاهُ حِينَ دَعَانَا إِلَى اللَّهِ، وَعَرَفْنَا مَا كَانُوا يَتَوَعَّدُونَنَا بِهِ فَبَادَرْنَاهُمْ إِلَيْهِ فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرُوا بِهِ فَفِينَا وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :" وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ[(15)] .
وَ




قَالَ وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ: كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ : اللَّهُمَّ ابْعَثْ لَنَا هَذَا النَّبِيَّ يَحْكُمُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ يَسْتَفْتِحُونَ بِهِ أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ
[رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ][(16)].



ثُمَّ
رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالْمَلِكِ بْنِ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتِ الْيَهُودُ بِخَيْبَرَ تُقَاتِلُ غَطَفَانَ فَكُلَّمَا الْتَقَوْا هُزِمَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ فَعَاذَتِ الْيَهُودُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالُوا : اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي وَعَدْتَنَا أَنَّ تُخْرِجَهُ لَنَا فِي آخِرِ الزَّمَانِ إِلَّا نَصَرْتَنَا عَلَيْهِمْ .





قَالَ : فَكَانُوا إِذَا الْتَقَوْا دَعَوْا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَهَزَمُوا غَطَفَانَ فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَفَرُوا بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ الْآيَةَ[(17)].
وَ


رَوَى عَطِيَّةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ ، وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوُ ذَلِكَ أَيْضًا .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ- وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ- قَالَ كَانَ لَنَا جَارٌ مَنْ يَهُودَ فِي بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْمًا مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيهِ سِنًّا عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي مُضْطَجِعٌ فِيهَا بِفِنَاءِ أَهْلِي فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ[(18)] وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ، قَالَ : فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمٍ أَهْلِ شِرْكٍ أَصْحَابِ أَوْثَانٍ لَا يَرَوْنَ أَنَّ بَعْثًا كَائِنٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَالُوا لَهُ : وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَوَ تَرَى هَذَا كَائِنًا أَنَّ النَّاسَ يُبْعَثُونَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ فِيهَا جَنَّةٌ وَنَارٌ، يُجْزَوْنَ فِيهَا بِأَعْمَالِهِمْ؟
قَالَ : نَعَمْ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، وَيَوَدُّ أَنَّ لَهُ بِحَظِّهِ مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمَ تَنُّورٍ فِي الدَّارِ يَحْمُونَهُ ثُمَّ يُدْخِلُونَهُ إِيَّاهُ فَيُطَيِّنُونَهُ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوَ مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَدًا
قَالُوا لَهُ : وَيْحَكَ يَا فُلَانُ فَمَا آيَةُ ذَلِكَ ؟
قَالَ : نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلَادِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى نَحْوِ مَكَّةَ وَالْيَمَنِ
قَالُوا : وَمَتَى تُرَاهُ ؟
قَالَ : فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا
فَقَالَ : إِنْ يَسْتَنْفِدَ هَذَا الْغُلَامُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ
قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآمَنَّا بِهِ وَكَفَرَ بِهِ بَغْيًا، وَحَسَدًا
قَالَ : فَقُلْنَا لَهُ : وَيْحَكَ يَا فُلَانُ أَلَسْتَ بِالَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيهِ مَا قُلْتَ ؟
قَالَ : بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ.
[رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ]. [(19)]
وَ




رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ : لَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ إِلَّا يَهُودِيٌّ وَاحِدٌ يُقَالَ لَهُ : يُوشَعُ فَسَمِعْتُهُ
يَقُولُ : - وَإِنِّي لَغُلَامٌ فِي إِزَارٍ - قَدْ أَظَلَّكُمْ خُرُوجُ نَبِيٍّ يُبْعَثُ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْبَيْتِ- ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ- فَمَنْ أَدْرَكَهُ فَلْيُصَدِّقْهُ. فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمْنَا وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَمْ يُسْلِمْ حَسَدًا وَبَغْيًا. وَ




قَدْ قَدَّمْنَا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي إِخْبَارِ يُوشَعَ هَذَا عَنْ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصِفَتِهِ وَنَعْتِهِ، وَإِخْبَارِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا عَنْ ظُهُورِ كَوْكَبِ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .







قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ
قَالَ لِي : هَلْ تَدْرِي عَمَّ كَانَ إِسْلَامُ ثَعْلَبَةَ بْنِ سَعْيَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ سَعْيَةَ وَأَسَدِ بْنِ عُبَيْدٍ، نَفَرٍ مِنْ بَنِي هَدْلٍ إِخْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ، ثُمَّ كَانُوا سَادَتَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ؟
قَالَ : قُلْتُ : لَا .
قَالَ : فَإِنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ يُقَالَ لَهُ : ابْنُ الْهَيِّبَانِ قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ بِسِنِينَ فَحَلَّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا لَا وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا رَجُلًا قَطُّ لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ فَأَقَامَ عِنْدَنَا فَكُنَّا إِذَا قَحَطَ عَنَّا الْمَطَرُ
قُلْنَا لَهُ : اخْرُجْ يَا ابْنَ الْهَيِّبَانِ فَاسْتَسْقِ لَنَا.
فَيَقُولُ : لَا وَاللَّهِ حَتَّى تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ مَخْرِجِكُمْ صَدَقَةً
فَنَقُولُ[(20)] لَهُ : كَمْ ؟
فَيَقُولُ : صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ مُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ
قَالَ : فَنُخْرِجُهَا،
ثُمَّ يَخْرُجُ بِنَا إِلَى ظَاهِرِ حَرَّتِنَا فَيَسْتَسْقِي لَنَا فَوَاللَّهِ مَا يَبْرَحُ مَجْلِسَهُ حَتَّى يَمُرَّ السَّحَابُ، وَنُسْقَى قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثٍ،
قَالَ : ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ عِنْدَنَا
فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ مَيِّتٌ
قَالَ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَاتَرَوْنَهُ أَخْرَجَنِي مِنْ أَرْضِ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ إِلَى أَرْضِ الْبُؤْسِ وَالْجُوعِ ؟
قَالَ : قُلْنَا : أَنْتَ أَعْلَمُ
قَالَ : فَإِنِّي إِنَّمَا قَدِمْتُ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَتَوَكَّفُ خُرُوجَ نَبِيٍّ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُهُ، هَذِهِ الْبَلْدَةُ مُهَاجَرُهُ فَكُنْتُ أَرْجُو أَنْ يُبْعَثَ فَأَتَّبِعَهُ وَقَدْ أَظَلَّكُمْ زَمَانُهُ فَلَا تُسْبَقْنَ إِلَيْهِ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ بِسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَسَبْيِ الذَّرَارِيِّ مِمَّنْ خَالَفَهُ فَلَا يَمْنَعَنَّكُمْ ذَلِكَ مِنْهُ ...... فَـــ




لَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَحَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ
قَالَ هَؤُلَاءِ الْفِتْيَةُ - وَكَانُوا شَبَابًا أَحْدَاثًا - : يَا بَنِي قُرَيْظَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكُمْ فِيهِ ابْنُ الْهَيِّبَانِ!
قَالُوا : لَيْسَ بِهِ
قَالُوا : بَلَى وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ بِصِفَتِهِ فَنَزَلُوا فَأَسْلَمُوا فَأَحْرَزُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ .





قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَهَذَا مَا بَلَغَنَا عَنْ أَخْبَارِ يَهُودَ[(21)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
نال شرف قراءة النصوص ومراجعة المصادر وكتابة مقدمة المجلد الرابع من السيرة المحمدية العطرة : على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام :
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
4 ربيع أول 1442 هـ ~ 21 أكتوبر 2020م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
الهوامش تجدها في نهاية البحوث -عن شاء الله تعالى-
". *****
(الدكتور: مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ)

شريف حمدان
31 / 10 / 2020, 16 : 07 AM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
23 / 11 / 2020, 53 : 12 PM
《... سِنُّ الْكَمَالِ ...》
٤. بحوث المجلد الرابع:
《...زَمَانُ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم-
فصل:
سنُهُ -عليه الصلاة والسلام- حين التبليغ [(22)]
ــــــــــــــــــ
مدخل:
السيرةُ المحمديّة هي المدخل الطبيعي لمعرفة صاحب الرسالة الأخيرة العصماء ؛ والسيرةُ في الأصل : الكتاب الكريم والسنة العطرة ؛ كما أن الأصل في المسلم أن يعرف جيداً - حقا وصدقا ؛ بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة -: النبي الذي يتبعه ، والرسول الذي يسير على خطاه ويلتزم هديه ويتقيد بطريقته ، وإنك لا تعرف رسول الله الخاتم -عليه السلام- إلا إذا عرفت الكتاب -القرآن الكريم والذكر الحكيم- الذي أُنزل عليه وحياً من ربه وبلغنا من خالقنا دون تحريف أو تعديل ، فهو المصدر الأول من المنهاج الرباني ؛ والمصدر الأول في التشريع الإلهي، فهو يعطي الخطوط الأساسية الواضحة كطريقة خاصة في حياة الإنسان وطراز خاص من عيش المرء ؛ أينما كان وفي أي زمان وعلى أي حال ، فهذه هي المعرفة الأولى ، أما الثانية فهي معرفة سنته -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن السنة النبوية؛ وهي المصدر الثاني من مصدري الوحي السماوي المُنزل بواسطة أمين السماء المَلَكِ جبريل -عليه السلام- على قلبِ أمينِ السماء والأرض محمد بن عبدالله؛ فهي المصدر الثاني من التشريع الرباني والمنهاج الإلهي ، فـالسنةُ النبويّة هي مجموع أقواله وأفعاله وصفاته وتقريراته ، وهي أيضا الخطوط الأساسية العريضة لمنهاج المسلم في الحياة .
والسيرة المحمدية تُمهد -وثائقياً- للإيمان بنبوته؛ فينعقد الإيمان في قلب من يؤمن به خاتما للأنبياء ويعتقد اعتقادا جازما برسالة آخر المبتعثين ويصدق تصديقا لا شك فيه بكل ما آتى به متمم المرسلين ؛ فيصير التعريف بالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- مقدم على التعريف بالرسالة ، ولأن الإيمان بالرسول -عليه السلام- هو المقدمة الموطئة لتلقي هديه وسماع أمره وفهم طريقته ؛ وإذا لم يكن الأمر هكذا اضطرب الفهم وتعطل الإدراك فدخل الغريب في صلب عقيدةٍ الأصلُ فيها أن تكون بيضاء نقية لا لبس فيها ولا إيهام. ولا ابهام.. فالعقيدةُ لا تحتاج إلى كبير تأويل والإيمان لا يحتاج إلى عناء تفسير بل يجب أن تكون سهلة يدركها الجميع ويفهمها العامة قبل الخاصة صافية من الشوائب توافق الفطرة السوية البشرية وتتفق مع النزعة الأصلية الفطرية الآدمية فتقنع العقل تماما فيطمئن إليها القلب تصديقا وترتاح إليها النفس البشرية فتهدأ[(23)] .

مَبْعَثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا-



واختلفَ السَّلَفُ في سنِّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حين نُبئ كم كانت ؟ .

فقال بعضهم: نُبئَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد ما بنتْ قريش الكعبة بخمس سنين، وبعد ما تمت له من مولده أربعون سنة. [(24)] .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا بَلَغَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعِينَ سَنَةً بَعَثَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وَكَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا[(25)] بجنة عرضها السموات والأرض اعدت للمتقين المؤمنين... وهاديا للطائعين الذين يبحثون عن العقيدة الصحيحة... ونذيرا للعاصين والمنافقين والكافرين الذين يخالفون أمره ويعارضون ما ثبت عقلا ونقلا.
وابن القيم يوافق ابن إسحاق فيقول:" فِي مَبْعَثِهِ[(26)] -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :" بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ[(27)] وَهِيَ سِنُّ الْكَمَالِ (!).
بيد أنه تم اعتماد هذه السن دون تأكيد لمصدرها فــ قِيلَ : وَلَهَا تُبْعَثُ الرُّسُلُ[(28)] .

قول العلماء :
لكن أثبت محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه[(29)] :" عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : « أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ ابْنُ „أَرْبَعِينَ”» ...
فـ التقط خيط الصحة للحديث وأحسن لضمه فقال العسقلاني في شرحه على البخاري :" وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ".[(30)] .
ثم ذكر :" فِي صِفَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدِيثُ أَنَسٍ بن مالك «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بُعِثَ عَلَى رَأْسِ „أَرْبَعِينَ”» ؛ كما ذكر الترمذي[(31)] .
حديث البخاري عن ابن عباس:" في سننه :" عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أنَسًا يَقُولُ ﴿... بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ „أَرْبَعِينَ” سَنَةً ﴾...
وقال أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ ورواه مسلم في صحيحه ؛ باب المناقب فنصه :" بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً "[(32)] .
فهذا ما قال به عبدالله بن عباس ؛ وأنس بن مالك وعُروة بن الزُّبَير.

وهناك عند الطبري يوجد حديث موضوع أعرضتُ عنه فلم اذكره. [(34)] .
وشرحَ صاحب الأحوذي في :" ( بَابِ مَا جَاءَ فِي مَبْعَثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَابْنُ كَمْ كَانَ حِينَ بُعِثَ )... ففصَّل فقال:" الْمَبْعَثُ : مِنَ الْبَعْثِ ، وَأَصْلُهُ الْإِثَارَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّوْجِيهِ فِي أَمْرٍ مَا رِسَالَةً ، أَوْ حَاجَةً "...
ثم يأتي بمثالٍ فيقول :" وَمِنْهُ بَعَثْتُ الْبَعِيرَ إِذَا أَثَرْتُهُ مِنْ مَكَانِهِ " ؛ ويكمل بمثال ثان:" وَبَعَثْتُ الْعَسْكَرَ إِذَا وَجَّهْتُهُمْ لِلْقِتَالِ " ، ويزيد المسألة وضوحاً وتبياناً فيقول :" وَبَعَثْتُ النَّائِمَ مِنْ نَوْمِهِ إِذَا أَيْقَظْتُهُ " ، ويختم صاحب الأحوذي مقالته :" وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِرْسَالُ ".[(35)] .
ثم يؤكد صاحب الأحوذي وينهي البحث ؛ فيقول:" وَقَدْ أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ حِيْنَ بُعِثَ ابْنَ „أَرْبَعِينَ” سَنَةً" .
ويوضح قَوْلَهُ : ( أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ) أَيِ : الْوَحْيُ ؛ ( وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ ) أَيْ : سَنَةً ، وَكَانَ ابْتِدَاءُ وَحْيِ الْيَقَظَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ [(36)].
وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَ بِمَكَّةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا -يعني صاحب الأحوذي- أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ[(37)] ...
ولإكمال البحث مع التحقيق والتدقيق...
قَالَ آخَرُونَ: بَلْ نُبِّئَ حِينَ نُبِّئَ وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. [(38)]
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِثَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً .
وَالصَّوَابُ أَرْبَعُونَ سَنَة كَمَا سَبَقَ ، وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ؛ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ[(39)] .
وأنهي -بعد تفضله سبحانه وتعالى عليَّ وكرمه- هذا الفصل من المجلد الرابع بما ذهب إليه العسقلاني حين يقول في الفتح :" فَعَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَكُونُ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ابْنَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ ".[(40)]
ويوجد استدرك عند ابن القيم الجوزية لهذا السن مقارنة بالسيد المسيح ابن مريم العذراء الزهراء البتول فيقول:" وَأَمَّا مَا يُذْكَرُ عَنِ الْمَسِيحِ أَنَّهُ رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ[(41)] سَنَةً فَهَذَا لَا يُعْرَفُ لَهُ أَثَرٌ مُتَّصِلٌ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ . "...
فتوقفتُ عن البحث إذ ليس وراء التحديد فائدة شرعية ترتجى!..
تنبيه :
تتداول بعض العامة -جهلاً- مقولة أن المرء يفعل ما يشاء إلى أن يصل إلى سن الأربعين... ثم بعدها يتوب ويقلع عن ما اقترفه ؛ وهذه لا أصل لها معلوم في دين أو رأي ينسب إلى عالِم راسخ في العلم؛ فسن التكليف هو سن بلوغ الذكر مبلغ الرجال ؛ وسن التكليف للإناث إذا وصلن إلى مبلغ النساء. والإعتماد على قوله تعالى حين نطق القرآن الكريم بالقول :" {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} وَ" الشاهد :{ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}..{ قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِين} [(42)] لا دليل عليه .
كَانَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- قَدْ أَخَذَ الْمِيثَاقَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ قَبْلَهُ -صلوات الله وسلامه وتبريكاته عليهم أجمعين- بِالْإِيمَانِ بِهِ ، وَالتَّصْدِيقِ لَهُ ، وَالنَّصْرِ لَهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ ، وَأَخَذَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُؤَدُّوا ذَلِكَ إلَى كُلِّ مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ ، فَأَدَّوْا مِنْ ذَلِكَ مَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَقِّ فِيهِ[(43)] .
يَقُولُ اللَّهُ -تَعَالَى- لِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ﴾ [ أَيْ ثِقَلَ مَا حَمَّلْتُكُمْ مِنْ عَهْدِي ] ... ﴿ قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ ﴾[(44)] ... فَأَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ جَمِيعًا بِالتَّصْدِيقِ لَهُ ، وَالنَّصْرِ لَهُ مِمَّنْ خَالَفَهُ ، وَأَدَّوْا ذَلِكَ إلَى مَنْ آمَنْ بِهِمْ وَصَدَّقَهُمْ مِنْ أَهْلِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ[(45)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
23 / 11 / 2020, 11 : 01 PM
《 يوم „ مبعثه ‟ 》
بحوث الفصل الرابع:
《...زَمَانِ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم-
فصل:
يوم بعثته
تمهيد :
أركان الإسلام أو أعمدته التي يبنىٰ عليها كيان الدين الحنيف يجب أن تكون قطعية الثبوت ؛ ويجب -أيضا- أن تكون قطعية الدلالة ؛ فيجب أن تثبت هذه الأركان عند تلقيها والحديث عنها بطريق لا يتطرق إليه إرتياب أو شك ؛ وهذا ما سماه السادة العلماء قطعية الثبوت ؛ أي أنه وحي من قِبل الحاكم... أي صاحب الآمر ... ومالك النهي -سبحانه وتعالى- وتم التبليغ لكافة البشر -العامة من الناس قَبل أهل التخصص وأصحاب العلم الراسخ- بطريقة لا يتطرق إليه الشك أو الإرتياب ؛ إذ هي -أركان الإسلام ؛ وعقائده- الأساس الذي سيبنىٰ عليه الأحكام الشرعية العملية التفصيلية اليومية المتعلقة بالحياة الدنيا ، والتي قد لا يدرك كنهها العقل البشري المحدود والقاصر ولكن قد يسعىٰ العالِم لشرح حكمتها واستنباط دلالتها ، وتلك الأحكام المتعلقة بالحياة الآخرة ، بجانب القَصص القرآني ؛ فجميع قضايا الإيمان وكل مسائل العقيدة يجب أن تكون قطعية الثبوت... كما يجب أن تكون كل قضية بمفردها أو مسألة بعينها قطعية الدلالة... بمعنى أنها تدل علىٰ معنىٰ واحد لا يتعداه إلىٰ آخر ولا يصح أن يفهم أمر آخر ؛ أو أمر ثان... فيحدث التباس في الذهن أو تشويش في الفهم ؛ أو تداخل بين فهمين في قضية واحدة فتضيع عقيدة أو يهتز إيمان...
لذا فــ قضايا العقيدة أو موضوعات الإيمان يجب أن تكون قطعية الثبوت وقطعية الدلالة.
أما مسائل الأحكام الشرعية العملية اليومية التفصيلية للمسلم فيكفي فيها غلبة الظن ؛ أو ما يطلق عليه العلماء شبهة دليل ؛ فــ كثير من النصوص الشرعية -سواء آيات من الذكر الحكيم أو أحاديث نبوية- قد تحتمل آكثر من معنى-كــ آية :"أو لامستم (وفي قراءة :"لمستم") النساء"- وهنا يأتي صاحب العلم الراسخ في العلوم اللُغوية والعلوم الشرعية ليستنبط حكما شرعيا في المسألة المبحوثة... ويذهب إلى ما لم يذهب إليه العالِم الآخر الراسخ في العلوم الشرعية واللُغوية... والممارس لتبيين الأحكام الشرعية العملية يجد فناً فقهيا تحت مسمىٰ "الفقه المقارن" ، كما نجد بحوث "آيات الأحكام" وبحوث "أحاديث الأحكام" ؛ فالواقع الفقهي يُظهر بوضوح وجود مذاهب... مثل مذهب النعمان بن ثابت -أبي حنيفة- ؛ ومذهب مالك بن أنس ؛ ومذهب محمد بن إدريس الشافعي ؛ ومذهب أحمد بن حنبل... وعلماء كثر -رحمهم الله تعالى جميعاً-... فهم بحثوا في المسائل الفقهية العملية .
إذاً هناك مسألتان لكل منهما أدلتها... فــ
أولاً : مسائل العقيدة وقضايا الإيمان... وهذه أدلتها قطعية الثبوت قطعية الدلالة... و
ثانياً : مسائل الأحكام الشرعية العملية اليومية التفصيلية في حياة المسلم...
**
عزيزيــ(ــتي) القارئــ(ـة) !
مازلتُ أبحث مقدمات النبوة الخاتمة لرسالة السماء الآخيرة... والحديث مازال متصل عن ارهاصات نبوة خاتم المرسلين وآخر المبتعثين وإمام الأنبياء والمتقين محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب صلى الله عليه وآله وسلم.
والثابت بعثة الرسول محمد... سواء جاء الإخبار عنها علىٰ لسان السادة الأنبياء ؛ مثل :
- دعاء أبي الأنبياء الخليل إبراهيم وابنه -الذبيح ابن هاجر المصرية- النبي إسماعيل أو
- بشارة ابن العذراء البتول الزهراء مريم بنت عمران -المعجزة في الخلق والتكوين والإيجاد والتصوير: عيسى ابن مريم- ؛ أو من خلال بشارات :
- الكتب السماوية السابقة أو كما ذكرتُ من بعض
- الكتب الدينية عند بعض الأقوام...
و
الثابت -أيضا- أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- بُعث بكتاب سماوي (كلام الله تعالىٰ) تحدىٰ به الإنس والجن أن يأتوا بمثله ، فما استطاعوا ومازال التحدي قائم حتىٰ يرث الله -تعالى- الأرض ومن عليها... و
الثابت أنه -عليه السلام- أوتي القرآن ومثله معه ؛ فصار المسلم لديه بين يديه قرآنا يتلىٰ وهو منهاج حياة ؛ وطريقة معينة في العيش بغض النظر عن مكان الإنسان وزمانه وأيضا لديه سنة -طريقة- نبوية عطره وهي سلوك عملي وكيفية معينة في الحياة... وهما -القرآن الحكيم والسنة النبوية المحمدية- مصدرا التشريع لحياة المسلم ومصدرا المنهجية الحياتية...
**
والحديث عن بحوث《...زَمَانِ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم- وبعض المسائل ؛ مثل:《...الدين الذي كان عليه قبل الرسالة..》و《...بدء الوحي..》و《...سنه عند التبليغ..》و《...يوم بعثته..》تجد فيها أقوال متقاربة وليست متعارضة ؛ وهذا يحتاج مني- بحسن معونته سبحانه وتعالى وتمام توفيقه وكامله – أن أفرد في نهاية البحوث فصول حول الشبهات التي اثارها البعض ؛ إما طعناً في الدين وبعض إحكامه -ومازالت تتردد على ألسنة النقلة وأقلام الجهلة- أو طعنا بمن أرسل به للعالمين بشيرا وهاديا ونذيراً ، ويكفي الرد على تلك الخزعبلات والأوهام قوله تعالىٰ علوا كبيرا حين نطق القرآن يقول :" . أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا[(48)] "... والمعنىٰ صريح في كل النصوص القرآنية والآيات الرحمانية ؛ فيتبقىٰ أحاديث المصطفىٰ وأقوال المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ فنطق القرآن قائلاً وإننا نسمع تمام الآيات تقول : ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَىٰ * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَىٰ * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ * فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ﴾ [(49)].
بيد أنه توجد بعض تفصيلات... كما جاء في حديث عند مسلم في صحيحه : " وَ... عَنْ عَمَّارٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ قَالَ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ « كَمْ أَتَى لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ مَاتَ ». فَـ
قَالَ « مَا كُنْتُ أَحْسِبُ مِثْلَكَ مِنْ قَوْمِهِ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَاكَ ».[(50)]
والشاهد من الحديث في بعض الأمور الفرعية والنقاط التفصيلية القول :
قَالَ قُلْتُ « إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ النَّاسَ فَــ :„ اخْتَلَفُوا ‟ عَلَيَّ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَعْلَمَ قَوْلَكَ فِيهِ » [(51)] .
**
عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ قَالَ : « إِنَّ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدْتُ فِيهِ »
والشاهد من الحديث: « وَأُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ » [(52)].
وبوَّب ابن خزيمة في صحيحه : كتاب الصوم؛ جماع أبواب صوم التطوع؛ بَابُ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إِذِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وُلِدَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ ، وَفِيهِ أُوحِيَ إِلَيْهِ ، وَفِيهِ مَاتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " [(53)]. فجعل يوم المولد مثل يوم أوحي إليه فيه واليوم الذي مات فيه صلوات الله تعالى عليه وسلاماته وبركاته وتنعيماته.
والحديث مروي مرة عن عمر-رضي الله عنه ومرة عن رجل دون ذكر اسمه :
" عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ؟ قَالَ : « يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَيَوْمٌ أَمُوتُ فِيهِ» [(54)] هَذَا حَدِيثُ قَتَادَةَ.
وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يُذْكَرْ عُمَرَ ، وَقَالَ : « فِيهِ وُلِدْتُ ، وَفِيهِ أُوحِيَ إِلَيَّ » [(55)].
وذكر ابن كثير في البداية :" وَقَدْ كَانَ نُزُولُ صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ ، وَهِيَ : ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وَهِيَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا قَرَّرْنَا [ابن كثير في البداية] ذَلِكَ فِي " التَّفْسِيرِ " ، وَكَمَا سَيَأْتِي أَيْضًا فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، فَقَالَ : « ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ وَيَوْمٌ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ » .
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: " وُلِدَ نَبِيُّكُمْ مُحَمَّدٌ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَنُبِّئَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ". [(56)] وَهَكَذَا قَالَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، أُوحِيَ إِلَيْهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَهَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ .[(57)].
ثُمَّ قِيلَ :
كَانَ ذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ أَنَّهُ وُلِدَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِي الثَّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَفِيهِ بُعِثَ ، وَفِيهِ عُرِجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ . وَ
الْمَشْهُورُ [ كما قال صاحب البداية] :" أَنَّهُ بُعِثَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا [(58)].
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ﴾ [(59)] فَقِيلَ : فِي ثَانِي عَشْرِهِ . وَ
رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ. [(60)]
وَقِيلَ : فِي الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ .
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ لَسْتٍ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ ، وَالْإِنْجِيلُ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْقُرْآنُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ . وَ
رَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي " تَفْسِيرِهِ " عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ ، وَلِهَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ [(61)]
قَالَ [(62)]: قَوْلُ الْبُخَارِيِّ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَكَانَ النُّزُولُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَ
قِيلَ: لِتِسْعٍ، وَ
قِيلَ: لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ، وَ
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ لِثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ،
وَ
عِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَ
عِنْدَ ابْنِ إِسْحَاقَ: ابْتِدَاءُ التَّنْزِيلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَعُمْرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَهُوَ تَاسِعُ شُبَاطَ لِسَبْعِ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ عَامًا مِنْ سِنِي ذِي الْقَرْنَيْنِ،
ونقرأ :" فجاء أمينُ الوحي الرسولَ -صلى الله عليه وآله وسلم- لأول مرة في يوم الإثنين ؛ الحادي والعشرين [٢١] من شهر رمضان من العام الأربعين لميلاده بينما كان يتحنث بغار حراء ".
واختلف العلماء في تحديد تاريخ ذلك اليوم ، ورحج المباركفوري في الرحيق أنه اليوم الحادي والعشرون ... وهو ما لم يقل به غيره ؛ حسب علمي المحدود."[(63)] وَ
قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ : يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ مِنَ الْفِيلِ، وَ
قِيلَ: فِي أَوَّلِ رَبِيعٍ، وَ
فِي (تَارِيخِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ الْفَسَوِيِّ): عَلَى رَأْسِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ بُنْيَانِ الْكَعْبَةِ، وَ
عَنْ مَكْحُولٍ: أُوحِيَ إِلَيْهِ بَعْدَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ، وَالدُّولَابِيُّ فِي (تَارِيخِهِ): نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ، قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، وَ
عِنْدَ الْحَاكِمِ مُصَحَّحًا: إِنَّ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُكِّلَ بِهِ أَوَّلًا ثَلَاثَ سِنِينَ قَبْلَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْوَاقِدِيُّ وَقَالَ: أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ وُكِّلَ بِهِ غَيْرُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَزَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ إِسْرَافِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وُكِّلَ بِهِ تَدَرُّبًا وَتَدْرِيجًا لِجِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا كَانَ أَوَّلَ نُبُوَّتِهِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ. [(64)]
والأمانةُ العلمية الزمتني عرض ما قيل!!.. أما



* . ] خلاصة البحث:

فـ أعتمد أن أولَ ما بدء به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم ؛ فعلى رأس الأربعين [(65)] في اليوم الموفي الثاني عشر من ربيع الأول يوم الإثنين [(66)] بينما هو نائم إذ اتاه جبريل بنمط من ديباج مكتوب فيه { اقرأ باسم ربك الذي خلق } إلى قوله {ما لم يعلم} .
ونكمل هذه المسألة في فصل مستقل تحت عنوان:" أول ما نزل من القرآن الكريم علىٰ قلب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
٤. ] بحوث المجلد الرابع: 《...زَمَانُ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》-صلى الله عليه وآله وسلم-
مقدمة الرسالة المحمَّدية وارهاصات البعثة الأحمَّدية.
تشرف بمراجعة وقراءة وكتابة هذا الفصل من المجلد الرابع :
د. مُحَمَّدٌ الرَّمَادِيُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 12 / 2020, 30 : 08 PM
أَوَّلِ « „ مَا نَزَلَ عَلَيْه‟ »
-صلى الله عليه وسلم-





تمهيدٌ لـــ معرفة أول ما نزل...

التعبير عن تلقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للقرآن بنزوله عليه.. يشعر بقوة يلمسها المرء في تصور كل هبوط من أعلىٰ . ذٰلك لعلو منزلة القرآن وعظمة تعاليمه التي حولت مجرىٰ حياة البشرية وأحدثت فيها تغيرا ربط السماء بالأرض ، ووصل الدنيا بالآخرة ، ومعرفة تاريخ التشريع الإسلامي من مصدره الأول والأصيل -وهو القرآن الكريم.. الذكر الحكيم- تعطي الدارس صورة عن الانتقال [وليس التدرج؛ كما يقرأ في أدبيات بعضهم(!)] في الأحكام ومناسبة كل حكم للحالة التي نزل فيها دون تعارض بين السابق واللاحق ، وقد تناول هذا أول ما نزل من القرآن على الإطلاق وآخر ما نزل على الإطلاق ، كما تناول أول ما نزل وآخر ما نزل في كل تشريع من تعاليم الإسلام ، كالأطعمة ، والأشربة ، والقتال... ونحو ذلك . وللعلماء في أول ما نزل من القرآن على الإطلاق ، وآخر ما نزل كذلك أقوال ...". [(67)]
ومبحث :" نزول القرآن:" مهم في علوم القرآن بل هو أهم مباحثه جميعاً لأن العلم بنزول القرآن أساس للإيمان بالقرآن وأنه كلام الله وأساس للتصديق بنبوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأن الإسلامَ حقٌ ثم هو أصل لسائر المباحث في علوم القرآن.. فلا جرم أن يتصدرها جمعاء ليكون مِن تقريره وتحقيقه سبيل إلىٰ تقريرها وتحقيقها.. وإلا فكيف يقوم البناء علىٰ غير أساس ودعائم ولأجل الإحاطة بهذا المطلب العزيز يجب الــ -تكلم- إن شاء الله علىٰ معنىٰ نزول القرآن ثم علىٰ مرات هذا النزول ودليل كل نزول وكيفيته وحكمته ثم علىٰ الوحي وأدلته العقلية والعلمية مع دفع الشبهات الواردة في ذلك المقام"...
... هذا ما خطه بيمينه الشيخ الأستاذ المعلم محمد عبدالعظيم الزُرقاني في عام 1943م...
و
قلتُ (الرمادي) :وهذه البحوث -على أهميتها- ستخرجنا إلىٰ بحوث علوم القرآن ؛ الحديث هنا عن فرع واحد فقط منها لذا أحيلُ القارئ -تفضلا وتكرماً- إلىٰ مصادر هامة -لمن أراد المزيد- إلىٰ ما كتبه الزركشي أو السيوطي.
-*-*-
مبحث فِي مَبْعَثِهِ[(68)] -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ - وَأَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْهِ:
بَعَثَهُ اللَّهُ -سبحانه في علاه وعلا في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ رَأْسِ أَرْبَعِينَ[(69)]وَهِيَ سِنُّ الْكَمَالِ(!) . وَ
أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ :" الرُّؤْيَا " ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. [(70)]



قِيلَ : وَكَانَ ذَلِكَ سِتَّةَ[(71)] أَشْهُرٍ ، وَمُدَّةُ النُّبُوَّةِ[(72)] ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً[(73)]، فَهَذِهِ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقلت (الرمادي) هذه المسألة تحتاج إلى إعادة نظر وبحث!!.



ثُمَّ
أَكْرَمَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالنُّبُوَّةِ ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ وَهُوَ بِغَارِ حِرَاءٍ، وَكَانَ يُحِبُّ الْخَلْوَةَ فِيهِ...
وأتوقف قليلاً لإثبات حال يحتاج إلىٰ إلقاء اضواء عليه :
١ .] الحال الأول :" قَدْ كَانَ نَبِيُّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يَرَى ضَوْءًا وَيَسْمَعُ صَوْتًا ، وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ الْحَجَرُ وَالشَّجَرُ وَتُنَادِيهِ بِالنُّبُوَّةِ ، وَهَذِهِ أُمُورٌ ابْتُدِئَ بِهَا تَدْرِيجِيًّا لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنُّبُوَّةِ ، وَاسْتِلْطَافًا لَهُ ؛ لِئَلَّا يَفْجَأَهُ صَرِيحُ الْوَحْيِ ،وَيَبْغَتَهُ الْمَلَكُ ، فَلَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ قُوَّتُهُ الْبَشَرِيَّةُ ."[(74)]
٢ . ] الحال الثاني :" السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ أَكْثَرُ إِيجَازًا ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا هُمْ أَبْلَغُ الْعَرَبِ وَأَفْصَحُهُمْ ، وَعَلَىٰ الْإِيجَازِ مَدَارُ الْبَلَاغَةِ عِنْدَهُمْ ، ثُمَّ إِنَّ مُعْظَمَهَا تَنْبِيهَاتٌ وَزَوَاجِرُ وَبَيَانٌ لِأُصُولِ الدِّينِ بِالْإِجْمَالِ .
٢ . ١. ] أُسْلُوبُ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ: إِنَّ أَكْثَرَ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ - لَا سِيَّمَا - الْمُنَزَّلَةُ فِي أَوَائِلِ الْبِعْثَةِ قَوَارِعُ تَصُخُّ الْجَنَانَ ، وَتَصْدَعُ الْوِجْدَانَ ، وَتُفْزِعُ الْقُلُوبَ إِلَىٰ اسْتِشْعَارِ الْخَوْفِ ،وَتَدُعُّ الْعُقُولَ إِلَىٰ إِطَالَةِ الْفِكْرِ فِي الْخَطْبَيْنِ الْغَائِبِ وَالْعَتِيدِ ، وَالْخَطَرَيْنِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ ، وَهُمَا عَذَابُ الدُّنْيَا بِالْإِبَادَةِ وَالِاسْتِئْصَالِ ، أَوِ الْفَتْحُ الذَّاهِبُ بِالِاسْتِقْلَالِ ، وَعَذَابُ الْآخِرَةِ وَهُوَ أَشَدُّ وَأَقْوَىٰ ، وَأَنْكَىٰ وَأَخْزَىٰ - بِكُلٍّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ أَنْذَرَتِ السُّوَرُ الْمَكِّيَّةُ أُولَئِكَ الْمُخَاطَبِينَ إِذْ أَصَرُّوا عَلَىٰ شِرْكِهِمْ ، وَلَمْ يَرْجِعُوا بِدَعْوَةِ الْإِسْلَامِ عَنْ ضَلَالِهِمْ وَإِفْكِهِمْ ، وَيَأْخُذُوا بِتِلْكَ الْأُصُولِ الْمُجْمَلَةِ ، الَّتِي هِيَ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ السَّهْلَةُ، وَلَيْسَتْ بِالشَّيْءِ الَّذِي يُنْكِرُهُ الْعَقْلُ ، أَوْ يَسْتَثْقِلُهُ الطَّبْعُ ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَقْلِيدُ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ ، يَصْرِفُ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ الْهُدَى وَالرَّشَادِ . رَاجِعْ تِلْكَ السُّوَرَ الْعَزِيزَةَ ، وَلَا سِيَّمَا قِصَارُ الْمُفَصَّلِ مِنْهَا كَـ
( الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ) ، وَ
( الْقَارِعَةُ مَا الْقَارِعَةُ ) ، وَ
( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) ، وَ
( إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ) ، وَ
( إِذَا السَّمَاءُانْفَطَرَتْ ) ، وَ ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) ، وَ
( إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ) ،
( وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) ، ( وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ) ، ( وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ) .[(75)]
تِلْكَ السُّوَرُ الَّتِي كَانَتْ بِنَذْرِهَا ، وَفَهْمِ الْقَوْمِ لِبَلَاغَتِهَا وَعِبَرِهَا ، وَتَفَزُّعِهِمْ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، حَتَّىٰ يَفِرُّوا مِنَ الدَّاعِي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَانٍ إِلَىٰ مَكَانٍ ( كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)[(76)]- ( أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَايُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ )[(77)] ثُمَّ إِلَىٰ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ الطِّوَالِ ، فَلَا نَجِدُهَا تَخْرُجُ فِي الْأَوَامِرِوَالنَّوَاهِي عَنْ حَدِّ الْإِجْمَالِ ، كَقَوْلِهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) [(78)] ، وَقَوْلِهِ بَعْدَ إِبَاحَةِ الزِّينَةِ وَإِنْكَارِ تَحْرِيمِ الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَىٰ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) "[(79)]
... فَأَوَّلُ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) [(80)] هَذَا قَوْلُ -أم المؤمنين ؛ زوج النبي؛ بنت أبي بكر الصديق- عائشة[(81)] وَالْجُمْهُورِ[(82)] .
وَهَذَا أَوَّلُ مُصْحَفِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جَعَلَ فِي أَوَّلِهِ : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ).[(83)]
بيد أنه قَدْ جَاءَ مَا يُعَارِضُ هَذَا ، فَفِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ " عَنْ جَابِرٍ -بن عبدالله- : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ... ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )[(84)]
وَ
الصَّحِيحُ قَوْلُ عائشة لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ :مَا أَنَا بِقَارِئٍ ، صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ قَبْلَ ذَلِكَ شَيْئًا .
الثَّانِي : الْأَمْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي التَّرْتِيبِ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْإِنْذَارِ ، فَإِنَّهُ إِذَا قَرَأَ فِي نَفْسِهِ أُنْذِرَ بِمَا قَرَأَهُ ، فَأَمَرَهُ بِالْقِرَاءَةِ أَوَّلًا ، ثُمَّ بِالْإِنْذَارِ بِمَا قَرَأَهُ ثَانِيًا[(85)].
الثَّالِثُ : أَنَّ حَدِيثَ جابر[(86)]، وَقَوْلَهُ : أَوَّلُ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)[(87)]-هذا- قَوْلُ جابر[(88)] ، وعائشة أَخْبَرَتْ عَنْ خَبَرِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ[(89)]
الرَّابِعُ : أَنَّ حَدِيثَ جابر الَّذِي احْتَجَّ بِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ نُزُولُ الْمَلَكِ عَلَيْهِ أَوَّلًا قَبْلَ نُزُولِ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ )[(90)] فَإِنَّهُ قَالَ :فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ ، فَرَجَعْتُ إِلَىٰ أَهْلِي فَقُلْتُ : " زَمِّلُونِي... دَثِّرُونِي " ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَهُ بِحِرَاءٍ أَنْزَلَ عَلَيْهِ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) فَدَلَّ حَدِيثُ جابر عَلَىٰ تَأَخُّرِ نُزُولِ ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَتِهِ لَا فِي رَأْيِهِ[(91)] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ".
و
نتمم البحث بما :"ذَكَرَه الْحَافِظُ السَّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ... إذ ذَكَرَ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ فِي أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ:
أَحَدُهَا : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ( 96 ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.
ثَانِيهَا: ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ( 74 ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ.
وَجَمَعُوا بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَىٰ الْإِطْلَاقِ ،وَهُوَ صَدْرُ سُورَةِ اقْرَأْ . وَالثَّانِي أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بِتَمَامِهَا ،
أَوِ
الثَّانِي أَوَّلُ مَا نَزَلَ بَعْدَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ آمِرًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ . وَقِيلَ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا فِي" الْإِتْقَانِ".
ثَالِثُهَا : سُورَةُالْفَاتِحَةِ ، قَالَ فِي الْكَشَّافِ : ذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ إِلَىٰ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ ( اقْرَأْ ) وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَىٰ أَنَّ أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ ( قَالَ السُّيُوطِيُّ ) : وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ هُوَ الْأَوَّلُ . وَأَمَّا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَىٰ الْأَكْثَرِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا عَدَدٌ أَقَلُّ مِنَ الْقَلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَىٰ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ . وَحُجَّتُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي "الدَّلَائِلِ " وَالْوَاحِدِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِخَدِيجَةَ:" إِنِّي إِذَا خَلَوْتُ وَحْدِي سَمِعْتُ نِدَاءً ، فَقَدْ وَاللَّهِ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَمْرًا " .
فَقَالَتْ : " مَعَاذَ اللَّهِ ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيَفْعَلَ بِكَ ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ" - ...
وَ
فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخْبَرَ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ بِذَلِكَ ، وَأَنَّ وَرَقَةً أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَثْبُتَ وَيَسْمَعَ النِّدَاءَ ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا خَلَا نَادَاهُ - أَيِ الْمَلَكُ - " يَا مُحَمَّدُ قُلْ : ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)- حَتَّى بَلَغَ - ( وَلَا الضَّالِّينَ ) ... قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْحَدِيثِ : " هَذَا مُرْسَلٌ، رِجَالُهُ ثِقَاتٌ ، وَنَقَلَ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ احْتِمَالَ أَنَّ هَذَا بَعْدَ نُزُولِ صَدْرِ ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ).



هَذَا - وَأَمَّا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ -محمد عبده- فَقَدْ رَجَّحَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ عَلَىٰ الْإِطْلَاقِ ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ قَوْلَهُ تَعَالَى : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ )... واستدرك صاحب المنار بالقول :" وَنَزَعَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَىٰ ذَلِكَ مَنْزَعًا غَرِيبًا فِي حِكْمَةِ الْقُرْآنِ وَفِقْهِ الدِّينِ فَقَالَ مَا مِثَالُهُ ... ".[(92)]
وقد بحثتُ المسألة هذه في فصل:" مرحلة النبوة ".[علىٰ صفحات موقع :" أهل العلم " فالرجاء مع الشكر مراجعته]. فالرجاء يراجع في موضعه.. والحمد لله رب العالمين!. "
-*-*-
ثم
وجدتُ مَن حاول -يائسا- أن يطعن في المسألة؛ ويبخر حولها ؛ لذا رايتُ -ومِن الله تعالىٰ ذكره- التوفيق والصلاح أن أجعل هذه المسألة ضمن شبهات حول القرآن العظيم والذكر الحكيم ؛ وهو ملحق في نهاية البحوث... فاللهم نرجو منك في علاك التوفيق والهداية.
-*-*-
وثبت في صحيح الإمامين البخاري ومسلم “ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ؛ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْوَحْيِ : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ . ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِيَ أُولَاتِ الْعَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا ...حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ ،فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : اقْرَأْ ، قَالَ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ :فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ،فَقَالَ : اقْرَأْ . فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ،فَقَالَ : اقْرَأْ ، فَقُلْتُ : مَا أَنَا بِقَارِئٍ . قَالَ : فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي ، فَقَالَ : اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [(93)] . فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ ، فَقَالَ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي . فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، ثُمَّ قَالَ لِخَدِيجَةَ : أَيْ خَدِيجَةُ ! مَا لِي ؟ .. وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ ، فَقَالَ :لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : كَلَّا ! أَبْشِرْ ، فَوَاللَّهِ ! لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا . وَاللَّهِ ! إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ .فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى- وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ ، وَيَكْتُبُ مِنَ الْإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ - ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : أَيْ عَمِّ ! اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ . قَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ : يَا ابْنَ أَخِي! مَاذَا تَرَى ؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَبَرَ مَا رَآهُ ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ، يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ ؟ قَالَ وَرَقَةُ : نَعَمْ ! لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا[(94)] .
وَفِي رِوَايَةٍ : فَوَاللَّهِ! لَا يُحْزِنُكَ اللَّهُ أَبَدًا. ”
وعليه فـــ :" أَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّ أَوَّلَ مَا نَزَلَ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ )، وَيَدُلُّ عَلَيْهِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا"[(94)].وقد ذكرتُ قولها قريباً...
و
أختم هذا البحث بمقدمات في مسائل أول ما نزل من القرآن
قاعدة البحث في مسائل أوّل مانزل:
فقال محمد بن عبدالعظيم الزُرقاني (ت: 1367هـ): ( مدار هذا المبحث علىٰ النقل والتوقيف. ولا مجال للعقل فيه إلا بالترجيح بين الأدلة أو الجمع بينها فيما ظاهره التعارض منها[(95)]
وذكر الإمام عبدالله بن محمد بن أبي شيبة: في مصنفه قولاً واحداً " عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : هِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ نَزَلَتْ :" اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ " ، ثُمَّ نُونٌ .
كما ذكر ابن أبي شيبة قولا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ : سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ ثُمَّ نُونٌ.
وذكر عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ: أَخَذْت مِنْ أَبِي مُوسَى اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك الَّذِي خَلَقَ وَهِيَ أَوَّلُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . [(96)] ".
-*-*-*-*-*-*-
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مقدمة الرسالة المحمَّدية وارهاصات البعثةالأحمَّدية :
٤. ] بحوث المجلد الرابع: 《...زَمَانُ آخِرِ نَبِيٍّ يُبْعَثُ..》 -صلى الله عليه وآله وسلم -
تشرف بمراجعة وقراءة وكتابة هذا الفصل من المجلد الرابع :
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
المراجع والمصادر والهوامش تجدها في نهاية البحوث؛ إن شاء الله تعالىٰ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 12 / 2020, 31 : 08 PM
[ ٧٣ ] : " بدايات ﴿ „ البعثة المحمدية ‟ ﴾
تمهيد :
بعد أن عشنا - سوياً : أنت كمتابع وناقد ؛ وأنا كباحث وكاتب - في الصفحات النيرات السابقات عن بدايات السيرة المحمدية العطرة منذ أن حُرِّرَت في يوم الإثنين ١٨ ربيع الأول ١٤٣٩ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق ٦ من شهر ديسمبر عام ٢٠١٧ من الميلاد العجيب للسيد المسيح عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول -عليهما السلام- [(97)]. فنشرت علىٰ موقع أهل العلم...
خلال تلك الفترة الزمنية عشنا مع تلك الصفحات التي كتبت بحروف مِن ذهب علىٰ صفائح من الفضة : عشنا مع :
- مقدمات ؛ و
- ارهاصات مجئ خاتم الأنبياء ؛ و
- قدوم آخر المرسلين منذ عهد أبي البشر وأول الأنبياء سيدنا آدم -عليه السلام- مروراً بأبي الأنبياء الخليل وصولا إلىٰ الرسول المعجزة ابن مريم العذراء الزهراء البتول -عليهم الصلاة والسلام-...
ثم
- تحقيق نسب هذا النبي المنتظر ، فــ
- ميلاده الكريم المرتقب ، فــ
- أخبار زمن طفولته ، فــ
- أحداث أيام شبابه ... فــ
- سنوات حياته قبل البعثة الهادية لأفضل السبل والرسالة الخالدة لإصلاح حال البشرية ؛ والتي نوَّر الله -تعالى في سماه وتقدست اسماه- بمنهاجها الصالح دروب الإنسانية في كل زمان ومكان ، وتأصيل طراز حياتها الموافق لبني آدم وبناته عبر الدهور والأزمان ...

-**-
وما نُشِرَ هي قراءتي الأولىٰ لجزء تمهيدي أساسي مع تلك الرحلة الضرورية ، وهي فصلٌ أصيل جوهري من السيرة المحمدية العطرة -وبالقطع - يحتاج هذا الفصل لإعادة مراجعة مع تدقيق وتحقيق ؛ ولربما إضافة وإعادة تحرير مع توثيق ؛ فكما جرىٰ العرف عند الكُتَّاب - وإني دونهم - فهم يقولون عن باكورة عملهم أنه (الطبعة الأولىٰ) ؛ وفي حالتنا : (النَشر الأول ) لبحوث السيرة النبوية العطرة ؛ وقد تكرم مدير (موقع أهل العلم ) بتثبيت الصفحة ... فجزاه الله -تعالى- عني كل الخير الجزيل وحفظه وأهله من الوباء اللعين وأطال في عمره لنفع الأمة الإسلامية...
والغالب.. إذا أُكرمت ببعض الوقت في عمري -رغبة مني- فالأجل بيده وحده -سبحانه وتعالى- ... أقول : الغالب أن يتم إعادة قراءة ما خطته يميني ، إما لتصحيح أخطاء في الفهم أو سوء إدراك لحدث أو عدم دقة في ترتيب الأبواب وحسن السرد أو حجبت معلومة أو فكرة غابت عند النظر والإستدلال أو خلط في إعمال الفكر إثناء التحضير الأول ... أو أخطاء في كتابة الجملة أو خطأ في النحو أو فساد في البلاغة ، ثم تأتي خطوة هامة - أريدها - وهي القيام بترجمة البحوث للُغة دولة جمهورية الالب التي يرويها الدانوب الأزرق نهار مساء والتي بدأت منها بذور كتابة السيرة النبوية العطرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِوَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَآلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً- ...
*-*--
قلتُ(الرمادي) عشنا مع مقدمات وارهاصات مجئ نبي آخر الزمان .. وسوف نتعايش - منذ الأن وصاعدا - مقدمات وبدايات أحداث البعثة المحمدية الخاتمة لرسالة السماء إلىٰ البشرية جمعاء ... .
ثم ... سنتواجد تعايشا وعلما وارجو أن يكون سلوكا وتطبيقا مع مراحل البعثة المحمدية الأساسية والمحورية أو ما أُطلق عليه :
- بـ العهد المكي ومفاصله المتممة له وإنتقاله من دور إلى دور آخر ؛ ومن محور إلى محور و
- العهد المدنية وأحداثه ؛ ثم
- مرحلة إنشاء الكيان - المجتمع - الإسلامي الأول و
- كيفية الإنتقال بين مفاصل المرحلة الأولى إلى الثانية فالثالثة إنتقالا سلسا مع إلقاء اضواء على المحاور ثم
- إحكام الروابط المفصلية خلال كل فترة إنزال الوحي وحياة وعمر البعثة المحمدية وسنين الرسالة الأحمدية لننتقل إلى كيفية بناء صرح الكيان - المجتمع - الإسلامي الأول بمدينته المنورة ...
وهذه المراحل وتلك المحاور والمفاصل غابت أو كادت تغيب عن مَن تقدم ببرنامج إصلاح إما سهوا وإما جهلا ... وصار الإسلام عند الغالبية طقوسا كهنوتية وشعائر روحية ومناسبات سنوية!!.



تنبيه:

وهنا ينبغي أن اركز على ملاحظة ألا وهي :
مرت الأمة الإسلامية في كافة عصورها بمراحل ضعف وفي بعض أزمانها بفترات إنكسار ولكنها ظلت باقية لأنها كانت واعية وعيا إدراكيا كاملا ومتمسكة بـ ﴿ „ أساس ”﴾ وجودها و ﴿ „ جوهر ”﴾ قيامها و ﴿ „ عماد ”﴾ كيانها و ﴿ „ عمود ”﴾ حامل فسطاطها ألا وهو الكلمة التي رفضت صناديد قريش وكبراؤها- في بدايات مرحلة الفترة المكية من الرسالة المحمدية والبعثة الأحمدية - أمام أبي طالب في بيته وهو على فراش مرضه أن يتفوهوا بها ؛ وهي الكلمة التي عبَّر عنها الرسول الكريم بقوله ﴿ „ تدين بها العرب لقريش ”﴾ و ﴿ „ بها تدفع العجم الجزية لهم”﴾ [(98)] ... وهذا تعبير محمدي بليغ يضرب على وتر حساس عند القوم يخاطب به ما تَمَلَك في صميم قلب قبيلة قريش من حب السيادة ... فهم سادة مكة وكبراؤها والتي قابع في حضنها البيت الحرام ... وهم - وهي الثانية - يخاطب الذين يملكون المال برحلة الشتاء ورحلة الصيف والتي ذكرهما القرآن الكريم ؛ فهم رفضوا قول ﴿ „ لا إله الا الله ”﴾ [(99)] وهي توأم كلمة الشهادة ... بمعنى أن الآمر -سبحانه-والناهي -تعالى- هو منزل وحي السماء إذ يأتي بعدها ﴿ „ محمد رسول الله ”﴾ [(100)] .... فتمتزجا معا بقوله : ﴿ „يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ”﴾ ﴿ „ أَطِيعُواْ اللّهَ ”﴾ ﴿ „ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ ... ”﴾ [(101)] خاطب الرسول الكريم مَن استحوذ على المُلك وبيده السيادة كما خاطب النبي الأعظم مَن يملكون المال وبأيديهم الجاه... فرفضوا ﴿ „وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ”﴾ ﴿ „ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب ”﴾ ... ثم تساءلوا فقالوا : ﴿ „ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ”﴾ ثم تعجبوا فنظر بعضهم لبعض وهم يقولون ﴿ „ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب ”﴾ [(102)]







... ندخل العام الثاني عشر[(103)] 《 ١٢ ق. هـ. 》 قبل الهجرة المباركة ليثرب والتي سُميت بمدينته المنورة التي طيَّب الله - تعالى - ثراها بمرقده في غرفة السيدة صاحبة الفقة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر بجوار صاحبيه ؛ وزيره الأول - الصديق - عبدالله بن ابي قحافة .. والثاني - الفاروق - عمر بن الخطاب العدوي في الأرض[(104)] ؛ وخليفته الأول والثاني[(105)] رضي الله تعالى عنهم أجمعين- في إدارة إصلاح الأمة وصلاح شؤون الكيان - المجتمع - الإسلامي الثاني[(106)] بعد إنتقاله [ﷺ] إلى الرفيق الأعلى وهو العام الموافق 《٦١٠ من الميلاد العجيب للسيد المسيح عيسى ابن العذراء الزهراء البتول مريم أبنت عمران -عليهما السلام 》[(107)]





-*-*-









(*) منذ أكثر من [1440*١٤٤٠] عاماً حان قدوم بعثة رسول ومجئ رسالة نبي هو دعوة[(108)] أبي الأنبياء الخليل 《إبراهيم》 وابنه الذبيح 《إسماعيل》 مِن 《هاجر[(109)]》 -عليهم سلام الله وبركاته ورحماته- المِصرية ابنة سلالة الملوك...
(*) وآن مجئ رسول عَلمَ أهل الكتاب مِن أحبار اليهود[(110)] بقرب بزوغ فجر رسالته ... وكانوا ينتظرونه ...
(*) وبشر[(111)]برسالته كلمةُ الله وروح منه ورسوله المعجزة 《 المسيح عيسى》 ابن 《مريم》 أبنت 《عمران》 الزهراء العذراء البتول -عليهما من الله تعالى السلام- ؛ فقال رهبان النصارى[(112)] بما قال به سيدهم ... 《 .. ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد 》 وتقرأ هذا في مواضع[(113)] متعددة ومتفرقة من اسفار الإنجيل ؛ العهد الجديد ؛ وخاصة في إنجيل برنابا[(114)] ؛ وهو غير معترف به.
(*) وأخبر كهان العرب[(115)] بما لديهم من قرين ينقل لهم أخبار ؛ كما جاء في العديد من المصادر الدينية السماوية أو الوضعية الأرضية[(116)]...
(*) في هذا المناخ العام بما فيه ؛ وفي هذا الوسط العقائدي والديني والفكري والإجتماعي والسياسي والاقتصادي انتظر الناس قدومه 《 صلى الله عليه وآله وسلم》؛ بيد أنه لم يكن التهيؤ لرسالته ؛ والاستعداد لنبوته ؛ والتأهيل لبعثته بالقدر الكافي الذي سيسهل مهمته السماوية...
(*) فعرب الجزيرة ركنوا لعبادة الأوثان .. واسترحام الأصنام ؛ وإن كانوا يدعون أنهم على بقايا دين الخليل إبراهيم - عليه السلام -؛ وقد يبدو المشهد العام كأنه خليط من العادات المتوارثة والأفكار الفاسدة والتقاليد البالية مُزجت برغبات دونية لبشر أهمهم إشباع جوعة البطن وجوعة الفرج وإشباع حاجاتهم الغريزية...
(*) واليهود- خاصةً أحبارهم - صدموا بأن الذي جاء ليس من نسل موسىٰ فضاعت عليهم النبوة ؛ كما أنه ليس من نسل أخيه هارون فضاع عليهم المُلك[(117)] ، وهما - النبوة والمُلك -لهما بريق الذهب الخالص في أعين الناس فيقتل الأخ أخاه ويستولي الابن على ميراث ابيه...
(*) علماء النصارى وأحبارهم علموا بمجيئه ؛ فتسمع ما حدث في الحبشة زمن حكم النجاشي[(118)]... ثم تسمع ما قاله القس ورقة بن نوفل[(119)]...
(*) مايهم هنا شهادة أهل العلم ورجال التخصص :
(*) فقد تكلم مَن تبحر في النصرانية وعلم بكتابها فتمكن من ترجمة النص من لغته الأم إلى لغة العرب[(120)]...
استمع إليه 《 ورقة بن نوفل 》 ماذا قال!!؟.
(*) بيد أن هذا المشهد يتطلب مقدمة:
(*) فـمِنْ مُعْجِزَاتِهِ 《 * 》 الْأُوَلِ "..نقرأ حين يخبرنا أنه [ﷺ] كان الحجر والشجر يسلم عليه ...
- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: " عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَهُ اللَّهُ بِكَرَامَتِهِ ، وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ ، كَانَ إذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ أَبْعَدَ حَتَّى تَحَسَّرَ عَنْهُ الْبُيُوتُ وَيُفْضِي إلَى شِعَابِ مَكَّةَ وَبُطُونِ أَوْدِيَتِهَا ، فَلَا يَمُرُّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إلَّا قَالَ : 《 السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ 》. فَيَلْتَفِتُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-حَوْلَهُ و َعَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَخَلْفِهِ ، فَلَا يَرَى إلَّا الشَّجَرَ وَالْحِجَارَةَ . فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَذَلِكَ يَرَى وَيَسْمَعُ ، مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَ ، ثُمَّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِمَا جَاءَهُ مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ ، وَهُوَ بِحِرَاءٍ فِي شَهْرِ 《رَمَضَانَ 》[(121)]. "
و
مِنْ مُعْجِزَاتِهِ الْأُوَلِ :"
- عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ وَابْتَدَأَهُ بِالنُّبُوَّةِ ، كَانَ لَا يَمُرُّ 《 بِحَجَرٍ وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ وَسَمِعَ مِنْهُ 》، وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَى حِرَاءٍ فِي كُلِّ عَامٍ شَهْرًا مِنَ السَّنَةِ يَنْسَكُ فِيهِ .
- وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- 》 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَث َ《 . [(122)].
- وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ ،فَخَرَجَ فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا ، فَمَا اسْتَقْبَلَهُ شَجَرٌ وَلَا جَبَلٌ إِلَّا قَالَ :《السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ 》 [(123)].
و مِنْ مُعْجِزَاتِهِ الْأُوَلِ :"
- وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ ، قَدْ خَضَّبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ ،
قَالَ : " مَا لَكَ؟ ".
قَالَ : « خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا »،
قَالَ :" تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟ ".
قَالَ : « نَعَمْ » .
قَالَ: " ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ " . فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
قَالَ : " مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَى مَكَانِهَا " .
قَالَ: « ارْجِعِي إِلَى مَكَانِكِ »... فَرَجَعَتْ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « حَسْبِي » [(124)]





(*)فحين سمع محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب القرشي العدناني المكي مَن يخاطبه من السماء يقول له :" أنت رسول الله وأنا المَلَك جبريل"
قال ابن إسحاق :"قَالَ : « فَخَرَجْتُ [مِن حِرَاءٍ] حَتَّى إذَا كُنْتُ فِي وَسَطٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ يَقُولُ : " يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ "؛
قَالَ : « فَرَفَعْتُ رَأْسِي إلَى السَّمَاءِ أَنْظُرُ ، فَإِذَا جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ صَافٍّ قَدَمَيْهِ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَقُولُ : " يَا مُحَمَّدُ ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ." ».
قَالَ : « فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَمَا أَتَقَدَّمُ وَمَا أَتَأَخَّرُ ، وَجَعَلْتُ أَصْرِفُ وَجْهِي عَنْهُ فِي آفَاقِ السَّمَاءِ ، قَالَ : فَلَا أَنْظُرُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهَا إلَّا رَأَيْتُهُ كَذَلِكَ ، فَمَا زِلْتُ وَاقِفًا مَا أَتَقَدَّمُ أَمَامِي وَمَا أَرْجِعُ وَرَائِي حَتَّى بَعَثَتْ خَدِيجَةُ رُسُلَهَا فِي طَلَبِي ، فَبَلَغُوا أَعْلَى مَكَّةَ وَرَجَعُوا إلَيْهَا وَأَنَا وَاقِفٌ فِي مَكَانِي ذَلِكَ ؛ ثُمَّ انْصَرَفَ عَنِّي ». [(125)]
(*) ... نزل عليه المَلك في غار حراء حينها ...
فنتساءل : " أين ذهب !؟"...
(*) ذهب إلى صاحبة العقل الراجح والفكر المستنير ... ذهب إلى خاصةِ أهلة ﴿ „ الزوج ”﴾ ﴿ „ خديجة ”﴾ وهي المرأةُ الأولى والوحيدة في شبابه وكهولته ... وهو الذي سيصبح رسول رب العالمين للثقلين مجتمعين... وخاتم السادة النجباء المرسلين من خالق السموات والأرضين والخلائق أجمعين ومتمم المبتعثين ...
ونلاحظ في هذه الجزئية الهامة واللحظة الأولى من المخاطبة المباشرة بين إنسان وبين مَلَك تمثل له بصورة يتمكن الإنسان من رؤيته وهذه لا تحدث إلا فقط للأنبياء والرسل ... وهنا ينبغي ملاحظة أن هناك من الكائنات المخلوقة ذات طبيعة خاصة تختلف عن الطبيعة البشرية الآدمية كالملآئكة والجن والشياطين لا يتمثلون إلا مَن أذن له الرحمن كقصة سيدنا سليمان مع بلقيس ...
نكمل فهو [ﷺ] لم يذهب في هذه الحالة الحرجة إلى عمه الذي رباه سنوات مِن بعد موت جده عبدالمطلب ؛ كما لم يذهب إلى صديقه أبي بكر ... بل ذهب لامرأته...

واتساءل: اين نساء الأمة الإسلامية !.؟.؟.


﴿ „ تنبيه ”﴾
- ويجب أن أنبه هنا إلى مسألة يعاني منها الكثير :
ففي الطبيعة البشرية : يوجد حاجات عضوية [مثل: التنفس ؛ والنوم ؛ وإخراج الفضلات] تتطلب إشباعا حتميا وإلا مات الإنسان ، وهناك مظاهر للغريزة تتطلب إشباع غير حتمي [مثل : ميل الذكر للأنثى والعكس...الأمومة... الأبوة.. ] ... إذاً الذكر يحتاج إلى أنثى ؛ ولكن يجب أن يكون هذا الذكر رجلاً ،فإذا كان - فقط - ذكر دون رجولة ... إذاً فحديثي عن اهتمامات ذكر ضئيلة ورغبات تؤرقه ... بيد أن الرجل والذي يملك فحولة الرجولة يحتاج إلى امرأة تمتلك أنوثة كاملة وعقل وفهم إدراك وليس موضع يهدئه للحظات ... والفارق بين أنثى وامرأة كبير كما أن الفارق أيضا كبير بين ذكر ورجل!!. والقراءة التشريعية والقراءة المنهجية والفهم المستنير السلوكي لقوله تعالى : ﴿ „ وَمِنْ آيَاتِهِ ”﴾ أي من علامات وبراهين ودلائل وجوده الأبدي الأزلي ؛ فيأتي بمثال : ﴿ „ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا ”﴾ ثم يبين مستوى العلاقة ﴿ „ لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم ”﴾ وهذا أولاً ؛ ﴿ „ مَّوَدَّةً ”﴾ وهذا ثانياً ؛ وَ ﴿ „رَحْمَةً ”﴾ وهذا ثالثا ﴿ „ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ ”﴾ ثم يعود النص القرآني الكريم للتذكير بدلائل وبراهين الخلق والإبداع والتصوير ﴿ „ يَتَفَكَّرُون”﴾ فينهي النص القرآني الآية الكريمة بالقوى العاقلة عند الإنسان [(126)] .
(*) وننتقل إلى الموقف الثاني في بدايات البعثة ؛ فــ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُصُّ عَلَى خَدِيجَةَ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ جِبْرِيلَ مَعَهُ [(127)]
... « وَانْصَرَفْتُ [ الحديث عن رسول الله محمد ] رَاجِعًا إلَى أَهْلِي حَتَّى أَتَيْتُ خَدِيجَةَ فَجَلَسْتُ إلَى فَخِذِهَا مُضِيفًا إلَيْهَا : فَقَالَتْ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ ، أَيْنَ كُنْتَ؟ فَوَاَللَّهِ لَقَدْ بَعَثَتْ رُسُلِي فِي طَلَبكَ حَتَّى بَلَغُوا مَكَّةَ ؛ وَرَجَعُوا لِي »...
ثم يكمل صلوات الله وسلامه عليه : ثُمَّ «حَدَّثْتهَا بِاَلَّذِي رَأَيْتُ »، فَقَالَتْ : أَبْشِرْ يَا ابْنَ عَمِّ وَاثْبُتْ ، فَوَاَلَّذِي نَفْسُ خَدِيجَةَ بِيَدِهِ إنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ نَبِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ". [(128)]
(*) هنا في هذه الرواية تخبرنا أم المؤمنين السيدة خديجة بما كنتُ تحدثتُ عنه في مسألة رغبتها في الزواج من الشاب الصادق الأمين محمد [(129)]
(*) فإلى أين ذهبت - رضي الله عنها - به -صلى الله عليه وآله وسلم - !!؟..
(*) ذهبت- رضي الله عنها - به إلى أهل العلم ورجل التخصص : ابن عم خديجة ورقة بن نوفل؛ ونعتبره:" أحد قلائل مفكري العرب الجاهليين في القرن السابع الميلادي؛ ويمكننا وصفه بأنه :" تخصص في تاريخ الأديان وعلم اللاهوت " [(130)] .
وأعود وأنبه أنه مِن مستلزمات اتمام هذه البحوث في السيرة المحمدية ملاحق متعلقة بالشخصيات المحورية [(131)] في حياة الرسول والني محمد خاصة في الأربعين عاما الأولى من حياته!!
ومن تلك الشخصيات المحورية... على سبيل المثال وليس الحصر :
(*) العم شقيق أبيه أبوطالب
(*) الزوج خديجة بنت خويلد
(*) ورقة بن نوفل
وتلك الشخصيات تتطلب دراسة مستفيضة حولها ؛ وقد أُكرمتُ بالإنتهاء من بحث عن أم المؤمنين خديجة بنت خويلد... وعندي بعض أوراق حول بقية الشخصيات المحورية...
(*) أعود لتلك المحادثة بين نبي آخر الزمان ورسول خاتم الرسالات وبين الزوج خديجة بنت خويلد ومن ثم ابن عمها ورقة بن نوفل:
- خَدِيجَةُ بَيْنَ يَدَيْ وَرَقَةَ تُحَدِّثُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثُمَّ “ قَامَتْ [خديجة بنت خويلد؛ زوج محمد] فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا ”،
ثُمَّ “ انْطَلَقَتْ إلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا ” ،
وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ،
فَــ “ أَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ ”؛
فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ :"قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ ، لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى ، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ " ، فَـ
قُولِي لَهُ :" فَلْيَثْبُتْ ".
فَــ رَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ،





واستشهدُ بفقرة ستصاحبنا طول فترة البعثة وزمن الرسالة وجميع مراحلها:
لنسمع معاً:
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ -اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا ،
فَــ
لَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ : “ يَا ابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ ” ،
« فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- »؛ فَــ
قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : “ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَ



[١ .] 《 لَتُكَذَّبَنَّهُ 》
وَ
[٢ . ] 《 لَتُؤْذَيَنَّهُ 》
وَ
[٣ . ] 《 لَتُخْرَجَنَّهُ 》
وَ
[٤ .] 《 لَتُقَاتَلَنَّهُ 》،
ثم قال القس ورقة بن نوفل :" وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ "،
ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ ،
ثم أظهر ورقة - رضي الله تعالى عنه - للنبي -عليه السلام - علامة قبوله لقوله بما يوافق ما في الكتب ؛ واعترافه بنبوته فَــ
“ قَبَّلَ يَافُوخَهُ ”، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى مَنْزِلِهِ . "[(132)]
(*) وأثبتُ هذه المفاصل الأربعة من مراحل البعثة من قول ابن نوفل: قَالَ وَرَقَةُ :
" وَ « لَتُكَذَّبَنَّهُ »
وَ « لَتُؤْذَيَنَّهُ »
وَ « لَتُخْرَجَنَّهُ »
وَ « لَتُقَاتَلَنَّهُ » ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
نال شرف مراجعة وقراءة وكتابة هذا الفصل :" بدايات ﴿ „ البعثة المحمدية ”﴾".
محمد الرمادي
الثلاثاء : ١٤ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٢٩ ديسمبر ٢٠٢ م

(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
《 * 》 في خطة البحث والتحضير وبإذنه تعالى تخصيص مجلد كامل عن معجزاته -صلى الله عليه وآله وسلم- فارجو منه سبحانه وتعالى التوفيق والسداد لاتمام ما أرغب فيه من خدمة موضوع السيرة النبوية .. فهو على كل شيء قدير وبالإجابة قدير سميع!

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 12 / 2020, 09 : 05 PM
[ ٧٤ ]: 《 لَتُكَذَّبَنَّهُ》... عناد « الجهل «



الْمُقَدِّمَةُ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ،حَمْدًا كَثِيرًا [طيباً مباركاً] عَلَى مَا خَصَّ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ [المرحومة] بِالْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ [أهل الأفهام] حُمَاةِ الدِّينِ ، الَّذِينَ صَرَفُوا عِنَانَ فِكْرِهِمْ [وقدحوا زناد عقلهم] فِي الذَّبِّ عَنْهُ مِنْ تَضْلِيلِ الْمُخَرِّفِينَ وَالْمُهَرَّفِينَ ، فَبَيَّنُوا لِلْعَامَّةِ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْغَثَّ مِنَ السَّمِينِ . وَ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ شَهَادَةَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوقِنِينَ . وَ
أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ الصَّادِقُ الْوَعْدِ الْأَمِينُ ، أَدَّى الرِّسَالَةَ وَبَلَّغَ الْأَمَانَةَ ،فَكَانَ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، وَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الطَّيِّبِينَ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ[(134)]
وَبَعْدُ
... مازلنا نتعايش بدايات العهد الأول - العهد المَكْيَّ – ومرحلة مِن مراحل الدعوة الإسلامية - والتي نحتاج لدراستها اليوم دراسة فقهية فهمية إدراكية تشريعية منهاجية لإنزالها علىٰ واقعنا الحالي المعاش بالفعل ؛ وما أشبه تلك المرحلة بحياتنا اليوم ؛ فيجب دراستها بعد الفشل الذريع والمحبط لما قامت به بعض الحركات ذات الوشاح الإسلامي خلال السنوات الماضيات علىٰ الساحة العربية والمتواجدة في المناطق التي تسكنها غالبية[(135)] إسلامية أو الآخرىٰ - ما يطلق عليها - ذات أقلية[(136)] إسلامية(!) ؛ وأن كنتُ لا استسيغ استخدام هذا المصطلح -الأقلية- المتداول عند الكثير ؛ وخاصة مَن هم مِن السكان الأصليين - المسلمين - مع ما يعانون أو الذين يحملون جنسية الدولة التي يقيمون بها منذ سنوات - تزيد عن الخمسين - أو تحصل علىٰ أوراق ثبوتية رسمية لإقامة صحيحة -سواء أكان لاجئ أو دارس أو عامل -... تلك الجماعات التي تحمل.. وتلك الحركات التي ترفع شعارات عنوانها إسلامي لكنها جوفاء لا يتمكن حاملها مِن تطبيقها أو إنزالها علىٰ أرض الواقع ؛ وهذا في بلاد العرب والمسلمين ؛ مع ملاحظة غياب مشروع إسلامي أو تقديم نموذج صالح في ذهنية المسلم الذي تجنس بجنسية غربية ؛ وعاش في دول الغرب منذ أكثر من أربعين عاما ويزيد فالعبرة ليس ببناء وزخرفة المساجد... لكن الأصل بناء عقل ونفسية الساجد...









أقول(الرمادي) : ما زلنا في المجتمع المَكي - عهد النبوة ؛ في سنواتها الأُول - نتعايش أحداثه ومجريات أموره... بما فيه ؛ وما عنده ؛ وما عليه ؛ وما يتميز به ؛ وايضاً بما فيه من مثالب وعيوب ؛ و
أحاول... بل أريد أن أحدد الصورة الحقيقية له والتيارات الفكرية والتربية العقدية والمفاصل الإجتماعية لهذا المجتمع ؛ إذ فيه - بما فيه – ستغرس البذرة -النبتة- الإسلامية الأولىٰ :





" الدعوة إلىٰ الإسلام "







كـ عقيدة وأحكام... وكمنهاج وتشريع... وطريقة معينة في الحياة وطراز خاص من العيش... وظن أنها - أيْ مَكة - ستكون أيضا بها النبتة الإسلامية ؛ لكن ما شاء الله - تعالىٰ ذكره - كان... و


لا يفهم من هذا الطرح إنني أدعو إلىٰ الإنغلاق علىٰ الذات أو التقوقع داخل حويصلة مذهب بعينه أو التوقف عند أراء وفتاوىٰ السادة العلماء مِن السلف الصالح دون مراعاة مستجدات الأمور ومستحدثات الأحوال والتمسك بأقوالهم مع فارق الزمان مِن جهة أو اختلاف الكيان السياسي- في السابق أو اليوم - مِن جهة آخر... والمناخ العام ؛ أو يفهم البعض خطأً إني أدعو إلىٰ السكنىٰ في حارةٍ ضيقة [ غيتو ] مسدود طرفها الآخر فيدعي البعض :" مَن دخلها منا ومَن خارجها ضدنا وعلينا "...
إذ الأصل فينا التواصل مع الآخر والتقارب معه وإظهار ما لدينا فكرا وسلوكا...
لذا علينا مدارسة هذه المرحلة بعناية فائقة ثم تتلوها مرحلة ثانية مع الربط المحكم بين مفصل مرحلة والرابط إلىٰ التي تليها فنحتاج لدراسة عميقة إدراكية تفصيلية لجزئيات عدة تكون منها هذا التجمع الإسلامي الأول في مكة ومِن ثم - بعد سنوات – تكون المجتمع الإسلامي الأَول في المدينة ، وكيف قَبَلَت ثُلةٌ التواجد داخل تجمع إسلامي هش ضعيف قليل العدد عديم العداد يقوده النبي محمد والرسول المبتعث والمصطفى المختار ؛ ومَن هؤلاء!... أو ما أطلق عليهم أوائل المؤمنين من النساء والغلمان والرجال ؛ وكيف تعايشوا مع مجتمع يرفضهم فيستنكر عليهم ما هم عليه من إيمان وما يقومون به مِن أعمال وما يتلفظون به مِن أقوال فيعذبهم مَن كان بالأمس صديق ويقتل بعضهم مَن كان بالأمس رفيق طريق...
كما يجب علينا دراسة – جوانب شخصيات ومفتاح نفسيات - مَن رفض الإسلام اسما وموضوعا؛ وشكلا وتفصيلا ؛ وفكرا وأحكاما ؛ وعقيدة وأفعالا ؛ ومَن هم! ؛
يرافق هذه وتلك دراسة نفسية وعقلية والدافع عند الفريق - الأول - الذي سما في الدنيا ونجىٰ في الآخرة، وبالتوازي والفارق بعيد : ما هي الدوافع عند الفريق - الثاني - الذي خسر الدارين فرفض فكرَ رجلٍ يقول : « أنه مُرسل مِن السماء ليصحح افكار ومفاهيم وقيم وقناعات ومقاييس مَن تنكبوا الطريق المستقيم بفكر جديد ».. كما حاربوا مَن وافقوه علىٰ فكره الجديد وإن نادىٰ به مِن قبله السادة المرسلين وجم غفير من السادة الأنبياء -صلوات الله تعالىٰ عليهم أجمعين - ؛ فــ
عُذِب أهل التوحيد ؛ وقُتِل مَن وضع قدماه علىٰ بداية صراط الرب الواحد الأحد المجيد ؛وشُردَ مَن قال عنه -سبحانه- بأنه فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ،
أو
كيف حُوربت الدعوة الجديدة!؛ ولماذا حاربها الرافضون!. بيد أنه هناك فريق ثالث وقف في منتصف الطريق ونحتاج لتسليط الضوء عليه لنعلم - ايضاً - دوافعه.















دراسة مراحل الدعوة المحمَّدية ومفاصلها والروابط بينها - علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتبريكات والرحمات ومع تبعه بإحسان - دراستها تجب وجوب تعلم أحكام العقيدة ومبادئ الإيمان وأركان الإسلام وآيات الأحكام وأحاديث الأحكام... فالجميع وحي مِن عند الله - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه – كي نتمكن من استئناف الحياة الإسلامية بدلا من البقاء في طقوس كهنوتية ومواسم دينية وشعائر موسمية وتقاليد الآخرين.. خاصة هذا اليوم نهاية عام 20 20.










المرحلةُ -العهد- المَكْيَّة بسنواتها[(137)] تحدد لنا عدة معالم ؛ نحتاج إلىٰ إعادة طرحها علىٰ طاولة البحث وتفصيل جزئياتها علىٰ مائدة التقصي باسلوب يتناسب مع العصر الحالي ،كما نحتاج إلىٰ بلورتها بطريقة علمية عملية مستنيرة وليست تقليدية كما عودتنا مرتزقة المنابر ومَن يتمقعد علىٰ فضائيات أو مَن يقدمها بعتبارها تاريخ مضىٰ وانتهىٰ؛ فدراستها بطريقة تطبيقية ؛ وخاصة مَن يعيش في دول الغرب - الذي تعلوه أجراس الكنائس وتوجد فيه صوامع الرهبان وبجوارهم مصليات في منازل وغرف عبادة للمسلمين ؛ عدا مأذنة يتيمة تطل علىٰ الدانوب الأزرق – والتفقه في كيفية تعامل النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والــحــبــيـــب المرتضىٰ والخليل المحتبىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-مع غير المسلمين كمقابلته أولا في اللحظات الأولىٰ من البعثة مع مَن تبحر في النصرانية القس « ورقة بن نوفل » ثم مقابلته الثانية وهو يطوف بالكعبة -البيت الأول للعبادة علىٰ المعمورة - ثم إخباره بالمحور الأول من عنوان هذا الفصل من سيرته العطرة ؛ وكهجرة بعضهم إلىٰ الحبشة سواء الأولى أو الثانية ؛ وما قاله عن«النجاشي» ؛ وتأثر رهبان الحبشة حين سمعوا القرآن يتلىٰ علىٰ مسامعهم من فم جعفر بن أبي طالب... فبكوا حتىٰ اخضلت لحاهم ؛ وخروج النبي... صاحب الدعوة إلىٰ الطائف ؛ وقول عداس له ؛ ثم نسرع الخطى لنشهد أحداث في المرحلة المدنية فنقرأ وثيقة المدينة المنورة ونشهد أحداث مجئ وفد نصارى نجران إلىٰ مسجده الشريف وسمح لهم بالصلاة فيه.
معالم المرحلة -العهد- المكية إجمالاً:
(١ . ) المَعْلمُ الأول : اختيار المكان :
نقطة البدء[(138)]... مركز الإبتداء لإنطلاق الدعوة.
(٢ . ) المَعْلمُ الثاني : اختيار الزمان :
توقيت بدء البعثة... وزمن بدء الرسالة ، مركز الإنطلاق لنشر الدعوة ؛ وقول السيد المسيح عيسى ابن العذراء الزهراء البتول - عليهما السلام - :
« .. وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ.... يَأْتِي مِن بَعْدِي.... اسْمُهُ أَحْمَدُ ..»[(139)].
(٣ . ) المَعْلمُ الثالث : اصطفاء[(140)] حامل الدعوة... احتباء خاتم الأنبياء ؛ واختيار آخر المرسلين واجتباء وارتضاء متمم المبتعثين... «
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}»[(141)]
(٤ . ) المَعْلمُ الثالث : ثلة من الأولين...
اجتباء صحابته «{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }»[(142)]
(٤ . ) المَعْلمُ الرابع : اختيار لُغة[(143)] الخطاب.
وأريد أن اربط هذا الفصل بما قاله القس ورقة بن نوفل[(144)] في الفصل السابق إذ قد أتبتُ قوله -رضي الله عنه- في تلك المفاصل الأربعة من مراحل البعثة ؛ فقد قَالَ وَرَقَةُ :
(١. ) 《 لَتُكَذَّبَنَّهُ 》
وَ
(٢. ) 《 لَتُؤْذَيَنَّهُ 》
وَ
(٣ . ) 《 لَتُخْرَجَنَّهُ 》
وَ
(٤ . ) 《 لَتُقَاتَلَنَّهُ》[(145)]
وهذه محاور أربعة كبرىٰ تحتاج إلىٰ تفصيل منهجي وترتيب تشريعي وتوثيق إدراكي وتحقيق ذهني كامل وإعمال عقل مستنير في دعوة الإسلام بشقيها:
الأول : الذاتي مع النفس والجوارح والأعمال والأقوال والتصرفات والسلوك والأخلاق علىٰ المستوىٰ الفردي ؛
و
الثاني : علىٰ المستوىٰ الجمعي ؛ أي مع الآخر كعلاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان أو ما حوله مِن كائنات وموجودات... ثم أهم علاقة وعلىٰ رأس العلاقات جميعاً كيفية تنظيم علاقة الإنسان بخالقه...
إذ أنه قد حدثت هذه المحاور الأربعة علىٰ امتداد تاريخ الإسلام الطويل - القديم منه والحديث - مِن لدن نبي المرحمة ؛ ورسول السلام صاحب الرسالة الخالدة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-...وما جرىٰ مع السلف الصالح الكريم والخلف المبتلىٰ العظيم ، ونربط هذه المحاور بالمراحل مع روابطها ومفاصلها ربطاً محكماً مع ما جرىٰ في زمن الرسالة ووقت البعثة وإعادة قراءة لردود افعال وأقوال وتصرفات المعسكر المناوئ لنبي الهدى ورسول التقوىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-واتباعه؛ ومَن جاء مِن بعده - عليه السلام -.










أبدءُ بما ثبت في الصحائف التي كُتبت بحروف مِن فضة وعلامات مِن ورِق علىٰ ألواح من ذهب خالص مرصعة بنجوم السماء:
يتحدث -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-عن نفسه الذكية فيقول:
* ] كُنْتَ عِنْدَهُمُ 《 الصَّادِقَ 》 《 الْأَمِينَ 》.[(146)]
ثم يزيد - عليه السلام- المسألة وضوحاً فيقول :-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
* ] 《 وَاللَّهِ إِنِّي لَأَمِينٌ فِي السَّمَاءِ 》 《 أَمِينٌ فِي الْأَرْضِ . 》[(147)]
وخلال الأربعين عاما الأُول من عمره الشريف ؛والتي عاشها مع أهل مكة وعشيرته قريش :
* ] كَانَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً مُنْذُ كَانَ... اعْتَرَفْ لَهُ بِذَلِكَ مُحَادُّوهُ ، وَعِدَاهُ . وَكَانَ يُسَمَّى قَبْلَ نَبُّوتِهِ 《 الْأَمِينَ 》.[(148)]
* ] قَال َابْنُ إِسْحَاقَ : كَانَ يُسَمَّىٰ 《 الْأَمِينَ 》 بِمَا جَمَعَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الْأَخْلَاقِ الصَّالِحَةِ[(149)] .
* ] وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ[(150)] : « كَانَ يَتَحَاكَمُ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ».[(151)]
* ] عَنْ مُجَاهِدٍ[(151)]: قَالَ مَوْلَايَ السَّائِبُ بْنُ أَبِي السَّائِبِ: " كُنْتُ فِيمَنْ بَنَى الْبَيْتَ ، وَأَنَّ قُرَيْشًا اخْتَلَفُوا فِي الْحَجَرِ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يَضَعُوهُ ، حَتَّى كَادُوا يَقَعُ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ بِالسُّيُوفِ ، فَــ
قَالَ : " اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ أَوَّلَ رَجُلٍ يَدْخُلُ مِنَ الْبَابِ "،
فَــ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ 《 الْأَمِينَ 》". فَقَالُوا : " يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ رَضِينَا بِكَ "[(152)].
* ] وَقَالَ - تَعَالَى » :{مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} »[(153)] ...
أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَىٰ أَنَّهُ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(154)].
* ] وَعَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: " جَاءَتْ قُرَيْشٌ إِلَىٰ أَبِي طَالِبٍ " ؛ فَقَالُوا لَهُ : " إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَأْتِينَا فِي كَعْبَتِنَا وَنَادِينَا وَيُسْمِعُنَا مَا يُؤْذِينَا ، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكُفَّهُ عَنَّا فَافْعَلْ " . قَالَ : فَــ
قَالَ لِي : " يَا عَقِيلُ الْتَمِسِ ابْنَ عَمِّكَ " .
قَالَ : " فَأَخْرَجْتُهُ مِنْ كِبْسٍ مِنْ أَكْبَاسِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ ، فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّىٰ انْتَهَىٰ إِلَىٰ أَبِي طَالِبٍ " ، فَــ
قَالَ لَهُ : " يَا ابْنَ أَخِي ، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِنْ كُنْتَ لِي مُطِيعًا ، وَقَدْ جَاءَنِي قَوْمُكَ - يَزْعُمُونَ - أَنَّكَ تَأْتِيهِمْ فِي كَعْبَتِهِمْ وَنَادِيهِمْ فَتُسْمِعُهُمْ مَا يُؤْذِيهِمْ ،فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَكُفَّ عَنْهُمْ !؟ " ؛
قَالَ : فَحَلَّقَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَــ
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا أَنَا بِأَقْدَرَ عَلَى أَنْ أَدَعَ مَا بُعِثْتُ بِهِ مِنْ أَنْ يُشْعِلَ أَحَدُكُمْ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ شُعْلَةً مِنَ النَّارِ " ، فَــ
قَالَ أَبُو طَالِبٍ: 《 إِنَّهُ - وَاللَّهِ - مَا كَذَبَ قَطُّ 》" فَارْجِعُوا رَاشِدِينَ ".[(155)]
* ] عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:« إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ ، وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ » ، فَــ
أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى ذكره- » {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} »[(156)]الْآيَةَ . وَ
رَوَى غَيْرُهُ : « لَا نُكَذِّبُكَ ، وَمَا أَنْتَ فِينَا بِمُكَذَّبٍ. « [(157)]
* ] وَقِيلَ : إِنَّ الْأَخْنَسَ بْنَ شُرَيْقٍ[(158)] لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ[(159)] يَوْمَ بَدْرٍ[(160)] ، فَــ
قَالَ لَهُ : " يَا أَبَا الْحَكَمِ لَيْسَ هُنَا غَيْرِي ، وَغَيْرُكَ يَسْمَعُ كَلَامَنَا ، تُخْبِرُنِي عَنْ مُحَمَّدٍ ، « صَادِقٌ » .. هُوَ أَوْ « كَاذِبٌ » ؟ ". فَــ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: " وَاللَّهِ إِنَّ مُحَمَّدًا لَــ « صَادِقٌ »، وَ « مَا كَذَبَ » مُحَمَّدٌ قَطُّ ".[(161)]
وَقَدْ ذَكَرْنَا[(162)] أَنَّ قَوْمَهُ الْمُعَادِينَ لَهُ غَايَةَ الْعَدَاوَةِ مَا زَالُوا مُعْتَرِفِينَ بِصِدْقِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُجَرِّبُوا عَلَيْهِ كَذِبًا ، بَلْ وَمُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ مَا يَقُولُهُ لَيْسَ بِشِعْرٍ وَلَا كِهَانَةٍ ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِسَاحِرٍ ، وَكَانُوا فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ يُرْسِلُونَ إِلَى الْبِلَادِ الَّتِي فِيهَا عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَهُمْ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ بِهَا ذَلِكَ .
-**-
وأنتقل بحضراتكم إلىٰ خارج مكة المكرمة ؛ بل نذهب خارج جزيرة العرب كلها :
* ] فَفِي الصَّحِيحَيْنِ[(163)] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ[(164)] أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ[(165)] حَدَّثَهُ ،
قَالَ : " انْطَلَقْتُ إِلَى الشَّامِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ : " فَبَيْنَمَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَى هِرَقْلَ[(166)] ،
قَالَ : " وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ[(167)] جَاءَ بِهِ ، فَدَفَعَهُ إِلَىٰ عَظِيمِ بُصْرَى ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَىٰ هِرَقْلَ " ، فَــ
قَالَ هِرَقْلُ : " هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ؟ " ،
قَالُوا : " نَعَمْ " ،
قَالَ : " فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَىٰ هِرَقْلَ ، فَأَجْلَسَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ " ،فَــ
قَالَ : " أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ " ،
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: " فَقُلْتُ أَنَا" . فَــ
أَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي . فَدَعَا بِتَرْجُمَانِهِ ، فَــ
قَالَ : " قُلْ لَهُمْ : إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ " .
قَالَ : فَقَالَ : " وَايْمِ اللَّهِ ! .. لَوْلَا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ كَذِبٌ لَكَذَبْتُ عَلَيْهِ " . ثُمَّ
قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : " سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ ؟ ".
قَالَ : قُلْتُ : " هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ " .
قَالَ : " فَهَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَنْ مَلَكَ " ،
قُلْتُ : " لَا " .
قَالَ : " فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِــ « الْكَذِبِ » قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ ".
قُلْتُ : " لَا "[(168)]، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ ...







وهذا ما أكده صاحب الشفا ؛ القاضي عياض:"وَسَأَلَ هِرَقْلُ عَنْهُ أَبَا سُفْيَانَ فَــ
قَالَ : " هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ ؟ "،
قَالَ أَبَو سُفْيَانَ : " لَا".[(169)]
* . ] قَالَ مُقَاتِلٌ: " طَافَ أَبِوجَهْلٍ بِالْبَيْتِ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَمَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ؛ وَكَانَ يُقَالُ لِلْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ[(170)] « رَيْحَانَةُ »قُرَيْشٍ[(171)] ، وكَانَ يُسَمَّى الْوَحِيدُ فِي قَوْمِهِ[(172)] ...فَقد رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يُلَقَّبُ بِــ « الْوَحِيدِ »، أَيْ : لِأَنَّهُ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي مَالِهِ وَشَرَفِهِ فِي بَيْتِهِ[(173)]]... فَتَحَدَّثَا [أي : أَبِو جَهْلٍ و الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ] فِي شَأْنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فَــ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: " وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَــ 《صَادِقٌ》!"
فَقَالَ ابْنُ الْمُغِيرَةِ لَهُ :"مَهْ! وَمَا دَلَّكَ عَلَى ذَلِكَ ؟ ! ".
قَالَ أَبِو جَهْلٍ : " يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ ، كُنَّا نُسَمِّيهِ فِي صِبَاهُ 《 الصَّادِقَ 》 《 الْأَمِينَ 》، فَلَمَّا تَمَّ عَقْلُهُ وَكَمُلَ رُشْدُهُ ، نُسَمِّيهِ : « الْكَذَّابَ » «الْخَائِنَ»!! وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ إِنَّهُ لَــ « صَادِقٌ »! ".[[(174)]
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : "فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَدِّقَهُ وَتُؤْمِنَ بِهِ !!؟ ".



اقول (الرمادي) : هنا تأتي الإجابة الواضحة التي لا لبس فيها من فم أبي جهل إذ رد فــ :



قَالَ : " تَتَحَدَّثُ عَنِّي بَنَاتُ قُرَيْشٍ أَنِّي قَدِ اتَّبَعْتُ « يَتِيمَ » أَبِي طَالِبٍ مِنْ أَجْلِ كِسْرَةٍ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنِ اتَّبَعْتُهُ أَبَدًا.[(175)]
يوضح لنا حقيقة أبي جهل؛ عمرو بن هشام أبو زهرة في خاتم الأنبياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فكتب يقول:
" أن أشد الناس طغيانا علىٰ النبي -صلىٰ الله تعالىٰ عليه وسلم- عمرو بن هشام الذي سماه التاريخ الإسلامي بحق " أبا جهل " فقد كان فاجرا، لا شرف في القول يقيده، ولا خلق كريم يمنعه، بل كان الحقد الدفين يدفعه، وكان النبي - عليه الصلاة والسلام - يصابره ليثير عطف الناس علىٰ الدعوة المحمدية، يترك هذا الطاغوت فى اندفاعه إلىٰ الشر وصبره له[(176)]











أما مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ[(177)] فـــَقِيلَ:
أَنَّهُ اجْتِمَاعُ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ :
- أَبُو لَهَبٍ[(178)] ، وَ
- أَبُو سُفْيَانَ ، وَ
- الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَ
- النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ[(179)] ، وَ
- أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ[(180)] ، وَ
- الْعَاصِي بْنُ وَائِلٍ[(181)] ، و
- َالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ[(182)]... اجْتَمَعُوا... وَقَالُوا : قَدِ اجْتَمَعَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ ، وَهُمْ يَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ ،[(183)] ...



هنا يلتقط خيط الرواية ابن كثير الدمشقي فيقول: زَعَمَ السُّدّيُّ[(184)] أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيُجْمِعُوا رَأْيَهُمْ عَلَىٰ قَوْلٍ يَقُولُونَهُ فِيهِ [أي في النبي محمد -عليه السلام-] ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْحَجِّ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْهُ[(185)] وَقَدِ [ قال قائل منهم][(186)] اخْتَلَفْتُمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ ؛ فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ [ وتوجد رواية :"
فَقَالَ قَائِلُونَ " :] [(187)]مَجْنُونٌ (!)،
وَ
آخَرُ يَقُولُ [فَقَالَ قَائِلُونَ :][(188)]كَاهِنٌ (!)،
وَ
آخَرُ يَقُولُ [فَقَالَ قَائِلُونَ :][(189)]شَاعِرٌ (!)،
[وَقَالَ آخَرُونَ : ] [(190)] [فَقَالُوا :" سَاحِرٌ (!)" ،
فرد عليهم الْوَلِيدُ فــ قَالَ:
" لَقَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَوَسِحْرَهُمْ فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ " .... وَ
انْصَرَفَ الْوَلِيدُ إِلَىٰ بَيْتِهِ... فَــ
دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ :
" مَا لَكَ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ أَصَبَأْتَ ؟ " ؛[و
هذه رواية وهناك آخرى أغضبته سأذكرها ]
فَــ
قَالَ الْوَلِيدُ: " فَكَّرْتُ فِي أَمْرِ مُحَمَّدٍ ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ أَنْ تَقُولُوا : « سَاحِرٌ»... جَاءَ بِقَوْلٍ هُوَ سِحْرٌ ، يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ ،][(191)]
وتفصيل قولهم :
" أَنَّهُمْ لَمَّا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ لِيُجْمِعُوا رَأْيَهُمْ عَلَىٰ قَوْلٍ يَقُولُونَهُ فِي النبي محمد عليه السلام ، قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِمْ وُفُودُ الْعَرَبِ لِلْحَجِّ لِيَصُدُّوهُمْ عَنْهُ " :
فــَ
تَعْلَمُ الْعَرَبُ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ [مَجْنُونٌ ، كَاهِنٌ ، شَاعِرٌ ، سَاحِرٌ ] لَا يَجْتَمِعُ فِي رَجُلٍ وَاحِدٍ ،فَسَمُّوا مُحَمَّدًا بِاسْمٍ وَاحِدٍ يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ ، وَتُسَمِّيهِ الْعَرَبُ بِهِ "...





ونعود لما قاله الوليد بن المغيرة المخزومي ردا علىٰ أقوالهم جميعاً :
" فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ :" شَاعِرٌ (!) " ؛
فنسمع رد الوليد إذ : قَالَ : سَمِعْتُ كَلَامَ ابْنِ الْأَبْرَصِ [- يَعْنِي عَبِيدَ بْنَ الْأَبْرَصِ][(192)] ،وَأُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ[(193)] [وَعَرَفْتُ الشِّعْرَ كُلَّهُ] [(194)]، وَمَا يُشْبِهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ كَلَامَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [ أي ليس كَلَامَ شَاعِرٍ ،] ؛ فَــ
قَالُوا : " كَاهِنٌ "(!).
فَقَالَ الْوَلِيدُ: " مَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ وَلَا بِسَجْعِهِ "[(195)] و
اردف فَقَالَ : الْكَاهِنُ يَصْدُقُ وَيَكْذِبُ وَمَا كَذَبَ مُحَمَّدٌ قَطُّ ؛ فَــ
قَامَ آخَرُ فَقَالَ : " مَجْنُونٌ"(!)؛
فَقَالَ الْوَلِيدُ: [لَقَدْ عَرَفْنَا الْجُنُونَ فَإِنَّ الْمَجْنُونَ يُخْنَقُ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ][(196)] فــ الْمَجْنُونُ يَخْنُقُ النَّاسَ وَمَاخَنَقَ مُحَمَّدٌ قَطُّ . وَ
انْصَرَفَ الْوَلِيدُ إِلَى بَيْتِهِ ، فَــ
قَالُوا : صَبَأَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ؛
[هذه هي الرواية الآخرى] فَــ
دَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَهْلٍ وَقَالَ : مَالَكَ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ ! هَذِهِ قُرَيْشٌ تَجْمَعُ لَكَ شَيْئًا يُعْطُونَكَهُ[(197)] ، زَعَمُوا أَنَّكَ قَدِ احْتَجْتَ وَصَبَأْتَ .
فقد قيل كان ماله : أَرْبَعَةُ آلَافِ دِينَارٍ؛
وَ
قَالَ آخَرُونَ : كَانَ مَالُهُ أَرْضًا؛كَانَ ذَلِكَ غَلَّةَ شَهْرٍ بِشَهْرٍ .
وَ
الصَّوَابُ [كما قال الطبري؛ أبو جعفر] مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ -تعالى ذكره - » وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا » وَهُوَ الْكَثِيرُ الْمَمْدُودُ ، عَدَدُهُ أَوْ مَسَاحَتُهُ[(198)].
و
قِيلَ : هُوَ مَا يُمَدُّ بِالنَّمَاءِ كَالزَّرْعِ وَالضَّرْعِ وَالتِّجَارَةِ . ".[(199)]
فَقَالَ الْوَلِيدُ: " مَا لِي إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ ، وَلَكِنِّي فَكَّرْتُ فِي مُحَمَّدٍ " ، فَــ
قُلْتُ [ يتساءل الوليد ] : " مَا يَكُونُ مِنَ السَّاحِرِ ؟ " . فَــ
قِيلَ : " يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ ، وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا" ، فَـ
قُلْتُ [أي الوليد... بعد تفكره وتقديره -اخزاه الله تعالى -] : إِنَّهُ سَاحِرٌ . شَاعَ هَذَا فِي النَّاسِ وَصَاحُوا يَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا سَاحِرٌ .[(200)] وَ
فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى توضح حال توترهم :
" أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ اجْتَمَعَ، وَنَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ ، وَقَدْ حَضَرَ الْمَوْسِمَ فَقَالَ : إِنَّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتُقْدِمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ ،وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا وَلَا تَخْتَلِفُوا ، فَيُكَذِّبُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَيَرُدُّ بَعْضُكُمْ قَوْلَ بَعْضٍ ، فَــ
قَالُوا : " فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ فَقُلْ ، وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُومُ بِهِ " . فَــ
قَالَ : " بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا وَأَنَا أَسْمَعُ " ، فَــ
قَالُوا : " نَقُولُ كَاهِنٌ ، فَــ
قَالَ : " مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، لَقَدْ رَأَيْتُ الْكُهَّانَ فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكُهَّانِ " . فَــ
قَالُوا : " نَقُولُ مَجْنُونٌ " ،فَــ
قَالَ : " مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ وَعَرَفْنَاهُ فَمَا هُوَ بِخَنَقِهِ وَلَا تَخَالُجِهِ وَلَا وَسْوَسَتِهِ " .
قَالُوا : " فَنَقُولُ شَاعِرٌ " ،فَــ
قَالَ : " مَا هُوَ بِشَاعِرٍ ، قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ بِرَجَزِهِ وَهَزَجِهِ وَقَرِيظِهِ وَمَقْبُوضِهِ وَمَبْسُوطِهِ فَمَا هُوَ بِالشِّعْرِ " .
قَالُوا : " فَنَقُولُ سَاحِرٌ " ،
قَالَ : " فَمَا هُوَ بِسَاحِرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السُّحَّارَ وَسِحْرَهُمْ ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِ وَلَا عَقْدِهِ" . فَــ
قَالُوا : " مَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِشَمْسٍ ؟ " .
قَالَ : " وَاللَّهِ إِنْ لِقَوْلِهِ حَلَاوَةً ، وَإِنَّ أَصْلَهُ لَغَدِقٌ ، وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنَى ، فَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا إِلَّا عُرِفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ ، وَإِنَّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ أَنْ تَقُولُوا : « سَاحِرٌ » يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَبِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَبَيْنَ أَخِيهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجَتِهِ ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ . فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ لِلنَّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمَ لَا يَمُرُّ بِهِمْ أَحَدٌ إِلَّا حَذَّرُوهُ إِيَّاهُ ، وَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَهُ ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ : « ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا » . إِلَىٰ قَوْلِهِ : « سَأُصْلِيهِ سَقَرَ.«
وَ
أَنْزَلَ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ : « الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ » . أَيْ أَصْنَافًا .[(201)]

-**-
وأنتقل بحضراتكم إلى ما حدث مباشرة بين النبي المصطفى عليه السلام وبين الوليد بن المغيرة
فَعَنْ عِكْرِمَةَ[(202)] ، أَنْ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَىٰ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ[(203)]
وعند البغوي في رواية آخرى :" (غَافِرٍ : 1 - 3 ) قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي الْمَسْجِدِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ قَرِيبٌ مِنْهُ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ ، فَلَمَّا فَطِنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لِاسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَتِهِ [الْقُرْآنَ] أَعَادَ قِرَاءَةَ الْآيَةِ ، فَانْطَلَقَ الْوَلِيدُ حَتَّىٰ أَتَىٰ مَجْلِسَ قَوْمِهِ بَنِي مَخْزُومٍ ، فَقَالَ : [ وَاللَّهِ ] لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ مُحَمَّدٍ آنِفًا كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِ وَلَا مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ.[(204)]
ونسمع قول الْوَلِيد حين :" نَزَلَ :»{ حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} »... إِلَىٰ قَوْلِهِ : »{ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ } » سَمِعَهُ يَقْرَؤُهَا ؛ فَــ
كَأَنَّهُ 《 رَقَّ 》 لَهُ[(205)]]فَــ
قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلَامًا مَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الْإِنْسِ وَلَا مِنْ كَلَامِ الْجِنِّ ، وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لَمُثْمِرٌ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُوُ وَلَا يُعْلَىٰ عَلَيْهِ، وَمَا يَقُولُ هَذَا بَشَرٌ[(206)]
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ.
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: " سَحَرَهُ مُحَمَّدٌ"... صَبَأَ وَاللَّهِ الْوَلِيدُ ، وَاللَّهِ لَتَصْبُوَنَّ قُرَيْشٌ كُلُّهُمْ[(207)] .
فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ[(208)]
ونتتبع الرواية من بدايتها :
رُوِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ سَمِعَ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أَعْجَبَهُ وَمَدَحَهُ ، ثُمَّ سَمِعَ كَذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى كَادَ أَنْ 《 يُقَارِبَ 》 الْإِسْلَامَ. وَدَخَلَ إِلَىٰ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ -مِرَارًا ، فَــ
جَاءَهُ أَبُو جَهْلٍ ، فَــ
قَالَ : " يَا وَلِيدُ! ... أَشَعَرْتَ أَنَّ قُرَيْشًا قَدْ ذَمَّتْكَ بِدُخُولِكَ إِلَىٰ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، وَزَعَمَتْ أَنَّكَ إِنَّمَا تَقْصِدُ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامَهُ ؟ وَقَدْ أَبْغَضَتْكَ لِمُقَارَبَتِكَ أَمْرَ مُحَمَّدٍ ، وَمَا يُخَلِّصُكَ عِنْدَهُمْ إِلَّا أَنْ تَقُولَ فِي هَذَا الْكَلَامِ قَوْلًا يُرْضِيهِمْ ، فَــ
فَتَنَهُ أَبُو جَهْلٍ فَافْتَتَنَ ، وَقَالَ: " أَفْعَلُ " [(209)].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَوْلُهُ : « { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } » إِلَىٰ « { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } ».
قَالَ : دَخَلَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَىٰ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، يَسْأَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ خَرَجَ عَلَىٰ قُرَيْشٍ فَقَالَ : "يَا عَجَبًا لِمَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ، وَلَا بِسَحْرٍ ، وَلَا بِهَذْيٍ مِنَ الْجُنُونِ ، وَإِنَّ قَوْلَهُ لَمِنْ كَلَامِ اللَّهِ " ، فَــ
لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ قُرَيْشٍ ائْتَمَرُوا ؛ وَ
قَالُوا : " وَاللَّهِ لَئِنْ صَبَأَ الْوَلِيدُ لَتَصْبَأَنَّ قُرَيْشٌ " ، فَــ
لَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ قَالَ :" أَنَا وَاللَّهِ أَكْفِيكُمْ شَأْنَهُ[(210)].
ونسمع رواية الطبري تقول : " فَــ
قَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: "يَتَحَدَّثُونَ أَنَّكَ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتُصِيبَ مِنْ طَعَامِهِ " ،
قَالَ الْوَلِيدُ : " أَقَدْ تَحَدَّثَتْ بِهِ عَشِيرَتِي(!؟) ، فَلَا يَقْصُرُ عَنْ سَائِرِ بَنِي قَصِيٍّ ، لَا أَقْرَبُ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا ابْنَ أَبِي كَبْشَةَ (!)"...
ثم يخلص إلىٰ القول :" وَمَا قَوْلُهُ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ "[(211)]
نكمل الرواية لتوضح لنا المناخ العام والصورة التي كان عليها أهل مكة عند البعثة المحمدية:
فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَنَا أَكْفِيكُمُوهُ .فَمَضَىٰ إِلَيْهِ حَزِينًا ؟ ؛ فَانْطَلَقَ حَتَّىٰ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ[(212)] ، فَأَتَاهُ فَــ
قَالَ : أَيْ عَمُّ[(213)] فَــ
قَالَ ابن المغيرة لَهُ : " مَا لِي أَرَاكَ حَزِينًا ". فَــ
قَالَ : [ إِنَّ قَوْمَكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا(!!!)[(214)] . وَقَالَ لِلْوَلِيدِ: أَلَمْ تَرَ قَوْمَكَ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الصَّدَقَةَ[(215)].
أوضح الرواية بقول:
أَبُي جَهْلٍ لَهُ : " وَمَا لِي لَا أَحْزَنُ وَهَذِهِ قُرَيْشٌ يَجْمَعُونَ لَكَ نَفَقَةً يُعِينُونَكَ بِهَا عَلَىٰ كِبَرِ سِنِّكَ وَ -يَزْعُمُونَ- أَنَّكَ زَيَّنْتَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ ، وَتَدْخُلُ عَلَىٰ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ وَابْنِ أَبِي قُحَافَةَ لِتَنَالَ مِنْ فَضْلِ طَعَامِهِمَا ؛
[قَالَ : " لِمَ ؟ ". [يَجْمَعُونَ المَال!؟ ]
قَالَ : يُعْطُونَكَهُ ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا تَتَعَرَّضُ لِمَا قِبَلَهُ[(216)]
فَــ « غَضِبَ » الْوَلِيدُ وَ « تَكَبَّرَ »،
قلتُ(الرمادي):وهذا ما اراده عمرو بن هشام ؛ أبو جهل من إثارة النعرة الجاهلية في نفس ابن المغيرة !!.
فرد مسرعاً
وَقَالَ : أَنَا أَحْتَاجُ إِلَىٰ كِسَرِ مُحَمَّدٍ وَصَاحِبِهِ ، فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَ قَدْرَ مَالِي ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى مَا بِي حَاجَةٌ إِلَىٰ ذَلِكَ ،
قلت(الرمادي) : وهذا ما اراده أبو جهل من حديثه مع الوليد... إثارة الحمية الجاهلية...
قَالَ الْوَلِيدُ : قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي أَكْثَرُهَا مَالًا[(217)]
ثم قَالَ : أَلَسْتُ أَكْثَرَهُمْ مَالًا وَوَلَدًا ؟[(218)]
قَالَ أَبِو جَهْلٍ: " فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يُعْلِمُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لِمَا قَالَ ، وَأَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ[(219)]
ثُمَّ قَامَ مَعَ أَبِي جَهْلٍ حَتَّى أَتَى مَجْلِسَ قَوْمِهِ ، فَــ
قَالَ لَهُمْ[(220)] : إِنَّمَا أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ ، وتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِنٌ وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ شَاعِرٌ ، تَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّابٌ وهم يقولون : لَا -وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمَّى 《 الْأَمِينُ 》 قَبْلَ النُّبُوَّةِ ، مِنْ صِدْقِهِ – فَــ
قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْوَلِيدِ : فَمَا هُوَ؟[(221)] .
قَالَ : " فَمَاذَا أَقُولُ فِيهِ ؟ "، فَوَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي ، وَلَا أَعْلَمُ بِرَجْزِهِ وَلَا بِقَصِيدِهِ وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ[(222)]
قَالُوا : " لَا وَاللَّهِ " .
قَالَ : " فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذَّابٌ فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ كَذِبًا قَطُّ ؟ "،
قَالُوا : " لَا وَاللَّهِ " .
قَالَ : " فَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَاهِنٌ فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ تَكَهَّنَ قَطُّ "، وَلَقَدْ رَأَيْنَا لِلْكَهَنَةِ أَسْجَاعًا وَتَخَالُجًا فَهَلْ رَأَيْتُمُوهُ كَذَلِكَ ؟ ".
قَالُوا : " لَا وَاللَّهِ " .
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يُسَمَّى 《 الصَّادِقَ 》 《 الْأَمِينَ 》 مِنْ كَثْرَةِ صِدْقِهِ . فَــ
قَالَتْ قُرَيْشٌ لِلْوَلِيدِ: " فَمَا هُوَ ؟ " ؛ فَــ
فَكَّرَ فِي نَفْسِهِ ، ثُمَّ نَظَرَ ، ثُمَّ عَبَسَ ، فَــ قَالَ : " مَا هُوَ إِلَّا سَاحِرٌ ! أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ ؟ " [(223)]
مع اعترافه الكامل في عدة روايات أنه قال:" وَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّهُ لَيُحَطِّمُ مَا تَحْتَهُ ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يَعْلَىٰ . وَ
قَالَ أَبِوجَهْلٍ: " وَاللَّهِ لَا يَرْضَى قَوْمُكَ حَتَّىٰ تَقُولَ فِيهِ ".قَالَ الوليد : " فَدَعْنِي حَتَّىٰ أُفَكِّرَ فِيهِ " ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ : " إِنَّ هَذَا سِحْرٌ يَأْثِرُهُ عَنْ غَيْرِهِ ". [(224)][(225)]
إلا أن
النعرة الجاهلية
و
عناد الجهل
سيطر على قلوب وأفئدة وعقول القوم فصاروا لا يبصرون !.

وعند الطبري وأثيرالدين الأندلسي رواية ؛ أذكرها كي تكتمل الصورة الذهنية لحال أهل مكة !: "
عَنْ قَتَادَةَ[(226)] قَوْلُهُ : « {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ} » ، ( زَعَمُوا ) :فقد " رُوِيَ أَنَّ الْوَلِيدَ حَاجَّ [اللفظ لأثير الدين] أَبَا جَهْلٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِيأَمْرِ الْقُرْآنِ ،[(227)] أَنَّهُ قَالَ : وَاللَّهِ لَقَدْ نَظَرْتُ فِيمَا قَالَ هَذَا الرَّجُلُ ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ لَهُ بِشِعْرٍ ، وَإِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً ،[ وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ ،وَإِنَّ فَرْعَهُ لَجَنَاةٌ ، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ][(228)]وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَىٰ[(229)] ، وَنَحْوُ هَذَا مِنَ الْكَلَامِ ،فَـــ
خَالَفُوهُ وَ
قَالُوا : " هُوَ شِعْرٌ " ، فَــ
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِشِعْرٍ ،قَدْ عَرَفْنَا الشِّعْرَ هَزَجَهُ وَبَسِيطَهُ " ،
قَالُوا : " فَهُوَ كَاهِنٌ "،
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْكُهَّانَ " ،
قَالُوا : " هُوَ مَجْنُونٌ " ،
قَالَ : " وَاللَّهِ مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ،
لَقَدْ رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ وَخَنْقَهُ "،
قَالُوا : " هُوَ سِحْرٌ " ،
قَالَ : " أَمَّا هَذَا فَيُشْبِهُ أَنَّهُ سِحْرٌ ، وَيَقُولُ أَقْوَالَ نَفْسِهِ " .
... كُلُّ هَذَا وَالْوَلِيدُ يُفَكِّرُ فِيمَا يَقُولُهُ فِيهِ ، فَفَكَّرَ وَقَدَّرَ ، وَنَظَرَ وَعَبَسَ وَبَسَرَ ،فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ " [(230)]

-**-

وذكرتُ الروايات عمداً لنتحسس ما حدث بالتمام مع أول لحظات غرس بذرة الإسلام في المجتمع المكي فــ
قد رُوِيَ هَذَا بِأَلْفَاظٍ غَيْرِ هَذِهِ وَيَقْرُبُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى ، وَفِيهِ : "وَتَزْعُمُونَ أَنَّهُ كَذِبٌ ، فَهَلْ جَرَّبْتُمْ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنَ الْكَذِبِ ؟ " ؛ فَــ
قَالُوا : " فِي كُلِّ ذَلِكَ اللَّهُمَّ لَا "، ثُمَّ
قَالُوا : " فَمَا هُوَ ؟ ". فَــ
فَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: " مَا هُوَ إِلَّا سَاحِرٌ . أَمَا رَأَيْتُمُوهُ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَأَهْلِهِ ، وَوَلَدِهِ وَمَوَالِيهِ ؟ وَمَا الَّذِي يَقُولُهُ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثِرُهُ عَنْ مِثْلِ مُسَيْلِمَةَ وَعَنْ أَهْلِ بَابِلَ ، فَارْتَجَّ النَّادِي فَرَحًا وَتَفَرَّقُوا مُتَعَجِّبِينَ مِنْهُ "[(231)].
ثم أكد الوليد ما فكر فيه بقوله : "وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُ سَحْرٌ ".[(232)]
-**-
إذاً الخلاصة من هذه الروايات وتتبعها الوصول إلى القصد منها وهو :
الدعاية المغرضة وإشاعتها بين الناس خاصة لقرب قدوم موسم الحج ومجئ القبائل العربية من كل حدب وصوب لمكة فتستقبلهم وشاية أن بمكة ساحر يسحر الناس لينفضوا من حوله!...

وعند الطبري أيضا :" قَالَ ابْنُ زَيْدٍ[(233)] فِي قَوْلِهِ : » ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا » إِلَىٰ قَوْلِهِ : » إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ » ، قَالَ : هَذَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ... ثم
قَالَ : " سَأَبْتَارُ لَكُمْ هَذَا الرَّجُلَ اللَّيْلَةَ " ، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فَوَجَدَهُ قَائِمًا يُصَلِّي وَيَقْتَرِئُ ، وَأَتَاهُمْ فَقَالُوا : " مَهْ ! ".
قَالَ : " سَمِعْتُ قَوْلًا حُلْوًا أَخْضَرَ مُثْمِرًا يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ " ، فَــ
قَالُوا : " هُوَ شِعْرٌ !؟ " .فَـ
قَالَ : " لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ ، لَيْسَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِالشِّعْرِ مِنِّي ، أَلَيْسَ قَدْ عَرَضَتْ عَلَيَّ الشُّعَرَاءُ شِعْرَهُمْ نَابِغَةُ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ ؟
قَالُوا : " فَهُوَ كَاهِنٌ " ،فَــ
قَالَ : " لَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ عَرَضَتْ عَلَيَّ الْكَهَانَةُ " ،
قَالُوا : " فَهَذَا سِحْرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهُ "،
قَالَ : " لَا أَدْرِي إِنْ كَانَ شَيْئًا فَعَسَى هُوَ إِذًا سَحْرٌ يُؤْثَرُ "[(234)].



رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَامَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا ابْتُلِيتُمْ بِمِثْلِهِ ، لَقَدْ .... [(235)] و
أكمل الرواية من الشفا بتعريف حقوق المصطفىٰ للقاضي عياض:
كَانَ مُحَمَّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ ، وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتَّى إِذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشَّيْبَ ، وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِقُلْتُمْ : سَاحِرٌ ! لَا وَاللَّهِ ، مَا هُوَ بِسَاحِرٍ.[(236)]...



يلتقط خيط الرواية ابن تيمية:



" قُلْتُمْ : " سَاحِرٌ "..." لَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِسِحْرٍ ، قَدْ رَأَيْنَا السَّحَرَةَ وَنَفْثَهُمْ وَعَقْدَهُمْ "، وَ
قُلْتُمْ : " كَاهِنٌ "... "لَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِكَاهِنٍ ، قَدْ رَأَيْنَا الْكَهَنَةَ وَسَمِعْنَا سَجْعَهُمْ "، وَ
قُلْتُمْ : " شَاعِرٌ "... "لَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِشَاعِرٍ ، لَقَدْ رَوَيْنَا الشِّعْرَ ، وَسَمِعْنَا أَصْنَافَهُ كُلَّهَا ؛ هَزَجَهُ وَرَجَزَهُ وَقَرِيظَهُ "، وَ
قُلْتُمْ : " مَجْنُونٌ "..."وَلَا - وَاللَّهِ - مَا هُوَ بِمَجْنُونٍ ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْمَجْنُونَ فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ ، وَلَا تَخْلِيطِهِ "...
ثم يخاطبكم قائلاً: " يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ :" انْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ فَإِنَّهُ - وَاللَّهِ - لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ " . وَ
كَانَ النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمَّنْ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ . ".[(237)]
فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي وَصْفِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:« أَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً.« [(238)]
والمعنى قريب من سابقه لكن مع شخصيات آخرىٰ :
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْن ِالصَّامِتِ قَالَ : " قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ ، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا ، فَنَزَلْنَا عَلَىٰ خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا ، وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ "، فَــ
قَالُوا : " إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ ". فَجَاءَ خَالُنَا فَثَنَا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ ، فَــ
قُلْتُ لَهُ : " أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ . فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا ، فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا ، وَتَغَطَّى خَالُنَا بِثَوْبِهِ يَبْكِي ، وَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ.
فَنَافَرَ أُنَيْسٌ رَجُلًا عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيْنَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا فَأَتَى بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا . قَالَ : وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِثَلَاثِ سِنِينَ ،
قُلْتُ : لِمَنْ ؟
قَالَ : لِلَّهِ ،
قُلْتُ : فَأَيْنَ تَوَجَّهُ ؟
قَالَ : أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي رَبِّي ، أُصَلِّي عِشَاءً ، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ ، حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ ، فَــ
قَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي . فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَرَاثَ عَلَيَّ ، ثُمَّ جَاءَ فَــ
قُلْتُ : مَا صَنَعْتَ ؟
قَالَ : لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ،
قُلْتُ : فَمَا يَقُولُ النَّاسُ ؟
قَالَ : يَقُولُونَ : شَاعِرٌ ، كَاهِنٌ ، سَاحِرٌ . وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ ،
قَالَ أُنَيْسٌ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشُّعَرَاءِ فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ يُقْرِي بَعْدِي أَنَّهُ شِعْرٌ ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لِــ《 صَادِقٌ 》،وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ .
قَالَ : قُلْتُ : " فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ "،
قَالَ : " فَأَتَيْتُ مَكَّةَ فَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ "، فَــ
قُلْتُ : " أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ ؟ ". فَــ
أَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ : الصَّابِئَ ، فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ . . . " ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَصِفَةَ إِسْلَامِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِلَفْظِ مُسْلِمٍ[(239)].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَىٰ النَّبِيِّ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ : » { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} » .
قَالَ : " أَعِدْ "، فَــ
أَعَادَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَـ
قَالَ : " وَاللَّهِ إِنَّ لَهُ لَحَلَاوَةً ، وَإِنَّ عَلَيْهِ لِطَلَاوَةً ، وَإِنَّ أَعْلَاهُ لِمُثْمِرٌ ، وَإِنَّ أَسْفَلَهُ لَمُغْدِقٌ ، وَمَا يَقُولُ هَذَا الْبَشَرُ[(240)]
قَالَ الزُّهْرِيُّ : " حُدِّثْتُ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَأَبَا سُفْيَانَ ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقٍ ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْمَعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ ، وَأَخَذَكُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا لِيَسْتَمِعَ فِيهِ ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ حَتَّى إِذَا أَصْبَحُوا ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا ، فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَلَاوَمُوا ، وَ
قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : " لَا تَعُودُوا ، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي - نَفْسِهِ شَيْئًا "،
ثُمَّ انْصَرَفُوا ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ ، عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَىٰ مَجْلِسِهِ فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ ، حَتَّىٰ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا فَجَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا ، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، فَعَلُوا كَذَلِكَ ، ثُمَّ جَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَتَعَاهَدُوا أَنْ لَايَعُودُوا ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ أَخَذَ عَصَاهُ ، ثُمَّ أَتَى أَبَا سُفْيَانَ فِي بَيْتِهِ فَــ
قَالَ : " أَخْبِرْنِي يَا أَبَاحَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ (!!؟). فَــ
قَالَ : " يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ ، وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا ، وَأَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا" ، فَــ
قَالَ الْأَخْنَسُ: " وَأَنَا ، وَالَّذِي حَلَفْتَ بِهِ " ،
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَىٰ أَبَا جَهْلٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ ، فَــ
قَالَ : " يَا أَبَا الْحَكَمِ مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ _!!؟). فَــ
قَالَ : " مَاذَا سَمِعْتُ "، تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِمُنَافٍ الشَّرَفَ ؛
- أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَ
- حَمَلُوا فَحَمَلْنَا ، وَ
- أَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا ،
ثُمَّ
إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَىٰ الرُّكَبِ ، وَكُنَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ ،
قَالُوا :
- مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ ، فَــ
مَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ ؟ وَاللَّهِ لَانُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُصَدِّقُهُ أَبَدًا [(241)]
قلت(الرمادي):" قول صريح ليس ما بعده من تصريح وتبيان ووضوح !!!







" نذهب لأبي زهرة إذ كتب يقول :"العصبية العربية الجاهلية التي كانت مستمكنة فى النفس العربية يتوارثونها جيلا بعد يل، فالعرب تنفس علىٰ قريش مكانتها، وقريش تنفس علىٰ بنى قصى ما لهم من مكانة، بنو قصي وغيرهم ينفسون علىٰ بنى عبدمناف، وبنو أمية ينفسون علىٰ بنى هاشم رياستهم لعرب، وكونهم فى المكانة العليا من سدانة البيت والقيام عليه، فهاشم ورث الرياسةمن عبدمناف، وعبدالمطلب أخذها عن هاشم، وأبو طالب ورثها عن عبدالمطلب.
فالدعوة الإسلامية تعرضت لعداوة من عادوا قصيا وتعرضت لمن عادوا عبدمناف، ثم تعرضت لمن كانوا أعداء لبنى هاشم،


ومن كل هؤلاءتكونت المقاومة، ولعل أمثل صورة لهذه العداوات مجتمعة هو عمرو بن هشام الذي اشتهرفى الإسلام باسم أبي جهل - وهو به جدير -. فقد كان فرعون هذه الأمة، وإن لم يكن فرعون فى مثل سفهه وحنقه ورعونته.
نسمع من عند أبي زهرة :





فناداه رسول الله-صَلَّى للَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بكنيته :" أبا الحكم ". [(242)]:" كَذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّ أَبَا جَهْلٍقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَقَالَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ، وَلَكِنَّ بَنِي قُصَيٍّ قَالُوا : فِينَا النَّدْوَةُ


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


فِينَا الْحِجَابَةُ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


فِينَا السِّقَايَةُ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ .وَذَكَرَ نَحْوَهُ[(243)] .


والرواية بتمامها «عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، قَالَ : إِنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ عَرَفْتُ رَسُولَاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَنِّي كُنْتُ أَمْشِي أَنَا وَأَبُو جَهْلِ بْنِهِشَامٍ فِي بَعْضِ أَزِقَّةِ مَكَّةَ ، إِذَا لَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِوَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأَبِيجَهْلٍ : " يَا أَبَا الْحَكَمِ ، هَلُمَّ إِلَىٰ اللَّهِ عَزَّوَجَلَّ ، وَإِلَىٰ رَسُولِهِأَدْعُوكَ إِلَىٰ اللَّهِ ،


قَالَ أَبُو جَهْلٍ :يَا مُحَمَّدُ ، هَلْ أَنْتَ مُنْتَهٍ عَنْ سَبِّ آلِهَتِنَا؟


هَلْ تُرِيدُ إِلاأَنْ نَشْهَدَ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ ، فَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ قَدْ بَلَّغْتَ ،


فَوَاللَّهِ لَوْأَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ مَا تَقُولُ حَقٌّ مَا اتَّبَعْتُكَ ،


فَانْصَرَفَ رَسُولُاللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ ،


فَقَالَ :فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّ مَا يَقُولُ حَقًّا ، وَ


لَكِنَّ بَنِيقُصَيٍّ ، قَالُوا : فِينَ االْحِجَابَةُ ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


فَقَالُوا : فِينَاالنَّدْوَةُ ،


فَقُلْنَا: نَعَمْ ،


ثُمَّ قَالُوا :فِينَا اللِّوَاءُ ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


قَالُوا :فِينَاالسِّقَايَةُ ،


فَقُلْنَا : نَعَمْ ،


ثُمَّ أَطْعَمُواوَأَطْعَمْنَا حَتَّى إِذَا تَحَاكَّتِ الرُّكَبُ ،


قَالُوا : مِنَّانَبِيٌّ وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ " .[(244)]


وَفِي صَحِيحِمُسْلِمٍ[(245)] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَدِمَ ضِمَادٌ[(246)] مَكَّةَوَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ ، وَكَانَ يَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ، فَسَمِعَسُفَهَاءَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يَقُولُونَ : " إِنَّ مُحَمَّدًا مَجْنُونٌ" ، فَــ


قَالَ : " لَوْأَنِّي رَأَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَهُ عَلَىٰ يَدِي" ،


قَالَ : "فَلَقِيتُ مُحَمَّدًا " ،فَــ


قُلْتُ : "إِنِّي أَرْقِي مِنْ هَذِهِ الرِّيحِ ، وَإِنَّ اللَّهَ يَشْفِي عَلَىٰ يَدِي مَنْشَاءَ ، فَهَلُمَّ " ،فَــ


قَالَ مُحَمَّدٌ:" إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ ، مَنْ يَهْدِاللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، أَشْهَدُأَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًاعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَمَّا بَعْدُ " قَالَ : فَــ


قَالَ : "أَعِدْ عَلَيَّ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ". فَــ


أَعَادَهُنَّعَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِوَسَلَّمَ- ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ،فَــ


قَالَ : "وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ ، وَقَوْلَ السَّحَرَةِ ، وَقَوْلَالشُّعَرَاءِ ، فَمَا سَمِعْتُ بِمِثْلِ كَلِمَاتِكَ هَؤُلَاءِ ، وَلَقَدْبَلَغْنَ نَاعُوسَ[(247)]الْبَحْرِ". فَــ


قَالَ : " هَاتِيَدَكَ أُبَايِعُكَ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ " ،


قَالَ : فَبَايَعَهُرَسُولُ اللَّهِ --صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِوَسَلَّمَ-فَــ


قَالَ : "وَعَلَىٰ قَوْمِكَ " ،فَــ


قَالَ : وَعَلَىٰقَوْمِي".[(248)]الْحَدِيثَ





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
نال شرف مراجعة وقراءة وكتابة هذاالفصل :" بدايات ﴿ „ البعثة المحمدية ”﴾ ".
د. محمد الرمادي
الخميس ١٧ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٣١ديسمبر ٢٠ ٢ م


(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ ِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
02 / 01 / 2021, 42 : 02 PM
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
[ ٧٥ ]: 《 حجر يثبت نبوته فما بال البشر 》 (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia19.htm#75) !
مِنْ 《 شَوَاهِدِ نُبُوَّتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَبَرَكَتِهِ 》 [(249)].:
ما زلتُ مع حضراتكم اتكلم عن بدايات البعثة المحمدية وارهاصاتها ومقدمات الرسالة النبوية زمن العهد المكي؛ وهي المرحلة الأولى من مراحل الدعوة المحمدية ونقطة البداية في نشر الرسالة الإسلامية في بحثٍ عن :




《 آيَاتِ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ والرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا قَدْ خَصَّهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهِ 》[(250)].






.. وهذا البحثُ مقدمةٌ بالغةُ الأهمية في إثبات نبوته وتحقيق رسالته فيترتب علىٰ ذلك تصديق ببعثته ثم إتباع ما جاء به وحياً من عند ربه -تعالى ذكره- أضيفها -ولي الشرف والفخر- لما سبق من بحوثٍ أثبتُ -بعون الله -تعالى ذكره- وسداده وفضله وتوفيقه- بها صدق أخباره وصحة أقواله؛ وأن القرآن الكريم؛ الذكر الحكيم مِن عند الذي أرسله-سبحانه وتعالى- وأن سُنته الطاهرة العطرة وحي من عند رافع السموات بغير عمد نراها وأنهما -آيات الذكر الحكيم والسنة النبوية العطرة- تنسبا إنزالاً إلىٰ علام الغيوب جاءه الوحي مِن ربه-تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- بها {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} {عَلَّمَهُ شَدِيدُالْقُوَى }[(251)]. و
لقوله[ﷺ] :"عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : ﴿„ إنِّي قَدْ 《 خَلَّفْتُ 》 فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا 《 كِتَابَ اللَّهِ؛ وَ سُنَّتِي 》، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّىٰ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾ فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ." [(252)]. و
جاء في خُطْبَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظةٍ آخرىٰ فِي حديث حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ النَّاسَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وجاء مِن بين بنودها أنه قَالَ ﴿„ ... يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ 《تَرَكْتُ 》 فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا 《 كِتَابَ اللَّهِ ؛ وَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ 》‟﴾ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [(253)]،وَ
برواية آخرىٰ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ﴿„ إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّىٰ يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾[(254)].
ولا نغفل أن رواية عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- جاءت بلفظ:" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ-﴿„ إِنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمُ اثْنَيْنِ لَنْتَضِلُّوا بَعْدَهُمَا أَبَدًا : كِتَابَ اللَّهِ وَ 《 نَسَبِي 》 ، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾ [(255)]. و
تأتي إضافةٌ أثبتها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-﴿„ إِنِّي قَدْ خَلَّفْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا ، 《مَا أَخَذْتُمْ بِهِمَا أَوْ عَمِلْتُمْ بِهِمَا 《 كِتَابَ اللَّهِ ، وَسُنَّتِي ، وَلَنْ تَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ‟﴾.[(256)].
و
خلاصةُ هذا الجزء مِن البحث أنه يجب الأخذ بكتاب الله -تعالى ذكره- والأخذ بسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهما علىٰ درجة واحدة مِن حيث الاعتماد عليهما؛ وبحوث إثباتات النبوة وتأكيد الرسالة تبدء -أصلاً- بإثبات الآلوهية؛ فتحقيق الربوبية -في عقولنا وافهامنا ومداركنا-؛ فتفعيل الحاكمية -في تصرفاتنا وأعمالنا وسلوكنا وأقوالنا-؛ ومن ثم إثبات أنه -سبحانه وتعالى- أرسل الرسل جميعاً - عليهم مِن الله تعالى السلام الرحمة والبركة- بشراً مبلغين وهاديين ومنذرين، وهذا مِن مبادئ الإسلام؛ بمعنىٰ الإيمان برُسِلِه وكتبه ؛ ومَن يراجع معي تلكم البحوث -والتي نشرت علىٰ موقع أهل العلم؛ يجد أنني بدأتُ في الحديث عنها -إثباتات النبوة وتأكيد الرسالة- منذ :
- عهد آدم أبي البشر -عليه السلام- و
- عززت ذلك بدعوة أبي الأنبياء إبراهيم الخليل وأبنه الذبيح إسماعيل ابن هاجر القبطية -المصرية- وما
- أثبته من قول كليم الله موسى بن عمران و
- بشرى المعجزة المسيح عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول -سلام الله تعالى عليهم وصلواته وبركاته أجمعين-.





-**-







وانتقل مِن اقوال السادة الأنبياء الكبار-صلوات الله تعالى وسلامه وبركاته عليهم أجمعين- إلىٰ باب مِن مجلد جديد؛ سأكمله بمشيئته تحت عنوان عريض


«معجزات النبي المختار»






فــ:
" عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ [(257)] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-《 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ ، إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ 》.[(258)].
وهناك زيادة مِن سنن الترمذي؛ باب المناقب أثبتها : 《 كَانَ [بِمَكَّةَ حَجَرًا] يُسَلِّمُ عَلَيَّ لَيَالِيَ بُعِثْتُ 》 . [(259)]
و
بيان[(260)] الحديث :
جاء في بعض الروايات أن هذا الحَجر هو الحَجرالأسود: و
قيل غيره، وأنه هو الذي في زقاق بمكة يعرف بزقاق الحجر: أي ولعله غير الحجر الذي به أثر المرفق، فقد ذُكر أنه اتكأ عليه بمرفقه، وهو الذي يقال له زقاق المرفق وغير الحجر الذي به أثر الأصابع[(261)]؛


و


الشيخ / علي القاري-رحمه الله تعالى- [[[المُلَّا علي القاري الهروي (ت. 1014هـ - 1606م؛ غير معروف سنة الميلاد!)]]] قد حدد موضعه وإمام أي باب من أبواب الكعبة!



و:" الْمَعْنَى يَلْتَئِمُ مَعَ خَبَرِ عَائِشَةَ ﴿„ لَمَّا اسْتَقْبَلَنِي جِبْرِيلُ بِالرِّسَالَةِ؛ جَعَلْتُ لَا أَمُرُّ بِــ《 حَجَرٍ》 وَلَا 《مَدَرٍ 》 وَلَا 《شَجَرٍ》 إِلَّا سَلَّمَ عَلَيَّ ‟﴾ [(262)].
فــ:" قَوْلُهُ : 《 كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ 》 أَيْ : يَقُولُ :« السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ »؛ كَمَا فِي رِوَايَةٍ « لَيَالِيَ بُعِثْتُ »، وَ
لَفْظُ مُسْلِمٍ 《 إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ 》[(263)].
قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَ


هنا اتطرق إلىٰ أمر آخر ففِي هَذَا إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي بعْضِ الْجَمَادَاتِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: { وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ }[(264)].
وَ
قَوْلِهِ تَعَالَى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}[(265)]. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ؛ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ.
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالملك بن عبيدالله[(266)] بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي - وكان واعية[(267)]- عن بعض أهل العلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أراد الله كرامته وابتدأه بالنبوة، « كان إذا خرج لحاجة -أي لقضاء حاجة الإنسان- أبعد حتىٰ تحسر عنه البيوت[(268)] -حتىٰ لا يرى ببناء- ويفضي إلىٰ شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: «السلام عليك يا رسول الله » [(269)]. وكان « يلتفت عن يمينه وشماله وخلفه فلا يرىٰ أحدا » [(270)]. .. فلا يرىٰ إلا الشجر والحجارة.
فمكث [ رسول الله-صلى الله عليه وسلم-] كذلك يرىٰ ويسمع، ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل -عليه السلام- بما جاءه من كرامة الله وهو بحراء في [شهر ] رمضان[(271)].
قال صاحب نور اليقين :" ليس في ذلك كبير إشكال فقد سخّر الله الجمادات للأنبياء قبله، فــ
- عصا موسى التقمت ما صنع سَحَرَة فرعون بعد أن تحوّلت حيّة تسعىٰ ثم رجعت كما كانت، ولما :
- ضرب بها الحجر نبع منه الماء اثنتي عشرة عيناً لكل سبط مِن أسباط بني إسرائيل عين. وكذلك:
- غيره مِن الأنبياء سخّر الله لهم ما شاء مِن أنواع الجمادات لتدلّ العقلاء علىٰ عظيم قدرهم وخَطَارة شأنهم. [(272)].

قلت(الرمادي) :
وبمراجعة سيرته العطره [إن صح الخبر] في بدايات عمره: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا أَشْرَفُوا عَلَىٰ الرَّاهِبِ هَبَطُوا فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ الرَّاهِبُ وَكَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ يَمُرُّونَ بِهِ فَلَا يَخْرُجُ إِلَيْهِمْ وَلَا يَلْتَفِتُ.. قَالَ : فَهُمْ يَحُلُّونَ رِحَالَهُمْ فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ حَتَّىٰ جَاءَ فَأَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ :« هَذَا سَيِّدُ الْعَالَمِينَ؛ هَذَا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَبْعَثُهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ »؛ فَــ
قَالَ لَهُ أَشْيَاخٌ مِنْ قُرَيْشٍ :"مَا عِلْمُكَ !".
وهنا الشاهد مِن سرد هذه الرواية كما ذكرها ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح : فَقَالَ : « إِنَّكُمْ حِينَ أَشْرَفْتُمْ مِنَ الْعَقَبَةِ لَمْ يَبْقَ ﴿„ شَجَرٌ وَلَا حَجَرٌ ‟﴾ إِلَّا خَرَّ سَاجِدًا ؛ وَلَا يَسْجُدْنَ إِلَّا لِنَبِيٍّ وَإِنِّي أَعْرِفُهُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ »[(273)].
وقريب مِن هذا ما رواه جَابِرٌ بْنِ عَبْدِاللَّهِ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِحَجَرٍ ، وَلَا شَجَرٍ إِلَّا سَجَدَ لَهُ. [(274)].
وإلى ذلك يشير مَن قال:

لم يبق من حجر صلب ولا شجر * إلا وسلم بل هناه ما وهبا

وإلىٰ ذلك يشير أيضا صاحب الهمزية بقوله:
والجمادات أفصحت بالذي أخـ * ـرس عنه لأحمد الفصحاء

أي والجمادات التي لا روح فيها نطقت بكلام فصيح لا تلعثم فيه: أي بالشهادة له بالرسالة ، ولم تنطق به أهل الفصاحة والبلاغة وهم الكفار من قريش وغيرهم.
وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- ، قَالَ :قَالَ » كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ فَخَرَجْنَا[(275)] فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ » [(276)]
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ ، قَدْ خَضَّبَهُ أَهْلُ مَكَّةَ بِالدِّمَاءِ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟
قَالَ : خَضَبَنِي هَؤُلَاءِ بِالدِّمَاءِ وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا ،
قَالَ : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ آيَةً ؟
قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : ادْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ . فَــ
دَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،فَجَاءَتْ تَخُطُّ الْأَرْضَ حَتَّىٰ قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ،
قَالَ : مُرْهَا فَلْتَرْجِعْ إِلَىٰ مَكَانِهَا .
قَالَ : ارْجِعِي إِلَىٰ مَكَانِكِ فَرَجَعَتْ، فَـــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : حَسْبِي" [(277)].



-*******-




يقول صاحب الحلبية[(278)] : وإلىٰ تسليم الحجر قبل البعثة يشير السبكي في تائيته بقوله:



وما جزت بالأحجار إلا وسلمت * عليك بنطق شاهد قبل بعثة



وأما في حديث عائشة فقد قالت: قال رسول الله: « لما أوحي إليّ جعلت لا أمرّ بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله » و
ما ذكره بعضهم أن الجن قالوا له بمكة: مَن يشهد أنك رسول الله؟
قال تلك الشجرة،
ثم قال لها مَن أنا؟ فــ
قالت: رسول الله ».. فليس من المترجم له. [(279)]
وفي الخصائص الصغرىٰ: وخُصَّ بتسليم الحجر، وبكلام الشجر، وبشهادتهما له بالنبوة، وإجابتهما دعوته. [(280)].
وفي كلام السهيلي[(281)].: يحتمل أن يكون نطق الحجر والشجر كلاما مقرونا بحياة وعلم. ويحتمل أن يكون صوتا مجردا غير مقترن بحياة وعلم. وعلىٰ كلٍ هو علم من أعلام النبوة.



وفي كلام الشيخ محيي الدين بن العربي: أكثر العقلاء، بل كلهم يقولون عن الجمادات لا تعقل، فوقفوا عند بصرهم. والأمر عندنا ليس كذلك؟ فإذا جاءهم عن نبيّ أو وليّ أن حجرا كلمه مثلا يقولون خلق الله فيه العلم والحياة في ذلك الوقت. والأمر عندنا ليس كذلك بل سر الحياة سار في جميع العالم[(282)].



وقد ورد « أن كل شيء سمع صوت المؤذن من رطب ويابس يشهد له، ولا يشهد إلا من علم وأطال في ذلك » وقال قد أخذ الله بأبصار الإنس والجن عن إدراك حياة الجماد إلا من شاء الله كنحن وأضرابنا ، فإنا لا نحتاج إلىٰ دليل في ذلك ، لكون الحق -تعالىٰ- قد كشف لنا عن حياتها عينا وأسمعنا تسبيحها ونطقها، وكذلك :
- اندكاك الجبل لما وقع التجلي إنما كان ذلك منه لمعرفته بعظمة الله -عز وجل-، ولولا ما عنده من العظمة لما تدكدك، والله أعلم. [(283)].
وعند البخاري حديث عن ابي هريرة:"فَقَالَ [رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-] بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَــ
قَالَتْ :" إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ ". وفي نفس الرواية يكمل :" رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّىٰ كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ ... فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ :" هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ .. يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي ". وينهي النبي الروايتين بقوله:" فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا". [(284)].
و " رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ-عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- : كَانَ عَلَىٰ شَطِّ مَاءٍ ، وَمَعَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَقَالَ :" لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَادْعُ ذَلِكَ الْحَجَرَ الَّذِي هُوَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِفَلْيَسْبَحْ وَلَا يَغْرَقْ " ، فَأَشَارَ الرَّسُولُ إِلَيْهِ ، فَانْقَلَعَ الْحَجَرُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ مَكَانِهِ ، وَسَبَحَ حَتَّىٰ صَارَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُولِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-،وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، وَشَهِدَ لَهُ بِالرِّسَالَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " يَكْفِيكَ هَذَا ؟ ".. قَالَ : " حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ "، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ، فَرَجَعَ إِلَىٰ مَكَانِهِ ".[(285)].
و
قال القسطلانى:" ولم أره لغيره [قصد فخرالدين الرازي في تفسيره] والله أعلم بحاله".[(285)].



(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية العطرة -على ٰصاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات وكامل البركات-؛ العهد المكي؛ أحداث ما قبل البعثة المحمدية.
نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :"
﴿ „ سلام الحجر والشجر والمدر والجبل عليه قبل مبعثه ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ] .
د. محمدفخرالدين بن إبراهيم الرمادي
السبت: ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٢ هـ ~ ٢يناير ٢٠٢١م


-*-*-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
06 / 01 / 2021, 23 : 04 PM
[ 76 ] : 》 ابتعاث آخر رسالات السماء 《
اراد الله -تعالىٰ- ابتعاث آخر رسالات السماء لأهل الأرض جميعاً؛ بعد أن وصل حالهم لما وصلوا إليه رحمةً منه بهم، واراد -تعالىٰ ذكره وجل قدره- إرسال متمم رسله وخاتم أنبيائه -صلىٰ الله عليه وآله وسلم- للثقلين الجن والإنس[(286)]، فاختار أفضل بقعة علىٰ وجه الأرض؛ واطهر موضع بجوار بيته العتيق الحرام، واختار أفضل قلب واطهره؛ وانبه عقل وازكاه؛ فاصطفىٰ مِن خلقه أحمدا؛ واجتبىٰ مِن ولد آدم محمدا وارتضاه للعالمين المصطفىٰ فأنزل أمين السماء جبرائيل -عليه السلام- علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد -صلى الله عليه وآله وسلم بخمس آيات ؛ الأول من سورة العلق؛ تحوي تكليفين:
- الأول: قراءة وتدبر كتابه الكريم المحفوظ في الصدور؛ الذكر الحكيم والفرقان المبين .. فيترتب علىٰ القراءة والتدبر سلوك يوافق الكتاب ومبني علىٰ سنته العطرة؛ فإنما بُعث- عليه السلام- رحمةً للعالمين : 》 اقرأ باسم ربك الذي خلق 《 ، و
- الثاني: قراءة فهمية وتدبر عقلي للكتاب -خلق الحياة والكون والإنسان- الذي في الكون منشور له -عليه السلام- ولمن سيؤمن به ويهتدي بسنته ويسير علىٰ طريقه ويلتزم منهجه، فيترتب علىٰ القراءة الفهمية للكتاب المنشور في الكون علماً يفيد البشرية جمعاء؛ فيأتي القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين بمفردة من مفردات الخلق وآحدىٰ آيات الإيجاد من عدم والتنشأة من لا شئ والتكوين بقوله تعالى : 》 كن فيكون 《 وصورة من صور تنشأة الكون والحياة ألا وهي الإنسان : 》 خلق الإنسان من علق 《، إذ سبحانه وتعالىٰ اختار زمان البعثة (مِن السنة الميلادية: 671) الخاتمة؛ ومكان الرسالة (نقطة الإبتداء: مكة المكرمة / ومِن ثمَّ نقطة الارتكاز: المدينة المنورة) المتممة واختار -سبحانه- أكرمَ إنسان لدعوته وأفضلهم رتبة لعرض رسالته؛ فهو -تعالى- خالق الزمان وموجد المكان ومحي الإنسان؛ وهذه اللحظة الانبعاثية لرسالة السماء -الجديدة- الخاتمة ولحظة نزول الوحي الآلهي -حدثت- في أعلىٰ منطقة تطل علىٰ كعبة الرحمن بيته المعظم فوق جبل النور بغار حراء كأنها إطلالة علوية آخرىٰ مِن علو الرسالة وعلو المبشر بها تجاور إطلالة مَلك الملآئكة -علو جبرائيل- فمنذ تلك اللحظة سينطلق بعدها نور الهداية الإسلامية وشعاع الوحدانية الربانية ليعم نور التوحيد الكون كله وشعاع تطبيق أحكام القرآن العملية وأحكام الحديث الحياتية التفصيلية كافة المعمورة بأكملها؛ فليست خصوصية المكان -مكة المكرمة- ستوقف الدعوة في مهدها؛ إذ أن الهداية لمَن علىٰ الأرض وسكانها؛ كما وأن خصوصية مَن نزل فيهم بدءاً لن تخصهم فقط؛ وإن كانوا يملكون زمام لغة الوحي المنزل من السماء -اللغة العربية الفصحى وليست اللهجات المحلية أو العامية- وإن كان اللفيف الأول من زوجةٍ عاقلة يجاورها رجل -من عائلتها- متخصص في علم الأديان، وابن عم لصاحب الرسالة تربىٰ علىٰ عين بصيرة في بيته منذ صباه، وصديق طريق... كانوا ومازالوا أشعة ضوئية في سيرتهم العطرة لمن سيجئ من بعدهم، وغيرهم -رضوان الله تعالىٰ ورضاه عليهم جميعا- كثير، بل ستتعداهم، وعليك أن تنظر بعد ذلك لهؤلاء السادة العلماء الكبار؛ علماء أمة الإسلام تجدهم مِن كل حدب اتوا وصوب جاءوا؛ فهذا الحبشي وهذا الفارسي وهذا الرومي وهذا الأعجمي وهذا البخاري وهذا النيسابوري وهذا القرطبي وهذا الأندلسي وهذا المِصري وهذا التونسي وهذا المغربي وهذا الموريتاني وهذا النمساوي وهذا الألماني وهذا الأمريكي، وضعوا بصمة ناصعة البياض في طريق فهم وتبليغ الإسلام بشقيه: الذكر الحكيم وهدي النبي الكريم.
في لحظات البعثة الأولىٰ؛ وهي لحظات حرجة كانت -رضي الله تعالى عنها- الأُولىٰ علىٰ كل الأوائل [فأين المرأة المسلمة اليوم؛ اين الأم والزوجة أين الأخت والعمة والخالة والجارة ] : الزوجة والصاحبة فــ :
1 . ] آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ -صاحبة العقل الراجح والنفس السامية العالية – [لطفاً ورجاءً: راجع ما كتبته-الرمادي- على صفحات موقع أهل العلم؛ ونشرته تحت عنوان : 》 أمهات المؤمنين 《] وَصَدَّقَتْ بِمَا جَاءَهُ -صلى الله عليه وآله وسلم-مِنْ اللَّهِ، وَوَازَرَتْهُ عَلَىٰ أَمْرِهِ، وَكَانَتْ أَوَّلَ مَنْ آمَنْ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَ مِنْهُ. فَخَفَّفَ اللَّهُ بِذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، لَايَسْمَعُ شَيْئًا مِمَّا يَكْرَهُهُ مِنْ رَدٍّ عَلَيْهِ وَتَكْذِيبٍ لَهُ، فَيُحْزِنُهُ ذَلِكَ، إلَّا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا إذَا رَجَعَ إلَيْهَا، تُثَبِّتُهُ وَتُخَفِّفُ عَلَيْهِ، وَتُصَدِّقُهُ وَتُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَمْرَ النَّاسِ، رَحِمَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ "[(287)].
في لحظات البعثة الأولىٰ؛ يأتي دور صاحب العلم ليثبت قلب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-ويقنعه بصحة ما سمعه وما رأه


فــ :





2 .] خَدِيجَةُ بَيْنَ يَدَيْ وَرَقَةَ تُحَدِّثُهُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامَتْ فَجَمَعَتْ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا، ثُمَّ انْطَلَقَتْ إلَىٰ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّهَا، وَكَانَ وَرَقَةُ قَدْ تَنَصَّرَ وَقَرَأَ الْكُتُبَ، وَسَمِعَ مِنْ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ رَأَى وَسَمِعَ؛ فَقَالَ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ :
》 قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ ، وَاَلَّذِي نَفْسُ وَرَقَةَ بِيَدِهِ ، لَئِنْ كُنْتِ صَدَّقْتِينِي يَا خَدِيجَةُ لَقَدْ جَاءَهُ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي كَانَ يَأْتِي مُوسَى، وَإِنَّهُ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَقُولِي لَهُ : « فَلْيَثْبُتْ » 《.
فَرَجَعَتْ خَدِيجَةُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ بِقَوْلِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ. [(288)]



في لحظات البعثة الأولىٰ؛ يأتي تأكيد عقلي يلحقه تثبيت لقلب الرسول مِن رجل متخصص في علم الأديان:
فَلَمَّا قَضَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جِوَارَهُ وَانْصَرَفَ، صَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بِهَا، فَلَقِيَهُ وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ : 》 يَاابْنَ أَخِي أَخْبِرْنِي بِمَا رَأَيْتَ وَسَمِعْتَ!!! 《 فَــ


أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ : 》 وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّكَ لَنَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَقَدْ جَاءَكَ النَّامُوسُ الْأَكْبَرُ الَّذِي جَاءَ مُوسَى وَ لَتُكَذَّبَنَّهُ وَ لَتُؤْذَيَنَّهُ وَ لَتُخْرَجَنَّهُ وَ لَتُقَاتَلَنَّهُ، وَلَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَأَنْصُرَنَّ اللَّهَ نَصْرًا يَعْلَمُهُ، ثُمَّ أَدْنَى رَأْسَهُ مِنْهُ، فَقَبَّلَ يَافُوخَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَى مَنْزِلِهِ . [(289)].
3 .] ابْتِدَاءُ تَنْزِيلِ الْقُرْآنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَابْتُدِئَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- بِالتَّنْزِيلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ،بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:
》 شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ 《 [(290)].
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ :
》 إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر ِ 《 [(291)]
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ :
》 حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين َ 《 [(292)].
وَقَالَ تَعَالَىٰ:
》 إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ 《 [(293)] وَ
ذَلِكَ مُلْتَقَىٰ رَسُول ِاللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ.


قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ رَمَضَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ تَتَامَّ الْوَحْيُ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- . وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاَللَّهِ مُصَّدِّقٌ بِمَا جَاءَهُ مِنْهُ، قَدْ قَبِلَهُ بِقَبُولِهِ، وَتَحَمَّلَ مِنْهُ مَاحَمَلَهُ عَلَىٰ رِضَا الْعِبَادِ وَسَخَطِهِمْ، وَالنُّبُوَّةُ أَثْقَالٌ وَمُؤْنَةٌ، لَا يَحْمِلُهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ بِهَا إلَّا أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَىٰ وَتَوْفِيقِهِ، لَمَا يَلْقَوْنَ مِنْ النَّاسِ وَمَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ مِمَّا جَاءُوا بِهِ عَنْ اللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَىٰ.
قَالَ : فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَٰ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ، عَلَىٰ مَا يَلْقَىٰ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْأَذَىٰ[(294)].
4 .] :" ذِكْرُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ[(295)] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوَّلُ ذَكَرٍ أَسْلَمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ مِنْ النَّاسِ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَصَلَّىٰ مَعَهُ وَصَدَّقَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَىٰ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ- رِضْوَانُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-، وَهُوَ يَوْمئِذٍ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. [(296)]
5 . ] :" إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ[(297)] ثَانِيًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ الْكَلْبِيُّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ أَوَّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ ، وَصَلَّى بَعْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ."[(298)].
6 .] :" إسْلَامُ أَبِي بَكْرٍ[(299)]الصِّدِّيقِ[(300)] -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَشَأْنُهُ
[نَسَبُهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُوبَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ ، وَاسْمُهُ عَتِيقٌ ، وَاسْمُ أَبِي قُحَافَةَ عُثْمَانُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِمُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاسْمُ أَبِي بَكْرٍ: عَبْدُاللَّهِ ، وَعَتِيقٌ: لَقَبٌ لِحَسَنٍ وَجْهُهُ وَعِتْقُهُ
[إِسْلَامُهُ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَظْهَرَ إسْلَامَهُ ، وَدَعَا إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ .
[مَنْزِلَتُهُ فِي قُرَيْشٍ وَدَعْوَتُهُ لِلْإِسْلَامِ]
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مَأْلَفًا لِقَوْمِهِ ، مُحَبَّبًا سَهْلًا ، وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ لِقُرَيْشٍ ، وَأَعْلَمَ قُرَيْشٍ بِهَا ، وَبِمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ ؛ وَكَانَ رَجُلًا تَاجِرًا ، ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرِ ، لِعِلْمِهِ وَتِجَارَتِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ ، فَجَعَلَ يَدْعُو إلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثِقَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ ، مِمَّنْ يَغْشَاهُ وَيَجْلِسُ إلَيْهِ . "[(301)]
7. ] :" ذِكْرُ مَنْ أَسْلَمَ مِن ْالصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
[إسْلَامُ عُثْمَانَ[(302)]وَ
الزَّبِيرِ[(303)] وَ
عَبْدِالرَّحْمَنِ[(304)] وَ
سَعْدٍ[(305)] وَ
طَلْحَةَ [(306)]]
قَالَ : فَأَسْلَمَ بِدُعَائِهِ - فِيمَا بَلَغَنِي؛ الحديث لابن اسحاق –
- عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَ
- الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ . بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ وَ
- عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِعَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،وَ
- سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبُ بْنُ عَبْدِمَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،وَ
- طَلْحَةُبْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، فَجَاءَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ اسْتَجَابُوا لَهُ فَأَسْلَمُوا وَصَلَّوْا .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" مَا دَعَوْتُ أَحَدًا إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا كَانَتْ فِيهِ عِنْدَهُ كَبْوَةٌ ، وَنَظَرٌ وَتَرَدُّدٌ ، إلَّا مَا كَانَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ ، مَا عَكَمَ عَنْهُ حِينَ ذَكَرْتُهُ لَهُ ، وَمَا تَرَدَّدَ فِيهِ".
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ : بِدُعَائِهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ : عَكَمَ : تَلَبَّثَ ، قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ:



وَانْصَاعَ وَثَّابٌ بِهَا وَمَا عَكَمَ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ سَبَقُوا النَّاسَ بِالْإِسْلَامِ ،فَصَلَّوْا وَصَدَّقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا جَاءَهُ مِنْ اللَّهِ . "[(307)]".
8 . ] إسْلَامُ أَبِي عُبَيْدَةَ[(308)] ، وَ
أَبِي سَلَمَةَ[(309)]، وَ
الْأَرْقَمِ[(310)] ، وَ
أَبْنَاءِ مَظْعُونٍ[(311)] ، وَ
عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ[(312)] ، وَ
سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ[(313)] وَ
امْرَأَتِهِ[(314)] ، وَ
أَسْمَاءَ[(315)] ، وَ
عَائِشَةَ[(316)] ، وَ
خَبَّابٍ[(317)]]
ثُمَّ أَسْلَمَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَاسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ. وَ
أَبُو سَلَمَةُ ، وَاسْمُهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ،
وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ: وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُمَنَافِ بْنِ أَسَدٍ- وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنَّى أَبَا جُنْدُبِ -بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَ
أَخَوَاهُ قَدَامَةُ وَعَبْدُاللَّهِ ابْنَا مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبٍ.
وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ.
وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ؛ وَ
امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رَزَاحِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، أُخْتُ عُمَرَ بْن ِالْخَطَّابِ.
وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ .
وَخَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ : هُوَ مِنْ خُزَاعَةَ ".
9. ] إسْلَامُ عُمَيْرٍ[(318)] وَابْنِ مَسْعُودٍ[(319)] وَابْنِ الْقَارِّيِّ[(320)]]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ، أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ[(321)].
وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ . بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ
وَمَسْعُودُ بْنُ الْقَارِّيِّ ، وَهُو َمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلِّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ الْقَارَّةِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَالْقَارَّةُ : لَقَبٌ( لَهُمْ ) وَلَهُمْ يُقَالُ :

قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَّةَ مَنْ رَامَاهَا

وَكَانُوا قَوْمًا رُمَاةً [(322)]".(*)

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية العطرة -علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم التسليمات وكامل البركات-.
العهد المكي؛
[ 76 ] ابتعاث 《آخر رسالات السماء》؛ وبداية 《نبوة خاتم الأنبياء؛ وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين》
نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ بدايات نبوته ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ] .
د. محمد الرمادي
الأربعاء: 23 جمادى الأولى 1442 هــ ~ 06 يناير 2021م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
(*) بإذنه تعالى سأكتب مجلدا عن الشخصيات المحورية !
: (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
08 / 01 / 2021, 24 : 02 AM
[ 77 ] : 《 وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين》؛
نال شرف قراءة ومراجعة وكتابة هذاالفصل :" ﴿ بدايات نبوته ﴾ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ] .
د. محمد الرمادي




》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《 》《

[٥]المجلد الخامس:





الْمُقَدِّمَة:
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[(1)].
{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً} [(2)].
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[(3)].
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين}[(4)].
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [(5)].
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا}
{وَبَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيرًا}[(6)].
{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون}[(7)].





-****-




[١.] الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: بدء الوحي(*) :







بداية العهد المكي:





لما قربت أيام الوحي حَبَّبَ اللَّهُ إِلَيْهِ الْخَلْوَةَ وَالتَّعَبُّدَ لِرَبِّهِ [(8)].[(9)]. وَكَانَ يَخْلُو بِـ » غَارِحِرَاءٍ « يَتَعَبَّدُ فِيهِ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ [(10)].





وَحَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يوضح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُجَاوِرُ[(11)]. بِغَارِ حِرَاءٍ[(12)] وَيَتَحَنّثُ فِيهِ[(13)]،




- الْحِنْثُ، وَهُوَ الْحِمْلُ الثّقيل، و
كذلك التّقَذّرُ، إنّمَا هُوَ تَبَاعُدٌ عَن ْالْقَذَرِ، وَأَمّا :


- التّحَنّفُ بِالْفَاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّبَرّرِ؛ لِأَنّهُ مِنْ الْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ؛ خليل الرحمن -عليه السلام-، وَإِنْ كَانَ الْفَاءُ مُبْدَلَةً مِنْ الثّاءِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ التّقَذّرِ وَالتّأَثّمِ، [(14)].[(15)]. فــ
- اللفظة من الضداد.
ثم
يرجع- ﷺ - إلىٰ أهله فيتزود لمثلها، وكانت :


- عبادته علىٰ دين إبراهيم -عليه السلام-، وَ
- بُغِّضَتْ إِلَيْهِ الْأَوْثَانُ وَدِينُ قَوْمِهِ ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ . [(16)].







قَالَ- ﷺ -: " يَا خَدِيجَةُ ، وَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَ هَذِهِ الأَصْنَامِ شَيْئًا قَطُّ وَلا الْكُهَّانِ".[(17)].



عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ بَأَجْيَادٍ[(18)]. إِذْ رَأَى مَلَكًا وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَىٰ الأُخْرَىٰ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ يَصِيحُ:


" يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ[(19)].، يَا مُحَمَّدُ أَنَا جِبْرِيلُ" ، فَــ


ذُعِرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ، وَ
جَعَلَ يَرَاهُ كُلَّمَا رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَىٰ السَّمَاءِ ، فَــ
رَجَعَ سَرِيعًا إِلَىٰ خَدِيجَةَ فَأَخْبَرَهَا خَبَرَهُ ، وَقَالَ :


" يَا خَدِيجَةُ ، وَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَ هَذِهِ الأَصْنَامِ شَيْئًا قَطُّ وَلا الْكُهَّانِ ، وَإِنِّي لأَخْشَى أَنْ أَكُونَ كَاهِنًا "(!!!) ،



قَالَتْ : 《 كَلا يَا ابْنَ عَمِّ لا تَقُلْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِكَ أَبَدًا، إِنَّكَ :
1.] لَتَصِلُ الرَّحِمَ ،
وَ
2.] تَصْدُقُ الْحَدِيثَ ،
وَ
3.] تُؤَدِّي الأَمَانَةَ ، وَ
إِنَّ
4.] خُلُقَكَ لَكَرِيمٌ 》 ،
ثُمَّ



انْطَلَقَتْ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَهِيَ أَوَّلُ مَرَّةٍ أَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ مَا أَخْبَرَهَا بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، فَــ


قَالَ وَرَقَةُ : « وَاللَّهِ إِنَّ ابْنَ عَمِّكِ لَصَادِقٌ ، وَإِنَّ هَذَا لَـــ 《 بِدْءُ نُبُوَّةٍ 》، وَإِنَّهُ لَيَأْتِيهِ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ ، فَمُرِيهِ أَنْ لا يَجْعَلَ فِي نَفْسِهِ إِلا خَيْرًا ».
و
كان لا يرى رؤيا[(20)]. إلا جاءت مثل فلق الصبح، وكانت تلك الرؤيا الصادقة مقدمات الوحي. و


قيل مدتها ستة أشهر. [(21)].
فلما تم له أربعون [(22)]. سنة جاء جبريل [أمين وحي السماء] بالنبوة وذلك في يوم الأثنين لسبع عشرة خلت من رمضان للسنة الحادية والأربعين من ميلاده -ﷺ-، فــ


يكون عمره إذ ذاك أربعين سنة قمرية وستة أشهر وثمانية أيام، وذلك :
يوافق 《 6 أغسطس سنة 610 م 》 وهو بغار حراء.





تحقيق المسألة :


جاء في صحيح محمد بن إسماعيل البخاري عن أن أم المؤمنين عائشة [(23)] بنت أبي بكر الصديق . -رضي الله عنها؛ وعن أبيها- أنها قالت:
" أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي:



1.] الرؤيا الصالحة في النوم .... فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح.[(24)]
ثم :
2.] حبب إليه الخلاء [(25)] . وكان يخلو بغارحراء [(26)] . فيتحنث فيه : وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله[(27)] . ويتزود لذلك [(28)] . ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق [(29)] . وهو بغار حراء فجاءه الملك [(30)] . فقال له 《أقرأ》،فــ
قال له « ما أنا بقارئ(!؟)» [(31)] .
قال« فأخذني فغطني [(32)] . حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني». فــ قال 《أقرأ》. فــ
قلت « ما أنا بقارئ (!؟)» ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فــ قال 《أقرأ》 فــ
قلت « ما أنا بقارئ (!؟)» فغطني ثالثة ثم أرسلني فقال 《أقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، أقرأ وربك الأكرم》، فرجع بها [(33)] رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة-رضي الله عنها- يرجفُ فؤادُهُ فدخل علىٰ خديجة بنت خويلد فــ
قال:« زملوني زملوني »[(34)] ، فزملوه ؛ حتىٰ ذهب عنه الرَّوعُ. فقال لـ خديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي [(35)] .فـــ


قالت خديجة :كلا والله ما يحزنك الله أبداً[(36)] إنك لـ
1.] تصل الرحم [(37)]
و
2.] تحمل الكل [(38)]
و
3.] تكسب المعدوم [(39)] .
و
4.] تقرى الضيف
و
5.] تعينُ علىٰ نوائب الحق[(40)]..... فانطلقت به خديجة حتىٰ أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى ابن عم خديجة ، وكان أمرأً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني. فيكتب من الأنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخاً كبيرا قد عمى. فـــ


قالت له خديجة :" يا ابن عم(!) اسمع من ابن أخيك "[(41)] ، فــ
قال لي ورقة :" يا ابن أخي ماذا ترى(!؟). فــ
أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى، فــ


قال له ورقة :"هذا 《الناموس》[(42)] . الذي نزل علىٰ موسىٰ ، يا ليتني فيها[(43)] جذعاً[(44)] ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك[(45)]. فـــ


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أومخرجي هم(!؟)»،
قال:" نعم. لم يأتِ رجلٌ قط بمثل ما جئت به الا عودي، وأن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزراً [(46)].
ثم
لم ينشب ورقة أن توفى
و « فتر الوحي » [(47)].
فــ أول ما نزل عليه صلى الله عليه وسلم مِن القرآن 《اقرأ》 كما صح ذلك عن عائشة؛ و
روي ذلك عن أبي موسىٰ الأشعري وعبيد بن عمير.
قال النووي:" وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف".



فائدة:



كان له ﷺ من العمر ثلاث وستون سنة، منها: أربعون قبل النبوة، وثلاث وعشرون نبيًّا رسولًا، نُبِّئَ بـ إقرأ:" نزول الوحي[(48)].
و
جاءه جبريل في غار حراء، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ ، قال: اقرأ، قال: لست بقارئ ، فغتَّه[(49)]. حتى بلغ منه الجهد، فقال له: اقرأ، فقال: لست بقارئ [(50)].[(51)]. وبهذه السورة كانﷺ نبيًّا، [راجع :" أَوَّلِ مَا نَزَلَ عَلَيْه".]
ثم
أرسله الله تعالىٰ بسورة المدثر إلىٰ الإنس والجن،
قال ﷺ بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتًا من السماء فرفعتُ بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرُعبْتُ منه، فرجعت فقلت زمِّلوني، فأنزل الله تعالى: يا أيها المدثر[(52)].إلى قوله :{ والرجز فاهجر }.[(53)]. فحميَ الوحيُ وتتابع [(54)].[(55)].
و
بهذه السورة كان رسولًا ﷺ.- فــ أُرسل بالمدثر، وبلده مكة، وهاجر إلىٰ المدينة، بعثَهُ الله بالنذارة عن الشرك، ويدعو إلىٰ التوحيد، أخذ علىٰ هذا عشر سنين يدعو إلىٰ التوحيد.









اقول(الرمادي): هذه سُنته ﷺ وطريقته العملية وهديه في تبليغ شرع ربه ﷻوحين غابت سنته وطريقته عن اذهان المسلمين اصابنا ما نحن فيه اليوم من أضطراب في فهم الإسلام وضعف شديد طرأ على الأذهان في أدراك وفهم الإسلام(!؟).





الدعوة إلىٰ الإسلام
بدأ ﷺ بالدعوة إلىٰ الله تعالىسرًا، فأسلم علىٰ يديه: السابقون الأولون، [انظر: ابتعاث 《آخر رسالات السماء》]
لا خلاف أن مبعثه كان يوم الإثنين، و
قيل بأن الشهر كان ربيع الأول سنة إحدىٰ وأربعين لثمانٍ خلون منه، من عام الفيل وهذا قول الأكثرين[(56)].



" فَلَمَّا كَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ ، أَشْرَقَ عَلَيْهِ نُورُ النُّبُوَّةِ وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ بِرِسَالَتِهِ ، وَبَعَثَهُ إِلَىٰ خَلْقِهِ وَاخْتَصَّهُ بِكَرَامَتِهِ ، وَجَعَلَهُ أَمِينَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ . وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَبْعَثَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَ




اخْتُلِفَ فِي شَهْرِ الْمَبْعَثِ . فَــ
- قِيلَ : لِثَمَانٍ مَضَيْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ إِحْدَىٰ وَأَرْبَعِينَ مِنْ عَام ِالْفِيلِ ، هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَ
- قِيلَ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ ،وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }[(57)] ،


قَالُوا : أَوَّلُ مَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ بِنُبُوَّتِهِ أَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ ، وَإِلَىٰ هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يحيىٰ الصرصري حَيْثُ يَقُولُ فِي نُونِيَّتِهِ :

وَأَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَأَشْرَقَتْ *شَمْسُ النُّبْوَةِ مِنْهُ فِي رَمَضَانِ[(58)].





وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا : إِنَّمَا كَانَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ إِلَىٰ بَيْتِ الْعِزَّةِ ، ثُمَّ أُنْزِلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً [(59)].
وَ
- قَالَتْ طَائِفَةٌ : أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ، أَيْ فِي شَأْنِهِ وَتَعْظِيمِهِ وَفَرْضَ صَوْمِهِ .
وَ
- قِيلَ : كَانَ ابْتِدَاءُ الْمَبْعَثِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ[(60)].
وَ
كَمَّلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ مَرَاتِبَ الْوَحْيِ[(61)]. مَرَاتِبَ عَدِيدَةً :
إِحْدَاهَا : الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ ، وَكَانَتْ مَبْدَأَ وَحْيِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ، وَكَانَ لَا يَرَىٰ رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ .



الثَّانِيَةُ : مَا كَانَ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ فِي رَوْعِهِ وَقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنَّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ عَلَىٰ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يُنَالُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ ».



أَخْرَج عَبْدُالرَّزَّاقِ ، عَنْ مَعْمَرٍ ،عَنْ عِمْرَانَ ، صَاحِبٍ لَهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:» مَا تَرَكْتُ شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنِ النَّارِ إِلَّا قَدْ بَيَّنْتُهُ لَكُمْ ، وَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهَا لَا تَمُوتُ نَفْسٌ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ أَقْصَى رِزْقِهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ ، وَلَا يَحْمِلَنَّ أَحَدَكُمُ اسْتِبْطَاءُ رِزْقِهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَىٰ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ ».[(62)].



الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَمَثَّلُ لَهُ الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُخَاطِبَهُ حَتَّىٰ يَعِيَ عَنْهُ مَا يَقُولُ لَهُ ، وَفِي هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ كَانَ يَرَاهُ الصَّحَابَةُ أَحْيَانًا .



الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ، وَكَانَ أَشَدَّهُ عَلَيْهِ ، فَيَتَلَبَّسُ بِهِ الْمَلَكُ حَتَّىٰ إِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ ، وَحَتَّىٰ إِنَّ رَاحِلَتَهُ لِتَبْرُكُ بِهِ إِلَىٰ الْأَرْضِ إِذَا كَانَ رَاكِبَهَا . وَلَقَدْ جَاءَ الْوَحْيُ مَرَّةً كَذَلِكَ وَفَخِذُهُ عَلَىٰ فَخِذِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ كَادَتْ تَرُضُّهَا .



الْخَامِسَةُ : أَنَّهُ يَرَىٰ الْمَلَكَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا ، فَيُوحِي إِلَيْهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَهُ ، وَهَذَا وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ ﷻ ذَلِكَ [(63)] .



السَّادِسَةُ : مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ ﷻ وَهُوَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا .



السَّابِعَةُ : كَلَامُ اللَّهِ ﷻ لَهُ مِنْهُ إِلَيْهِ بِلَا وَاسِطَةِ مَلَكٍ ، كَمَا كَلَّمَ اللَّهُ ﷻ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ -سلام الله تعالى عليه- ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ ثَابِتَةٌ لِمُوسَى قَطْعًا بِنَصِّ الْقُرْآنِ ، وَثُبُوتُهَا لِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َسَلَّمَ- هُوَ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ .
وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ مَرْتَبَةً :


ثَامِنَةً: وَهِيَ تَكْلِيمُ اللَّهِ ﷻ لَهُ كِفَاحًا مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ ، وَهَذَا عَلَىٰ مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى....
وَ
هِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، وَإِنْ كَانَ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ بَلْ كُلُّهُمْ مَعَ عائشة كَمَا حَكَاهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ إِجْمَاعًا لِلصَّحَابَةِ [(64)].
و
كان أول مَن أسلم خديجة -رضي الله عنها-،ثم علي ثم زيد بن حارثة، ثم أبو بكر -رضي الله عنهم-، ثم دخل الناس في دين الله واحد بعد واحد، حتىٰ فشىٰ الإسلام في مكة، ثم أمر الله تعالى نبيه ﷺ بأن يجهر بالدعوة [(65)]. [(66)].، فدعاهم إلىٰ الله، وصعد علىٰ الصفا وقال: « يا بني فهر، يا بني عدي لبطون قريش، حتىٰ اجتمعوا، فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا تخرج عليكم بسفح هذا الوادي أكنتم مصدقي(!؟) »
قالوا: " نعم (!) ؛ ما جرَّبنا عليك كذبًا"،
قال: « فإني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد»[(67)].
وقد ناصبه صناديد قريش ومَن معهم العداء، ولكن مع ذلك لم يستطع أحد منهم أن يتهمه بصفة الكذب أو صفة غير لائقة، وقد قال الله تعالى؛ فأنزل فيه قرآناً[(68)].... فــ لو عرفوا خُلُقًا ذميمًا فيه ما سكتوا عنه(!!!)– وقد عاش بينهم أربعين عامًا -؛ لأراحهم من التنقيب عن خصلة غير حميدة يتهمونه بها أمام الناس، فوجدوا أن كلمة (ساحر) و (كاهن) هي أنسب الصفات التي يطلقونها عليه؛ حيث يفرق بدعوته إلىٰ الله ﷻ بين الأب وابنه، والأخ وأخيه، والزوجة وزوجها، واتهموه بالجنون (حاشا لله)؛ لأنه خالف شركهم ودعا إلىٰ عبادة الله وحده، وتابع دعوته إلىٰ الله في المواسم، والأسواق، وخرج إلىٰ الطائف، وأسلم الجن في طريقه عند رجوعه من الطائف، وحصل له من الأذىٰ الكثير فصبر واحتسب.











و اقول(الرمادي):
هذا يحتاج إلىٰ دراسة ومراجعة وتفصيل وفهم مع إدراك الجزئيات المتعلقة بسير الدعوة في مجتمع مكة لنتمكن من إنزالها على واقعنا المعاصر...

-***-


وَاللَّهُ-تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ وجَلَّ قَدْرُه - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ











أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى



الخميس: 24 جمادى الأولى 1442 هــ ~ 07 يناير 2021 م.
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مِنْ فيض كرمه -سبحانه وتعالى- ومزيد فضله وعظيم توفيقه أنه -ﷻ- مكنني مِن قراءة ومراجعة أمهات الكتب وعيون الاثر ومِن ثَمَّ تحضير وكتابة ثم صياغة المجلدات الأربعة والتي نشرت تباعاً علىٰ موقع أهل العلم ؛ والذي يُبث من قلب المملكة العربية السعودية؛ المدينة المنورة؛ عاصمة النور النبوي؛ وهذا مِن تفضل وسماحة مدير الموقع/ الأستاذ الأخ: شريف حمدان؛ فـ أشكر الله تعالى أولاً ثم أشكره على تثبيت المجلدات في صدر الصفحة الرئيسة للموقع؛ ، وها أنا أشرع في بداية المجلد الخامس فــ ارجوه - خالقي ورازقي - وادعوه أن يثبت قدمي على الطريق المستقيم ويبصر عقلي بالفهم الصحيح وينور قلبي بــ فهم صحيح مستقيم لكتابه العزيز وسنة نبيه الكريم ﷺ... فمن اللهتعالى التوفيق والسداد والصلاح !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
: (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 01 / 2021, 47 : 12 AM
[ 78 ]: " قُولُوا .. لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ .. تُفْلِحُوا ".
:" قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا[(69)]
هذه المرحلة؛ والتي ابدء الحديث عنها - أقصد المرحلة -العهد- المَكيَّة بمقدماتها وارهاصاتها وأحداثها وتقسيماتها وروابطها ومفاصلها وشخصياتها المحورية - هي المرحلة الأولىٰ مِن مراحل البعثة المحمديَّة؛ وهي بدايات الرسالة النبويَّة المصطفويَّة الأحمديَّة؛ هذه المرحلة تبدءُ تأريخيا بـ (١٣) ثلاثة عشر عاماً قبل الهجرة[(70)] المباركة مِن مَكةَ المكرمة إلىٰ يثرب والتي سيطلق عليها لاحقاً مدينة رسول الإسلام -المدينة المنورة؛ والتي طيَّب الله ثراها بمرقده ومِن بعده بجواره وزيريه في الأرض: صديق هذه الأمة وخليفته الأول في إدارة شؤون المسلمين وفق الكتاب والسُنَّة المحمديَّة، وفاروقها؛ الثاني في الخلافة الراشدة علىٰ منهاج النبوة-، وهي السَنة التي تقارب (٦٠٩) الميلادية[(71)].
لقد كان ﷺ في مرحلة النبوة[(72)] يخاف من الوحي يأتيه بإحدىٰ صوره؛ ولذلك كان يأتي لخديجةَ -رضي الله عنها وارضاها- شاكيا، ويقول لها: 《 خشيت علىٰ نفسي 》[(73)]، ويصف الرجل الذي يظهر أمامه ويقول: 《 سطا عليَّ الرجل 》[(74)]، وكان يجري منه محاولا الهرب مِن أمامه. [(75)]
أما في مرحلة الرسالة[(76)] فكان يأنس بالوحي، ويتعجله، ويخاف أن يتركه ولا يأتيه[(77)]
ولقد اختلف الوحي مع محمد -صلى الله عليه وسلم- في فترة النبوة عن الوحي في فترة الرسالة[(78)]،يقول القاضي عياض[(79)]:«وإنما بدأ الوحي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرؤيا؛ لئلا يفجأة الملَك، ويأتيه بصريح النبوة بغتة، فلا تتحملها قواه البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا، وما جاء من :
* . ] رؤية الضوء[(80)]،
و
* . ] سماع الصوت[(81)]،
و
* . ] تسليم الحجر والشجر عليه بالنبوة»[(82)]، حتىٰ يستشرف عظيم ما يراد به، ويستعد لما ينتظره، فلم يأته الملَك إلا بأمر عنده مقدماته[(83)]
يقول ابن كثير[(84)] الدمشقي:« ... بدء الوحي بصورة التدرج يهدئ القلب، ويطمئن النفس..». [(85)]
ومن صور الوحي في بدايته ما يلي:
1-. ] الرؤيا الصادقة:
إذا نام الإنسان انقطع عن عالم الناس، وعاش مع باطنه وإدراكاته اللاشعورية، وخلال النوم تهيم نفس النائم في رؤىٰ تتضمن أفكارا وأحداثا، لا يمكن له أن يتصور حدوثها في حالة اليقظة؛ ولذا كانت الرؤىٰ المنامية تدريباً للإنسان وهو في عالم اللاشعور، علىٰ ما سوف يراه في عالم الإدراك والشعور[(86)].
ولقد كان من رحمة الله برسوله محمد - صلى الله عليه وسلم أن بدأه الوحي بالرؤيا الصادقة، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: «أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح»[(87)]
وبذلك كان الوحي يُعْلِمُ رسول الله وهو نائم بما يريده الله تعالىٰ في رؤىٰ صادقة، صالحة، خالية من الضغث والوهم، وكانت رؤىٰ الوحي في وضوحها وظهورها تشبه ضوء الصبح في بيانه وسطوعه.
جاء في فتح الباري أنه «ثبت في مراسيل عبيد بن عمير أنه صلى الله عليه وسلم أوحي إليه أولا في المنام حتىٰ أتاه الملَك بعد ذلك في اليقظة علىٰ الصورة التي أتاه بها في المنام»[(88)]، وقد تعددت الرؤىٰ المنامية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يندهش لذلك..
ومنها[(89)] :
- رأى أن آتٍ أتاه، ومعه صاحبان له، فنظروا إليه فقالوا: «هو ، هو»، ثم ذهبوا.. فهاله ذلك، وتساءل عما رأى، وعن حديثهم أمامه، فقال له عمه أبو طالب: « يابن أخي، ليس بشيء»[(90)].
- وأتاه هذا الآتي مرة أخرى، فجاء لعمه، وقال له: 《 يا عم، سطا بي الرجل الذي ذكرت لك، فأدخل يده في جوفي حتى أني أجد بردها 》، فخرج به عمه إلى رجل من أهل الكتاب يتطيب بمكة، فحدثه حديثه، وقال: عالجه، فصوب به، وصعد، وكشف عن قدميه، ونظر بين كتفيه، وقال: «يابن عبدمناف، ابنك هذا طيب طيب، للخير فيه علامات، إن ظفرت به يهود قتلته،وليس الرائي شيطانا، ولكنه من النواميس الذين يتحسسون بها القلوب للنبوة»، فرجع به[(91)]
- رأى في منامه أن سقف بيته نزعت منه خشبة، وأدخل فيه سلم من فضة، ثم نزل إليه رجلان، فأراد أن يستغيث فمنع من الكلام، فقعد أحدهما إليه، والآخر إلى جنبه، وأدخل أحدهما يده في جنبه فنزع ضلعين منه، وأدخل يده في جوفه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجد بردها، فأخرج قلبه، فوضعه على كفه، وقال لصاحبه: «نعم القلب قلب رجل صالح»، فطهر قلبه وغسله، ثم أدخل القلب مكانه، ورد الضلعين، ثم ارتفعا، ورفعا سلمهما، فإذا السقف كما هو، فذكر ذلك لــخديجة بنت خويلد فقالت له: «أبشر، فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا، هذا خير فأبشر»[(92)].
- ورأى في منامه جبريل ومعه نمط من ديباج فيه كتاب فقال له: اقرأ.



[وقد ذكرتُ الحديث في :" [ ٥ ] المجلد الخامس؛ { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }"، فليراجع هناك؛ مِن منشورات موقع << أهل العلم>>.]
فقال له: "ما أقرأ؟ ".
فغته به حتى ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال: اقرأ.
قال صلى الله عليه وسلم: "ماأقرأ؟".
فغته به حتى ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الموت، ثم أرسله فقال له: اقرأ.
قال صلى الله عليه وسلم: "ماذا أقرأ؟ "، قال ذلك إلا افتداء منه أن يعود إليه بمثل ما صنع.
قال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } .
فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انتهى فانصرف جبريل، وهب رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه، قال: "فكأنما كتب في قلبي كتابا"، فذكر ذلك لخديجة فقالت: أبشر،فإن الله لا يصنع بك إلا خيرا [(93)].
وهكذا...
تعددت الرؤى، وركزت على قضية إعلام الرسول بنبوته، وتطهيره، وإعلامه ما ينتظره من أحوال وأعمال، حتى لا يفجأه الملَك على صورته الحقيقة، فيصاب بالخوف والاضطراب. [(94)]
إن هذه المقدمة بيان لأهمية الرؤىٰ، وإبراز لدورها في تهيئة الإنسان لأحداث عالم اليقظة، وبخاصة إذا كانت الأحداث غريبة مدهشة.[(95)]
2- . ] نداءات الملائكة:
من صور الوحي الذي بدأ برسول الله ﷺ نداء الملائكة عليه، وإعلامهم إياه بنبوته، وهو لا يعرف المنادِي، ولا يمكنه تحديد مصدر النداء..
من ذلك ما رواه ابن كثير بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: 《 إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، وقد خشيت والله أن يكون لهذا أمر 》[(96)].
قالت: «معاذ الله، ما كان الله ليفعل ذلك بك، فوالله إنك لتؤدي الأمانة، وتصل الرحم، وتصدق الحديث».
فلما دخل أبو بكر، قالت له خديجة:« يا عتيق، اذهب مع محمد إلىٰ ورقة»[(97)]
فلما دخل رسول الله صلى اللهعليه وسلم أخذ أبو بكر بيده، فقال: «انطلق بنا إلىٰ ورقة».
قال: « ومن أخبرك؟»
قال: «خديجة».
فانطلقا إليه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: 《 إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد، يا محمد، فأنطلق هاربا في الأرض 》.
فقال له:« لا تفعل إذا أتاك فاثبت، حتى تسمع ما يقول لك، ثم ائتني فأخبرني».
فلما خلا ناداه: «يا محمد، قل: { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } حتى بلغ { وَلا الضَّالِّينَ } قل: لا إله إلا الله»، فأتى محمدُ ورقةَ، فذكر له ذلك، فقال له ورقة: «أبشر ثم أبشر، فأنا أشهد أنك الذي بشر بك ابن مريم، وإنك على مثل ناموس موسى، وإنك نبي مرسل» [(98)]
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: 《 خرجت مرة حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول: «يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل»، فرفعت رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء، فرفعت أنظر إليه فما أتقدم وما أتاخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء، فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك، فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي وما أتأخر ورائي، حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي فبلغوا مكة، ورجعوا إليها، وأنا واقف في مكاني ذلك، ثم انصرفت راجعا إلى أهلي 》. 《 حتى أتيت خديجة فجلست إليها 》 فقالت: «يا أبا القاسم ،أين كنت؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك، فبلغوا مكة، ورجعوا إلي!!»
《 ثم حدثتها بالذي رأيت فقالت: «أبشر يابن عم واثبت،فوالذي نفسي بيده، إني أرجو أن تكون نبي هذه الأمة ».》
ثم قامت فجمعت عليها ثيابها، ثم انطلقت إلى ورقة، فأخبرته بما أخبرتها به، فقال ورقة: «قدوس قدوس! والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت».
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة.
وفي مرة ثالثة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره، وانصرف يصنع كما كان يصنع؛ حيث بدأ بالكعبة فطاف، فلقيه ورقة عند الكعبة، قال له: «يابن أخي، أخبرني بما رأيت وسمعت».
فلما أخبره قال له ورقة: «والذي نفسي بيده، إنك لنبي هذه الأمة، ولقد جاءك الناموس الأكبر الذي جاء موسى، ولتكذبنه ولتقاتلنه ولتوذينه، ولئن أدركت ذلك لأنصرن الله نصرا يعلمه»، ثم أدنى رأسه منه فقبل يافوخه.
ويقول صلى الله عليه وسلم لخديجة: 《 لما قضيت جواري، هبطت فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أرَ شيئا، فنظرت عن شمالي فلم أرَ شيئا، فرفعت رأسي فرأيت شيئا بين السماء والأرض فقلت: دثروني دثروني، وصبوا عليَّ ماء باردا 》[(99)]
__________
2. 1. ] إن نداءات الملائكة لرسول الله، وتعجبه مما يسمع، دفعه إلىٰ معرفة شيء من أسرار ما يسمع؛ ولذلك كان يرجع لخديجة يقص عليها ما رأى.
وكانت خديجة رضي الله عنها خير معين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، تسمع منه وتجتهد في معرفة أسباب ذلك، وتسأل أهل الكتاب عن خبر ما يسمع، وتخبر زوجها رسول الله ﷺ بما يسري عنه ويطمئنه.
وكانت تبحث عن أسرار ما يرىٰ لتطمئن عليه، وتطمئنه رضي الله عنها،
قالت له مرة: «يابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟»
قال: 《 نعم 》.
قالت: «فإذا جاءك فأخبرني به».
فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 يا خديجة، هذا جبريل قد جاءني》.
فقالت: «قم يابن عم، فاجلس علىٰ فخذي اليسرىٰ».
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عليها، فقالت: «هل تراه؟»
قال: 《 نعم》.
قالت: «فتحول فاقعد علىٰ فخذي اليمنىٰ»، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس علىٰ فخذها اليمنىٰ،
فقالت: «هل تراه؟»
قال: 《 نعم 》.
فحسرت فألقت خمارها ورسول الله ﷺ جالس في حجرها ثم قالت: «هل تراه؟»
قال: 《 لا 》.
قالت: «يابن عم، اثبت وأبشر، فوالله إنه لملَك، ما هذا شيطان»[(100)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3- . ] كلام الشجر والحجر:
يروي ابن سعد بسنده أن رسول الله ﷺ حين أراد الله كرامته وابتداءه بالنبوة كان إذا خرج لحاجته أبعد حتىٰ لا يرىٰ بيتا، ويفضي إلىٰ الشعاب، وبطون الأودية، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال:«السلام عليك يارسول الله»، وكان يلتفت عن يمينه، وشماله، وخلفه، فلا يرىٰ أحدا.([(101)]
وَروىٰ الإمام مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 إني أعرف حجرا كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن 》 ( [(102)]
وقال محمد بن عمر بسنده عن برة بنت تجراة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الله تعالى كرامته، وابتداءه بالنبوة،كان إذا خرج لحاجته أبعد، حتىٰ تحسر عنه البيوت، ويفضي إلىٰ شعاب مكة، وبطون أوديتها، فلا يمر بحجر، ولا شجر، إلا قال:« السلام عليك يا رسول الله»، فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه، وعن يمينه، وعن شماله، فلا يرى إلا الشجر، وما حوله من الحجارة، وهي تحييه بتحية النبوة: «السلام عليك يا رسول الله». [(103)]
وروى ابن سعد عن هشام بن عروة عن أبيه -رحمهما الله تعالىٰ- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: 《 يا خديجة، إني أرى ضوءا، وأسمع صوتا، لقد خشيت أن أكون كاهنا (!!)》،
فقالت:« إن الله تعالىٰ لا يفعل بك ذلك يابن عبدالله؛ إنك تصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتصل الرحم». [(104)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ
4- .] لقاء الملائكة:
من رحمةِ الله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- برسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن أخذ يهيئه للقاء ملَك الوحي، وذلك بإرسال الملائكة إليه، تعلمه كلمة، أو شيئا ما؛ ليستعد بذلك علىٰ ملاقاة جبريل -عليه السلام-.
يروي ابن سعد أن رسول الله ﷺ لما نزلت عليه النبوة كان يأتيه "إسرافيل" واستمر معه يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل شيء من القرآن علىٰ لسانه([(105)])، يقول أبو شامة: إن «إسرافيل" كان يأتي النبي وهو في غار حراء، فكان يلقي إليه الكلمة بسرعة، ولا يقيم معه، تدرجا وتمرينا..»
وأحيانا كان يأتيه جبريل بصحبة ملك آخر...
يقول ابن عباس رضي الله عنه:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وجبريل علىٰ الصفا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 يا جبريل، والذي بعثك بالحق ما أمسىٰ لآل محمد سفة دقيق، ولا كف مِن سويق 》، فلم يكن كلامه بأسرع من أن سمع هدةً من السماء أفزعته.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 أأمر الله القيامة أن تقوم!؟》.
فقال جبريل:« لا، ولكن أمر الله إسرافيل فنزل إليك، حتىٰ يسمع كلامك».
فأتاه إسرافيل فقال:« إن الله تعالىٰ بعثني إليك بمفاتيح خزائن الأرض، وأمرني أن أعرض إليك أن أسير معك جبال تهامة زمردا، وياقوتا، وذهبا، وفضة، فإن شئت نبياً ملكاً، وإن شئت نبياً عبداً؟»،
فأوما إليه جبريل: «أن تواضع».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 《 بل نبياً عبداً 》 ثلاثا ([(106)].
ويقول البراء بن عازب رضي الله عنه:أتاه جبريل وميكائيل، فنزل جبريل وبقي ميكائيل واقفا بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصاحبه: «أهو ... هو؟»
قال: «هو ... هو.»
قال: «فزنه برجل»، فوزنه به فرجحه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: «زنه بعشرة»، فوزنه فرجحهم.
قال: «زنه بمائة»، فوزنه فرجحهم.
قال: «زنه بألف»، فوزنه فرجحهم.
ثم جعلوا يتساقطون عليه من كفة الميزان.
فقال ميكائيل: «تبعته أمته ورب الكعبة»،
ثم 《 أجلسني علىٰ بساط كهيئة الدرنوك، فيه الياقوت واللؤلؤ 》، فقال أحدهما لصاحبه: «شق بطنه»، فشقه، فأخرج منه مغمز الشيطان، وعلق الدم فطرحها، فقال أحدهما لصاحبه: «اغسل بطنه غسل الإناء،واغسل قلبه غسل الملاء»، ثم قال أحدهما لصاحبه: «خط بطنه»، فخاطه، ثم أجلساه فبشره جبريل برسالة ربه حتى اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم.[(107)]
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه قال:«بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس، وعنده جبريل؛ إذ سمع نقيضاً من السماء من فوق، فرفع جبريل بصره إلىٰ السماء فقال:« يامحمد، هذا ملك قد نزل، لم ينزل إلىٰ الأرض قط». [(108)]
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك:
《 فاتحة الكتاب 》،
و
《 خواتيم سورة البقرة 》، لن تقرأ حرفا منها إلا أوتيته»[(109)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
5- . ] مجيء جبريل -عليه السلام- بالقرآن:
استمر الوحي بالمقدمات مع رسول الله ﷺ علىٰ النحو المبين، وأدرك محمد صلى الله عليه وسلم أن أمراًعظيماً ينتظره، وسمع من زوجته، ومن ورقة، ومِن غيرهما: أن الذي يراه ويسمعه هو الوحي الذي كان يأتي موسى وعيسى والأنبياء من قبله -عليهم صلوات الله وسلامه-.
وشيئا فشيئا بدأ يطمئن لما يرىٰ، ويثق فيما يسمع حتىٰ جاءه جبريل -عليه السلام- بأول آية قرآنية أمره الله تعالىٰ أن يقرئه بها، تصور السيدة عائشة رضي الله عنها نزول جبريل بأول آية قرآنية علىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقول رضي الله عنها: جاءه الملَك "أي جبريل" وهو في غار حراء، فقال: اقرأ.
قال: "ما أنا بقارئ"........... فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ([(110)]
فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: "زملوني زملوني"، فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
ثم قال: "يا خديجة، ما لي؟ " وأخبرها الخبر،"لقد خشيت علىٰ نفسي".
فقالت خديجة له: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكَل، وتقري الضيف، وتعين علىٰ نوائب الحق.
ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي، وهو ابن عم خديجة لأبيها، وكان امرأ تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي والعبراني، فكتب بالعبرانية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب، وقد عمي في شيخوخته.
فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك.
فقال ورقة: يابن أخي، ماذا ترى؟
فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى.
فقال له ورقة: هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أومخرجي هم؟ ".
فقال ورقة: نعم، لم يأتِ رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ورقة أن توفي.[(111)]
يخبرنا د. غلوش:" ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبحث عن الهداية التي جاءته، ومع أنه كان علىٰ يقين بالفوز العظيم بمجيء جبريل؛ ولذلك قال لخديجة: 《 أرأيتك الذي كنت أخبرتك أن رأيته في المنام؟ فإنه جبريل، استعلن لي، وأرسله إليَّ ربي 》.. ومع كل ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أصيب بالروع، وخشي على نفسه.
وهذا الخوف الذي عاشه النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء جبريل عليه السلامجعل البعض يتساءل عن سبب هذا الخوف؛ لأن المقام مقام سرور و رضىٰ، وليس مقام رهبة و هلع.
وقد تناول العلماء هذه المسألة، ورأوا أن الخوف لم يكن من النبوة، أو من الوحي، وإنما كان من تصوره أذى يأتي من الغط الشديد، أو من ثقل المسئولية، أو لأن الحوار لم يكن عاديا.. فلقد أمر جبريل -عليه السلام- محمدا صلى الله عليه وسلم بالقراءة ثلاث مرات، وغطه بشدة ثلاث مرات أيضا، والرسول يقول له: "ما أنا بقارئ"، وينتشر خبر ذلك عند خديجة، وأبي بكر، وورقة، ويتحدث عنه أهل مكة؛ ليكون حديثهم تعريفاً بمحمد، وتنبيها علىٰ منزلته عند الله، والناس، فضلا من الله ونعمة.
يقول الإسماعيلي[(112)]: « إن العادة جرت بأن الأمر الجليل إذا قضىٰ الله تعالى بإيصاله إلى الخلق أن يتقدمه ترشيح وتأسيس، وكان ما يراه النبي صلى الله عليه وسلم من الرؤيا الصادقة ومحبة الخلوة والتعبد من ذلك، فلما جاءه الملَك فجأه بغته بصورة تخالف العادة والمألوف، نفر طبعه البشري منه، وهاله ذلك، ولم يتمكن من التأمل في تلك الحال؛ لأن النبوة لا تزيل طباع البشرية كلها، فلا يتعجب أن يجزع مما لم يألفه، وينفر وطبعه منه، حتى إذا اندرج عليه، وألفه استمر عليه، فلذلك رجع إلى خديجة التي ألف تأنيسها له، فأعلمها بما وقع له، فهونت عليه خشيته، مما عرفته من أخلاقه الكريمة، وطريقته الحسنة، فأرادت الاستظهار بمسيرها به إلى ورقة؛ لمعرفتها بصدقه، ومعرفته وقراءته الكتب القديمة، فلما سمع كلامه أيقن بالحق، واعترف به، وأشار الإسماعيلي كذلك إلى أن الحكمة في ذكره صلى الله عليه وسلم ما اتفق له في هذه القصة: أن يكون سببا في انتشار خبره، في بطانته، ومن يستمع لقوله، ويصغى إليه، طريقا في معرفتهم مباينة من سواه في أحواله لينبهوا على محله[(113)] ويعرفوا مقامه صلى الله عليه وسلم.
ومع لقاء جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم وإقرائه أول سورة العلق نلاحظ بعض الملاحظات:
الأولى: غط جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات؛ ليجعل التفاته وفكره إليه وحده، دون الانشغال بغيره، ويعرفه بثقل الرسالة، وضخامة المسئولية، ويتعود على التلقي من الوحي فقط.
وليكن صبورا حين التبليغ.
ويعلم أن تكرار الطلب منهج في نشر دين الله تعالىٰ.
وليتأكد صلى الله عليه وسلم بتكرار الغط أن ما يحدث حقيقة واقعية ملموسة، وليست خيالا أو وهما.
لقد كان جبريل -عليه السلام- في أشد الاشتياق للقاء محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك ضمه إليه، وقبله أكثر من مرة.
كان من الممكن أن يلقن جبريل -عليه السلام- محمدا صلى الله عليه وسلم بما يلقنه شفاهة من بعد، ويمضي، لكنه فعل ذلك بأمر الله تعالىٰ؛ ليؤكد خطورة الأمر، وأهميته، وضرورة بذل الجهد، وتحمل المشاق في أداء الواجبات الخطيرة،
و
هل هناك أخطر من مهمة الرسالة والدعوة؟!!
وكان من الممكن أن يتم اللقاء مناما، لكن الله تعالىٰ أراد أن يطلع رسوله الأمين محمد صلى الله عليه وسلم على صورة روحه الأمين، كما أراد له أن يعرف أهم صور الوحي بعد أن عاش الرؤى، وسمع النداء، وشاهد الجمادات تناجيه، وعاش الخلوة بفكره، أراد الله له بعد ذلك أن يتعود على صورة الوحي التي ستستمر معه، وقد كان، فجاء جبريل وأقرأه أول سورة العلق.
الثانية: في بدء الوحي بـ"اقرأ" بيان لموقف الإسلام من القراءة، ومن العلم كله، فالقراءة أساس معرفة الدين، بها يحفظ القرآن، وتصان السنة، وتفهم الشريعة، وبها تكون الدعوة، وحماية الإسلام ... وبالعلم تحيا الأمة، وتحافظ على الضرورات الشرعية جميعا، وتنظم كافة جوانب الحياة.
الثالثة: قدمت خديجة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صورة للزوجة العظيمة المثالية، فلقد كانت تعيش حياة رسول الله لحظة بلحظة، تتمنى له الخير، تشاركه في كل ما يعن له، وتهتم بكل ما يهمه.
لقد أعطته مالها فأغنته صلى الله عليه وسلم به، وأبعدته عن متاعب الفقر ومشاغله، ولما بدأ الوحي مناما ونداء وضوءا كانت تطمئنه، ولكنها من ورائه كانت تبحث عن حقيقة ما يرى صلى الله عليه وسلم خوفا عليه وحذرا.
وكانت رضي الله عنها إذا غاب عنها ترسل في طلبه مَن يبحث عنه[(114)]
كما ذهبت وحدها إلى ورقة، وأخبرته بخبر زوجها، تريد أن تعرف شيئا عنه، فقال لها ورقة: قدوس، قدوس، والذي نفسي بيده لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة.[(115)]
ولم تكتفِ بما سمعت عن ابن عمها ورقة، بل ذهبت مرة أخرى إلى غلام[(116)] لعتبة بن ربيعة بن عبدشمس[(117)] -نصراني من أهل نينوى- يقال له: <<عداس>>، فقالت له: «يا عداس، أذكرك الله إلا ما أخبرتني: هل عندكم علم عن جبريل؟»
قال عداس: «قدوس، قدوس، ما شأن جبريل يُذكر هذه الأرض التي أهلها أهل أوثان(!!؟).»
فقالت: «أخبرني بعلمك فيه».
قال عداس:« هو أمين الله بينه وبين النبيين، وهو صاحب موسى وعيسى عليهما السلام».[(117)]
لقد تميزت خديجة رضي الله عنها بكمال الخِلْقَة والْخُلُق، يقول عنها صلى الله عليه وسلم: 《 خير نسائها خديجة بنت خويلد 》 [(118)]
وقد جعلت عقلها الكامل في خدمة محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته، وكانت رضي الله عنها خير معين لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك بشرها الله ببيت في الجنة[(119)]
ونلحظ مدى ملاطفتها وتقديرها لزوجها في مناداته : << يا بن عم >>.. ولذلك فقد استحقت التقدير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: 《 إني رزقت حبها 》. [(120)] .
[الرجاء مع الشكر مراجعة ما بحثه الكاتب تحت عنوان عريض :" أمهات المؤمنين : السيدة خديجة بنت خوبلد.. زوجة محمد؛ النبي الرسول - عليها سحائب الرحمة والرضوان - والحمد لله تعالى نشر على موقع :"أهل العلم".]
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ بِثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِمِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى
الأحد : ٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٢ هــ~ 10 يناير 2021م..
".
:
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
24 / 01 / 2021, 52 : 11 PM
[79]: ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) .
{ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [(121)]
1. ] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا- لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلصِينَ ؛ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى صَعِدَالصَّفَا[(122)] وَهَتَفَ :
》 يَا صَبَاحَاهُ 《.
فَقَالُوا : « مَنْ هَذَا ؟ » .
فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، فَقَالَ : 》 أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلا تَخْرُجُ مِنْ سَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ... أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟《 .
قَالُوا : « مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا » ،
قَالَ : 》 فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيَّ عَذَابٌ شَدِيدٌ 《
قَالَ أَبُو لَهَبٍ [(123)] : >> تَبًّا لَكَ ! <<؛
"مَا جَمَعْتَنَا إِلا لِهَذَا ؟".
ثُمَّ قَامَ ،
فَنَزَلَتْ : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } [سورة المسد آية 1] وَقَدْ تَبَّ . هَكَذَا قَرَأَهَا الأَعْمَشُ[(124)] يَوْمَئِذٍ.
2.] وَعَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ ، وَزُهَيْرِ بْنِ عَمْرٍو، قَالا : لَمَّا نَزَلَتْ : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] انْطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رَضَمَةٍ مِنْ جَبَلٍ فَعَلا أَعْلاهَا حَجَرًا ثُمَّ نَادَى : 《 يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ،إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ ؛ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ ، فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ فَجَعَلَ يَهْتِفُ : يَا صَبَاحَاهُ ! . 》
3.] وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ ، قَالا : إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ : «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ } [سورة الشعراء آية 214] قَالَ : 《 يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ 》- أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا - 《 اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، لا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، لا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، سَلِينِي مَا شِئْتِ مِنْ مَالِي لا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا . . ».
4.]. وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ :« بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَائِمٌ يُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، وَجَمِيعُ قُرَيْشٍ فِي مَجَالِسِهِمْ ، إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : >> أَلا يَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمَرْءِ .أَيُّكُمْ يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلانٍ فَيَعْمِدُ إِلَى فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاهَا فَيَجِيءُ بِهِ ، ثُمَّ يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ؟<<... فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ ، فَلَمَّا سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا .
فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنَ الضَّحِكِ ، فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ ، وَهِيَ جُوَيْرِيَةُ ، فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى ، وَثَبَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاجِدًا حَتَّى أَلْقَتْهُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ تَسُبُّهُمْ ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلاةَ قَالَ :《 اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ 》،
ثُمَّ
سَمَّى: 《 اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ ، وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَعِمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ 》.
قَالَ عَبْدُاللَّهِ : «فَوَاللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ »، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : 《 وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً 》 ».
5.]. وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما-: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ مَا صَنَعَهُ الْمُشْرِكُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ : « بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » يُصَلِّي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَوَى ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا ، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِهِ ، وَدَفَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ :{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ } [سورة غافر آية 28] ».
6.]. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ أَبُو جَهْلٍ: >> هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ ؟ <<.
فَقِيلَ : "نَعَمْ" .
فَقَالَ: >> وَاللاتِ وَالْعُزَّى ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ ،لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ ، وَلأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ <<.
قَالَ : فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُصَلِّي ،
زَعَمَ :
لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ ،قَالَ : فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ ، قَالَ : فَقِيلَ لَهُ : "مَا لَكَ ؟ "
فَقَالَ: >> إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلٍ وَأَجْنِحَةٍ <<، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: 《 لَوْ دَنَا لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا 》 .
7.] . وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ ».
فَقَالَ : 《 لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَا لَيْلِ بْنِ عَبْدِكَلالٍ ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ ، فَنَادَانِي فَقَالَ : « إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ » .
قَالَ : 《 فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ 》،
ثُمَّ قَالَ :
« يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ ، وَقَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، فَمَا شِئْتَ ؟
إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ » .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
《 بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابِهْم مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا 》 . [(125)]


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
الأحد : ١١ جمادى الثانية ١٤٤٢ هــ~ ٢٤ يناير ٢٠٢١م.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
( يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ )
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
: (د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 01 / 2021, 14 : 07 PM
80 الإيذاء علىٰ يد سفهاء المشركين
[ ٨٠ ] : الإيذاء علىٰ يد سفهاء المشركين
تمهيد :
صبر الرسول -ﷺ- علىٰ أذىٰ المشركين
اقتضت حِكمة الله-تعالىٰ- أنْ يبتلي أنبياءَه ورسلَه -صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً- بأنواعٍ شتَّى من الإيذاء علىٰ يد أعدائهم؛ ليكونوا قدوة لأتباعهم في الصبر علىٰ الإيذاء في سبيل دعوتهم، فــ
عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قُلْتُ: « يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاَءً؟ »؛
قَالَ: 《 الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، يُبْتَلَىٰ الْعَبْدُ عَلَىٰ حَسَبِ دِينِهِ 》...فــ لم يبعث الله -تعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماؤه- نبيّاً أو رسولاً إلىٰ قومٍ مِن الأقوام إلا ولاقىٰ هذا النبي والرسول الصعوبات في رحلته الدعويّة ومسيرته التبليغية؛ وشاءت مشيئة الله -جلَّ جلاله- أن تكون الدنيا دار ابتلاء، لذلك لا بدَّ أن يمتحن الإنسان فيما يكره، لا فيما يحب.
فـ
مِن شمائل النبي -ﷺ- ، صبره علىٰ أذىٰ المشركين. فقد شاء الله تعالىٰ أن تكون الدنيا دار ابتلاء { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } [سورة الملك]؛ و
جاء: { وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ } [سورة المؤمنون]؛ و
نطق القرآن الكريم بالقول: { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } [سورةالعنكبوت]؛ و
قال تعالى:{ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ } [سورة الأحقاف : من آية35].
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :« لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ؛ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ؛ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ»
تنبيه:
ومِن الخطأ في القول أن نقول بأنه-ﷺ- خاف علىٰ نفسه أو ماله بل كانت قولته « أُخِفْتُ »؛ وفارق بين هذه الحالة وبين «خفتُ»... ولا تظهر من سيرته العطرة حالة خوف إطلاقاً!
الإمام الشافعي - رحمه الله تعالىٰ- حينما سُئل: "ندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين!؟"،
فقال: « لن تمكن قبل أن تُبتلىٰ».
*--*-*-*-*-*-*-*
السادة الكرام والسيدات العفيفات!

نتدارس اليوم صفحةً مِن حياة النبي-ﷺ- في الفترة [ العهد ] المكية قبل الهجرة؛ وفي طياتها مراحل عدة ومفاصل متشابكة، وهي صفحة مُؤلِمة علىٰ النفس الإنسانية والسَّلِيقَةِ الآدمية والطبيعة والسَجِيّة والفِطرة البشرية... فيها يتعرَّض النبي -ﷺ- لأشد أنواع الإيذاء علىٰ يد سفهاء قومه مِن المشركين الذين ناصبوه العَدَاء، فحاربوه ووقفوا في طريق دعوته.
وقد تعدَّدت وسائل محاربتهم للنبي-ﷺ- ولدعوته،فــ
منها :
- الحرب النَّفْسية و
- الدعائية و
- الإعلامية، و
منها :
- الحرب المادية و
- الإيذاء الجسدي...فـــ
النبي -ﷺ- حينما جاء بالدعوة عومل معاملة قاسيةٌ إذ إنَّ قُرَيْشًا اشْتَدَّ أَمْرُهُمْ لِلشَّقَاءِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ-ﷺ- وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-، فَــ
- أَغْرَوْا بِرَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- سُفَهَاءَهُمْ، فَــ
- كَذَّبُوهُ وَ
- آذَوْهُ، وَ
رَمَوْهُ بِــ
- الشِّعْرِ وَ
- السِّحْرِ وَ
- الْكِهَانَةِ وَ
- الْجُنُونِ، وَ
رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- :
- مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ ؛
- لَا يَسْتَخْفِي بِهِ،
- مُبَادٍ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ، وَ
- اعْتِزَالِ أَوْثَانِهِمْ، وَ
- فِرَاقِهِ إيَّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ.
.. فشلت محاولاتُ قريشٍ الدعائية والإعلامية بين الأشخاص وعند مواسم والكاذبة في وقف دعوة النبي -ﷺ-، فاشتدَّ غضبها وازداد غيظها، وعَظُمَ حَنَقُها علىٰ النبي -ﷺ- ومَنْ معه، فلجؤوا إلىٰ الإيذاء الجسدي ولنأتي بمثالا:
« قلتُ [أي :الحارث بن الحارث الغامدي] لأبي؛ ونحنُ بمنًى ما هذِهِ الجماعةُ!؟،
قالَ:" هؤلاءِ قومٌ اجتمَعوا علىٰ صابئٍ لَهُم"،
قالَ:" فأشرَفْنا"، فــ
إذا رسولُ اللَّهِ -ﷺ- يدعو النَّاسَ،
قالوا:" يا رسولَ اللَّهِ تدعو النَّاسَ إلىٰ توحيدِ اللَّهِ -تعالىٰ- والإيمانِ بِهِ؛ وهُم يردونَ عليهِ قَولَهُ ويؤذونَهُ... حتَّى ارتفعَ النَّهارُ انصدعَ عنهُ النَّاسُ... وأقبلتِ امرأةٌ قدبدا نحرُها تبكي... تحملُ قدحًا فيه ماءً ومنديلًا... فتناولَهُ مِنها وشرِبَ وتَوضَّأَ... ثمَّ رفعَ رأسَهُ إليها فـــ
قالَ:《 يا بُنَيَّةُ خمِّري عليكِ نحرَكِ ولا تخافي على أبيكِ غلبةً ولا ذُلًّا 》...
فقُلنا :" مَن هذِهِ!!؟"،
قالوا:" هذِهِ زينبُ ابنتُهُ"» .
[ أَشَدُّ مَا أُوذِيَ بِهِ الرَّسُولُ -ﷺ- ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : « أَنَّأَشَدَّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا كَذَّبَهُ وَآذَاهُ، لَا حُرٌّ وَلَا عَبْدٌ، فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إلَىٰ مَنْزِلِهِ، فَتَدَثَّرَ مِنْ شِدَّةِ مَا أَصَابَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- عَلَيْهِ: { يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ } ».
**
أولاً :" العنصر الأول: الإيذاء النفسي والمعنوي لرسول الله -ﷺ-:
يبدأ الأذىٰ من قِبل الكفار، فيُوصَف ما جاء به الرسول -ﷺ- من الهدىٰ والنور والضياء والشفاء والرحمة، يُوصَف بأنه شِعر أو سحر أو كهانة، فيُتَّهَم بأنه -ﷺ-، مجنون وشاعر وساحر وكاهن، ويأتي الاتهام بالسحر، ومثلُه في سياق العجز والهروب من العقل: { وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ } [الصافات:36]، وبينما يتهمه المشركون بهذه التهم ينفيها عنه رب العالمين: { وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ } [يس: 69]، { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ } [الطور: 30، 33]، ويستمر مسلسل التعريض والسخرية به -ﷺ- : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف:31]،فيشكك في استحقاقه لرسالة ربه -سبحانه وتعالىٰ-.
ويحزن الرسول -ﷺ-، وهو يعلم أنه علىٰ الحق، وأنه يدعو إلىٰ الهدىٰ والنور، فيُواجَه بهذا السيل من التهم والافتراءات، فينزل القرآن مرة أخرىٰ علىٰ رسول الله-ﷺ-،مثَبِّتًا له ومؤيدًا وآمرًا له -ﷺ- بالصبر علىٰ ما يقول الكافرون : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَىٰ الْهُدَىٰ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ } [الأنعام:33 – 35].
كان المشركون يشتمون ويسبون النبي-ﷺ- فكانوا يُسمونه مُذمَّمًا بدلاً من اسمه 《 مُحَمَّد 》، فــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: 《 أَلَا تَعْجَبُونَ كيف يَصْرِفُ اللَّهُ عنِّي شَتْمَ قريشٍ وَلَعْنَهُمْ، يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا،وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ! 》.
ومن باب السخرية كان المشركون يسألون النبي-ﷺ- المعجزات علىٰ سبيل التعجيز والاستهزاء حينما يفاجَؤُون بالدلائل والمعجزات؛ فــ عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ:" انْشَقَّ الْقَمَرُ علىٰ عَهْدِ النَّبِيِّ -ﷺ- حَتَّىٰ صَارَ فِرْقَتَيْنِ علىٰ هذا الْجبلِ وعلىٰ هَذَا الْجبلِ "، فــ
قالوا:" سحرَنَا مُحَمَّدٌ"، فَــ
قَالَ بَعْضُهُمْ:" لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا، فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ".
استخدم المشركون السخرية والاستهزاء بالنبي-ﷺ-؛ كي يُثنوه عن دعوته، فاتَّهموه بالجنون تارة، وبالسحر تارة، وبالكذب أخرىٰ، وقد عبَّر القرآنُ عن هذه الاتهامات الباطلة، فقال -تعالىٰ-: { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [الحِجر: 6]، وقال - سبحانه-: { وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [ص: 4].
الاستهزاء برسول الله -ﷺ-، يقول الله -عز وجل-: { وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ } [ الأنبياء: 36]، والعجب العجيب والأمر الغريب أن يهزأ المبطل بالمحق، وأن يسخر السفيه بالعاقل، تلك والله أذية كبيرة تقع كالصخر علىٰ صدر الذي يتعرض لهذا النوع من الأذىٰ... رسول الله-ﷺ- يعلم أنه علىٰ الحق وهم يستهزئون به : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا } [الفرقان:41].
يستهزئون بشخصيته -ﷺ-، ولكنه يصبر علىٰ هذا الأذىٰ، وهو يتفكر في قول الله -تعالى عز وجل- يسري عن شخص رسوله: { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِه ِيَسْتَهْزِؤُونَ} [الأنعام:10] لقد دارت دائرة السوء عليهم، وهذا الاستهزاء الذي استهزءوا به قد أصبح وبالاً عليهم.
وكان لهذا الاستهزاء وتلك السخرية أثر في نفس النبي-ﷺ-، وهو الصادق المصدوق، وهو الأمين، المشهود له برجاحة العقل، فواسىٰ اللهُ -تعالىٰ- نبيَّه الكريم قائلاً:{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحِجر:97-99].
**
صبره -ﷺ- علىٰ الاتهامات.
وكان من وسائلهم في تلك الحرب المعنوية إثارة الشبهات والدعايات الكاذبة والباطلة، ولقد صبر رسول الله -ﷺ- علىٰ شتىٰ الاتهامات؛ إنهم اتهموه بالشعر فقالوا أنه شاعر، وأن هذا القرآن إنما هو شعر، وأنهم -أيضاً- شعراء ولو شاءوا أن يأتوا بمثل شعره لأتوا، يريدون أن يحولوا هذاالقرآن عن مجراه العظيم، والقالب الذي نزل به؛ لكي يقولوا للناس: نحن نستطيع أن نصنع مثله:{بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ}[الأنبياء: 5]، قالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ}[الصافات:36]. وقالوا:{أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: 30]. إنهم ينتظرون نهايته، وينتظرون موته حتىٰ تدفن دعوته في مهدها، ولا تقوم لها قائمة، ولكن الله -سبحانه وتعالىٰ - تولىٰ-بعظمته وقدرته- الدفاع عن رسوله وتثبيت نبيه -ﷺ-:{فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍكَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة:38-41].وقال -عز وجل-:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِيلَهُ} [يــس:69] وكلُّ عارفٍ باللغة العربية - بنثرها وشعرها- يعرف أن هذا القرآنليس علىٰ وزن الشعر، وليس شعراً كالذي يقوله الشعراء.
وأوذي -عليه السلام- باتهامهبالسحر:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْأَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَرَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} [يونس:2]،{وَقَالَالْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4]،{وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْتَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:4]، ولكن الله-تعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- رد عليهم، فقال:{كَذَلِكَمَا أَتَىٰ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْمَجْنُونٌ} [الذاريات:52].
لماذا يريد الجاهليون أن يصموا شخصية رسول الله-ﷺ- بالسحر؟
لأنهم رأوا أن لهذا القرآن الذي يتلوه -ﷺ- على الناس أثراً عظيماً علىٰ نفوس الناس؛ إنه يجذب الأنظار، ويأخذ بمجاميع القلوب، ويشد الأذهان، ويُعمل العقل والفكر في نصوصه، فإن عليه لطلاوة، وإن فيه لحلاوة، ولذلك يريدون أن يصرفوا أذهان الناس عن سبب هذا التأثير؛ سبب هذا التأثير أن هذاالقرآن من عند الله، أن القرآن كلام الله، سبب هذا التأثير أنه نزل من عند الله الخالق الرازق المحيّ الذي خلق هذا الكائن البشري بما فيه من جسد وروح ونفس، ويعلم -سبحانه- ما يؤثر بهذه النفس البشرية، وما تتأثر به هذه النفس الآدمية، إنهم يريدون أن يصرفوا سبب التأثير إلىٰ أي شيء؟ إلىٰ السحر الذي يؤثر كذلك في الناس؛ إنها -والله- دعاية إعلامية -رخيصة- يريدون أن يلبسوا علىٰ الناس الذين يتأثرون بكلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وصبر -ﷺ-علىٰ اتهامه بالجنون: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ}[الحجر:6]. وقالوا:{أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} [الصافات:36]؛ {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ} [الدخان:14].
ليس -هناك- أصعب علىٰ صاحب الإيمان، ومالك العقل الراجح، ورب الرأي السديد، والفكر الصائب، أن يُتهم في عقله، وأن يوصف بالجنون. فتولىٰ الله الرد علىٰ هذه الفرية مثبِّتاً رسوله -ﷺ-:{قُلْإِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّتَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُمبَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:46]. وقال -عزوجل-:{وَمَاصَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير:22]. وقال -سبحانه وتعالى-: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:1-2].
صبره -ﷺ- علىٰ التكذيب.
وقد صبر رسول الله -ﷺ- علىٰ اتهام كفار قريش له بالتكذيب، {وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4].{إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ} [الفرقان:4]. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَىٰ اللَّهِ كَذِباً} [الشورى:24]. يقولون هذا من جهة في مناسبات كثيرة، في مواقف متعددة، وهم في مناسبة أخرىٰ في موقف آخر يعلمون ويعترفون بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليس بكذاب.
فــ
في صحيح البخاري: لما سأل هرقل أبا سفيان في بداية مقابلته له، قال:" هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال!؟"...
هرقل جاءته لحظات من التجرد والإنصاف، ولقد همَّ أن يدخل هذا الدين لولا جشع الملك، وحب الرئاسة، وخوفه من زوال سلطانه، فرجع إلىٰ الكفر، ولكنه قد رأىٰ الحق بأم عينيه. يقول هرقل لأبي سفيان:" هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟"، فرد:" لا". ثم قال له في آخر مقابلته:" وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب علىٰ الناس ويكذب علىٰ الله؛ أنت تقول أن محمداً -ﷺ- ما عهدت منه الكذب علىٰ الناس قبل البعثة، ولا يكذب علىٰ الناس، فعلمتُ أنه لم يكن ليذر الكذب علىٰ الناس ثم يكذب علىٰ الله، والكذب علىٰ الله أصعب وأشد من الكذب علىٰ الناس، فعلم أنه صادق.
ولقد تولىٰ القرآن الرد علىٰ هذه المزاعم فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} -كذب-{قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} [هود:13]. إذا زعمتم أنه كذاب هاتوا عشر سور مثل سور القرآن:{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [هود:13}، لكي تُألِفوا هذه السور؛ من سائر عظماء الشعراء وأهل النثروالبلاغة:{وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مْصَادِقِينَ} [هود:13}. ثم تنزل القرآن في الرد عليهم إلىٰ ما هو أدنىٰ من ذلك،فقال الله -عز وجل-:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس:38]. عظَّم التحدي ونقص المقدار، فظهر التحدي أعظم:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِه} [يونس:38}، سورة واحدة فعجزوا، ولما حاول الكذابون أن يأتوا بسورة واحدة مثل سور القرآن؛ أتوا بأشياء مضحكة ليس هذا مجال سردها، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} [هود:35}. {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ}[السجدة:4]. ويُسَري القرآن الكريم والذكر الحكيم عن نفس رسول الله -ﷺ-، ويثبت الله -تعالىٰ- به قلب رسول الله-ﷺ- فيقول:{وَلَقَد ْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُواحَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ} [الأنعام:34].
وقالوا عنه:{إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان: 4]، {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان: 5]،وظلُّوا يُرَوِّجون لهذه الشُّبه وتلك الدَّعاوى الباطلة، ولكن القرآن الكريم كان أعلىٰ سطوة وأقوىٰ حُجَّة في وجه هذه الشُّبه والأباطيل، فظلَّ الناس يدخلون في دين الله -تعالىٰ- أفواجاً، وظلَّ عدد المسلمين في تزايد.
فما كان منهم إلاَّ أنْ حاولوا - وبكل قوة - أنْ يمنعوا القرآنَ من الوصول إلىٰ أسماع الناس، فكانوا يطردون الناسَ ويُثيرون الشَّغَب والضَّوْضاء ويلعبون إذا رأوا النبيَّ -ﷺ- يتهيَّأُ للدعوة، قال -تعالىٰ-: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لاَ تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26].
ومن حربهم المعنوية أيضاً:
استقبال الناس وتحذيرهم من النبيِّ-ﷺ- ودعوته، ومن هؤلاء الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي، وكان شاعراً لبيباً، رئيس قبيلة دوس، قدم مكة، فاستقبله أهلها قَبْل وصوله إليها، وبذلوا له أجَلَّ تحيَّة وأكرم تقدير، وقالوا له:" يا طفيل! إنك قدمتَ بلادَنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وقد فرَّق جماعتنا، وشتَّت أمرنا، وإنما قولُه كالسِّحر، يُفرِّق بين الرجل وأبيه، وبين الرجل وأخيه، وبين الرجل وزوجه، وإنا نخشىٰ عليك وعلىٰ قومك ما قد دخل علينا، فلا تُكلمه ولا تسمعنَّ منه شيئًا".









انظر وانتبه -أيها القارئ الكريم-
إنها الدعاية الكاذبة التي تحمل في طيَّاتها عوامل ضعفها، فهم يخشون من سماعه؛ لأنهم يُدركون أنَّ الحقَّ كل الحق في هذا القرآن العظيم.
يقول الطُّفَيل:« فواللهِ ما زالوا بي حتىٰ أجمعتُ ألاَّ أسمعَ منه شيئًا، ولا أكلمه، حتىٰ حَشَوتُ أُذني - حين غدوت إلىٰ المسجد - كُرْسُفًا (قُطْناً)؛ فَرَقًا من أنْ يبلغني شيء من قوله ».
قال:« فغدوتُ إلىٰ المسجد فإذا هو قائم يُصلِّي عند الكعبة، فقمتُ قريبًا منه، فأبىٰ الله -تعالىٰ- إلاَّ أنْ يُسمعني بعضَ قولِه، فسمعتُ كلامًا حَسَنًا »...
إلىٰ أنْ قال:« فَعَرَضَ علَيَّ الإسلامَ، وتلا عليَّ القرآنَ. فواللهِ ما سمعتُ قولاً قَطُّ أحسنَ منه، ولا أمرًا أعدلَ منه، فأسلمتُ وشهدتُ شهادةَ الحق ».







... وها هو ضِمادُ الأزْدي، وكان يرقي من هذا الريح، قدم مكة فسمع سفهاءها يقولون:" إنَّ محمدًا مجنون"، فقال:« لو إني أتيتُ هذا الرَّجلَ لعل الله يشفيه علىٰ يدي »...فلقيه، فقال:« يا محمد! إني أرقي من هذا الريح، فهل لك؟» فقال رسول الله -ﷺ-:《 إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه، مَنْ يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد 》.
فقال- ضِمادُ -:« أعد عليَّ كلماتك هؤلاء »، فأعادهُنَّ عليه رسولُ الله -ﷺ- ثلاث مرات، فقال:« لقد سمعتُ قولَ الكهنة، وقولَ السَّحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مِثلَ كلماتك هؤلاء،هاتِ يدَك أبايعك علىٰ الإسلام، فبايعه ».







وهكذا -أيها القارئ الواعي المستنير- فإن المحنة تتولَّد منها المنحة، والفجر ينبثق من غسق الليل، فقد انقلبت تلك الحرب الدعائية وهذه الإشاعات الكاذبة وبالاً عليهم، إذ أنهم روَّجوا للنبي -ﷺ- وساعدوا في نشر دعوته دون أن يشعروا، ولربما لو أمسكوا ألسنتهم لَمَا علم الطُّفَيل بن عمرو الدَّوْسي والضِّمادُ الأزْدي شيئاً عن النبي -ﷺ- ودعوته.



-**-

حادثة المساومة:



وعلىٰ الرغم من شدة هذا اللون من الإيذاء النفسي للرسول-ﷺ-، الذي أحزنهم، فإنه -صلى الله عليه وآله وسلم-، ظل صابرًا علىٰ دعوته، محتسِبًا فيما يواجهه في سبيل تبليغها، ثابتًا علىٰ مبدأ التبليغ لدعوة ربه -جلَّ في علاه وتقدست اسماه-، فسلك الكفار مسلكًا آخر؛ طمعًا منهم في التأثير علىٰ الرسول -ﷺ-، والحادثة كما روتها كتب السيرة :
-**-
حَدِيثُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ الرَّسُولِ- ﷺ -
اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ كَلَدَةَ )،أَخُو بَنِي عَبْدِالدَّارِ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، -أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ-.
فَـــــ :
اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:" ابْعَثُوا إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّىٰ تُعْذِرُوا فِيهِ "، فَـــ بَعَثُوا إلَيْهِ:" إنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَأْتِهِمْ"؛ فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ- سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبُّ رُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ، حَتَّىٰ جَلَسَ إلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا لَهُ :" يَا مُحَمَّدُ(!)، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَىٰ قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَىٰ قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ - أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ - فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ [1.] مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا تَطْلُبُ بِهِ [2.] الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ [3.] مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ [4.] رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ - وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رِئْيًا - فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ.

فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :《 مَا بِي مَا تَقُولُونَ...مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ 》... أَوْ كَمَا قَالَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ - .
وهو نفس العرض والمساومة التي عرضها عتبة .. فلنراجع الحادثة :



[مَا دَارَ بَيْنَ عُتْبَةَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ-]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ،عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: حُدِّثْتُ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَكَانَ سَيِّدًا، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ،وَرَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ :" يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، أَلَا أَقُومُ إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَأُكَلِّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلَّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيَّهَا شَاءَ، وَيَكُفُّ عَنَّا ؟ " - وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ، وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ - فَقَالُوا :" بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ، قُمْ إلَيْهِ فَكَلِّمْهُ "، فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتَّىٰ جَلَسَ إلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -ﷺ- ، فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السِّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ، وَالْمَكَانِ فِي النَّسَبِ، وَإِنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ قَوْمَكَ بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرَّقْتَ بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفَّهْتَ بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْتَ بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفَّرْتَ بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ، فَاسْمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عَلَيْكَ أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلَّكَ تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا. قَالَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: 《 قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ، أَسْمَعْ 》؛ قَالَ:" يَا ابْنَ أَخِي، إنْ كُنْتَ إنَّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّىٰ تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوَّدْنَاكَ عَلَيْنَا،حَتَّىٰ لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَكَ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدَّهُ عَنْ نَفْسِكَ، طَلَبْنَا لَكَ الطِّبَّ، وَبَذَلْنَا فِيهِ أَمْوَالَنَا حَتَّىٰ نُبْرِئَكَ مِنْهُ - فَإِنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ التَّابِعُ عَلَىٰ الرَّجُلِ حَتَّىٰ يُدَاوَىٰ مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ -. حَتَّىٰ إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ، وَرَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- يَسْتَمِعُ مِنْهُ، قَالَ :《 أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ !؟ 》؛ قَالَ :" نَعَمْ "، قَالَ :《 فَاسْمَعْ مِنِّي 》؛ قَالَ :" أَفْعَلُ"؛ فَقَالَ:《 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } 》 ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ. فَلَمَّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ، أَنْصَتَ لَهَا، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ؛ ثُمَّ انْتَهَىٰ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إلَىٰ السَّجْدَةِ مِنْهَا، فَسَجَدَ ثُمَّ قَالَ :《 قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ،فَأَنْتَ وَذَاكَ 》.



[ مَا أَشَارَ بِهِ عُتْبَةُ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ]



فَقَامَ عُتْبَةُ إلَىٰ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :" نَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ ". فَلَمَّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا :"مَا وَرَاءَكَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ ". قَالَ :" وَرَائِي أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللَّهِ مَا سَمِعْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، وَاَللَّهِ مَا هُوَ بِالشِّعْرِ، وَلَا بِالسِّحْرِ، وَلَا بِالْكِهَانَةِ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ،أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلُّوا بَيْنَ هَذَا الرَّجُلِ وَبَيْنَ مَاهُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ، فَوَاَللَّهِ لَيَكُونَنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَىٰ الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزُّهُ عِزُّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النَّاسِ بِهِ" ، قَالُوا :" سَحَرَكَ وَاَللَّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ " ، قَالَ :" هَذَا رَأْيِي فِيهِ، فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ " .
ولم يتوقف المشركون عن الإيذاء النفسي للرسول -ﷺ- بل تعدوه إلىٰ الطعن في شرفه وعرضه؛ فتأتي:

„حادثةالإفك”:

ولم يكتف الأعداء بأذيته في نفسه-ﷺ- بل تجاوزوا ذلك إلىٰ الطعن في شرف زوجته عائشة -رضي الله عنها-، وهو ما يسمىٰ بــ „حادثةالإفك”التي روتها أمنا عائشة -رضي الله عنها-؛ فقد ورد في الصحيحين [البخاري ومسلم] وهو حديث طويل، والحادثة باختصار أن النبي -ﷺ- كان إذا أراد سفرًا أقْرَعَ بين نسائه، فلما أراد التوجه لغزوة بني المصطلق خرج سهم عائشة -رضي الله تعالىٰ عنها وعن أبيها وعن أمها وأخيها وأختها-، فتوجهت معه، وجُعِل لها هودج، فلما كان آخر ليلة من رجوعهم إلىٰ المدينة تخلفت في طلب عِقْد كان لأختها أسماء، فحُمِل الهودجُ ظنًّا منهم أنها فيه؛ لأنها كانت خفيفة كما أخبرت، فسار القوم، ورجعت فلم تجدهم، فمكثَتْ مكانها منتظرة أن يعلموا بفقدها فيعودوا ليأخذوها، فغلبها النوم، فمر بها صفوان بن الْمُعَطَّل، وكان يعرفها قبل آية الحجاب، فأناخ ناقته، وولّاها ظهره، وصار يسترجِعُ حتىٰ استيقظت، وحملها علىٰ الناقة، ولَحِق بالنبي ﷺ، فأشاع عبدالله بن أُبي ابن سلولَ - لعنه الله - الإفك، وفشا ذلك بين المنافقين وضعفاء المسلمين، [ولَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ اشتكَتْ شَهْرًا، وَالنَّاسُ يَخُوضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ، وَهَيَ لا تَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فلما أُخْبِرت بذلك ازْدَادَتْ مَرَضًا إِلَىٰ مَرَضِها، واستأذنت رسول الله أن تُمَرَّض في بيت أمها، فأذن لها، فلما فشا ذلك الكلام شقع لىٰ النبي ﷺ، فجمع الصحابة وقال: 《 يا معشر المسلمين، من يَعْذِرُني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي؟... فوالله ما علمْتُ علىٰ أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلاً ماعلمْتُ عنه إلا خيرًا 》...
فقال سعد بن معاذ سيدُ الأَوس: « أنا أعْذِرُك منه، إن كان من الأوس ضربْتُ عنقَهُ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمَرْتَنَا ففعلْنَا أَمْرَك»... فقال سعد بن عبادة سيد الخزرج:« كذَبْتَ، لا تقدِرُ علىٰ قتله»... فهمّ الأوس والخزرج بالاقتتال، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ -ﷺ- يُخَفِّضُهُمْ حَتَّىٰ سَكَتُوا، فأنزل الله عشر الآيات من أول سورة النور يُبَرِّئ فيها السيدة عائشة، أولُها قوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } [النور: 11]،وبذلك ثبتت براءتُها في القرآن، فقرأ النبي -ﷺ- الآيات عليها وعلىٰ الصحابة ففرحوا، وأنزل الله -عزوجل- براءتها من فوق سبع سماوات، فليس مسجد يُذكر الله فيه إلاَّ وشأنها يُتلىٰ فيه آناء الليل وأطراف النهار.



-***-


محصلة هذا الجزء:





ظل -ﷺ- صابرًا محتسبًا، لم تَثْنِهِ الشدائد عن دعوته، ولم تصرفه الإغراءات عن منهجه، وظلت كلماته التي خاطب بها عمه أبا طالب حين ناقشه أمْرَ العدول عن دعوته، تُصِمُّ آذا نكل عدو؛ قال صلى الله عليه وآله وسلم فيما روي عنه:
《 والله يا عَمِّ، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري، علىٰ أن أترك هذا الأمر، ما تركته، حتىٰ يُظْهِرَه الله، أو أهْلِكَ دونه》.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الفصل الأول من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-.
الخميس-١٥ جمادى الثانية من العام الهجري ١٤٤٢ الموافق 28 يناير 2021 من الميلاد العجيب لعيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-


(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أعد هذا الملف :
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
: (د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
02 / 02 / 2021, 49 : 10 PM
: [ 81 ] الإيذاء البدني لصاحب الدعوة 81*
[ ٨١ ] ( الإيذاء البدني لصاحب الدعوة!
في خِضَمِّ ما تعيشه الأمة الإسلامية -اليوم: (02) الشهر الثاني من العام ٢٠٢١- من واقع مخجل مؤلم، يُدمي القلب، ويُبكي العين، وتراجع ملحوظ عن موقعها اللائق بها -علمياً وفقهياً- والمميز بين الأمم... كأمة : "أقرأ".. كأمة :"صاحبة مبدأ حضاري" يسعد البشرية ويثري الفكر فيتسع العقل فتدرك إدراكا كاملاً دورها الريادي في إنارة عقول الآخرين .. اسعىٰ -بقدر ما عندي مِن علم وفهم وإدراك ووعي -إلىٰ تقديم هذا النموذج الطيب لمواقف صعبة مر بها صاحب الرسالة العصماء؛ لنتمكن من إنزالها علىٰ الواقع الفعلي المُعاش اليوم... أولاً: للإشادة بمكانة النبي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتبيان عظمته، وطريقته المثلىٰ في حل معضلات سير الدعوة ومن خلال سنته العطرة في فك ما تشابك من مواقف عدائية؛ والأسباب التي أدّت إلىٰ معاداته، وكون هذه المعاداة ليست حديثة العهد بنا، بل هي قديمة قِدَم الرسالة الإسلامية؛ والبعثة المحمدية؛ بل -في حقيقة الأمر- صاحبت كل نبي وواكبت كل رسول يريد بإذن ربه رفع الغشاوة عن العين وإماطة الران من فوق القلب ليعش الإنسان سعيدا بجوار بني جلدته، فمنذ أول بزوغٍ لفجرِ الإسلام، وأعداؤه يحيكون له المكايد و المكائد، وينصبون له الفخاخ والمصايد، لا لشيء إلا لأنه الدين الذي ارتضاه الله -تعالىٰ- لجميع الخلق، إِنْسِهِم، وجِنِّهِم، عَرَبِهِم، وَعَجَمِهم... ليخرج الناس كافة من ظلمات الجهل؛ ويرفع عنهم تراب العي ويوقف حملات الدجل والتشكيك..
في الفصل السابق عشنا حالات مِن الإيذاء النفسي والمعنوي لسيد بني آدم -ولا فخر- فكان: أولاً :" العنصر الأول: الإيذاء النفسي والمعنوي لرسول الله -ﷺ-: "... ولعله من المفيد لحامل الدعوة التعايش مع السيرة المحمدية معايشة عملية وليس فقط الإطلاع على الهدي المحمدي إطلاع نظري؛ إذ يجب التأسي بالسيد الجليل والنبي النبيل - عملا وقولا وفعلا وسلوكا- فيما يعانيه في كل زمان من يحمل راية الإسلام حملا يوافق سنته-صلى الله عليه وآله وسلم-ويوافق طريقته ويلتزم هديه ...









أكمل اليوم مع : العنصر الثاني في المحاولات اليائسة لإيقاف سير الدعوة المحمدية الخاتمة والرسالة النبوية الأخيرة الفاصلة بين الحق والباطل... والحديث اليوم عن : الإيذاء البدني لصاحب الدعوة...
بحثي - إذا شاءَ اللهُ تعالىٰ؛ وإذنَ - عن معاداة صاحب الرسالة العصماء من قِبل المشركين؛ الذين ناصبوه العداء؛ إذ أنه جعل الألةَ إِلَهً واحدا، والكفار؛ الذين رفضوا سماع قولة الحق... كانت تعلو فوق رؤسهم 360 صنما ووثنا يعبد من دون الله -تعالىٰ- الواحدالقهار الرزاق الأحد الفرد الصمد؛ وقبلوا بتحكيم الهوى والنفس الأمارة بالسوء وتحقيق المصالح الوضيعة... وبحثي عن الحرب علىٰ صاحب السُّنة التي توافق النفس البشرية؛ وتتفق مع الفطرة الإنسانية؛ وتتمشى مع الكينونة الآدمية.،، حربٌ -منذ اللحظات الأولىٰ ومازالت- ضد مبادئ الإسلام وقيمه ومفاهيمه ومعالجاته، ولسوف -إذا إذن ليَّ الرحمن - أتطرق إلىٰ إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم عبر الفترة المكية ومن ثم المدنية ومراحلهما المتعددة - أو ما اصطلح عليه بــ تأريخ زمن الوحي ونزول الرسالة-، أي منذ بداية دعوته-صلى الله عليه وسلم-إلىٰ إنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ، وسوف -علىٰ قدر الإستطاعة والطاقة- أُرَكِّز الحديث علىٰ المواقف الكبرىٰ التي تعرَّض فيها خاتم رسل الله وآخر مبتعثيه للإيذاء، سواء منه الجسدي أو النفسي والمعنوي؛ إذ أن الإيذاء يبقىٰ إيذاءً، مهما اختلفت أشكاله وتنوعت طرقه.







**





ثانياً: العنصر الثاني: ويصلح أن نسميه المرحلة الثانية من مراحل العداوة والإيذاء البدني للرسول الأعظم-صلى الله عليه وسلم-:
فَشِل الطواغيت في تخويف الرسول -ﷺ-، والذين آمنوا معه، أو إغرائهم، فصبوا جام حقدهم علىٰ إيذائه صلى الله عليه وسلم إيذاءً بدنيًّا، فقد تعرَّض النبي الرسول -ﷺ- للإيذاء الجسدي علىٰ أيدي السفهاء من الكفار والمشركين وهو صابر مُحتَسِب، وعلينا جميعاً أنْ نفخر بهذه القدوة وتلك الإسوة للنبي الكريم الذي شرَّفَنا اللهُ تعالىٰ بأن انتسبنا إليه، فمن أجلنا ومن أجل إيصال الدين إلينا تحمَّل أشدَّ أنواع الإيذاء، فليس أقل من أنْ نتَّبعه ونتَّبع هديه ونتمسك بسُنَّته، ونحب مَنْ يُحِبُّه، ونُبغِض مَنْ يُبغضه.







ومن صور الإيذاء محاولة خنق الرسول-ﷺ-وهو يصلي، فــ







:" عن عبدِاللهِ بنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رضي الله عنهما - أنه قال: «بَيْنَا النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم-يُصَلِّي فِي حِجْرِ الْكَعْبَةِ؛ إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا، فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّىٰ أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيّ ِ صلى الله عليه وسلم، وقَالَ: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } [غافر: 28] ».
وبَوّب الإمام مسلم في صحيحه: تحت عنوان : « مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ» ؛ وذكره البخاري:





فــ



يحدّثنا عَبْدُاللَّهِ بن مسعودٍ- رضي الله عنه - أن النبي-ﷺ-كان يُصلّي عند البيت وأبو جهل وأصحاب له جلوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض :" أيُّكم يجيء بسلىٰ جزور بني فلان فيضعَه علىٰ ظهر محمد إذا سجد... فانبعث أشقىٰ القوم فجاء به، قَالَ:«بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَاجِدٌ وَحَوْلَهُ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ؛ إِذْ جَاءَ عُقْبَةُبْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلاَ جَزُورٍ... فَقَذَفَهُ عَلَىٰ ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-[ووضعه بين كتفيه]، [قال : فجعلوا يضحكون ويحيل بعضهم علىٰ بعض (أي يتهم آحدهم الآخر بهذه الفعلة الشنيعة)، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم ساجد ] فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَخَذَتْهُ عَنْ ظَهْرِهِ [فرفع ﷺ رأسه]، وَدَعَتْ عَلَىٰ مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ»... يكمل الصحابي الجليل- عَبْدُاللَّهِ بن مسعودٍ – فيقول:« وأنا أنظر لا أُغني شيئاً، لو كانت لي مَنَعَة» [بمعنى أنه من لم يكن قدرة علىٰ فعل شئ ما!]".
ثم قال-ﷺ- : 《 اللهمَّ عليك بقريش 》 ثلاث مرات .
فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم، قال : «وكانوا يرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة»، ثم سمّىٰ : 《 اللهمَّ عليك بأبي جهل، وعليك بعُتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، وأُميّة بن خلف، وعقبةبن أبي مُعيط》... وعدَّ السابع فلم نحفظه . قال : «فوالذي نفسي بيده، لقد رأيتُ الذين عدَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، صرعى في القليب، قليب بدر»
... وفي هذا الرجل - أعني: عُقبةَ بن أبي مُعَيط - نزل قولُ الله تعالىٰ: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَاوَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً } [الفرقان: 28، 29]





.*.] الشوك على درب النبي





ومن صور إيذائه صلى الله عليه وسلم ما كانت تقوم به امرأة أبي لهب: فقد كانت تحمل الشوك، تلقي بالاشواك في طريق النبي المصطفى والرسول المجتبى والحــبــيــــــب المرتضى وتضعه أمام دربه يومياً، فتضعه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وعلىٰ بابه ليلاً... وكانت امرأةً سليطةً تبسط فيه لسانَها، وتطيل عليه الافتراء والدَّس، وتؤجج نار الفتنة، وتثير حربًا شعواء علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك وصفها القرآن بِحمَّالة الحطب... فــ نزلت بها آيات سورة المسد آيه 4،5 { وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ، فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ } .
ولم يتوقف الإيذاء عند هذا الحد، فلما يئس رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة خرج باحثًا عن ملاذ جديد للدعوة الإسلامية ولنصرة الدعوة، فوقع اختياره علىٰ الطائف، فقرَّر النبِيُّ الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَخرج بالدَّعوة مِن مكةَ إلىٰ الطائف؛ لعلَّه يجد بينهم من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة، ويطلب النُّصْرة والعونَ من أهلها، ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالىٰ، فلم يجد من يؤويه أو ينصره، فآذوه مع ذلك أشد الأذىٰ، ونالوا منه ما لم ينله قومه،
وهذه الحادثة من صور إيذائه البدني ﷺ
... كان معه زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم عشرة أيام لا يَدَعُ أحدًا من أشرافهم إلا جاءه وكلَّمَه...





ما قام به أهل الطائف:







حينما ذهب إليهم يدعوهم إلىٰ الدخول في دين الله تعالىٰ، فتحدثنا أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: « هَلْ أَتَىٰ عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ »، قَالَ: 《 لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدُّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَىٰ ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلاَلٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَىٰ مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَىٰ وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِى... فَقَالَ: « إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ »، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: « يَا مُحَمَّدُ! »؛ فَقَالَ: « ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمِ الأَخْشَبَيْنِ »، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:《 بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا》
... قالوا له ﷺ:" اخرج من بلدنا "... وأَغْرَوا به سفهاءهم، فلمَّا أراد الخروج تبعه سفهاؤهم وعبيدهم يسبُّونه ويصيحون به حتىٰ اجتمع عليه الناس، فوقفوا صَفَّين وجعلوا يرمونه بالحجارة، ورجموا عراقيبه حتىٰ اختضب نعلاه بالدماء... فكانوا يرمونه بالحجارة حتىٰ دَمِيَت قدماه، وزيد بن حارثة يقيه بنفسه حتىٰ أصيب في رأسه، فانصرف راجعًا إلىٰ مكة محزونًا،
... بأبي أنت وأمي ونفسي يارسول الله ﷺ، يقذفونك بالحجارة، فترد عليهم بالدعاء لهم، وترفض أنْ يُعذِّبهم الله تعالىٰ؛ بأنْ يُطبِق عليهم الأخشبين.
فــ أيُّ رحمة هذه!
إنه الرحمة المهداة والنعمة المسداة مِن رب العالمين إلىٰ البشرية جمعاء، ولِمَ لا، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
وفي مرجعه ذاك دعا بالدعاء المشهور، دعاء الطائف: 《 اللَّهمَّ(!)... إليك أشكو ضَعْف قوَّتي... وقلَّة حيلتي... وهواني علىٰ النَّاس... يا أرحم الرَّاحمين(!)... أنتَ ربُّ المستضعَفِين وأنت ربِّي... إلىٰ من تَكِلُني(!) إلىٰ بعيدٍ يتجهَّمني(!)... أم إلىٰ عدوٍّ ملَّكْتَه أمري(!)... إن لم يكن بكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي... ولكنَّ عافيتك هي أوسع لي... أعوذ بنور وجهك الَّذي أشرقَتْ له الظُّلمات... وصلحَ عليه أمر الدُّنيا والآخرة مِن أن تُنْزِل بيَّ غضبك... أو يحلَّ عليَّ سخطك... لك العُتْبَى حتَّىٰ ترضىٰ... ولا حول ولا قوَّة إلا بك 》.



...حين أوذي الرسول صلى الله عليه وسلم وسالت الدماء من قدميه الشريفتين، وأصابه من الهم والحزن ما جعله ينْطَلِقُ عَلَىٰ وَجْهِه ولم يَسْتَفِقْ إِلا وجبريل -عليه السلام- قائم عنده يقول له:« إن شئت يا محمد أن أُطْبِق عليهم الأخشبين»، فأتىٰ الجواب منه –عليه الصلاة والسلام والرحمات والبركات - بالعفو عنهم قائلاً: 《 أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله تعالىٰ وحده لا يشركُ به شيئًا 》.





هذا مُجْمَل ما ورد في حادثتي الخنق والخروج إلى الطائف، وما تعرض فيهما.









تأمَّلوا – معي... يا أتباع النبي المصطفىٰ والرسول المجتبى ٰالمجتبىٰ - يسير النبي صلى الله عليه وسلم مشياً علىٰ قدميه من مكة إلىٰ الطائف مسيرة ستين ميلاً، ليس معه إلاَّ زيد بن حارثة، يسير في صحراء قاحلة من أجل إبلاغ دعوة ربه، فيقابله أهلها بهذا الجفاء وهذه الإهانة وهذاالإيذاء، وتدمى قدماه الشريفتان، ويتسلَّط عليه السُّفهاء، ويسبُّه الأشقياء، ويؤذيه التُّعساء، فيشق علىٰ نفسه الكريمة ذلك، وهو ثابت ثبوت الجبال، واثِقٌ فيما عند الله تعالىٰ، يسير في طريق دعوته بِلا كلل ولا ملل.













فهذا نبيكم يتحمل العناء الشديد كي يخرج العباد من عبادة العباد إلىٰ عبادة رب المخلوقات والعباد... يُؤذىٰ في صبر، يجرح ويتألم ويكمل مسيرة الدعوة؛ ويعفو ويصفح، فاتخذوه أسوةً لكم وتحمَّلوا في سبيل دينكم ما قد تجدوه مِن المشقَّة والعناء.
*. ] هذه بعض مظاهر الإيذاء التي تعرَّض لها النبي الأكرم والرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم من قومه؛ لِيُثنوه عن دعوته، وبقيت صورة أخرىٰ من صور الإيذاء التي مارسها مشركو قريشٍ ضد النبي صلى الله عليه وسلم، وهي المقاطعة؛ حيث تحالف المشركون علىٰ النبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم، وتعاهدوا علىٰ ألاَّ يُبايعوهم ولا يُجالسوهم ولا يُخالطوهم ولا يَدخلوا بيوتهم ولا يُكلِّموهم حتىٰ يُسلِموا إليهم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم للقتل.

فانحاز بنو هاشم وبنو المطَّلب مؤمنهم وكافرهم إلاَّ أبا لهب، وحُبِسوا في شعب أبي طالب، واستمرَّ هذا الحِصار ثلاثة أعوام، واشتدَّ الحصارُ حتىٰ بلغهم الجَهْد، فأكلوا الأوراق والجلود، وكان يُسمع من وراء الشِّعب أصوات نسائهم وصبيانهم تصيح من الجوع...


ثلاثة أعوام يعيش فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنْ معه في مقاطعة تامة؛ من أجل الضغط عليه لتقديم تنازلات ويترك دِينه الحق، ولكنه صبر وثبت...


فداك أبي وأمي ونفسي يا رسول الله ﷺ... إنَّ قوة الحقِّ أقوىٰ من كلِّ الصِّعاب، ومن كلِّ المِحَن، فللحق صوته وقُوَّته، فتمسَّكوا بالحق واصبروا عليه، { وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر: 1-3D.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ





نستخلص العبر والدروس من الحالات السابقة ؛ فنجد :" حِلم النبي - صلى الله عليه وسلم - وصبره علىٰ الأذىٰ
والحِلم: هو ضبْط النفس عند هَيجان الغضب.
والغضب: هو ثورة النفس وغَليان القلب؛ لتملُّك الشيطان من النفس والعقل.
فالحلم مَلَكة تعمل علىٰ ضبْط النفس، وهو درجة سامية لا يصل إليها إلا من استطاع أن يَكبح زِمام غضبه.



وللحلم مكانة عظيمة؛ لأنه صفة من صفات العلي العظيم، الذى له صفات الكمال؛ كما أخبر -سبحانه - عن نفسه: { قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [البقرة: 263].
وأيضًا من صفات الأنبياء: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114].





ودلَّنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغَّبنا في الحلم بقوله: 《 من كظَم غيظًا وهو قادر علىٰ أن يُنفذه، دعاه الله - عز وجل - علىٰ رؤوس الخلائق يوم القيامة؛ حتىٰ يُخيَّر من الحور العين ما شاء》.
وحثَّ - صلى الله عليه وسلم - علىٰ الحلم حينما قال رجل:" أوصني يا رسول الله"،
قال - صلى الله عليه وسلم -: 《 لا تَغضب》، فردَّد مرارًا، قال: 《 لا تَغضب 》.
فدعانا - صلى الله عليه وسلم - بقوله للحلم، كما كانت سيرته - صلى الله عليه وسلم - دعوة عملية إلىٰ الحلم في مواقفَ كثيرةٍ معلومة مشهورة؛ منها:



ما حدَث حينما كُسِرت رَباعيَتُه وشُجَّ وجْهُه - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحد، وقد شقَّ ذلك علىٰ أصحابه كما يروي لنا أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قيل: « يا رسول الله، ادعُ علىٰ المشركين»، قال - صلى الله عليه وسلم -: 《 إني لم أُبعَث لعَّانًا؛ وإنما بُعثت رحمة 》.
وينقل ابن مسعود - رضي الله عنه - لنا ذلك؛ حيث قال: « كأني أنظر إلىٰ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء ضرَبه قومه فأدْمَوه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: 《 اللهمَّ اغفِر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون 》».



انظر ما في هذا القول من جِماع الفضل، ودَرجات الإحسان، وحُسن الخلق، وكرَم النفس، وغاية الصبر والحلم؛ إذ لم يَقتصر -صلى الله عليه وسلم - علىٰ السكوت عنهم حتىٰ عفا عنهم، ثم أشفَق عليهم ورحِمهم، ودعا وشفَع لهم، فقال: 《 اغفر 》، أو 《 اهدِ 》، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله: 《 لقومي 》، ثم اعتذر عنهم بجهْلهم، وقال: 《 فإنهم لايعلمون 》.



ويوم ذهب إلىٰ أهل الطائف يدْعوهم، فسبُّوه وآذَوه أيَّما إيذاءٍ، وسلَّطوا عليه السفهاء وقذَفوه بالحجارة، وسخِروا منه، وردُّوه...
فماذا كان منه - صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي ونفسي؟!
هل دعا عليهم؟
هل طلب من ربِّه أن يَنتقم منهم؟
هل غضِب وثأَر لنفسه؟
هل تمرَّد علىٰ القيام برسالته وتقاعس عن إتمام دعوته؟
كلا وألف كلا ...




لا والله بأبي هو وأمي ونفسي، ما كان ذلك،بل كان الصبر والحلم والحرص علىٰ نجاة قومه، بل الخوف من أن يكون قد قصَّر في رسالته ودعوته.
وهذاهو ربُّهُ -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- قد أرسَل إليه جبريل ومعه ملك الجِبال - عليهما السلام - ليَأمره النبيُّ- صلى الله عليه وسلم - بما يشاء، فيأبىٰ إلا الدعاءَ لقومه، والأمل في الله بهدايتهم.
فما أعظمه من نبي وما أحلَمه! فمن يَملك مثل هذا الحلم من البشر؟!



وتعالَوا لنعيد علىٰ مسامعنا ما ترويه لنا أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر- رضي الله تعالى عنها وعن ابيها وأمها وأختها وأخيها-؛ حيث إنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل أتىٰ عليك يوم أشدُّ من يوم أُحد؟؛
قال - صلى الله عليه وسلم -: 《 لقد لَقيت من قومك ما لَقيت، وكان أشد ما لقيتُ منهم يوم العَقبة؛ إذ عرَضت نفسي علىٰ ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يُجبني إلىٰ ما أردت، فانطلَقت وأنا مهموم علىٰ وجهي، فلم أستفِق إلا وأنا بقَرن الثعالب، فرفَعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرَتُ فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال:« إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردُّوا عليك، وقد بعث إليك ملَك الجبال؛ لتَأمره بما شِئت فيهم»، فناداني ملك الجبال، فسلَّم علي،ثم قال:« يا محمد، ذلك فما شِئت، إن شئت أُطبق عليهم الأخْشَبين»، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: 《 بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا》





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ







*. . ] تعرض النبي للقتل



حاول الكفار قتل النبي وأرسلوا من يقتله، كما أطلقوا الجوائز والمال والنساء لمن يأتي برأس محمد -عليه السلام-، ولكن كان الله معه يحفظه ويُنير دربه.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ



الفصل الثاني من بحث أذى المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. الإيذاء البدني.
١٩ جمادى الثانية ١٤٤٢ هــ ~ 01 فبراير 2021 من الميلاد العجيب لعيسى ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-
نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث:
د. محمدالرمادي











**. (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)


(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
27 / 02 / 2021, 26 : 03 PM
https://quran-m.com/wp-content/uploads/2020/09/575px-Calligraphic_representation_of_Muhammads_name.jpg

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 03 / 2021, 44 : 01 AM
[ ٨٢ ] ( الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل )
المستضعفون؛ مثالا عمار بن ياسر -رضي الله تعالىٰ عنه-
نحن ما زلنا نعيش ونتعايش مع الفترة -العهد- المكية؛ بما تحمل مِن أحداث جسام ومواقف عظام في حياة النبوة الخاتمة وزمن الرسالة المتممة لبقية رسالات رب الأرضين والسموات بما فيها من مراحل وننتقل عبر مفاصل وروابط بين كل مرحلة وآخرىٰ حتىٰ نصل بسلام إلىٰ الفترة المدنية؛
بناء أول كيان تنفيذي إسلامي:
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ سَبْعَةٌ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ
وَ
١ . ] أَبُو بَكْرٍ
وَ
٢ . ] عَمَّارٌ
وَ
٣ . ] أُمُّهُ سُمَيَّةُ ،
وَ
٤ . ] صُهَيْبٌ
وَ
٥ . ] بِلَالٌ
وَ
٦ . ] الْمِقْدَادُ
« و جاء في الحلية : خباب»؛بدلا من المقداد...













وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ :« أَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَبْلُغُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ مِنَ الْعَذَابِ مَا يُعْذَرُونَ بِهِ فِي تَرْكِ دِينِهِمْ ؟»
قَالَ : «نَعَمْ وَاللَّهِ(!) ،
إِنْ كَانُوا
لَـــ
- يَضْرِبُونِ أَحَدَهُمْ وَ
- يُجِيعُونَهُ وَ
- يُعَطِّشُونَهُ ، حَتَّىٰ مَا يَقْدِرُ أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا مِنْ شِدَّةِ الضُّرِّ الَّذِي بِهِ ، حَتَّىٰ يُعْطِيَهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنَ الْفِتْنَةِ ، حَتَّىٰ يَقُولُوا لَهُ : " اللَّاتُ وَالْعُزَّى إِلَهُكَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ؟ " ؛ فَيَقُولُ : نَعَمْ . « افْتِدَاءً مِنْهُمْ ؛ مِمَّا يَبْلُغُونَ مِنْ جُهْدِهِمْ ».
وَفِي مِثْلِ هَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ -تَعَالَى-:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. } ، فَهَؤُلَاءِ كَانُوا مَعْذُورِينَ بِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ الْبَلِيغِ . أَجَارَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ .









ذكر المستضعفين
مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ :
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّ قُرَيْشًا تَذَامَرُوابَيْنَهُمْ عَلَىٰ مَنْ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مَعَهُ ، فَــ
- وَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ،
- يُعَذِّبُونَهُمْ وَ
- يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَ
- مَنَعَ اللَّهُ مِنْهُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ.
روى عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إذا جلس في المسجد، جلس إليه المستضعفون من أصحابه:
- عمار بن ياسر، و
- خباب بن الأرتّ، و
- صهيب بن سنان، و
- بلال بن رباح، و
- أبو فكيهة، و
- عامر بن فهيرة... و
أشباههم من المسلمين. فتهزأ قريش بهم ويقول بعضهم لبعض: "هؤلاء جلساؤه كما ترون، قد مَنَّ الله عليهم [الأنعام(6/ 53)] من بيننا :{ وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَـٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَاۗ} . فأنزل الله -عز وجل- فيهم:{ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ؟ وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ: سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} .
و
كانوا قوما لا عشائر لهم ولا منعة. فكانت قريش تعذبهم في الرمضاء أنصاف النهار، ليرجعوا إلى دينهم.
و
فيهم نزلت:{ وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ. مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
و











المُبَالَغَةُ فِي الْأَذِيَّةِ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ؛




فــ أبدءُ بـــ
« ١ » ﴿ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَبُو الْيَقْظَانِ ﴾ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْمُمْتَلِئُ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَالْمُطَمْئِنُ بِالْإِيقَانِ وَالْمُتَثَبِّتُ حِينَ الْمِحْنَةِ وَالِافْتِتَانِ ، وَالصَّابِرُ عَلَى الْمَذَلَّةِ وَالْهَوَانِ ، مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ؛ كَانَ لَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَ الْبَشَاشَةُ وَالتَّرْحِيبُ ،وَالْبِشَارَةُ بِالتَّطْيِيبِ .
كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَبَعَثَهُ عمر عَلَى الْكُوفَةِ أَمِيرًا ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ إِنَّهُ مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ ، كَانَ أَحَدَ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ تَشْتَاقُ إِلَيْهِمُ الْجَنَّةُ ، لَمْ يَزَلْ يَدْأَبُ لَهَا وَيَحِنُّ إِلَيْهَا إِلَى أَنْ لَقِيَ الْأَحِبَّةَ ، مُحَمَّدًا وَصَحْبَهُ .









عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أحد بني عنس أخى مراد ابن مالك بن أدد بن زيد. وكان عنس يسمىٰ زيدا. وكان كُنية عمار (أبا) اليقظان، وكنية ياسر أبا عمار. و
يقال: أبا عبدالله، وكان حليفا لبني مخزوم.
عن هشام بن الكلبي وغيره قال: قدم ياسر بن عامر، وأخواه الحارث ومالك، مكةَ من اليمن يطلبون أخا لهم. فرجع الحارث ومالك إلىٰ اليمن، وأقام ياسر بمكة وحالف أبا حذيفة بْن المغيرة بْن عَبْداللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم. فزوجه أبو حذيفة أَمَةً له يقال لها ﴿ سُمَيَّة بنت خيّاط ﴾ : فولدت له ﴿ عمارا ﴾ : فأعتقه أبو حذيفة، ولم ياسر. وعمار مع أبي حذيفة إلى أن مات...
و
جاء الإسلام. فأسلم ياسر، وسُمَيَّةُ، وعمار، وأخوه عبدالله بن ياسر. وكان لياسر ابن آخر، أكبر من عمار وعبدالله، يقال له حريث. فقتله بنو الديل في الجاهلية.
وَحَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ ﴿ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ ﴾: « لَقِيتُ ﴿ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ ﴾ عَلَىٰ بَابِ دَارِ الأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- فِيهَا.
فَــ
قُلْتُ لَهُ: « مَا تُرِيدُ؟» فَـــ
قَالَ: « مَا تُرِيدُ أَنْتَ؟»
قُلْتُ: « أُرِيدُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ فَأَسْمَعَ كَلامَهُ ».
قَالَ: « وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ». فَــ
دَخَلْنَا عَلَيْهِ، فَــ
عَرَضَ عَلَيْنَا الإِسْلامَ. فَــ
أَسْلَمْنَا،
ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ أَمْسَيْنَا.
ثُمَّ خَرَجْنَا مُسْتَخْفِينَ.






فَــ
كَانَ إِسْلامُ ﴿ عَمَّارٍ ﴾ ؛ وَ ﴿ صُهَيْبٍ ﴾: بَعْدَ إِسْلامِ بِضْعَةٍ وَثَلاثِينَ رَجُلا.
وعن مجاهد قال: « أول مَن أظهر الإسلام :
- ﴿ أبو بكر ﴾ ، و
- ﴿ بلال﴾، و
- ﴿ خباب ﴾، و
- ﴿ صهيب ﴾ ، و
- ﴿ عمار ﴾.





عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، قَالَ : اسْتَأْذَنَ عمار عَلَى النَّبِيِّ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] فَقَالَ : «ائْذَنُوا لَهُ مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ » .





تَأْلِيبُ الْمَلَأِ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ -وَأَصْحَابِهِ :
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : وَحَدِبَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَمَنَعَهُ ، وَقَامَ دُونَهُ ، وَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ [صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] عَلَى أَمْرِ اللَّهِ مُظْهِرًا لِدِينِهِ لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ شَيْءٌ ؛ فَــ
قَالُوا : يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَبَّ آلِهَتَنَا ، وَعَابَ دِينَنَا ، وَسَفَّهَ أَحْلَامَنَا ، وَضَلَّلَ آبَاءَنَا وَفَرَّقَ الْجَمَاعَةَ فــ
أما رسول الله [ﷺ] ، فمنعه قومه.
و
أما الآخرون فألبسوا دروع الحديد، وصهروا في الشمس حتىٰ بلغ الجهد منهم.











تَعْذِيبُ قُرَيْشٍ لِلْمُسْلِمِينَ لِاتِّبَاعِهِمُ النَّبِيَّ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-
فَوَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ ، وَبِرَمْضَاءِ مَكَّةَ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ ؛ مَنِ اسْتَضْعَفُوهُ مِنْهُمْ ، يَفْتِنُونَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُفْتَنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ الَّذِي يُصِيبُهُمْ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَصْلُبُ لَهُمْ ، وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ...
وجاء أبو جهل إلىٰ سمية، فطعنها في قُبُلها. فهي
﴿ أول شهيد في الإسلام ﴾.
قال عبدالله بن محمد:« بلغني أنها أغلظت له في القول، فأغضبته ».
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ قَالَ: « أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَىٰ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ مُتَجَرِّدًا فِي سَرَاوِيلَ »، قَالَ: «وَنَظَرْتُ إِلَىٰ ظَهْرِهِ، فَإِذَا فِيهِ حَبَطٌ ». فَــ
قُلْتُ لَهُ: « مَا هَذَا؟ »
قَالَ: « هَذَا مِمَّا كَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَذِّبُنِي فِي رَمْضَاءِ مَكَّةَ ».
قال الواقدي:" كان عمار يعذب حتىٰ لا يدري ما يقول". و
" كان أبو فكيهة يعذب حتىٰ لا يدري ما يقول". و
" بلال، وعامر بن فهيرة، وقوم من المسلمين". وفيهم نزلت هذه الآية: { وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً، وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ. الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } .


قال الواقدي: « إنها نزلت في أبي سلمة بن عبدالأسد، وعثمان ابن مظعون. وكان أول من قدم المدينة ».



حدث أبو مالك، في قوله: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ } ، قال: « هو عمار ».





عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: « لَمَّا أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا، فَعَذَّبُوهُ لَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّىٰ سَبَّ النَّبِيَّ [ﷺ] وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ. فَـــ
لَمَّا أَتَى النَّبِيَّ [ﷺ] ، قَالَ: 《 وَمَا وَرَاءَكَ؟ 》
قَالَ: « شَرٌّ، وَاللَّهِ، مَا تَرَكَنِي الْمُشْرِكُونَ حَتَّى نِلْتُ مِنْكَ وَذَكَرْتُ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ».
قَالَ:《 فَكَيْفَ تَجِدُ قَلْبَكَ؟ 》
قَالَ: « مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ ».
قَالَ:《 فَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ.》
.. فَنَزَلَتْ فِيهِ: { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} .
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ النَّبِيَّ [ﷺ] لَقِيَ عَمَّارًا وَهُوَ يَبْكِي. فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ: 《 أَخَذَكَ الْكُفَّارُ،فَغَطُّوكَ فِي الْمَاءِ 》، فَـــ 《 قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ عَادُوا، فَقُلْ ذَاكَ لَهُمْ》 .



عَنْ عَبْدِالْحَكِيمِ بْنِ صُهَيْبٍ، قَالَ:« عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارًا »، وَقَالُوا:" لا نُفَارِقُكَ أَبَدًا حَتَّىٰ تَشْتُمَ مُحَمَّدًا، وَحَتَّىٰ تَقُولَ اللاتُ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِ مُحَمَّدٍ".
فَفَعَلَ.
فَتَرَكُوهُ. فَأَتَىٰ النَّبِيَّ [ﷺ] ، فَقَالَ: 《 أَفْلَحَ وَجْهُكَ 》.
فَقَالَ:« وَاللَّهِ، مَا أَفْلَحَ».
قَالَ: 《 وَلِمَ؟ 》
قَالَ: « نِلْتُ مِنْكَ، وَزَعَمْتُ أَنَّ اللاتَ وَالْعُزَّى خَيْرٌ مِنْ دِينِكَ ».
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] :《 فَكَيْفَ وَجَدْتَ قَلْبَكَ؟ 》
قَالَ: « وَجَدْتُهُ مُطْمَئِنًّا بِالإِيمَانِ، أَشَدَّ مِنَ الْحَدِيدِ فِي دِينِي ».
قَالَ: 《 فَلا عَلَيْكَ، وَإِنْ عَادُوا، فَعُدْ 》.
قَالَ: «فَعَمَّارٌ الَّذِي أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان.»
والذى { شرح بالكفر صدرا } : عَبْداللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.





عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ، في قوله { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ } ،
قال:« ذاك عمار».
وفي قوله { وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً } ، قال: عَبْداللَّهِ بْن سَعْد بْن أَبِي سرح.



عَنْ أُمِّ هاني: أنّ عمار بن ياسر، وأباه ياسر، وَأَخَاهُ عَبْدَاللَّهِ بْنَ يَاسِرٍ، وَسُمَيَّةَ أُمَّ عَمَّارٍ كَانُوا يُعَذَّبُونَ فِي اللَّهِ. فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ [ﷺ] ، فَقَالَ: 《 صَبْرًا «أبشروا» آلَ يَاسِرٍ، فَإِنْ مَوْعِدَكُمُ « فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى » الْجَنَّةُ. 》 فَمَاتَ يَاسِرٌ فِي الْعَذَابِ. وَأَغْلَظَتْ سُمَيَّةُ لأَبِي جَهْلٍ، فَطَعَنَهَا فِي قُبُلِهَا، فَمَاتَتْ. وَرُمِيَ عَبْدُاللَّهِ، فَسَقَطَ.





عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ [ﷺ] :《 الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَىٰ ثَلاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِي:
«عَلِيٍّ»، وَ
«عَمَّارٍ»، وَ
«بِلالٍ» 》 .
قلت(الرمادي): تعددت روايات هذا الحديث وكذا عدد الصحابة؛ والحديث فيه اضطراب وضعف!.

عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: « أُتِيَ النَّبِيُّ [ﷺ] فَقِيلَ لَهُ: " وَقَعَ عَلَى عَمَّارٍ حَائِطٌ ، فمات "». فقال: 《 ما مات عمار》
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : « وَكَانَتْ بَنُو مَخْزُومٍ يَخْرُجُونَ بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَبِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ إِسْلَامٍ إِذَا حَمِيَتِ الظَّهِيرَةُ يُعَذِّبُونَهُمْ بِرَمْضَاءِ مَكَّةَ ، فَيَمُرُّ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] فَيَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي : « صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ مَوْعِدُكُمُ الْجَنَّةُ ».



وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ :《 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ﷺ] مَرَّ بِعَمَّارٍ وَأَهْلِهِ وَهُمْ يُعَذَّبُونَ ، فَقَالَ : « أَبْشِرُوا آلَ عَمَّارٍ وَآلَ يَاسِرٍ ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ » 》.


فَأَمَّا أُمُّهُ فَقَتَلُوهَا ؛ تَأْبَى إِلَّا الْإِسْلَامَ .
عَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَتْ بَنُو عُطَارِدٍ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاهَ، وَأَمَدُّوا بِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ عَلَىٰ الْكُوفَةِ. فَخَرَجَ عَمَّارٌ قَبْلَ الْوَقْعَةِ وَقَدِمَ بَعْدَهَا، فَقَالَ: «نَحْنُ شُرَكَاؤُكُمْ فِي الْغَنِيمَةِ ». فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُطَارِدٍ، فَقَالَ: " أَيُّهَا الْعَبْدُ الأَجْدَعُ - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ فِي حَدِيثِهِ: «الْمُجْدَعُ» ، وَكَانَتْ أُذُنُهُ أُصِيبَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- أَتُرِيدُ أَنْ نَقْسِمَ لَكَ غَنِيمَتَنَا؟ " ، فَقَالَ عَمَّارٌ: «عَيَّرْتَنِي بِخَيْرِ أُذُنَيَّ، وَأَحَبِّ أُذُنَيَّ إِلَيَّ ». فَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَىٰ عُمَرَ. فَكَتَبَ: « الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ ».
عن ابن عُمَرَ، قَالَ: رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَوْمَ الْيِمَامَةِ عَلَىٰ صَخْرَةٍ وَقَدْ أَشْرَفَ، وَهُوَ يَصِيحُ: « يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، أَمِنَ الْجَنَّةِ تَفِرُّونَ؟ أَنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ. هَلُمُّوا إِلَيَّ » . وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَىٰ أُذُنِهِ قَدْ قُطِعَتْ، فَهِيَ تُذَبْذِبُ وَهُوَ يُقَاتِلُ أَشَدَّ قِتَالٍ.
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لِعَمَّارٍ: أَيُّهَا الأَجْدَعُ. فَقَالَ عَمَّارٌ: خَيْرُ أُذُنَيَّ سَبَبْتَ.



عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- قَالَ:« أَقْبَلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] آخِذٌ بِيَدَيَّ وَنَحْنُ نَتَمَاشَىٰ بِالْبَطْحَاءِ، إِذْ أَتَيْنَا عَلَىٰ أَبِي عَمَّارٍ، وَعَمَّارٍ، وَأُمِّهِ. وَهُمْ يُعَذَّبُونَ ». فَقَالَ يَاسِرٌ:« أَهَكَذَا يَكُونُ الدَّهْرُ كُلُّهُ؟» فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: 《 اصْبِرْ،اللَّهُمَّ اغفر لآل ياسر، وقد فعلت 》 .



عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ]: 《 اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ مَسْعُودٍ 》. أَوْ قَالَ:《 وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ 》



عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: قَالَ عَمَّارٌ: « مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ مَثَلُ الْعَطَّارِ، إِلا تَجِدْ مِنْ عِطْرِهِ، يَصِلْ إِلَيْكَ رِيحُهُ ». وَ « مَثَلُ الْجَلِيسِ السُّوءِ مَثَلُ الْكِيرِ، إِنْ لَمْ يَحْرِقْكَ بِنَارِهِ، أَصَابَكَ مِنْ شَرَرِهِ وَنَتْنِ رِيحِهِ.»
عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَالَ: »كَانَ أَوَّلُ مَنْ أَفْشَىٰ الْقُرْآنَ بِمَكَّةَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ [ﷺ] عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ». وَ « أَوَّلُ مَنْ بَنَىٰ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ».
حَدَّثَ سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: « أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي بَيْتِهِ يُصَلِّي فِيهِ عَمَّارٌ ».
عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ- قَالَ: قُلْنَا لَهُ: « أَخْبِرْنَا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ». قال: « مؤمنا نشأ، إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ » .



عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: { أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَاللَّيْلِ } ، قَالَ: « نَزَلَتْ فِي عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ».
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: « أَقْطَعَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] عَمَّارًا مَوْضِعَ دَارِهِ. وَشَهِدَ وَقْعَةَ بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ [ﷺ]».
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مضرب العبدى، قَالَ:« قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- بِالْكُوفَةِ: « أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَمِيرًا، وَابْنَ مَسْعُودٍ مُعَلِّمًا وَوَزِيرًا، وَهُمَا مِنَ النُّجَبَاءِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ[ﷺ] مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ. وَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِابْنِ أُمِّ عَبْدٍ عَلَىٰ نَفْسِي. فَاسْمَعُوا لَهُمَا وَأَطِيعُوا، وَاقْتَدُوا بِهِمَا. وَقَدْ جَعَلْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَىٰ بَيْتِ مَالِكُمْ، وَحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ عَلَىٰ السَّوَادِ. وَرَزَقْتُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَاةً » .
قَالَ: « فَجَعَلَ شَطْرَهَا وَبَطْنَهَا لِعَمَّارٍ، وَالشَّطْرَ الْبَاقِي بَيْنَ هَؤُلاءِ الثَّلاثَةِ ».
عن الحسن، قَالَ: قَالَ عُمَرُ:« إِنَّمَا وَلَّيْتُ عَمَّارًا لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَىٰ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ} .
عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ:« أَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ شَكَوْا سَعْدًا، فَأَكْثَرُوا. فَعَزَلَهُ وَوَلَّى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ الْكُوفَةَ ».
عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ:« إِنَّ عُمَرَ عَزَلَ سَعْدًا عَنِ الْعِرَاقِ، وَقَاسَمَهُ مَالَهُ » . وَ « وَلَّى عَمَّارَ بْنَ ياسر بعدّه ».
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: « أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَخْطُبُ كُلَّ خَمِيسٍ، وَيَدَعُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ لِلأَمِيرِ، وَهُوَ عَمَّارٌ ».
عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ تَيْمِ اللَّهِ سَمِعَهُ، يَقُولُ: «كَانَ عمارا عَلَيْنَا سَنَةً يَخْطُبُنَا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، فِي عِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ».


عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ:« أَنَّ عَمَّارًا كَانَ إِذَا خَطَبَ، سَلَّمَ ».
عَنْ إِبْرَاهِيمَ:« أَنَّ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ كَانَ يَقْرَأُ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ { يس } » . فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ:«وَمَا أَرَحْنَا مِنْ يَاسِينِكَ ».
عَنْ أَبِي زُبَيْدَةَ عَبْثَرٍ، قَالَ:« خَطَبَ عَمَّارٌ بِخُطْبَةٍ وَجِيزَةٍ ». فَقِيلَ لَهُ:« لَوْ زِدْتَ فِي خُطْبَتِكَ؟» فَقَالَ: « أُمِرْنَا بِتَقْصِيرِ الْخُطَبِ وَإِطَالَةِ الصَّلاةِ».
قَالَ:« وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ: { إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ }، فَيَنْزِلُ، فَيَسْجُدُ».


عَنْ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ: قَالَ عمار:« احدقوا هَذِهِ الصَّلاةَ قَبْلَ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ».


عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، قَالَ: « رَأَيْتُ عَمَّارًا قَرَأَ يَوْمَ جُمُعَةٍ { إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ } ، فَنَزَلَ عَنِ الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ».



عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدٍ:« أَنَّ عَمَّارًا كان لا يرى بأسا بالعراض إذا قتل ».[ كأنه عراض الصيد]



عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: « إِنَّا لَمَعَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ إِذْ عُرِضَ لَهُ حِمَارٌ وَحْشٌ، فَأَسْرَعْنَا إِلَيْهِ بِالرِّمَاحِ، فَطَعَنَّاهُ بِهَا ». فَقَالَ عَمَّارٌ: « وَاللَّهِ لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّىٰ إِذَا رُئِيَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ بِهَذَا، وَحَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ ليرىٰ علىٰ أحدهم العمامة الحسينة فَتُعْجِبُهُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ مِنْ أَجْلِهَا وَيَأْخُذُهَا مِنْهُ ».



عن علي ابن أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ:« رَأَىٰ عَمَّارٌ رَجُلا يُصَلِّي عَلَىٰ دَابَّتِهِ، فَأَخَذَ بِقَفَاهُ، فَحَطَّهُ عَلَىٰ قِرَارِ الأرض »، وقال: « صلّ ها هنا» .



عَنْ قَتَادَةَ: " أَنَّ رَجُلا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا، ثُمَّ جَعَلَ يَغْشَاهَا، وَظَنَّ أَنَّهُ لا طَلاقَ إِلا طَلاقُ السُّنَّةِ " . فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: " وَيْحَكَ إِنِّي قَدْ بِنْتُ مِنْكَ ". فَأَتَىٰ الْكُوفَةَ، فَسَأَلَ عَمَّارًا، فَقَالَ:"مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاثًا دُفْعَةً، ثُمَّ غَشِيَهَا؟" فَقَالَ عَمَّارٌ:« لَوْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ، لَرَجَمْتُهُ». فَانْطَلَقَ إِلَىٰ امْرَأَتِهِ، فَسَرَّحَهَا، وَقَالَ:
كَانَتْ حَلالا أُمُّ عَبْدِاللَّهِ * لِي لَوْ لَمْ تُطَلَّقْ
حَجَزَ التُّقَىٰ عَنْهَا وَمَنْ * لا يَتَّقِ الرَّحْمَنَ يَوْبَقْ



عَنْ رِبْعِيٍّ: أَنَّ عَمَّارًا أُتِيَ بِشَاةٍ مُصْلِيَةً فِي الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ قَبْلَ رَمَضَانَ. فَتَنَحَّىٰ رَجُلٌ. فَقَالَ لَهُ:« إِنْ كُنْتَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَادْنُ وَاطْعَمْ».



عن عبدالله ابن أَبِي الْهُذَيْلِ، قَالَ:" لَمَّا بَنَى عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ دَارَهُ "، قَالَ لِعَمَّارٍ:« تَعَالَ فَانْظُرْ إِلَىٰ مَا بَنَيْتُ ». فَنَظَرَ، وَقَالَ:« بَنَيْتَ شَدِيدًا، وَأَمَّلْتَ بَعِيدًا، وَسَتَمُوتُ قَرِيبًا».



عَنْ مَيْمُونِ بْنِ شَبِيبٍ، قَالَ:" سَمِعْتُ عَمَّارًا يَقُولُ:« لا يَضْرِبُ رَجُلٌ عَبْدَهُ ظَالِمًا إِلا أُقِيدَ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».



حَدَّثَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ أَنَّهُ رَأَى عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ. فَبَدَتْ لَهُ حَيَّةٌ. فَنَزَلَ، فَضَرَبَهَا حَتَّىٰ قَتَلَهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ [ﷺ] 《 اقْتُلُوا الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي صَلاتِكُمْ 》 .



عن ابن أبى هذيل قال:" رأيت عمار يَشْتَرِي قَتًّا [القت: حب بري يأكله أهل البادية؛ وكذلك علف للدواب] بِدِرْهَمٍ، فَاسْتَزَادَ حَبْلا. فَأَبَى صَاحِبُهُ أَنْ يَزِيدَهُ: فَجَاذَبَهُ، حَتَّىٰ قَاسَمَهُ إِيَّاهُ نِصْفَيْنِ. وَحَمَلَهُ عَمَّارٌ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِلَىٰ مَنْزِلِهِ- أَوْ قَالَ:الْقَصْرُ- وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ ".



عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ:" رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقْطَعُ عَلَىٰ لِحَافِ ثَعَالِبَ ثَوْبًا ".



عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ:" سئل عمار عن مسئلة، فَقَالَ:« هَلْ كَانَ هَذَا؟ » قَالُوا:" لا". قَالَ:« فدعونا حتىٰ يكون، فإذا كان تحشّمناها لكم».
[تشجمناها. والتجشم: التكلف لحل معضلة]



عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ، قَالَ:" وَشَىٰ بِعَمَّارٍ رَجُلٌ إِلَىٰ عُمَرَ، فَرَفَعَ عَمَّارٌ يَدَيْهِ فَقَالَ:« اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَبَ عَلَيَّ، فَابْسُطْ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَاجْعَلْهُ مَوْطُوءَ الْعَقِبِ ».



حَدَّثَ أَبُو نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، قال:" كأن عمارا مِنْ أَطْوَلِ النَّاسِ سُكُوتًا وَأَقَلِّهِمْ كَلامًا ". وَكَانَ يَقُولُ:« أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتْنَةِ ». ثُمَّ عُرِضَتْ لَهُ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ.



عن بلال بن يحيى العبسى أَنَّ حُذَيْفَةَ قَالَ: « سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ [ﷺ] يَقُولُ: 《 أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ، أَبُو الْيَقْظَانِ عَلَىٰ الْفِطْرَةِ. لَنْ يَدَعَهَا حَتَّىٰ يَمُوتُ أَوْ يُنْسِيَهُ الْهَرَمُ 》.
عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: " شَاتَمَ عَمَّارًا رَجُلٌ "، فَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتَ كَمَا تَقُولُ، فَأَنَا كَتَارِكِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَإِنْ كُنْ تَكَاذِبًا، فَأَكْثَرَ اللَّهُ مَالَكَ، وَأَوْطَأَ الرِّجَالُ عَقِبَكَ » .



حَدَّثَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:"سَمِعْتُ أَبَا يَزِيدَ الْمَدَنِيَّ يُحَدِّثُ: أَنَّ عَمَّارًا قَالَ لِعَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا- يَوْمَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا فَرَغَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ: « سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ،مَا أَبْعَدَ هَذَا الأَمْرَ مِنَ الأَمْرِ الَّذِي عَهِدَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] إِلَيْكِ فِيهِ أَمَرَكِ أَنْ تَقَرِّي فِي بَيْتِكِ ». فَــ
قَالَتْ: «مَنْ هَذَا؟ أَبُو الْيَقْظَانِ؟ » ،
قَالَ:« نَعَمْ ».
قَالَتْ:« وَاللَّهِ إِنَّكَ، مَا علمت، تقول الحقّ ». فَــ
قَالَ:« الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي قَضَىٰ لِي عَلَىٰ لِسَانِكِ ».



وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ:" أَحْرَقَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ بِالنَّارِ "، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] يَمُرُّ بِهِ، فَيَمُرُّ يَدَهُ عَلَىٰ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: 《 يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً علىٰ عَمَّارٍ كَمَا كُنْتِ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ 》.
《 تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، يَا عَمَّارُ》 .
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عنه-، قال:" لما اتخذ النَّبِيُّ [ﷺ] فِي بِنَاءِالْمَسْجِدِ، جَعَلَ يَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً. وَجَعَلَ عَمَّارٌ يَحْمِلُ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. فَحَدَّثَنِي أَصْحَابِي أَنَّ النَّبِيَّ [ﷺ] جَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: 《 وَيْحَكَ، يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، تقتلك الفئة الباغية》 .



حدث علي بن مجاهد، قال: " وقع بين عبدالله بن مسعود وبين عمار بن ياسر تشاجر في شيء. فعجل عمار. فجلس ابن مسعود. فبلغ ذلك عمر-رضي الله تعالى عنه-، فقال:« أتجلس ابن أم عبد؟ »؛ فعزل عمارا، وولى الكوفة المغيرة بن شعبة.



حدث دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ لعمار رضى الله تعالى عَنْهُمَا:« أَسَاءَكَ عَزْلُنَا إِيَّاكَ؟ »
قَالَ:«لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ، لَقَدْ سَاءَنِي اسْتِعْمَالُكَ إِيَّايَ، وَسَاءَنِي عَزْلُكَ ».



عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: 《 مَا عُرِضَ عَلَى ابْنِ سُمَيَّةَ أَمْرَانِ قَطُّ إِلا اخْتَارَ الأَرْشَدَ مِنْهُمَا 》 .
عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ عَمَّارٍ قَالَ: « ثَلاثٌ مِنْ كَمَالِ الإِيمَانِ: الإِنْفَاقُ فِي الإِقْتَارِ، وَإِنْصَافُ النَّاسِ مِنْ نَفْسِكَ، وَبَذْلُ السَّلامِ ». وجاء من طريق آخر قَالَ : ثَلَاثُ خِلَالٍ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ خِلَالَ الْإِيمَانِ ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ:« يَا أبا اليقظان ، وَمَا هَذِهِ الْخِلَالُ الَّتِي زَعَمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ[صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ] قَالَ : 《 مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ خِلَالَ الْإِيمَانِ ؟ 》؛ فَقَالَ عمار عِنْدَ ذَلِكَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ :《 الْإِنْفَاقُ مِنَ الْإِقْتَارِ ، وَالْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ》 » .
عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، قَالَ: أَتَى عَمَّارٌ يَوْمَ صِفِّينَ بِلَبَنٍ، فَضَحِكَ وَقَالَ: 《 قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ آخِرَ شَرَابٍ تَشْرَبُهُ حَتَّى تَمُوتَ شَرْبَةُ لَبَنٍ》 » .
وقال علي -عليه السلام-:« إنّ امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل عمار و (لم) يدخل عليه بقتله مصيبة موجعة، لغير رشيد. رحم الله عمارا يوم أسلم، ورحم الله عمارا يوم قتل، ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا. لقد رأيت عمارا ما يذكر مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم أربعة إلا كان الرابع، ولا خمسة إلا كان الخامس. وما كان أحد من أصحاب محمد يشك في أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا الجنة. عمار مع الحق أين دار. وقاتل عمار في النار » .



عن حبيب ابن أبي ثابت قال: « قتل عمار يوم قتل وهو مجتمع العقل».
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ فِي إِسْنَادِهِ: كَانَ عَمَّارٌ آدَمَ،طُوَالا، مُضْطَرِبًا، أَشْهَلَ الْعَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، وَكَانَ لا يُغَيِّرُ شَيْبَهُ. وَقُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ فِي صَفَرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلاثِينَ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ. وَذَلِكَ الثَّبْتُ. وَيُقَالُ: إِحْدَى وَتِسْعِينَ. وَدُفِنَ بِصِفِّينَ. رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.



عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلامُ صَلَّى عَلَى عمار وهاشم بن عتبة، فجعل عمار مِمَّا يَلِيهِ، وَهَاشِمًا أَمَامَ ذَلِكَ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِمَا تكبيرا واحدا.
عَنْ عاصم ابن ضَمْرَةَ: أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى عَلَى عَمَّارٍ، وَلَمْ يُغَسِّلْهُ.
عَنْ مُثَنَّى الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَشْيَاخٍ شَهِدُوا عَمَّارًا قَالَ: لا تُغَسِّلُوا عَنِّي دَمًا فَإِنِّي مُخَاصِمٌ.



وروي عن الأصبغ بن نباته أنه قال: « رحم الله أبا اليقظان، فإني أرى أنه لو شارك أيوب عليه السلام في بلائه، صبر معه».
عَنْ عَبْداللَّهِ بْن جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ، قَالَ: قُتِلَ عَمَّارٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَهُوَ ابْنُ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً. وَكَانَ أَقْدَمَ فِي الْمِيلادِ مِنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ.





قلت(الرمادي) تتبعت مسيرة أبا اليقظان- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كاملة إذ انتقل من حالة الضعف والتعذيب إلى أن صار أميراً ثم تحققت نبؤة النبي الخاتم الصادق فيه... وإن كان هناك بعض المسائل معلقة!...
إذا تيسر لي الأمر من بعد إذنه تعالى وهدايته وتوفيقه فسوف ابحث الأمر في ملف خاص حول شخصيات محورية في السيرة النبوية الشريفة العطرة البهية السنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾
السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ
مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
١٩ رجب مضر ١٤٤٢ هــ ~ 02 مارس 2021م
~ ‏الثلاثاء‏، 19‏ رجب‏، 1442 هــ

(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
16 / 03 / 2021, 18 : 10 PM
« مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ».




« سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء »؛


„أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة؛ ذات حضارةâ€ں


سلسلة بحوث عن :


« الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرى العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛
لـــــ
خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم »


واختصرته بـ :



« خاتم الأنبياء »
صلى الله عليه وآله وسلم.





-**-





« مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ».

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
18 / 03 / 2021, 36 : 02 PM
« سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل نصوص الوحي وآيات الذكر الحكيم المنزل من السماء »؛


„أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة زاهرة؛ ذات حضارة‟

سلسلة بحوث عن :

« الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛


لـــــ
خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين :
سيدنا محمد بن عبد الله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم »
واختصرته بـ :


« خاتم الأنبياء » صلى الله عليه وآله وسلم.

-**-






«مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ».
" الْمُلْحَقُ الْأَوَّلُ "
المُلْحَقَةُ الْأُولىٰ مِنْ مُلْحَقَاتِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ



استأذنُ السيد[ة] العزيز[ة] القارئــ[ـــــــــة] أن استقدم بعض البحوث ؛ وهي متعلقة بما نشره موقع ملتقى أهل العلم صفحة رقم : (2) ؛الفقرة رقم : (14)... من هذه السلسلة من البحوث.. ارجوه سبحانه وتعالى حسن التوفيق وسداد الخطى ومزيد من العون:

[ ٢ ] [ أخبار وأحداث ما قبل ميلاد خاتم الأنبياء ]
[١. ] القسم الأول :
أخبار وأحداث ما قبل ميلاد خاتم الأنبياء: محمد بن عبدالله وأمنة بنت وهب!
الْبَابُ الْأَوَّلُ : التنويه بذكر نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ " زَمَنِ(1) آدَمَ" عَلَيْهِ السَّلَامُ ]..
1. ] جاء في أشرف الوسائل إلىٰ فهم الشّمائل؛ لــ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس (المتوفى: 974هـ) :


" من تمام الإيمان به -صلى الله عليه وسلم-: اعتقاد أنه لم يجتمع فى بدن آدمي من المحاسن الظاهرة، ما اجتمع فى بدنه -صلى الله عليه وسلم-، وسِر ذلك أن المحاسن الظاهرة آيات علىٰ المحاسن الباطنة، والأخلاق الزكية، ولا أكمل منه، بل ولا مساو له فى هذا المدلول، فكذلك في الدّال، و


من ثمّ نقل القرطبى عن بعضهم: أنه لم يظهر تمام حسنه -صلى الله عليه وسلم-، وإلا لما طاقت الصحابة النظر إليه.
و
اعلم أن الكلام علىٰ خلقه -صلى الله عليه وسلم- يستدعي الكلام علىٰ ابتداء وجوده، فاحتيج إلىٰ ذكره، و


ملخصه:
أنه صح فى مسلم(1) [أنه قال] : إن الله قد كتب مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه علىٰ الماء،
و


في الرواية التي أثبتها ابن تيمية : قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَن عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:"
« قَدَّرَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىٰ الْمَاءِ» ".
وَ
فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:
« كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَىٰ الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ » .
و
يكمل الهيتمي :" ومن جملة ما كتب فى الذّكر وهو أمّ الكتاب
أن « محمدا خاتم النبيين» .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1) رواه مسلم فى القدر (2643)، باب كيفية الخلق الآدمى فى بطن أمه وكتابة رزقه وأجله وعمله، وشقاوته وسعادته (4/ 2036،2042). ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
وصحّ أيضاً « إنى عبد الله فى أمّ الكتاب خاتم النبيين، وإن آدم لمنجدل فى طينته ».(1) أى: طريحا ملقى قبل نفخ الروح [فيه]،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه :
(1 . 1. ) أحمد فى «المسند» (4/ 127،128)، و
(1 . 2. ) ابن أبى عاصم فى «المسند» (1 /179)، و
(1 . 3 . ) ابن سعد فى «الطبقات الكبرى» (1 /96)، و
(1 . 4 . ) الطبرانى فى «الكبير» (18/ 252)،(629،630)، و
(1 . 5 . ) الحاكم فى «المستدرك» (2/ 418)، و
(1 . 6 . ) البيهقى فى «الدلائل» (1/ 80،81)،و
(1 . 7 . 1 . ) أبو نعيم فى «الدلائل» (ص 22،23)،و
(1 . 7 . 2 . ) فى حلية الأولياء (6/ 89).
قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
وقال الهيثمى فى «مجمع الزوائد» (8/ 223): رواه أحمد بأسانيد، وأحد رجالها رجال الصحيح غير سعيد بن سويدوقد وثقه ابن حبان، قلت: ولم يجرحه أحد من علماء الجرح والتعديل.
(2.) انجدل مطاوع جدله إذا ألقاه على الأرض، وأصله الإبقاء على الجادلة - وهي الأرض الصلبة -؛ وبهذا قال القاري :" (مُنْجَدِلٌ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ: مُلْقًى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ. و
استدل بما قاله الطيبي حيث قَالَ الطِّيبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أَيْ مُلْقًىٰ عَلَىٰ الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ،
ثم استدل القاري بقوله :" وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
« أَنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَآدَمُ الْمُنْجَدِلُ فِي طِينَتِهِ ».
وقبلهما قال الزمخشري في"الفائق"؛ - ولعلهما نقلا من عنده - : انجدل مطاوع جدله، إذا ألقاه علىٰ الأرض، وأصله الإلقاء علىٰ الجدالة، وهي الأرض الصلبة، و
هذا علىٰ سبيل إنابة فعل مناب فعل، والجار الذي هو (في) ليس يتعلق بمنجدل. و
(إنما) هو خبر ثان، لأن الواو مع ما بعدها في محل النصب على الحال من (مكتوب). و
المعنىٰ :
" كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم مطروح على الأرض حاصل في أثناء الخلقة بما يفرغ من صورته [وإجراءالروح]. ". . و
الرواية التي اعتمدها القاري من شرح السنة للبغوي جاءت بالفاظ مقاربة فتجد في :" ج:9 ؛ ص: 3684:" وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُول ِاللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
« إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي، دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ».
[رَوَاهُ فِي " شَرْحِ السُّنَّةِ ].
أي حديث الباب الذي أنا (الرمادي) بصدده في هذا الملحق.
و
المعنى: كتبت خاتم الأنبياء في الحال الذي آدم عليه الصلاة والسلام مطروح على الأرض، حاصل في أثناء الخلقة لما يفرغ من تصويره وإجراء الروح فيه.
و
يكمل الملا علي القاري شرح الحديث بقوله :" (وَعَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) ، بِكَسْرِ الْعَيْنِ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
« إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ » : بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ، وَقِيلَ: مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ أَيْ: مَكْتُوبٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ
(وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ) مِنَ الْجَدْلِ وَهُوَ الْإِلْقَاءُ عَلَىٰ الْأَرْضِ الصَّلْبَةِ أَيْ: وَالْحَالُ أَنَّهُ لَسَاقِطٌ وَمُلْقًىٰ
(فِي طِينَتِهِ)، أَيْ: خِلْقَتِهِ وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ
(مَكْتُوبٌ) أَيْ: كُتِبْتُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْحَالِ الَّتِي آدَمُ مَطْرُوحٌ عَلَىٰ الْأَرْضِ حَاصِلٌ فِي أَثْنَاءِ خِلْقَتِهِ، لَمَّا يُفْرَغْ مِنْ تَصْوِيرِهِ وَتَعَلُّقِ الرُّوحِ بِهِ. (انتهى النقل من عند القاري).
أقول(الرمادي) ثم عقب القاري على ما كتبهفقال:" كَذَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ. ".
أقول(الرمادي) استدل به الطيبي : وهو شرف الدين الحسين بن عبدالله الطيبي
(743هـ) في كتابه : شرح الطيبي على مشكاة المصابيح ؛ المسمى بـ
(الكاشف عن حقائق السنن) ؛ المحقق: د. عبدالحميد هنداوي ؛ الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز (مكةالمكرمة - الرياض) عدد الأجزاء: 13 ؛ الطبعة:الأولى، 1417 هـ - 1997 م ]. فــ


قال صاحب شرح [عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد (https://al-maktaba.org/book/32896) [الإمام السيوطي (https://al-maktaba.org/author/7)] . (مسند عدي بن عميرة -رضي الله عنه (https://al-maktaba.org/book/32896/612)- 756 - حديث: "إني عبد الله مكتوب لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته". (https://al-maktaba.org/book/32896/614)).:ج: 2 ؛ ص: 126:" قال الطيبي: يعني لا يجوز إجراء منجدل على (أن) يكون مطاوعًا لجدل، لما يلزم منه، (أو) يكون آدم (منفصلاً) من الأرض الصلبة. بل هو ملقًى عليها. ولا يجوز أن يكون (في) متعلقًا بمنجدل، لما يلزم منه أن يكون المنجدل مظروفًا في طينته، وإنما هو ظرف له، وهو حاصل فيه ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا أيضاً ما ذهب إليه ابن تيمية حيث قال :
" في الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح :
ج: (3) ؛ ص: (380):" وَ فِي ".:381:" مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ،عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
« إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنَبِّئُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي، أَنَا دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي، رَأَتْ حِينَ وَلَدَتْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ » .
و


يعلق ابن تيمية بقوله :" فَقَدْ أَخْبَرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ نَبِيًّا، وَكُتِبَ نَبِيًّا بَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ عِنْدَ اللَّهِ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَآدَمُ مُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ.


وَ


مُرَادُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ نُبُوَّتَهُ، وَأَظْهَرَهَا وَذَكَرَ اسْمَهُ، وَلِهَذَا جُعِلَ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بَعْدَ خَلْقِ جَسَدِ آدَمَ وَقَبْلَ نَفْخِ " ثم يكمل في ج: 3 ؛ ص: 382:" الرُّوحِ فِيهِ، كَمَا يُكْتَبُ رِزْقُ الْمَوْلُودِ وَأَجَلُهُ وَعَمَلُهُ، وَشَقِيٌّ هُوَ أَوْ سَعِيدٌ بَعْدَ خَلْقِ جَسَدِهِ، وَقَبْلَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ. ".
أما من حيث التخريج:
*.]: عند القاري: " (وَرَوَاهُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مِنْ قَوْلِهِ: سَأُخْبِرُكُمْ) : إِلَخْ. قُلْتُ [أي القاري]: وَفِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ عَنِ الْعِرْبَاضِ:( « إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَمَكْتُوبٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِه ِ») .
وَ
رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَلَفْظُهُ: (« أَنَا دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ بَشَّرَ بِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» ) ".
وقد جاء في:
*.]: (فتح الباري / 6 ) قال الحافظ فى " الفتح "(ج: (6)؛ ص: 559) : صححه ابن حبان والحاكم. ".
[روضة المحدثين – تفريغ لأحكام الحافظ ابن حجر وغيره علىٰ الأحاديث]
*.]:" تقرأ عند :" [جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد (https://al-maktaba.org/book/32078)؛ الروداني، محمد بن سليمان المغربي (https://al-maktaba.org/author/2288)]؛ كتاب السير والمغازي (https://al-maktaba.org/book/32078/6555)؛ كرامة أصل النبي - صلى الله عليه وسلم - وقدم نبوته ونسبه وأسماءه (https://al-maktaba.org/book/32078/6556)) . وخرج الحديث :" أحمد؛ والكبير؛ والبزار (1).".
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه:
(1 . ) أحمد 4/ 127، و
(2 . ) الطبراني 18/ 252، والمقصود هنا بــ "الكبير". و
(3 . ) البزار كما في "كشف الأستار"؛ ج: 2؛ ص: 112 (رقم 2365)، و
- قال الهيثمي : ج: 8؛ ص: 223: وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد، وثقه ابن حبان. و
- ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2091). ".
*.]:" رواه الإمام أحمد، وروي معناه من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه-، ومن وجوه أخر مرسلة، وخرج الحاكم أيضا حديث العرباض، وقال: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي "( رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.).
و
عند تخريج الألباني لأحاديث:" صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته؛ لـــ: عبدالرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي(المتوفى: 911 هـ) ؛ ومع الكتاب: أحكام محمد ناصرالدين الألباني ، يمثل جميع أحاديث الجامع الصغير وزيادته للسيوطي، مع حكم ناصر من صحيح أو ضعيف الجامع الصغير، وهو متن مرتبط بشرحه، من فيض القدير للمناوي ] .
4901:" إِنِّي عندَ الله فِي أُمِّ الكِتابِ لَخاتِمُ النَّبِيّينَ وإنَّ ﴿« „ آدمَ لمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ‟»﴾.. وسأُخْبِرُكمْ بَتأْوِيل ذلكَ أَنا دَعْوَةُ أبي ابْرَاهِيمَ وبِشارَةُ عِيسَى بِي ورُؤْيا أُمّي الّتِي رأتْ حِينَ وَضَعَتْ أنهُ خَرَجَ مِنها نُورٌ أضاءَتْ لهُ قُصُورُ الشّامِ وَكذلِكَ أمَّهاتُ النّبِيّينَ يَرَيْنَ
(حم .. طب .. كحل .. هَب) عَن عرباض بن سارية.
ضعيف: انظر حديث رقم: 2091 في ضعيف الجامع ".
فك الرموز:"
*.] (حم: (مسند أحمدبن حنبل )
*.] (طب : (الطبرانيفي الكبير )
*.] (ك : (للحاكم)
*.] (حل : (الحلية لأبي نعيم)
*.] (هَب: (شعب الإيمان للبيهقي ) ".



-**-
الراوي:" وعن العِرْباض" بكسر العين وسكون الراء بعدها موحدة فألف فمعجمة
"ابن سارية" السلمي، قديم الإسلام جدًا من البكائين ومن أهل الصفة، ونزل حمص، وروى عنه خالد بن معدان وأبو أمامة الباهلي وخلق، مات سنة خمس وسبعين، وقيل قبلها زمن فتنة ابن الزبير رضي الله عنهم. " .
و




الأصل أن اورد ملحقاً خاصاً عن السادة الرواة: [ الصحابة.. والصحابيات]؛ وبالتالي عن :" الْعِرْبَاضِ".
-**-
(ولم يحكم ابن تيمية على الحديث بالصحة أو الضعف ولكنه استدل به واستند عليه في بحثه في الجواب الصحيح..
-**-
أما الألباني عند تخريجه لــ :[ مشكاة المصابيح لــــ: محمد بن عبدالله الخطيب العمري، أبو عبدالله، ولي الدين، التبريزي
(المتوفى: 741هـ) .. المحقق: محمد ناصرالدين الألباني؛ الطبعة: الثالثة، 1985 ، وهو متن مرتبط بشرحه مرقاة المفاتيح] ؛ ( الإيمان (https://al-maktaba.org/book/8360/7) : باب الإيمان بالقدر (https://al-maktaba.org/book/8360/96)؛ الفصل الثالث (https://al-maktaba.org/book/8360/133)) .
1. ] . فقد حكم على الحديث بالصحة فتجده :
3ج: ص: 1604:( الفضائل والشمائل (https://al-maktaba.org/book/8360/6787) [1] باب فضائل سيد المرسلين (https://al-maktaba.org/book/8360/6788) الفصل الثاني (https://al-maktaba.org/book/8360/6806) ) .قال :" 5759 -[21] (صَحِيح)
وَعَن
العِرْباض بن ساريةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:" إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ مَكْتُوبٌ: خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَمَ لِمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ وَسَأُخْبِرُكُمْ بِأَوَّلِ أَمْرِي دَعْوَةُ إِبْرَاهِيمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْنِي وَقَدْ خَرَجَ لَهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهَا مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ «.وَرَواه فِي» شرح السّنة " ".
أقول (الرمادي): وبعد هذه الجولة مِن بين اقوال ونقول العلماء يمكن القول بأن الحديث صحيح يعتبر في الاستدلال به
-**-
‏الخميس‏، 05‏ شعبان‏، 1442 هــ


الملحق: (1)





(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّين ِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
20 / 03 / 2021, 07 : 07 PM
[ ٨٣ ] 83 المستضعفون!

[2] ﴿﴿﴿ أبوعبدالله؛ خَبَّابُ بْنَ الأَرَتِّ ﴾﴾﴾



تمهيد :



قد يتبادر إلىٰ ذهن أحد الجهلة بجغرافيا البلاد ومواقع القارات؛ فيتغاضىٰ عن أهمية المنطقة التي يطلق عليها بالخطأ «الشرق الأوسط»؛ وهي نقطة التقاء القادم مِن رحلات الشمال إلىٰ الجنوب أو مركز تجمع المسافر مِن أهل الغرب إلىٰ الشرق، ويتجاهل مقدار وتمركز الثروات الطبيعية الهائلة والتي حباها خالق الإنسان والحياة والكون؛ تلك الثروات القابعة في باطن الأرض والبحر في منطقة تطلق عليه «سُرة» العالم؛ وهنا يفهم لِمَ ذاك التكالب مِن دول استعمارية لهذه المنطقة؛ وإمبراطوريات غربت عنها شمس استعماراتها ثم تغيير شكل الاستعمار وصورة التواجد...
أضف ارتفاع نسبة الخصوبة في نساء تسكن مناطق ذات موضع استراتيجي هام ومؤثر وفاعل؛ وبالتالي ارتفاع نسبة المواليد وارتفاع نسب الشباب من الجنسين
مع وجود «عبقرية» بشرية تلازمها «عبقرية» المكان والمناخ والطبيعة...
ففي باطن الأرض وعلىٰ وجهها توجد «عبقرية» السكان و «عبقرية» المناخ و «عبقرية» خيرات تلك البلدان...
أقول (الرمادي) : قد يتبادر لذهن أحد الجهلة أن يتفوه فيقول :" نحن أمة مستضعفة! "... ثم يجتر [Wiederkaeer] ما تتناقله وسائل الإعلام لتؤكد ذلك المفهوم الخاطئ ليتحول إلىٰ قناعة عند البعض؛ فيصير بوقا للآخر الذي يريد أن يستعمره ويستنزف خيرات بلاده؛ ليشعره بحالة مِن الفقر الفكري والعوز التفكيري ليثبت -زورا- له ضحالة الإدراك وضعف الفهم وغياب القدرة علىٰ التغيير...


و
آحدهم ما زال يعيش ويريد أن يتعايش في مناخ قديم مِن الذكريات؛ إذ هو يرىٰ أمسه أفضل من غده - فيتغنىٰ علىٰ أطلال التاريخ؛ فيقنع نفسه بما يسميه البعض بــ „الزمن الجميل” ويكتفي بهذا القدر؛ فلا يعمل علىٰ تغيير يومه التعيس لمستقبل أفضل... فيترك ساحة العمل ومكان التغيير لغيره... فيَرْحَل أو يُرَحَل ومَن يبقىٰ فهو إما عميل أو أجير؛ أو فاسد [ راجع مقابلة قناة العربية مع السيد وزير الإعلام الأسبق الكويتي: «محمد السنعوسي» بثت يوم جمعة أمس: 19 مارس 2021م] أو مرهق بأعباء توفير وجبة طعام الفطور؛ ويدندن علىٰ أوتار الكسل :«عشاؤنا عليكَ يا كريم»... ورائحة قضايا الفساد تزكم الأنوف؛ كحارس البستان وهو لا يملك أن يتذوق طيب الثمار؛ وهو -ليس بحارس- وفي حقيقة أمره هو «مالك» البستان... و «صاحب» الدار..
.
... هذا الجزء من بحث « المستضعفين في عهد النبوة؛ وزمن نزول رسالة السماء الأخيرة إلىٰ البشرية؛ علىٰ قلب أمين السماء والأرض علىٰ وحي ربه -تعالىٰ- النبي الرسول آخر المصطفين وخاتم المرسلين ومتمم الأنبياء والمبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم- » ..
هذا البحث يلزمنا إعادة النظر في الواقع الحالي المعاش بمعطيات جديدة وروافد جدت علىٰ كافة الأصعدة وفي كل المجالات... وليس فقط قراءة تاريخية مفصولة عن واقع اليوم؛ إذ ليس مِن المعقول؛ وليس مِن المفهوم أن تظل أمة وصفت بأنها
خير أمة أخرجت للناس
أن تظل هذه الأمة إما تابعة أو مستأجرة؛ ولا يمكنها -أو يراد لها أن لا تتمكن من - أن تتمقعد كراسي الريادة في شتى المجالات فتضع اقدامها فوق قمم العلم والتكنولوجيا والدراسات الحديثة فتقود العالم؛ وأن تعلو -بما تحمل مِن افكار صحيحة؛ ولديها مفاهيم سليمة؛ وتمتلك مبادئ راقية؛ وفي حوزتها قيم عالية إنسانية؛ وقناعات منطقية عقلية إستنارية إدراكية: وكلها توافق النفس البشرية المعذبة بأنظمة فاسدة وضعية- فتجلس علىٰ مناكب القيادة؛ سواء الفكرية أو الإصلاحية التعليمية التربوية أو الإجتماعية أو السياسية أو في أصعدة العلم ومختبرات البحث العلمي ومجالات التكنولوجيا؛ ولا يقبل عاقل مِن تلك الأمة الخيرية أن تكون مستلزمات حياته اليومية صناعة شرقية فيستوردها أو ما يحتاجه منتجات غربية فيتسولها؛ وأصبحت الأمة العربية وزميلتها الإسلامية - تلك الأمة- هي فقط أمة أستهلاك فلا تشارك في تقدم الشعوب ورفاهية الأمم.



.. المستضعفون زمن النبوة... كان في استطاعة قائدهم الأول -محمد بن عبدالله؛ نبي الهدى والرحمة عليه السلام- أن يدعو ربه -تعالىٰ- ليرفع عنهم الأذىٰ والضيق والمطاردة مِن مَن يخالفونهم في العقيدة والإيمان ويعارضونهم في فهم ما يجب أن يكون في الحياة الدنيا ثم ما سيكون يوم القيامة وما يليه من حساب ونعيم؛ أو كان يدعو ربه -جلّ وعلا- لينزل عليهم جميعاً مائدة مِن السماء لــ : „ تَكُون عِيدًا ” وهم محشورون في شِعب أبي طالب لا يجدون طعاما يسد جوعتهم أو قطرةَ ماء تروي ظمأهم...
لكنها سُنَّة حياة لمن سيأتي مِن بعدهم -سواء بسنوات معدودات أو قرون- ... والمثال قد يتكرر بذاته أو في ظروف مشابهة أو في أحوال مغايرة...والواقع المعاش اليوم يظهر غياب التقييد بالقدوة الحسنة {. لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } ثم يزيد القرآن الكريم {. قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ .. } ثم يزيد القرآن العظيم : {.. فِي إِبْرَاهِيمَ.. وَالَّذِينَ مَعَهُ... } وقصد بهم بقية السادة الأنبياء والمرسلين؛ وإعادة تفعيل السنة النبوية العملية لسيد بني آدم والبرية...
...





[2] ﴿ ﴿ ﴿ خباب بن الأرت ﴾ ﴾ ﴾





قالوا: كان الأرت سواديا. فأغار قوم مِن ربيعة علىٰ الناحية التي كان فيها، فسبوه وأتوا به الحجاز، فباعوه. فــ
وقع إلىٰ سباع بن عبدالعزى الخزاعي، حليف بني زهرة. و
ابنة عبدالله بن سباع هذا، هي أم طريح بن إسماعيل الثقفي الشاعر. فوهبه لأم أنمار بنت سباع، فأعتقته. و
سباع هذا، هو الذى بارزه حمزة بن عبدالمطلب [عم النبي] -رضى الله تعالىٰ عنه-: وقال له : «... إِلىَّ يابن مقطعة البظور» . فقتله حمزة.
وكانت أمه قابلة بمكة. و
يقال: إن اسمها أيضا أم أنمار.
وقال الهيثم بن عدي: كان أبو خباب من أهل „كسكر”. و
يقال: إنه كان مِن سواد الكوفة.
و -زعم- أبو اليقظان البصري: أن خباب بن الأرت كان أخا سباع لأمه. فانضم خباب إلىٰ آل سباع، فادّعىٰ حلف بنى زهرة.
- وخباب- فيما يقول ولده- بن الأرت بن جندلة بن سعد بن خزيمة، من بني سعد بْن زَيْد مناة بْن تميم. و
أنه وقع عليه سباء، فصار إلىٰ أم أنمار مولاته، فأعتقته. و
أنه كانت به رتة.
قال الواقدي: كان ألكن إذا تكلم بالعربية. فسمي الأرت. و
قال الواقدي: أسلم خباب، وكان قينا بمكة. ويكنى أبا عبدربه. و
عَنْ كُرْدُوسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَلا إِنَّ خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ أَسْلَمَ سَادِسَ ستة.
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، قال: أسلم خبّاب مع بني مظعون وأبى سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالأَسَدِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-، قبل دخول دار الأرقم. وَ
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْطَوْهُمْ [ أى المستضعفون من المسلمين في مكة أعطوا للمشركين.] مَا أَرَادُوا. قَالَ يُوسُفُ فِي حَدِيثِهِ: حِينَ عُذِّبُوا إِلا خَبَّابَ بْنَ الأَرَتِّ، فَجَعَلُوا يُلْصِقُونَ ظَهْرَهُ بِالأَرْضِ عَلَىٰ الرَّضْفِ حَتَّىٰ ذَهَبَ مَاءُ مَتْنِهِ. و
قال الواقدي: جاء خباب إلىٰ النبي -ﷺ-،فشكا ما أصابه. فقال -ﷺ-: «لقد كان الرجل ممن قبلكم يمشط بأمشاط الحديد حتىٰ يخلص إلىٰ ما دون عظمه مِن لحم وعصب، ويشقّ بالمئآشير، فلا يرده ذلك عن دينه. وأنتم تعجلون. والله، ليمضين هذا الأمر حتىٰ يسير الراكب مِن صنعاء إلىٰ حضر موت لا يخاف إلا الله وحده، والذئب علىٰ غنمه:« .
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَىٰ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دين. فأتيته أقتضيه. فقال لي: „ لَنْ أَقْضِيَكَ حَتَّىٰ تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ”. فَــ
قُلْتُ: « لَنْ أَكْفُرَ حَتَّىٰ تَمُوتَ وَتُبْعَثَ ».
قَالَ: «وَأَنِّي لَمَبْعُوثٌ بَعْدَ الْمَوْتِ؟ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ، فَلَسَوْفَ أَقْضِيكَ إِذْ رَجَعْتَ إِلَيَّ مَالِي وَوَلَدِي» . فَـــ
نَزَلَتْ فِيهِ: « أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ: لَأُوتَيَنَّ مَالا وَوَلَداً» ،إلىٰ قوله «فَرْداً« .
وَعَنِ ابْنِ عباس بنحوه وقوله « سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ » ، يَعْنِي مَالَهُ وَوَلَدَهُ. و
قال الواقدي: كان خباب ممن شهد بدرا. ولم يفارق النبي -ﷺ-.ولما هَاجَرَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ- وهاجر خباب، نزل والمقداد ابن عمرو علىٰ كلثوم بن الهدم، فلم يبرحا منزله حتىٰ توفي قبل بدر بيسير. فتحولا، فنزلا علىٰ سعد بن عبادة. فلم يزالا عنده حتىٰ فتحت قريظة. و
آخا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ خباب وجبر بن عتيك بن (الحارث بن) قيس بن هيشة الأوسي. ولم يتخلف عن مشهد من مشاهد رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
عَنْ أَبِي لَيْلَى الْكِنْدِيِّ قَالَ: جَاءَ خَبَّابٌ إِلَىٰ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ تعالىٰ عنه-، فقال : « ادْنُهُ،ادْنُهُ، فَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ »... فَجَعَلَ خَبَّابٌ يُرِيهِ آثَارًا فِي ظَهْرِهِ لَمَّا عَذَّبَهُ الْمُشْرِكُونَ.
عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: دَخَلَ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ عَلَىٰ عُمَر بْن الخطاب -رَضِيَ اللَّه تعالىٰ عنه-، فَأَجْلَسَهُ عَلَىٰ مَنْكِبِهِ وَ
قَالَ: « مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهَذَا الْمَجْلِسِ مِنْكَ إِلا رَجُلٌ وَاحِدٌ ». فَــ
قَالَ خَبَّابٌ: « وَمَنْ هُوَ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ ».
قَالَ: « بِلالٌ ».
قَالَ خَبَّابٌ: « لَيْسَ هُوَ بِأَحَقَّ مِنِّي، إِنَّ بِلالا كَانَ لَهُ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْنَعُهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمًا وَقَدْ أَوْقَدُوا لِي نَارًا، ثُمَّ سَلَقُونِي فِيهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَجُلٌ رِجْلَهُ عَلَىٰ صَدْرِي، فَمَا أَتَيْتُ الأَرْضَ إِلا بِظَهْرِي ».
ثم كشف خباب عن ظهره له. فَإِذَا هُوَ قَدْ بَرِصَ.
عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىٰ خَبَّابٍ أَعُودُهُ وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ. فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: « لَوْلا [ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: « لا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ ] » ، لَتَمَنَّيْتُهُ ».
قَالَ: „ وَأُتِيَ بِكَفَنِهِ قُبَاطِيٍّ.فَبَكَى”،
ثُمَّ
قَالَ: « لَكِنَّ حَمْزَةَ كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِذَا مُدَّتْ عَلَىٰ قَدَمَيْهِ قَصُرَتْ عَنْ رَأْسِهِ، وَإِذَا مُدَّتْ عَلَىٰ رَأْسِهِ قَصُرَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ حَتَّىٰ جُعِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرٌ. وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي مَعَ رَسُول ِاللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَا أَمْلِكُ دِينَارًا وَلا دِرْهَمًا، وَإِنَّ فِي بَيْتِي فِي تَابُوتٍ لأَرْبَعِينَ أَلْفِ وَافٍ. وَلَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا ».
عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَىٰ خَبَّابٍ نَعُودُهُ، وَقَدِ اكْتَوَىٰ فِي بَطْنِهِ سَبْعًا . وَ
قَالَ: « لَوْلا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ، لَدَعَوْتُ بِالْمَوْتِ ».
عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: «كَانَ خَبَّابٌ قَيْنًا، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْلَفُهُ وَيَأْتِيهِ. فَــــ
أُخْبِرَتْ بِذَلِكَ مَوْلاتُهُ، فَكَانَتْ تَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ وَقَدْ أَحْمَتْهَا، فَــ
تَضَعُهَا عَلَىٰ رَأْسِهِ. فَــ
شَكَا ذَلِكَ إِلَىٰ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، [فَــ
قَالَ: اللَّهُمَّ انْصُرْ خَبَّابًا.] ... فــ
اشتكت مولاته رأسها - وهي أم أنمار - فَكَانَتْ تَعْوِي مَعَ الْكِلابِ. فَــ
قِيلَ لَهَا: اكْتَوِي. فَكَانَ خَبَّابٌ يَأْخُذُ الْحَدِيدَةَ قَدْ أَحْمَاهَا، فَكَانَ يَكْوِي بِهَا رَأْسَهَا.
قال الواقدي: أتىٰ خباب الكوفة حين اختطها المسلمون، فابتنىٰ بها دارا، وتوفي بها سنة سبع وثلاثين، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة. وصلىٰ عليه علي بن أبي طالب منصرفه من صفين.
حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ عِكْرِمَةَ بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: „ حَدَّثَنِي ابْنُ خَبَّابٍ قَالَ: « كَانَ النَّاسُ يَدْفِنُونَ مَوْتَاهُمْ بِالْكُوفَةِ فِي جَبَابِينِهِمْ » .
فَــ
لَمَّا ثَقُلَ خَبَّابٌ قَالَ: « أَيْ بُنَيَّ، إِذَا أَنَا مِتُّ، فَادْفِنِّي بِهَذَا الظَّهْرِ، فَإِنَّكَ لَوْ دفنتى بِهِ قِيلَ: دُفِنَ بِهَذَا الظَّهْرِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم-، فَدَفَنَ النَّاسُ مَوْتَاهُمْ بِالظَّهْرِ ».
قَالَ: „ فَلَمَّا مَاتَ، دَفَنَهُ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ. فَكَانَ أَوَّلَ مَدْفُونٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ”.
عَنِ الْوَاقِدِيِّ فِي إسناده، قال: „ كان الذي يعذب خباباً حين أسلم وَلازَمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عتبة بن أبي وقاص، أخا سَعْد بْن أَبِي وقاص. واسم أَبِي وقاص مالك بن أهيب ابن عبدمناف بن زهرة. و
يقال: إن الذي كان يعذّبه، وهو الثبت، الأسود ابن عبديغوث”.
قال: وكان - فيما ذكر بعض ولده-:
- ربعة،
- جيد الألواح،
- عريض ما بين المنكبين،
- عظيم الهامة،
- كثّ اللحية.
وزعم بعض الرواة: أن خبابا كان مولىٰ لعتبة بن ربيعة. وذلك باطل.
أنبأنا الأعمش، عن إبراهيم: أن خبابا كان يكنىٰ أبا عبدالله.
...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
قلت(الرمادي) : أحتاج إعادة لقراءة هذه النصوص والنقول ؛ ومحاولة استظهار فقه(فهم) هذه الروايات!
-**-
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل مِن السماء ﴾
السيرة النبوية العطرة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ



[ ٥ ] المجلد الخامس؛ .{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }
﴿ سورة رقم : (21)؛ الأنبياء: آية رقم : ( ١٠٧)﴾
[ ٦ ] المستضعفون!
[2] ﴿﴿﴿ أبوعبدالله؛ خَبَّابُ بْنَ الأَرَتِّ ﴾﴾﴾
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
نال شرف قراءة الأصول؛ وبحث المراجع؛ والمصادر.. وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث:
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ


‏السبت: 07‏ شعبان‏، 1442 هــ ~ ١٩ مارس 2021م
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
-**-

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 03 / 2021, 12 : 12 AM
﴿« „ ٨٤ ‟» ﴾ صُهَيْبٌ بن سنان: " ٨٤ "
[٣] ﴿﴿﴿ أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان ﴾﴾﴾
مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ
ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم





تمهيد :





مسائل تأصيل السيرة المحمدية مِن بداياتها؛ وهي تبدء -في تقديري منذ عهد أبي البشرية آدم عليه السلام .. مرورا بأنبياء الله تعالىٰ.. فدعوة أبي الأنبياءإبراهيم الخليل فبشرىٰ المعجزة في الخلق والإيجاد عيسى ابن مريم العذراء الزهراء البتول.. ثم متابعة ميلاده المبارك فسنوات عمره الزاهرة حتى وصوله لسن تبليغ رسالة ربه.. فـــ تأصيل بداية نزول رسالة وحي السماء الخاتمة لآخر الرسالات علىٰ قلب متمم المرسلين وآخر الأنبياء؛ ثم تأصيل الفترات الزمنية للهدي النبوي خلال زمن الرسالة الخاتمة؛ ومن ثم تأصيل المراحل التي مرت بها الدعوة الإسلامية وربطها ربطاً محكماً بمفاصلها بقيادة نبي الرحمة ورسول المغفرة؛ ثم تأصيل السنة النبوية -علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتبريكات والإنعام وآله والأصحاب الكرام ومن تبعهم بإحسان وإلتزام- بكافة موضوعاتها ومباحثها وأبوابها وفصولها.. كل هذا..
تستلزم مِن المسلم دراستها دراسة تفصيلية عملية واقعية ثم تطبيقية كي يتسنىٰ له السير في طريق الحياة بــ الإسلام وفق خطوات نلتزم منها بما هو أمر ولنا سعة في الحركة بما اباحه لنا صاحب الشرع تحت أضواء كاشفة لما جرىٰ بالأمس ليستنير بها الساري في دروب الحياة ليحسن التصرف تجاه ما يحصل ويحدث اليوم؛ إذ أن غياب التقييد بالهدي المحمدي [قضية الإسوة والقدوة] - سيرة محمدية وسنة نبوية- إثناء السير باعتباره -الهدي النبوي- أوامر وخطوط عريضة تتسع في مواضع، وضعف الإستنارة بضوء النور النبوي أوقع الكثير لما نحن جميعاً فيه اليوم؛ خاصةً -مَن يدعي حمل الدعوة- لا يعملون بما يتكلمون به ويقولون سواء في مستوىٰ المسؤولية أو دونها أو تلك الكتل والجماعات ذات الصبغة الإسلامية أو الفرق والأحزاب ذات النعرة الدينية (!) التي رفعت شعارات جوفاء سرعان ما كشفتها نسائم الصباح بفجر سافر سواء في بلاد يسكنها مسلمون أو علىٰ أرض العرب أو في بلاد الغرب؛ أو في بلاد العجم (عجمة اللسان) فقد توشح بعضهم بقطعة طويلة مِن قماشٍ بالٍ، شدها علىٰ رَّأسه -تزيناً- أو حول رَّقبته -تفاخرا- أو بين الأكتاف فظنها الجاهل أنها علامة فسار خلفه فكانت عليهما ندامة.
كان النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حريصًا على أنْ يدخُلَ النَّاسُ جميعُهم في دِينِ اللهِ -تعالى-، وكان يَدْعو الزُّعماءَ والمُطاعينَ في أقوامِهم ويتألَّفُهم؛ رجاءَ أنْ يدخُلوا في الإسلامِ، ويدخُلَ معهم أقوامُهم... فعرض -عليه السلام- الإسلام علىٰ الجميع...
نكمل المسيرة مع :
﴿﴿﴿ صهيب بن سنان ﴾﴾﴾
عن محمد بن سيرين قال: " صهيب من العرب، من النمر بن قاسط " .
قال الكلبي: "صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل ابن عامر بن جندلة بن جذيمة بن كعب بن سعد بن أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط." .
وقال بعض الرواة:" كان اسم صهيب: « „ عميرة بن سنان ‟ ».
وأمه : سلمىٰ بنت قعيد،
من بني تميم.
قَالَ بَعْضُهُمْ: ابْنُ عُلَيَّةَ.
وَكَانَ أَبُوهُ سِنَانُ بْنُ مَالِكٍ عاملا لكِسرىٰ علىٰ الأبلة من قبل النعمان بن المنذر. وكانت منازلهم بأرض الموصل . و
يقال: كانوا في قرية علىٰ شاطئ الفرات مما يلي الجزيرةَ والْمَوْصِلِ.
فــ أغارت الروم علىٰ ناحيتهم، فسبت صهيبا وهو غلام صغير.
قَالَ عَمُّهُ :

أَنْشُدُ بِاللَّهِ الْغُلَامَ النَّمَرِيَّ * دَجَّ بِهِ الرُّومَ وَأَهْلِي بِالنَّبِي


قَالَ : وَالنَّبِي اسْمُ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَ بِهَا أَهْلُهُ ،
فنشأ صُهَيْبٌ بالروم، فصار ألكن(!). فابتاعه رجل من كلب، فقدم به مكة، فاشتراه أبو زهير؛ عَبْداللَّهِ بْن جدعان بْن عَمْرِو بْنِ كعب بْن سَعْد بْن تيم بْن مرة بن كعب. فاسترقه، ثم أعتقه. فأقام معه بِمَكَّةَ إلىٰ أن هلك. و
كان مهلك ابن جدعان قبل المبعث ببضع عشرة سنة. ولم يزل صهيب مع آل جدعان إلىٰ أن بعث رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأسلم. و
أما
أهل صهيب وولده، فيقولون: " لم يشتره أحد من الذين سبوه، ولكنه لما ترعرع وعقل، هرب من الروم، فسقط إلىٰ مكة، فحالف ابن جدعان وأقام معه إلىٰ أن هلك " . و
" أن صهيبا كان أحمر شديد الحمرة، فسمي رومياً لذلك، ولأنه سقط إلىٰ الروم.". و
قال المدائني: "سبته العرب، فوقع إلىٰ مكة، ولم يدخل الروم قط. وإنما سمي رومياً لحمرته." .



إسلام صهيب :



قال الواقدي:" كان إسلام صهيب مع عمار في دار الأرقم بن أبي الأرقم " .
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: " فَحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ: " لَقِيتُ صُهَيْبَ بْنَ سِنَانٍ عَلَى بَابِ دَارِ الْأَرْقَمِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا ، فَقُلْتُ لَهُ : " مَا تُرِيدُ ؟ "،
فَقَالَ لِي : " مَا تُرِيدُ أَنْتَ ؟" ؛
فَقُلْتُ :"أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ، فَأَسْمَعَ كَلَامَهُ "،
قَالَ : " وَأَنَا أُرِيدُ ذَلِكَ "..
فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَعَرَضَ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا ، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَمْسَيْنَا ، ثُمَّ خَرَجْنَا وَنَحْنُ مُسْتَخْفُونَ .
عن رجل من ولد صهيب، عن أشياخه: أن صهيباً مر بقريش، ومعه خباب بن الأرت، وعمار بن ياسر. فقالوا: " هؤلاء جلساء محمد " . وجعلوا يهزءون.
فقال صهيب: « نحن جلساء نبي الله، آمنا وكفرتم، وصدقناه وكذبتموه ولا خسيسة مع الإسلام ولا عز مع الشرك ».
فعذبوه وضربوه، وجعلوا يقولون: " أنتم الذين منّ الله عليكم من بيننا؟".
عَنْ مُجَاهِدٍ،قَالَ: " مَرَّ صُهَيْبٌ وَأَصْحَابُهُ عَلَىٰ مَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا: " انْظُرُوا إِلَىٰ الأرذال، أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟ "..فَنَزَلَتِ الآيَةُ
فعن عروة، قال: " كان صهيب مِن المستضعفين، مِن المؤمنين الذين كانوا يعذّبون في الله -عزَّ وجلَّ-. ".
فـ « أوَّلُ مَنْ أظهرَ الإسلامَ بمكةَ سبعةٌ :
« „ ١ ‟ » رسولُ اللهِ ﷺ و
« „ ٢ ‟ » أبوبكرٍ و
« „ ٣ ‟ » بلالٌ و
« „ ٤ ‟ » خبابٌ و
« „ ٥ ‟ » صهيبٌ و
« „ ٦ ‟ » عمَّارٌ و
« „ ٧ ‟ »سميَّةٌ.. فــ
أمَّا رسولُ اللهِ ﷺ وأبو بكرٍ فمنعهما قومُهما، و
أمَّا الآخرونَ فَأُلْبِسُوا أدرعَ الحديدِ؛ ثمَّ صُهروا في الشَّمسِ، و
جاء أبو جهلٍ إلىٰ سُميَّةَ فطعنها بحربةٍ فقتلها » .
[الحديث : مرسل صحيح السند].
وجاء برواية « عن عبدِاللهِ بن مسعود قال كان أولَ من أظهر إسلامَه سبعةٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأبو بكرٍ وعمارٌ وأمُّه سميةٌ وصهيبٌ وبلالٌ والمقدادُ فأما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فمنعه اللهُ بعمِّه أبي طالبٍ ... وأما أبو بكرٍ فمنعه اللهُ بقومِه وأما سائرُهم فأخذهم المشركون فألْبسوهم أدراعَ الحديدِ وصهروهم في الشمسِ فما منا إنسانٌ إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالًا فإنه هانتْ عليه نفسُه في شعابِ مكةَ وهو يقولُ أَحَدٌ أَحَدٌ » .
[الحديث : كان يحيى بن أبي كثير يخطيء فيه وإنما رواه الناس عن منصور عن مجاهد] ... و
جاء في رواية : ...إلَّا بلالٌ فإنَّه هانَتْ عليه نفسُه في اللهِ وهان على قومِه فأخَذوه فأعطَوْه الوِلْدانَ فجعَلوا يطوفونَ به في شِعابِ مكَّةَ وهو يقولُ : أحَدٌ أحَدٌ.
[صحيح ابن حبان].
قالوا: وكناه رَسُول اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قبل أن يولد له،
«أبا يحيى». و
ليست له كنية غيرها.
بيد أن ابنُ عبَّاس قال :" صهيبُ بنُ سِنانٍ يُكنَى «أبا غسَّانَ».
[تاريخ دمشق؛ الحديث : غيرمحفوظ].
«كان عَمَّارٌ يُعذَّبُ حتىٰ لا يَدري ما يقولُ، وكذا صُهَيبٌ، وفيهم نزَلَتْ: { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا }
[النحل: 41].
[سير أعلام النبلاء؛ الحديث فيه الوقدي متروك].
«كان عَمَّارُ بنُ ياسرٍ يُعذَّبُ حتىٰ لا يَدري ما يَقولُ، وكان صُهَيبٌ يُعذَّبُ حتى لا يَدري ما يَقولُ، في قَومٍ مِن المُسلمينَ، حتى نزَلَتْ: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا }
[النحل: 110]. ».
[سير أعلام النبلاء؛ الحديث : قوله (والذين هاجروا في الله من بعدما فتنوا ) هي علاوة على كونها خطأ، وصوابها (من بعد ما ظلموا)ليست هي الآية التي نزلت في حق هؤلاء، وإنما هي ما أثبته، وما أدري كيف خفي هذا على المؤلف وغيره].
{ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ...}
[البقرة: 207]،
«نزَلَتْ في صُهَيبٍ، ونَفَرٍ مِن أصحابِه، أخَذَهم أهلُ مكَّةَ يُعذِّبونَهم؛ ليَرُدُّوهم إلى الشِّركِ ».
[سير أعلام النبلاء؛ الحديث : إسناده صعيف].
«مرَّ الملأُ من قُرَيْشٍ برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، وعندَهُ : صُهَيْبٌ ، وبلالٌ ، وعمَّارٌ ، وخبَّابٌ، وغيرُهُم من ضعفاءِ المسلمينَ ، فقالوا : "يا محمَّدُ ، أرضيتَ بِهَؤلاءِ من قومِكَ ؟؛
أَهَؤلاءِ الَّذينَ منَّ اللَّهُ عليهِم من بيننا ؟
أنحنُ نصيرُ تبعًا لِهَؤلاءِ ؟
اطردهُم عنكَ ،فلعلَّكَ إن طردتَهُم أن نتَّبعَكَ،
فنزلتْ هذِهِ الآيةُ :{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ ...}...
إلى آخرِ الآيةِ» .
[عمدة التفسير؛ الحديث : إسناده صحيح؛ وأخرجه أحمد (3985)، والبزار (2041)، والطبراني (10/268) (10520) باختلاف يسير].
وفي قولِهِ تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ... }
إلى قولِهِ: { فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } ...
قالَ جاءَ الأقرعُ بنُ حابسٍ التَّميميُّ وعيينةُ بنُ حصنٍ الفزاريُّ فوجَدوا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ معَ صُهيبٍ وبلالٍ وعمَّارٍ وخبَّابٍ قاعدًا في ناسٍ منَ الضُّعفاءِ منَ المؤمنينَ فلمَّا رأوْهم حولَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ حقروهم فأتوْهُ فخلوا بِهِ وقالوا :" إنَّا نريدُ أن تجعلَ لنا منْكَ مجلسًا تعرفُ لنا بِهِ العربُ فضلَنا فإنَّ وفودَ العربِ تأتيكَ فنستَحيِ أن ترانا العربُ معَ هذِهِ الأعبُدِ فإذا نحنُ جئناكَ فأقمْهم عنْكَ فإذا نحنُ فرغنا فاقعد معَهم إن شئتَ "...
قالَ :" نعَم"..
قالوا :" فاكتُب لنا عليْكَ كتابًا "..
قالَ فدعا بصحيفةٍ ودعا عليًّا ليَكتبَ ونحنُ قعودٌ في ناحيةٍ فنزلَ جبرائيلُ عليْهِ السَّلامُ فقالَ : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } ..
ثمَّ ذَكرَ الأقرعَ بنَ حابسٍ وعيينةَ بنَ حصنٍ فقالَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ثمَّ قالَ وَ إِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ قالَ فدنَونا منْهُ حتَّى وضعنا رُكبنا على رُكبتِهِ وَكانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يجلسُ معَنا فإذا أرادَ أن يقومَ قامَ وترَكنا فأنزلَ اللَّهُ : وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ولا تجالسِ الأشرافَ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا يعني عيينةَ والأقرعَ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا قالَ هلاكًا قالَ أمرُ عيينةَ والأقرعِ ثمَّ ضربَ لَهم مثلَ الرَّجلينِ ومثلَ الحياةِ الدُّنيا قالَ خبَّابٌ فَكنَّا نقعدُ معَ النَّبيِّ فإذابلغنا السَّاعةَ الَّتي يقومُ فيها قُمنا وترَكناهُ حتَّى يقومَ ».
[ابن ماجه؛ الحديث : صحيح].
وفي هذ الحديثِ تَفسيرٌ وبيانٌ لأسبابِ نُزولِ بعضِ الآياتِ الَّتي تَتناولُ هذاالموضوعَ؛ وفيه يقولُ خَبَّابُ بنُ الأرَتِّ في قولِه تعالى: { وَلَاتَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ }
[الأنعام:52]
: "جاء الأقرعُ بنُ حابِسٍ التَّميميُّ، وعُيينةُ بنُ حِصْنٍ الفَزاريُّ "، أي: إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان الأقرعُ أحدَ المُؤلَّفةِ قُلوبُهم وأحدَ الأشرافِ، وكان عُيينةُ سيِّدَ بني فَزارةَ وفارِسَهم، " فوَجَدوا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع صُهيبٍ وبِلالٍ وعمَّارٍ وخبَّابٍ، قاعدًا في ناسٍ من الضُّعفاءِ من المُؤمنينَ، فلمَّا رَأَوهم حولَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقَروهم"،أي: استحْقَروهم وعَدُّوهم ممَّن لا يُؤْبَه بهم، وامْتَنعوا عن مُجالسَتِهم، " فأَتَوه فخَلَوا به "، أي: انفَرَدوا بالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وحدَهم، " وقالوا: إنَّا نُريدُأنْ تجعَلَ لنا منك مَجلِسًا "، أي: مَجلِسًا خاصًّا بنا في وقتٍ خاصٍّ، "تَعرِفُ لنا به العربُ فَضْلَنا "، أي: نُمَيَّزُ به عند القَبائلِ والوُفودِ؛ "فإنَّ وُفودَ العربِ تأتيك، فنَسْتَحي أنْ ترانا العربُ مع هذه الأعبُدِ " جَمْع عبْدٍ، و
المعنى: أنَّهم فُقراءُ وضُعفاءُ، وفيهم مَن كان عبْدًا، والمُرادُ أنَّهم: يَسْتَحون من مُجالسَةِ هؤلاء؛ خَشيةً مِن إنكارِ العربِ عليهم وتقليلِ شَأْنِهم، قالوا: " فإذا نحن جِئْناك فأقِمْهم عنك "،أي: اطْرُدْهم عن مَجلِسِك وأبعِدْهم عنه، " فإذا نحن فرَغْنا فاقْعُدْ معهم إنْ شِئْتَ "، أي: جالِسْهم بعدَأنْ نَنْتِهيَ معك ونقومَ عنك، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "نعمْ"، أي: أجابَهم النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى ما طَلَبوا؛ رجاءَ إيمانِ قَومِهم بإسلامِهم؛ لأنَّهما كانا سيِّدَينِ مُطاعَينِ في قَومِهم، فنظَرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى هذه المصلحةِ الدَّعويَّةِ. " قالوا: فاكْتُبْ لنا عليك كتابًا "، أي: عَقدًا ورسالةً توضِّحُ مثلَ تلك الشُّروطِ، قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: " فدعا "، أي: النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، "بصَحيفةٍ"،أي: ليكتُبَ لهم فيها ما شَرَطوا، والصَّحيفةُ: الورقةُ المكتوبةُ أيَّا كان نوعُها؛ مِن جِلدٍ، أو جَريدٍ، أو ما شابَه، " ودعا عليًّا ليكتُبَ"؛ وذلك لأنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان لا يكتُبُ، قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: " ونحن قُعودٌ في ناحيةٍ "، أي: أنَّ الصَّحابةَ الفُقراءَ والمواليَ كانوا جالسينَ في ناحيةٍ من نواحي المكانِ الَّذي يُعْقَدُ فيه هذا العقدُ، " فنزَلَ جِبرائيلُ عليه السَّلامُ، فقال "، أي: بقولِه تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنعام: 52]،
ثمَّ ذكَرَ الأقرعَ بنَ حابسٍ وعُيينةَ بنَ حِصْنٍ فقال: { وَكَذَلِكَ فَتَنَّا }
[الأنعام:53] "،
أي: ابْتَلَيْنا هؤلاء، "{ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ }
[الأنعام:53]،
ثمَّ قال: { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ }
[الأنعام: 54]"،
يُريد ضُعفاءَ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم ممَّن تكابَرَ عليهم الأقرعُ وعُيينةُ، قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: " فدَنَونا منه "، أي: اقْتَربوا من رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حُضورِ الأقرعِ وعُيينةَ، " حتَّى وضَعْنا رُكَبَنا على رُكبتِه "، وفي هذا إشارةٌ إلى شِدَّةِ اقترابِهم من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: "وكان رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يجلِسُ معنا، فإذا أراد أنْ يقومَ"، أي: يذهَبَ لبعضِ شَأنِه، "قام وترَكَنا"، أي: قد يتقدَّمُ عنَّا في القِيامِ، "فأنزَلَ اللهُ: { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ}
[الكهف: 28]،
ولا تجالِسِ الأشرافَ"، أي: في قولِه تعالى: { تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَاتُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } [الكهف: 28]،
يعني: عُيينةَ والأقرعَ، { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا }
[الكهف: 28]،
قال: هلاكًا، وهذا تفسيرُ منه لقولِه: {فُرُطًا}، وقيل معناها: ضَياعًا، أو نَدَمًا، أو سَرَفًا، أو خِلافًا للحقِّ. قال: أمْرُ عُيينةَ والأقرعِ؛ قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: "ثمَّ ضرَبَ لهم مثَلًا لرُجلينِ ومثل الحياةِ الدُّنيا"، أي: ضرَبَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ بهم مثلًا في القُرآنِ، وهو الَّذي في قولِه تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَاجَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا}
[الكهف: 32] الآياتِ.
قال خَبَّابٌ رضِيَ اللهُ عنه: "فكنَّا نقعُدُ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا بلَغْنا السَّاعةَ الَّتي يقومُ فيها"، أي: فإذا وصَلْنا إلى الوقتِ المُعتادِ الَّذي يريدُ أنْ يذهَبَ فيه، "قُمْنا وتَرْكناه حتَّى يقومَ"، أي: فجعَلَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتأخَّرُ عنهم في القِيامِ؛ استجابةً لأمرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وهو عند الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم مِن حُسنِ الأدَبِ وعدَمِ التَّعنُّتِ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: النَّهيُّ عن أنْ يُعَظَّمَ أحدٌ لجاهِه وغِناه ومكانتِه، وأنْ يُحْتَقَرَ أحدٌ لضَعفِه أو فَقرِه.
وفيه: الحثُّ على مُجالسةِ الصَّالحينَ وتَقديمِهم على غيرِهم، حتى ولو كانوا أغنياءَ.







هجرته:





عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ صُهَيْبًا حين أراد الهجرة إلىٰ المدينة، قالت لَهُ قُرَيْشٌ: « أَتَيْتَنَا صُعْلُوكًا حَقِيرًا، فَكَثُرَ مَالُكَ عِنْدَنَا وَبَلَغْتَ مَا بَلَغْتَ، ثُمَّ تُرِيدُأَنْ تَنْطَلِقَ بِنَفْسِكَ وَمَالِكَ، وَاللَّهِ لا يَكُونُ ذَلِكَ.
قَالَ: أَرَأَيْتُكُمْ إِنْ تَرَكْتُ مَالِي لَكُمْ أَتُخَلُّونَ سَبِيلِي؟
قَالُوا: نَعَمْ. فَخَلَعَ لَهُمْ مَالَهُ» .
[فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ: رَبِحَ صُهَيْبٌ، رَبِحَ صُهَيْبٌ.]
وَنَزَلَتْ فِيهِ: « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ»
الآيَةَ .
عن سعيد ابن الْمُسَيِّبِ، قَالَ: أَقْبَلَ صُهَيْبٌ رضي اللهُ عنه مُهَاجِرًا نَحْوَ الْمَدِينَةِ [إلى مدينةِ رسولِ اللهِ ﷺ ] ، فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَنَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا أَرْبَعِينَ سَهْمًا ، ثُمَّ قَالَ: « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَرْمَاكُمْ رَجُلا. وَاللَّهِ [وايمُ اللهِ] لا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّىٰ أَرْمِيَ بِكُلِّ سَهْمٍ مَعِي فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُكُمْ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ فِي يَدَيَّ مِنْهُ شَيْءٌ. فَافْعَلُوا ما شئتم.
وإن شِئْتُمْ، دَلَلْتُكُمْ عَلَىٰ مَالِي [ وَقَدْ خَلَّفْتُ بِمَكَّةَ قَيْنَتَيْنِ فَهُمَا لَكُمْ ] وَخَلَّيْتُمْ سَبِيلِي؟»
قَالُوا: نَعَمْ.
فَفَعَلَ(!)
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَالمدينةَ ،
قَالَ: [رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَىٰ، رَبِحَ الْبَيْعُ ].
قَالَ: وَنَزَلَتْ: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ } » .
[ إتحاف الخيرة المهرة؛ الحديث : إسناد ضعيف، وله شاهد وخرّجه : الحارث في : "مسنده"؛ (679) واللفظ له، وأبو نعيم في :"حلية الأولياء" (1 /151)]
عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : "أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَبِخَةً بَيْنَ ظَهْرَانَيْ حَرَّةٍ ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَجَرًا أَوْ تَكُونَ يَثْرِبَ"
قَالَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَكُنْتُ قَدْ هَمَمْتُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ فَصَدَّنِي فِتْيَانُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَجَعَلْتُ لَيْلَتِي تِلْكَ أَقُومُ وَلَا أَقْعُدُ ، فَقَالُوا : قَدْ شَغَلَهُ اللَّهُ عَنْكُمْ بِبَطْنِهِ وَلَمْ أَكُنْ شَاكِيًا ، فَقَامُوا فَلَحِقَنِي مِنْهُمْ نَاسٌ بَعْدَمَا سِرْتُ بَرِيدًا لِيَرُدُّونِي ، فَقُلْتُ لَهُمْ : هَلْلَكُمْ أَنْ أُعْطِيَكُمْ أَوَاقِيَ مِنْ ذَهَبٍ وَتُخَلُّونَ سَبِيلِي ، وَتَفُونَ لِي فَتَبِعْتُهُمْ إِلَى مَكَّةَ؟
فَقُلْتُ لَهُمُ : احْفِرُوا تَحْتَ أُسْكُفَّةِ الْبَابِ فَإِنَّ تَحْتَهَا الْأَوَاقِيَ ، وَاذْهَبُوا إِلَى فُلَانَةَ فَخُذُوا الْحُلَّتَيْنِ، وَخَرَجْتُ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَوَّلَ مِنْهَا -يَعْنِي قُبَاءَ- ، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ : " يَا أَبَا يَحْيَى ، رَبِحَ الْبَيْعُ " ثَلَاثًا ،
فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا سَبَقَنِي إِلَيْكَ أَحَدٌ ، وَمَا أَخْبَرَكَ إِلَّا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ"
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قدم صهيب آخر الناس مع علي بن أبي طالب عليه السلام. وذلك للنصف من شهر ربيع الأول ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء. ولم يرم بعد.
فوافى رَسُول اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَبَابكر وعمر رضي الله تعالى عنهما وبين أيديهم رطب قد جاءهم به كلثوم بن الهدم: أمهات جراذين . وكان صهيب رمد العين، قد رمد في الطريق، وأصابته مجاعة شديدة. فجعل يأكل الرطب أكل جائع. فقال عمر: يا رسول الله، ألا ترىٰ إلىٰ صهيب يأكل الرطب وهو رمد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا صهيب، أتأكل الرطب وأنت رمد؟
فقال صهيب: إنما آكله بعيني الصحيحة.
فتبسم رسول الله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال صهيب: إن قريشا أخذتني وحبستني، فاشتريت نفسي وأهلي بمالي، وبادرت للهجرة.
[فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ربح البيع] .
وأنزل الله عز وجل: « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ» الآية.



- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ .
قالَ ابنُ عبَّاسٍ ، وأنسٌ : نزلت في صُهَيْبِ بنِ سنانٍ الرُّوميِّ وذلِكَ أنَّهُ لمَّا أسلَمَ بمَكَّةَ وأرادَ الهِجرةَ ، منعَهُ النَّاسُ أن يُهاجرَ بمالِهِ ، وإن أحبَّ أن يتجرَّدَ منهُ ويُهاجرَ ففَعلَ،
فتخلَّصَ منهم وأعطاهم مالَهُ ، فأنزلَ اللَّهُ فيهِ هذِهِ الآيةَ ،
فتلقَّاهُ عمرُ بنُ الخطَّابِ وجماعةٌ إلى طَرفِ الحرَّةِ فقالوا له : ربِحَ البيعُ فقالَ : وأنتُمْ فلا أخسَرَ اللَّهُ تجارَتَكُم وما ذاكَ ؟
فأخبَروهُ أنَّ اللَّهَ أنزلَ فيهِ هذِهِ الآيةَ ،
ويُروَى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قال له: ربحَ البيعُ صُهَيْبُ ربحَ البيعُ صُهَيْبُ
[عمدة التفسير الحديث أشار في المقدمة إلى صحته]
عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ: أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُكَنَّى (أَبَا) يَحْيَىٰ.
فَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْعَرَبِ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ « يَا صُهَيْبُ، مَا بَالُكَ تَتَكَنَّىٰ، وَلَيْسَ لَكَ وَلَدٌ؟ ».
وَ « تَقُولُ إِنَّكَ مِنَ الْعَرَبِ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ بِالرُّومِيِّ ».
وَ « تُطْعِمُ الطَّعَامَ الْكَثِيرَ وَذَلِكَ سَرَفٌ فِي الْمَالِ » .
فَقَالَ صُهَيْبٌ: « أَمَّا الْكُنْيَةُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّانِي أَبَا يَحْيَىٰ ».
وَأَمَّا «النَّسَبُ فَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ، مِنْ أَهْلِ الْمَوْصِلِ. وَلَكِنَّ الرُّومَ سَبَوْنِي صَغِيرًا بَعْدَ أَنْ عَقِلْتُ أَهْلِي وَقَوْمِي وَعَلِمْتُ نَسَبِي ».
وَأَمَّا قَوْلُكَ فِي الطَّعَامِ، [فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: « خِيَارُكُمْ مَنْ أَطْعَمَ النَّاسَ، وَأَفْشَى السَّلامَ ».] فَذَلِكَ الَّذِي يَحْمِلُنِي عَلَىٰ إِطْعَامِهِ» .
[جامع المسانيد والسنن؛ الحديث : إسناده حسن. وانظر: فتح الباري لابن حجر؛ الحديث: جاء من طرق يقوي بعضها بعضاً] .
وَأَمَّا الْقَوْلُ : إِنِّي لَا أُمْسِكُ شَيْئًا إِلَّا أَنْفَقْتُهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } ،
عَنِ الْحَسَنِ،قَالَ: [قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُهَيْبٌ سَابِقٌ الرُّومَ] .
« صُهيبٌ سابقُ الروم ِ»
[تاريخ الإسلام ؛ الحديث : مرسل صحيح؛ وتجد راوية عند: سير أعلام النبلاء؛ الحديث : إسناده جيد ".




وجاء برواية « السُّبَّاقُ أربعةٌ: أنا سابقُ العربِ، وسلمانُ سابقُ فارسَ، وبلالٌ سابقُ الحبَشِ، وصُهيبٌ سابقُ الرُّومِ» .
[البحر الزخار المعروف بمسند البزار؛ الحديث : لا نعلم راوه عن ثابت، عن أنس إلا عمارة بن زاذان".

عَنْ عَامِرِ بن عبدالله ابن الزُّبَيْرِ،عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لأَهْلِ الشُّورَى فِيمَا أَوْصَاهُمْ بِهِ: « وَلْيُصَلِّ بِكُمْ صُهَيْبٌ » .
عَنْ سَعِيدٍبْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: لما تُوُفِّيَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ-، نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ فَإِذَا صُهَيْبٌ يُصَلِّي بِهِمُ الْمَكْتُوبَاتِ بِأَمْرِ عمر. فقدّموه. فصلىٰ علىٰ عمر.
قالوا: وشهد صهيب بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : "مَا جَعَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْعَدُوِّ ، وَمَا كُنْتُ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ أَمَامَهُ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ" .
عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كَانَ صُهَيْبٌ يَقُولُ: هَلُمُّوا: أُحَدِّثْكُمْ عَنْ مَغَازِينَا، فَأَمَّا أَنْ أَقُولَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَلا.









فضائل لم تثبت بدليل "









أن الصَّحابةَ تذاكروا فضلَ ما في القرآنِ فقالَ لَهم عليٌّ :" أين أنتُم من آية الكرسيِّ ؛ قالَ لي رسول اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ « يا عليُّ سيِّدُ البشَرِ آدَمُ، وسيِّدُ العرَبِ مُحمَّدٌ؛ ولا فخرَ ، وسيِّدُ الفُرسِ سلمانُ، وسيِّدُ الرُّومِ صُهيبٌ، وسيِّدُ الحبشَةِ بلالٌ؛ وسيِّدُ الجبالِ الطُّورُ، وسيِّدُ الأيَّامِ يومُ الجمعةِ، وسيِّدُ الْكلامِ القرآنُ؛ وسيِّدُ القرآنِ البقرةُ؛ وسيِّدُ البقرةِآيةُ الْكرسيِّ » .
نسبت روايته إلى: علي بن أبي طالب؛ انظر: قال ابن حجر العسقلاني؛ في : الكافي الشاف (41 ):" الحديث لم أجده".



« ألَا إنَّ الجنَّةَ اشتاقَتْ إلى أربعةٍ مِن أصحابي فأمَرني ربِّي أنْ أُحِبَّهم فانتَدَب صُهَيبٌ الرُّوميُّ وبِلالُ بنُ رَباحٍ وطَلْحةُ والزُّبَيرُ وسَعْدُ بنُ أبي وقَّاصٍ وحُذَيْفةُ بنُ اليَمَانِ وعمَّارُ بنُ ياسرٍ فقالوا يا رسولَ اللهِ مَن هؤلاءِ الأربعةُ حتَّى نُحِبَّهم قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يا عمَّارُ أنتَ عرَّفكَ اللهُ المُنافِقينَ وأمَّا هؤلاءِ الأربعةُ فأحَدُهم علِيُّ بنُ أبي طالبٍ والثَّاني المِقدادُ بنُ الأسودِ الكِنديُّ والثَّالثُ سَلْمانُ الفارسيُّ والرَّابعُ أبو ذَرٍّ الغِفاريُّ»
[نسبت روايته إلى : علي بن أبي طالب؛ انظر: الطبراني؛ في : المعجم الأوسط ( 7 /305)؛ الحديث : لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا الضحاك ولا يروى عن قنبر إلا بهذا الإسناد تفرد به عامر]



"نعمَ العبدُ صهيبٌ؛ لو لم يخفِ اللَّهَ لم يعصِهِ"
تجده عند : السمهودي؛ في: الغماز على اللماز (327 )؛ الحديث : إنما هو من كلام عمر بن الخطاب في حق سالم ؛وتجده عند ملا علي قاري ؛ في : الأسرار المرفوعة (356 )؛ الحديث : قيل لا أصل له أو بأصله موضوع . وتجده عند مرعي الكرمي في : الفوائد الموضوعة ( 112 ) ؛ الحديث : لا أصل له . ونسبت روايته إلى عمر بن الخطاب؛ انظر : الزرقاني في: مختصر المقاصد (1153 )؛ الحديث : قول عمر . ذكره ابن قتيبة بلا إسناد . وابن العربي في : شرح الترمذي . وتجده عند : القاوقجي؛ في اللؤلؤ المرصوع ( 210 )؛ الحديث : لا أصل له في كتب الحديث.



إنَّ اللهَ اختارَ مِنَ الملائِكةِ أربعةً: جِبريلُ ومِيكائيلُ وإسرافيلُ وعِزْرائيلُ، واختارَ مِنَ النَّبيِّينَ أربعةً: إبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمَّدٌ صلواتُ اللهِ عليهم، واختارَ مِنَ المُهاجِرينَ أربعةً: أبو بَكرٍ وعُمَرُ وعُثمانُ وعليٌّ، واختارَ مِنَ المَوالي أربعةً: سَلْمانُ الفارِسيُّ وبِلالٌ الأسودُ وصُهَيْبٌ الرُّوميُّ وزيدُ بنُ حارِثةَ، واختارَ مِنَ النِّساءِ أربعةً: خَديجةُ ابنةُ خُوَيْلِدٍ ومريمُ ابنةُ عِمْرانَ وفاطِمةُ بنتُ محمَّدٍ وآسِيةُ ابنةُ مُزاحِمٍ، واختارَ مِنَ الأَهِلَّةِ أربعةً: ذو القَعدةِ وذو الحِجَّةِ والمُحَرَّمُ ورَجَبٌ، واختارَ مِنَ الأيَّامِ أربعةً: يومُ الجُمُعةِ ويومُ الفِطْرِ ويومُ النَّحْرِ ويومُ عاشُوراءَ، واختارَ مِنَ اللَّيالِي أربعةً: ليلةُ القَدْرِ وليلةُ النَّحْرِ وليلةُ الجُمُعةِ وليلةُ نِصْفِ شعبانَ، واختارَ مِنَ الشَّجَرِ أربعةً: السِّدْرةُ والنَّخْلةُ والتِّينةُ والزَّيْتونةُ، واختار مِنَ المَدائِنِ أربعةً: مكَّةُ -وهي البَلْدةُ- والمدينةُ وهي -النَّخلةُ- وبيتُ المَقدِسِ -وهي الزَّيْتونةُ- ودِمِشْقُ -وهي التِّينةُ-، واختارَ مِنَ الثُّغورِ أربعةً: إسكَنْدريَّةُ مِصرَ وقَزْوينُ خُراسانَ وعَبَّادانِ العِراقَ وعَسْقلانِ الشَّامَ، واختارَ مِنَ العُيونِ أربعةً: يقولُ في مُحكَمِ كتابِه: { فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ } [الرحمن: 50]، وقال: { فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ } [الرحمن: 66]؛ فأمَّا الَّتي { تَجْريانِ} فعَينُ بِيسانَ وعَينُ سلوان، وأمَّا {النَّضَّاخَتانِ } فعَينُ زَمْزَمٍ وعَينُ عَكَّا، واختارَ مِنَ الأنهارِ أربعةً: سيحان وجيحان والنِّيلُ والفُراتُ، واختارَ مِنَ الكلامِ أربعةً: سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ، ولا إلَه إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، ولا حَولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ.
[نسبت راويته إلى: أبي هريرة؛ انظر: ابن عساكر؛ في : تاريخ دمشق (1 /221 )؛ الحديث : منكر بمرة.



"خلَوتُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقلتُ: أيُّ أصحابِك أحَبُّ إليك قال : اكتَمْ عليَّ حياتي ؟ قلتُ : نعم . قال : أبو بكرٍ ثم عمرُ ، ثم عليٌّ . ثم سكت . فقلتُ : ثم من ؟ قال : مَن عسى أن يكون بعدَ هؤلاءِ إلا الزُّبيرُ، وطلحةُ وسعدٌ ، وأبو عُبَيدةُ ، ومعاذٌ ، وأبو طلحةَ ، وأبو أيوبٍ ، وأنتَ ، وأُبيُّ بنُ كعبٍ ، وأبو الدَّرداءِ ، وابنُ مسعودٍ ، وابنُ عفَّانٍ ، وابنُ عَوفٍ ، ثم هؤلاءِ الرهطُ من الموالي : سلمانُ، وصهيبُ ، وبلالُ ، وسالمٌ مَولى أبي حُذيفةَ ، هؤلاءِ خاصَّتي .
نسبت روايته إلى : عبادة بن الصامت ؛ انظر: الذهبي؛ في: سير أعلام النبلاء ( 2/407 )؛ الحديث : منكر، وأخرجه الشاشي في مسنده (1215)، والطبراني كما في مجمع الزوائد للهيثمي (9/160)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين (236) باختلاف يسير.







خلوتُ برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقلتُ: أيُّ أصحابِك أحبُّ إليك؟حتى أحبَّ من تحبُّ، قال: اكتمْه عليَّ ياعبادةُ حياتي؟ [قلتُ: نعم] ، قال: أبوبكرٍ، ثمَّ عمرُ، ثم عليٌّ. ثم سكتَ، فقلتُ: ثم من؟ قال: مَن عسى أن يكونَ بعد هؤلاءِ إلَّا الزُّبيرُ، وطلحةُ، وسعدٌ، وأبو عبيدةَ، ومعاذٌ، وأبو طلحةَ، وأبو أيوبَ، وأنت يا عبادةُ، وأبيُّ بنُ كعبٍ، وأبو الدرداءِ، وابنُ مسعودٍ، وابنُ عوفٍ ، وابنُ عفانَ، ثم هَؤُلاء الرهطُ من الموالي: سلمانُ، وبِلالٌ، وصهيبٌ، وسالمٌ: مولى أبي حذيفةَ. هؤلاء خاصتي، وكلُّ أصحابي عليَّ كريمٌ، إليَّ حبيبٌ، وإنْ كان عبدًا حبشيًّا [قال: قلتُ:] ولم نذكرْ حمزةَ ولا جعفرًا؟ فقال عبادةُ: إنهما كانا احتُسِبا يومَ سألتُ عن هذا، إنما كان هذا بأخَرةٍ، أو كما قال.
رواه: عبادة بن الصامت؛ انظر : ابن كثير في : جامع المسانيد والسنن ( 5769 )؛ الحديث : غريب جدا . وأخرجه الشاشي في مسنده (1215)، والطبراني كما في مجمع الزوائد للهيثمي (9/160)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء الراشدين (236) باختلاف يسير.





وفاته :
قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَحَدَّثَنِي أَبُو حُذَيْفَةَ- رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ صُهَيْبٍ- ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ : " توفي صهيبٌ بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين. وكان وجلا أحمر شديد الحمرة، ليس بالقصير ولا الطويل، وهو إلىٰ القصر أقرب.
وتوفي ابن سبعين سنة. وكان يخضب بالحناء. وكان كثير شعر الرأس. ودفن بالبقيع.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث:﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل مِن السماء ﴾
سلسلة : السيرة النبوية العطرة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ-
[ ٥ ] المجلد الخامس: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين
باب : ذكر المستضعفين مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم-















نال شرف قراءة الأصول؛ وبحث المراجع و المصادر وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث:
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ
15 شعبان 1442 هـ ~ 28 مارس 2021م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
‏الأحد‏، 15‏ شعبان‏، 1442 هــ


(1)




.
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
05 / 04 / 2021, 27 : 02 PM
http://albadri.info/books/seerah/imags/seerah.jpg

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
24 / 05 / 2021, 42 : 12 PM
:(﴿« „٨٥‟» ﴾:" [٤])

عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
- وَيُكَنَّى أَبَاعَمْرٍو-



وَسَأَلَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ عَنْهُ فَقَالَ : « كَانَ مَنْ أَفْضَلِنَا؛ وَمِنْ أَوَّلِ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- » .





... من المفاهيم الخاطئة والتي شاعت بين العامة؛ وراجت وتقبلتها ؛ والتي يتشدق بها بعض الجهلة مفهوم :
« أَوْلِيَاءُ اللَّهِ »...
ويستدلون خطأً بالآية الكريمة والتي نطق بها القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين في قوله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون } [يونس:62] ...


والخطأ يعود أنهم يحصرونهم [ أي : أَوْلِيَاء اللّهِ ] في فئة الدراويش أو بعض اقطاب أو مَن يتبع الطرق الصوفية؛ بيد أن الذكر الحكيم يوضح هذه القضية بقوله -تعالىٰ- : { إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُون } [الأنفال:34]...
وهذا وصف قرآني دقيق : « أولياء الله » : هم " المتقون "...
ثم يزيد القرآن الكريم المسألة وضوحاً فيقول: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } [الأنفال:72] ...
وتكتمل الصورة البلاغية بقوله -تعالىٰ- : { وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم } [الأنفال:74]
فجاء وصف قرآني بأنهم :
- « المتقون » و
زاد الوصف بياناً بأنهم:
- « المؤمنون حقاً »... وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وانفسهم في سبيل الله، ويأتي التعبير القرآني قاطعاً وموضحاً بقوله -تعالىٰ- : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيم } [التوبة:71] ...





.. ثم يلتقط خيط التأويل ابن تيمية في فتاويه فيبين لنا هذا المفهوم الإسلامي قراءةً تفسيرية لآية التوبة هذه فيقول: " ... فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ الْمُتَّقُونَ هُمْ الْمُقْتَدُونَ بِمُحَمَّدِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ
1. ] يَفْعَلُونَ مَا أَمَرَ بِهِ وَ
2.] يَنْتَهُونَ عَمَّا عَنْهُ زَجَرَ ؛ وَ
3.] يَقْتَدُونَ بِهِ فِيمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيهِ فَيُؤَيِّدُهُمْ بِمَلَائِكَتِهِ وَرُوحٍ مِنْهُ وَيَقْذِفُ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ أَنْوَارِهِ وَلَهُمْ الْكَرَامَاتُ الَّتِي يُكْرِمُ اللَّهُ بِهَا أَوْلِيَاءَهُ الْمُتَّقِينَ .
وَخِيَارُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ كَرَامَاتُهُمْ لِحُجَّةِ فِي الدِّينِ أَوْ لِحَاجَةِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا كَانَتْ مُعْجِزَاتُ نَبِيِّهِمْ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَذَلِكَ.
وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهُ إنَّمَا حَصَلَتْ بِبَرَكَةِ اتِّبَاعِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ(!) تَدْخُلُ فِي مُعْجِزَاتِ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلُ :
1.] انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَ
2.] تَسْبِيحِ الْحَصَا فِي كَفِّهِ وَ
3.] إِتْيَانِ الشَّجَرِ إلَيْهِ وَ
4.] حَنِينِ الْجِذْعِ إلَيْهِ وَ
5.] إِخْبَارِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ بِصِفَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَ
6.] إِخْبَارِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَ
7.] إِتْيَانِهِ بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَ
8.] تَكْثِيرِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً كَمَا أَشْبَعَ فِي الْخَنْدَقِ الْعَسْكَرَ مِنْ قِدْرِ طَعَامٍ وَهُوَ لَمْ يَنْقُصْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَشْهُورِ ... وَأَرْوَى الْعَسْكَرَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ مَزَادَةِ مَاءٍ وَلَمْ تَنْقُصْ ... وَمَلَأ أَوْعِيَةَ الْعَسْكَرِ عَامَ تَبُوكَ مِنْ طَعَامٍ قَلِيلٍ وَلَمْ يَنْقُصْ وَهُمْ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ... وَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً حَتَّى كَفَى النَّاسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ كَمَا كَانُوا فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةَ نَحْوُ أَلْفٍ وَأَرْبَعُمِائَةٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ وَ
9.] رَدِّهِ لِعَيْنِ أَبِي قتادة حِينَ سَالَتْ عَلَى خَدِّهِ فَرَجَعَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ.
***
.. ولعل لضيفنا في هذا الفصل الخامس -من بحثي؛ والحمد لله رب العالمين وأشكره على تفضله وكرمه - نصيب من تلك الكرامات؛ فهو من خيار أولياء الله -تعالىٰ- الذي ساروا علىٰ خطىٰ الحـــبـــيــب؛ وقاموا بدور رائع في هجرته الشريفة ... إذ لا يصح حصر مفهوم :« أَوْلِيَاءُ اللَّهِ » في فئة دون سواها أو افراد لا يتعدون غيرهم.
**
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مُوَلَّدٌ مِنْ مُوَلَّدِي الأزد، مملوكاً -أولاً- للطفيل بن عبدالله بن الحارث ابن سخبرة بن جرثومة، من ولد نصر بن زهران.
وكان الطفيل أخا عائشة ابنة أبي بكر لأمها أم رومان...
أَسْوَدُ اللَّوْنِ... اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مِنْهُمْ؛ فكان مَوْلَىٰ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- .
فــ كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ أَزْدِيًّا صَرِيحًا؛ فَلَحِقَهُ الرِّقُّ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ تَزَوَّجَ فُهَيْرَةَ أَمَةَ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ لِلطُّفَيْلِ أَخِي لأُمِّي. فَأَسْلَمَ، فَاشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ يَرْعَى عَلَيْهِ مَنِيحَةَ غَنَمٍ لَهُ.
**
إسْلَامُ عَامِرِ بْنِ فَهَيْرَةَ
كان عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ قديم الإسلام قبل دخول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دار الأرقم بْن أبي الأرقم - الَّتِي [كاتت] عِنْدَ الصَّفَا - مُسْتَخْفِيًا.
وقالوا: وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ بمكة ، فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ حتىٰ اشتراه أبو بكر (!).
ثُمَّ أَعْتَقَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ بِلَالٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ سِتَّ رِقَابٍ ، بِلَالٌ سَابِعُهُمْ؛ منهم: مَوْلَاهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ.
*
دوره في حادثة الهجرة النبوية:
وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مَوْلَاهُ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ أَنْ يَرْعَىٰ غَنَمَهُ نَهَارَهُ ، ثُمَّ يُرِيحَهَا عَلَيْهِمَا لَيْلًا مَنْحَةً مِنْ غَنَمٍ ، فيَأْتِيهِمَا إذَا أَمْسَىٰ فِي الْغَارِ ؛ فَيَأْخُذُ مِنْهَا حَاجَتَهُمَا . حَتَّىٰ تَذْهَبَ سَاعَةً مِنَ الْعِشَاءِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلٍ ، وَهُوَ لَبَنُ مَنْحَتِهِمَا وَرَضِيفِهِمَا حَتَّىٰ يَنْعَقَ بِهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغِلْسٍ ، يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ تِلْكَ اللَّيَالِي الثَّلَاثِ ؛ فيسقيهما مِن لبنها.



...وَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ تَأْتِيهِمَا بِالطَّعَامِ ... وَيَأْتِيهِمَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالْأَخْبَارِ ... ثُمَّ يَتْلُوهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِالْغَنَمِ فَيُعَفِّي آثَارَهُمَا .
وهذا دورٌ آخر لسيدنا عامر!
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : اسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا [ الْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ ] وَهُوَ عَلَىٰ دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ لَيَالٍ فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلَاثٍ فَارْتَحَلَا وَارْتَحَلَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ [وكان معهما حين هاجر إلىٰ المدينة يخدمهما.] وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ طَرِيقَ السَّاحِلِ .

وهذه خصوصية له -رضي الله تعالىٰ- عنه .
كِتَابُ أَمْنٍ؛ كتبه عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فِي رُقْعَةٍ لــ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ :
ونزل بالمدينة علىٰ سعد بن خيثمة. وآخا رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبين الحارث بن أوس بن معاذ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ، وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ بْنَ جُعْشُمٍ يَقُولُ: جَاءَنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ ، دِيَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مَنْ قَتَلَهُ أَوْ أَسَرَهُ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ، حَتَّىٰ قَامَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَــ
قَالَ يَا سُرَاقَةُ: " إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ، أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ "،
قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ، فَقُلْتُ لَهُ: " إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا، انْطَلَقُوا بِأَعْيُنِنَا "،
ثُمَّ لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ سَاعَةً، ثُمَّ قُمْتُ فَدَخَلْتُ ... فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تَخْرُجَ بِفَرَسِي، وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ، فَتَحْبِسَهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي، فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الْأَرْضَ، وَخَفَضْتُ عَالِيَهُ، حَتَّىٰ أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي، حَتَّىٰ دَنَوْتُ مِنْهُمْ، فَعَثَرَتْ بِي فَرَسِي، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ يَدِي إِلَىٰ كِنَانَتِي، فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا الْأَزْلَامَ فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا: أَضُرُّهُمْ أَمْ لَا، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الْأَزْلَامَ، تُقَرِّبُ بِي حَتَّىٰ إِذَا سَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ لَا يَلْتَفِتُ، وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ، سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ، حَتَّىٰ بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، ثُمَّ زَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ، فَلَمْ تَكَدْ تُخْرِجُ يَدَيْهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً، إِذَا لِأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِالْأَزْلَامِ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ، فَنَادَيْتُهُمْ بِالْأَمَانِ فَوَقَفُوا، فَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّىٰ جِئْتُهُمْ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ، أَنْ سَيَظْهَرُ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقُلْتُ لَهُ: " إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ جَعَلُوا فِيك َالدِّيَةَ "، وَأَخْبَرْتُهُمْ أَخْبَارَ مَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ، فَلَمْ يَرْزَآنِي وَلَمْ يَسْأَلَانِي، إِلَّا أَنْ قَالَ: « أَخْفِ عَنَّا...« ...
فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ أَمْنٍ، فَأَمَرَ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَ فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدِيمٍ، ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذه خصوصية آخرىٰ له -رضي الله تعالى- عنه .
قال صاحب البداية والنهاية في تاريخه: " وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ هُوَ الَّذِي كَتَبَ لِسُرَاقَةَ هَذَا الْكِتَابَ .فَاللَّهُ أَعْلَمُ.



خصوصية الشهادة في سبيل الله ....
وما فعلته الملآئكة معه:



عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا ، وَقُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا...
إذَنْ استشهد عامر بن فهيرة يوم بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة. وكان يوم قتل ابن أربعين سنة. وكان يكنىٰ أبا حمد.
قلت (الرمادي) : "ولعلها آخرىٰ غير الأولىٰ".





وروىٰ أن جبار بن سلمىٰ الكلابي طعن عامراً يومئذ.
وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً.
وَلَمَّا طُعِنَ قَالَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ:: « فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ»... ! أي بالجنة!!؛
ورفع مِن رمحه، وَلَمْ تُوجَدْ جُثَّتُهُ لِتُدْفَنَ مَعَ الْقَتْلَىٰ ،
فَقِيلَ : « إِنَّ الْمَلَائِكَةَ دَفَنَتْهُ «(!!!)..
[فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: " إن الملائكة أخذته فوارت جثته".
.. قلت (الرمادي):"لم أجده"]
فأسلم جبار لما رأىٰ، وحسن إسلامه.



عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم أن عامر بن فهيرة قتل يوم بئر معونة، فلم يوجد جسده... حين دفنوا القتلىٰ.
قال عروة: « فكانوا يرون أن الملائكة دفنته ».
ويقول ابن تيمية : وَ "عَامِرُ بْنُ فهيرة: قُتِلَ شَهِيدًا فَالْتَمَسُوا جَسَدَهُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ... وَكَانَ لَمَّا قُتِلَ رُفِعَ فَرَآهُ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وَقَدْ رُفِعَ ... وَقَالَ: عُرْوَةُ: فَيَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ .".
ثم تتبعتُ الرواية هذه فوجدتها عند :
- ابن الأثير في الكامل في التاريخ ؛
كما ذكرها:
-البخاري مرسلة
و
-ذكرها ابن حجر العسقلاني في شرحه لــ (فتح الباري) على الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري.
ثم راجعتُ فتح الباري فوجدتُ :" رِوَايَةَ عُرْوَةَ" وَكَانَ الَّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ جَبَّارُ بْنُ سَلْمَىٰ، ذَكَرَ أَنَّهُ لَمَّا طَعَنَهُ قَالَ : «فُزْتُ وَاللَّهِ»
قَالَ : فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : "مَا قَوْلُهُ فُزْتُ؟"،
فَأَتَيْتُ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ :" بِالْجَنَّةِ " .
قَالَ : " فَأَسْلَمْتُ ، وَدَعَانِي إِلَىٰ ذَلِكَ مَا رَأَيْتُ مِنْ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ ".
ولعلها كرامة -اسألُ الله تعالىٰ أن يكرمنا بها-
ثم .. لا أقول فيها غير :"والله اعلم ! ".

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ٥ ] الفصل الخامس من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. ومن تبعه بإحسان مِن المسلمين الأوائل المكرمين.
نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث:
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏‏الإثنين‏، 12‏ شوال‏، من العام الهجري 1442 هــ الموافق: 24‏ مايو‏، 2021 من الميلاد العجيب لعيسىٰ ابن مريم العذراء البتول -عليهما السلام-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
16 / 06 / 2021, 39 : 01 PM
https://aliftaa.jo/photos/0c348f687186a7792f994f8faa75681d.jpg

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
16 / 06 / 2021, 45 : 08 PM
: [86 أَبُو فُكَيْهَةَ ] .

( ﴿« „٨٦‟» ﴾:" [٥]) : أَبُو فُكَيْهَةَ



رجالٌ -مِن المستضعين- نزل فيهم الذكر الحكيم وذكرهم القرآن الكريم!
*.] لم استطع ضبط اسمه -رضي الله تعالىٰ عنه- فقد ورد في آحدىٰ المصادر[ (1) ] :
" أَبُوفَكِيهَةَ".
*.] وَاسْمُهُ أَفْلَحُ ، وَ
*.] قِيلَ يَسَارٌ ، وَ
*.] كَانَ عَبْدًا لِصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ ،
*.] أَسْلَمَ مَعَ بِلَالٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُما- ، فَأَخَذَهُ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ وَرَبَطَ فِي رِجْلِهِ حَبْلًا ، وَأَمَرَ بِهِ فَجُرَّ ثُمَّ أَلْقَاهُ فِي الرَّمْضَاءِ ،
وَ
مَرَّ بِهِ جُعَلٌ[ (2) ]. فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: "أَلَيْسَ هَذَا -جُعل- رَبَّكَ ؟".
فَقَالَ :« اللَّهُ رَبِّي... وَرَبُّكَ... وَرَبُّ هَذَا »،
فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا ،
وَمَعَهُ أَخُوهُ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ يَقُولُ : زِدْهُ عَذَابًا حَتَّى يَأْتِيَ مُحَمَّدٌ فَيُخَلِّصَهُ بِسِحْرِهِ ،
وَلَمْ يَزَلْ عَلَىٰ تِلْكَ الْحَالِ حَتَّىٰ ظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ ، ثُمَّ أَفَاقَ ، فَمَرَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُ- فَاشْتَرَاهُ وَأَعْتَقَهُ.
وَ
*.] قِيلَ[ (3) ] : إِنَّ بَنِي عَبْدِالدَّارِ كَانُوا يُعَذِّبُونَهُ ، وَإِنَّمَا كَانَ مَوْلًى لَهُمْ ، وَكَانُوا يَضَعُونَ الصَّخْرَةَ عَلَىٰ صَدْرِهِ حَتَّىٰ دُلِعَ لِسَانُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْدِينِهِ ، وَهَاجَرَ وَمَاتَ قَبْلَ بَدْرٍ . [ (4) ] .





*.] وإذا عدنا إلىٰ ما قيل بأن اسمه - رضي الله تعالىٰ عنه - يسارا فنقرأ :
"يسار أبو فكيهة"
وَذَكَرَ يسارا أبا فكيهة مولىٰ صفوان بن أمية فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ ، وَقَدْ قَالَهُ مصدر[ (5 ) ].
فَــــ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ :كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ جَلَسَ إِلَيْهِ الْمُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ : خباب ...وعمار ... وأبو فكيهة يسار مولىٰ صفوان بن أمية ... وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ...وَأَشْبَاهُهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَزَأَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ ،
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ كَمَا تَرَوْنَ ، هَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بِالْهُدَى وَالْحَقِّ ، لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ بِهِ وَلَا خَصَّهُمُ اللَّهُ دُونَنَا ؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ :{ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ }[ (6) ]الْآيَاتِ .
-*-*-
ولعلي يجب عليَّ أن اثبت ما قاله صاحب حلية الأولياء؛ أبو نعيم:« قَالَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- : قَدْ أَتَيْنَا عَلَىٰ مَنْ ذَكَرَهُمُ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَنَسَبَهُمْ إِلَىٰ تَوْطِينِ الصُّفَّةِ وَنُزُولِهَا وَهُوَ أَحَدُ مَنْ لَقِينَاهُ وَمِمَّنْ لَهُ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِتَوْطِئَةِ مَذْهَبِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَتَهْذِيبِهِ عَلَىٰ مَا بَيَّنَهُ الْأَوَائِلُ مِنَ السَّلَفِ، مُقْتَدٍ بِسِيمَتِهِمْ . مُلَازِمٌ لِطَرِيقَتِهِمْ ، مُتَّبِعٌ لِآثَارِهِمْ ،مُفَارِقٌ لِمَا يُؤْثَرُ عَنِ الْمُتَخَرِّمِينَ الْمُتَهَوِّسِينَ مِنْ جُهَّالِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ ، مُنْكِرٌ عَلَيْهِمْ ، إِذْ حَقِيقَةُ هَذَا الْمَذْهَبِ عِنْدَهُ مُتَابَعَةُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا بَلَّغَ وَشَرَعَ ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ وَصَدَعَ ، ثُمَّ الْقُدْوَةِ الْمُتَحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَرُوَاةِ الْآثَارِ ، وَحُكَّامِ الْفُقَهَاءِ . وَلِذَلِكَ ضَمَمْتُ إِلَيْهِمَا ذَكَرَهُ الأغر الأبلج أبو سعيد بن الأعرابي -رَحِمَهُ اللَّهُ- (!) وَكَانَ أَحَدَ أَعْلَامِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ ، وَلَهُ التَّصَانِيفُ الْمَشْهُورَةُ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ وَأَحْوَالِهِمْ وَالسِّيَاحَةِ وَالرِّيَاضَةِ وَاقْتِبَاسِ آثَارِهِمْ . وَأَقْتَفِي فِي بَاقِي الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِ التَّابِعِينَ حَذْوَهُ إِذْ هُوَ شَرَعَ فِي تَأْلِيفِ طَبَقَاتِ النُّسَّاكِ ، وَأَقْتَصِرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَلَىٰ ذِكْرِ جَمَاعَةٍ مِنْ كُلِّ طَبَقَةٍ وَأَذْكُرُ لَهُمْ حَدِيثًا مُسْنَدًا إِنْ وُجِدَ ، وَحِكَايَةً وَحِكَايَتَيْنِ إِلَىٰ الثَّلَاثِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَىٰ مُسْتَعِينًا بِهِ وَمُعْتَمِدًا عَلَىٰ جَمِيلِ كِفَايَتِهِ إِذْ هُوَ الْوَلِيُّ وَالْمُعِينُ» . [ (7)]
ثم كتب يقول: « ذِكْرُ جَمَاعَةٍ مِنْ سُكَّانِ الصُّفَّةِ؛ وَقُطَّانِ الْمَسْجِدِ تَرَكَ ذِكْرَهُمُ السلمي وابن الأعرابي »[ (8) ].
وهنا ؛ قلت (الرمادي): بعد النقل يتبين حال القوم وما هم عليه اليوم وما كانوا في سابق زمانهم؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
*.] قَالَ[ (9) ] :" كَانَ أَبُو فُكَيْهَةَ يُعَذَّبُ حَتَّىٰ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ "[ (10)].
فَــ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا }.[ (11)]
*.] وبخصوص ما نزل علىٰ قلب خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين محمد بن عبدالله -ﷺ- قالت قُرَيْشٌ -وَذَلِكَ أَنْ بَعْضَهُمْ قَالُوا- : هَذَا كَذِبٌ افْتَرَاهُ مُحَمَّدٌ ، وَ
*.] اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُعِينِينَ لِمُحَمَّدٍ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ زَعْمِ قُرَيْشٍ -فَقَالَ مُجَاهِدٌ -رحمه الله تعالىٰ-: أَشَارُوا إِلَىٰ قَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ[ (12) ] ، وَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَشَارُوا إِلَىٰ عَبِيدٍ كَانُوا لِلْعَرَبِ مِنَ الْفَرَسِ[ (13) ] ،
أَحَدُهُمْ :
1.]أَبُوفَكِيهَةٍ مَوْلَىٰ الْحَضْرَمِيِّينَ ، وَ
2.] جَبْرٌ ، وَ
3.] يَسَارٌ ، وَ
4.] عَدَّاسٌ ، وَغَيْرُهُمْ.
ثُمْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ -من زَعْمِ قُرَيْشٍ -مَا جَاؤُوا إِلَّا إِثْمًا وَزُورًا، أَيْ: مَا قَالُوا إِلَّا بُهْتَانًا وَزُورًا[ (14) ]. وَ
"الزُّورُ": تَحْسِينُ الْبَاطِلِ، هَذَا عُرْفُهُ، وَأَصْلُهُ التَّحْسِينُ مُطْلَقًا،"[ (15)].
إذاً:
"اخْتُلِفَ[ (16) ] فِي اسْمِ مَنْ أَرَادَهُ الْمُشْرِكُونَ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ تَعْلِيمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ
أَرْبَعَةِ أَقَاوِيلَ[ (17)]:
أذكر منهم : أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا لِامْرَأَةٍ بِمَكَّةَ، يُقَالُ لَهُ أَبُو فَكِيهَةَ، كَانَ يَغْشَىٰ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَقْرَأُ عَلَيْهِ وَيَتَعَلَّمُ مِنْهُ، فَــ
قَالُوا لِمَوْلَاتِهِ احْبِسِيهِ فَحَبَسَتْهُ، وَ
قَالَتْ لَهُ: „ اكْنِسِ الْبَيْتَ‟ ...
وَ
„ كُلْ كِنَاسَتَهُ ‟ ، فَــ
فَعَلَ وَقَالَ: « وَاللَّهِ مَا أَكَلْتُ أَطْيَبَ مِنْهُ وَلَا أَحْلَىٰ »، وَ
كَانَ يَسْأَلُ مَوْلَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَحْبِسَهُ فَلَا تَفْعَلُ. [ (18)]".
وجاء في مصدر[ (19) ]." وَالرَّابِعُ :أَبُو فُكَيْهَةَ الرُّومِيُّ... [ (20)]..
*.] لذا فقد قيل أنه :
- رومي ...
وأنه من
- أهل فارس ..
وأنه من
- أهل الكتاب دون تحديد؛
ثم
قيل أنه من
- يهود...
ولعلي أعود لمراجعة هذه الجزئية من البحث مع التدقيق والتحقيق إذا تيسر لي الحصول على مراجع تفيد(!!!؟).
*.] ومما يتشرف به المرء أن ينزل مِن رافع السماء بغير عمد نراها بواسطة أمين السماء الملك جبريل علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله -ﷺ- قرآنا يتلىٰ إلىٰ يوم القيامة؛ فقد ذكر رجال[ (21) ] التفسير وأهل التأويل أن فِي سَبَبِ نُزُولِ: قَوْله تَعَالَىٰ : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُأَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَاَلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ}:
رُوِيَ أَنَّ قُرَيْشًا قَالُوا : إنَّ الَّذِي يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا يَسَارُ أَبُو فَكِيهَةَ مَوْلًى مِنْ قُرَيْشٍ ، وَسَلْمَانُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ [ (22)] .
وَالتحقيق[ (23) ] : هَذَا يَصِحُّ فِي يَسَارٍ ، لِأَنَّهُ مَكِّيٌّ ، وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ ؛
وَ
أَمَّا سَلْمَانُ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَّا بِالْمَدِينَةِ ، وَقَدْ كَانَتْ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ بِإِجْمَاعٍ مِنْ النَّاسِ. [ (24)].
*.] { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين } [ (25) ]... فقال[ (26)] :
"اخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الَّذِي قَالُوا إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ علىٰ ثمان أقوال ؛ منها :
« يَسَارٌ أَبُوفَكِيهَةَ» مَوْلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ ".
قَالَ[ (27) ]: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تعالىٰ :{ قَوْمٌ آخَرُونَ } [ (28) ] أَبُو فَكِيهَةَ مَوْلَى بَنِي الْحَضْرَمِيِّ وَعَدَّاسٌ وَجَبْرٌ ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ[ (29)].
: {وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } [(30) ] أَيْ : عَلَىٰ الِاخْتِلَاقِ قَوْمٌ آخَرُونَ يَعْنُونَ : مِنَ الْيَهُودِ .
قِيلَ وَهُمْ :أَبُو فُكَيْهَةَ يَسَارٌ مَوْلَى الْحَضْرَمِيِّ، وَعَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى ، وَجَبْرٌ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْيَهُودِ "[ (31)].
ثم أكمل[ (32) ] البحث فقال :" { وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ } أَيْ عَلَىٰ مَا يَقُولُهُ مِنَ الْقُرْآنِ قَوْمٌ آخَرُونَ لَقَّنُوهُ بَعْضَ مَا يَقُولُهُ . وَأَرَادُوا بِالْقَوْمِ الْآخَرِينَ الْيَهُودَ[ (33) ] . رُوِيَ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنْ مُجَاهِدٍ .
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَشَارُوا إِلَى عَبِيدٍ أَرْبَعَةٍ كَانُوا لِلْعَرَبِ مِنَ الْفُرْسِ وَهُمْ : عَدَّاسٌ مَوْلَى حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى ، وَيَسَارٌ أَبُو فَكِيهَةَ الرُّومِيُّ مَوْلَى الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ ، وَ
فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ مَوْلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ مُحَرِّثٍ ، ، وَجَبْرٌ مَوْلَى عَامِرٍ. وَ
كَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ مَوَالِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ مِمَّنْ دَانُوا بِالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَكَانُوا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، ثُمَّ أَسْلَمُوا ".
"فَزَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الرَّسُولَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَتَرَدَّدُ إِلَىٰ هَؤُلَاءِ سِرًّا وَيَسْتَمِدُّ مِنْهُمْ أَخْبَارَ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ[ (34)].
-*-
اضطربت الروايات في وصفه وترجمته فقد جاء[ (35) ] :" قِيلَ: أَبُو فَكِيهَةَ أَعْجَمِيٌّ : مَوْلَى لِامْرَأَةٍ بِمَكَّةَ.
قِيلَ : وَاسْمُهُ يَسَارٌ وَكَانَ يَهُودِيًّا ؛ قَالَهُ : مُقَاتِلٌ ، وَابْنُ جُبَيْرٍ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ كَانَ يَهُودِيًّا .
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ رَجُلًا حَدَّادًا نَصْرَانِيًّا اسْمُهُ عَنَسٌ .
وَقَالَ حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ: “ كَانَ لَنَا غُلَامَانِ نَصْرَانِيَّانِ مِنْ أَهْلِ عَيْنِ التَّمْرِ ، «يَسَارٌ» وَ «حَبْرٌ» ، كَانَا يَقْرَآنِ كُتُبًا لَهُمَا بِلِسَانِهِمْ ، وَكَانَ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمُرُّ بِهِمَا فَيَسْمَعُ قِرَاءَتَهُمَا ” [ (36)].
قِيلَ : “ وَكَانَا حَدَّادَيْنِ يَصْنَعَانِ السُّيُوفَ ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ : يَتَعَلَّمُ مِنْهُمَا ، فَقِيلَ لِأَحَدِهِمَا ذَلِكَ فَقَالَ : بَلْ هُوَ يُعَلِّمُنِي[ (37)].”.
قلت (الرمادي) : تعددت المصادر الأصلية في ترجمة ضيف هذه الفصل من بحث المستضعفين في عهد النبوة؛ الفترة المكية من مرحلة السيرة المحمدية؛
ولي عودة إذا شاء رب العالمين ويسر لي الحصول علىٰ مراجع أصلية تنهي مسائل الخلاف؛ فاستمد منه العون وأطلب منه التوفيق وارجوه الصواب؛ فهو-سبحانه وتعالى- علىٰ كل شئ قدير.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ صاحبها وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ؛ وعلىٰ من أتخذ منهاجه طريقه واستعمل سنته في حياته
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
الهوامش؛ تطلب من صاحب البحث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
[ 5 ] الفصل الخامس من بحث أذىٰ المشركين الذي لحق بخاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -صلى الله عليه وآله وسلم-. ومن تبعه بإحسان مِن المسلمين الأوائل المكرمين.

نال شرف قراءة المراجع ومتابعة المصادر؛ وتكحلت عيناه بكتابة هذا البحث:



د. محمدالرمادي".

الأربعاء‏، 16 يونيو‏، 2021 م * ~ 07‏ ذو القعدة‏، 1442هــ




(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
06 / 07 / 2021, 37 : 09 PM
* [ 87 جَارِيَةُ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ ] .
( ﴿ « „ ٨٧ ‟» ﴾ :" [٦]) :" جَارِيَةُ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ
ما زال كاتب هذه الأبحاث -باحثاً- يتقدمه موقع ملتقى أهل العلم - متفضلا بالنشر - يبحث وينقب ويراجع ويحقق ويدقق في مسائل الفترة المكية الزاهرة من عهد النبوة الفاخر؛ خاصة ونحن مازلنا نبحث:
« الأَحْدَاثُ مِنْ نُزُولِ الوَحْي إِلَىٰ قُبيل الهِجْرَةِ »
والحديث ما زال عن الأوائل الذين تقدموا بخطوات ثابتة في طريق الإيمان ودرب العقيدة مع ما لاقوا مِن عنت ومطاردة وتعذيب بل تجويع وقتل؛ وايضاً مَن وقف بجوارهم لنقدم -الباحث والموقع- نموذجاً فريدا لمَن يريد أن يسير علىٰ نفس الدرب بوعي فكري صحيح واستنارة فهمية واضحة لأحداث الأمس لإنزالها علىٰ الواقع اليومي المعاش...
ونبدءُ بالقول :
في تاريخ الدعوة والإيمان والصبر علىٰ الأذىٰ نسجل فيه عمالقة وأبطال وأفذاذ، وأناس صدقوا ما عاهدوا الله -تعالىٰ- عليه ... فقدموا أروع الأمثلة في القناعة التامة لهذا الدين مع حبه والتضحية مِن أجله... وقد جمع هذا الطريق بين رجال ونساء أشهدوا الله -سبحانه وتعالى- علىٰ ما في قلوبهم مِن صدق الإيمان وقوة العقيدة، وأعلنوا لله -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- ثم مِن بعد للناس الذين قاموا بتعذيبهم أعلنوها قوية صريحة بالوحدانية، وأقروا له -وحده- بحق الألوهية والعبودية؛ والربوبية.. فنالتهم أيدي المجرمين بالأذىٰ والتنكيل، وجرت عليهم آلة التعذيب ليردوهم عن دينهم ويصدوهم عن عقيدتهم -إن استطاعوا-، ولكنهم صبروا أمام صنوف العذاب، وشمخوا بالإيمان، وسموا بالعقيدة، وأثبتوا في كتاب التاريخ سطورا من نور أذهلت كل مَن اطلع عليها مِن موافق أو مخالف معارض.. لقد ضم درب الصبر والثبات وطريق التضحيات رجالا أفذاذا أبطالا، راسخة عقيدتهم رسوخ الجبال، شامخة قلوبهم ونفوسهم شموخ عقيدتهم التي بين جنوبهم.. وقد ضم هذا الطريق إلىٰ جانب الرجال نساء لم يكن حظهن من الإيمان والصبر والثبات والتضحية أقل من حظوظ الرجال، وحق لنا أن نفخر بهنَّ ونفتخر، وأن نظهر بطولاتهن وجهادهن؛ ليتعلم منها أبناؤنا وبناتنا وليكون للمرأة المسلمة مثلا تحتذيه وأنموذجا تقتديه.. فلقدكانت لقريش صولة وانبساط بالأذىٰ علىٰ مَن آمن مِن أولئك الضعفاء حتىٰ لقد تجاوزوا به حد التعذيب والإيلام، إلىٰ الافتنان في التمثيل، والتأنق في التنكيل[(1)]والتقتيل...
ومِن أولئك اللواتي استعذبن العذاب[(2)] :
„ جَارِيَةُمِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ‟...
جَارِيَةُ بَنِي مُؤَمَّلٍ -رضي الله عنها-





أُثبتُ أولاً اسمها الأول :
* . ] لُبَيّنَةُ جاريةُ بني المؤمل بن حبيب بن تَميم بْن عَبْدِاللَّهِ بْن قرط بْن رزاح [(3)] ابن عدي بن كعب. يقال لها[(4)] ، فيما ذكر أبو البختري، لبينة.
وانها كما قال الصالحي في سبل الهدى والرشاد[(5)]: « قال البلاذري: وكان يقال لها فيما ذكر أبو البختري: لَبِيبة ». [(6)]
والذي في أنساب الأشراف[(7)]، ونسخة خطية من الإصابة- كما ذكر محققوه-: «لُبَيّنة»، تصغير لَبنة. [(8)]
وكذا ضبطها الزرقاني في شرح المواهب؛ فقال: بــ "لام"موحدة، تصغير لبنة.
نُقل عن ابن حجر أنه ذكرها في الإصابة كذلك. [(9)]
في المحبر[(10)]: « أسماء من أعتقهم أبو بكر -رحمه الله- ممن كان يعذب في الله -تعالىٰ ذِكره-:
- «بلال بن رباح»...
- و « زنيرة » جارية بنى عمروبن مؤمل العدوى ».
قلتُ[(11)]: وهو خطأ؛ فــ « زنيرة » غير « جارية » بني عمرو بن مؤمل العدوى، والظاهر أنه سقطت واو بين « زنيرة » و « جارية ».
وصواب العبارة: « وزنيرة و جارية بنى عمرو بن مؤمل العدوى». [(12)]
* . ] : اسم الشهرة[(13)] :
جارية بني عمرو بن المؤمل.
* . ]: فهي إذاً : " صحابية ".



* . ] : إسلامها :
أسلمت -رضي الله عنها- قبل إسلام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه [(14)]:" فقد أسلمت بمكة قديما، في أول عهد الإسلام ".



* . ] : فضائلها ومواقفها[(16)] :
بسبب إسلامها -رضي الله عنها- بمكة قديما[(17)] كانت -رضي الله عنها- ممن عُذب في سبيل الله[(18)] .
* . ] : قال حسان بن ثابت: " قدمتُ مكةَ معتمرا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس، وأصحابه يُؤذون ويعذبون، فوقفتُ علىٰ عمر وهو مؤتزر يخنق جاريةَ بني عمر بن المؤمل حتىٰ تسترخي في يديه، فأقولُ: قد ماتت. ثم يخلي عنها، ثم يثب علىٰ زنيرة، فيفعل بها مثل ذلك".[(19)]



* . ] تَعْذِيبُ جَارِيَةِ بني عمرو بَنِ المُؤَمَّلٍ:
فــ مِنَ الذِينَ عُذِّبُوا جَارِيَةٌ لِبَنِي مُؤَمَّلٍ -وهُمْ حَيٌّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ- وَكَانَ الذِي يُعَذِّبُهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رضي اللَّه عنه- [ قبل أن يسلم -وَكَانَ عَلَىٰ الشِّرْكِ ]، فَيُعَذِّبُهَا ... فلا يزال يضربها بالسياط، حتىٰ إذا مَلّ [حتَّىٰ يَمَلَّ] [(20)] فيَقُولُ لَهَا :« إنِّي اعْتَذِرُ إلَيْكِ،إنِّي لَمْ أتْرُكْكِ إِلَّا مَلَالَةً »؛ فتَقُولُ -رضي اللَّه عنها-:« كذَلِكَ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ ».[(21)].



* . ]: مواقف مع الصحابة -رضي الله عنهم- :
كانت -رضي الله عنها- ممن يعذب في الله -تعالىٰ-، فابتاعها أبوبكر الصديق -رضي الله عنه-. [(22)] فأعتقها. [(23)]
ونستدل بما روي عن محمد بن إسحاق قال: حدثني هشام بن عروة بن الزبير،عن أبيه قال:... « ومر أبوبكر بجارية بني مؤمل، حي من بني عدي بن كعب، وكانت مسلمة، وعمر بن الخطاب يعذبها لتترك الإسلام، وهو يومئذ مشرك، وهو يضربها حتىٰ إذامل قال: إني أعتذر إليك أني لم أتركك إلا ملالة، فعل الله بك. فتقول: كذلك فعل الله بك. فابتاعها أبو بكر فأعتقها. [(24)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
بحوث:
السيرة النبوية العطرة صَلَّىٰ اللَّهُ - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ صاحبها وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ؛ وعلىٰ من أتخذ منهاجه طريقه واستعمل سنته في حياته
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‏الثلاثاء‏، 06‏ يوليو‏،2021 م ~ 27‏ ذو القعدة‏، 1442هــ
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
20 / 07 / 2021, 02 : 11 PM
* [ 88 زِنِّيرَةُ]
﴿« „ ٨٨‟» ﴾:" [ ٧ ] :" صحابِيَّةٌ رُومِيَّةٌ
﴿ زِنِّيرَةُ[(1)] ﴾.
مدخل للموضوع وتمهيد :
ما زلتُ أبحث في العهد الأول؛ المرحلة الأولىٰ للبعثة المحمدية؛ وهي خاتمة الرسالات والتي نزلت علىٰ قلبِ خاتم الأنبياء؛ وآخر المرسلين؛ ومتمم المبتعثين، رسول رب العالمين للبشر أجمعين .. وهذا العهد يطلق عليها «الفترةالمكية»؛ بما استغرقت مِن وقت يتعدىٰ عشر[(2)] سنوات... وبما فيها مِن أفكار ومبادئ وقيم ومفاهيم وقناعات ومقاييس غريبة عن المجتمع المكي بل صادمة له؛ ومعارضة لما هو موجود في بقية أجزاء العالم وقتذاك بأسره.. قيم وقناعاتومفاهيم أُنْزِلَت بواسطة أمين السماء.. مَلٰك الوحي «جبريل» -عليه السلام- مِن مالك المُلك ومُصرف الكون ؛ والذي أمره بين الكاف والنون يقول للشئ :"كن" فيكون وفق تدبيره وهو خالق الكون الإنسان والحياة -سبحانه وتعالىٰ في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه- من العدم ترافقها أحداث وتلازمها مواقف مِن مَن أمن بالله رباً واحدا فردا صمدا؛ فلا يجوز أن يكون له صاحبةَ ولا يصح أن يكون له ولد.. إذ أن -العهد/الفترة المكية- هي الأساس المتين والركن الشديد والقاعدة الراسخة لما ستليها مِن مراحل؛ وستبنىٰ عليها، خاصةً والتي تليها مباشرة؛ أي «العهد المَدَنيّ» وإيجاد أول كيان إسلامي يطبق المنهاج المُحمدي تطبيقا عملياً؛ وينفذ الشريعة الإسلامية تنفيذاً بشرياً وفق اجتهاد أهل العلم ورجال الفقه فتتبلور فيه الطريقة المُحمدية العملية كطريقة عيش خاص؛ واسلوب متميز في/مِن الحياة؛ وكيفية معينة مِن طراز خاص لا مثيل له لمجموعة مِن الناس، أمنوا بهذه المجموعة مِن القيم والمقاييس وتلك الحزمة مِن القناعات والمفاهيم والأفكار.. جميعها تُبين وجهة النظر في الحياة المعاشة للإنسان وتعطي حكماً مفهوماً للحياة الآخرىٰ؛ أي المبدأ الإسلامي بفكرته وتلازمه طريقته والذي هو قابل للتطبيق؛ وليس مجرد نظريات (فلسفية) تسطر على صفحات الكراريس وحين تصطدم بالواقع المعاش تنهار.. أو اطروحات فكرية تُدَون في الدواوين دون أن تصاحبها طريقة عملية وتلازمها كيفية تنفيذية؛ إذ أن مَن سيأتي مِن بعد تلكما العهدين -المكي والمدني-؛ وبعد أن أنتقل صاحب الرسالة العصماء إلىٰ الرفيق الأعلىٰ ينبغي عليه بل يجب أن يدرس بعمق ويفهم بوعي ويفقه باستنارة مجموعة الأفكار ويعي حزمة القيم وتسلسل الأحداث ليتمكن مِن الإدراك التام لرسالة خاتم الأنبياء؛ فيسهل عليه إيجاد مجتمع أقرب ما يكون إلىٰ المجتمع المَدَنِيّ؛ نسبة إلىٰ مدينة المصطفى-ﷺ- المنورة مع الأخذ باسباب المدنية الحديثة والتعامل مع التكنولوجيا المتقدمة والمتطورة والعلوم الحديثة في شتى مجالات العلم؛ مع إضافةٍ ضرورية بناءً علىٰ ما تحت أيدينا وما وصل إلينا من تكنولوجيا وتقدم علمي وأجهزة حديثة..
.. ومازلتُ استحضر نماذج فذة لتلك المرحلة العصيبة سواء علىٰ حامل لواء التوحيد أو مَن يسير خلفه وبجواره؛ ومعه فَهُم جميعاً -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين- فَهَمُوا الفكرة الأساسية -التوحيد- فهماً عميقاً وبوعي واستنارة؛ وادركوا تماماً ما بُنيّ عليها مِن ربوبية وألوهية وحاكمية فتحملوا في سبيلها كل ما واجههم بصبر ويقين ..
-*-*
﴿زِنِّيرَةُ﴾
زِنِّيرَةُ: مَمْلوكةٌ رُومِيَّةٌ صحابِيَّةٌ [(3)]، اختلف في رسم اسمها وكيفية النطق به؛ فتقرأه مرة بالضم هكذا :
1. ]" زُنَيْرَةُ[(4)] " ؛[(5)] ؛ و
مرة آخرىٰ
2. ] :" زِنِّيرَةُ [(6)] ".بالكسر وشدة النون... وهذا ما صححه صاحب < الكامل > فقال :" ( زِنِّيرَةُ بِكَسْرِ الزَّايِ ، وَالنُّونُ مُشَدَّدَةٌ[(7)] ". ثم أضاف في موضع آخر في موسوعته :" زِنِّيرَةُ بِكَسْرِ الزَّايِ، وَتَشْدِيدِ النُّونِ، وَتَسْكِينِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِهَا ، وَفَتْحِ الرَّاءِ." [(8)] . و
3. ] ثالثة:" زَنِيرَةُ".[(9)]
*. ]:"يذكرنا صاحب < الكامل > بــ " تَعْذِيبِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَهُمُ الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، وَلَا عَشَائِرَ لَهُمْ تَمْنَعُهُمْ، وَلَا قُوَّةَ لَهُمْ يُمْنَعُونَ بِهَا، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ عَشِيرَةٌ تَمْنَعُهُ فَلَمْ يَصِلِ الْكُفَّارُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا رَأَوُا امْتِنَاعَ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ، وَثَبَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَىٰ مَنْ فِيهَا مِنْ مُسْتَضْعَفِي الْمُسْلِمِينَ، فَجَعَلُوا يَحْبِسُونَهُمْ وَيُعَذِّبُونَهُمْ بِالضَّرْبِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَرَمْضَاءِ مَكَّةَ وَالنَّارِ لِيَفْتِنُوهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَفْتَتِنُ مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَصَلَّبُ فِي دِينِهِ وَيَعْصِمُهُ اللَّهُ مِنْهُمْ ...
... وَمِنْهُمْ : زِنِّيرَةُ ،
* . ] كَانَتْ لِبَنِي عَدِيٍّ ،
لذا قيل :" وَكَانَ عُمَرُ يُعَذِّبُهَا" [(10)]، وهذا هوالقول الأول؛
أما الثاني فَــ
قِيلَ:
* . ] كَانَتْ لَبَنِي مَخْزُومٍ ، لذا قيل:" وَكَانَ أَبُو جَهْلٍ يُعَذِّبُهَا حَتَّىٰ عَمِيَتْ ، فَقَالَ لَهَا : " إِنَّ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَعَلَا بِكِ". فَقَالَتْ : « وَمَا يَدْرِي اللَّاتُ وَالْعُزَّى مَنْ يَعْبُدُهُمَا ؟ وَلَكِنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ السَّمَاءِ وَرَبِّي قَادِرٌ عَلَىٰ رَدِّ بَصَرِي »،فَأَصْبَحَتْ مِنَ الْغَدِ وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ بَصَرَهَا، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ:" هَذَا سِحْرُ مُحَمَّدٍ، فَاشْتَرَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْتَقَهَا [(11)] ."
*. ]:" أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قَالَ نَاسٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ : " نَحْنُ أَعَزُّ ...وَنَحْنُ ... وَنَحْنُ، فَلَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ فُلَانٌ وَفُلَانٌ " . فَنَزَلَ :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } [(12)] ".
<هَذَاحِكَايَةُ خَطَأٍ آخَرَ مِنْ أَخْطَاءِ حُجَجِ الْمُشْرِكِينَ الْبَاطِلَةِ وَهُوَ خَطَأٌ مَنْشَؤُهُ الْإِعْجَابُ بِأَنْفُسِهِمْ وَغُرُورُهُمْ بِدِينِهِمْ فَاسْتَدَلُّوا عَلَىٰ أَنْ لَا خَيْرَ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنَّ الَّذِينَ ابْتَدَرُوا الْأَخْذَ بِهِ ضُعَفَاءُ الْقَوْمِ وَهُمْ يَعُدُّونَهُمْ مُنْحَطِّينَ عَنْهُمْ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا { أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا } كَمَا فِي الْأَنْعَامِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ قَوْمِ نُوحٍ { وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } [(13)] >.
* . ]:"اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ -تَعَالَىٰ في علاه وتقدست اسماه- :{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} [(14)] عَلَىٰ سِتَّةِ [(15)] أَقْوَالٍ؛ أكتفي بالقول الثاني كما جاء في < الجامع لأحكام القرآن >؛ نقلا عما قَالَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ [(16)] ."؛ وهو موضع الاستدلال فَالقول الثَّانِي : < أَنَّ زِنِّيرَةَ أَسْلَمَتْ فَأُصِيبَ بَصَرُهَا [وكانت زنيرة قد عذبت حتى عميت ] فَقَالُوا [ أبوجهل؛ على اعتبار الرواية الثانية؛ أنها كانت مملوكة لبني مخزوم ] لَهَا : أَصَابَكِ اللَّاتُ وَالْعُزَّى [ إن اللات والعزى فعلتا بك ما ترين ] ، [فقالت، وهي لا تبصره: وما تدري اللات والعزى، من يعبدهما ممن لا يعبدهما، ولكن هذا أمر من السماء، وربي قادر على أن يرد بصري. فأصبحت من تلك الليلة وقد رد الله عليها بصرها. فقالت قريش: هذا من سحر محمد ] فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا . فَقَالَ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ: لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زِنِّيرَةُ [(17)] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَىٰ هَذِهِ الْآيَةَ [(18)] ". وما قالته دليل واضح على تمكن مسألة الإيمان والعقيدة في قلبها..
.. بيد أن الجلال السيوطي المِصري في موضعين من كتبه حصر أسباب النزول فقط في قصتها - وهذا تكريم علوي رباني ملآئكي لها - فقد :" أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي شَدَّادٍ قَالَ كَانَتْ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَمَةٌ [ باعتبار أنها أمة لبني عدي ] أَسَلَمَتْ قَبْلَهُ يُقَالُ لَهَا زُنَيْرَةُ [(19)][زِنِّيرَةُ][(20)] فَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُهَا عَلَى إِسْلَامِهَا حَتَّىٰ يَفْتُرَ [(21)] وَكَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ يَقُولُونَ:" لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زُنَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهَا [(22)][(23)] { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا } الْآيَةَ[(24)]".
وذكرها الألوسي في تفسيره [(25)] . ولكنه اضاف جملة هامة :" وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا زَنِيرَةَ بِخُصُوصِهَا بَلْ مَنْ شَابَهَهَا أَيْضًا." [(26)]
... إذاً ضَمِيرُ الْغَيْبَةِ فِي قَوْلِهِ [ سَبَقُونَا ] عَائِدٌ إِلَىٰ غَيْرِ مَذْكُورٍ فِي الْآيَةِ وَلَكِنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِ الَّذِينَ كَفَرُوا الَّذِي حَكَتْهُ الْآيَةُ أَرَادُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِثْلَ بِلَالٍ؛ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ،وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؛ وَسُمَيَّةَ، وَزِنِّيرَةَ بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ مَكْسُورَةٍ مُشَدَّدَةٍ مُشَبَّعَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ [(27)]، [ وهي ] أَمَةٌ رُومِيَّةٌ كَانَتْ مِنَ السَّابِقَاتِ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ وَمِمَّنْ عَذَّبَهُنَّ الْمُشْرِكُونَ وَمِمَّنْ أَعْتَقَهُنَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ [(28)] .
وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ: قَالَ عُظَمَاءُ قُرَيْشٍ: لَوْ كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ خَيْرًا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ زِنِّيرَةُ، أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِهِمُ الَّتِي جَمَعَهَا الْقُرْآنُ فِي ضَمِيرِ [سَبَقُونَا ] [(29)]".] .
قالوا [وكان أبو جهل يقول] : ألا تعجبون لهؤلاء واتباعهم محمد (ا) ؟ فلو كان أمر محمد خيرا وحقا ما سبقونا إليه. أفسبقتنا زنيرة إلى رشد، وهي مِن ترون؟ فاشترى أبو بكر رضي الله عنه جارية بني المؤمل وزنيرة، وأعتقهما.
قال ابن تيمية في فتاويه :" وَلَمَّا عُذِّبَتْ "الزَّبِيرَةُ" عَلَىٰ الْإِسْلَامِ فِي اللَّهِ فَأَبَتْ إلَّا الْإِسْلَامَ وَذَهَبَ بَصَرُهَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ أَصَابَ بَصَرَهَا اللَّاتَ وَالْعُزَّى قَالَتْ كَلَّا وَاَللَّهِ فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهَا بَصَرَهَا .". [(30)] .
ويقال: إن زنيرة لغير بني عدي. وقال الكلبي: هي لبني مخزوم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث:
السيرة النبوية العطرة صَلَّى ٰاللَّهُ - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- عَلَىٰ صاحبها وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ،أَزْكَى صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ؛ وعلىٰ مَن أتخذ منهاجه طريقه واستعمل سنته في حياته!؛ أحداث الفترة المكية
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
د. مُحَمَّدُ الرَّمَادِيُّ


‏الثلاثاء‏، 20‏ يوليو، 2021 م ~ ‏الثلاثاء‏، ١٠‏ ذو الحجة‏، 1442هــ




(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّين ِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
20 / 07 / 2021, 35 : 11 PM
89 : „ علنية الدعوة سرية التكتل ‟.
﴿ „ ٦ ‟ ﴾ المجلد السادس:
من
„ السِّيرَة النَّبَوِيَّة ‟ ؛ „ علنية الدعوة .. سرية التكتل‟ [([1])]



واجب الشكر:

أكرمتُ -كاتب هذه السطور- مِن جزيل عطاءه الوافر - سبحانه العاطي الوهاب؛ وتعالىٰ فهو يرزق مَن يشاء بغير حساب- أكرمتُ بتمكني مِن الحصول علىٰ مراجع نفيسة ومصادر جليلة وابحاث قيمة لسادة من خيرة علماء الأمة الإسلامية لتنير لي درب البحث وتسهل طريق الكتابة عن سيرته العطرة -عليه الصلاة والسلام والتبريكات والأنعام والإجلال والإكرام- فوجب الشكر له وحده -عزَّ وجلَّ- ولزمني الخضوع بالسجود والركوع [([2])] وتعفير وجهي بعز العبودية؛ ورفع الرأس والهامة بعز الإيمان ... لذا فقد وجب عليَّ الشكر لله تعالىٰ...
ولا ينبغي لي أن تصيبني غفلة الإنسان فأنسىٰ الشكر والإمتنان لإدارة موقع: «„ ملتقىٰ أهل العلم‟ » والذي يصدر مِن قلب القارة الأسيوية؛ المدينة المنورة؛ والتي طيب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه ووزيريه -رضي الله عنهما-... للتفضل عليَّ بنشر بحوث السيرة النبوية الشريفة. والشكر موصول للسادة والسيدات القراء الكرام.
-* - *-

*/-*/
ــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
‏الثلاثاء‏، 11‏ ذو الحجة‏، 1442هــ ~* ‏الثلاثاء‏، 20‏ تموز‏، 2021 م








(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

[([1])] مرجع: انظر:"

[([2])] انظر قوله تعالى :" {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِين} [آل عمران:43] .

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
22 / 07 / 2021, 43 : 09 PM
﴿ « „ ٨٩ ‟» ﴾ : „ علنية الدعوة .. سرية التكتل ‟.
﴿ „ ٦ ‟ ﴾ الْمُجَلَّدُ السَّادِسَ
من
„ السِّيرَة النَّبَوِيَّة ‟ ؛
„ علنية الدعوة .. سرية التكتل ‟






-* - *-


التَّمْهِيدُ:


„ السيرة النبوية‟ العطرة - صلوات الله تعالىٰ وسلامه وتبريكاته وانعامه علىٰ صاحبها: سيدنا وإمامنا وقدوتنا ومعلمنا النبي الرسول محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب- فالسيرة في قسمها الثاني الأعظم هي „ السُنَّة المحمدية النبوية الرسولية‟....


إذ أن القسم الأول من „ السيرة المحمدية ‟ هي كل ما كان قبل مولده الشريف؛ وبدءً مِن عهد آدم؛ ومروراً بأنبياء الله ورسله -عليهم جميعا السلام - ثم ما بعد مولده إلىٰ قُبيل البعثة الخاتمة والرسالة المتممة... وقد تحدثت عن هذا القسم في الصفحات السابقات...


إذاً „ السُنَّة المحمدية ‟.... بشقها النظري؛ اي أقوال وأحاديث وتقرير الرسول الأكرم؛ وهذا هو الشق الأول منها، أما الثاني فهو الشق العملي؛ اي الطريقة الفعلية العملية التطبيقية التنفيذية... وهما [„ السُنَّة المحمدية ‟] - بمعنىٰ : الأحاديث القولية والسُنَّة العملية - معاً يجب علىٰ الأمة الإسلامية عامةً، وأهل الدعوة ورجال حملها وسيداتها - خاصةً - أن يعلموها؛ فيفرقوا بين صحيحها وحسنها وبين ضعيفها وسقيمها... فيتعلموها بالدراسة والتدريس والتمحيص والتفصيل والتطبيق والتنفيذ؛ وليس لمجرد السرد في مناسبات على مدار العام الهجري أو الوعظ والإرشاد في موسم من المواسم... وإن كان -اليوم- للأسف الشديد قد سيطر على من يعتلي المنبر هذان الصنفان من الوعظ والإرشاد على نمط الطريقة الكهنوتية، والسرد الخال من روح الإسلام وعمقه!


هذه السُنَّةالمُحَمَّدية الرسولية النبوية؛ وهي القسم الثاني المنزل من السماء؛ بعد القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين... هي وحي مِن صاحب الأمر والنهي... الله -تعالىٰ - لنبيه ورسوله؛ خاتمِ الأنبياء وآخرِ المرسلين ومتممِ المبتعثين - عليه السلام - فنص القرآن الكريم نطق يقول:
{ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى } [النجم:1] { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى } [النجم:2].. وموضع الاستشهاد هو :
{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى } [النجم:3] { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4]...


اقول : السُنَّةالنبوية تحتاج مِن حملة الدعوة؛ ومن يعمل في مضمار العمل الدعوي ومَن يمارس النشاط الدعوي عليه أن يفهمها فهما عميقا متسلسلا وفق الأحداث التي مرت وبوعي عقل المثقف واستنارة فؤاد المتبصر مرورا بالمواقف المتتالية والأحداث المتشابكة منذ بداية البعثة وإنزال الرسالة إلىٰ أن أنتقل -ﷺ- إلىٰ الرفيق الأعلىٰ...


وعليه فيجب أن :"يدرك أن التخطيط المسدد بالوحي [الإلهي] في حياة الرسول-ﷺ- [المبلغ والقدوة والقائد] قائم، وأن التخطيط جزء مِن السُنَّة؛ وهو جزء مِن التكليف الإلهي في كل ما طولب به المسلم [([1])]..."، وعليه فــ:" إن المسلم يتعلم من المنهاج النبوي كل فنون إدارة [المواقف والأحداث؛ وكيفية تنوع المصادمة مع الآخر أو] الصراع؛ والبراعة في إدارة كل مرحلة و[الوعي باستنارة] في الانتقال من مستوىٰ إلىٰ آخر [ومن مرحلة إلىٰ آخرىٰ مع ربط المرحلة بمفصل المرحلة التي تليها]؛ وكيف واجه -ﷺ- القوىٰ المضادة مِن الكفار - وخاصةً كفار قريش ومشركي مكة - في بداية البعثة؛ ثم كيف تعامل مع المنافقين... ومِن ثم أهل الكتاب من اليهود والنصارىٰ، وبقية ما يطلق عليه بالأديان(!) [وباقي الشعوب والأمم] حين انتقل إلىٰ مدينته المنورة التي طيّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده فيها،[بجوار صاحبيه ووزيريه-رضوان الله تعالى عليهما]، وكيف تغلب عليها كلها بسبب توفيق الله -تعالىٰ- والالتزام بشروط النصر وأسبابه التي أرشد إليها المولىٰ -عزوجل- في كتابه الكريم [([2])]...والإسترشاد بالعلوم الحديثة والنظريات العلمية الموثقة الجديدة...
لذا فــ :" إننا في أشد الحاجة لمعرفة المنهاج النبوي [بشقيه النظري والعملي وايضاً السُنَّة=الطريقة العملية] في تربية الأمة [افراداً ومجتمعا] وإقامة الكيان الذي نتمكن فيه مِن تفعيل تلك الحزمة من القيم الإسلامية الراقية وإيجاد تلك الكتلة مِن المفاهيم والقناعات الإسلامية العالية، ومعرفة سنن الله [سما في علاه وتقدست اسماه] في الشعوب الآخرىٰ والأمم المغايرة لنا في العقيدة والتشريع والدول القائمة على غير أسس إسلامية، دون تصادم بل تلاق، وكيف تعامل معها النبي -ﷺ- عندما انطلق بدعوة الله [تعالى] في دنيا الناس حتىٰ نلتمس مِن هديه -ﷺ- الطريق الصحيح في دعوتنا والتمكين لديننا، ونقيم بنياننا علىٰ أساس متين ومنهجية سليمة مستمدة أصولها وفروعها مِن كتاب ربنا -عز وجل- وسنة نبينا -ﷺ- قال -تعالى-: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا } [([3])] .


الواقع الفعلي المنظور والمشاهد اليوم في الشهر الآخير من العام الهجري : [ ١٤٤٢ ] = النصف الأول من العام : [ ٢٠٢١ ] يظهر للجميع بوضوح أن مَن يؤمن بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك ولا صاحبة ولا ولد له؛ وأن محمداً بن عبدالله عبده ورسوله وخاتم أنبياءه وآخر رسله...
المنظور أن هذا(هـ) المؤمنــ(ــة) يـ(ـتـ)ـسكن في جميع القارات وتجدهـ(ــا) يــ(تــ)ــعمر في جميع أمهات مدن العالم وقراه بل نجوعه... وبناءً علىٰ هذا الواقع يجب أن نعلم - جميعاً - علم اليقين الطريقة العملية التي سار عليها النبي المصطفىٰ -ﷺ- في دعوته؛ خاصة في المرحلة المكية؛ إذ أن الواقع الحالي يتشابه في كثير مِن فصوله بواقع تلك المرحلة التي عاشها وتعايشها الرسول القدوة الأعظم -عليه السلام- وصحابته - المسلمون الأوائل - -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين-...


وهذا ما أسعىٰ بعون منه - سبحانه - وتوفيق وهداية- إلىٰ بلورته من خلال بحوث؛ ارجو منه - سبحانه وتعالىٰ – أن أُحسن القراءة والإطلاع مع إحسان الفهم ودقة الاستيعاب كي أحسن التعبير وأتقن الكتابة.


ثُمَّ فِي المجلدِ السادس مَبَاحِثُ :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ


(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)


[([1])]انظر :" الصلابي؛ د. علي محمــــــد؛ السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث؛ ج: (1)؛ ص: (6)؛18 رجب 1421هـ ~ 16أكتوبر 2000م "

[([2])]انظر :" الصلابي؛ د. علي محمــــــد؛ السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث؛ ج: (1)؛ ص: (6)؛18 رجب 1421هـ ~ 16أكتوبر 2000م "

[([3])]آية: (21) ؛ من سورة الأحزاب: (33) .
راجع؛" الصلابي؛ د. علي محمــــــد؛ السيرة النبوية : عرض وقائع وتحليل أحداث؛ ج: (1)؛ ص: (6)؛18 رجب 1421هـ ~ 16 أكتوبر 2000م "

شريف حمدان
25 / 07 / 2021, 44 : 02 PM
http://up.ahlalalm.info/photo2/yrk63795.gif

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
25 / 07 / 2021, 32 : 05 PM
http://up.ahlalalm.info/photo2/yrk63795.gif

-*-*
[ جزاكم الله -تعالى في سماه وتقدست اسماؤه- فضيلة الأخ العزيز والشيخ القدير الأستاذ/ عبدالجواد شريف؛ خيرا كثيرا ورزقا وفيرا وعلما غزيرا .. على حسن تأيدكم لي وتشجيعي على إكمال بقية البحوث!!]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
25 / 07 / 2021, 45 : 05 PM
[ ١ . ]الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: „علنية“ الدعوة و „سرية“ التكتل :






تنبيه „ ١‟ :

أنتهيتُ -بتوفيقٍ مِن العلي القدير سميع الدعاء مجيب الرجاء؛ وبحسن رعاية وتمام هداية- في نهاية المجلد الخامس مِن ذكر بعض مَن هم مِن المستضعفين -رضي الله تعالىٰ عنهم أجمعين- من المسلمين الأوائل، وينبغي الحديث الأن عن علنية الدعوة وسرية أعضاء التكتل الإسلامي المحمدي الأول. والظاهر في بداية هذا الفصل مِن البعثة النبوية الخاتمة أن الدعوة الإسلامية في صورتها التكتلية [ الأفراد ] في مهدها كانت يشوبها شكل من السرية؛ وإن كان حامل لواء التوحيد -عليه السلام والتكريم والإنعام- يعيش ويمارس حياته في مجتمع وثني يقدس الأصنام ويتقرب إلى الله تعالىٰ من خلال الأوثان زلفىٰ... يظهر منذ اللحظة الأولىٰ أنه -ﷺ- يحمل قيم وقناعات ومقاييس غريبة عن مجتمعه الذي وصف بأنه جاهلي؛ بل ويدعو إلى أفكار ومبادئ شاذة في نظرهم -عبّاد الأصنام وسجدة الأوثان- القصير، وأنه - عليه السلام والصلاة التمام -يدعو إلىٰ فكر جديد؛ أساسه ما كان غائباً عن المجتمع المكي... أي فكرة وجود إله وعبادة هذا الإله والجديد أنه يصلي تجاه الكعبة المشرفة بهيئة جديدة وبجواره ابن عمه علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب -كرم الله تعالى وجهه- وخلفهما كانت تصلي زوج النبي -عليها رضوان الله تعالىٰ- خديجة بنت خويلد- إذ تُبين لنا بعض مصادر السيرة أن نزول جبريل -عليه السلام- علىٰ قلب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - بالنبوة الخاتمة والرسالة المتممة كان يوم الإثنين وخديجة -عليها السلام- صلت خلفه عشية نفس اليوم؛ ولحق بهما علي -كرم الله وجهه- يوم الثلاثاء... وهذا يبين مدىٰ أهمية الصلاة -عبادة يومية- بأحكامها الجديدة الإسلامية وهيئتها- في المنظور الإسلامي ويضاف هنا أن النبي -عليه السلام- كان يدعو - في بداية أمره - مَن يستأنس منه القبول وبحذر ويظهر هنا مدىٰ ارتباط كيفية الدعوة في باكورة عهدها بحال المجتمع المكي؛ إذ لا ينبغي أن يوجد صدام أو صراع أو اي شكلٍ مِن صور المواجهة . وهذا ما أخطأت فيه بعض الجماعات التي ترتدي العباءة الإسلامية في زمننا المعاصر...




*(يُتْبَعُبِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
01 / 08 / 2021, 17 : 11 PM
-*-*-
﴿ „ ٦ “ ﴾ الْمُجَلَّدُ السَّادِسَ من „ السِّيرَة النَّبَوِيَّة ‟
[ ١ . ] الْبَحْثُ الْأَوَّلُ:
„علنية“ الدعوة
و
„سرية“ التكتل:
تنبيه : „ ٢ . ‟
وفق المصادر الصحيحة والمعتمدة؛ والتدقيق في روايات أمهات المراجع عند الجميع -مسلمين وغيرهم- فقد فُهِمَ أن هناك مرحلة أو وقت / فترة زمنية سِرية .. كانت في مكة -مبدء الوحي السماوي الأخير؛ وانبعاث دعوة أبي الإنبياء إبراهيم وتحقيق لــ بشارة ابن العذراء البتول؛ والتي لم يمسسها بشر؛ فنطق القرآن بــ لسان حالها :
{ قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا }
[مريم:20]
المسيح عيسىٰ -عليهما الصلاة والسلام- ...
أقول(مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِبْنِ الرَّمَادِيُّ):
فُهِمَ أن هناك فترة سِرية في بداية الدعوة المصطفوية؛ والرسالة المحمدية الخاتمة ومفصل في آحدىٰ مراحل نبوة آخر الأنبياء ومتمم المبتعثين..


وهذا الفَهم لا يتفق مع:
١ . ] نصوص الكتب السماوية الثلاثة -العهد العتيق:" التوراة ".. والعهد الجديد : " الإنجيل ".. والعهد الحديث:" القرآن "- وهي جميعاً وحي السماء جاءت بواسطة أمين السماء جبريل -عليه السلام - .. والكتابان الأولان بشرا بقدوم نبي قبل خلقِه بقرون مضت .. وقبل تكوينه في صلب أبيه ومن ثم إنبات بذرته الشريفة العفيفة في رحم أمه الطاهر؛ فنطق الكتاب الثالث [العهد الحديث]؛ مؤكدا لما في الكتابين الأولين [العهدين العتيق والجديد] فتسمعه يقول :
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُون }
[البقرة:146]
وهذا الكتاب الثالث :
{ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد }
[فُصِّلَت:42]
ثم بُدء ومنذ قرون خلت في تعديل الكتابين الأول والثاني وتبديل الكلم عن مواضعه لما يراه رجال الكهنوت ويناسب منافع رجال الدين ليوافق الأهواء ويساير الرغبات.. وسار خلفهم فريق من بقية رجال الدين لمصالح دنيوية فانية .. وهنا تسمع قوله تعالى :
{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون }
[الحِجر:9]
وهذه الآية بمفردها تكفي نعمةً من نعمِهِ -تعالىٰ ذكره وتقدس سره- وهي التي لا تعد ولا تحصىٰ .. فالحمد له علىٰ نعمة العقل والإدراك والفهم والاستيعاب ثم الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان والحمد لله علىٰ بعثة خير الأنام -صلى الله عليه وآله وسلم-
أكملُ (مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ الرَّمَادِيُّ) -بمشيئته وحسن توفيقه ونور هدايته وتمام رضاه- سير الأحداث بدءً بما عند أهل الكتاب بالعلم بمجئ نبي آخر الزمان محدد المكان والصفة والنعت؛ فالمناخ العام عند أهل الكتاب وأهل الجاهلية يكاد يتهيأ لمقدم نبي..
الرجاء مع الشكر تراجع أرقام البحوث من 65 ~62 وفق التقسيم العام وهذه البحوث يحويها:
٢. ] المجلدالثاني: وهي وفق هذه الأبواب والفصول وقد تحتاج إلى إعادة مراجعة وإضافات
تراجع من موقعنا ملتقى (أهل العلم) بدء من صفحة : 30؛ 31 ؛ 32؛ 33 و 34 فهي تتحدث عن :
*.] ميثاق النبيين
*.] بشارة الكتب السابقة
*.] بِشَارَات وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
وانظر:
*.]﴿ ٤ ﴾ الْبَابُ الرَّابِع: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
*.]﴿ ٤ . ٣. ﴾ الفصل الثالث مكان بعثته: -ﷺ-
*.]﴿ ٤ . ٤. ﴾ الفصل الرابع البشارة بصفاته -ﷺ-
ثم تراجع
صفحة 35 من ترقيم ملتقى أهل العلم :
https://ahlalalm.org/vb/showthread.php?p=563695 (https://ahlalalm.org/vb/showthread.php?p=563695)


٣. ] فهناك في عدة أماكن أحاديث عن قرب نبوة نبي آخر الزمان .. كما حدث في
- يوم وضع البذرة الطاهرة في منبت رحم أمه الطاهر؛ فيقول ابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق وبالتالي أبو جعفر الطبري ومن سار خلفهم .. يقول -فيما يزعمون- أن قتيلة أخت ورقة بن نوفل"القس" أرادت مساوة عبدالله بمئة من الإبل؛ كما فُدي بها -من قبل- مقابل البضع منه .. ولكنه رفض وذهب لصاحبة الفضل والشرف ورفيع النسب :"آمنة بنت وهب الزُهرية"..
أو
ما حدث في
- يثرب (مدينته -عليه السلام- المنورة والتي طيَّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه -رضي الله عليهما-) في رواية نسمعها مِن مَن نال شرف خدمته -عليه السلام- أنس بن مالك -رضي الله عنه- من قول يهودي :" طلع نجم أحمد "..
- وإرهاصات ما قبل مولده وليلة مولده [مع العلم إني.. لا أعتمدها.. بل استأنس بها؛ فغالبيتها أخبار مرسلة؛ أو ضعيفة الإسناد؛ كما نبه علىٰ ذلك أهل العلم ]
٤. ] - الشاهد في مسألتي : „علنية“ الدعوة.. و „سرية“ التكتل.. أو ما قاله اساتذة أهل العلم „الاستخفاء“..
فهل استخفاء الدعوة !؟...
أم استخفاء فردٍ من افراد الدعوة!؟..
أم استخفاء عدة افراد !؟..
وكل حسب حالته أو تمسكاً وتقيداً بما سيجئ به الوحي السماوي وما سوف يتنزل عليه -عليه السلام- من آيات حكيمات بينات تخبره -عليه السلام - عن كيفية تحركه في مجال الدعوة سواء أكان الحديث عن فترة/زمن أو العهد المكي أو من بعد الإنتقال إلى مكان آخر غير نقطة الإبتداء -مكة- إلى موضع آخر أُخبر عنه وحياً ولم يبن له حتى أنتقل إلى يثرب (المدينة المنورة)؛أو ما يسمى بالعهد المدني
- ما ابحثه هو استخفاء فرد أو أفراد اي التكتل بالمصطلح الحديث - افراد التكتل -..
استخفاء افراد التكتل.. وليس استخفاء الدعوة ذاتها .. أو .. سريتها ..
- كان عليه السلام يصلي مع زوجه؛ أم المؤمنين خديجة بنت خويلد-رضي الله عنها- أمام الكعبة علىٰ مرأى مِن الناس؛
- وتم تساؤل: ماذا يفعل هذا الشاب .. أو هذا الرجل!!!؟..
ومن تلك هذه المرأة!؟
وماذا تفعل!؟
ومَن ثالثهما !؟



فكان الرد[ ! ]

وهذا هو الشاهد -من عدة مصادر معتمدة- علىٰ صحة ما ذهبت إليه .. أي أن الدعوة إلى اعتناق الإسلام والتقيد بما يأتي من السماء وحياً من ربه ومنذ لحظتها الأولى لم تك سرية..
أما الأفراد الذين أمنوا بهذه الدعوة في بدايتها فصحيح تم استخفائهم عن أعين كفار وصناديد قريش؛ فالدعوة في مهدها.. تم استخفاء افراد منها ..
وإليك البيان :
٤ . ١ . ] نقرأ في :( مسند الإمام أحمد (https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=1&idto=26365&bk_no=6&ID=1) « ومن مسند بني هاشم (https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=1671&idto=3366&bk_no=6&ID=26)»؛ « حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسل-م » ؛ ج: (1) ؛ ص: (210)؛ حديث رقم : (1790)) .
:" حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ عَفِيفٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: „ كُنْتُ[(*)] امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ الْحَجَّ فَــ
أَتَيْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ لِأَبْتَاعَ مِنْهُ بَعْضَ التِّجَارَةِ[(1)] وَكَانَ امْرَأً تَاجِرًا فَــ
وَاللَّهِ إِنَّنِي لَعِنْدَهُ بِمِنًى[(2)]
إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ[(3)] قَرِيبٍ مِنْهُ فَــ
نَظَرَ إِلَى الشَّمْسِ فَلَمَّا رَآهَا مَالَتْ يَعْنِي قَامَ يُصَلِّي[(4)]
قَالَ
ثُمَّ
خَرَجَتْ امْرَأَةٌ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ[(3)] الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَقَامَتْ خَلْفَهُ تُصَلِّي
ثُمَّ
خَرَجَ غُلَامٌ حِينَ رَاهَقَ الْحُلُمَ مِنْ ذَلِكَ الْخِبَاءِ[(3)] فَقَامَ مَعَهُ يُصَلِّي
قَالَ
فَقُلْتُ لِلْعَبَّاسِ مَنْ هَذَا يَا عَبَّاسُ
قَالَ « هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي»
قَالَ
فَقُلْتُ مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ
قَالَ « هَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ »
قَالَ
قُلْتُ مَنْ هَذَا الْفَتَى
قَالَ « هَذَاعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ابْنُ عَمِّهِ‟»
قَالَ
فَقُلْتُ فَمَا هَذَا الَّذِي يَصْنَعُ[(5)]
قَالَ« „ يُصَلِّي..‟» ،
« „ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ[(6)]‟»،
« „ وَلَمْ يَتْبَعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى[(7)]‟»،
« „ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَيُفْتَحُ عَلَيْهِ كُنُوزُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ‟»..
قَالَ
فَكَانَ عَفِيفٌ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ يَقُولُ -وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ-
« لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الْإِسْلَامَ يَوْمَئِذٍ فَأَكُونُ ثَالِثًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-“».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
[(*)] وهناك رواية آخرى :" وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:" عَن يحيى بن عُفَيِّفٍ قَالَ: جِئْتُ زَمَنَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى مَكَّةَ، فَنَزَلْتُ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّقَتْ فِي السَّمَاءِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْكَعْبَةِ أَقْبَلَ شَابٌّ فَرَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ فَقَامَ مُسْتَقْبِلَهَا، فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَ غُلَامٌ فَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ، فـَــ لَمْ يَلْبَثْ حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا، فَــ رَكَعَ الشَّابُّ فَــ رَكَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَــ رَفَعَ الشَّابُّ فَــ رَفَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ، فَــ خَرَّ الشَّابُّ سَاجِدًا فَسَجَدَا مَعَهُ.
فَقُلْتُ: يَا عَبَّاسُ أَمْرٌ عَظِيمٌ!
فَقَالَ: أَمْرٌ عَظِيمٌ.
فَقَالَ: أَتَدْرِي مَنْ هَذَا؟
فَقُلْتُ: لَا.
فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ ابْنُ أَخِي.
أَتَدْرِي مَنِ الْغُلَامُ؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: هَذَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَلْفَهُمَا؟
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَةُ ابْنِ أَخِي.
وَهَذَا حَدَّثَنِي أَنَّ رَبَّكَ رَبَّ السَّمَاء والارض أَمَرَهُ بِهَذَا الَّذِي تَرَاهُمْ عَلَيْهِ،
وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ.


وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ:حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بن سوَادَة بن أَبى الْجَعْدِ،حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ وَأَبُو حَازِمٍ وَالْكَلْبِيُّ. قَالُوا: عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ تِسْعِ سِنِينَ. ".
--**--
التخريج :
[(1)] جاءت هذه اللفظة
- . :" لأبتاع مِنْهُ بعض التحف ". (انظر : ابن أبي خيثمة (https://al-maktaba.org/author/1212)؛ أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة (https://al-maktaba.org/book/5876)؛ ص: (182) )
وجاءت بلفظة آخرى - . :" لأَبتاعَ مِنهُ بَعضَ التِّجارَةِ " (انظر : [البخاري؛ التاريخ الكبير... بحواشي محمود خليل (https://al-maktaba.org/book/12823)؛ ج: (7) ص: ( 74)]
وداءت بلفظة - . :" فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ " . المصدر : (انظر : ابن كثير؛ السيرة النبوية (https://al-maktaba.org/book/930)؛ ج: (1) ؛ ص: (427)) .
[(2)] توجد إضافة [أَيَّامَ الْحَجِّ] لتوضيح المعنى من حيث الزمان . المصدر :(انظر : ابن كثير (https://al-maktaba.org/author/3)؛ السيرة النبوية (https://al-maktaba.org/book/930)؛ ج: (1)؛ ص: (427)) .
وأوضح ابن كثير نقلا عن ابن جرير أنه -أي عَفِيف الْكِنْدِيّ - كان :" أَنْظُرُ إِلَى الْكَعْبَةِ ".
فهو في مقابل الكعبة !! وهذا أوضح من رواية أنه كان في منى ...!!؟؟
[(3)] " خبأ ". - (انظر : ابن أبي خيثمة (https://al-maktaba.org/author/1212)؛ أخبار المكيين من تاريخ ابن أبي خيثمة (https://al-maktaba.org/book/5876)؛ ص: (182) ).
[(4)]. تِجَاهَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي، وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ. المصدر: (انظر : ابن كثير (https://al-maktaba.org/author/3)؛ السيرة النبوية (https://al-maktaba.org/book/930)؛ ج: (1)؛ ص: (427)) .
[(5)] فَقُلْتُ: يَاعَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ؟ إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ! المصدر: (انظر : ابن كثير (https://al-maktaba.org/author/3)؛ السيرة النبوية (https://al-maktaba.org/book/930)؛ ج: (1)؛ ص: (427)) .
أقسم فقال الْعَبَّاسُ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ:" وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ.".
[(6)] فَقَالَ: هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ، يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، المصدر : (انظؤ : ابن كثير (https://al-maktaba.org/author/3)؛ السيرة النبوية (https://al-maktaba.org/book/930)؛ ج: (1)؛ ص: (427)) .
[(7)] وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ.، المصدر : (انظر : ابن كثير (https://al-maktaba.org/author/3)؛ السيرة النبوية (https://al-maktaba.org/book/930)؛ ج: (1)؛ ص: (427)) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اقول(مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ الرَّمَادِيُّ) : الحديث جاء بروايات عدة مِن مصادر متعددة سأذكرها وبالفاظ تقترب من بعضها وإن أختلف مكانها... واشخاص الروايات جميعاً متفق عليهم
-*-*-
والشاهد :
قول البخاري في (التاريخ الكبير للبخاري ؛ بحواشي محمود خليل (https://al-maktaba.org/book/12823)؛ ج: (7) ص: ( 74)] :
" عَفيف، الكِندِيُّ. لَهُ صُحبَةٌ. ".
- قول العباس عم النبي عنه أنه :" يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ". يشعرك أن المسألة في بدايتها وأنهم -كفار وصناديد قريش عبدة الأوثان وسجاد الأصنام في بداية الدعوة لم ينزعج أحد منهم .. طالما المسألة لا تتعدى شخص أو أثنين أو ثلاثة ... دون التعرض لآلهتهم أو معتقداتهم أو ديانتهم(!) أو ما عندهم من قيم ومقاييس ومبادئ
- الشاهد الثاني من الرواية قول العباس عم النبي :" لَمْ يَتْبَعْهُ عَلَى أَمْرِهِ إِلَّا امْرَأَتُهُ وَابْنُ عَمِّهِ هَذَا الْفَتَى ".
- الشاهد الثالث :" قَالَ عَفِيفٌ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ- يَقُولُ -وَأَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ- لَوْ كَانَ اللَّهُ رَزَقَنِي الْإِسْلَامَ يَوْمَئِذٍ فَأَكُونُ ثَالِثًا مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِي َاللَّهُ عَنْهُ- ".
- ما قاله العباس عم النبي وأيضا ما قاله عفيف هو إخبار عن واقع حال .. ومدى العلم عندهما



- أضف لما سبق.. أنه -عليه السلام- كان يخبر من يدعوه في بدايات الدعوة في مكة المكرمة.. إذا وجد فيه تردد بأن يقول له -مَن يدعوه إلىٰ الإسلام- „اكتم ”
والله أعلم !




*(يُتْبَعُبِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ الرَّمَادِيُّ)
الأحد 22 من ذي الحجة ~ 1 أغسطس

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
14 / 08 / 2021, 32 : 06 PM
٦ . ] إتمام المجلد السادس
- فالحديث هنا عن الفرد الذي دعاه الرسول..
وكي أوضح ما أريد قوله نأتي بأمثلة :
﴿ « „ ٦. ١ . ‟ » ﴾:
"المسلمون الأوائل[([1])]:
كتب وذكر جُل العلماء فتقرأ :
" أخذ النبيُّ [ﷺ] يدعو إلىٰ الإسلام « „ سراً ‟» ، فكان رسول الله [ﷺ] في أول أمره يدعو إلىٰ الله -تعالى- « سرا مستخفيا »..
ثم
يأتي التبرير عند هؤلاء السادة العلماء بالقول : „ لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه وآمن به الشرُّ والأذىٰ من سفهاء قريش ، فيتعطل سبيل الدعوة”، [([2])]

« „ وهذا الفهم لا يستقيم مع الدعوة ومستلزماتها؛ وواقع الأحداث وتصرفات النبي المصطفى وتحمل الرعيل الأول من المؤمنين من أصناف العذاب لا يتفق مع تلك المقولة بأنه « „ لئلا يصيبه الشر والأذى ‟» وهذا ما يستلزم إعادة قراءة الأحداث والتصرفات وحسن أختيار الألفاظ وتراكيب الجمل: ...

﴿ « „ ٦. ٢ . ‟» ﴾: " تأصيل المسألة :
« „ ٦. ٢ . ١.‟» : روى الطبري عن عبدالله بن عبيدة قال : « مازال النبيّ [ﷺ] مستخفياًحتى نزلت { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } فخرج هو وأصحابه»[([3])] ، و
« „ ٦. ٢ . ٢.‟» : قال ابن الجوزي:« كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستر النبوة ويدعو إِلَى الإسلام سرا، وكان أَبُوبكر رضي اللَّه عنه يدعو أيضا من يثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه، فلما مضت من النبوة ثلاث سنين(*) نزل قوله عز وجل : { فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } ، فأظهر الدعوة»[([4])] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*):" جاء في الفصل الثالث من كتاب
[د. محمد الطيب النجار (المتوفى: 1411هـ)؛ القول المبين في سيرة سيد المرسلين؛ تعليق: عبدالسلام بن محمد بن عمر علوش، الناشر: دار الندوة الجديدة بيروت – لبنان]
٣ . ] " ٣ ".---الفصل الثالث:"
من بدء الدعوة إلى الهجرة النبوية
جاء ما نصه " وكانت الدعوة في مبدأ أمرها سرية تتم في الكتمان والخفاء،
حتى
لا يقاومها الأعداء وهي لم تزل في مهدها الصغير،
ثم
تطورت بعد ثلاثة أعوام من بدء الوحي، حينما نزلت الآية: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [( 1 )].
".
ثم علق علوش بقوله في الهامش:" [( 1 )] سورة الحجر، الآية 94.
وهذا القول هو قول أبي عبيدة بن عبدالله بن مسعود، كما في "المواهب" 1/ 222. وذكر أن نزولها كان بعد ثلاث سنين. وكذلك جاء التصريح بالمدة عند ابن الأثير في "الكامل" 2/ 40. وأسند ذلك ابن سعد 1/ 199 عن القاسم، وسنده مرسل وضعيف.
و.".لم أقف [الحديث لـ علوش] على سند صحيح، فيه كون الأمر بالجهر كان بعد ثلاث سنين.".
قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):" وقارئ السيرة في عدة مصادر ومعتمدة عند الكثير يقرأ ما ليس له سند صحيح؛ وهذه آحدى الجزئيات والتي تحتاج لتعميق بحث وجلاء قول ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
« „ ٦. ٢ . ٣.‟» : وقال المباركفوري : « كان من الحكمة تلقاء اضطهادات المشركين أن يمنع رسول الله[ﷺ] المسلمين عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا ، وألا يجتمع بهم إلا سرا ؛ لأنه إذا اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وربما يفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين . ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم ، فكان من الحكمة الاختفاء ، فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم ، وكان رسول الله [ﷺ] يجتمع مع المسلمين سرا ؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام ، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا . وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم ، فكان أن اتخذها مركزا لدعوته ، ولاجتماعه بالمسلمين»([5])]
قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"وما ذهب إليه المباركفوري جيد جداً وتعليل في محله أوضح ما قد غمض عند السابقين .
« „ ٦. ٢ . ٤.‟» : يقول المنجد : «كانت دار الأرقم بن أبي الأرقم أول مركز(!) دعوي إسلامي ، انطلقت منه الدعوة ، واجتمع فيه رسول الله[ﷺ] بالمسلمين يعلمهم ويزكيهم . ولا يحسن تسميتها بالمركز السري للدعوة . والله أعلم»...
قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"وقد احتاط المنجد في قوله وأحسن حين قال :"المركز السري". ولا يحسن تسميتها بالمركز السري". وهذا تنبيه جيد جدا يقوي ما قاله من قبل المباركفوري...
وقبل الحديث عن دار الأرقم بن أبي الأرقم يحسن التكلم عن
« „ ٦. ٣ . ‟»: ذكر إسلام السابقين الأولين واختلافهم في أول من أسلم[([6])]:
« „ ٦. ٣ . ١.‟» : نظر الله - سبحانه وتعالى -في قلوب العباد بعد قلب محمد [ﷺ] فوجد قلوب أصحابه -رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين- خير قلوبالعباد فجعلهم وزراء نبيه[([7])]
ومن الجميل أن نراجع أسماء العظماء الأوائل الذين دخلوا الإسلام في مرحلته الأولىٰ؛ حيث لم يكن له شوكة ولا قوَّة، ولا منافع تجنى أو تحصيل مصالح ولا خدمات إجتماعية أو مستوصف صحي أو دروس تعليمية لتقوية الطلاب أو ثقافية كما تفعل بعض الجماعات التي تتوشح عباءة الإسلام... ولم يسبقهم فيه الكثير حتىٰ يقتدوا بهم، إنما وجدوا الخير فيه فاعتنقوه، وقَبِلُوا بكل المتاعب التي يمكن أن يواجهوها نتيجة ذلك، فكانوا السابقين بحقٍّ، ولهم علىٰ كل مسلم جاء بعد ذلك أو مسلمة فضلٌ ومِنَّة.
وينبغي تقديم دراسة تفصيلية موثقة قدر الإمكان تستقصي أسماء السبعين السابقين الأولين في الإسلام، الذين أسلموا قبل إسلام حمزة وعمر -رضي الله عنهما- . [([8])]
وهذا مفصل هام في المرحلة والفترة أو العهد المكي.
-*--------*-
بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله[ﷺ]يدعو إلى الله - سبحانه وتعالى -وإلى الإسلام سرًّا، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته، وأصدقائه، وأقرب الناس إليه.[([9])]
وبتتبع المصادر نجد أن ابن إسحاق (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D9%82-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%A4%D8%B1%D8%AE%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9) ذكر ، وكذلك ابن سعد (https://islamstory.com/ar/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%B3%D8%B9%D8%AF-%D8%B5%D8%A7%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%AA)، بأسانيد ضعيفة أسماء الصحابة (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%85?page=6) والصحابيات (https://islamstory.com/ar/%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AA) الذين أسلموا في هذه الفترة المبكِّرة مِن عمر الدعوة([10])] وأيضا :"قائمة الذهبي في السابقين الأولين؛ فقد ذكر الذهبي (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%87%D8%A8%D9%8A)-رحمه الله-في تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء أسماء الخمسين الأوائل الذين دخلوا الإسلام، [وضعتُ معكوفة [] برقم قبل الاسم]، فقال: السابقون الأولون هم([11])]:".
كان أول من آمن بالنبي [ﷺ] من النساء، بل أول من آمن به علىٰ الإطلاق([12])
« [1] خديجة بنت خويلد »- رضى الله عنها -
فهي أول الناس إسلامًا وإيمانًا بالله ورسوله، فـ قيل أن رسول الله[ﷺ] صلى غداة يوم الاثنين وصلت خديجة آخر اليوم[([13])]؛ فـ السيدة خديجة -رضي الله عنها، كانت أول من استمع إلىٰ الوحي الإلهي من فم الرسول الكريم [ﷺ]، وكانت أول من تلا القرآن بعد أن سمعته من صوت الرسول العظيم [ﷺ]، وكانت كذلك أول من تعلم الصلاة[([14])] عن رسول الله [ﷺ]، فــ بيتها هو أول مكان تُلي فيه أول وحي نزل به جبريل علىٰ قلب المصطفىٰ الكريم [ﷺ] بعد غار حراء([15])[([16])]؛



وهذا ما يدعونا إلى النظر في بيوتنا؛ وكيفية تربية بناتنا ...

ثم تلاها
« [2] على بن أبى طالب بن عبدالمطلب[([17])]» -رضى الله عنه - وكان فى نحو العاشرة من عمره[([18])]، فــ
قيل أن رسول الله[ﷺ] صلى يوم الاثنين؛ وصلى علي بن أبي طالب يوم الثلٰثاء[([19])]؛ فقد ضم محمد[ﷺ] علياً لنفسه لكثرة عيال أبي طالب؛ فكان غلاماً قارب التسع سنوات [قول ثان]؛ فهو ثاني مَن أسلم مِن الناس؛ وأول مَن أسلم مِن الغلمان. فإسلامه وصلاته يوم الثلٰثاء وهو اليوم التالي لنزول جبريل[([20])]
قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):" وقد ذكرتُ أن أولَ صلاةٍ صلاها الرسول النبي بخديجة زوجه وابن عمه كانت تجاه الكعبة وقابل البيت الحرام وكانت صناديد قريش يرونه ولا يعترضون عليه .. طالما أنه لم يتعرض لآلهتهم أو أصنامهم أو حالتهم التي هم عليها من الشرك "...
ثم
« [3] زيد بن حارثة » [([21])]
متبنى رسول الله[ﷺ]؛ ويدعى زيد بن محمد؛ أول من أسلم مَن الذكور البالغين؛ مولى رسول الله[ﷺ] فهو أول من أسلم من الموالي،
ثم أسلم
« [4] أبو بكربن [(20)] [([22])]عبدالله بن عثمان أبي قحافة[([23])] :
نديم محمد؛ أول من أسلم من غير بيت النبي[ﷺ]؛ فهو أول من أسلم من الأحرار الذكور؛ سماه النبي[ﷺ]:
« عتيق النار »
فسمي:«عتيقاً»
[قلتُ وهناك رواية آخرىٰ عن التسمية؛ سأذكرها في مجلد «الشخصيات المحورية »]،
إن شاء الله تعالىٰ،
أما ابن إسحاق فإنه يقول :"أول مَن ذكر مِن الناس آمن بمحمد[ﷺ]
- علي بن أبي طالب -كرم الله تعالى وجهه وأرضاه-
ثم
- زيد بن حارثة؛
-أبوبكر الصديق وكان رجلا مألفًا لقومه، محببًا سهلا،
إسلام أبي بكر الصديق[([24])]رضي الله عنه:
كان أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- أول مَن آمن بالنبي [ﷺ]من الرجال الأحرار، والأشراف، فهو من أخص أصحاب رسول الله [ﷺ]قبل البعثة، وفيه قال رسول الله [ﷺ]: « ما دعوت أحدا إلىٰ الإسلام إلا كانت عنده كبوة، وتردد ونظر، إلا أبابكر، ما عكم([25]) حين دعوته ولا تردد فيه»([26])، فأبوبكر صاحب رسول الله [ﷺ]، وهو حسنة من حسناته [ﷺ]، لم يكن إسلامه إسلام رجل، بل كان إسلامه إسلام أمة [([27])]، فأسلم وأسلم بدعائه [([28])] وعلى يديه طائفة مِن كبار الصحابة[([29])]دعاهم أبوبكر وعددهم (9 أصحاب ثم سعد )، فاستجاب له صفوة من خيرة الخلق وهم[([30])]: أمثال:
« [5]عثمان بن عفان»[([31])]، و
كان في الرابعة والثلاثين مِن عمره[([32])].و
« [6] الزبير بن العوام» [([33])]،[([34])]؛ [([35])][([36])]
وكان في الثانية عشرة من عمره[([37])]، وقيل بل عمره 8 سنوات كما جاء في المجلد الأول.. فكتب الطرهوني يقول:" أسلم وعمره ست عشرة سنة اعتمادا علىٰ رواية هشام بن عروة عن أبيه؛ وفي المجلد الثاني رواية أبي الأسود عن عروة وهي أضبط، وعند الطرهوني قصة مفادها: أن صفية بنت عبدالمطلب؛ أم الزبير كانت تضربه ضرباً مبرحاً وهو يتيم، وتقول:" أضربه كي يلبي ويجر الجيش ذا الــجــلــب ".
فلما ضرب رجلا كبيرا قالت له صفية :
" كيف وجدت زبيرا : أأقطا حسبته(!!؟)؛أم تمرا أم مشمعلا صقرا(!!؟)"[([38])]
قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"وأجدني مضطرا للوقوف أمام السيد صفية وكيفية تربيتها للزبير.. ونراقب كيف تربي أمهات اليوم أطفالهن .. رجال الغد وأمهات المستقبل...
و
« [9]عبدالرحمن بن عوف»[([39])]،[([40])]؛
اسمه عبدعمرو فسماه الرسول : «عبدالرحمن»؛ أسلم في الثلاثين من عمره[([41])]و
« [7]سعد بن أبى وقاص »[([42])]،[([43])]]
وكان في السابعة عشرة من عمره[([44])].
روى الواقدي أن سعد بن أبي وقاص قال : « لقد أتىٰ عليَّ يوم واني لثالث الإسلام»[([45])][([46])]و
« [8] طلحة بن عبيدالله »[([47])].
وكان في الثالثة عشرة من عمره([48]).[([49])].
كان هؤلاء الأبطال الخمسة أول ثمرة من ثمار الصديق أبي بكر–رضي الله عنه-، دعاهم إلى الإسلام فاستجابوا، وجاء بهم إلى رسول الله [ﷺ]فرادى،فأسلموا بين يديه، فكانوا الدعامات الأولىٰ التي قام عليها صرح الدعوة، وكانوا العدة الأولىٰ في تقوية جانب رسول الله [ﷺ]، وبهم أعزه الله وأيده[([50])] فتمام هولاء النفر الثمانية الذين سبقوا بالإسلام[([51])]
ومضت الدعوة سرية وفردية علىٰ الاصطفاء،والاختيار للعناصر التي تصلح أن تتكون منها الجماعة المؤمنة، التي ستسعىٰ لإقامة دولة الإسلام ودعوة الخلق إلى دين رب العباد والتي ستقيم حضارة ربانية ليس لها مثيل[([52])].



* . ] الدفعة الثانية[([53])]:



جاء دور الدفعة الثانية، بعد إسلام الدفعة الأولىٰ، فأول من أسلم من هذه الدفعة[([54])]:
جاء عن عمرو بن عنبسة أنه قال : « كنت ثالثا؛ أو رابعا في الإسلام»[([55])] و
عن خالد بن سعيد بن العاص أنه قال : « كنت خامسا في الإسلام»[([56])]
وهذا دليلٌ يبين أن بعضهم كانوا لا يعرفون بعضاً؛ ولعل هذا حرصاً من النبي المصطفى[ﷺ] أن لا يتأذى آحد منهم .
وهذا ما قلته في البداية :" سرية التكتل!..
ثم أسلمت بعد هؤلاء طائفة أخرىٰ، وذكر ابن اسحاق (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D8%A8%D9%86-%D8%A5%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D9%82-%D8%B4%D9%8A%D8%AE-%D9%85%D8%A4%D8%B1%D8%AE%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%A9)، وكذلك ابن سعد (https://islamstory.com/ar/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D9%86-%D8%B3%D8%B9%D8%AF-%D8%B5%D8%A7%D8%AD%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%AA)، بأسانيد ضعيفة أسماء الصحابة (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%85?page=6) والصحابيات (https://islamstory.com/ar/%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D8%A7%D8%AA) الذين أسلموا في هذه الفترة المبكِّرة من عمر الدعوة[([57])]، فـ ممن سبق إسلامه[([58])] عدَّ منهم «ابن إسحاق» نحو خمسة عشر فردًا ما بين رجل وامرأة، هم:
« [10] أَبُوعُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ من بَنِي فِهْرٍ»[([59])]، و
« [11] أَبُوسَلَمَةَ عبدالله بْنُ عَبْدِالأَسَدِ بْنِ مَخْزُومِ» بن مرة ابن عمة رسول اللهصلى الله عليه وسلم (برة بنت عبدالمطلب)[([60])] دعاه أبو بكر للإسلام... وأخوه مِن الرضاع[([61])]،
« [12]وَ الأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الأَرْقَمِ » وعند الذهبي:" ابْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالله بن عمر المخزومي.". دعاه أبوبكر للإسلام... مِن بْنِي مَخْزُومِ[([62])]،[([63])]]وَ
« [13]عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ[([64])]من بَنِي جُمَحَ » الجمحي[([65])]، وَأَخَوَاهُ «قَدَامَةُ» وَ «عَبْدُاللهِ» ابْنَا مَظْعُونٍ، و
« [14] وَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنُ الْمُطَّلِبِ الْمُطَّلِبِيُّ. من بَنِي عَبْدِمَنَافٍ» و
« [15]سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ العدوي؛ من بَنِي عَدِيٍّ»،و
« [17]خَبَّابُ بْنُ الأَرَتِّ، الخزاعي، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ([66])؛[([67])]» .



* . ] الدفعة الثالثة : [([68])]



أسلم
« [18]عمير بن أبي وقاص » [([69])].[طرهوني: ( 599 ) ؛ ج: (2/ 64) أسلم وهو غلام صغير] أخو سعد بن أبي وقاص، ، و
« [19]عبدالله بن مسعود »، بن الحارث بن شمخ بن مخزوم بن هذيل،من حلفاء بني زهرة[([70])]، يقول :« لقد رأيتني سادس ستة ما علىٰ ظهر الأرض مسلم غيرنا » ، وأذكرُ هنا قول النبي محمد لابن مسعود :« إنك غلام معلم»؛ فمسح رأسي وقال :« بارك الله فيك». [([71])]و
« [20]مسعود ابن القارى » [([72])]، وهو مسعود بن ربيعة، بن عمرو، بن سعيد بن عبدالعزى، بن حمالة بن القارة؛ من البدريين[([73])]و
أسلم:« [21] سُلَيْطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِشَمْسٍ الْعَامِرِيُّ »، وأخوه؛ و
« [41]حاطب بن عمرو العامري »و
« [22]عياش بن أبي ربيعة (https://islamstory.com/ar/%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%B4_%D8%A8%D9%86_%D8%A3%D8%A8 %D9%8A_%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A9) بْنِ الْمُغِيرَةِ » الْمَخْزُومِيُّ، و
« [23] امرأته أسماء بنت سلامة » التميمية.،
« [27]جعفر بن أبي طالب » الهاشمي»[([74])]و
« [26] عَبْدُاللهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ » الأَسَدِيُّ، حليف بني أمية ؛ وأخوه «(أبو) أحمد بن جحش» و « واقد بن عبدالله» و
« [24] خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، و
« [25] عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ» العنزي، حليف آل الخطاب. و
« [37] نعيم بن عبدالله بن أسيد النحَّام العدوي» و
« [38] عامر بن فهيرة » [([75])] مولى أبي بكر،[([76])]و
« فهيرة » و
«أمه»، وكان عبدًا للطفيل بن الحارث بن سخبرة، فاشتراه الصديق وأعتقه، و «
[39] خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ بن عبدشمس بن عبدمناف بن قصي »، وامرأته
« [40] أُمَينة» وعند الذهبي: « أميمة » بنت خلف الخزاعية، و
« [42] أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبدشمس [العبشمي.]، و
« [43] واقد بن عبدالله بن عبدمناف » التميمي اليربوعي، حَلِيفُ بَنِي عَدِيٍّ، و
« [44] خَالِدُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي. و
« [45] وَأخوه عَامِرُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي. و
« [46] وَأخوه عَاقِلُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي.
« [47] وَأخوه إِيَاسُ بن البكير بن عبد ياليل » الليثي، حليف بني عدي ، و
« [48] عمار بن ياسر بن عامر » العنسي، حليف بني مخزوم بن يقظة، و
قال ابن هشام: عَنْسي من مَذْحج. و
دخل في الإسلام كذلك أمُّ عمَّار سمية بنت خياط، وأبوه ياسر، وبلال بن رباح الحبشي، وكان إسلامهما بعد إسلام بضعة وثلاثين رجلا[([77])]و
« [49] صهيب بن سنان، بن مالك » النمري، الرومي المنشأ، و ولاؤه لعبدالله بن جدعان. هو (سابق الروم). و
« [29] حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ » الجمحي،و
« [30] امرأته فاطمة بنت المجلل » العامرية، و
أخوه
« [31] خطاب بنُ الْحَارِثِ » الجمحي., و
«[32]امرأته «فُكَيهة بنت يسار » وأخوهما
« [33] مَعْمَر بن الحارث » الجمحي، و
« [34] السائب » ولد عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ،و
« [35]الْمُطَّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عبدعوف » الزهري.،و
امرأته « [36] رملة بنت أبي عوف » السهمية.، - رضى الله تعالى عنهم أجمعين –
ومن النساء[([78])]
بنات النبي[([79])] صلى الله عليه وسلم:
وكذلك سارع إلى الإسلام بنات النبي صلى الله عليه وسلم، كل من
« زينب »،و
« أم كلثوم »،و
« فاطمة »و
« رقية » و
« [28] أسماء بنت عميس » الخثعمية امرأة جعفر ابن أبي طالب[([80])] و
« فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ من بَنِي عَدِيّ» [([81])] أخت عمر بن الخطاب[([82])]، امرأة سعيد بن زيد بن عمر، و
« [16] أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ[([83])][و
« أم رومان » ز وج أبي بكر، وَ
« عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ »،
وَهِيَ يَوْمئِذٍ صَغِيرَةٌ[([84])]؛ و
عائشة ولدت بعد البعثة بدليل قولها -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- عن نفسها :« لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ.». و
مَعْنَى (يَدِينَانِ الدِّينَ) تَعْنِي: مُسْلِمَيْنِ، وَوَلَدَتْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- فِي الْإِسْلَامِ؛ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ ، ثَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ عُقَيْلٍ ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: » لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ»[([85])]...
فكان إسلام هؤلاء في ثلاث : ﴿٣ ﴾: سنين ورسول الله[ﷺ]يدعو في خفية قبل أن يدخل دار أرقم بن أبي الأرقم[([86])]وكان ذلك فى مرحلة الدعوة السرية[([87])][(!!!)].
واستمرَّت الدعوة السرية، ودخل في الإسلام آخرون وآخرون...
نَعَمْ تسير الدعوةُ بمعدل بطيء نسبيًّا، ولا يعرف بها عامَّة الناس بعدُ؛ ولكن هذا الاستخفاء كان ألزم في هذه المرحلة كما بيَّنَّا قبل ذلك.
يخبرنا عمَّار بن ياسر -رضي الله عنه- [بقول فيه بيان للحال والواقع المشاهد] فيقول:« رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُوبَكْرٍ»[([88])]،
ومن السابقين إلى الإسلام:
« [50] أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة »، وأخوه أنيس، وأمه([89]).
« [51] وأبو نجيح عمرو بن عبسة (https://islamstory.com/ar/%D8%B9%D9%85%D8%B1%D9%88-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%B3%D8%A9) » السلمي البجلي، لكنهما -أي أبو ذرٍّ وعمرو- رجعا إلى بلادهما.[([90])]
قمتُ -بعون من الله تعالىٰ؛ والحمد لله رب العالمين- بعرض أسماء الأوائل مِن مَن أمن بالله ربا واحدا وخلع الأوثان مِن عقولهم وكسر الأصنام في أذهانهم؛ لأهمية معرفة هذه المرحلة الصعبة من حياة الرسالة الخالد : فــ


هؤلاءالخمسون الذين عدهم الذهبي من السابقين الأولين: وبعدهم أسلم:
- أسد الله حمزة بن عبدالمطلب (https://islamstory.com/ar/%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%AD%D9%85%D8%B2%D8%A9-%D8%A8%D9%86-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B7%D9%84%D8%A8)،و
- الفاروق عمر بن الخطاب (https://islamstory.com/%D8%B9%D9%85%D8%B1-%D8%A8%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B7%D8%A7%D8%A8/)،
عز الدين، رضي الله عنهم أجمعين [([91])]
[3] الذهبي: تاريخ الإسلام 3/261-263، وسير أعلام النبلاء 1 /144، 145.
و
من هنا يبدء فصل جديد من الفصول التي مرت على مراحل الدعوة.
* . ] استدراكات :
١ . ] لكن تتبقى مسألة شُبة اثارها مَن اراد أن يطعن في الإسلام - كمايقول بعض الباحثين في السيرة-: " أن السابقين الأولين إلى الإسلام إنهم من حثالة الناس، أو من الأرقاء الذين أرادوا استعادة حريتهم أو ما شابه ذلك ".
و
هذه الشبهة سوف بإذنه تعالى سنرد عليها في باب خاص .
قلتُ(الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ):"في خطة البحث -إن شاء الله تعالى ويسر وأعان وبتوفيقه ورعايته- سأخصص بحوث متعلقة بالرد على شبهات المستشرقين -وغالبيتهم من اليهود والنصارىٰ- للطعن في الدين وهدمه وليس كبحوث علمية نزيهة عن الغرض وبعيدة عن الهوى...
٢ . ] أما المسألة الثانية فهي أن الذهبي كما بحث د. السرجاني ذكر خمسين صحابيا وصحابية من الأوائل؛ عند حساب من ذكرهم -رحمه الله تعالى وغفر له- وجدناه [الحديث يعود إلى د. السرجاني] يتجاوز الخمسين صحابيًّا وصحابية بواحد، فصار العدد عنده واحدًا وخمسين، وقد اعتبر الذهبي -رحمه الله- أن السابقين الأولين هم مَنْ أَسْلَم قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، و د. السرجاني يتفق معه في هذا التوصيف؛ لأن المرحلة الدعوية تغيَّرت بعد إسلام البطلين حمزة وعمر -رضي الله عنهما-، وهذا سنشرحه بالتفصيل بعد ذلك إنشاء الله، و
لكني أختلف[الحديث مازال لفضيلة الدكتور السرجاني] مع الذهبي رحمه الله في الأسماء التي شملتها هذه القائمة؛ حيث خلت من كثير من الأسماء التي نعرف أنها كانت من الثُّلَّة الأولى التي اعتنقت الإسلام في هذه الفترة، وبالتالي فهم من السابقين الأولين.
وقد تناول د. السرجاني ذكر بعضها فيما يأتي، و
قلتُ[الرمادي]وقد تحدثت عن بعضهم ونشره الموقع -أهل العلم- ويصعب الآن الإحصاء الكامل على عجل؛ فالأمر يتطلَّب دراسة خاصة مستفيضة:
أولاً: « „ زينب‟» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ذكرتها -رضي الله عنها هنا في هذا البحث]
ثانيًا: « „ السيدة رقية (https://islamstory.com/ar/%D8%B1%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D9%86%D8%AA-%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87)‟» بنت رسول اللهﷺ،[ذكرتها-رضي الله عنها هنا في هذا البحث] وتزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ثالثًا: « „أم كلثوم (https://islamstory.com/ar/%D8%A3%D9%85_%D9%83%D9%84%D8%AB%D9%88%D9%85_%D8%A8 %D9%86%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A_%D8%B5 %D9%84%D9%89_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B9%D9%84 %D9%8A%D9%87_%D9%88%D8%B3%D9%84%D9%85)‟» بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. [ذكرتها-رضي الله عنها هنا في هذا البحث]
أما « „ فاطمة الزهراء (https://islamstory.com/ar/%D9%81%D8%A7%D8%B7%D9%85%D8%A9_%D8%A8%D9%86%D8%AA_ %D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87) ‟» رضي الله عنها فكانت صغيرة جدًّا عند أول البعثة، وبالتالي فقد نشأت على الإسلام، ولم تعاصر الجاهلية.
رابعًا: « „ بلال بن رباح (https://islamstory.com/ar/%D8%A8%D9%84%D8%A7%D9%84_%D8%A8%D9%86_%D8%B1%D8%A8 %D8%A7%D8%AD)‟» الحبشي رضي الله عنه[ذكرته -رضي الله عنه هنا في هذا البحث]، وهو لا شكَّ من السابقين للإسلام، وقد ذكر عمرو بن عبسة رضي الله عنه في قصة إسلامه في صحيح مسلم أن بلالاً كان حينها على الإسلام، فقال وهو يحكي حواره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قُلْتُ لَهُ: «فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟»؛قَالَ: « حُرٌّ، وَعَبْدٌ». قَالَ: «وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو بَكْرٍ، وَبِلاَلٌ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ» [(96)] [مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب إسلام عمرو بن عبسة، (832)، والنسائي(1560)، وابن ماجه (1364)، وأحمد (17059).)].
فإذ ا كان الذهبي رحمه الله قد ذكر عمرو بن عبسة رضي الله عنه من السابقين، فكان ينبغي له أن يذكر بلالاً كذلك لأنه يسبقه حتمًا.
خامسًا: « „ مصعب بن عمير (https://islamstory.com/ar/%D9%85%D8%B5%D8%B9%D8%A8_%D8%A8%D9%86_%D8%B9%D9%85 %D9%8A%D8%B1)‟» رضي الله عنه،[ذكرته -رضي الله عنه هنا في هذا البحث] وهو من أشراف بني عبدالدار، وإسلامه مبكر جدًّا.
سادسًا: « „أم سلمة (https://islamstory.com/ar/%D8%A3%D9%85_%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A9_%D9%87%D9%86 %D8%AF_%D8%A8%D9%86%D8%AA_%D8%A3%D8%A8%D9%8A_%D8%A 3%D9%85%D9%8A%D8%A9_%D8%A3%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%8 5%D8%A4%D9%85%D9%86%D9%8A%D9%86)‟» رضي الله عنها، وهي هند بنت أبي أمية المخزومية، وتزوَّجت أبا سلمة بن عبدالأسد رضي الله عنه، وأنجبت له سلمة، وبه تُكَنَّى، ثم تزوَّجت لاحقًا -بعد موت زوجها- من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصارت أمَّ المؤمنين، وهي من اللاتي هاجرن إلى الحبشة (https://islamstory.com/ar/%D9%87%D8%AC%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8% D8%B4%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89) قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما.
سابعًا: « „ عتبة بن غزوان (https://islamstory.com/ar/%D8%B9%D8%AA%D8%A8%D8%A9_%D8%A8%D9%86_%D8%BA%D8%B2 %D9%88%D8%A7%D9%86_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B2% D9%86%D9%8A)‟» رضي الله عنه، وهو الذي قال: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا طَعَامُنَا إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ [الحُبْلة: ثمر يشبه اللُّوبِيَاء وقيل هو ثمر العِضَاه.)]،حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا"[ مسلم:كتاب الزهد والرقائق، (2967). ) ].[(98)].
ثامنًا: « „ أمرومان‟» رضي الله عنها، [ذكرتها-رضي الله عنها هنا في هذا البحث] زوجة الصديق رضي الله عنه.
تاسعًا: « „ عبدالله بن أبي بكرالصديق (https://islamstory.com/ar/%D8%B9%D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A8 %D9%86_%D8%A3%D8%A8%D9%8A_%D8%A8%D9%83%D8%B1)‟» رضي الله عنه.
عاشرًا: « „ ياسر بن مالك‟» رضي الله عنه، أبو عمار بن ياسر رضي الله عنه، وهو أول شهيد في الإسلام.
حادي عشر: « „ سمية بنت خياط‟» رضي الله عنها،[ذكرتها -رضي الله عنها هنا في هذا البحث] أم عمار بن ياسر رضي الله عنه، أول شهيدة في الإسلام؛ فعَنْ عبدالله بن مسعود (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D9%8A_%D8%B9% D8%A8%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%A8%D9%86_ %D9%85%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF) رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلاَمَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلاَلٌ، وَالْمِقْدَادُ»[(99)] . [ابن ماجه (150)، وأحمد (3832)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن. وابن حبان (7083)، والحاكم (5238)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وقال البوصيري: هذا إسناد رجاله ثقات. انظر: مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه 1 /23، وحسنه الألباني، ]. ونلحظ فيهم بلالاً رضي الله عنه، وذكرته منذ قليل في السابقين، ولم يذكره الذهبي رحمه الله.
ثاني عشر: « „ المقداد بن عمرو ‟» رضي الله عنه، وهو المعروف بالمقداد بن الأسود (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%AF%D8%A7%D8%AF_%D8%A8% D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D9%88%D8%AF)، وهو من الذين ذكرهم ابن مسعود رضي الله عنه -كما تقدَّم- في السبعة الذين أظهروا إسلامهم أولاً.
ثالث عشر: « „ زنيرة ‟» رضي الله عنها مولاة بني مخزوم أو بني عبدالدار، وهي من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه مبكرًا جدًّا. [ذكرتها -رضي الله عنها في المجلد الخامس]
رابع عشر: « „ النهدية ‟» رضي الله عنها، وهي -أيضًا- من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه.
خامس عشر: « „ ابنة النهدية‟» رضي الله عنها، ولا نعرف اسمها، وهي كذلك من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه.
سادس عشر: « „ أم عبيس‟» رضي الله عنها، وهي -أيضًا- من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه، وكانت جارية لبني تيم. [لم أذكرها -رضي الله تعالى عنها]
سابع عشر: « „ جارية بني مؤمل‟» رضي الله عنها،[ذكرتها -رضي الله عنها في المجلد الخامس] وهي -أيضًا- من الجواري اللاتي أعتقهنَّ الصديق رضي الله عنه، ولا نعرف اسمها، وهي التي ذُكِر -بسند ضعيف- أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُعَذِّبها قبل إسلامه.
ثامن عشر: « „ ليلى بنت أبي حثمة ‟» رضي الله عنها زوجة عامر بن ربيعة رضي الله عنه، ولها موقف في السيرة سنأتي عليه بإذن الله، وهو موقفها مع عمر رضي الله عنه قبل إسلامه.
تاسع عشر: « „ سهلة بنت سهيل بن عمرو ‟» رضي الله عنها، وهي زوجة أبي حذيفة بن عتبة رضي الله عنه، وهاجرت إلى الحبشة قبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وذكر الذهبي رحمه الله زوجها أبا حذيفة في السابقين، وهو كذلك.
يصل د. السرجاني بعد نهاية بحثه بالقول : « فهذه تسعة عشر اسمًا أسلموا قديمًا، وقبل إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما، وهم بذلك من السابقين الأولين الذين أسلموا في المرحلة السرية(!)، ولهم قصص مشهورة » تحدثت عن بعضها وسوف نتعرَّض لبعضها بإذن الله تعالى.
ويقول د. السرجاني: « هناك أسماء أخرى كثيرة تحتاج إلى دراسة لتحقيق ما إذا كانت قد أسلمت في هذه الفترة أم تأخَّر إسلامها لما بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما؛ مثل:

« „ أبي أحمد بن جحش‟» ، و
«„ أبي سبرة بن أبي رهم‟» ، و
«„ أم حبيبة بنت أبي سفيان (https://islamstory.com/ar/%D8%A3%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D9%85%D9%86% D9%8A%D9%86_%D8%B1%D9%85%D9%84%D8%A9_%D8%A8%D9%86% D8%AA_%D8%A3%D8%A8%D9%8A_%D8%B3%D9%81%D9%8A%D8%A7% D9%86).» ، و
«„ أمينة بنت خلف ‟» ، و
«„ عمرو بن سعيد‟» ، و
«„ عتبة بن مسعود‟» ، و
«„ قدامة بن مظعون‟» ، و
« „ عبدالله بن مظعون‟» ، و
«„ هشام بن العاص‟» ، و
«„ عبدالله بن حذافة‟» ، وغيرهم،
رضي الله عنهم جميعًا،
فهؤلاء كلهم من المسلمين الأوائل؛ لكن لا أدري إن كان إسلامهم في هذه المرحلة المبكرة من الدعوة، أم أسلموا بعد إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما.
فهؤلاء التسعة عشر بالإضافة إلى الواحد والخمسين في قائمة الذهبي رحمه الله يعطوننا سبعين اسمًا من السابقين الأولين...
يخلص د. السرجاني إلى القول أنه : « يرى أن دراسة حياة هؤلاء السبعين تحتاج منا إلى جهد خاص وكبير؛ لأن تكوينهم كان فريدًا، وأثرهم كان عظيمًا، ويُضاف إليهم الصحابة (https://islamstory.com/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%85?page=6) الذين يظهر بالتحقيق أنهم أسلموا في هذه الفترة، ولا أشكُّ في أننا سنخرج عند دراسة سيرهم، وقصص حياتهم، بفوائد لا تحصى، وبتوجيهات مباشرة تُسهم في بناء الأمة الإسلامية»[([92])].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
وَاللَّهُ- تَعَالَىٰ ذِكْرُهُ -أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّه رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ ، وَعَلَىٰ آلِه و صَحْبِهِ وَسَلَّمَ
سلسلة بحوث
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
أعد هذاالملف : د. مُحَمَّدُفَخْرُالدينِ؛ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى–
Dr.MUHAMMADELRAMADY
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٣ من السنة الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ -هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين- السبت: ٥ محرم ~ 07 نوفمبر من سنة الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.2021 م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
22 / 08 / 2021, 36 : 04 PM
https://scontent-vie1-1.xx.fbcdn.net/v/t39.30808-6/236086406_1028769354562480_5119710326782896881_n.j pg?_nc_cat=103&ccb=1-5&_nc_sid=730e14&_nc_ohc=gXMjkqqoCIIAX9fAxF5&_nc_ht=scontent-vie1-1.xx&oh=0a06ccff071cfc22517d700d0b93e351&oe=61275FC6

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
31 / 08 / 2021, 17 : 09 PM
http://1.bp.blogspot.com/_tQEq4bbukTI/S3pG_zsF-jI/AAAAAAAABZY/LtVRDc6gQQw/S910-R/00910.gif

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
04 / 09 / 2021, 58 : 12 AM
﴿ « „ ٩٠ ‟ » ﴾
[ ٢ . ] الْبَحْثُ الثَّانِي(*) : „ دُّورٌ عَلَىٰ الْحَقِّ”
﴿ „ ٢ . ١ . ”﴾. " المرحلة الفردية " بَدْو دعاء رسول الله[ﷺ] الناس إلى الإسلام: وهذا تقريباً في حدود السنة 11 ق. هـ ~ 611 م .
في أطوار دعوته[.(1).] [ﷺ]- مرت بــ
ثلاثة مراحل:
١ . ]: الأولىٰ منها: المرحلة الفردية:
بعد نزول آيات المدثر قام رسول الله - ﷺ - يدعو إلىٰ الله - سبحانه وتعالى - وإلىٰ الإسلام سرًّا[.(2).]؛
فــ
كان الأمر بالدعوة في بدايتها يشمل اصطفاء النبي [ﷺ] وانتخابه للرعيل الأول الذي يستطيع كتمان السر ودعوته كانت بلين وخفاء حتىٰ لا تشتعل مكة التي تحتفظ بجاهليتها كاملة عبر قرون مِن الشرك وتبديل دين إبراهيم الخليل؛ أبي الأنبياء -عليه السلام-، فتعجيل المواجهة - قد يترتب عليها نوع من الاحتكاك أو أنواع من المصادمة -؛ والجهر بالدعوة في هذا الوضع - قد ينتج عنه رد فعل متسرع ومدمر مِن الرافضين -؛ وبالتالي فالمفسدة المتوقعة راجحة، وهنا لزم الأمر الكثير مِن التأني والحيطة والفراسة في انتخاب مَن يحمل هذه الأمانة العظيمة في بدايتها، واستمر هذا الوضع لثلاث سنوات كاملات [وهذا التقدير علىٰ الترجيح]، يبني فيها رسول الله [ﷺ] شخصيات الرعيل الأول : النفسية منها؛ والعقلية؛ ويسعىٰ لتكوين اللبنة الأولىٰ في صرح الإسلام؛ الدين الجديد؛ بكل معنىٰ هذه الكلمة مِن أفكار وقيم جديدة ومفاهيم وقناعات ومقاييس ومبادئ لم تكن موجودة في المجتمع المكي؛ بل وغريبة عند قريش؛ مثالاً علىٰ ذلك هيئة الصلاة؛
فَــ :" كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : أَكْرَهُ أَنْ أَسْجُد َفَتَعْلُونِي اسْتِي.
و
الخالق سبحانه قَالَ :{ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&searchKey=NjTedbqazb2qzFCvOHb$&ID=182&flag=1&bk_no=44&RecID=7&srchwords=%C7%D3%CA%ED&R1=1&R2=0&hIndex=#docu) } وَهُوَ مِمَّا كَانَ يَأْنَفُ مِنْهُ الْمُشْرِكُونَ الْمُتَكَبِّرُونَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ[.(3).]،
و
ايضاً يؤسس[ﷺ] القاعدة البشرية الصلبة التي ستحمل معه [ﷺ] علىٰ أكتافها البناء الشاهق المرتفع، وهذه الفترة... وهذا الصبر فيه إشارة مع تنبيه إلىٰ كل متعجل أو متسرع في البناء الدعوي أن تأنىٰ وتمهل حتىٰ تأتي الدعوة ثمارها[.(4).].
وأوضح مثال علىٰ ذلك ما ذكره ابن إسحاق في السيرة :[.(5).] عند ذكر أول مَن أسلم، ثمَّ ذكر مُتَقَدِّمي الاسلام مِن الصَّحَابَة وَغَيرهم،
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ:" ثُمَّ إِنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ [أي : بعد بعثته[ﷺ] بِيَوْمٍ وَهُمَا [يعني : النبي وزوجه] يُصَلِّيَانِ،
فَقَالَ عَلِيٌّ: « يَا مُحَمَّد مَا هَذَا؟»
قَالَ: «„ دين الله اصْطَفَىٰ لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ فَأَدْعُوكَ إِلَىٰ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى”».
فَقَالَ عَلِيٌّ: « هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ، فَلَسْتُ بِقَاضٍ أَمْرًا حَتَّى أُحَدِّثَ بِهِ أَبَا طَالِبٍ».
فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُفْشِيَ عَلَيْهِ سَرَّهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَعْلِنَ أمره.
فَقَالَ لَهُ: «„ يَا على إِذْ لَمْ تُسْلِمْ...
وفي رواية : [( إِذْ لم تسمع)] فَاكْتُمْ”».
فَمَكَثَ عَلِيٌّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ أَوْقَعَ فِي قَلْبِ عَلِيٍّ الْإِسْلَامَ، فَأَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّىٰ جَاءَهُ فَقَالَ: « مَاذَا عَرَضْتَ عَلَيَّ يَا مُحَمَّدُ؟ »
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «„ تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شريك لَهُ وَتَكْفُرُ بِاللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَتَبْرَأُ مِنَ الْأَنْدَادِ ”»...
فَفَعَلَ عَلِيٌّ وَأَسْلَمَ، وَمَكَثَ يَأْتِيهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِنْ أَبِي طَالِبٍ، وَكَتَمَ عَلِيٌّ إِسْلَامَهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ[.(6).] ".
- " وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ:« أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَدِيجَةُ، وَأَوَّلُ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا أَبُوبَكْرٍ وَعَلِيٌّ، وَأَسْلَمَ عَلِيٌّ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ خَوْفًا مِنْ أَبِيهِ، حَتَّىٰ لَقِيَهُ أَبُوهُ قَالَ: «أَسْلَمْتَ؟» قَالَ: «نَعَمْ».
قَالَ: « وَآزِرِ ابْنَ عَمِّكَ وَانْصُرْهُ[.(7).]».".
ومن هذا المثال؛ يوضح تماماً ما قصدت من التعبير الذي استخدمته من قبل حين تحدثتُ عن „ سرية التكتل ‟ ؛ و „ علنية الدعوة ‟!
-*/-*
﴿ «٢ . ٢ . » ﴾: “الدعوةالسرية”:
كان النبى- ﷺ- يعلم تمام العلم عناد «قريش» -علىٰ عمومها؛ إلا قليلاً - وكبرياءها وإصرارها علىٰ التمسك بالقديم، واعتزازها بآبائها وأجدادها وعبادتها للأصنام؛ وتمسكها بالأوثان والأزلام، لذا فلن تُسلِّم بسهولة، أو تذعن لدعوته، بل ستقاومه حتىٰ آخر سهم في جعبتها، لأنها اعتقدت أن الإسلام يهدد مصالحها الحيوية ويقضي علىٰ سيطرتها الفعلية علىٰ «مكة» وما حولها، ولو علمت أن الإسلام - الدين الجديد - سيجعلها سيدة العالم ما قاومته لحظة واحدة ولرحَّبت بدعوته.
" أدرك النبى -صلى الله عليه وسلم - ذلك تماماً، فقرَّر أن تكون دعوته لدينه سرا فى بادئ الأمر، وكان طبيعيًا أن يبدأ بأهل بيته[.(8).] وفي دعوة أصدقائه وأقرب الناس إليه[.(9).]؛ ومَن يأنس فيهم خيرًا واستعدادًا لقبول الحق والهُدى، ممن يعرفهم ويعرفونه، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح[.(10).]، فآمن به - إلىٰ جانب مَن ذكرتُ - عدد من رجالات «قريش» ونسائها، وطائفة مِن العبيد والفقراء والضعفاء الذين رأوا في الدين الجديد الخلاص مما هم فيه مِن شقاء وبؤس، مثل: «بلال بن رباح»، و «صهيب الرومى»، و «آل ياسر»، فأجابه مِن هؤلاء الذين لم تخالجهم ريبة قط في عظمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجلالة نفسه، وصدق خبره ـ جَمْعٌ عُرِفوا في التاريخ الإسلامى بــ
« السابقين الأولين »[.(11).] "وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - يجتمع بمن أسلم سرا فى دار «الأرقم بن أبى الأرقم» يتلو عليهم آيات القرآن الكريم المنزل أول بأول، ويعلمهم شرائع الإسلام، وكان الوحي يبين لهم جوانب شتىٰ مِن التوحيد والربوبية والألوهية، ويرغبهم في تزكية النفوس، ويحثهم علىٰ مكارم الأخلاق، ويصف لهم الجنة والنار كأنهما رأي عين، ويعظهم فيرشدهم بمواعظ بليغة تشرح الصدور وتغذي الروح، وتحدو بهم إلىٰ مناخ آخر غير الذي كان فيه المجتمع البشري آنذاك[.(12).]‏".
واستمرت هذه الدعوة السرية نحو ثلاث سنوات، ازداد فيها عدد المسلمين زيادة يسيرة. ولقد تكلمتُ عنهم في المبحث الأول -السابق- من المجلد السادس؛ نشر موقع -ملتقىٰ أهل العلم- فليراجع هناك.



روى عبدالرحمن بنالقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي عن أبيه « أن رسول الله[ﷺ] كان يدعو مِن أول ما أنزلت عليه النبوة ثلاث سنين مستخفياً »[.(13).].
قلت(الرَّمَادِيُ): ويصلح هذا الأثر أن نعتمد هذا الدليل في تحديد المدة بــ ثلاث سنين!
*.] " إِسْلَامُ «السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ» وصلاتهم:
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ ، خَرَجَ إِلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ فَيُصَلِّيَانِ فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا طَالِبٍ عَبَرَ عَلَيْهِمَا وَهُمَا يُصَلِّيَانِ ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : „يَا ابْنَ أَخِي مَا هَذَا ؟”،
قَالَ :«„ أَيْ عَمِّ هَذَا دِينُ اللَّهِ؛ وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَدِينُ إِبْرَاهِيمَ، بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولًا إِلَىٰ الْعِبَادِ، وَأَنْتَ أَيْ عَمِّ أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِيحَةَ وَدَعَوْتُهُ إِلَىٰ الْهُدَى، وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي وَأَعَانَنِي”».
فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: „أَيِ ابْنَ أَخِي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ”، وَلَمْ يُكَلِّمْ عَلِيًّا بِشَيْءٍ يَكْرَهُ، فَــ زَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ :„أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَدْعُكَ إِلَّا إِلَىٰ خَيْرٍ فَاتَّبِعْهُ”[.(14).]".
ومما يشار إليه هنا أيضا الدور الذي قامت به الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- في نشر الدعوة في مهدها[.(15).] ... فــــ
قال يعقوب بن عتبة : «كان أبوبكر.. وعثمان.. وسعيد بن زيد.. وأبوعبيدة بن الجراح يدعون إلىٰ الإسلام سراً »[.(16).].



تَذْكُرُ كتب السِّيرة أنَّ اتِّخاذ « دار الأرقم » مَقَراً لقيادة الرَّسول صلى الله عليه وسلم كان بعد المواجهة الأولىٰ الَّتي برز فيها سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه-[.(17).]...
قال ابن إسحاق: «وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلُّوا؛ ذهبوا في الشِّعاب، فاستخفَوا بصلاتهم من قومهم، فبينما سعد بن أبي وقَّاص -رضي الله عنه- في نفرٍ من أصحاب رسول الله [ﷺ] في شِعْبٍ من شِعاب مكَّة؛ إذ ظهر عليه نفرٌ من المشركين؛ وهم يصلُّون، فناكَرُوهم. وعابوا عليهم ما يصنعون حتَّىٰ قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ رجلاً من المشركين بِلَحي بعيرٍ، فشجَّه فكان أوَّل دمٍ أُريق في الإسلام»[.(18).][.(19).].
-*/-*
« دَارَ الْأَرْقَمِ » : « دَّارُ الْإِسْلَامِ »
الدَارُ التي استتر رسول الله[.(20).] وكان يَدْعُوَ [ﷺ] النَّاسَ فِيهَا إِلَىٰ الْإِسْلَامِ[.(21).]،
(*)" قَالَ ابْنُ عُمَرَ روايةً عَن عَمَّار بْنُ يَاسِرٍ أنه ألَتقِىٰ بــصُهَيْبٍ بْنَ سِنَانٍ عَلَىٰ بَابِ دَارِ الْأَرْقَمِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا... وأَرَدْا أَنْ يدْخُلا عَلَىٰ مُحَمَّدٍ، ليَسْمَعَا كَلَامَهُ... فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ...فَعَرَضَ عَلَيْهما الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْنَا، ثُمَّ مَكَثْنَا يَوْمَنَا عَلَىٰ ذَلِكَ حَتَّىٰ أَمْسَيْنَا، ثُمَّ خَرَجْنَا وَنَحْنُ « „ مُسْتَخْفُونَ ”»[.(22).]".
وهنا موضع الشاهد : « الاستتار والاختفاء عن أعين مَن يخالفونهم في العقيدة والإيمان والعبادات والمعاملات والأخلاق؛ وهي مرحلة دقيقة استمرت وفق مصادر السيرة ما يقترب مِن ثلاث سنوات؛ بيد أن بعض مصادر السيرة تبين أنه بداية الرابعة قام الرسول الكريم بأمر من ربه بالصدع؛ وهي مرحلة دقيقة آخرىٰ تكاد تكون أشد وطأة من الأولىٰ؛ إذ فيها سيتم المواجهة والمكاشفة والإعلان والتبيان للدين الجديد وحتما سيتم مصادمة مع مَن يرفض هذه الكتلة مِن القيم وتلك المجموعة من المفاهيم وتلك الحزمة من الأفكار والمقاييس والمبادئ؛ مع إقرارهم أنه[ﷺ] الصادق الأمين» .
قلت(الرَّمَادِيُّ) : وهنا التناقض في حكم هؤلاء على نفس الإنسان[ﷺ]!!!
نعود مرة ثانية للمرحلة الأولىٰ من سير الدعوة الإسلامية في مكة... ولعلَّنا نلاحظ أن الأسماء السابقة -المذكورة في المجلد السادس؛ المبحث الأول- شملت رجلين من بني مخزوم؛ هما:
- أبوسلمة بن عبدالأسد، و
- الأرقم بن أبي الأرقم..
وهذا أمر لافت للنظر؛ لأن قبيلة بني مخزوم تتنازع لواء الشرف مع قبيلة رسول الله [ﷺ] بني هاشم، فهذا يدلُّ علىٰ أمرين جليلين: أما
- الأول فهو جرأة حملة الدعوة المسلمين في إيصال دعوتهم لمن يَرَوْنَ أنه أهلٌ لها، ولمن يُتَوَقَّع منه الاستجابة، حتىٰ لو كان من عقر دار المنافسين،
والأمر
- الثاني هو صدق الإيمان في قلبي أبي سلمة و الأرقم، واللذين لم يمتنعا عن قبول اعتناق دينٍ أتى علىٰ يد رجلٍ من قبيلة يناصبونها العداء لسنوات وسنوات، وهذا يعطينا فكرة عن طبيعة هذه المجموعة الجليلة التي بُنِيَ الإسلام علىٰ أكتافها ".
قلت(الرَّمَادِيُّ) ولنقارن بين حال أمثال هؤلاء السادة العظماء وأحوال المسلمين اليوم !
فهي الدار التي كان رسول الله محمد [ﷺ] يجتمع فيها مع اوائل المسلمين -صحابته - في مكة المكرمة في بداية دعوته، فـ :" أصبحت دار الأرقم مركزاً جديداً للدَّعوة يتجمَّع فيه المسلمون، ويتلقَّون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ جديدٍ من الوحي[.(23).]، وكانوا يتعلمون اسس الاسلام وتعاليم الدين وشرائع الإسلام في بداية الدعوة، وكان يجلس [ﷺ] فيها مع الصحابة يقيمون صلاتهم؛ وكانوا يقرئون ما ينزل الله - عزوجل - من القرآن الكريم علىٰ رسوله محمد [ﷺ]، وكانت الدعوة في ذلك الوقت سرية[.(24).]. هؤلاء الَّذِينَ هُمْ مُخْتَفُونَ مُسْتَتِرُونَ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ وَنَحْوِهَا مِنَ الدُّورِ التي عَلَىٰ الْحَقِّ ؟[.(25).]. كـــــ دار ختن عمر بن الخطاب سعيدبن زيد أحد المبشرين.".
-*/-*
دار الأرقم بن أبي الأرقم و دورها „الدعوي ” و „ التربوي ” في بداية الدعوة
أولا: التعريف بالأرقم بن أبي الأرقم[.(26).]:
- هو الصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم بن أسد بن عبدالله بن عمر المخزومي؛ وَ
- اسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ :
عَبْدُمَنَافِ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَ
هُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ،
أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوعُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَ
كَانَ الْأَرْقَمُ مِنْ آخِرِ أَهْلِ بَدْرٍ وَفَاةً[.(27).]، و
- كنيته:
أبوعبدالله.و
فهو من السابقين الأولين الذين استجابوا لله والرسول، أسلم بعد ستة نفر[.(28).]؛
و
جاء في المستدرك للحاكم: قَالَ :" عُثْمَانُ بْنُ هِنْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ الْأَرْقَمِ، حَدَّثَنِي جَدِّي عُثْمَانُ بْنُ الْأَرْقَمِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ :„ أَنَا ابْنُ سُبُعِ الْإِسْلَامِ ، أَسْلَمَ أَبِي سَابِعَ سَبْعَةٍ”[.(29).]". و
قيل: بعد عشرة[.(30).][.(31).] ؛ وهو
من الذين باعوا عَرَض الدنيا لأجل الآخرة، وآثروا تحمل الأذى والعذاب علىٰ حياة الشرك والكفر، و
أمه :
فهي أميمة بنت الحارث...
بيد أنه جاء عندالمستدرك :" حدثنا خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ، قَالَ : وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّونَ : أُمُّ الْأَرْقَمِ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ «تُمَاضِرُ بِنْتُ حِذْيَمٍ مِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصٍ»[.(32).]".
-*/-*
موقعها
ثانيا: موقع دار الأرقم بن أبي الأرقم...
وأسباب اختيارها مقر اللدعوة :
جغرافية الدار :
تقع دار الأرقم بن أبي الأرقم عند الصَّفا[.(33).]، الذي اتخذت داره لتكون مقرا للدعوة السرية(!!) للدين الجديد، [.(34).].- وقال ابن الأثير في النهاية (3 /41): الصفا أحد جبلي المسعى- بمكة الذي -جبل الصفا- كان بعيدا عن أنظار المشركين أيام الدعوة الإسلامية في مرحلتها السرية(!!). و
يقال لها دار الخيزران[.(35).]، والخيزران كما في أخبار مكة للأزرقي: جارية المهدي وهي التي بَنَت مسجدا في موضع هذا الدار عند الصفا[.(36).]...
و
يصف الفاسي في شفاء الغرام مشاهدته ذلك المسجد الذي بنته الخيزران حين يقول:» وطول هذا المسجد ثمانية أذرع إلا قيراطين، وعرضه سبعة أذرع وثلث الجميع بذراع الحديد حرر ذلك بحضوري وفيه مكتوب:
{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال }[.(37).] هذا مختبأ(!)رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دار الخيزران، وفيه مبتدأ الاسلام، أمرت بتجديده الفقيرة إلى الله مولاة أمير الملك مفلح سنة ست... [وذهب بقية التاريخ ]وعَمّره أيضا الوزير الجواد، وعمّره أيضا المستنصر العباسي، وعُمِر أيضا في عصرنا في آخر القرن الثامن من قبل امرأة مِصرية مجاورة يقال لها
»مرة العصماء«،
وعُمِر أيضا في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة، والذي أمر بهذه العمارة لا أعرفه، والمتولي لصرف النفقة فيها علاءالدين علي بن ناصر محمد الصارم المعروف بالقائد[.(38).]وكان النبيُّ ﷺ يدخلها ويجتمع فيها هو وأصحابه، يقرؤهم القرآن ويعلمهم فيها، وفيها أسلم عُمَرُ بن الخطاب -رضي الله عنه-.
-*/-*
في :《 المدرسة „الدعوية” في دار الأرقم بن أبي الأرقم 》[.(39).]
* . ] يجدر بنا مِن حيث دقة التعبير؛ وحسن استخدام الألفاظ والمصطلحات... يجدر بنا أن نسمي هذه الدار بأنها „ دار الدعوة ”؛ أو كما كتب مِن قبل „ دار الإسلام ” فعند صاحب المستدرك تقرأ :" وَدُعِيَتْ دَارُ الْأَرْقَمِ
„ دَارُ الْإِسْلَامِ”[.(40).]".
فَــــ „ دَّارُ الْإِسْلَامِ ” كانت عند الصفا، ودُعِيَت دارُ الأرقم بعد ذلك بــ „ دار الإسلام ”، وهذه الدار - دار الأرقم - جاء في المستدرك :" وَكَانَتْ دَارُهُ عَلَىٰ الصَّفَا وَهِيَ الدَّارُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَكُونُ فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ ، وَفِيهَا دَعَا النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَ فِيهَا قَوْمٌ كَثِيرٌ[.(41).]".
وجبل الصفا - قريبة من الكعبة - ذلك الجبل المنعزل عما يدور حوله، فهي إذن بمعزل عن أعين الأعداء والمتربصين، يجتمع بأصحابهِ بعيداً عن أعين المشركين؛ ولقد مرت الدعوة النبوية بمرحلتين أساسيتين يربطهما مفاصل:
- مرحلة الدعوة السرية، وكانت ثلاث سنين بمكة المكرمة، و
- مرحلة الدعوة الجهرية وهي ما بعد ذلك.
وكانت طبيعة المرحلة الأولىٰ تتطلب سرية العمل الدعوي، ريثما تتهيأ الظروف المناسبة للجهر بها، وكانت دار الأرقم، هي المكان المناسب لمثل هذه الظروف من أيام الدعوة.
توافرت - لهذه الدار - صفات عدة جعلت منها منطلقاً ومناراً لهذه الدعوة الناشئة؛



تقرأ عند صاحب المستدرك:" عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ، عَنْ جَدِّهِ الْأَرْقَمِ، وَكَانَ بَدْرِيًّا... وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آوَى فِي دَارِهِ عِنْدَ الصَّفَا[.(42).]". فكانت أول دار للدعوة إلىٰ الإسلام.
والذي دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لاختيار هذه الدار عدة أسباب:
أسباب اختيار الدار مقرا للدعوة الإسلامية :
اختار[ﷺ] دار الأرقم بن أبي الأرقم مقرا لدعوته، ومركزا لاجتماع أصحابه لأسباب استنتجها الشيخ علي محمد الصلابي في كتابه[.(43).] وذكرتها الدكتورة الفاضلة: خديجة أبوري؛ من المغرب العربي...
منها:
١ . ] أن الأرقم -صاحب هذه الدار - لم يكن معروفًا بإسلامه، فما كان يخطر ببال أحد من المشركين - أو قريش- أن يجتمع النبي صلى الله عليه وسلم أو يتم لقاء محمد [ﷺ] وأصحابه بداره.
٢ . ] أن الأرقم -رضي الله عنه-كان كان فتى عند إسلامه ومن السابقين الأولين دخولا في الإسلام فهو سابع سبعة دخلوا فيه كما عند الحاكم[.(44).] وغيره، فلقد كان في حدود السادسة عشرة من عُمْرِه، ولم تفكر قريش أن هناك تجمع إسلامي عند أحد الفتيان؛ ويوم تفكر قريش في البحث عن هذا التجمع الإسلامي فلن يخطر في بالها أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد[ﷺ] بل يتجه نظرها -في الغالب- وبحثها إلى ٰبيوت كبار أصحابه؛ أو بيته هو نفسه.
٣. ] أن الأرقم بن أبي الأرقم -رضي الله عنه- لم يكن معروفاً بإسلامه وأضف أنه من قبيلة بني مخزوم التي تحمل لواء التنافس والحرب ضد بني هاشم، فلو كان الأرقم معروفا بإسلامه فلا يخطر في البال أن يكون اللقاء في داره؛ لأن هذا يعني أنه يتم في قلب صفوف العدو.
٤ . ] أن دار الأرقم بن أبي الأرقم على ٰالصَّفا مما يعني جودة ومناسبة موقعها... فقد كانت قريبة من الكعبة المشرفة.
٥ . ] أن الأرقم بن أبي الأرقم كان يقرأ و يكتب، فهو من كتاب النبي [ﷺ]، فكان يكتب ما ينزل من القرآن في الدار في مرحلة الدعوة السرية(!).
قد يخطر علىٰ ذهنهم أن يكون مكان التَّجمُّع علىٰ الأغلب في أحد دور بني هاشم، أو في بيت أبي بكرٍ -رضي الله عنه-، أو غيره؛ ومن أجل هذا نجد أنَّ اختيار هذا البيت كان في غاية الحكمة من النَّاحية الأمنيَّة، ولم نسمع أبداً: أنَّ قريشاً داهمت ذات يومٍ هذا المركز، وكشفت مكان اللِّقاء[.(45).].
ثالثا: دار الأرقم بن أبي الأرقم ودورها „الدعوي” و „ التربوي ” في بداية الدعوة
كان النبي[ﷺ] في أول أ مره يدعو إلى الله سرا لئلا يصيبه أو يصيب أحدا ممن اتبعه الأذى في تعطل سبيل الدعوة حتىٰ نزل قوله تعالىٰ { فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين } [.(46).]وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المركز الرئيسي لانطلاق الدعوة، وأولى المؤسسات التربوية التي ربى ٰفيها أصحابه الذين حملوا معه رسالة الإسلام؛ فكان يلتقي بهم هناك، فيعلمهم تعاليم الإسلام ويتلقوا عنه توجيهاته الكريمة؛ حيث كان يتلو عليهم ما ينزل عليه من القرآن الكريم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، ويفقههم في الدين،" كان المسلمون يجتمعون سراً في دار الأرقم بن أبي الأرقم ولم يكونوا يؤدون كثيراً من الشرائع سوى الصلاة، ركعتين في الغداة وركعتين بالعشي مصداقاً لقوله تعالى: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ }[.(47).][.(48).]ويعرفهم بما يدور حول الدعوة من أمور، ليحتاطوا لها ويعدوا لها العدة، كما كان يغرس فيهم المعاني الإيمانية التي تقوي عزيمتهم. :"ويضعون بين يديه كلَّ ما في نفوسهم وواقعهم؛ فيربيهم -صلى الله عليه وسلم- علىٰ عينه كما تربَّىٰ هو على عين الله - عزَّ وجلَّ- [.(49).]".
ففي هذه الدار نشأ الرعيل الأول من كبار الصحابة من المهاجرين، والسابقين الأولين إلى ٰالإسلام، على ٰتوجيهات القرآن الكريم، ويعلمهم أمور دينهم ويباحثهم في شأن الدعوة، وما وصلت إليه ، وموقف المعرضين عنها والصادين عن سبيلها.
كان يسمع شكوى أصحابه وما يلقونه من أذى ٰالمشركين وكيدهم، يتحسس آلامهم وآمالهم، ويطلب منهم الصبر والمصابرة، ويبشرهم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع المؤمنين، وأن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
وجاؤوا صورة عملية لهذه التوجيهات الربانية، فضحوا بالغالي والنفيس لأجل الدين، وصابروا وجاهدوا وثبتوا في المحن وأمام الإغراءات، ولم يتأثروا بالشبهات، وكل ذلك كان بسبب التربية التي رباهم عليها النبي [ﷺ].[.(50).]فما كان اختيار الرسول [ﷺ]لهذه الدار مجرد اجتماع المسلمين فيها لتلقي العلم وإنما كانت مركزا للقيادة ومدرسة للإعداد والتأهيل لحمل الدعوة والقيادة، وقد قام النبي [ﷺ]بتحديد لكل فرد من هؤلاء عمله بدقة وتنظيم حكيم فقاموا بدورهم أحسن قيام[.(51).]....
لقد كانت رعاية الله وعنايته بالعصبة المؤمنة الأولىٰ واضحة جلية لا تفارقهم بحال، علىٰ الرغم مما كان ينالهم من أذىٰ المشركين، وكان مِن الحكمة البالغة في بداية أمر الدعوة الابتعاد بهذه العصبة المؤمنة عن كل ما يضر بها - قدر المستطاع -، وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن تبقىٰ دعوة الإسلام ضمن مجالها السري إلىٰ أن هيأ الله سبحانه لها من الأسباب ما مكنها مِن إشهار أمرها وإعلان رسالتها، { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون }[.(52).][.(53).]

حال دار الأرقم اليوم :
وهي الآن خبر بعد عين دخلت في حدود المسعىٰ(**).

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(*) تكملة بحوث: ﴿„ ٦“ ﴾ المجلد السادس مِن „ السِّيرَة النَّبَوِيَّة “ „علنية الدعوة.. ..سرية التكتل“ (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#top)
حُرِّرَ سَنَةَ ١٤٤٣ من السنة الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ -هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين- الجمعة : ٢٥ من شهر محرم ~ 3 سبتمبر2021 من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
(**) إذا تيسر الحال وانتهينا من كتابة السيرة النبوية -علىٰ صاحبها أفضل الصلاة والسلام وكامل التبريكات والرحمات والإنعام -؛ في خطتنا كتابة تأريخ؛ وكتاب آخر في التفسير والتأويل... والله -تعالىٰ -المستعان.

شريف حمدان
05 / 09 / 2021, 00 : 03 AM
http://up.ahlalalm.info/photo2/vaf52967.gif

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
29 / 09 / 2021, 06 : 08 PM
﴿ « „ ٩١ ‟ » ﴾

[ ٣ . ] خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّي!
الْبَحْثُ الثالث(*)

خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّي!
ما زلنا نتعايش أجواء المرحلة المكيّة؛ وهي تلك المرحلة التأسيسية الأولىٰ لمبدأ الإسلام بأفكاره وقيّمه وقناعاته ومقايسه؛ وبناء شخصية حملة الدعوة الأول بشقيها العقلي والنفسي؛ ومَن سيأتي مِن بعدهم،
وما زلنا نعيش في مناخ علنية الدعوة مِن رسول الإسلام الخاتم للأنبياء والمتمم للمبتعثين وآخر المرسلين مِن رب العالمين لكافة البشر أجمعين.. و
نعلم سِرية بعض افراد التكتل الإسلامي..
نبحث في زمن البعثة المحمدية الأَول؛ وبدايات الرسالة الخاتمة للبشرية: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: „ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يَكْتُمُ أَمْرَهُ فِي أَوَّلِ الْمَبْعَثِ وَيُصَلِّي فِي شِعَابِ مَكَّةَ ثَلَاثَ سِنِينَ ”[(1)]. وَ
لَعَلَّ [ ممارسة أعباء ] الدَّعْوَةَ [ ومزاولة نشاطها الحركي؛ وآداء ما فُرض من بدايات أحكام عقائدية وعملية مِن تعليم مبادئ التوحيد ودارسة كيفية عبادة الواحد الأحد ] يَوْمَذَاكَ كَانَتْ مَحْصُورَةً فِي شِعَابِ مَكَّةَ [ واثناءها ما كان يحدث -أيضاً - في دار الأرقم - المدرسة الدعوية الأولى؛ والأكاديمية المحمدية الزاهرة -علىٰ جبل الصفا ] يُحِيطُ بِهَا – أي : „الدَّعْوَةَ” [ في مهدها ]- الْكَرْبُ وَالِابْتِلَاءُ؛ والاختبار والإمتحان يتلوه كرب وابتلاء واختبار بيد أنه [ يجب أن ندرك ] فِي الْقُرْآنِ الْمَكِّيِّ [ أي آيات الذكر الحكيم التي نزلت في أم القرى؛ مكةَ المكرمة ]، وَفِي أَوَائِلِ الدَّعْوَةِ، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِرَسُولِهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }[(2)] ؛ وَقَالَ الخبير العليم:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون }[(3)] [(4)] !... و


الآياتان تهدمان ما يدعيه بعض المستشرقين مِن خصوصية الرسالة للعرب أو لمكة وما حولها.



الحال الإبتدائي :
والظاهر - مع سرية الدعوة؛ والإعلان عنها فيما بعد؛ حين أُمرَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من قِبل صاحب الأمر والنهي سبحانه وتعالىٰ - أنه عليه السلام في بداية أمره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كان يصلي أمام الكعبة مباشرة؛ وأمام أهل مكة؛ كما علمه أمين السماء المَلك جبرائيل -عليه السلام -
قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ: أَتَى جِبْرَائِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ مَا أَتَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَلَيْلَةَ الْأَحَدِ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بِرِسَالَةِ اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ[(5)]
ثُمَّ
كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ فَرَضَ اللَّهُ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بَعْدَالْإِقْرَارِ بِــ :
« التَّوْحِيدِ »
وَ
« الْبَرَاءَةِ » مِنَ « الْأَوْثَانِ » :
« الصَّلَاةُ » ، وَأَنَّ « الصَّلَاةَ » لَمَّا فُرِضَتْ عَلَيْهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرَائِيلُ وَهُوَ بِأَعْلَىٰ مَكَّةَ فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي ، فَانْفَجَرَتْ فِيهِ عَيْنٌ ، فَــ « تَوَضَّأَ » جِبْرَائِيلُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ « الطَّهُورُ » لِلــ « صَّلَاةِ » ،
ثُمَّ
«تَوَضَّأَ » رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِوَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَهُ ، ثُمَّ قَامَ جِبْرَائِيلُ فَــ «صَلَّىٰ » بِهِ ، وَ« صَلَّىٰ» النَّبِيُّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاتِهِ ،
ثُمَّ
انْصَرَفَ . وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ خَدِيجَةَ - رضي الله تعالىٰ عنها وأرضاها - فَعَلَّمَهَا « الْوُضُوءَ » ،
ثُمَّ
صَلَّىٰ بِهَا فَصَلَّتْ بِصَلَاتِهِ[(6)]
ويفهم مِن حيثيات الرواية أن تلك الحادثة تمت فيما بينهما فقط وفي بيت النبي محمد وزوجه؛ والله أعلم!
وهنا فائدة :
أنَّ مَن علم الرسول الخاتم كيفية « الوضوء » قبل « الصلاة »؛ وكيفية آداءها بعد ذلك هو أمين السماء جبرائيل؛ فنحن أمة تعلمت أحكام الإسلام بواسطة المصطفىٰ المجتبىٰ المحتبىٰ المرتضىٰ كما علمه المَلك المنزل من عند الله تعالىٰ-أمين السماء : جبرائيل -؛ وهذه خصوصية :
- دقة التبليغ ؛
و
- صحة الآداء؛ وسأعود[مُحَمَّدٌفَخْرُالدينِ؛ الرَّمَادِيُ]-بإذنه تعالى- عند الحديث عن قضية الإسراء والمعراج في مسألة الصلاة وأحكامها .. وسوف تكون هذه المسألة في ملف خاص متعلق بمعجزات نبي الهدى ورسول الرحمة -عليه الصلاة والسلام - .. هذه هي الفائدة الأولى؛ أما :
الثانية : فإنه في الدين الخاتم والرسالة المتممة لا تجد مبدأً أو فكرة؛ أو قيمة أو قناعة أو مقياس كالتوحيد - مثلا ؛ في بحثنا هذا- ؛ إلا وله تطبيق عملي في كيفية التعامل معه؛ بــ
معنىٰ : وجود النظرية يرافقها التطبيق العملي مباشرة؛ كـ فكرة توحيد الإله وخلع الأوثان والتطبيق العملي في كيفية عبادته -سبحانه وتعالىٰ -... وهذا ومنذ بداية البعثة وبداية التكليف.
فكان -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يصلي مع زوجه السيدة خديجة - رضي الله تعالى عنها - لقول علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه -إذ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: „ ثُمَّ إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَاءَ ... وَهُمَا يُصَلِّيَانِ ، فَــ
قَالَ عَلِيٌّ: « يَا مُحَمَّدُ مَا هَذَا ؟ »
قَالَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: ⋘ دِينُ اللَّهِ الَّذِي اصْطَفَىٰ لِنَفْسِهِ، وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، فَأَدْعُوكَ إِلَىٰ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِلَىٰ عِبَادَتِهِ، وَأَنْ تَكْفُرَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى ⋙[ (7)].
وهنا فائدة :
يتبين مِن هذه الحادثة أن السلوك - الفعل ؛ التصرف - الذي قام به النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وليس الكلام أو الدعوة باللسان فقط دعت علياً إلىٰ الاستفسار والتساؤل : " لماذا يفعل ذلك ابن عمه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ"... –
وحين أجابه المصطفىٰ الهادي كما جاء عند ابن إسحاق في السيرة ؛أجاب عليٌّ بقوله :" فَــ
قَالَ عَلِيٌّ : « هَذَا أَمْرٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ قَبْلَ الْيَوْمِ »[(8)]. إذ لا يوجد آحد مِن أهل مكة - ذاك الوقت - يفعل ما يفعله خاتم الأنبياء -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ويفهم مِن ذلك أيضا أن السلوك والتصرفات والأفعال تكون ابلغ مِن الحديث والكلام.
وهذه فائدة خاصة لحملة الدعوة في كل عصر وزمان.
[أ . ] حالةُ الصلاة أمام الكعبة :
قَالَ الزُّهْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَعُمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: « أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَكَانَ هُوَ وَعَلِيٌّ يَلْزَمَانِ النَّبِيَّ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - ، يَخْرُجُ إِلَىٰ الْكَعْبَةِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَىٰ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُنْكِرُهَا، وَكَانَ إِذَا صَلَّىٰ غَيْرَهَا قَعَدَ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ يَرْصُدَانِهِ[(9)].
فائدة:
من هذه الرواية نقرأ :" وَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَاتُنْكِرُهَا "...
وهي البداية الأولىٰ الفردية؛ والظاهر هنا أنه دون دعوة علنية؛ أما إذا انتشرت هذه الظاهرة الجديدة علىٰ المجتمع المكي، وأيضا في المجتمعات الحديثة .. أي قول أو فكر فردي لا تهتم به الجهات المعنية بمراقبة ومراجعة ما يحدث في المجتمع، أما إذا أخذت صورة جماعية تنظيمية تكتلية فلا بد من وقفة من تلك الجهات المعنية ... وسأتكلم عنها في البحوث القادمة -إن الله تعالىٰ–
وفي نفس المسألة؛ أي بداية أمر البعثة المحمدية الخاتمة؛ تأتي رواية نثبتها في هذا المبحث وهي :
[ب . ] حالةُ الصلاة أمام الكعبة:
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي الْأَشْعَثِ الْكِنْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ،حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِيَاسِ بْنِ عُفَيِّفٍ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عُفَيِّفٍ وَكَانَ عُفَيِّفٌ أَخَا الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ لِأُمِّهِ أَنَّهُ
قَالَ : „ كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا، فَقَدِمْتُ مِنًىٰ أَيَّامَ الْحَجِّ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ امْرَأً تَاجِرًا ، فَأَتَيْتُهُ أَبْتَاعُ مِنْهُ وَأَبِيعُهُ ” ،
قَالَ : „ فَبَيْنَا نَحْنُ.. إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مَنْ خِبَاءٍ فَقَامَ يُصَلِّي تِجَاهَ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ فَقَامَتْ تُصَلِّي، وَخَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ ”،
فَقُلْتُ : „ يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ ؟، إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَا نَدْرِي مَا هُوَ ؟ ” ،
فَقَالَ : „ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ ، وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ سَتُفْتَحُ عَلَيْهِ ، وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ ابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ ”.
قَالَ عُفَيِّفٌ: „ فَلَيْتَنِي كُنْتُ آمَنْتُ يَوْمَئِذٍ فَكُنْتُ أَكُونُ ثَانِيًا” .
وَتَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ وَ
قَالَ فِي الْحَدِيثِ : „ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ خِبَاءٍ قَرِيبٍ مِنْهُ فَنَظَرَ إِلَىٰ السَّمَاءِ ، فَلَمَّا رَآهَا قَدْ مَالَتْ قَامَ يُصَلِّي . ثُمَّ ذَكَرَ قِيَامَ خَدِيجَةَ وَرَاءَهُ” [(10)] .
ونستوضح هذه الرواية السابقة بالألفاظ وطريق آخر :
" وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْمُحَارِبِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ خُثَيْمٍ عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدَةَ الْبَجَلِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُفَيِّفٍ عَنْ عُفَيِّفٍ قَالَ :„ جِئْتُ زَمَنَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَىٰ مَكَّةَ فَنَزَلْتُ عَلَىٰ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ فَلَمَّا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّقَتْ فِي السَّمَاءِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَىٰ الْكَعْبَةِ،
أَقْبَلَ شَابٌّ فــَــ
رَمَىٰ بِبَصَرِهِ إِلَىٰ السَّمَاءِ،
ثُمَّ
اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ، فَــ
قَامَ مُسْتَقْبِلَهَا،
فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّىٰ جَاءَ غُلَامٌ فَقَامَ عَنْ يَمِينِهِ،
فَلَمْ يَلْبَثْ حَتَّىٰ جَاءَتِ امْرَأَةٌ
فَقَامَتْ خَلْفَهُمَا،
فَرَكَعَ الشَّابُّ
فَرَكَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ،
فَرَفَعَ الشَّابُّ
فَرَفَعَ الْغُلَامُ وَالْمَرْأَةُ،
فَخَرَّ الشَّابُّ سَاجِدًا
فَسَجَدَا مَعَهُ”.
...
فَقُلْتُ : „ يَا عَبَّاسُ أَمْرٌ عَظِيمٌ ” .
فَقَالَ : „ أَمْرٌ عَظِيمٌ ”.
فَقَالَ : „ أَتَدْرِي مَنْ هَذَا ؟ ”
فَقُلْتُ : „ لَا ”.
فَقَالَ : „ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، ابْنُ أَخِي ... أَتَدْرِي مَنِ الْغُلَامُ ؟ ”
قُلْتُ : „ لَا ”.
قَالَ : „ هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. .. أَتَدْرِي مَنْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي خَلْفَهُمَا ؟ ”
قُلْتُ : „ لَا ”.
قَالَ : „ هَذِهِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ زَوْجَةُ ابْنِ أَخِي ، وَهَذَا حَدَّثَنِي أَنَّ رَبَّكَ رَبَّ السَّمَاءِ أَمَرَهُ بِهَذَا الَّذِي تَرَاهُمْ عَلَيْهِ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَىٰ ظَهْرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا أَحَدًا عَلَىٰ هَذَا الدِّينِ غَيْرَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ”[(11)].



و
اختلف في أول من اسلم وكذا في أول من صلىٰ مع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
«ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي أَوَّل[(12)] مَنْ أَسْلَمَ »
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ، مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَىٰ أَنَّ خَدِيجَةَ - رضي الله تعالى عنها - أَوَّلُ خَلْقِ اللَّهِ إِسْلَامًا[ (13)]، فَــ
قَالَ قَوْمٌ : أَوَّلُ ذَكَرٍ آمَنَ عَلِيٌّ.
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ ، وَأَنَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ لَا يَقُولُهَا بَعْدِي إِلَّا كَاذِبٌ مُفْتَرٍ ، صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ النَّاسِ بِسَبْعِ سِنِينَ .
قلت[مُحَمَّدٌفَخْرُالدينِ؛الرَّمَادِيُ]:" هذه الرواية فيها نظر ؛ ولا تعتبر؛ وراويها من أهل التشيع؛ فيسقط الاستدلال بها؛ مع حفظ مقام ودرجة الإمام علي بن أبي طالب - كرم الله تعالى وجهه - (!)".
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : „ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلِيٌّ.“ وَ
قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ: „ بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَصَلَّىٰ عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ“ [(14)]
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ الْأَرْقَمِ : „ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلِيٌّ”. [(15)]
وَ
الرواية عند الكامل :" قَالَ عُفَيْفٌ الْكِنْدِيُّ: كُنْتُ امْرَأً تَاجِرًا فَقَدِمْتُ مَكَّةَ أَيَّامَ الْحَجِّ فَأَتَيْتُ الْعَبَّاسَ ، فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ إِذْ خَرَجَ رَجُلٌ فَقَامَ تُجَاهَ الْكَعْبَةِ يُصَلِّي، ثُمَّ خَرَجَتِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي مَعَهُ، ثُمَّ خَرَجَ غُلَامٌ فَقَامَ يُصَلِّي مَعَهُ.
فَقُلْتُ : „ يَا عَبَّاسُ مَا هَذَا الدِّينُ ؟ ” ،
فَقَالَ : „ هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ ابْنُ أَخِي، زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ وَأَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ سَتُفْتَحُ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ امْرَأَتُهُ خَدِيجَةُ آمَنَتْ بِهِ، وَهَذَا الْغُلَامُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ آمَنَ بِهِ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدًا عَلَى هَذَا الدِّينِ إِلَّا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ! ” ،
قَالَ عُفَيْفٌ: „ لَيْتَنِي كُنْتُ رَابِعًا” [(16)].
وعلىٰ هذا التساؤل: أي « ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي أَوَّلِ مَنْ أَسْلَمَ »... (!)
فـــ :
" أَجَابَ أَبُوحَنِيفَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ، بِالْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ - التي ذكرت في البحوث السابقة - بِأَنَّ :
- أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ « أَبُوبَكْرٍ »؛
وَ
- مِنَ النِّسَاءِ « خَدِيجَةُ »،
وَ
- مِنَ الْمَوَالِي « زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ»،
وَ
مِنَ الْغِلْمَانِ « عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ »-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ- [(17)].
و
تأتي قصة توضح المقصود : فقد ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ السُّلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ : „أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي أَوَّلِ مَا بُعِثَ وَهُوَ بِمَكَّةَ [وفي رواية : بِــ „عُكَاظَ” [(18)] ، وَهُوَ حِينَئِذٍ مُسْتَخْفِيًا ”،
فَقُلْتُ : „ مَا أَنْتَ ؟ ” ،
قَالَ : ⋘ أَنَا نَبِيٌّ ⋙ .
فَقُلْتُ : „ وَمَا النَّبِيُّ ؟ ” ،
قَالَ : ⋘ رَسُولُ اللَّهِ ⋙ .
قُلْتُ : „ آللَّهُ أَرْسَلَكَ ؟ ” ،
قَالَ : ⋘ نَعَمْ ⋙ .
قُلْتُ : „ بِمَ أَرْسَلَكَ ؟ ” ؛
قَالَ : ⋘ بِأَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَتَكْسِرَ الْأَصْنَامَ ، وَتَصِلَ الْأَرْحَامَ ⋙ .
قَالَ : قُلْتُ : „ نِعْمَ مَا أَرْسَلَكَ بِهِ ، فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ ” ،
قَالَ : ⋘ حُرٌّ وَ عَبْدٌ ⋙ .
[يَعْنِي أَبَابَكْرٍ وَ بِلَالًا ]
قَالَ : فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ : „ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا رُبُعُ الْإِسْلَامِ”.
قَالَ : „ فَأَسْلَمْتُ ” .
قُلْتُ : „ فَأَتَّبِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ” .
قَالَ : ⋘ لَا ، وَلَكِنِ الْحَقْ بِقَوْمِكَ ، فَإِذَا أُخْبِرْتَ أَنِّي قَدْ خَرَجْتُ فَاتَّبِعْنِي ⋙[(19)].



و
هنا يتدخل قلم الحافظ ابن كثير :". وَيُقَالُ : إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ⋘ حُرٌّ وَ عَبْدٌ ⋙ . اسْمُ جِنْسٍ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ بِــ « أَبِي بَكْرٍ » وَ « بِلَالٍ » فَقَطْ فِيهِ نَظَرٌ؛ فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَقَدْ كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَسْلَمَ قَبْلَ بِلَالٍ أَيْضًا، فَلَعَلَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رُبُعُ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ عِلْمِهِ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إِذْ ذَاكَ يَسْتَسِرُّونَ بِإِسْلَامِهِمْ لَا يَطَّلِعُ عَلَىٰ أَمْرِهِمْ كَثِيرُ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ، دَعِ الْأَجَانِبَ ، دَعْ أَهْلَ الْبَادِيَةِ مِنَ الْأَعْرَابِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ[(20)].



الحالة الثانية : « خُرُوجُ عَلِيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّيَانِ »
ننتقل إلىٰ حال آخر؛ إذ أن الحال الأول صلاته- عليه السلام - أمام الكعبة وعلىٰ مرأى مِن قريش؛ فقد
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كَانَ إِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، خَرَجَ إِلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ وَمَعَهُ عَلِيٌّ فَيُصَلِّيَانِ فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا [(21)]



*.] الصَّلَاةُ في شِعَابِ مَكَّةَ [(22)]
[خُرُوجُ عَلِيٍّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إلَى شِعَابِ مَكَّةَ يُصَلِّيَانِ، وَ وُقُوفُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى أَمْرِهِمَا]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كَانَ إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلَى شِعَابِ مَكَّةَ، وَخَرَجَ مَعَهُ « عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ » مُسْتَخْفِيًا مِنْ أَبِيهِ أَبِي طَالِبٍ. وَمِنْ جَمِيعِ أَعْمَامِهِ وَسَائِرِ قَوْمِهِ، فَيُصَلِّيَانِ الصَّلَوَاتِ فِيهَا، فَإِذَا أَمْسَيَا رَجَعَا. فَمَكَثَا كَذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثَا.
ثُمَّ
إنَّ أَبَاطَالِبٍ عَثَرَ عَلَيْهِمَا يَوْمًا وَهُمَا يُصَلِّيَانِ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: „ يَا ابْنَ أَخِي مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَرَاكَ تَدِينُ بِهِ ؟ ” ،
قَالَ : ⋘ أَيْ عَمِّ، هَذَا دِينُ اللَّهِ، وَدِينُ مَلَائِكَتِهِ، وَدِينُ رُسُلِهِ، وَدِينُ أَبِينَا إبْرَاهِيمَ- أَوْ كَمَا قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-- بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ رَسُولًا إلَى الْعِبَادِ، وَأَنْتَ أَيْ عَمِّ، أَحَقُّ مَنْ بَذَلْتُ لَهُ النَّصِيحَةَ، وَدَعَوْتُهُ إلَى الْهُدَى، وَأَحَقُّ مَنْ أَجَابَنِي إلَيْهِ وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ ⋙، أَوْ كَمَا قَالَ ؛ فَــ
قَالَ أَبُوطَالِبٍ: „ أَيْ ابْنَ أَخِي، إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُفَارِقَ دِينَ آبَائِي وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ وَاَللَّهِ لَا يَخْلُصُ إلَيْكَ بِشَيْءٍ تَكْرَهُهُ مَا بَقِيتُ ” .
وَذَكَرُوا أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ: „ أَيْ بُنَيَّ، مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ ؟” ،
فَقَالَ : « يَا أَبَتِ، آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِ اللَّهِ، وَصَدَّقْتُهُ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَصَلَّيْتُ مَعَهُ لِلَّهِ وَاتَّبَعْتُهُ » .
فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ لَهُ :„ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَدْعُكَ إلَّا إلَى خَيْرٍ فَالْزَمْهُ” [(23)].
وفي رواية : وَكَانَ النَّبِيُّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إِذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ انْطَلَقَ هُوَ وَعَلِيٌّ إِلَى بَعْضِ الشِّعَابِ بِمَكَّةَ فَيُصَلِّيَانِ وَيَعُودَانِ[(24)].
وعند القاري:" كَمَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ عَلَىٰ غَايَةٍ مِنَ الِاسْتِخْفَاءِ، وَكَانُوا يَسْتَخْفُونَ بِصَلَاتِهِمْ فِي الشِّعَابِ[(25)]
* ] (خُرُوجُ الرَّسُولِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِأَصْحَابِهِ إلَىٰ شِعَابِ مَكَّةَ)
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-إذَا صَلَّوْا،… ذَهَبُوا فِي الشِّعَابِ، فَاسْتَخْفَوْا بِصَلَاتِهِمْ مِنْ قَوْمِهِمْ[(26)]

أما
من حيث اللُغة: فــ
الشِّعْبُ : انفراجٌ بين الجبلين،
والجمع : شِعابٌ .
والشِّعْبُ: الطريقُ.
و شِعَابِ مَكَّةَ " جَمْعُ شِعْبٍ بِكَسْرِ الشِّينِ، وَهُوَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ، وَ
أَمَّا
الشَّعْبُ بِالْفَتْحِ فَهُوَ مَا يُشَعَّبُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ[(27)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
بحوث: «السِّيرَة النَّبَوِيَّة» الشريفة؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل البركات والرحمات وعلى آله وصحابته الكرام؛ وعلىٰ مَن اتبع هداه واستن طريقته والتزم سنته،
(*) تكملة مَبَاحِث:
﴿„ ٦ ” ﴾ المجلد السادس مِن „ علنية الدعوة .. .. سرية التكتل “
حُرِّرَ سَنَةَ 1443 مِن السنة الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ - هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين- الأربعاء‏، 22‏ صفر‏، ~ ‏29 سبتمبر‏، 2021م مِن الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام-

الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــ

أعد هذا الملف : د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-

حياة العرب
30 / 09 / 2021, 31 : 07 PM
https://www.ansarsunna.com/vb/images/smilies/bsmala.gif

https://www.ansarsunna.com/vb/images/smilies/salam.gif

https://www.ansarsunna.com/vb/images/smilies/gazak.gif

https://www.ansarsunna.com/vb/images/smilies/roseopen.gif
. (https://alazkar.net)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
19 / 10 / 2021, 28 : 07 PM
﴿«„٩٢‟»﴾ الْهِجْرَة


[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ اَلْعَطِرةِ „صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ“ ؛ قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا : د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدين بْنُ إبراهيم الرَّمَادِيُ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
*:" ﴿«„٩٢‟»﴾ " الْهِجْرَةُ "

بُحُوثٌ
﴿سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾



:" تَمْهِيدٌ ".
منذ اللحظة الأولىٰ مِن مبعثه [] وبعد حديثٍ مع القِص -ورقة بن نوفل- ؛ وفي حوار بينهما بحضور زوج النبي السيدة خديجة بنت خويلد [رضي الله عنها وأرضاها] روته لنا السيدة عائشة بنت أبي بكر [رضي الله عنها وأرضاها وعن أبيها] في صحيح البخاري.. منذ تلك اللحظة علمَ صاحبُ الرسالة العصماء: آخر المرسلين ومتمم المبتعثين وخاتم الأنبياء أنه سيخرج مِن موطنه - مكةَ - وسيغادر مسقط رأسه الشريف...
فقد...
* . ] انْطَلَقَتْ بِهِ [] خَدِيجَةُ [رضي الله عنها وأرضاها] حَتَّىٰ أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى -ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ-، وَكَانَ امْرَأً قَدْ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعِبْرَانِيَّ؛ فَيَكْتُبُ مِنْ الْإِنْجِيلِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ .... فَــ
قَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ : „ يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ ” ؛
فَــ
قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : „ يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَىٰ ” ،
فَــ
أَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَبَرَ مَا رَأَىٰ ....
فَــ
قَالَ لَهُ وَرَقَةُ : „ هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ [ﷻ] عَلَىٰ مُوسَىٰ ... يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا ... لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ « يُخْرِجُكَ » قَوْمُكَ” .
فَــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ⋘أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ!!⋙
قَالَ : „ نَعَمْ؛ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ .... وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا " [.(1).] .

بيد أن الواقع الفعلي لِمَا حدث في المرحلة المكية لمَن أمن بالدين الجديد عقيدةً؛ أي أن الإله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد؛ فلا تصح أن تكون له صاحبة ولا يجوز أن يكون له ولد... وله سبحانه الأمر والنهي... ومَن أمن بالإسلام منهاجاً في الحياة وطريقة خاصة من العيش وطراز معين من الحياة ونظاماً لا يشبهه آخر...
أقول(الرَّمَادِيُ ) الواقع الفعلي يظهر أنه سيكون لهم - رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين - نصيب من مقولة القص : « وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ » :" إِذْ « يُخْرِجُكَ » قَوْمُكَ " .
* . ] وَاسْتَبْعَدَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُخْرِجُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَبَبٌ يَقْتَضِي الْإِخْرَاجَ، لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي تَقَدَّمَ مِنْ خَدِيجَةَ وَصْفُهَا[.(2).]. ثُمَّ اسْتَدَلَّتْ عَلَىٰ مَا أَقْسَمَتْ عَلَيْهِ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ أَبَدًابِأَمْرٍ اسْتِقْرَائِيٍّ وَصَفَتْهُ بِأُصُولِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ؛ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ إِمَّا إِلَىٰ الْأَقَارِبِ أَوْ إِلَىٰ الْأَجَانِبِ، وَإِمَّا بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ، وَإِمَّا عَلَىٰ مَنْ يَسْتَقِلُّ بِأَمْرِهِ أَوْ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مَجْمُوعٌ فِيمَا وَصَفَتْهُ بِهِ . فَــ
قَالَتْ خَدِيجَةُ :
- „ كَلَّا ...”؛
ثم أقسمت:
- „ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ”؛
- „ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ”؛
- „ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ”؛
- „ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ”؛
- „ وَتَقْرِي الضَّيْفَ ”؛
- „ وَتُعِينُ عَلَىٰ نَوَائِبِ الْحَقِّ ”[.(3).]
وَ
فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ:
- „ وَتُؤَدِّي الْأَمَانَةَ ”؛[.(4).]
وَ
قَدِ اسْتَدَلَّ ابْنُ الدُّغُنَّةِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ عَلَىٰ أَنَّ أَبَابَكْرٍ لَا يُخْرَجُ[.(5).].
وهذا ما سأبحثه في ورقة البحث القادمة ...
وهي المسألة التي اصطلح عليها « الهجرة » ...
و
هي لغةً:
* . ] ( هَجَرَ ) الْهَاءُ وَالْجِيمُ وَالرَّاءُ يَدُلُّ عَلَىٰ قَطِيعَةٍ وَقَطْعٍ[.(6).]،
* . ] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: وَأَصْلُ الْمُهَاجَرَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ : خُرُوجُ الْبَدَوِيِّ مِنْ بَادِيَتِهِ إِلَىٰ الْمُدُنِ؛ يُقَالُ : هَاجَرَ الرَّجُلُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كَلُّ مُخْلٍ بِمَسْكَنِهِ مُنْتَقِلٍ إِلَىٰ قَوْمٍ آخَرِينَ بِسُكْنَاهُ[.(7).]، فَقَدْ هَاجَرَ قَوْمَهُ .
وَسُمِّيَ الْمُهَاجِرُونَ مُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا دِيَارَهُمْ وَمَسَاكِنَهُمُ الَّتِي نَشَئُوا بِهَا لِلَّهِ، وَلَحِقُوا بِدَارٍ لَيْسَ لَهُمْ بِهَا أَهْلٌ وَلَا مَالٌ حِينَ هَاجَرُوا إِلَىٰ الْمَدِينَةِ؛ فَكُلُّ مَنْ فَارَقَ بَلَدَهُ مِنْ بَدَوِيٍّ أَوْ حَضَرِيٍّ أَوْ سَكَنَ بَلَدًا آخَرَ، فَهُوَ مُهَاجِرٌ
وَ
الْاسْمُ مِنْهُ :« الْهِجْرَةُ »[.(8).]. قال الله عزَّوجلَّ : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }[.(9).] [.(10).] .
* . ] ( الهُجْرَة ) بالكسر [الْهِجْرَةُ] والضمّ[.(11).] ؛ الْهُجْرَةُ : أي الْخُرُوجُ مِنْ أَرْضٍ إِلَىٰ أَرْضٍ[.(12).]أخرىٰ[.(13).] ومن فعل ذلك فقد هاجَر[.(14).].
وَالْمُهَاجِرُونَ : الَّذِينَ ذَهَبُوا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُشْتَقٌّ مِنْهُ[.(15).] .
* . ] وَهَاجَرَ الْقَوْمُ مِنْ دَارٍ إِلَىٰ دَارٍ : تَرَكُوا الْأُولَىٰ لِلثَّانِيَةِ، كَمَا فَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ[.(16).].
* . ] قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ- { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }[.(17).]
وَ
كُلُّ مَنْ أَقَامَ مِنَ الْبَوَادِي بِمَبَادِيِهِمْ وَمَحَاضِرِهِمْ فِي الْقَيْظِ وَلَمْ يَلْحَقُوا بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَحَوَّلُوا إِلَىٰ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أُحْدِثَتْ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ، فَهُمْ غَيْرُ مُهَاجِرِينَ ، وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ نَصِيبٌ وَيُسَمَّوْنَ الْأَعْرَابَ[.(18)..

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْهِجْرَتَانِ :
- هِجْرَةٌ إِلَى الْحَبَشَةِ وَ
- هِجْرَةٌ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ . وَالْمُهَاجَرَةُ مِنْ أَرْضٍ إِلَىٰ أَرْضٍ : تَرْكُ الْأُولَىٰ لِلثَّانِيَةِ[.(19).] .

قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : الْهِجْرَةُ هِجْرَتَانِ : إِحْدَاهُمَا الَّتِي وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْجَنَّةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَىٰ :{ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ }[.(20).] .
فَكَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدَعُ أَهْلَهُ وَيترك مَالَهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ وَيَنْقَطِعُ بِنَفْسِهِ إِلَىٰ مُهَاجَرِهِ[.(21).].
* . ] المُهاجَرَة في الأصل مُصارَمةُ الغَيرِ ومُتارَكَتُه قال الله - عزَّوجلَّ - : { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًارَّحِيمًا }[.(22).] [.(23).].
* . ] وعند الأصوليين يوجد لديهم تعريف للدار؛ وبسقوط الدولة العثمانية سقط معها هذا التعريف:
ولا يغرنك ما قالت به فرقة خارجة سميت في وسائل الإعلام بـ : داعش...
فــ
في قَوْلُهُ تَعالى : { وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ }[.(24).]الخروجُ من دارِ الكُفر إلى دارِ الإيمان قال الله - عزَّ وجلَّ - : " ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأرضِ مُرَاغَماً كثيراً وسَعَةً "[.(25).].و
الهِجْرَتان قال الله عزَّ وجلَّ : " ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأرضِ مُرَاغَماً كثيراً وسَعَةً "[.(26).] :هِجرَةٌ إلىٰ الحبَشَة وهِجرَةٌ إلىٰ المدينة وهذا هو المُراد من الهِجْرَتَيْن إذا أُطلِقَ ذِكرُهما ... قاله ابنُ الأثير . و
المُهاجَرَةُ[.(27).]من أرضٍ إلىٰ أرض[.(28).]: تَرْكُ الأولىٰ للثانية ، وذو الهِجْرَتَيْن من الصَّحابة : مَن هاجَرَ إليْهما[.(29).].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
سلسلة بحوث
﴿سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء﴾
„أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة ‟
د. مُحَمَّدُالرَّمَادِيُّ
بِـ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ- حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى–
Dr. MUHAMMAD ELRAMADY
حُرِّرَ في يوم الثلاثاء : 13 من شهر ربيع الأول 1442 من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ~ الموافق 19 من شهر أكتوبر عام 2021 من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام-.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
". الْهِجْرَةُ"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
19 / 10 / 2021, 08 : 08 PM
﴿«„٩٣‟»﴾ محاولة الصديق للهجرة

[٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ " الْهِجْرَةُ "
الْبَابُ الْأَوَّلُ : محاولة الصديق للهجرة



عَزْمَ الصِّدِّيقِ عَلَىٰ الْهِجْرَةِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ،حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ مَكَّةُ ، وَأَصَابَهُ فِيهَا الْأَذَىٰ ، وَرَأَىٰ مِنْ تَظَاهُرِ قُرَيْشٍ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مَا رَأَى ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْهِجْرَةِ ، فَأَذِنَ لَهُ ، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مُهَاجِرًا ، حَتَّى إِذَا سَارَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمًا أَوْيَوْمَيْنِ ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ ؛ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْأَحَابِيشِ .

قَالَ الْوَاقِدِيُّ: اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ أَحَدُ بَنِي بَكْرٍ مِنْ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ.
وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: ابْنُ الدَّغِنَةِ اسْمُهُ مَالِكٌ ؛
فَــ
قَالَ : إِلَىٰ أَيْنَ يَاأَبَا بَكْرٍ ؟ [1]



و
رَوَىٰ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَاً تَفَرِّدَ بِهِ ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ [2] ، فَقَالَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ [3] قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ : لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ [قَطُّ] إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا وَيَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَرَفَيِ النَّهَارِ: بُكْرَةً وَعَشِيًّا [4]، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ [5] خَرَجَ أَبُوبَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغَمَادِ ، لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَّةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَّةِ ،[6]
قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟
قَالَ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي[7] ، وَآذَوْنِي ، وَضَيَّقُوا عَلَيَّ[8] ، فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي[9]
قَالَ: وَلِمَ ؟[10] ، إِنَّ مِثْلَكَ [ يَا أَبَا بَكْرٍ ] لَا يَخْرُجُ [11] ؛ [ وَلَايُخْرَجُ مِثْلُهُ ] ، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَــ
- تَزِينُ الْعَشِيرَةَ[12] [13] ، وَ
- تَفْعَلُ الْمَعْرُوفَ [14]
- تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَ
- تَصِلُ الرَّحِمَ ، وَ
- تَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَ
- تَقْرِي الضَّيْفَ ، وَ
- تُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ارْجِعْ فَإِنَّكَ فِي جِوَارِي [15] . وَأَنَا لَكَ جَارٌ [16]، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلَادِكَ [17].
فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَّةِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ [18]،حَتَّى إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ [19] فَطَافَ [ابْنُ الدَّغِنَةِ عَشِيَّةً] فِي أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، وقَامَ ابْنُ الدَّغِنَةِ ... فَقَالَ لَهُمْ :
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ [20] ، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ! [21]، إِنِّي قَدْ أَجَرْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَلَا يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِخَيْرٍ [22] ، [فَلَمْ تُكَذِّبْ قُرَيْشٌ بِجِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ ] ، قَالَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: فَكَفُّوا عَنْهُ [23].



فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَّةِ [24]، وَقَالُوا لَهُ : مُرْ أَبَا بَكْرٍ [فَلْــ ] يَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَلْيُصَلِّ [ فِيهَا ] وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ ، وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ ، وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِهِ ، فَإِنَّا نَخْشَىٰ أَنْ يُفْتَنَ أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا .
فَقَالَ ذَلِكَ [ ابْنُ الدَّغِنَةِ ] لِأَبِي بَكْرٍ .
فَلَبِثَ [ أَبُو بَكْرٍ ] يَعْبُدُ رَبَّهُ [ فِي دَارِهِ ] وَ لَا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلَاةِ وَ لَا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ [25 ]



ثُمَّ
بَدَا لِأَبِي بَكْرٍ ، فَابْتَنَىٰ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَ بَرَزَ ،فَيُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ [26 ]،
قَالَتْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: وَكَانَ لِأَبِي بَكْرٍ مَسْجِدٌ عِنْدَ بَابِ دَارِهِ فِي بَنِي جُمَحَ ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ ، وَكَانَ رَجُلًا رَقِيقًا ، إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ اسْتَبْكَىٰ [27]. فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ [ فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ ] نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ [ 28 ] ؛ قَالَتْ : فَيَقِفُ عَلَيْهِ الصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالنِّسَاءُ ، يَعْجَبُونَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ هَيْئَتِهِ [ 29 ] ، وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، [وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً] فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَكَادُ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ [ 30] [الْقُرْآنَ]، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ .



قَالَتْ عَائِشَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ و - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: فَمَشَى رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَىٰ ابْنِ الدَّغِنَّةِ ، وَأَرْسَلُوا إِلَيه ، فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ [ 31 ]، فَقَالُوا لَهُ : [ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَىٰ أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ ، فَابْتَنَىٰ مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ ، فَأَعْلَنَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتَتِنَ أَبْنَاؤُنَا وَنِسَاؤُنَا ، فَانْهَهُ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَىٰ أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ ، فَعَلَ ، وَإِنْ أَبَىٰ إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ ، فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ ، وأَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ جِوَارَكَ ،فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ .
و
أضافوا:
إِنَّكَ لَمْ تُجِرْ هَذَا الرَّجُلَ لِيُؤْذِيَنَا ، إِنَّهُ رَجُلٌ إِذَا صَلَّىٰ وَقَرَأَ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ يَرِقُّ ، وَكَانَتْ لَهُ هَيْئَةٌ وَنَحْوٌ ، فَنَحْنُ نَتَخَوَّفُ عَلَىٰ صِبْيَانِنَا وَنِسَائِنَا وَضُعَفَائِنَا أَنْ يَفْتِنَهُمْ ، فَأْتِهِ فَمُرْهُ بِأَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ ، فَلْيَصْنَعْ فِيهِ مَا شَاءَ [32].



قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا -: فَمَشَىٰ ابْنُ الدَّغِنَةِ إِلَيْهِ [33]...فَأَتَىٰ ابْنُ الدَّغِنَّةِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي ، فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ [34 ] فَقَالَ : يَا أَبَا بَكْرٍ إِنِّي لَمْ أُجِرْكَ لِتُؤْذِيَ قَوْمَكَ ، وَقَدْ كَرِهُوا مَكَانَكَ الَّذِي أَنْتَ بِهِ ، وَتَأَذَّوْا بِذَلِكَ مِنْكَ ، فَادْخُلْ بَيْتَكَ فَاصْنَعْ فِيهِ مَا أَحْبَبْتَ [ 35 ]



قَالَ أَبُوبَكْرٍ: [ فَإِنِّي ] أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَىٰ بِجِوَارِ اللَّهِ - تعالىٰ- ... وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ [ 36].

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ؛ قَالَ : لَقِيَهُ - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - حِينَ خَرَجَ مِنْ جِوَارِ ابْنِ الدَّغِنَةِ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ، وَهُوَ عَامِدٌ إِلَىٰ الْكَعْبَةِ ، فَحَثَا عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا ، فَمَرَّ بِأَبِي بَكْرٍ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ... أَوِ... الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : أَلَا تَرَى مَا يَصْنَعُ هَذَا السَّفِيهُ ؟ ،
فَقَالَ: أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَفْسِكَ .
وَهُوَ- يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - يَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، مَا أَحْلَمَكَ ! أَيْ رَبِّ ، مَا أَحْلَمَكَ ! أَيْ رَبِّ ، مَا أَحْلَمَكَ!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
‏الثلاثاء‏، 13 ‏ربيع الأول‏، 1443هــ ~* 19‏ أكتوبر‏، 2021 م
الرَّمَادِيُّ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 11 / 2021, 54 : 05 PM
﴿«„٩٤‟»﴾: الْهِجْرَةُ الْأُولَىٰ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَة ِ!

[ ٢ . ] الْبَابُ الثَّانِي: ﴿ ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الْأُولَىٰ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ﴾
أحداث العام: 6 قبل الهـجرة الشريفة ~ 616 بعد الميلاد العجيب
ما زلنا عزيز(تــ)ـي القارئــ(ــة)مِن خلال هذه البحوث نتعايش معاً فترة العهد المكي ؛ بما تحمل هذه الفترة في صميمها مِن صخب الرفض التام لما يدعو إليه خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين [(1)]، ويظهر لنا مِن بين جوانبها ارتفاع درجة الاضطهاد ؛ وما آل إليه حال المستضعفين من زيادة مقدار التعذيب لمَن أمن بالله رباً واحداً ؛ وسبب الرفض والتعذيب مِن قِبل مشركي مكة وعبَّاد أوثانها وإن كان أمام أعينهم ليل نهار البيت العتيق .. والذي هو : { أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين }[(1)] .. سبب الرفض أنهم لا يريدون الإيمان بإله واحد أحد ؛ وسبب التعذيب لأوائل مَن أمن بمحمد رسول الله [ (2)] هو قضية الأمر الإلٰهي بفعل أو قول ؛ وهذا شق ، أما الثاني : فهو النهي عن فعل أو قول أو تصرف ؛ قضية الأوامر والنواهي ؛ أي قضية التكليف مِن قِبل الخالق مبدع الإنسان وهو سبحانه القائل : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم} [(2)] لكنهم كما يحدث في بعض الأزمنة يُغَلِبون الهوىٰ ؛ ويحتكمون لرغباتهم وشهواتهم فيترتب علىٰ ذلك ما اثبته القرآن الكريم فنطق يقول : { ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِين } [(3)] ثم يأتي الاستثناء : { إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون }[(4)] ... اليوم -بمشيئته وعونه وتوفيقه - أكملُ الحديث عن مفصل هام يربط بين روابط العهد المكي ومراحله وبين بداية روابط العهد المدني ومراحله .. هذا المفصل الهام : وهو «الهجرة » .
﴿ ١ ﴾ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمَّا رَأَىٰ رَسُولُ اللَّهِ [(3)] مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ ، بِمَكَانِهِ مِنْ اللَّهِ [ ﷻ ] وَمِنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ،وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَىٰ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ[(5)] فلم يخل أحد من المسلمين الذين ارتقوا إلىٰ درجة المؤمنين مِن أَذِيّةٍ لحقته، ولكن كل ذٰلك ضاع سدًى تلقاء ثباتهم وعظيم إيمانهم، فإنهم لم يُسلِموا لغرض دنيوي يرجون حصوله فيسهل إرجاعهم، ولكن وفقهم الله [ ﷻ ] لإدراك حقيقة الإيمان فرأوا كل شيء دونه سهلاً.
﴿ ٢ ﴾ إشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] عَلَىٰ أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ[(6)]
رأىٰ المشركون ضعفهم عن مقاومة المسلمين بالبرهان، فــ تحولوا إلىٰ سياسة القوة التي اختارها قوم إبراهيم عندما عجزوا عنه حيث قالوا: { حَرّقُوهُ وَانصُرُواْ ءالِهَتَكُمْ }[(7)] .. أما هؤلاء فازدادوا بالأذىٰ علىٰ كل مَن أسلم رجاء صدّهم عن اتّباع الرسول [عليه الصلاة والسلام]، ولم يتركوا باباً إلا ولجوه، فقال [عليه الصلاة والسلام] لأصحابه: «تفرقوا في الأرض، فإن الله سيجمعكم » ، فسألوه عن الوجه فأشار إلىٰ الحبشة. ".

لذا فــ :" عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ [ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ] زَوْجِ النَّبِيِّ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] أَنَّهَا قَالَتْ : „لَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْنَا مَكَّةُ ، وَأُوذِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] وَفُتِنُوا ، وَرَأَوْا مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ الْبَلَاءِ وَالْفِتْنَةِ فِي دِينِهِمْ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] فِي مَنَعَةٍ مِنْ قَوْمِهِ وَعَمِّهِ ، لَا يَصِلُ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَكْرَهُ مَمَّا يَنَالُ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] : « إِنَّ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مَلِكًا لَا يُظْلَمُ أَحَدٌ عِنْدَهُ ، فَالْحَقُوا بِبِلَادِهِ حَتَّىٰ يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ » . فَخَرَجْنَا إِلَيْهَا أَرْسَالًا حَتَّىٰ اجْتَمَعْنَا بِهَا ، فَنَزَلْنَا خَيْرَ دَارٍ إِلَىٰ خَيْرِ جَارٍ أَمِنَّا عَلَىٰ دِينِنَا ، وَلَمْ نَخْشَ مِنْهُ ظُلْمًا ”.
وفي
رواية ثانية عَنْها أنها قَالَتْ :" لَمَّا أُمِرْنَا بِالْخُرُوجِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] حِينَ رَأَى مَا يُصِيبُنَا مِنَ الْبَلَاءِ : « الْحَقُوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، فَأَقِيمُوا بِبِلَادِهِ حَتَّىٰ يَجْعَلَ اللَّهُ مَخْرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ».
فَــ : „ قَدِمْنَا عَلَيْهِ فَاطْمَأْنَنَّا فِي بِلَادِهِ ”. الْحَدِيثَ . [(8)]".
﴿ ٣ ﴾ فعند ذلك تجهزَ ناسٌ للخروج من ديارهم وترك أموالهم فراراً بدينهم كما أشار [عليه الصلاة والسلام]، وهذه هي أول هجرة مِن مكة، وعدّة أصحابها عشرة رجال وخمس نسوة: فَخَرَجَ :
- عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بن أبي العاص بن أمية ومَعَهُ امرأته : رُقَيَّةُ ابْنَةُ النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [(9)]،
قَالَ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ فِي" تَارِيخِهِ " : قَالَ : حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، قَالَ : „ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَىٰ اللَّهِ بِأَهْلِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ“
قَالَ : سَمِعْتُ النَّضْرَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا حَمْزَةَ يَعْنِي أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ ، يَقُولُ: „ خَرَجَ عُثْمَانُ بِرُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] إِلَىٰ الْحَبَشَةِ ، فَأَبْطَأَ خَبَرُهُمْ ، فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَتْ : „ يَا مُحَمَّدُ قَدْ رَأَيْتُ خَتَنَكَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ “،
فَقَالَ :« عَلَىٰ أَيِّ حَالٍ رَأَيْتِهِمَا » .
قَالَتْ : „ رَأَيْتُهُ حَمَلَ امْرَأَتَهُ عَلَىٰ حِمَارٍ مِنْ هَذِهِ الدَّبَّابَةِ ، وَهُوَ يَسُوقُهَا“ ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ]: « صَحِبَهُمَا اللَّهُ ، إِنَّ عُثْمَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ . « [(10)].
و
- أبو سلمة بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بن هلال بن عبدالله بن عمر الْمَخْزُومِيُّ ؛ ومعه زوجه أُم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم [ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ ] ،
و
- أخوه لأمهِ أبو سَبْرة بن أبي رُهْم بْنِ عَبْدِالْعُزَّى الْعَامِرِيُّ ، وزوجه أم كلثوم،
و
- عامر بن ربيعة حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ وزوجه ليلىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ الْعَدَوِيَّةُ ،
وَ
- أَبُو حُذَيْفَةَ وَلَدُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ سَهْلَةُ بنت سُهَيل بْنِ عَمْرٍو؛ أحد بني عامر بن لؤي، فَوَلَدَتْ لَهُ بِالْحَبَشَةِ مُحَمَّدًا ،
و
- عبدالرحمٰن بن عوف بن عبدعوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ،
و
- عثمان بن مظعون،
و
- من بني عبدالدار بن قصي : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار [ الْعَبْدَرِيُّ ] ،
و
- سُهَيْل بن البيضاء ، وَهُوَ سُهَيْلُ بْنُ وَهْبٍ بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة الْحَارِثِيُّ ،
وَ
- الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بن خويلد بن أسد ؛ من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وجُلّهم من قريش، وكان عليهم ــــ فيما روىٰ ابن هشام ــــ عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح[(11)] ، وَغَيْرُهُمْ تَمَامَ عَشَرَةِ رِجَالٍ ؛ وهذا ما قال به ابن هشام :" فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلىٰ أرض الحبشة ".
وَقِيلَ : أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ ، وَكَانَ مَسِيرُهُمْ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ النُّبُوَّةِ ، وَهِيَ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ إِظْهَارِ الدَّعْوَةِ ، فَأَقَامُوا شَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ[(12)] ، فَكَانُوا أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ . فساروا علىٰ بركة الله، ولما انتهوا إلىٰ البحر، استأجروا سفينة أوصلتهم إلىٰ مقصدهم، فأقاموا آمنين من أذًىٰ يلحق بهم من المشركين، ولم يبق مع النبي [عليه الصلاة والسلام] إلا القليل .
ثُمَّ خَرَجَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَتَتَابَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ. ثُمَّ سَمَّىٰ ابْنُ إِسْحَاقَ جَمَاعَتَهُمْ ، وَقَالَ : „ فَكَانَ جَمِيعُ مَنْ لَحِقَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، أَوْ وُلِدَ بِهَا ، ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَعَبَدُوا اللَّهَ وَحَمِدُوا جِوَارَ النَّجَاشِيِّ ”.
وهنا يطرح السؤال نفسه : إى أين يذهبون!؟ ؛ وكيف يغادون موطنهم ومكان معاشهم وأرض أجدادهم وأبائهم وذويهم وتجاراتهم ويتركون بيوتهم وأهليهم وناسهم!؟... فتصاحبهم حالة رفض كامل مِن مَن يعيشون معهم في مكة من أقاربهم وجيرانهم ... رفض لما يعتقدونه ويؤمنون به وضاقت عليهم السبل ...
فهل لم يتبقَ أمامهم سوىٰ المغادرة القَصْرية وترك خلفهم ما كانوا يستعملونه!؟.
فــ [ إشَارَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَىٰ أَصْحَابِهِ بِالْهِجْرَةِ[(13)] ]
هذه المسألة : « الهجرة » صاحبت الكثير من أنبياء الله تعالىٰ ؛ وتحتاج إلىٰ تسليط الضوء عليها وأضعها - مِن بعد إذنه ومشيئته - في ملاحق السيرة النبوية!
أمام التعذيب والاضطهاد وعدم مقدرة المسلمين علىٰ حماية أنفسهم ... في هذه الأجواء المشحونة برفض وغضب واستهزاء واستنكار وإهانة وتعذيب وضرب أختار الرسول الأعظم مكاناً بما لديه من معلومات سابقة عن الحاكم وعن الأرض ؛ فيقول ؛ كما قَالَ الْبَكَّائِيُّ ؛ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: قَالَ [عليه الصلاة والسلام]، لَهُمْ : « لَوْ خَرَجْتُمْ[(14)] إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا[(15)]("فِيهَا") مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ ، حَتَّىٰ يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا [(16)](وَمَخْرَجًا) مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ ».[(17)]".
فائدة :
الظاهر بوضوح - كضوء الشمس في رابعة النهار - لما قاله القائد الأعلى للمسلمين الأوائل ؛ أنه [عليه الصلاة والسلام]، يملك قدراً عالياً من الوعي السياسي وفهماً عميقا صحيحاً لما يحيط بمنطقة مكة سواء شمالها أو جنوبها أو حين يترك شبة جزيرة العرب ومغادرتها بحراً إلىٰ المنطقة المقابلة لها وتقع في قارة آخرىٰ(!) ويتكلمون لغة آخرىٰ غير لغتهم ؛بل ويدينون بدين سابق علىٰ ما يدينون هم به - « „ النصرانية ‟» أو ما يحلو للبعض منهم بتسمية « „ المسيحية ‟» ولا مشاحة في استخدام المصطلح! ؛ فمسألة الوعي الصحيح المبني علىٰ معلومات موثقة يترتب عليهما فهم جيد للواقع إثناء التعامل مع الحدث ..نحتاجها اليوم كما احتاجها النبي [عليه السلام]!
فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ [ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ] إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ ، وَفِرَارًا إلَىٰ اللَّهِ بِدِينِهِمْ ، فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ[( 18)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الثلاثاء‏، 04‏ ربيع الثاني‏، 1443 الهجري~ 09‏ نوفمبر‏، 2021م من الميلاد العجيب.
[٧] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛" الْهِجْرَةُ ؛ الباب الثاني،
أعد هذاالملف :د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ- حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-

شريف حمدان
10 / 11 / 2021, 45 : 01 AM
http://up.ahlalalm.info/photo2/vaf52967.gif

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
11 / 11 / 2021, 17 : 05 PM
الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ
[ ٣ . ] الْبَابُ الثَّالِثُ: ﴿ ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةُ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ﴾

- أحداث العام: 6 قبل الهـجرة الشريفة ~ 616 بعد الميلاد العجيب :

تمهيد:

اليوم .. الأمةُ الإسلاميةُ ؛ وهم الذين يعلنون إسلامهم ثم لا يتقيدون بأوامر الله - تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه - ونواهيه ؛ ولا يتبعون النبي الرسول - صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وآله ومَن التزم القرآن منهاجاً والسنة المحمدية نبراساً - وهي - هذه الأمة - تزيد علىٰ المليار و 700 مليون - بمجموعها - وليس بافرادها -انظر لحال غالب بلاد المسلمين- ؛ فهناك ثلة تعلم أوامره وتنفذها وتخشى عقابه فتبتعد عن ما نهى على قدر الطاقة وبما فيهم من استطاعة -
لذا تحتاج الأمة بمجموعها إلىٰ إعادة النظر بعمق مع التأني بـ قراءة صحيحةٍ وبوعي واستنارة لتلك النصوص الشرعية - ونكتفي كــ مرحلة أولى بــ آيات الأحكام وهي لا تزيد عن خمس مائة [500] آية كريمة - من الكتاب الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لقوله تعالىٰ: { .. وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز }
{ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد }[(1)] ؛ مع إعادة الربط المحكم بين الكتاب العزيز - وخاصة آيات الأحكام - وبين السنة النبوية المحمدية ؛ ويرافقهما السيرة العطرة - وخاصة أحاديث الأحكام - باعتبارها الطريقة المثلىٰ لأحداث النبوة وتسلسل أحكام الرسالة ؛ ويجاور هذا الاهتداء بسيرته العطرة باعتبارها الكيفية العملية لأحداث الرسالة ؛ يرافق هذا سيرة الشخصيات المحورية التي كانت مع.. وحول الرسول الكريم - رضوان الله تعالىٰ عليهم أجمعين - ... كي تَخْرُج الأمةُ الإسلامية مِن كبوتها وتفيق من غيبوبتها ؛ وتعود خير أمة أخرجت للناس ..
وَنِعْمَ مَا قَالُوا :
„ لِكُلِّ جَوَادٍ كَبْوَةٌ ” ،
وَ :
„ لِكُلِّ صَارِمٍ نَبْوَةٌ ” ، وَ
لَا غَرْوَ فَــ :
„ لِكُلِّ عَالِمٍ هَفْوَةٌ ”» ...
و
الخروج منهما - أعني الكبوة؛ وهي الْكَبْوَةُ : أي الْوَقْفَةُ كَوَقْفَةِ الْعَاثِرِ ، أَوِ الْوَقْفَةُ عِنْدَ الشَّيْءِ يَكْرَهُهُ الْإِنْسَانُ [(2)] ؛ والغيبوبة - والخروج مِن هذا المأزق نحتاج لدراسة واعية لمثل تلك الشخصية المحورية: أمثال:
﴿ „ جعفر بن أبي طالب ”﴾ رضوان الله تعالى عليه ..
فلنستمع إليه :
-*-*
الرواية من بدايتها :

[ إرْسَالُ قُرَيْشٍ إلَىٰ الْحَبَشَةِ فِي طَلَبِ الْمُهَاجِرِينَ إليها ]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَمِنُوا ، وَاطْمَأَنّوا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَأَنّهُمْ قَدْ أَصَابُوا بِهَا دَارًا وَقَرَارًا ، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنّ يَبْعَثُوا فِيهِمْ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ جَلْدَيْنِ إلَىٰ النّجَاشِيّ، فَيَرُدّهُمْ عَلَيْهِمْ ؛ لِيَفْتِنُوهُمْ فِي دِينِهِمْ ، وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ دَارِهِمْ ، الّتِي اطْمَأَنّوا بِهَا وَأَمِنُوا فِيهَا ، فَبَعَثُوا :
„ ١ ” عَبْدَاللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ،
وَ
„ ٢ ” عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ،
وَ
جَمَعُوا لَهُمَا :
« أ » هَدَايَا لِلــ :
﴿ ١ ﴾: نّجَاشِيّ
وَلِــ :
﴿ ٢ ﴾: بَطَارِقَتِهِ،
ثُمّ بَعَثُوهُمَا إلَيْهِ فِيهِمْ.
-*
﴿ « „ أَبُوطَالِبٍ يَحُضّ النّجَاشِيّ على حسن جوارهم، والدّفع عنهم ” » ﴾
فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ - حِينَ رَأَى ذَلِكَ مِنْ رَأْيِهِمْ وَمَا بَعَثُوهُمَا فِيهِ - أَبْيَاتًا لِلنّجَاشِيّ يَحُضّهُ على حسن جوارهم، والدّفع عنهم:
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ فِي النّأْيِ جَعْفَرٌ * وَعَمْرٌو وَأَعْدَاءُ الْعَدُوّ الْأَقَارِبُ
وَهَلْ نَالَتْ أَفْعَالُ النّجَاشِيّ جَعْفَرًا ... وَأَصْحَابَهُ أَوْ عَاقَ ذَلِكَ شَاغِبُ
تَعَلّمْ- أَبَيْتَ اللّعْنَ- أَنّك مَاجِدٌ ... كَرِيمٌ فَلَا يَشْقَى لَدَيْك الْمُجَانِبُ
تَعَلّمْ بِأَنّ اللهَ زَادَك بَسْطَةً ... وَأَسْبَابَ خَيْرٍ كُلّهَا بِك لَازِبُ
وَأَنّك فَيْضٌ ذُو سِجَالٍ غَزِيرَةٍ ... يَنَالُ الْأَعَادِي نَفْعَهَا والأقارب
- * * * *
قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزّهْرِيّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرّحْمَنِ ابن الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيّ ،
عَنْ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ رَسُولِ اللهِ - صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ،

قَالَتْ: « „ لَمّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ ، جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ : ﴿ « „ النّجَاشِيّ ” » ﴾ :
« أ » : أَمِنّا عَلَى دِينِنَا ، وَ :
« ب : عَبَدْنَا اللهَ - تَعَالَىٰ - ،
« „ ج : لَا نُؤْذَىٰ، وَ
« „ د » : لَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ ،
فَــ
لَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، ائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ أَنْ يَبْعَثُوا إلَىٰ النّجَاشِيّ فِينَا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ جَلْدَيْنِ، وَأَنْ يُهْدُوا لِلنّجَاشِيّ هَدَايَا مِمّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكّةَ، وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا الْأُدْمُ، فَجَمَعُوا لَهُ أُدْمًا كَثِيرًا، وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إلّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيّةً،
ثُمّ
بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَاللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ابن الْمُغِيرَةِ ، وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَأَمَرُوهُمَا بِأَمْرِهِمْ،
وَ
قَالُوا لَهُمَا :„ ادْفَعَا إلَىٰ كُلّ بِطْرِيقٍ هَدِيّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلّمَا النّجَاشِيّ فِيهِمْ، ثُمّ قَدّمَا إلَىٰ النّجَاشِيّ هَدَايَاهُ، ثُمّ سَلَاهُ أَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْكُمَا قَبْل أَنْ يُكَلّمَهُمْ ” .
قَالَتْ: « „ فَخَرَجَا حَتّىٰ قَدِمَا علىٰ النجاشى ، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ عِنْدَ خَيْرِ جَارٍ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بِطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إلّا دَفَعَا إلَيْهِ هَدِيّتَهُ قَبْل أَنْ يُكَلّمَا النّجَاشِيّ، وَ

﴿ « „ إحكام المقالة ضد المهاجرين المسلمين ” » ﴾ :
قَالَا لِكُلّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ: „ إنّهُ قَدْ :
„ * ” : ضَوَى إلَىٰ بلد الملك مِنّا :
„ ١ ” : غِلْمَانٌ
„ ٢ ” : سُفَهَاءُ،
„ ٣ ” : فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ، وَ
„ ٤ ” : لَمْ يدخلوا فى دينكم، و
„ ٥ ” : جاؤا بِدِينِ مُبْتَدَعٍ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ، وَقَدْ
„ بَعَثَنَا إلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافَ قَوْمِهِمْ، لِيَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ، فَإِذَا كَلّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ ” ؛
فَــ :
„ أَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلّمَهُمْ إلَيْنَا، وَلَا يُكَلّمَهُمْ ” :
فَإِنّ : „ قومهم أعلىٰ بهم عينا، وأعلم بما عابوا عَلَيْهِمْ ” ،
فَقَالُوا لَهُمَا: „ نَعَمْ ” .
ثُمّ
إنّهُمَا قَدّمَا هَدَايَاهُمَا إلَىٰ النّجَاشِيّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا، ثُمّ كَلّمَاهُ،
فَــ
قَالَا لَهُ : „ أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّهُ قَدْ ضَوَىٰ إلَىٰ بَلَدِك مِنّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ، فَارَقُوا دِينَ قومهم، ولم يدخلوا فى دينك، وجاؤا بِدِينٍ ابْتَدَعُوهُ، لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ، وَلَا أَنْت، وَقَدْ بَعَثَنَا إلَيْك فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ: لِتَرُدّهُمْ إلَيْهِمْ، فَهُمْ أَعْلَىٰ بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ، وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ ” .
قَالَتْ: « „ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَىٰ عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَهُمْ النّجَاشِيّ ” » .
قَالَتْ: فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ: „ صَدَقَا أَيّهَا الْمَلِكُ، قَوْمُهُمْ أَعْلَىٰ بِهِمْ عَيْنًا، وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ ، فَأَسْلِمْهُمْ إلَيْهِمَا، فَلْيَرُدّاهُمْ إلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ ” .
قَالَتْ: فَغَضِبَ النّجَاشِيّ،
ثُمّ قَالَ: « لَاهَا اللهِ ،



﴿ « „ قول النجاشي الملك العادل ” » ﴾ :
﴿ ١ ﴾ إذَنْ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْهِمَا ،
وَ
﴿ ٢ ﴾ لَا يَكَادُ قَوْمٌ جَاوَرُونِي ،
وَ
﴿ ٣ ﴾ نَزَلُوا بِلَادِي،
وَ
﴿ ٤ ﴾ اخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ ،
حَتّى أَدْعُوَهُمْ ،
فَــ
﴿ ٥ ﴾ أَسْأَلَهُمْ عَمّا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ ،
فَــ
إِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ ،
أَسْلَمْتهمْ إلَيْهِمَا ،
وَ
رَدَدْتُهُمْ إلَى قَوْمِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاورونى.

﴿ « „ حوار بين النجاشى وبين المهاجرين ” » ﴾
إحْضَارُ النَّجَاشِيِّ الْمُهَاجِرِينَ ، وَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَجَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ:
« ١ . » المقطع الأول :
إحْضَارُ النَّجَاشِيِّ الْمُهَاجِرِينَ ، وَسُؤَالُهُ لَهُمْ عَنْ دِينِهِمْ ، وَجَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ
« ١ . ١ . » المشهد الأول :
ثُمَّ أَرْسَلَ إلَىٰ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ،
ثُمَّ
قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ:« مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إذَا جِئْتُمُوهُ »
« ١ . ٢ . » المشهد الثاني:
قَالُوا : نَقُولُ: « وَاَللَّهِ مَا عَلِمْنَا ، وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ ».
فَلَمَّا جَاءُوا ، وَقَدْ
« ١ . ٣ . » المشهد الثالث:
دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ ، فَــ نَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ :
« ١ . ٤. » المشهد الرابع :
مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي قَدْ فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ ، وَلَمْ تَدْخُلُوا ( بِهِ ) فِي دِينِي ، وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْمِلَلِ ؟
قَالَتْ : فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ( رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) ، فَقَالَ لَهُ
« ١ . ٥. » المشهد الخامس:
أَيُّهَا الْمَلِكُ ،
لم يقل له يا صاحب السمو والرفعة ولم يقل له يا جلالة الملك المعظم .. ولكن ناداه بصفته ...
المشهد الخامس اقسمه إلى عناوين؛ استمع إلى قول جعفر بقلبك وعقلك وليس بأذنيك
« ١ .» العنوان الأول : كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ
كيف يا سيدنا جعفر!:
ألستم أهل الحرم !
ألستم أصحاب رحلة الشتاء والصيف !
ألستم الذي أطعمكم ربكم من جوع وأمنكم من خوف ! .. أستمع إليه :
كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ :
« ١ . » نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ ،
وَ
« ٢ . » نَأْكُلُ الْمَيْتَةَ ،
وَ
« ٣ . » نَأْتِي الْفَوَاحِشَ ،
وَ
« ٤ . » نَقْطَعُ الْأَرْحَامَ ،
وَ
« ٥ . » نُسِيءُ الْجِوَارَ ،
وَ
« ٦ . » يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ ،
فَــ
كُنَّا عَلَىٰ ذَلِكَ ، حَتَّىٰ بَعَثَ اللَّهُ إلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا :
صِفه لنا يا سيدنا جعفر :
« ١ . » نَعْرِفُ نَسَبَهُ
وَ
« ٢ . » صِدْقَهُ
وَ
« ٣ . » أَمَانَتَهُ
وَ
« ٤ . » عَفَافَهُ ،
فَــ
إلى ما يدعوكم يا جعفر:
دَعَانَا إلَىٰ اللَّهِ لِــ
« ١ . » نُوَحِّدَهُ
وَ
« ٢ . » نَعْبُدَهُ ،
وَ
« ٣ . » نَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ
وَ
بناءً على التوحيد والعبادة والخلع بما يأمركم يا جعفر !:
« * » أَمَرَنَا
بِــ
« ١ . » صِدْقِ الْحَدِيثِ ،
وَ
« ٢ . » أَدَاءِ الْأَمَانَةِ ،
وَ
« ٣ . » صِلَةِ الرَّحِمِ ،
وَ
« ٤ . » حُسْنِ الْجِوَارِ ،
وَ
« ٥ . » الْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ ،
وَ
وبما ينهاكم يا جعفر !:
« ١ . » نَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ ،
وَ
« ٢ . » قَوْلِ الزُّورِ ،
وَ
« ٣ . » أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ ،
وَ
« ٤ . » قَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ ؛
وَ
ثم بماذا أمركم :
« * » أَمَرَنَا أَنْ :
« ١ . » نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ ،
« ٢ . » لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ،
وَ
« * » أَمَرَنَا
بِـ
« ٣ . » الصَّلَاةِ
وَ
« ٤ . » الزَّكَاةِ
وَ
« ٥ . » الصِّيَامِ –
قَالَتْ ( أم سلمة ) : فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ –
فَــ
فكيف كان تصرفكم - يا جعفر - تجاه حزمة هذه المفاهيم ؛ وكتلة تلك المقاييس ومجموع تلك القناعات ؛ وهذه القيم العالية :
« ١ . » صَدَّقْنَاهُ
وَ
« ٢ . » آمَنَّا بِهِ ،
وَ
« ٣ . » اتَّبَعْنَاهُ عَلَىٰ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ ،
فَــ
« ٤ . » عَبَدْنَا اللَّهَ وَحْدَهُ ،
فَــ
« ٤ . ١ . » لَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ،
وَ :
« ٥ . » حَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ،
وَ
« ٦ . » أَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا ،
فماذا كان رد فعل قومكم يا سيدنا جعفر!:
فَــ
« * » عَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا ،
فَــ
ماذا فعلوا بكم يا جعفر ! :
« ١ . » عَذَّبُونَا ،
وَ
« ٢ . » فَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا ، لِــ
« ٣ . » يَرُدُّونَا إلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَىٰ ،
وَ
« ٤ . » أَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنْ الْخَبَائِثِ ،
فَــ
ماذا ستفعلون يا جعفر !:
« ١ . » لَمَّا قَهَرُونَا
وَ
« ٢ . » ظَلَمُونَا
وَ
« ٣ . » ضَيَّقُوا عَلَيْنَا ،
وَ
« ٤ . » حَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا ،
ماذا ستفعلون يا جعفر !:
« ١ . » خَرَجْنَا إلَىٰ بِلَادِكَ ،
وَ
« ٢ . » اخْتَرْنَاكَ عَلَىٰ مَنْ سِوَاكَ ؛
وَ
« ٣ . » رَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ ،
وَ
« ٤ . » رَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ .
********
بلاغة الفصحاء... وحكمة الحكماء .. وبرهان الأذكياء .. وحجة النبهاء .. وفصاحة العلماء :
قَالَتْ ( أم سلمة ) :
فَــ
ماذا فعل اصحمة النجاشي الحبشي أمام تلك البلاغة والحكمة والبرهان والحجة والفصاحة :
قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ :
« هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ؟ »
قَالَتْ : فَــ
قَالَ لَهُ جَعْفَرٌ :« نَعَمْ »؛ فَــ
قَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ « فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ » ،
قَالَتْ : فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ سورة مريم:{ كهيعص }
ماذا كان رد فعل الملك النصراني النجاشي!:
قَالَتْ : فَــ :
« ١ . » بَكَىٰ وَاَللَّهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّىٰ اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ،
وَ
« ٢ . » بَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّىٰ أَخْضَلُّوا مَصَاحِفَهُمْ ، حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ قَالَ ( لَهُمْ ) النَّجَاشِيُّ : « إنَّ هَذَا وَاَلَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ ، انْطَلِقَا ،فَلَا وَاَللَّهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إلَيْكُمَا ، وَلَا يُكَادُونَ . ".

[ * . ] الْوِشَايَةُ .. وَالسِّعَايَةُ:
قَالَتْ ( السيدة الجليلة أم سلمة :" هند " راوية الحديث وشاهدة المواقف كلها ) : فَلَمّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ :" وَاَللهِ لَآتِيَنّهُ غَدًا عَنْهُمْ بِمَا أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ ".
قَالَتْ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ- وَكَانَ أَتْقَى الرّجُلَيْنِ فِينَا :" لَا نَفْعَلُ؛ فَإِنّ لَهُمْ أَرْحَامًا، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا ".
قَالَ :" وَاَللهِ لَأُخْبِرَنّهُ أَنّهُمْ يزعمون أن عيسىٰ بن مَرْيَمَ عَبْدٌ " ،
قَالَتْ: ثُمّ غَدًا عَلَيْهِ مِنْ الْغَدِ، فَــ
قَالَ لَهُ :" أَيّهَا الْمَلِكُ، إنّهُمْ يَقُولُونَ فى عيسىٰ بن مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا، فَأَرْسِلْ إلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمّا يَقُولُونَ فِيهِ " .
قَالَتْ: «„ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ، لِيَسْأَلَهُمْ عَنْهُ ”» .
قَالَتْ: «„ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا قَطّ ”» . فَــ
اجْتَمَعَ الْقَوْمُ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: «„ مَاذَا تَقُولُونَ فى عيسىٰ بن مَرْيَمَ إذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ ”» .
قَالُوا: «„ نَقُولُ - وَاَللهِ - [فيه] مَا قَالَ اللهُ، وَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبِيّنَا، كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ ”» .
قَالَتْ: «„ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ ”» ،
قَالَ لَهُمْ: „ مَاذَا تَقُولُونَ فى عيسىٰ ابن مريم؟ ” .
قالت: «„ فقال [له] جعفر ابن أَبِي طَالِبٍ: «„ نَقُولُ فِيهِ الّذِي جَاءَنَا بِهِ نبيّنا - صلّى الله عليه وسلم - : هُوَ :
«„ ١ ”» عَبْدُ اللهِ ؛
وَ :
«„ ٢ ”» رَسُولُهُ،
وَ :
«„ ٣ ”» رُوحُهُ،
وَ :
«„ ٤ ”» كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَىٰ مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ.
قَالَتْ: «„ فَضَرَبَ النّجَاشِيّ بِيَدِهِ إلَىٰ الْأَرْضِ، فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ”» ،
ثُمّ
قَالَ: „ وَاَللهِ مَا عَدَا عِيسَىٰ ابْنَ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ ” ،
ثم اصدر النجاشي أوامره :
« „ ١. “» الأمر الأول : وجه كلامه إلىٰ بطارقته واساقفته
قَالَتْ: «„ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ ”» ، فَــ
قَالَ: „ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاَللهِ،
« „ ٢. “» الأمر الثاني لـلنجاشي :
اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ شُيُومٌ بِأَرْضِي ‟ -
وَالشّيُومُ: الْآمِنُونَ-
« „ ٣. “» الأمر الثالث لــلنجاشي : مَنْ سَبّكُمْ غرم، ثم قال: مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ،
ثُمّ قَالَ:
« „ ٤. “» الأمر الرابع لــلنجاشي : مَنْ سَبّكُمْ غَرِمَ مَا أُحِبّ أَنّ لِي دَبَرًا مِنْ ذَهَبٍ، وَأَنّي آذَيْت رَجُلًا مِنْكُمْ- ‟.
قَالَ ابْنُ هشام: ويقال: دبرى مِنْ ذَهَبٍ. وَيُقَالُ فَأَنْتُمْ سُيُومٌ، وَالدّبَرُ - بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ: الْجَبْلُ -
« „ ٥. “» الأمر الخامس لــلنجاشي :
„ رُدّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا، فَلَا حَاجَةَ لى بها، فو الله مَا أَخَذَ اللهُ مِنّي الرّشْوَةَ حِينَ رَدّ عَلَيّ مُلْكِي، فَآخُذَ الرّشْوَةَ فِيهِ، وَمَا أَطَاعَ النّاسَ فِيّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ.
قَالَتْ: „ فَخَرَجَا مِنْ عنده مقبوحين، مردودا عليهما ما جاآ بِهِ، وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ، مَعَ خَيْرِ جار ".

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “
سلسلة بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
أبحاث السيرة المحمدية العطرة علىٰ صاحبها أفضل السلامات وكامل الصلوات وعظيم الرحمات والتبريكات!
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى -
حُرِّرَ في يوم الخميس : 06 من شهر ربيع ثان 1443 من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 11 من شهر نوفمبر عام 2021 من الميلاد العجيب للسيد المسيح ؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 11 / 2021, 56 : 11 AM
﴿ « „ ٩٥ ‟ » ﴾" الْمُجَلَّدُ السَّابِع .. « „ الْهِجْرَة ‟ »

[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛ („ و صَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً “)
" الْهِجْرَةُ " "
-*-*-

الْهِجْرَةُ الثَّانِيَةُ

[ ٣. ] الْبَابُ الثَّالِثُ : ﴿ ذِكْرُ الْهِجْرَةِ الثَّانِيَةُ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ﴾

- أحداث العام: 6 قبل الهـجرة الشريفة ~ 616 بعد الميلاد العجيب
-*-*-
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*

*-*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “
سلسلة بحوث:
﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء ؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
أبحاث السيرة المحمدية العطرة علىٰ صاحبها أفضل السلامات وكامل الصلوات وعظيم الرحمات والتبريكات!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى–
حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من شهر ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 11 / 2021, 46 : 02 PM
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــتنبيه:
هذه البحوث تخص موقع :"ملتقى أهل العلم"؛ فلا تنقل إلا بإذن خاص من إدارة الموقع!





﴿ « „ ٩٦‟ » ﴾

[ ٧ ] " الْمُجَلَّدُ السَّابِع .."

[ ٤ ] الْبَابُ الرَّابِعُ : [ " مُقَاطَعَةُ " قُرَيْشٍ لِـ بَنِي هَاشِمٍ وَ بَنِي الْمُطّلِبِ: ]

أحداث سَنَةَ سَبْعٍ[(1)] مِنْ الْبَعْثَةِ
التَّمْهِيدُ لِــ الْمُقَاطَعَةِ :

صحيفة مقاطعة قريش لبني هاشم:
أ . ) المقاطعة القُرشية لبني هاشم ؛ وبني عبدالمطلب في شِعبِ أبي طالب حدثتْ في مرحلةٍ مهمةٍ مِن مراحل الدعوة وفق التسلسلِ الزمني بين مفاصل وروابط أحداث السيرة النبوية [خاصة العهد المكي]، إذ أن هناك :
* . ] سيرة محمديّة تبدء من عهد أبي البشر آدم -عليه السلام؛ وعلى رسولنا الصلاة والسلام والبركات والإنعام- مرواً بكافة السادة الأنبياء والمرسلين السابقين على خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين ].. وتكلمتُ عنها ... وآخرىٰ
* . ] سيرة نبويّة تبدء من لحظة إثبات نبوته ووقت تبليغه بالرسالة -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ... وتحتاجان -السيرة النبوية العطرة بــ جزئيها الكبيرين: السيرة النبوية العطرة قبل بعثته.. والسيرة النبوية بدءً من البعثة- منا لدراسة تفصيلية منهجية علمية إدراكية فهمية كي لا نقع في أخطاء كما يحدث الأن ومنذ زمن... ممن تلحف بوشاح الإسلام دون فهمه؛ وارتدي ***ابه دون إدرك وفهم صحيحيين؛ والأحداث المتوالية والمتلاحقة والمتشابكة إثناء فترة بعثة النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-تُظهر للمتتبع الفاحص الدارس بوضوح مدىٰ الجهد والصبر والبذل والعطاء الذي قدمه النبي الكريم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-والثلة الصالحة من صحابته -رضوان الله تعالى عليهم- كما أنها أحكام شرعية عملية ودروس وعبر مستفادة يحتاجها حامل الدعوة [ لا استخدم لفظ "الداعية" [كما نسمع في وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الإجتماعي؛ وتقديم شيخ جليل للدرس فوق المنابر]؛ إذ أن الآية القرآنية تخبر عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- فتقول: { وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ... } [(2)] ؛ ومَن يأتي مِن بعده -عليه السلام- فهو يحمل ما دعا إليه المصطفى المجتبى المحتبى المرتضى] ...
أكمل : إذ شكلت هذه المقاطعة حدثاً مفصلياً في :" التاريخ(!) الإسلامي " لتوثيق فترة بدايات الدعوة الإسلامية، وذلك لإظهار دين الله -تعالى- على يد نبيه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وذلك لما احتوته مِن إظهار التعنت القُرشي في البقاء علىٰ الجاهلية؛ والتمسك بتقاليد الأباء وعادات الأجداد وما توارثوه عبر الأجيال -وهذا مازال يحدث في بعض الأماكن بصور متعددة أو مختلفة- ؛ فقد كان :
سبب وجود تلك المقاطعة في الأساس :
- هدم الدين الجديد الذي بعثه الله -تعالى- لهداية البشرية جمعاء ،
و
- الضغط على أوائل المسلمين لتسليم نبيهم :
- للقتل .
و
وما نجم عن المقاطعة مِن أحداث وحيثيات صبَّت في إعداد وبناء وتخريج الفئة الصادقة والمؤمنة الصابرة علىٰ الأذىٰ في سبيل نشر الدين ... وهذا لم تتوقعه أو تفهمه قُريش.
و
* . ] قبل الخوض في أسباب المقاطعة القُرشية لابد من البحث في الظروف التي تطلبت واستدعت أو فرضت وحتمت علىٰ قريش الاتفاق لــ إقرار مقاطعة بني هاشم ؛ وذلك لأن أي فعلٍ ذي نتائج سلبية وقوية في طبيعتها لا تصدر عفواً لمجرد أمر بسيط ؛ أي لابد من إيراد المقدمات التي قدمتها قُريش للرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والتي في نظرهم كانت عروضاً مجزية ومغرية -حسب تصورهم الضيق - إلا أن الرفض الذي كان يقابلهم أدىٰ إلىٰ عجزهم عن استحداث عرض جديد مغرٍ يقبله النبي المرسل مِن قِبل السماء -وهذا في حقيقة أمره- أو أنه مثل أي رجل منهم يقبل ما يقدمونه مع ما تبدل وتعدل من وُصفه بالصادق الأمين ... وكذبا وزوراً في زعمهم بعد التبليغ ، فاضطروا إلىٰ أسلوب الحصار أو المقاطعة للإجبار بالقوة حتىٰ يترك نبي الدين الجديد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-رسول الإسلام - الذي كُلف أن ينشره من فوق سبع سماوات.
ب . ) أما المقدمات المغرية التي قدمتها قريش للرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- والتي في نظرهم كانت عروضاً مجزية إلا أن الرفض الذي كان يقابلهم أدىٰ إلىٰ عجزهم عن تقديم المزيد أو ما يجعله -عليه السلام- في ظنهم يَقبل بتلك العروض ، فاضطروا إلىٰ أسلوب الحصار أو المقاطعة للإجبار بالقوة حتىٰ يترك النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- دعوته التي كُلف أن ينشرها من فوق سبع سماوات ...
عرضَ كفارُ قريش علىٰ الرسول الكريم -الرجل وليس النبي الرسول- أن :
[ أ . ] يزوجوه أفضل النساء،
و
[ ب . ] ينصبوه عليهم ؛ فيصير ملكاً، و
أن :
[ ج . ] يعطوه ما شاء من المال حتىٰ يترك سب آلهتهم ...

ــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا نفهم أن العروض الثلاثة موجه إلى رجل وتغابوا عن أنه رسول مرسل ونبي يبلغ رسالة ربه؛ فالحديث من طرفهم عن ذكر - رجل - يرغب في النساء .. ويرغب في أن يصير ملكاً يتحكم ويأمر وينهي وأنه يصير أغناهم مالا وجاهٍ.. وهنا يبرز للمتابع لهذا الجزء من الأحداث ضيق أفق المعاند لدين الله -تعالى- وكانت المفاجأة هي الرفض..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إلا أن النبي محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رفض تلك العروض وامتنع عن قبولها، فحاولوا منعه بطريقة آخرىٰ ... و
الجدير بالذكر أنهم -قريش- اتخذوا عدة وسائل وأساليب وطرق ؛ فــ
[ * . ] شكوه إلىٰ أبي طالب؛ عمه الشفيق عليه والشقيق لأبيه عبدالله بن عبدالمطلب، و
[ * . ] عرضوا علىٰ أبي طالب إن هو أعطاهم ابن أخيه محمداً -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يعطوه أنهد فتىٰ في قريش : عمارة بن الوليد، ويقوموا بــ
[ * . ] قتل محمد [النبي/الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ] وتعويضه بعمارة ... إلا أن قُريش لم تدرك الحقيقة الكامنة في نفس الرسول الكريم وما يستحوذ على عقله وفؤاده ولبه وقلبه وفهمه وإدراكه ووعيه ألا وهو :" تبليغ رسالة السماء " الأخيرة والخالدة التي بُعث لينشرها للعالم اجمع ، بشكل : «„ ملفتٍ للنظر ». وهذا العرض الملفت للنظر هو ما اثار حفيظتهم وأغضبهم ... لذا استمرت العروض القُرشية للنيل من محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [(3)].
ــــــــــــــــــــــــ
وهذا أيضاً غاب عن حملة الدعوة اليوم.. إذ أن البحث هو تبليغ رسالة السماء للناس كافة.. في مشارق الأرض ومغاربها.. وانظر .. يوجد في القارة الأورُبية ما يقترب من خمسين مليون مسلم من أصول تركية وعربية وافغانية (آسيوية أفريقية) تسكن منذ سنوات تلك القارة العجوز ولا تجد حركة تبليغ الإسلام بشكله الصحيح وفق سيرته وهديه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بل تجد جماعة سياحية تسمى نفسها التبليغ والدعوة لا تحسن لغة القارة: من فرنسية وإيطالية وألمانية تجوب القارة شمالا وجنوباً تعني نفسها بحمل الدعوة دون طريقته وهديه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو دون إحسان لغة القوم؛ وليست الإنجليزية وحدها هي لغة القارة أو فريق يوزع قرآن مترجم في الساحات والميادين دون عرض ونقاش أو محاورة غير المسلم وهناك ايضاً الجماعات الآخرى..
اقول (الرمادي): وهذا ليس تقليل من شأن المسلم الذي يريد رفع شأن الإسلام.. في بلاد الغرب أو العرب أو عند العجم.. ولكن ما ينزعج إليه المرء هو غياب الطريقة الشرعية النبوية في حمل الدعوة وتبليغها بشكل ملفت للنظر . ولعل قابل الايام يكون فيه الخير الوفير.. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات!
ـــ ولعل ما أفشل الكثير من الحركات الإسلامية بغض النظر عن ثوبها أو دثارها أو وشاحها أنها -الحركات الإسلامية- لم تستطع أن تقدم الإسلام في القرن الواحد والعشرين بشكل ملفت للنظر.. أو ما يسميه البعض -تجاوزا من طرفي- تجديد الخطاب الديني .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
إلا أن مساعيهم -صناديد قريش- جميعها باءت بالفشل. وقد كان موقف أبي طالب [آحدىٰ الشخصيات المحورية في حياة النبي-عليه السلام-؛ ستوجد كملف كامل في نهاية البحوث -بمشيئته تعالى ذكره ومن بعد إذنه وبفضله وكرمه ملاحق - ] في وجه المشركين من قُريش موقفاً محموداً مشكوراً، فقد منع الرسول الكريم، -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من أن تطاله قُريش بأذىٰ.. فزاد ذلك من قوة محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-للمضي فيما بعث من أجله، عند ذلك
[ * . ] اجتمعت قُريش ورأت أنه لابد مِن الضغط الفعلي والمؤثر، إذ إن ما سبق كان مجرد محاولات مادية بالإغراء بــ المال أو النساء أو المُلك.. والتأثير باللسان؛ ولابد من القوة لتغيير الواقع الذي كان الرسول سائراً فيه من الدعوة إلىٰ الله -تعالى-.
* . ] زادت حدة المواجهة بين قُريش والرسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ومن وقف معه فــ قد
أورد ابن إسحاق في أسباب المقاطعة :"... فلما سمعت قريش بذلك ورأوا منه الجد وأيسوا منه، فأبدوا لبني عبدالمطلب الجفا.
فــ قَالَ مُوسَىٰ بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ :" ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ اشْتَدُّوا عَلَىٰ [(4)] الْمُسْلِمِينَ كَأَشَدِّ مَا كَانُوا ، حَتَّى بَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الْجُهْدُ ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ ، وَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ فِي مَكْرِهَا أَنْ يَقْتُلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَانِيَةً ، فَلَمَّا رَأَى أَبُو طَالِبٍ عَمَلَ الْقَوْمِ جَمَعَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شِعْبَهُمْ ، وَأَمَرَهَمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّنْ أَرَادُوا قَتْلَهُ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ، مُسْلِمُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ حَمِيَّةً(!) ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَعَلَهُ إِيمَانًا وَيَقِينًا، فَلَمَّا عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ الْقَوْمَ قَدْ مَنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وَأَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ ، اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَتَعَاقَدُوا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ وَبَنِي عَبْدِمَنَافٍ أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ ، وَلَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُكَلّمُوهُمْ وَلَا يُجَالِسُوهُمْ ، وَلَا يَدْخُلُوا بُيُوتَهُمْ ، حَتّى يُسَلّمُوا إلَيْهِمْ رَسُولَ اللّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِلْقَتْلِ ، وَكَتَبُوا -فِي مَكْرِهِمْ- بِذَلِكَ صَحِيفَةً وَعُهُودًا وَمَوَاثِيقَ ، لَا يَقْبَلُوا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ أَبَدًا صُلْحًا ، وَلَا تَأْخُذُهُمْ بِهِمْ رَأْفَةٌ ، حَتَّى يُسْلِمُوهُ لِلْقَتْلِ . وَعَلّقُوهَا فِي سَقْفِ الْكَعْبَةِ [(5)]

وانطلق بهم - بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ - أبو طالب...
رَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قُرَيْشًا أَظْهَرُوا لِبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ الْعَدَاوَةَ وَالشَّتْمَ ، فَجَمَعَ أَبُوطَالِبٍ رَهْطَهُ ، فَقَامُوا بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَدْعُونَ اللَّهَ عَلَىٰ مَنْ ظَلَمَهُمْ مِن قومهم لهم وفي قطيعتهم أرحامهم ، واجتماعهم على محاربتهم ، وتناولهم بسفك دمائهم... وَ
قَالَ أَبُوطَالِبٍ : " اللهم إِنْ أَبَىٰ قَوْمُنَا إِلَّا الْبَغْيَ عَلَيْنَا فَعَجِّلْ نَصْرَنَا، وَحُلْ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْ قَتْلِ ابْنِ أَخِي، ثُمَّ دَخَلَ بِآلِهِ الشِّعْبَ [(6)].
ثم
أقبل إلىٰ جمع قُريش وهم ينظرون إليه وإلىٰ أصحابه، فقال أبوطالب:" ندعو برب هذا البيت علىٰ القاطع المنتهك للمحارم ... والله لتنتهين عن الذي تريدون أو لينزلنَّ اللهُ بكم في قطيعتنا بعض الذي تكرهون ". فــ
أجابوه:" إنكم يا بني عبدالمطلب، لا صلح بيننا ولا رحم إلا علىٰ قتل هذا الصبي السفيه"[(7)].
كانت قُريش مصرة علىٰ قتل [التصفية الجسدية بعد أن فشلوا في التشوية المعنوي] الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على الرغم من محاولة أبي طالب السابقة بمنعهم.
*.] ويقول ابن إسحاق في روايةٍ :
" فلما قدم عمرو بن العاص، وعبدالله بن أبي ربيعة إلىٰ قُريش وأخبراهم بالذي قاله النجاشي لمحمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه اشتد وجدهم، وآذوا النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وأصحابه أذى شديداً، وضربوهم في كل طريق، وحصروهم في شعبهم"[(8)] ،
إلا أن
ابن هشام قد أورد عدة أسباب للمقاطعة القرشية في روايته عن ابن إسحاق، حيث جاء في الرواية أنه لما :
" رأت قُريش أن أصحاب رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد ذهبوا إلى الحبشة وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه...
و
هنا اعتمدُ ما :" قَالَه ابْنُ هِشَامٍ عَنْ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ :
" فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدْ نَزَلُوا بَلَدًا أَصَابُوا مِنْهُ أَمْنًا وَقَرَارًا ، وَأَنَّ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَنَعَ مَنْ لَجَأَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ[(9)]، وَعَادَ إِلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مِنَ عند النَّجَاشِيِّ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ مَنْعِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ وَأَمْنِهِمْ عِنْدَهُ[(10)] ...
وَ
أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَمّهُ ...
وَ
أَنَّ عُمَرَ بن الخطاب قَدْ أَسْلَمَ من بعده ،
فَــ
كَانَ هُوَ وَحَمْزَةُ -رضي الله تعالى عنهما- مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ ... وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَوُوا بِإِسْلَامِ حَمْزَةَ وَعُمَرَ[(11)] ، وَجَعَلَ الْإِسْلَامُ يَفْشُو فِي الْقَبَائِلِ[(12)] ، وَيَزِيدُ[(13)] ، أجمعوا علىٰ قتل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(14)] .
ولعلها تكون خطوة أخيرة ... وسبقتها آخرى : فَاجْتَمَعُوا وَأْتَمَرُوا فِي أَنْ يَكْتُبُوا كِتَابًا يَتَعَاقَدُونَ فِيهِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ[(15)].
*.] وأورد مضمون روايتا ابن إسحاق وابن هشام العديد من المصادر التاريخية ، فقد اجتمعت في جميع الروايات أسباب المقاطعة القرشية لبني هاشم كما جاءت عند ابن إسحاق وابن هشام لكن مع أختلاف الرواة كموسى ابن عقبة والزهري وابن إسحاق[(16)] .
*. ] المقاطعة القُرشية وقعت لسبب مباشر ...
و
لــ أسباب غير مباشرة.
أما
*. ] السبب المباشر فيقع في سعي قُريش الدائم لــ :
- « قَتل الرسول » -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- و :
- « التخلص منه نهائياً »؛ و
هذا ما تم بالفعل الإتفاق عليه -لاحقاً- وسأتعرض لهذه المفصلية من سيرته العطرة في قابل البحوث - إن شاء الله تعالى ويسر لي البحث -
فـ...
كانت المقاطعة لكي يعاني القوم من التعب والأذىٰ فبذلك يتخلوا عن نصرة النبي الكريم فيقوموا بقتله .
أما :
*. ] الأسباب غير المباشرة للمقاطعة فتتلخص بما يلي :
*. ] إدراك قُريش أن ما تقوم به من أذىٰ للمسلمين لن يحول دون إقبال الناس علىٰ الإسلام... إذ رأت أن بني هاشم يقومون بحماية النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فلا تستطيع أن تصل لما تريد ، لذلك قررت أن توقع علىٰ بني هاشم عقوبة قاسية لتجبر بني هاشم علىٰ التخلي عن موقفهم في حماية النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وتضطرهم إلىٰ تسليمه أو الكف عن نصرته[(17)] ، ولأن قريش شعرت بخطورة الموقف الذي ينتظرها نتيجة فشلها في منع الرسول الكريم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من مواصلة الدعوة[(18)] .
*
أضف ما هو مهم للغاية نتيجة تسلسل الأحداث بشكل لم تتوقعه قريش مثل :
١ . ] إسلام عمر بن الخطاب ... وحمزة بن عبدالمطلب. فــ
قد قال أبوجعفر الطبري : „ وأسلم عمر بن الخطاب - رحمه الله -، فلما أسلم وكان رجلا : جلداً ؛ جليداً ؛ منيعاً، وكان قد أسلم قبل ذلك حمزة بن عبدالمطلب ” [(19)] ، وكان لإسلامهما الأثر الكبير في وهن ألم بنفوس قُريش ، وايضاً في إرتفاع نفسية مَن أسلم قبلهما، إذ كانت لهما منزلة مرموقة ومكانة مهيبة في صفوف قريش ، وبإسلامهما قويت شوكة الإسلام ، وبإسلامهما سوف يتشجع مَن هو خائف في إعلان إسلامه.
٢ . ] حماية النجاشي للمسلمين الذين ذهبوا إليه ، وما تبع ذلك من فشل „ السفارة ” القُرشية في تسليم من عنده من المسلمين.
فــ
كان لهذا الأثر الكبير في تدعيم القوة الإسلامية ... أي أنه أصبح للإسلام يدٌ قوية خارج شبه جزيرة العرب في الحبشة ، عند النجاشي الملك العادل الذي لا يظلم عنده أحد كما وصفه النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
٣ . ] أرادت قُريش محاصرة بني هاشم في الشِّعب ومقاطعتهم من أجل التضييق عليهم، مما يدفعهم إلىٰ تسليم الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هذا من وجهة رأي قُريش- حتىٰ يظهروا أن أقارب الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هم من خذلوه ودفعوه إليهم لقتله أي أن الرفض للرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد بدأ منهم -أتباعه-(!) للخلاص من الأذى والإرهاق بسببه.
٤ . ] تغيير ميزان القوىٰ في قُريش حيث أن هذا الدين الجديد إذا ما نجح فسوف يسيطر به الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ زمام الأمور، وسوف تكون الامتيازات لبني هاشم لانتماء النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إليها وإبعاد سواهم وهذا ما كان يخشاه مشركو قُريش.
إذ أن سلطة الجاة والسلطان والقوة المادية والمالية لقُريش ستزول وستآؤل لبني هاشم ولمحمد -الرجل- ولأتباعه دونهم.
٥ . ] انتشار الإسلام في القبائل[(20)] لكن الإسلام كان لا يزال في تلك المرحلة في مراحله „ المبكرة ” ،
لكن
ما أراد أن يوصله الطبري وابن كثير ومن قبلهم ابن إسحاق وأيضا ابن عبدالبر، عندما أوردوا أن الإسلام أخذ يفشو في القبائل، وقامت قريش وكتبت صحيفة أو اتفقوا على مقاطعة بني هاشم،
و
لعل المقصود بذلك هو : „ الجهر ” بالقرآن، خاصة أن قبل تلك الفترة كانوا يتذاكرون القرآن وأمور الدين : „ سراً ”و : „ خفية ”، ويؤيد ذلك ما جاءت به رواية تقي الدين المقريزي الذي قال : " فلما أسلم عمر -رضي الله عنه- قاتل قريشاً حتىٰ صلىٰ عندها ، وصلىٰ معه المسلمون، وقد قووا بإسلامه وإسلام حمزة -رضي الله عنهما-، و: „ جهروا ” بالقرآن ولم يكونوا قبل ذلك يقدرون أن يجهروا به ، ففشا الإسلام وكثر المسلمون ". [(21)]



تَذْكرُ لنا المصادر المعتمدة عن السيرة النبوية[(22)] :
" أَسْلَمَ حمزة عَمُّهُ وَجَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ ، وَفَشَا الْإِسْلَامُ فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْلُو وَالْأُمُورُ تَتَزَايَدُ ، أَجْمَعُوا عَلَىٰ أَنْ يَتَعَاقَدُوا عَلَىٰ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي عَبْدِمَنَافٍ :
أَنْ :
1.]- „ لَا يُبَايِعُوهُمْ ” شَيْئًا ، وَ
2.] - : „ لَا يَبْتَاعُوا مِنْهُمْ ” ،
3.]- : „ لَا يَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ ” وَ
4.] - : „ لَا يُنْكِحُوهُمْ ” [لَا يُنْكِحُوا : „ الزواج” من بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ ] ،
وَ
5.] - : „ لَا يُكَلِّمُوهُمْ ” ،
وَ
6.] - : „ لَا يُجَالِسُوهُمْ ” ...
حَتَّى
يُسَلِّمُوا إِلَيْهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، وَكَتَبُوا بِذَلِكَ صَحِيفَةً [(23)]



„ مكان صحيفة المقاطعة ”
وَعَلَّقُوهَا فِي :
- : „ سَقْفِ الْكَعْبَةِ ” فَلَمَّا اجْتَمَعُوا لِذَلِكَ كَتَبُوا فِي صَحِيفَةٍ ، ثُمَّ تَعَاهَدُوا وَتَوَاثَقُوا عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ عَلَّقُوا الصَّحِيفَةَ فِي :
- „ جَوْفِ الْكَعْبَةِ ” (قَالَ الْوَاقِدِيُّ : وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ مُعَلَّقَةً فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ) ؛ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ[(24)]
-*-*-
ولإتمام هذه الجزئية من البحث :
ذهبتْ بعض المصادر إلىٰ أن الصحيفة لم تكن معلقة في الكعبة ، وإنها كانت عند
- „ أم الجلاس بنت مخربة الحنظلية ” ؛ خالة أبي جهل [(25)] .
و
قد ذكر أنها عند
- „ أختها ” „ أم أبي جهل ” ؛ وهي „ أسماء ابنة مخربة التميمية ” ؛
أو
- „ طعيمة بن عدي ”[(26)] .
و
الأقرب للصحة فإن مكانها في الكعبة؛ وذلك لأنه عندما تم نقض الصحيفة أمام الناس وجد أنها في الكعبة[(27)]
" كَاتِبُ الصَّحِيفَةِ "
يُقَالُ : كَتَبَهَا :
" مَنْصُورَ بْنَ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ عَبْدِالدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ[(28)]،
وَ
يُقَالُ بل :
" النَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ، ويزعمون : فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَــ شُلَّ بَعْضُ أَصَابِعِهِ . وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ : كَانَ الَّذِي كَتَبَ الصَّحِيفَةَ :
" طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيُّ .
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ :
" مَنْصُورُ بْنُ عِكْرِمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ الَّذِي شُلَّتْ يَدُهُ ، فَمَا كَانَ يَنْتَفِعُ بِهَا ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَقُولُ بَيْنَهَا : انْظُرُوا إِلَى مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ . وَ
الصّحِيحُ أَنَّهُ :
" بَغِيضُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمٍ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَشُلّتْ يَدُهُ[(29)].



- „ ما آل إليه مصير كاتب الصحيفة ” :
هناك „ زعم ” كما ورد في النصوص السابقة أنه شُلت يده بعد دعاء النبي عليه ؛ وكنتُ قد تكلمتُ سابقاً كثيراً بأن الزعم الوارد في تلك النصوص لا يرتفع لدرجة التأكيد !.. فيبقىٰ كما هو : „أنهم يزعمون ”



فَــ
انْحَازَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ إِلَّا أبا لهب -لعنه الله- ، فَإِنَّهُ ظَاهَرَ قُرَيْشًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ [(30)].

" حُبِسٌ فِي شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ" :
وَحُبِسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ مَعَهُ فِي الشِّعْبِ: شِعْبِ أبي طالب لَيْلَةَ هِلَالِ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْبَعْثَةِ ؛ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ[(31)] فَلَبِثَ بَنُو هَاشِمٍ فِي شِعْبِهِمْ ثَلَاثَ سِنِينَ[(32)] ، وَبَقُوا مَحْبُوسِينَ وَمَحْصُورِينَ مُضَيَّقًا عَلَيْهِمْ جِدًّا مَقْطُوعًا عَنْهُمُ الْمِيرَةُ وَالْمَادَّةُ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ ، حَتَّى بَلَغَهُمُ الْجَهْدُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ ، وَقَطَعُوا عَنْهُمُ الْأَسْوَاقَ ، فَلَا يَتْرُكُوا لَهُمْ طَعَامًا يَقَدَمُ مَكَّةَ وَلَا بَيْعًا إِلَّا بَادَرُوهُمْ إِلَيْهِ فَاشْتَرَوْهُ ؛ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكُوا سَفْكَ دَمِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ... وَ
سُمِعَ أَصْوَاتُ صِبْيَانِهِمْ بِالْبُكَاءِ مِنْ وَرَاءِ الشِّعْبِ[(33)].
وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَضَاجِعَهُمْ ، أَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِهِ ؛ حَتَّى يَرَى ذَلِكَ مَنْ أَرَادَ بِهِ مَكْرًا وَاغْتِيَالًا لَهُ ، فَإِذَا نَوَّمَ النَّاسُ ، أَمَرَ أَحَدَ بَنِيهِ أَوْ إِخْوَتِهِ أَوْ بَنِي عَمِّهِ فَاضْطَجَعَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ فُرُشِهِمْ فَيَنَامَ عَلَيْهِ[(34)]،
وَ
هُنَاكَ عَمِلَ أبو طالب قَصِيدَتَهُ اللَّامِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ ، وَأَوَّلُهَا :
جَزَى اللَّهُ عَنَّا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا * عُقُوبَةَ شَرٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلِ[(35)]

" نَقْضُ الصّحِيفَةِ ":
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ فِي ذَلِكَ بَيْنَ رَاضٍ وَكَارِهٍ[(36)]...
عن عروة بن الزبير قال: فَلَمَّا كَانَ رَأْسُ ثَلَاثِ سِنِينَ ، تَلَاوَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، وَمِنْ بني قُصَيٍّ ، وَرِجَالٌ مِنْ سِوَاهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا الرَّحِمَ ، وَاسْتَخَفُّوا بِالْحَقِّ ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُهُمْ مِنْ لَيْلَتِهِمْ عَلَى نَقْضِ مَا تَعَاهَدُوا عَلَيْهِ مِنْ[(37)] الْغَدْرِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُ[(38)] .
فَسَعَى فِي نَقْضِ الصَّحِيفَةِ أقوام من قريش - مَنْ كَانَ كَارِهًا لَهَا ، وَكَانَ الْقَائِمُ في أمر ذَلِكَ هِشَامُ بْنُ عَمْرِو بن ربيعة بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَبِيبِ بن جذيمة بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكٍ بن حسل بن عامر بن لؤي ، مَشَى فِي ذَلِكَ إِلَى الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ وَجَمَاعَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَجَابُوهُ إِلَى ذَلِكَ(*) ، ثُمَّ أَطْلَعَ اللَّهُ -تعالى- رَسُولَهُ -عليه السلام- عَلَى أَمْرِ صَحِيفَتِهِمْ ، وَأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهَا " الْأَرَضَةَ " فَأَكَلَتْ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ جَوْرٍ وَقَطِيعَةٍ وَظُلْمٍ إِلَّا ذِكْرَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَمَّهُ ، فَخَرَجَ إِلَى قُرَيْشٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ ابْنَ أَخِيهِ قَدْ قَالَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا خَلَّيْنَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا رَجَعْتُمْ عَنْ قَطِيعَتِنَا وَظُلِمْنَا ..
قَالُوا : قَدْ أَنْصَفْتَ ، فَأَنْزَلُوا الصَّحِيفَةَ ، فَلَمَّا رَأَوُا الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ازْدَادُوا كُفْرًا إِلَى[(39)] كُفْرِهِمْ ،
فَــ
قَالَ أُولَئِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ : إِنَّ أَوْلَى بِالْكَذِبِ وَالسِّحْرِ غَيْرَنَا ، فَكَيْفَ تَرَوْنَ ، فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي اجْتَمَعْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ قَطِيعَتِنَا أَقْرَبُ إِلَى الْجِبْتِ وَالسِّحْرِ مِنْ أَمْرِنَا ، وَلَوْلَا أَنَّكُمُ اجْتَمَعْتُمْ عَلَى السِّحْرِ ، لَمْ تَفْسَدْ صَحِيفَتُكُمْ وَهِيَ فِي أَيْدِيكُمْ ؛ طَمَسَ اللَّهُ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ اسْمِهِ ، وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ بَغْيٍ تَرَكَهُ ، أَفَنَحْنُ السَّحَرَةُ أَمْ أَنْتُمْ ؟ ! فَقَالَ عِنْدَ ذَلِكَ النَّفَرُ مِنْ بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، وَبَنِي قُصَيٍّ ، وَرِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَدَتْهُمْ نِسَاءٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ؛ مِنْهُمْ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ وَالْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِوَهُشَامُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَتِ الصَّحِيفَةُ عِنْدَهُ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَوُجُوهِهِمْ : نَحْنُ بُرَآءُ مِمَّا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ . فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ : هَذَا أَمْرٌ قُضِيَ بِلَيْلٍ . وَ
أَنْشَأَ أَبُو طَالِبٍ يَقُولُ الشِّعْرَ فِي شَأْنِ صَحِيفَتِهِمْ ، وَيَمْتَدِحُ النَّفَرَ الَّذِينَ تَبَرَّؤُوا مِنْهَا ، وَنَقَضُوا مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ ، وَيَمْتَدِحُ النَّجَاشِيَّ[(40)]
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إِنَّمَا كَانَتْ هِجْرَةُ الْحَبَشَةِ بَعْدَ دُخُولِهِمْ إِلَى الشِّعْبِ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَهُمْ فِي ذَلِكَ[(41)] . فَاللَّهُ أَعْلَمُ .
" معجزة النبي " :
وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَىٰ صَحِيفَتِهِمُ " الْأَرَضَةَ " ، فَلَحَسَتْ كُلَّ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ ، وَيُقَالُ : كَانَتْ مُعَلَّقَةً فِي سَقْفِ الْبَيْتِ فَلَمْ تَتْرُكِ اسْمًا لِلَّهِ فِيهَا إِلَّا لَحَسَتْهُ ، وَبَقِيَ مَا كَانَ فِيهَا مِنْ شِرْكٍ وَظُلْمٍ وَقَطِيعَةِ رَحِمٍ . ثُمّ أَطْلَعَ اللّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- رَسُولَهُ عَلَىٰ أَمْرِ وَالَّذِي صَنَعَ بِصَحِيفَتِهِمْ وَأَنّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهَا الْأَرَضَةَ[(42)] ... و

هناك رواية آخرى :
فَأَكَلَتْ جَمِيعَ مَا فِيهَا مِنْ جَوْرٍ وَقَطِيعَةٍ وَظُلْمٍ إلّا ذِكْرَ اللّهِ -عَزّ وَجَلّ- فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَمّهُ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي طَالِبٍ فَــ
قَالَ أَبُو طَالِبٍ : لَا وَالثَّوَاقِبِ ، مَا كَذَبَنِي . فَانْطَلَقَ يَمْشِي بِعِصَابَتِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ وَهُوَ حَافِلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمَّا رَأَوْهُمْ عَامِدِينَ لِجَمَاعَتِهِمْ ، أَنْكَرُوا ذَلِكَ ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنْ شِدَّةِ الْبَلَاءِ فَأَتَوْهُمْ لِيُعْطُوهُمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَتَكَلَّمَ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ : قَدْ حَدَثَتْ أُمُورٌ بَيْنَكُمْ لَمْ نَذْكُرْهَا لَكُمْ ، فَأْتُوا بِصَحِيفَتِكُمُ الَّتِي تَعَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ صُلْحٌ . وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ، خَشْيَةَ أَنْ يَنْظُرُوا فِي الصَّحِيفَةِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا بِهَا ، فَأَتَوْا بِصَحِيفَتِهِمْ مُعْجَبِينَ بِهَا ، لَا يَشُكُّونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَدْفُوعٌ إِلَيْهِمْ ، فَوَضَعُوهَا بَيْنَهُمْ ، وَقَالُوا : قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَقْبَلُوا ، وَتَرْجِعُوا إِلَى أَمْرٍ يَجْمَعُ قَوْمَكُمْ ، فَإِنَّمَا قَطَعَ بَيْنِنَا وَبَيْنَكُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ ، جَعَلْتُمُوهُ خَطَرًا لِهَلَكَةِ قَوْمِكُمْ وَعَشِيرَتِكُمْ وَفَسَادِهُمْ .
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : إِنَّمَا أَتَيْتُكُمْ لِأُعْطِيَكُمْ أَمْرًا لَكُمْ فِيهِ نَصَفٌ ؛ إِنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ أَخْبَرَنِي وَلَمْ يَكَذِبْنِي ، أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الَّتِي فِي أَيْدِيكُمْ ، وَمَحَا كُلَّ اسْمٍ هُوَ لَهُ فِيهَا ، وَتَرَكَ فِيهَا غَدْرَكُمْ وَقَطِيعَتَكُمْ إِيَّانَا ، وَتَظَاهُرَكُمْ عَلَيْنَا بِالظُّلْمِ ، فَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ الَّذِي قَالَ ابْنُ أَخِي[(43)] كَمَا قَالَ ، فَأَفِيقُوا ، فَوَاللَّهِ لَا نُسْلِمُهُ أَبَدًا حَتَّى نَمُوتَ مِنْ عِنْدِ آخِرِنَا ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ بَاطِلًا ، دَفَعْنَاهُ إِلَيْكُمْ ، فَقَتَلْتُمُوهُ أَوِ اسْتَحْيَيْتُمْ . قَالُوا : قَدْ رَضِينَا بِالَّذِي تَقُولُ . فَفَتَحُوا الصَّحِيفَةَ ، فَوَجَدُوا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَخْبَرَ خَبَرَهَا ، فَلَمَّا رَأَتْهَا قُرَيْشٌ كَالَّذِي قَالَ أَبُو طَالِبٍ
قَالُوا : وَاللَّهِ إِنْ كَانَ هَذَا قَطُّ إِلَّا سِحْرٌ مِنْ صَاحَبِكُمْ ، فَارْتَكَسُوا ، وَعَادُوا بِشَرِّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ ، وَالشِّدَّةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى رَهْطِهِ ، ازْدَادُوا كُفْرًا إلَىٰ كُفْرِهِمْ[(44)].
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : فَأَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، حَتَّى جَهِدُوا ، وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ إِلَّا سِرًّا ، مُسْتَخْفِيًا بِهِ مَنْ أَرَادَ صِلَتَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَدْ كَانَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِيمَا يَذْكُرُونَ لَقِيَ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ مَعَهُ[(45)] غُلَامٌ يَحْمِلُ قَمْحًا ، يُرِيدُ بِهِ عَمَّتَهُ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ ، وَهِيَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ فِي الشِّعْبِ ، فَتَعَلَّقَ بِهِ ،
وَ
قَالَ : أَتَذْهَبُ بِالطَّعَامِ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ ؟ ! وَاللَّهِ لَا تَذْهَبُ أَنْتَ وَطَعَامُكَ حَتَّى أَفْضَحَكَ بِمَكَّةَ .


فَجَاءَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَقَالَ : مَا لَكَ وَلَهُ ؟
فَقَالَ : يَحْمِلُ الطَّعَامَ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ .
فَقَالَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ : طَعَامٌ كَانَ لِعَمَّتِهِ عِنْدَهُ ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ ، أَتَمْنَعُهُ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامِهَا ؟ ! خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ .
قَالَ : فَأَبَى أَبُو جَهْلٍ -لَعَنَهُ اللَّهُ- حَتَّى نَالَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ ، فَأَخَذَ لَهُ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَحْيَ بِعِيرٍ ، فَضَرَبَهُ بِهِ فَشَجَّهُ ، وَوَطِئَهُ وَطْئًا شَدِيدًا وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ قَرِيبٌ يَرَى ذَلِكَ ، وَهُمْ يَكْرَهُونَ أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِهِمْ [(46)]...
- „ الدعوة إلى الإسلام في مرحلة المقاطعة والحصار ” :
وَفي ضوء تأزم الأوضاع على المقاطعين داخل الشعب استمر الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالدعوة إلى الله علىٰ الرغم من الأذى والجهد الذي أصاب بني هاشم وبني عبدالمطلب عامة والمسلمين خاصة...
قال ابن إسحاق: وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ ذَلِكَ يَدْعُو قَوْمَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا ، وَسِرًّا وَجِهَارًا ، مُنَادِيًا بِأَمْرِ اللَّهِ -تَعَالَى- ، لَا يَتَّقِي فِيهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ[(47)] .
وهذا
دليل على الجانب الذي مارسه الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الدعوة إلى الله، و
يعطي درساً لــ " حملة الدعوة " إلى الله كي يستمر في دعوته مهما كانت الصعوبات والعقبات، لأن ذلك قمة الصبر والجهاد في سبيل الله[(48)].
إلا أن قريشاً في ظل ذلك أخذوا يهمزون ويلمزون النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-في الطريق فقد تتابع نزول الوحي[(49)] على النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- داخل الشعب ...
قال ابن إسحاق:...فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ مَنَعَهُ اللَّهُ مِنْهَا ، وَقَامَ عَمُّهُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ دُونَهُ ، وَحَالُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا أَرَادُوا مِنَ الْبَطْشِ بِهِ يَهْمِزُونَهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَيُخَاصِمُونَهُ ، وَجَعَلَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِي قُرَيْشٍ بِأَحْدَاثِهِمْ ، وَفِيمَنْ نَصَبَ لِعَدَاوَتِهِ ، مِنْهُمْ مَنْ سَمَّى لَنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ فِي عَامَّةٍ مَنْ ذَكَرَ اللَّهُ مِنَ الْكُفَّارِ[(50)] .
فَــ
ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَبَا لَهَبٍ وَنُزُولَ السُّورَةِ فِيهِ وَأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ بن وهب بن حذافة بن جمح إذا رأى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- همزه ولمزه، وَنُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى يفضحه[(51)] { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ }[(52)] السُّورَةِ بِكَمَالِهَا فِيهِ وَالْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ وَنُزُولَ قَوْلِهِ تَعَالَى { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا }[(53)] فِيهِ ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَقَوْلَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : لَتَتْرُكَنَّ سَبَّ آلِهَتِنَا ، أَوْ لَنَسُبُّنَّ إِلَهَكَ .
وَنُزُولَ قَوْلِ اللَّهِ فِيهِ { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[(54)]
وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : عَلْقَمَةُ بْنُ كَلَدَةَ قَالَهُ السُّهَيْلِيُّ وَجُلُوسَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي مَجَالِسِهِ ، حَيْثُ يَتْلُو الْقُرْآنَ وَيَدْعُو إِلَى اللَّهِ ، فَيَتْلُو عَلَيْهِمُ النَّضْرُ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ رُسْتُمَ وَأَسْفَنْدِيَارَ وَمَا جَرَى بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُرُوبِ فِي زَمَنِ الْفُرْسِ ،


ثُمَّ
يَقُولُ : وَاللَّهِ ، مَا مُحَمَّدٌ بِأَحْسَنَ حَدِيثًا مِنِّي ، وَمَا حَدِيثُهُ إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، اكْتَتَبَهَا كَمَا اكْتَتَبْتُهَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }[(55)] وَقَوْلَهُ[(56)] { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } [(57)].
ثم
:" رجع بنو هاشم وبنو المطلب إلى مكة، وحصل الصلح برغم من أبي جهل عمرو بن هشام.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الشِّعْبِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ :
بَعْدَ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ مِنَ الْمَبْعَثِ ،
وَ
مَاتَ أبو طالب بَعْدَ ذَلِكَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ ،
وَ
مَاتَتْ خديجة بَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ، وَقِيلَ : غَيْرُ ذَلِكَ [(58)] .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الرجاء؛ مع الشكر : يراجع ما كتبته زنشره موقع ملتقى أهل العلم عن السيدة الجليلة "خديجة بنت خويلد!
تحت عنوان:

النجوم المضيئة والدرر البهيجة المنثورة على طريق السيدة خديجة ؛ صاحبة النسب والحسب والشرف والجمال والمال .
السيدة الطاهرة « خديجة بنت خويلد »
https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=123175
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ذكرتُ في مطلع هذا البحث أن المقاطعة تمت في السنة السابعة مِن البعثة المحمدية ؛
و
إتماماً لهذه الجزئية أكمل البحث والمراجعة تحت أضواء بحث للدكتور سعادة إذ يقول تحت عنوان :
„ زمن المقاطعة ” :
عند الحديث عن زمن المقاطعة القُرشية خلصت الدراسة [لــ د. علاء الدين كامل سعادة] إلىٰ ثلاث : „ 3 ” آراء حول تاريخ وقوعها . فــ
قد جاء عند ابن سعد أن :
[ 1 ] المقاطعة حدثت سنة 7 للبعثة (... حصروا بني هاشم في شعب أبي طالب ليلة هلال المحرم سنة سبع [ 7 ] من حين تنبئ رسول الله، صلى الله عليه وسلم) [(59)] ووافقه في ذلك كل من البيهقي وابن عبدالبر وابن سيد الناس والمقريزي وعمر بن فهد.
وجاء :
[ 2 ] الرأي الثاني يقول بأن المقاطعة حدثت سنة [ 6 ] للبعثة.
فقد أورد اليعقوبي (ثم حصرت قريش رسول الله وأهل بيته من بني هاشم وبني المطلب ابن عبدمناف في الشعب الذي يقال له شعب بني هاشم بعد ست [ 6 ] سنين من مبعثه) [(60)] .
أما :
[ 3 ] الرأي الثالث فقد جاء في رواية واحدة أوردها المسعودي، فقال عما حدث في سنة [ ٤٦ ] لعمر النبي (وفي سنة ست وأربعين كان حصار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وبني هاشم للنبي وبني عبدالمطلب في الشعب) [(61)] ، وبما أن المسعودي أورد أنه في سنة [ ٤١ ] لعمر النبي الكريم بعث نبياً فتكون المقاطعة حدثت سنة [ ٥ ] للبعثة.



إن التباين في الروايات الثلاثة السابقة :
- بين الأولى والثانية سنة واحدة
أما
- الثالثة فتتباين عن الثانية بسنة واحدة وعن الأولى بسنتين،
و
- بتدقيق الملاحظة يُرى أن رواية ابن سعد جاءت بسند في حين أن روايتي اليعقوبي والمسعودي لم توردا سنداً، لهذا بالإضافة إلى موافقة عدد من المؤرخين السابقين لرواية ابن سعد وإيرادها في كتبهم، و
- زيادة في التوضيح فإن هناك حادثة تاريخية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالمقاطعة القرشية، ولها تأثير كبير وفعال في مجريات المقاطعة ألا وهي :
„ الهجرة إلى الحبشة ” : فــ
قد تباينت الآراء كذلك في وقتها :
- أهي معاصرة للمقاطعة
أم :
- هي قبلها :
- أو بعدها، فــ
قد جاء عدد من المؤرخين وأوردوا أن :
„ الهجرة إلى الحبشة ” ؛ كانت قبل „ المقاطعة القرشية ” :
„ أخبرنا محمد بن عمر، أخبرنا يونس بن محمد الظفري عن أبيه عن رجل من قومه قال: وأخبرنا عبيدالله بن العباس الهذلي عن الحارث بن الفضيل قالا:.. وكان مخرجهم -إلى الحبشة- في: [ رجب من السنة الخامسة ] من حين نبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم ” ؛ [(62)] و
بناء على رواية ابن سعد هذه تكون : „ المقاطعة ” ؛ حدثت بعد سنتين [ ٢ ] من „ الهجرة إلى الحبشة ” ؛ وكذلك أورد اليعقوبي الهجرة إلى الحبشة قبل المقاطعة لكن [ دون ذكر تاريخ ] سنة الهجرة إلى الحبشة، وكذلك فعل الطبري والبيهقي وابن عبدالبر، (وذكر الواقدي أن الهجرة الثانية كانت سنة خمس من المبعث) [(63)] .
وأورد ابن هشام حديثه عن الهجرة إلى الحبشة بعد أن انتهى من عرض المقاطعة القرشية، أي أنه استناداً لابن هشام تكون الهجرة إلى الحبشة حدثت بعد المقاطعة القرشية إلا أن البلاذري وازن بين ما سبق (قالوا: ولما رد النجاشي عَمْرَا وعبدالله بن أبي ربيعة المخزومي إلى قريش بغير ما أرادوا وحقق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه وأسلم، ازدادوا على من بالشعب غيظاً وحنقاً) [(64)] يستفاد من هذه الرواية للبلاذري أن الحصار والمقاطعة كانتا واقعتين على الرسول وبني هاشم وبني عبدالمطلب، إلا أنهما ازدادتا فعلياً عندما رجع عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة وذلك إثر فشل : „ السفارة ” ؛ القرشية للنجاشي،
و
جاء في إمتاع الأسماع للمقريزي أن الهجرة الأولى كانت قبل المقاطعة، وأن الثانية كانت أثناء المقاطعة ورجعت بعد خروج المسلمين من الشِّعب[(64)] لكن الحلبي صاحب السيرة الحلبية وافق بين ذلك كله بشأن زمن المقاطعة في أنها السنة السابعة للبعثة
ثم
يذهب الحلبي ويحلل أن ذهاب عمرو بن العاص كان بعد الهجرة الثانية أي بعد دخول بني هاشم وبني عبدالمطلب إلى الشعب[(65)] ،
و
لعل رواية ابن سعد أقرب للصحة أن الهجرة كانت السنة الخامسة للبعثة واشتدت المقاطعة التي بدأت في السنة السابعة للبعثة على المقاطَعين[(66)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
(*) أما بشأن حركة المعارضين للمقاطعة القرشية من حيث بدايتها، ونموها، وتطورها أيضا، فقد
جاء ابن إسحاق برواية مفصلة لذلك الأمر من جوانب الحركة وتفاصيلها و
أورد هذه الرواية عن ابن إسحاق : السهيلي والأصبهاني والطبري في حين جاء عمر بن فهد وابن شاكر الكتبي وابن الأثير برواية مشابهة لرواية ابن إسحاق في مضمونها، و
أما رواية ابن إسحاق فيقول فيها: (ثم أنه قام في نقض الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش، ولم يبل أحد فيها بلاء أحسن ببلاء من هشام ابن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن خبيب بن خزيمة بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي. وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبدمناف لأمه. وكان عمرو ونضلة أخوين لأم. وكان هشام لبني هاشم واصلا. وكان ذا شرف في قومه...ثم أنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وكانت أمه عاتكة بنت عبدالمطلب، فقال لزهير: "قد رضيت أن تأكل الطعام وتلبس الثياب وتنكح النساء وأخوالك حيث قد علمت؟ لا يباعون ولا يباع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم، ولا يأمنون ولا يؤمن عليهم.أما أني أحلف بالله، لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ما أجابك إليه أبدا". قال:"ويحك، فما أصنع؟ أنا رجل واحد". قال، فقال: "قد وجدت ثانيا". قال: "ومن هو؟" قال: "أنا أقوم معك".فقال له زهير: "أبغنا ثالثا". قال: فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، فقال له:"يا مطعم، قد رضيت أن تهلك بطن من بني عبد مناف،وأنت شاهد على ذلك، موافق عليه؟ أما والله، لئن أمكنتموهم من هذه لتجدنهم إليها سراعا منكم" فقال: "ويحك، فما أصنع؟ إنما أنا رجل". فقال: "قد وجدت ثانيا". قال:"فمن هو؟" قال:"أنا". فقال:"أبغنا ثالثا". قال: "قد فعلت". قال:"ومن هو؟" قال: "زهير بن أبي أمية". قال: "فأبغنا رابعا، يتكلم معنا". قال: فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فذكر قرابتهم وحقهم، فقال:"وهل معك من أحد يعين على هذا؟" قال: "نعم المطعم بن عدي وزهير ابن أبي أمية"، فقال: "أبغنا خامسا"، فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب ابن أسد فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم فقال له زمعة: "هل معك على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد" فقال: نعم، ثم سمى له القوم. فتواعدوا عند حطم الحجون ليلا بأعلى مكة، فاجتمعوا هناك وأجمعوا أمرهم وتعاهدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها. فقال زهير: "أنا أبدؤكم. فأكون أولكم". فلما أصبحوا، غدوا على أنديتهم. وغدا زهير بن أبي أمية في حلة له، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس فقال: يا أهل مكة، نأكل الطعام ونشرب الشراب ونلبس الثياب وبنو هاشم وبنو المطلب هلكى لا يباعون ولا يباع منهم، ولا ينكحون ولا ينكح إليهم؟ والله لا أذق طعاما ولا شرابا حتى تشق هذه الصحيفة الظالمة القاطعة: فقال أبو جهل: كذبت والله،- وهو في ناحية المسجد،- لا تشق هذه الصحيفة: فقال زمعة بن الأسود: بل أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حين كتبت: فقال أبو البختري: صدق زمعة بن الأسود، لا نرضى بما كتب فيها، ولا نعرفه: فقال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله عز وجل منها، ومما كتب فيها. وقال هشام بن عمرومثل ما قالوا في نقضها وردها: فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل تشور فيه، يعنى بغير هذا المكان. وأبو طالب جالس في ناحية المسجد يرى ما يصنع القوم...) [(67)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛
قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا : د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
« ذكر بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة » ".
" أحداث سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْبَعْثَةِ ".
[ ٤ ] الْبَابُ الرَّابِعُ : [ مُقَاطَعَةُ قُرَيْشٍ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ ]
بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾


*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
„ أبحاث تمهيدية لمستقبل أمة غائبة “
سلسلة بحوث: ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء ﴾
أبحاث السيرة المحمدية العطرة علىٰ صاحبها أفضل السلامات وكامل الصلوات وعظيم الرحمات والتبريكات!



د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى–
حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من شهر ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~الموافق ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
تنبيه:
هذه البحوث تخص موقع :"ملتقى أهل العلم"؛ فلا تنقل إلا بإذن خاص من إدارة الموقع!

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 11 / 2021, 55 : 02 PM
: ﴿ « „ ٩٧ ‟ » ﴾"
[ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟
-*-*-*-*-

[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ؛
و
„ صَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً “

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
13 / 11 / 2021, 58 : 01 AM
﴿ « „ ٩٧ ‟ » ﴾
[ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ:


الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟

التَّمْهِيدُ:
قَوْلُهُ تَعَالَىٰ:{إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ (https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&searchKey=15AVUByxylTmLyJMeVwM&ID=3540&flag=1&bk_no=48&RecID=13&srchwords=%CE%D1%E6%CC%20%C7%E1%D8%C7%C6%DD&R1=0&R2=0&hIndex=#docu) }[(1)] يُرِيدُ أَهْلَ مَكَّةَ.
وَ
الِابْتِلَاءُ الِاخْتِبَارُ ..
وَ
الْمَعْنَىٰ أَعْطَيْنَاهُمْ أَمْوَالًا لِيَشْكُرُوا لَا لِيَبْطَرُوا؛ فَلَمَّا بَطِرُوا وَعَادَوْا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابْتَلَيْنَاهُمْ بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ كَمَا بَلَوْنَا أَهْلَ الْجَنَّةِ الْمَعْرُوفِ خَبَرُهَا عِنْدَهُمْ.
وَ
ذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ بِأَرْضِ الْيَمَنِ بِالْقُرْبِ مِنْهُمْ عَلَىٰ فَرَاسِخَ [الفرسخ الواحد يعادل: 079 ,5 كيلومتر] مِنْ صَنْعَاءَ-
وَ
يُقَالُ بِفَرْسَخَيْنِ -
وَ
كَانَتْ لِرَجُلٍ يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ -تَعَالَى- مِنْهَا؛ فَلَمَّا مَاتَ صَارَتْ إِلَىٰ وَلَدِهِ، فَمَنَعُوا النَّاسَ خَيْرَهَا وَبَخِلُوا بِحَقِّ اللَّهِ فِيهَا؛ فَأَهْلَكَهَا اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُمْ دَفْعُ مَا حَلَّ بِهَا.
قَالَ الْكَلْبِيُّ:„كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ صَنْعَاءَ فَرْسَخَانِ ؛ابْتَلَاهُمُ اللَّهُ بِأَنْ أَحْرَقَ جَنَّتَهُمْ‟.
وَ
قِيلَ : هِيَ جَنَّةٌ بِــ„ضَوْرَانَ‟ ، وَ „ضَوْرَانُ‟ عَلَىٰ فَرْسَخٍ مِنْ صَنْعَاءَ ، وَكَانَ أَصْحَابُ هَذِهِ الْجَنَّةِ بَعْدَ رَفْعِ „عِيسَىٰ‟ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِيَسِيرٍ - وَكَانُوا بُخَلَاءَ - فَكَانُوا يَجُدُّونَ التَّمْرَ لَيْلًا مِنْ أَجْلِ الْمَسَاكِينِ، وَكَانُوا أَرَادُوا حَصَادَ زَرْعِهَا وَقَالُوا: لَا يَدْخُلُهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ، فَغَدَوْا عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدِ اقْتُلِعَتْ مِنْ أَصْلِهَا فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ؛ أَيْ كَاللَّيْلِ.
وَ
يُقَالُ أَيْضًا لِلنَّهَارِ صَرِيمٌ. فَإِنْ كَانَ أَرَادَ اللَّيْلَ فَلِا سْوِادِ مَوْضِعِهَا. وَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا مَوْضِعَهَا حَمْأَةً.
وَ
إِنْ كَانَ أَرَادَ بِالصَّرِيمِ النَّهَارَ فَلِذَهَابِ الشَّجَرِ وَالزَّرْعِ وَنَقَاءِ الْأَرْضِ مِنْهُ.
وَ
كَانَ „الطَّائِفُ‟ الَّذِي طَافَ عَلَيْهَا „جِبْرِيلُ‟-عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَاقْتَلَعَهَا.
فَيُقَالُ : إِنَّهُ طَافَ بِهَا حَوْلَ الْبَيْتِ ثُمَّ وَضَعَهَا حَيْثُ مَدِينَةَ „الطَّائِفِ‟ الْيَوْمَ؛
وَ
لِذَلِكَ سُمِّيَتِالطَّائِفُ .
وَ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ بَلْدَةٌ فِيهَا الشَّجَرُ وَالْأَعْنَابُ وَالْمَاءُ غَيْرَهَا.
وَ
قَالَ الْبَكْرِيُّ فِي الْمُعْجَمِ:„سُمِّيَتِ الطَّائِفُ لِأَنَّ رَجُلًا مِنَ الصَّدِفِ يُقَالُ لَهُ الدَّمُونُ، بَنَى حَائِطًا وَقَالَ:„قَدْ بَنَيْتُ لَكُمْ طَائِفًا حَوْلَ بَلَدِكُمْ‟؛ فَسُمِّيَتِ الطَّائِفُ‟. وَاللَّهُ أَعْلَمُ .[(2)]
*-*-*-*







أبدءُ مع حضراتكم تمهيد بحوث خروج نبي آخر الزمان مِن مكة -مسقط رأسه وموطنه- المكرمة مهاجراً..
أحداث ما قبل الهجرة النبوية؛
و
تحقيق ما قاله القس ورقة بن نوفل في اللحظات الأولىٰ من بعثته -عليه السلام- فَقد: " قَالَ وَرَقَةُ[(3)] „هَذَا –عن أول خمس آيات نزلت علىٰ قلب محمد في غار حراء من سورة العلق.. فقال : - النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَىٰ مُوسَىٰ .. يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا أَكُونُ حَيًّا حِينَ „يُخْرِجُكَ‟ قَوْمُكَ..
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- „أَوَمُخْرِجِيَّ‟هُمْ!؟..
فَقَالَ وَرَقَةُ„نَعَمْ..لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ.. وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا[(4)]‟ ".
[هذه رواية الإمام البخاري في صحيحه؛ كتاب التعبير (https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=6689&idto=6749&bk_no=0&ID=3852)
»؛
باب أول ما بدئ به رسول الله-صَلَّىٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-من الوحي الرؤيا الصالحة
؛ جزء: (6)؛ صفحة: (2561)؛ من رواية أم المؤمنين أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر -رضي الله تعالى عنهما]
[ ٥ . ١ . ] سنة الخروج :
لم يتفق علماء السيرة علىٰ تحديد بدقة خُرُوج النَّبِي -صلىٰ الله عَلَيْهِ وَسلم- إِلَىٰ الطَّائِف؛ فمنهم مَن قال :
[ ١ . ] القول الأول :
قبل الهجرة بقليل - 0 ق. هـ.~ 621 م. سنة عشر مِن النُّبُوَّة[(5)]
[ ٢ . ] القول الثاني :
ومنهم مَن قال في العام الثالث قبل الهجرة [ 3 ق. هـ.]؛ وهنا يمكن القول عن الشهر القمري: أنه شوال؛ ما يقابل العام الميلادي: 620 م[(6)]
ويتفق الجميع علىٰ الخروج إلىٰ الطائف كان بعد موت عمه وزوجه خديجة-رضي الله تعالى عنها-:
[ ٣ . ] القول الثالث:" وَخُرُوجُهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَىٰ الطَّائِفِ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ ، كَمَا قَرَّرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ [وَاللَّهُ أَعْلَمُ][(7)]
[ ٥ . ٢ . ] سبب الخروج:
[خَبَرُ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىٰ الطَّائِفِ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- ..
[ ١ . ] السبب العام الأول : عَرْض نَفْسَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الزكيةعَلَىٰ الْقَبَائِلِ[(8)]
[ ٢ . ] يَلْتَمِسُ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، بَعْدَ مَوْتِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، والمنعة بهم مِن قومه، ورجاءَ أن يقبلوا منه ما جاءهم به مِن اللهّٰ -تعالى-.[(9)]
وذلك بعد :
[ أ . ] اشْتِدَادِ الْأَذَىٰ عَلَيْهِ؛
وَ
[ ب . ] عَلَىٰ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكَّةَ[(10)]...
لما مَاتَ عَمه أَبُو طَالب وَزَوجته خَدِيجَة وذوت مِن شَجَرَة إعانتهما لَهُ أوراقها البهيجة.. لزم الْبَيْت.. وَأَقل الْخُرُوج.. وأسف عَلَيْهِمَا أسفاً يضطرب بحره ويموج.. ونالت مِنْهُ قُرَيْش وقابلوه بالخفة والطيش[(11)].
فــ
«لَمَّا رَأَى عَلِيْهِ -الصَّلاَةُ وَالسّلامُ- اِسْتِهانَةَ قُرَيْشٍ بِهِ؛ أَرَادَ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَىٰ ثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ يَرْجُو مِنْهُمْ:
[ أ . ] نُصْرَتَهُ عَلَىٰ قَوْمِهِ وَ
[ ب . ] مُسَاعَدَتَهُ حَتَّىٰ يُتَمِّمَ أَمْرَ رَبِّهِ، لِأَنَّهُمْ أقْرَبُ النَّاسِ إِلَىٰ مَكَّةَ، وَلَهُ فِيهِمْ خُؤُولَةٌ.
فَــ
لَمَّا تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ وَمَعَهُ مَوْلَاهُ زَيْدٌ بْنُ حارِثَةَ، قَابَلَ رُؤَسَاءَهُمْ وَكَانُوا ثَلاثَةً.. فَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نُصْرَتَهُ حَتَّىٰ يُؤَدِّيَ دَعْوَتَهُ. فَرَدُّوا عَلَيْهِ رَدَّا قَبِيحًا، وَلَمْ يَرَ مِنْهُمْ خَيْرًا[(12)].
[ ٥ . ٣ . ] تعرضه -الصَّلاَةُ وَالسّلامُ- لإيذائهم[(13)]
فقام رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من عندهم وقد يئس من خير ثقيف، وقد قال لهم فيما ذكر:“ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا علي“.[(14)]
وكرهَ رسولُ اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يبلغ قومه عنه، فيذئرِهُم ذلك عليه، فلم يفعلوا[(15)]، وَحِينَذاكَ طَلَبَ مِنْهُمْ أَلَّا يُشِيعُوا ذَلِكَ عَنْه، كَيْلَا تَعْلَمَ قُرَيْشٌ فَيَشْتَدَّ أَذَاهُمْ،لِأَنَّهُ اِسْتَعَانَ عَلَيهِمْ بِأَعْدَائِهِمْ.
فَــ
لَمْ تَفْعَلْ ثَقِيفُ مَا رَجَاهُ مِنْهُمْ -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسّلامُ-، بَلْ أَرْسَلُوا سُفَهَاءَهُمْ وَغِلْمَانَهُمْ [وعبيدهم] يسبونه و يصيحون به، حتىٰ اجتمع عليه الناس[(16)]، يَقِفُونَ فِي وَجْهِهِ فِي الطَّرِيقِ وَيَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّىٰ أَدْمَوْا عَقِبَهُ »[(17)].
[ ٥ . ٣ . ]رميه بالحجارة[(18)]
قال موسى بن عقبة: قعدوا له صفين علىٰ طريقه، فلما مر رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بين صفيهم جعل لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلا رضخوهما بالحجارة حتىٰ أدموا رجليه...
زاد سليمان التيمي: أنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كان إذا أذلقته الحجارة، قعد إلىٰ الأرض فيأخذون بعضديه فيقيمونه، فإذا مشىٰ رجموه وهم يضحكون.[(19)]
[ ٥ . ٤ . ] تفصيل الحادثة :
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُوطَالِبٍ خَرَجَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَىٰ الطَّائِفِ مَاشِيًاعَلَىٰ قَدَمَيْهِ، يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، فَخرج مَعَه زيد بن حَارِثَة إِلَىٰ الطَّائِف وصدع بالدعوة غير وَجل وَلَا خَائِف فَلم يجبهُ مِنْهُم أحد[(20)]..
والطَّائفِ تَبعُد عن مكَّة نحوَ سِتِّينَ مِيلًا [ ٥٥٨ ,٩٦ كيلومترا]، سارها ماشِيًا علىٰ قَدميهِ جِيئةً وذِهابًا، ومعه مولاهُ زيدُ بنُ حارثةَ، وكان كُلَّما مَرَّ علىٰ قَبيلةٍ في الطَّريقِ دعاهُم إلىٰ الإسلامِ، فلمْ تُجبْ إليهِ واحدةٌ منها، فلمَّا انتهىٰ إلىٰ الطَّائفِ عَمَدَ إلىٰ رُؤسائِها فــدعاهُم فلمْ يَستجيبوا له،
[ ٥ . ٥ . ] لقائه بكبراء ثقيف[(21)]
فلما انتهىٰ إلىٰ الطائف عمد إلىٰ نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم أخوة ثلاثة:
- عبد ياليل ،
و
- مسعود ،
و
- حبيب، بنو عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول اللهّٰ- -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وكلمهم ما جاءهم له من نصرته علىٰ الإسلام والقيام معه علىٰ من خالف من قومه[(22)].
[ ٥ . ٦ . ] ردهم عليه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[(23)]
فقال له أحدهم وهو يمرط ثياب الكعبة: " إن كان اللهّٰ أرسلك"[(24)]،
و
قال الآخر: "أما وجد اللهّٰ أحدًا يرسله غيرك؟"[(25)] و
قال الثالث: " واللهّٰ لا أكلمك أبدًا، لئن كنت رسولًا مِن اللهّٰ كما تقول لأنت أعظم خطراً من أن أرد عليك الكلام(!)، ولئن كنت تكذب علىٰ اللهّٰ ما ينبغي أن أكلمك(!)"[(26)].
[ ٥ . ٧ . ] المرأة مِن قريش مِن بني جمح!
وَعَنْرَقِيقَةَ قَالَتْ : لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَغِي النَّصْرَ بِالطَّائِفِ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَمَرَتْ لَهُ بِشَرَابٍ مِنْ سَوِيقٍ ، فَشَرِبَ ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :„لَا تَعْبُدِي طَاغِيَتَهُمْ ، وَلَا تَصَلِّي إِلَيْهَا‟.
قُلْتُ : " إِذًا يَقْتُلُونِي "!
قَالَ : „فَإِذَا قَالُوا لَكِ ذَلِكَ ، فَقُولِي : " [رَبِّي] رَبُّ هَذِهِ الطَّاغِيَةِ ، فَإِذَا صَلَّيْتِ فَوَلِّيهَا ظَهْرَكِ‟ .
ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْ عِنْدِهِمْ ، قَالَتْ بِنْتُ رَقِيقَةَ : " فَأَخْبَرَنِي أَخَوَايَ سُفْيَانُ وَ وَهَبُ ابْنَيْ قَيْسِ بْنِ أَبَانَ ، قَالَا : لَمَّا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ خَرَجْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ
قَالَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: „مَا فَعَلَتْ أُمُّكُمَا‟؟ .
قُلْنَا: " هَلَكَتْ عَلَىٰ الْحَالِ الَّتِي تَرَكْتَهَا،
قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " لَقَدْ أَسْلَمَتْ أُمُّكُمَا إِذًا " [(27)].
[التاريخ الكبير للبخاري (http://hadith.islam-db.com/books/140/التاريخ-الكبير-للبخاري)؛ وهب بن قيس بن ابان .. والحديث : ضعيفٌ]

فأقام بين أهلِ الطَّائفِ عشرةَ أيَّامٍ، لا يَدَعُ أحدًا مِنْ أشرافهِم إلا جاءهُ وكَلَّمهُ،
فقالوا: „اخرُجْ مِن بلادِنا”[(28)].
وأَغْرَوْا به سُفهاءَهُم[(29)]، و
تشاءموا بقدوم طَائِره الميمون، فلمَّا أراد الخُروجَ تَبِعَهُ سُفهاؤهُم وعَبيدهُم يُسِبُّونَهُ ويُصيحونَ بهِ، حتَّىٰ اجتمع عَليهِ النَّاسُ، فوقَفوا له سِمَاطَيْنِ [أي صَفَّيْنِ] وجعلوا يَرمونهُ بالحِجارةِ، وبكِلماتٍ مِنَ السَّفَهِ، ورَجموا عَراقيبَهُ، حتَّىٰ اخْتَضَبَ نَعلاهُ بالدِّماءِ.
[ ٥ . ٨ . ] تحمل زيد بن حارثة[(30)]
وقال ابن سعد: وزيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتىٰ لقد شج في رأسه شجاجًا.
وكان زيدُ بنُ حارثةَ يَقِيهِ بِنفسهِ حتَّىٰ أصابهُ شِجَاجٌ في رَأسهِ، ولم يزلْ بهِ السُّفهاءُ كذلك حتَّىٰ أَلجأوهُ إلىٰ حائطٍ [ بستان ] لــ:„عُتبةَ”؛ و :„شَيبةَ ابنيْ رَبيعةَ” علىٰ ثلاثةِ أميالٍ [ ٨٢٧٩, ٤ كيلومتر] مِنَ الطَّائفِ[(31)].
[ ٥ . ٩ . ] استناده إلىٰ بستان[(32)]
قال ابن عقبة: فخلص منهم ورِجْلَاهُ تسيلان دمًا، فعمد إلىٰ حائط من حوائطهم، فاستظل في ظل حَبلَة منه وهو مكروب موجع.
[ ٥ . ١٠ . ] صاحبا البستان[(33)]
وإذا في الحائط عتبة وشيبة ابنا ربيعة، فلما رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما للهّٰ ورسوله.
[ ٥ . ١١ . ] إفادته بقطف عنب[(34)]
فلما رآه ابنا ربيعة وما لقي تحركت له رحمهما، فدعوا غلامًا لهما نصرانياً يقال له: عداس،
فقالا له: "خذ قطفًا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلىٰ ذلك الرجل فقل له يأكل منه"،
ففعل عداس.
[ ٥ . ١٢ . ] إقبال عداس بالقطف[(35)]
ثم أقبل به حتىٰ وضعه بين يدي رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-ثم قال له: " كل"، فــ
لما وضع رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-يده
قال: “بسم اللهّٰ“، ثم أكل.
[ ٥ . ١٣ . ] استغراب عداس[(36)]
فنظر عداس في وجهه، ثم قال: "واللهّٰ (!).. إن هذا لكلام ما يقوله أهل هذه البلاد".
[ ٥ . ١٤ . ] محادثة الرسول لعداس[(37)]
فقال له رسول اللهّٰ--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:„ومن أي البلاد أنت يا عداس، وما دينك؟‟،
قال: " نصراني، وأنا من أهل نينوى"،
فقال له رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :„من أهل قرية الرجل الصالح يونس بن متىٰ‟،
قال له عداس: " وما يدريك ما يونس بن متىٰ؟! "
قال رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „ذاك أخي كان نبيًاّ، وأنا نبي‟.
[ ٥ . ١٥ . ] تقبيل عداس للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- [(38)]
فأكب عداس على رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقبل رأسه ويديه وقدميه.
[ ٥ . ١٦ . ] محادثة عداس مع صاحبا البستان[(39)]
فلما جاءهما عداس، قالا له: " ويلك (!).. مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه!؟"،
قال:" يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا، لقد أعلمني بأمر لا يعلمه إلا نبي"،
قالا:" ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك، فإن دينك خير من دينه".
[ ٥ . ١٧ . ] رحمته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بهم[(40)]
ورجع رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في طريقِ مكَّة بعدَ خُروجهِ مِنَ الحائطِ كَئيبًا مَحزونًا، كَسيرَ القلبِ، فلمَّا بلغ قَرْنَ المنازلِ بعث الله إليه جبريلَ ومعه مَلَكُ الجبالِ، يَسْتَأْمِرُهُ أنْ يُطْبِقَ الأَخْشَبَيْنِ علىٰ أهلِ مكَّة، فقال النَّبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : «„بل أرجو أنْ يُخرجَ الله- عزَّوجلَّ - من أصلابهِم مَنْ يَعبدُ الله- عزَّ وجلَّ - وحدَه لا يُشركُ بهِ شيئًا” ».
وفي هذا الجوابِ الذي أَدلىٰ بهِ الرَّسولُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَتجلَّىٰ شَخصيَّتُه الفَذَّةُ، وما كان عَليهِ من خُلُقٍ عَظيمٍ.
وجاء في الصحيح من حديث عائشة -رضي اللهّٰ عنها-، أنها
قالت للنبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : " هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد؟ "،
فقال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „لقد لقيت من قومك .. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي علىٰ ابن عبد ياَليِل بن عبد كلال فلم يجبني إلىٰ ما أردت،فانطلقت علىٰ وجهي وأنا مهموم، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني‟، فقال: إن اللهّٰ قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلم علي، فقال: يا محمد ذلك لك فما شئت، وإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:„بل أرجو أن يخرج اللهّٰ من أصلابهم من يعبد اللهّٰ لا يشرك به شيئاً‟.[(41)]،
.. فَلَمْ يُجِيبُوهُ ،
فَانْصَرَفَ فَأَتَىٰ ظِلَّ شَجَرَةٍ فَصَلَّىٰ رَكْعَتَيْنِ بعد رَدِّ ثَقِيفٍ لَهُ رَدًّا قَبِيحًا، وَإِغْرَائِهِمُ السُّفَهَاءَ وَالْأَطْفَالَ بِهِ، حَتَّىٰ أَدْمَوْا قَدَمَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْحِجَارَةِ. فَتَوَجَّهَ إِلَىٰ رَبِّهِ بِذَلِكَ الِابْتِهَالِ الْمُؤَثِّرِ الْعَمِيقِ الْكَرِيمِ: "
* . ]" الدُّعَاءُ الْحَسَنُ[(42)] ".
[وَمِنْ دُعَائِهِ يَوْمَ الطَّائِفِ:
„أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‟] .
ثُمَّ
قَالَ :„اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ ضَعْفَ قُوَّتِي ، وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ ، أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أَنْتَ ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي. أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي إِلَى عَدُوٍّ [ بِعِيدٍ ] يَتَجَهَّمُنِي ؟ أَمْ إِلَى قَرِيبٍ [عَدُوٍّ] مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ؟ إِنْ لَمْ تَكُنْ غَضْبَانَ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي ، غَيْرَ أَنَّ عَافِيَتَكَ أَوْسَعُ لِي ، أُعُوذُ [بِنُورِ ] بِوَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ أَوْ يَحِلَّ [ عَلَيَّ ] بِي سَخَطُكَ ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [بِكَ ]‟.
قَالَ عِنْد مَا لَقِي من أهل الطَّائِف من شدَّة الْبلَاء وَالْكرب مَا لَقِي: رب إِن لم يكن بك غضب على فَلَا أبالى. إِلَى آخر الدُّعَاء، فَكَانَ مَطْلُوبَة رضَا ربه، وَبِه كَانَت تهون عَلَيْهِ الشدائد ».
[ ٥ . ١٨ . ] إجارة الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ[(43)]،
وذكر ابن هشام أن رسول اللهّٰ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-لما انصرف عن أهل الطائف ولم يجيبوه لما دعاهم إليه من تصديقه ونصرته صار إلىٰ حراء، ثم بعث إلىٰ الأخنس بن شر يق لــ يجيره، فقال: أنا حليف، والحليف لا يجير، فــ
بعث إلىٰ سهيل بن عمرو فقال: إن بني عامر لا تجير علىٰ بني كعب، فــ
بعث إلىٰ المطعم بن عدي فأجابه إلىٰ ذلك، ثم تسلح المطعم وأهل بيته وخرجوا حتىٰ أتوا المسجد، ثم بعث إلىٰ رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن ادخل،فدخل رسول اللهّٰ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فطاف بالبيت وصلىٰ عنده، ثم انصرف إلىٰ منزله. ولأجل هذه السابقة التي سلفت للمطعم بن عدي، قال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أسارى بدر: „لو كان المطعم بن عدي حيًاّ ثم كلمني في هؤلاء النتنىٰ لتركتهم له‟.[(44)]،
حِينَ رَجَعَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الطَّائِفِ وَدَخَلَ فِي جِوَارِ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ الْقِصَّةَ فِي ذَلِكَ مَبْسُوطَةً ، وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهَا الْفَاكِهِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مُرْسَلٍ وَفِيهِ " أَنَّ الْمُطْعِمَ أَمَرَ أَرْبَعَةً مِنْ أَوْلَادِهِ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ ، وَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عِنْدَ رُكْنٍ مِنَ الْكَعْبَةِ . فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا لَهُ : أَنْتَ الرَّجُلُ الَّذِي لَا تُخْفَرُ ذِمَّتُكَ".«
وَأَقَامَ الرسول--صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-بِنَخْلَةٍ أَيَّامًا، فَــ
قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ - يَعْنِي قُرَيْشًا -وَهُمْ أَخْرَجُوكَ؟
فَــ
قَالَ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « يَا زَيْدُ إِنَّ اللهَ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ ».
ثُمَّ انْتَهَىٰ إِلَى حِرَاءَ فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إِلَىٰ مُطْعِمٍ بْنِ عَدِيٍّ: « أَدْخُلُ فِي جِوَارِكَ؟ » ،
فَقَالَ: نَعَمْ، وَدَعَا بَنِيهِ وَقَوْمَهُ فَقَالَ: تَلَبَّسُوا السِّلَاحَ، وَكُونُوا عِنْدَ أَرْكَانِ الْبَيْتِ فَإِنِّي قَدْ أَجَرْتُ مُحَمَّدًا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ».
:"وَفِي مطعم يَقُول حسان بن ثَابت من أَبْيَات



أجرت رَسُول الله مِنْهُم فَأَصْبحُوا *عبيدك مَا لبّى مهل وأحرما
فَلَو كَانَ مجدا يخلد الدَّهْر وَاحِدًا * مِن النَّاس أبقى مجده الدَّهْر مطعما[(45)]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وإدراك مع فهم أحاديث الأحكام لسيد ولد آدم وآخر المرسلين ومتمم الأنبياء﴾
[٧] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ...
أحداث العهد المكي!
قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا:
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى- غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
»ذكر بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة«
المرحلة المكية: أحداث السَنَةَ الثَالِث قبل الهجرة.
[٥] الْبَابُ الْخَامِسُ: الــ مَسِيرُ إِلَىٰ الطَّائِفِ...
خُروجُ رسولِ الله -صلَّى الله عَليهِ وسلَّم- إلىٰ الطَّائفِ .
حُرِّرَ في يوم الجمعة: ٧ من الربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق: ١٢ من شهر نوفمبر عام ٢٠٢١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح؛ الرسول ابن مريم العذراء البتول - عليهما السلام -.الذي بشر بمبعث النبي والرسول أحمد.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
16 / 11 / 2021, 27 : 01 PM
﴿ « „ ٩٨‟ » ﴾
ما أطلقَ عليه : „ عَامُ الْحُزْنِ ”
[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ:
أحداثٌ فِي عَهْدِ النُّبُوَّةِ؛ الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ. السنة العاشرة مِن البعثة !
[ ٧ ] الْبَابُ السَّابِعُ :
العام: „ ٣ قبل الهـجرة الشريفة ~ 619 بعد الميلاد العجيب:
« „ عَامُ الْحُزْنِ ” » :
ــــــــــــــ
الْمُقَدِّمَة:
الترتيب الزمني وتتابع سير الأحداث يلزماني.. ووحدة الموضوع حين التحدث عن تسلسل أحداث السيرة النبوية العطرة أن يكون الحديث عن ما سُميَّ عام الحزن أن يسبق الكلام عن: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفِ” إذ جعلتُه الباب الخامس مِن المجلد السابع الذي نقرأه الأن؛ ويعود هذا إلىٰ أنني أريد التركيز علىٰ مفاصل سيرة نبي وطريقة شرعية عملية للرسول دون سردها فقط متتالية.. لذا وجب التنبيه!..
إذ أن التحقيق؛ والرجوع إلىٰ كتب السيرة المعتبرة يبين أنه :" لما تُوفي أبوطالب؛ خرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إلىٰ الطائف؛ ماشياً علىٰ قدميه يدعوهم إلىٰ الإسلام؛ يبتغي عندهم: « „النصر” »[(1)].. فيكون المسير إلىٰ الطائف تم بعد موت أبي طالب وليس قبله..
ومن خلال أحداث الهجرة الأولىٰ والثانية للحبشة تخرج خطوات سير الدعوة مِن ضيق المكان -مبدء الرسالة ومنشؤها: مكة المكرمة- لتدخل مسيرة الدعوة إلىٰ فضاء تفاعلي جديد أوسع وأرحب.. مما يدعونا إلىٰ التأمل بعمق وإعادة النظر بوعي في العلاقات ليس فقط بين كيان إسلامي جديد ضعيف هَش لم تتماسك أركانه بعد ولم تتشكل صورته الكاملة وحياً مِن خالق الإنسان إلى كل إنسان علىٰ ظهر الأرض .. وبين كيان راسخ قائم بذاته يحمل مقومات البقاء والحياة : « „حكم النجاشي ونظامه” » -النصراني؛ وفق أدبيات الإسلام؛ والمسيحي وفق أدبيات بولس الرسول مؤسس المسيحية الحديثة- و: « „قساوسته” ».. بل والتأمل بعمق وإعادة النظر بوعي في العلاقات بين الأفراد مِن كلا الكيانين..
فقد قَالَ -عليه السلام- لَهُمْ -رضوان الله تعالىٰ عليهم- : « „لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ” » ..
وهذا خروج من ضيق مكة وضيق افق رجالها...
ومن خلال المسير إلى الطائف تمر أحداث السيرة؛ بل الدقة : الرسالة لإيجادها علىٰ أرض الواقع.. علىٰ أرض صلبة.. تمر بمفصلٍ جوهري -وهو الذي غاب عن الحركات والجماعات ذات الوشاح الإسلامي وليس المبدأ-؛ وهذا المفصل الجوهري هو طلب النصرة مِن أهل القوة والمنعة.. فَيَقُولُ: « „أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” » .
وهذا خروج آخر..
.. وما فاتني حين الحديث عن المسير إلىٰ الطائف في الباب الخامس مِن هذا المجلد السابع؛ [نشره موقع «ملتقى أهل العلم»] أن أثبتَ :" عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ؛ وَهُوَ الْعَدْوَانِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَبْصَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مشرق ثقيف، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا حِينَ أَتَاهُمْ، يبتغي عندهم : « „النصر” ».. قَالَ : فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ، السورة.. حتىٰ ختمها.. فَوَعَيْتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا مُشْرِكٌ، ثُمَّ قَرَأْتُهَا فِي الْإِسْلَامِ، فَدَعَتْنِي ثَقِيفُ !؟، فَقَالُوا: "مَا سَمِعْتَ مِنَ هَذَا الرَّجُلِ!"، فَقَرَأْتُهَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ: "نَحْنُ أَعْلَمُ بِصَاحِبِنَا، لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ كَمَا يَقُولُ حَقٌّ لَتَابَعْنَاهُ"[(2)]

-*-*-
التَّمْهِيدُ :
نحن مازلنا نتعايش مع العهد المكي؛ بمراحله ومفاصله.. إذ علىٰ أعمدته الراسخة علىٰ أرضية الإيمان.. وباسقة وعالية في سماء الأحكام العملية الشرعية المنبثقة مِن مبدأ الإسلام سينتقل نبي الإسلام ورسول السلام إلىٰ العهد المدني بسلاسة ويسر وسيبنىٰ الكيان المحمدي الجديد.. الذي ليس له مثيل من قبله ولا يشبهه كيان آخر من بعده..
فَفِي طَوَالِ الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ لَمْ يَتَنَزَّلْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ تَنْفِيذِيٌّ -وَإِنْ تَنَزَّلَتِ الْأَوَامِرُ وَالنَّوَاهِي عَنْ أَشْيَاءَ وَأَعْمَالٍ- وَلَكِنَّ الْأَحْكَامَ التَّنْفِيذِيَّةَ كَالْحُدُودِ وَالتَّعَازِيرِ وَالْكَفَّارَاتِ لَمْ تَتَنَزَّلْ إِلَّا بَعْدَ قِيَامِ الدَّوْلَةِ الْمُسْلِمَةِ [الأولىٰ] الَّتِي تَتَوَلَّىٰ تَنْفِيذَ هَذِهِ الْأَحْكَامِ[(3)]..
و
غياب التأسي بأفعاله -والتأسي حكم شرعي في حقنا؛ سواء مِن باب الواجب والفرض أو المندوب والمستحب-؛ خاصة افعاله التنظيمية الحركية الدعوية التكتلية والانتقال مِن مرحلة إلىٰ آخرىٰ ومن عهد إلىٰ آخر.. مع مراعاة نقاط الإلتقاء ومفاصل الإنتقال.. أقول : غياب هذا أوقع الكثير مِن الحركات الإسلامية والجماعات في خطأ فادح بإرتكاب افعال مِن عند أنفسهم لا دليل شرعي علمي نبوي رسولي عليها والقيام بتصرفات لا تتفق مع المرحلة بمفاصلها؛ أو بتعبير أدق ليست مِن سُنته -صلى الله عليه وآله وسلم- وبالتالي فليست مِن سيرته وطريقته ولا من اسلوبه ولا مِن هديه؛ وما اصاب تلك الحركات والجماعات في مَقتلٍ هو خروجهم عن التقييد بالسيرة المحمدية والخطوات العملية الشرعية والكيفية الرسولية واستحداث نماذج غريبة عن الطريقة الرسولية الشرعية العملية والتي سار عليها نبي الهدى والرحمة -صلوات الله تعالىٰ وسلامه وبركاته ورحماته وإنعامه عليه وآله واتباعه-..
ولعل -خاصةً- أحداث العشرين سَنة الماضية تثبت صحة ما ذهبتُ إليه مِن القول!

-*-*-*
الْمُقَدِّمَة :
أتحدث عن تلك الفترة الزمنيَّة العصيبة المؤلمة الموجعة المقلقة -لولا ثبات إيمان نبي الهدى والرحمة -عليه اسلام- وعقيدة رجال ونساء معه؛ رضوان الله تعالى عليهم- والتي بدأت بالحصار في شِّعْب أبي طالب، واستغرق الحصار ثلاث سنوات.. ثم المحاولات الكثيفة والمفاوضات السخيفة البائسة مِن قريش لإغراء النبي لوقف الدعوة، ثم وفاة أبي طالب عم الرسول ومناصره في مكة، ثم كانت تلك المصيبة مِن الصدمات التي لم يَنسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طَوَال حياته، ألا وهي مصيبة موت زوجته الوفيَّة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها! [(4)] ..



مما يجعل المرء يتساءل : أين نساء اليوم منها -عليها الرضوان-!!؟..

فــ
" عَامُ الْحُزْنِ : هو الْعَامُ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ خَدِيجَةُ(*)- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، وَأَبُو طَالِبٍ(*) فَسَمَّاهُ(!؟) رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُزْنِ(!!!)..
حَكَىٰ ذَلِكَ ثَعْلَبٌ عَنِ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ، قَالَ : " وَمَاتَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ "[(5)] وهذا ما اثبته صاحب لسان العرب في موسوعته.
وقبل مخرج النبي إلىٰ (يثرب) مدينته؛ والتي طيَّب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه بثلاث سنين- أي بعد البعثة بعشر سنوات- توفيت خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها-[(8)].. وَهِيَ أَوَّلُ امْرَأَةٍ آمَنَتْ بِهِ[(9)]..
فــ:" عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
« خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ.. وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ »[(10)].
و
روى البزار والطبراني من حديث عمار بن ياسر رفعه : لقد فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين» وهو حديث حسن الإسناد[(11)]؛ و
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- ، قَالَ : خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ وَقَالَ : « أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ » .
فَقَالُوا :" اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ "،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
« أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ » وَأَحْسَبُهُ قَالَ : « وَامْرَأَةُ فِرْعَوْنَ »[(12)] و
جاء برواية عَنْ عُرْوَةَ قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أَلَا أُبَشِّرُكِ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ : « سَيِّدَاتُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَرْبَعٌ : مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَآسِيَةُ » ... و..
يتبقي مِن ولد خديجة أربع بنات وهن :
- رقية؛ وكانت تحت عتبة بن أبي لهب.. فطلقها ؛ فتزوجها عثمان بن عفان؛ و
- زينب وتزوجها أبو العاص بن الربيع من بني عبدشمس من بني أمية فأحسن مصاهرته. و
- أم كلثوم و
- فاطمة[(13)]..
أما مسألة زواج النبي بعد وفاة خديجة فسأذكرها في موضعها؛ وارجوه - سبحانه وتعالى - أن يعصمني مِن الغفلة أو النسيان..
أما مسألة مرض ابي طالب ووفاته ومصيره في الآخرة[(14)] .. فمن المسائل الشائكة ذات شجون !

تفصيل المسـألة:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَا طَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَتَتَابَعَتْ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَصَائِبُ بِهُلْكِ خَدِيجَةَ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ، يَشْكُو إلَيْهَا.. وَبِهُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَىٰ قَوْمِهِ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ[(15)].

[ الْمُشْرِكُونَ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا ثَقُلَ بِهِ الْمَرَضُ، يَطْلُبُونَ عَهْدًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرَّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا اشْتَكَىٰ أَبُو طَالِبٍ، وَبَلَغَ قُرَيْشًا ثِقَلُهُ.. قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ: " إنَّ حَمْزَةَ وَعُمَرَ قَدْ أَسْلَمَا، وَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيْشٍ كُلِّهَا، فَانْطَلِقُوا بِنَا إلَى أَبِي طَالِبٍ، فَلْيَأْخُذْ لَنَا عَلَى ابْنِ أَخِيهِ، وَلْيُعْطِهِ مِنَّا، وَاَللَّهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزُّونَا أَمْرَنَا ".
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَعْبَدِ ( بْنِ عَبَّاسٍ ) عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ : " مَشَوْا إلَى أَبِي طَالِبٍ فَكَلَّمُوهُ؟ وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ:
- عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَ
- شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَ
- أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وَ
- أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ،وَ
- أَبُوسُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، فِي رِجَالٍ مِنْ أَشْرَافِهِمْ"،
فَقَالُوا :" يَا أَبَا طَالِبٍ، إنَّكَ مِنَّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ، وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى، وَتَخَوَّفْنَا عَلَيْكَ، وَقَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَادْعُهُ، فَخُذْ لَهُ مِنَّا، وَخُذْ لَنَا مِنْهُ، لِيَكُفَّ عَنَّا، وَنَكُفَّ عَنْهُ، وَلِيَدَعَنَا وَدِينَنَا، وَنَدَعَهُ وَدِينَهُ"..
فَبَعَثَ إلَيْهِ أَبُو طَالِبٍ، فَجَاءَهُ.
فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي: هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ، لِيُعْطُوكَ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ. قَالَ :
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « نَعَمْ ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ ».
قَالَ : فَقَالَ أَبُوجَهْلٍ :" نَعَمْ وَأَبِيكَ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ "،
قَالَ : « تَقُولُونَ : « „ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ” » ، وَتَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ ».
قَالَ : فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ؛ ثُمَّ قَالُوا : " أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ "، ( قَالَ ) :
ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: " إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَى دِينِ آبَائِكُمْ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ " . قَالَ : ثُمَّ تَفَرَّقُوا[(16)].

[طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ ]
فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : " وَاَللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا"،
قَالَ : فَلَمَّا قَالَهَا أَبُوطَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إسْلَامِهِ،
فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ: « أَيْ عَمِّ، فَأَنْتَ فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
قَالَ : فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ، قَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ السُّبَّةِ عَلَيْكَ وَعَلَى بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا" . قَالَ :
فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَ : نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ، قَالَ : فَأَصْغَى إلَيْهِ بِأُذُنِهِ، قَالَ : فَقَالَ :" يَا ابْنَ أَخِي. وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا "، قَالَ :
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « لَمْ أَسْمَعْ ».

[ مَا نَزَلَ فِيمَنْ طَلَبُوا الْعَهْدَ عَلَى الرَّسُولِ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ ]
قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّهْطِ الَّذِينَ كَانُوا اجْتَمَعُوا إلَيْهِ، وَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا رَدُّوا: { ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْر } * { بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاق }[(17)] إلَىٰ قَوْلِهِ تَعَالَىٰ: { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب } * { وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد }* { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق }[(18)]. ثُمَّ هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ ".[(19)].
فَلَمَّا هَلَكَ أَبُو طَالِبٍ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ، حَتَّىٰ اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ، فَنَثَرَ عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا..
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ : " لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَىٰ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ التُّرَابَ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَىٰ رَأْسِهِ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَىٰ بَنَاتِهِ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لَهَا : « لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ ». قَالَ : وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ : « مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّىٰ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ »[(20)].
اقول(الرمادي):" وحال رسول الله المؤيد من السماء يشبه حال أمته اليوم؛ ويفهم من الحديث أنه ما قام بعمل مادي.. من قتل أحد أو الإنتقام من الأبرياء ردا على ما فعله السفهاء به -عليه السلام- وهذا ما أردت تبيانه من مقدمة هذا الباب.. لذا فكل ما يحدث من افعال مادية وتصرفات عدوانية خطأ يخالف طريقته وسنته وهديه زمن العهد المكي؛ ونحن جميعاً اشبه ما نكون في هذه المرحلة!

ثُمَّ تُوُفِّيَ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَزَوْجَتُهُ خَدِيجَةُ
يُقَالُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُون }[(21)].. أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ.. وَ
نَزَلَ فِيهِ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(22)] .
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ ، عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ }[(23)] قَالَ : نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ، كَانَ يَنْهَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيَنْأَى عَنْهُ .

وَقَالَ مَعْمَرٌ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: « „ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَاللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « [أَيْ] يَا عَمُّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [ كلمةً] أُحَاجُّ[(24)] لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ » .
فَقَالَا [أَبُوجَهْلٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ.] :" أَيْ [يَا] أَبَاطَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ! ".. قَالَ : [ فَلَمْ يَزَالَا يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى قَالَ آخِرَ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ ]..
فَكَانَ آخَرَ كَلِمَةٍ أَنْ قَالَ : "عَلَى مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ "،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ [عَنْهُ] »، فَنَزَلَتْ: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم }[(25)] الْآيَتَيْنِ ، وَنَزَلَتْ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(26)] رواية مسلم .. وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ .
و
أبوطالب.. عمه كان السند الاجتماعي المهم.. والسند السياسي لرسول الله[(27)]
وعليه فإن أباطالب عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات كافراً، لا يوجد في ذلك خلاف معتبر بين أهل العلم، وقد روى البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه[(28)] ما أثبته.
و
تتبقىٰ مسألة:
.. زوجته « فاطمة بنت أسد » مِن أوائل الداخلين في الإسلام، وكيف سمح الرسول -صلى الله عليه وسلم- ببقائها علىٰ ذمته لحين وفاته؟".
والإجابة عن هذه المسألة :
أما سَمَاحُه -صلى الله عليه وسلم- ببقاء «فاطمة بنت أسد» في عصمة أبي طالب، فإن ذلك كان قبل تحريم بقاء المؤمنات تحت الكفار، لأن أباطالب مات عام الحزن(!)، وهو قبل الهجرة بثلاث سنين، وتحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار نزل في صلح الحديبية عام ستة من الهجرة.
أخرج الشيخان عن المسور ومروان بن الحكم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما عاهد كفار قريش يوم الحديبية جاءت نساء من المؤمنات، فأنزل الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ }... إلىٰ قوله تعالىٰ: { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }[(29)]
وأخرج الواحدي عن ابن عباس قال: إن مشركي مكة صالحوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية علىٰ أن مَن أتاه مِن أهل مكة رده إليهم.. ومَن أتىٰ مِن أهل مكة مِن أصحابه فهو لهم، وكتبوا بذلك كتاباً وختموه، فجاءت : « „سبيعة بنت الحارث الأسلمية” » بعد الفراغ من الكتاب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- بالحديبية، فأقبل زوجها وكان كافراً، فقال: "يا محمد رد علي امرأتي، فإنك قد شرطت علينا أن ترد علينا مَن أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد"، فأنزل الله هذه الآية...
ومن بعد إذنه تعالىٰ سابحث صُلح الحديبية في قابل الأيام.. إن شاء الله!
فوفاةُ أبي طالب، ونزول تحريم بقاء المؤمنات في عصم الكفار بينهما تسع سنين. والله أعلم.".[(30)]
وَقَدْ حَكَى عَنْ أَبِي طَالِبٍ، وَاسْمُهُ عَبْدُمَنَافٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، أَنَّ أَبَاطَالِبٍ، قَالَ :" كُنْتُ بِذِي الْمَجَازِ مَعَ ابْنِ أَخِي، فَعَطِشْتُ، فَشَكَوْتُ إِلَيْهِ، فَأَهْوَىٰ بِعَقِبِهِ إِلَىٰ الْأَرْضِ ، فَنَبَعَ الْمَاءُ فَشَرِبْتُ ".
وَعَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، قَالَ: " لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَسُودُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا بِمَالٍ، إِلَّا:
- أَبُوطَالِبٍ وَ
- عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ".
وَلِأَبِي طَالِبٍ شِعْرٌ جَيِّدٌ مُدَوَّنٌ فِي السِّيرَةِ وَغَيْرِهَا .
وَفِي " مُسْنَدِ أَحْمَدَ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ ، قَالَ : " رَأَيْتُ عَلِيًّا ضَحِكَ عَلَىٰ الْمِنْبَرِ حَتَّىٰ بَدَتْ نَوَاجِذُهُ "، ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي طَالِبٍ: " ظَهَرَ عَلَيْنَا أَبُوطَالِبٍ وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نُصَلِّي بِبَطْنِ نَخْلَةَ ..
فَقَالَ : "مَاذَا تَصْنَعَانِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ "،
فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْإِسْلَامِ
فَقَالَ: "مَا بِالَّذِي تَصْنَعَانِ مِنْ بَأْسٍ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَعْلُونِي اسْتِي أَبَدًا"،
فَضَحِكْتُ تَعَجُّبًا مِنْ قَوْلِ أَبِي.
وَرَوَى مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قُرَيْشًا أَظْهَرُوا لِبَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ الْعَدَاوَةَ وَالشَّتْمَ، فَجَمَعَ أَبُوطَالِبٍ رَهْطَهُ، فَقَامُوا بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ يَدْعُونَ اللَّهَ عَلَىٰ مَنْ ظَلَمَهُمْ، وَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: " إِنْ أَبَى قَوْمُنَا إِلَّا الْبَغْيَ عَلَيْنَا فَعَجِّلْ نَصْرَنَا، وَحُلْ بَيْنَهُمْ، وَبَيْنَ الَّذِي يُرِيدُونَ مِنْ قَتْلِ ابْنِ أَخِي، ثُمَّ دَخَلَ بِآلِهِ الشِّعْبَ" .
عَنِ الْعَبَّاسِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:" مَا تَرْجُو لِأَبِي طَالِبٍ ؟ ". قَالَ :« كُلَّ الْخَيْرِ مِنْ رَبِّي » .

قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةٌ عَنِّي حَتَّى مَاتَ عَمِّي » .
ــــــــــــــــــــــــ
كَاعَّةٌ : جَمْعٌ كَائِعٍ، وَهُوَ الْجَبَانُ، يُقَالُ : كَعَّ : إِذَا جَبُنَ وَانْقَبَضَ .
ــــــــــــــــــــــــ
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: « „ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَمِّهِ : « قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » فَقَالَ :" لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ : إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ : { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }[(32)].
عَنِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ: « „ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَفَعْتَ أَبَاطَالِبٍ بِشَيْءٍ (!؟)، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ ". قَالَ : « نَعَمْ . هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ، وَلَوْلَا أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ »[(33)]
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : يَقُولُ: وَذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُوطَالِبٍ فَقَالَ: « لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَجُعِلَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنَ النَّارِ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ »[(34)].
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: « „ أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُوطَالِبٍ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ” » [(35)].
وَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: « „ لَمَّا مَاتَ أَبُوطَالِبٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ : " إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ ". قَالَ : « اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ وَلَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي » . فَأَتَيْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ ، ثُمَّ دَعَا لِي بِدَعَوَاتٍ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهِنَّ مَا عَلَىٰ الْأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ ” »[(36)] .. عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَزَادَ بَعْدَ اذْهَبْ فَوَارِهِ : فَقُلْتُ : إِنَّهُ مَاتَ مُشْرِكًا .
قَالَ : « اذْهَبْ فَوَارِهِ »، وَفِي حَدِيثِ تَصْرِيحِ السَّمَاعِ مِنْ نَاجِيَةَ قَالَ : شَهِدْتُ عَلِيًّا يَقُولُ . وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ .
وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ : لَمَّا مَاتَ أَبُوطَالِبٍ عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَفِيهٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَلْقَى عَلَيْهِ تُرَابًا ، فَرَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ ، فَأَتَتْ بِنْتُهُ تَمْسَحُ عَنْ وَجْهِهِ التُّرَابَ وَتَبْكِي فَجَعَلَ يَقُولُ : " أَيْ بُنَيَّةُ لَا تَبْكِينَ ، فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكِ " ، وَيَقُولُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ : " مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّى مَاتَ أَبُوطَالِبٍ . [(37)]غَرِيبٌ مُرْسَلٌ .
وَرُوِيَ عَنِابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَارَضَ جِنَازَةَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ : " وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يَا عَمِّ وَجُزِيتَ خَيْرًا " . تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْخُوَارِزْمِيُّ. وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي عَنْهُ عِيسَى غُنْجَارٌ، وَالْفَضْلُ السِّينَانِيُّ .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : ثُمَّ إِنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَبَا طَالِبٍ مَاتَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَصَائِبُ بِهَلَاكِهِمَا .
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ وَزِيرَةُ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ ، كَانَ يَسْكُنُ إِلَيْهَا .
وكانت :" السند العاطفي والقلبي المهم جدًّا لرسول الله ".. ؛ بل المالي له؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ أَثْنَى عَلَيْهَا، فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ، قَالَتْ: فَغِرْتُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: مَا أَكْثَرَ مَا تَذْكُرُهَا حَمْرَاءَ الشِّدْقِ[(38)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ
حمراء الشِّدق: الشدق جانب الفم ممَّا تحت الخد؛ والمعنى: أنها عجوز كبيرة جدًّا حتى قد سقطت أسنانها من الكبر ولم يبقَ لشدقها بياض شيء من الأسنان إنما بقي فيه حمرة لثاتها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
.. ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ -عز وجل- بِهَا خَيْرًا مِنْهَا.
قَالَ: « مَا أَبْدَلَنِي اللهُ -عز وجل- خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ :
1.] آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَ
2.] صَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَ
3.] وَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَ
4.] رَزَقَنِي اللهُ -عَزَّ وجلَّ- وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ»[(39)]
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مِنَ الشِّعْبِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَأَنَّهُمَا تُوُفِّيَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، وَتُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَبِي طَالِبٍ بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا .
روى البخاري عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ -رحمه الله- قال: ( تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ رضي الله عنها قَبْلَ مَخْرَجِ النَّبِيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- إِلَى الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ )[(40)]
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الْحَاكِمُ أَنَّ مَوْتَهَا كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثَةِ أَيَّامِ ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ .
وَهِيَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِالْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ الْأَسْدِيَةُ .
قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ : كَانَتْ تُدْعَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الطَّاهِرَةَ، وَأُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ الْعَامِرِيَّةُ.
وَكَانَتْ خَدِيجَةُ تَحْتَ أَبِي هَالَةَ بْنِ زُرَارَةَ التَّمِيمِيِّ، وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِي هَالَةَ، ثُمَّ خَلَفَ عَلَيْهَا بَعْدَهُ عَتِيقُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، ثُمَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : بَلْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهَالَةَ بَعْدَ عَتِيقٍ .
وَكَانَتْ وَزِيرَةَ صِدْقٍ عَلَى الْإِسْلَامِ .
وَعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ، وَقِيلَ : كَانَ مَوْتُهَا فِي رَمَضَانَ، وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ، وَقِيلَ : إِنَّهَا عَاشَتْ خَمْسًا وَسِتِّينَ سَنَةً .
وَقَالَ الزُّبَيْرُ : تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَأَقَامَتْ مَعَهُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَنَةً .
قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ذَكَرَ خَدِيجَةَ لَمْ يَكَدْ يَسْأَمُ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهَا، وَاسْتِغْفَارٍ لَهَا، فَذَكَرَهَا يَوْمًا، فَاحْتَمَلَتْنِي الْغَيْرَةُ، فَقُلْتُ : لَقَدْ عَوَّضَكَ اللَّهُ مِنْ كَبِيرَةِ السِّنِّ، فَرَأَيْتُهُ غَضِبَ غَضَبًا أَسْقَطْتُ فِي خَلَدِي، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ أَذْهَبْتَ غَضَبَ رَسُولِكَ عَنِّي لَمْ أَعُدْ إِلَى ذِكْرِهَا بِسُوءٍ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَقِيتُ قَالَ : « كَيْفَ قُلْتِ، وَاللَّهِ لَقَدْ :
1.] آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ، وَ
2.] آوَتْنِي إِذْ رَفَضَنِي النَّاسُ، وَ
3.] صَدَقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَ
4.] رُزِقْتُ مِنْهَا الْوَلَدُ، وَحُرِمْتُمُوهُ مِنِّي»، قَالَتْ : فَغَدَا وَرَاحَ عَلَيَّ بِهَا شَهْرًا .
عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : مَا غِرْتُ عَلَى امْرَأَةٍ مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ مِنْ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهَا، وَمَا تَزَوَّجَنِي إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَقَدْ أَمَرَهُ رَبُّهُ أَنْ يُبَشِّرَهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ[(41)] مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ .
وَعَنْ أَبِي زُرْعَةَ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: « „ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : " هَذِهِ خَدِيجَةُ، أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامُ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي، وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ ” »[(42)]
وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : سَمِعْتُ عَلِيًّا -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: « „ خَيْرُ نِسَائِهَا : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ ” »[(43)].
ومن الدقة العلمية في كتابة السيرة؛ ومن حسن وإحسان عرضها؛ فقد أخطأتُ في سرد أحدثها-كما سبق ونوهت- إذ بعد هلاك أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب كان ينبغي أن أتحدث عن :

:" سَعْيُ الرَّسُولِ إلَىٰ ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلَىٰ الطَّائِفِ، يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ، وَالْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَرَجَاءَ أَنْ يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
(*) شرح الغريب:"
قَوْلُهُ : (أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الْغَرْغَرَةِ
قَوْلُهُ : ( أُحَاجُّ ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَأَصْلُهُ أُحَاجِجُ، وفِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ جاء بِلَفْظِ:" أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ ". وَكَأَنَّهُ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَهِمَ مِنَ امْتِنَاعِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ لِوُقُوعِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ كَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا، فَلِذَلِكَ ذَكَرَ لَهُ الْمُحَاجَجَةَ. وَأَمَّا لَفْظُ الشَّهَادَةِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُهُ إِذْ لَمْ يَحْضُرْهُ حِينَئِذٍ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَيَّبَ قَلْبَهُ بِأَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِهَا فَيَنْفَعَهُ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ : فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ : " لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ ... يَقُولُونَ : " مَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ إِلَّا جَزَعُ الْمَوْتِ".. لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ " وَأَخْرَجَ ابْنُ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ .
قَوْلُهُ : فَنَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم } . وَنَزَلَتْ { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ }
أَمَّا نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ ، وَ
أَمَّا
نُزُولُ الَّتِي قَبْلَهَا فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْآيَةَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالِاسْتِغْفَارِ نَزَلَتْ بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ بِمُدَّةٍ، وَهِيَ عَامَّةٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ، وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي فِي التَّفْسِيرِ بِلَفْظِ " فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ ..} الْآيَةَ . وَأَنْزَلَ فِي أَبِي طَالِبٍ{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ " قَالَ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } وَ
هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ. وَيُضَعِّفُ مَا ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ رَأَى فِي بَعْضِ كُتُبِ الْمَسْعُودِيِّ [ الْمَسْعُودِيُّ الْمُؤَرِّخُ شِيعِيٌّ قُحٌّ مِنْ دُعَاتِهِمْ] أَنَّهُ أَسْلَمَ ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ مَا فِي الصَّحِيحِ . ".
:" ولقد اختلف المؤرِّخون في تحديد الذي مات أولًا؛
هل هو أبو طالب، أم خديجة -رضي الله عنها-؟
فمنهم مَنْ قدَّم موت أبي طالب لأنَّه حدث بعد الخروج من الشِّعْب بستَّة أشهر؛ أي أنَّه حدث في رجب من السنة العاشرة، ثمَّ كانت وفاة خديجة رضي الله عنها؛ لأنَّه اشتُهر أنَّه حدث في رمضان من السنة العاشرة للنبوَّة. ومنهم مَنْ قدَّم وفاة خديجة -رضي الله عنها-، وجعل موت أبي طالب في شوال بعد خديجة بخمسة وثلاثين يومًا كما جاء في بعض الروايات، والمسألة فيها تفصيل وبحوث وإن كانت لا تهمُّ كثيرًا؛ لأنَّ المصيبتين حدثتا في وقتٍ قريبٍ جدًّا من بعضهما البعض، وكانت آثارهما مشتركة.
والموت بصفةٍ عامَّةٍ مصيبةٌ كما سمَّاه الله -عزَّ وجلَّ- في كتابه العزيز؛ حيث نطق القرآن الكريم فقال: ﴿فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ المَوْتِ﴾ ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما -زمنياً- مِن بعضهما البعض، مما جعل(!؟) رسول الله -وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق علىٰ هذا العام الذي مات فيه أبو طالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر مِن النبوة، يطلق عليه عام الحزن(!!).[(7)]
ولكن موت هذين السندين الكبيرين جعل المصيبة أعظم؛ خاصَّةً لقرب موتهما من بعضهما البعض؛ ممَّا جعل المؤرخين يُطلقون على العام العاشر من النبوَّة: «عامَ الحزن»، وذكر بعضهم؛ قال ثعلب: «مات أبو طالب وخديجة في عامٍ واحد وهو عام الهجرة، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن».
وقال ابن سيده: «وعام الحزن: العام الذي ماتت فيه خديجة وأبو طالب فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن حكى ذلك ثعلب عن ابن الأعرابي».
وقال القسطلاني: «وكان صلى الله عليه وسلم يُسمِّي ذلك العام عام الحزن، فيما ذكر صاعد». أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق هذه التسمية،
ولكنِّي لم أجد دليلًا بسندٍ صحيحٍ يُؤَكِّد ذلك.".
فإنّ تسمية هذا العام بـ( عام الحزن ) إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ولا وجود لها في شيء من مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه كما فعله كثير من المصنِّفين.
والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أطلق على هذا العام بأنّه عام الحزن هو " المواهب اللّدنيّة " للقسطلاني -رحمه الله-، وحين روى ذلك لم يزد على أن قال:" فيما ذكره صاعد "!
وصاعد هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني -رحمه الله- في "شرحه" عليه (1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا.
فلماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية على هذا العام ؟
كان ذلك في السّنة العاشرة من البعثة ..
إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة -رضي الله عنها-، وأبو طالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام[(44)]. ".

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(*) يتفق الجميع -سُنة وشيعة.. مسلمون ومستشرقون- على أن في سيرة نبي آخر الزمان والرسول الخاتم للمرسلين ومتمم الأنبياء وفي حياة محمد -صلى الله عليه وآله وسلم شخصيات محورية لعبت دوراً هاماً وجوهرياً.. مفصلياً محورياً.. مما يستلزم مني تخصيص في نهاية البحوث مقالات عن تلك الشخصيات المحورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
بُحُوثٌ ﴿ سنن الأنبياء؛ وسبل العلماء؛ وبساتين البلغاء؛ والأعجاز العلمي عند الحكماء في تأويل آيات الذكر الحكيم المنزل من السماء؛ وإدراك مع فهم أحاديث الأحكام لسيد ولد آدم وآخر المرسلين ومتمم الأنبياء والمبتعثين ﴾
[ ٧ ] الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداثُ » بعثة النبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - والدعوة في مكة« : [عَهْدِ النُّبُوَّةِ: الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ]
[ ٧ ] الْبَابُ السَّابِعُ : „ ما أطلق عليه: عَامُ الْحُزْنِ ” .
قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ - غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
حُرِّرَ في يوم الثلاثاء : ١١ ربيع الثاني ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق : ١٦ من شهر نوفمبر عام ٢٠٦١ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
18 / 11 / 2021, 26 : 12 AM
:" من كرم رب العباد .. ورعاية مَن لا تأخذه سنة ولا نوم .. ورحمة من ارحم الراحمين.. فقد مَنَّ الرزاق الكريم عليَّ -وإثناء بحثي- بمطالعة موضوع مكمل لهذه الجزئية من البحث ... ما أطلق عليه عام الحزن .. وإليك البحث المكمل... ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
20 / 11 / 2021, 55 : 04 PM
https://www.al-abdal.net/wp-content/uploads/2020/11/روايات-بداية-البعثة.jpg "المسجد النبوي؛ بالمدينة المنورة؛ والتي طيَّب الله تعالى ثراها بمرقده-صلى الله عليه وآله وسلم- وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق-رضوان الله تعالى عليهما وسائر الأصحاب"

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
22 / 11 / 2021, 33 : 11 PM
" تعقيب" التسمية بــ عام الحزن:

مِن كرم رب العباد ورعاية مَن لا تأخذه سنة ولا نوم ورحمة من ارحم الراحمين-سبحانه وتعالى-.. فقد مَنَّ الرزاق الكريم عليَّ -وإثناء بحثي- بمطالعة موضوع مكمل لهذه الجزئية من البحث ... مسألة ما أطلق عليه عام الحزن ..
وإليك البحث المكمل...
:" تحقيق تسمية عام الحزن:
مِن التسميات المشهورة في كتب السيرة، إطلاق تسمية عام الحزن حيث عُرف العام العاشر من البعثة عند المتأخرين بــ عام الحزن، ذلك أن هذا العام قد شهد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- وأبي طالب عمّ النبي محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان بين وفاتيهما أيام يسيرة، وذكروا أنه -صلى الله عليه وسلم- لشدة حزنه سَمى هذا العام عام الحزن.[(1)]
فهل صح ذلك؟

ومن السادة أهل العلم مَن قال بأن النبي هو من سماه بــ عام الحزن
أذكر على سبيل المثال ما :
1.] جاء في السيرة الحلبية :"
باب : ذكر وفاة عمه أبي طالب، وزوجته (ص)([*)]. خديجة (ر)([*)]؛ الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 490 )
قوله:" وكأن رسول الله (ص)([*)] يسمي ذلك العام عام الحزن ، ولزم بيته وأقل الخروج، وكانت مدة اقامتها معه (ص)([*)] خمسا وعشرين سنة على الصحيح." .
ثم جاء في :"الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 521)
-.... وفي السنة العاشرة من النبوة : مات أبوطالب وماتت خديجة (ر)([*)] وكان (ص)([*)] يسمى ذلك العام عام الحزن.".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
([*)] لستُ ممن يرتاح لمثل هذه المختصرات؛ وقد أوردتها وفقا لما هو موجود في المصدر الذي رجعتُ إليه!..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل إشكال النقل من المصادر القديمة دون التحقيق أوقع
2.] د. السرجاني في هذا الإشكال.. فقال :
1.]:" والموت مصيبة كما سماه الله U في كتابه حيث قال: { فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة: 106]. ولكن إن كان الموت بصفة عامة مصيبة فموت السيدة خديجة وأبي طالب كان مصيبة كبيرة جدًّا، وخاصة لقربهما من بعضهما البعض، مما جعل رسول الله r - وهو الذي اشتهر بالتفاؤل والتخفيف عن أصحابه- يطلق على هذا العام الذي مات فيه أبوطالب والسيدة خديجة وهو العام العاشر من النبوة، يطلق عليه عام الحزن.
وايضاً
2.] أبو زهرة في تفسيره :" زهرة التفاسير".
-*-*-*-
ومن السادة أهل العلم مَن قال بعدم تسميه -عليه السلام – هذا العام بعام الحزن:

بحث د. العوشن في المسألة فكتب يقول :
" لم تَردْ هذه التسمية في شيء من الأحاديث الصحيحة، بل و لا الضعيفة، ولا في شيء من كتب السيرة وشروحها، كــ
- سيرة ابن إسحاق و
- شرحها للسهيلي، ولم يذكر هذا اللفظ -فيما أعلم- أحد ممّن كتب في السيرة كــ
- ابن القيم و
- الذهبي و
- ابن كثير، و
لا غيرهم من شرّاح الأحاديث كــ
- النووي و
- ابن حجر -رحمهم الله-...
قال الشيخ الساعاتي -رحمه الله- في الفتح الرباني: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُسمي ذلك العام عام الحزن .. كذا في المواهب اللدنية .([انظر: الفتح الرباني (20/ 226).)].

وقال الشيخ الألباني في تعقيبه على البوطي في قوله: ( ولقد أطلق النبي -صلى الله عليه وسلم- على هذا العام (عام الحزن) لشدة ما كابد فيه من الشدائد في سبيل الدعوة ) ..
قال الألباني -رحمه الله-: " مِن أي مصدر ٍ من المصادر الموثوقة أخذ الدكتور (البوطي) هذا الخبر؟ .. وهل إسناده -إن كان له إسناد- مما تقوم به الحجة؟ ..
فإني [الألباني] بعد مزيد البحث لم أقف عليه ...
والمصدر الوحيد الذي رأيته قد أورده إنما هو القَسطَلاّني في المواهب اللدنية فلم يزد على قوله: (فيما ذكره صاعد) وصاعد هذا هو ابن عبيد البجلي كما قال الزرقاني في شرحه عليه .. فما حال صاعد هذا؟ .. إنه مجهول لا يُعرف، ولم يوثقه أحد، بل أشار الحافظ (*)[ ابن حجر، حيث قال في التقريب عن صاعد: "مقبول". وقد نص في مقدمة التقريب على أن من وصفه بأنه مقبول فذلك حيث يتابع وإلا فليّن الحديث. (1/ 5).] .. أشار الحافظ إلى أنه ليّن الحديث إذا لم يتابع، كما هو حاله في هذا الخبر. على أن قول القسطلاني: (فيما ذكره صاعد) يُشعر أنه ذكره معلقًا بدون إسناد فيكون معضلًا، فيكون الخبر ضعيفًا لا يصح، حتى ولو كان صاعد معروفًا بالثقة والحفظ، وهيهات هيهات ([ دفاع عن الحديث والسيرة ص 18.)]". ا. هـ كلام الألباني.

المنجد في جواب سؤال كتب يقول :" لم يثبت أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أو أحدا من أصحابه ، بل ولا من التابعين ، ومتقدمي الأئمة : أنه سَمى هذا العام بعام الحزن؛ ولم يُرو ذلك مسندا من وجه ، وغاية ما في الأمر أنها تسمية من العلماء .
قال العيني رحمه الله في"عمدة القاري" (8/ 180): " توفّي أبوطَالب هُوَ وَ خَدِيجَة فِي أَيَّام ثَلَاثَة ، قَالَ صاعد فِي (كتاب الفصُوص) : فَكَانَ النَّبِي -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُسَمِّي ذَلِك الْعَام عَام الْحزن ، وَكَانَ ذَلِك وَقد أَتَى للنَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تسع وَأَرْبَعُونَ سنة وَثَمَانِية أشهر وَأحد عشر يَوْمًا " انتهى.
و
صاعد هذا : هو صاعد بن الحسن بن عيسى الربعي البغدادي اللُغوي ، ولم يكن صدوقا ، قال ابن بشكوال في "الصلة"(ص233) : " كان صاعد هذا يتهم بالكذب وقلة الصدق فيما يورده -عفى الله عنه- " انتهى .
وقال الذهبي رحمه الله :"جمَع الفصوص عَلَى نحو "أمالي القالي " للمنصور، فأثابه عَليْهِ خمسة آلاف دينار. وكان متَّهَمًا في النَّقل ، فلهذا هجروا كتابه، وقد تخرَّج بِهِ جماعة مِن فُضلاء الأندلس ، لمّا ظهر كذبِه للمنصور رمى بكتابه في النّهر، ثمّ خرج مِن الأندلس في الفتنة وقصد صقلّية ، فمات بها " انتهى من "تاريخ الإسلام" (28/ 246) .
وقال ابن سيده رحمه الله :" عام الحزَنِ : الْعَام الَّذِي مَاتَت فِيهِ خَدِيجَة وَ أَبُوطَالب ، فَسَماهُ رَسُول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَام الحزَنِ ، حكى ذَلِك ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي ، قَالَ: وَمَاتَا قبل الْهِجْرَة بِثَلَاث سِنِين " . انتهى من"المحكم" (3/ 225) .
ومات ابن الأعرابي في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، كما في "سير أعلام النبلاء" (9/ 75) ، وهو أعلى من نسب تسمية هذا العام بعام الحزن إلى النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.".

قال د. العوشن:" ومن ناحية المتن فيبعد أن يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من أصحابه بذلك، وقد مّر عليه صلى الله عليه وسلم والمسلمون من المحن والشدائد الكثير، قبل الهجرة وبعدها، فقد روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: " هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟.. قال: " لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضتُ نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب .. " الحديث[( البخاري، كتاب الخلق، باب إذا قال أحدكم آمين (6/ 312 فتح)، مسلم (12/ 154 نووي).)].
وفي قصة بعثه صلى الله عليه وسلم سبعين رجلًا من أصحابه يُسَمَّون بالقرّاء إلى أحياء من سُليم فقتلوهم، قال أنس رضي الله عنه" فما رأيته وَجَد على أحدٍ ما وجد عليهم [( البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب دعاء الإِمام على من نكث عهدًا (6/ 272 فتح).)] ، حتى كان من شدة حزنه صلى الله عليه وسلم عليهم أنه مكث شهرًا كاملًا يدعو على قاتليهم، قال أنس رضي الله عنه "دعا النبي صلى الله عليه وسلم على الذين قَتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا حين يدعو على رِعْل ولحيان وعُصيّة عصت الله ورسوله [( البخاري: كتاب المغازي، باب غزوة الرجيع، ورعل وذكوان، وبئر معونة .. (7/ 389 فتح). )] ".
وكانت هذه الحادثة المؤلمة التي قُتل فيها سبعون رجلًا، من الصحابة من قرّائهم قد وقعت في أوائل العام الرابع للهجرة، وسبقها بفترة قصيرة حادثة أخرى تُعرف بماء الرجيع لعشرة من الصحابة منهم: خبيب بن عدي و عاصم بن ثابت و زيد بن الدثنة و مرثد بن أبي مرثد وغيرهم رضي الله عنهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قد أصيبوا في شوال من العام الثالث للهجرة (غزوة أحد) باستشهاد سبعين رجلًا كان منهم: حمزة بن عبدالمطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، و مصعب بن عمير و أنس بن النضر، و عبدالله بن عمرو بن حرام (والد جابر)، و اليمان (والد حذيفة)، و عبدالله بن جبير أمير الرماة يومها، وغيرهم رضي الله عنهم بل شُجّ رأسه صلى الله عليه وسلم وكُسِرت رَباعيته ودمي وجهه الشريف [( مسلم، كتاب الجهاد والسيرة، غزوة أحد (12/ 148 نووي).)] .
كل تلك الحوادث وقعت في أقل من ستة أشهر، واستُشهد خلالها ما يقارب من مائة وخمسين صحابيًا رضي الله عنهم ولم يُنقل أنه صلى الله عليه وسلم على شدة حزنه سمّاه بأي اسم يدل على الحزن أو نحوه. "
انظر :
*. ] د. محمد عبدالله العوشن؛ ما شاع ولم يثبت في السيرة النبوية؛[ . (67-69).] .. ونُشر أيضاً على صفحة د. السرجاني تحت عنوان عريض :"التاريخ الإسلامي ؛ صحح تاريخك : عام الحزن".
*.] استشهد المنجد بما بحثه د. العوشن ] .
و
بحث :" عبدالحليم توميات في :" -السّيرة النّبويّة (32) عـام الحـزن..
وقال :" تسمية هذا العام بـ( عام الحزن ) إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ولا وجود لها في شيء من مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه كما فعله كثير من المصنِّفين.
والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أطلق على هذا العام بأنّه عام الحزن هو " المواهب اللّدنيّة " للقسطلاني رحمه الله، وحين روى ذلك لم يزد على أن قال:" فيما ذكره صاعد "!
وصاعد هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني رحمه الله في"شرحه" عليه ( 1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا.
فــ
لماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية على هذا العام ؟
كان ذلك في السّنة العاشرة من البعثة ..
إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة رضي الله عنها، وأبو طالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام.
[نُشر : الاثنين 04 ربيع الأول 1432 هـ الموافق لـ: 07 فيفري 2011؛ السّيرة النّبويّة (32) عـام الحـزن؛ عبدالحليم توميات ]

وهناك مَن سلم مِن وقوفه في آحدى الصفين فتوقف عن أن ينسبه إلى أحد مثل صاحب :" الرحيق المختوم (https://www.alsirah.com/category/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%ac%d8%b9/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%aa%d9%88%d9%85/?SourceCategoryId=9)". فــ قال :
:" ولأجل توالي مثل هذه الآلام في هذا العام سُمِّى بــ عام الحزن، وعُرف به في السيرة والتاريخ ‏».
*-*
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الإثنين‏، 17‏ ربيع الثاني‏، 1443هــ ~ 22‏ نوفمبر 2021م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
27 / 11 / 2021, 00 : 07 PM
﴿ « „ ٩٩‟» ﴾ [ ٨ ] سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ

* . ] اسْتِدْرَاكٌ :
.. وقفتُ في نهاية الْمُجَلَّدُ السَّابِعُ [ ٧ ] عند عام الحزن [نَشَرَهُ موقع ملتقى أهل العلم مشكورا ومأجوراً]؛ وما يجب عليَّ إثباته هنا :" إنّ تسمية هذا العام بـ :
« عام الحزن »
إنّما هي تسمية أهل العلم له، ولم ترِدعن النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولا وجود لها في شيء مِن مصادر السنّة الموثوقة، فلا يجوز نسبتها إليه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، كما فعله كثير من المصنِّفين.
والمصدر الوحيد الّذي ذكر أنّ النبيّ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أطلق علىٰ هذا العام بأنّه :„عام الحزن‟هو " المواهب اللّدنيّة" للقسطلاني رحمه الله، وحين روىٰ ذلك لم يزد علىٰ أن قال:" فيما ذكره صاعد "!... وصاعدٌ هذا هو ابن عبيد البجليّ - كما قال الزّرقاني رحمه الله في"شرحه" عليه (1 /244) -، وهو مجهول لا يُعرف، ولم يوثّقه أحد، ولو سلّمنا أنّه ثقة حافظ - وهو ليس كذلك - فيكون الإسناد معضلا.
* . ] فلماذا أطلق أهل العلم هذه التّسمية علىٰ هذا العام؟[(1)]
كان ذلك في السّنة العاشرة مِن البعثة ..
إنّه العام الّذي تُوُفِّيت فيه خديجة رضي الله عنها، وهلك عمه أبوطالب، وكان بين وفاة خديجة وأبي طالب شهر وخمسة أيّام[(2)]. وكانا يقفان بجواره-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ومساندته ونصرته.. وبغيابهما عن المشهد القائم المعاش -وقتذاك- والأحداث الجارية المتتالية-في زمانها- في مكة فقدَ رسولُ الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- الناصر الإجتماعي و المؤيد الفعلي في مواجهة صناديد وكفار وعابدي أصنام.. وهو الذي يدعو إلى وحدانية الآله الخالق الرازق المحي المميت الذي بيده الخير وهو على كل شئ قدير.. وترك ما يعبدون من دون الله -تعالى- وعمه كان الحامي الخارجي و فقدَ الأنيس الداخلي و الناصر المعنوي و الصدر الدافئ حين عودته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلى بيته ليستريح قليلا مِن عناء المهاجمة والصدود والجفاء الخارجي.. وهنا الحديث عن محمد بن عبدالله الإنسان؛ فهو بشر من بني آدم.. صحيح أنه عليه السلام سيد ولد آدم لكن بداخله مشاعر إنسان وعواطف بشر وأحاسيس.. والذي أعانه على ذلك المصاب الأليم الشديد هو يقينه الجازم بأنه رسول الله تعالى وأنه المصطفى لتبيلغ آخر رسالات السماء وأنه المجتبى من الخلق أجمعين لتعلو راية التوحيد... لذا فقد اجتهد البعض بوصف الحالة النفسية التي مر بها الرسول الإنسان محمد بن عبدالله فتم عنونة هذه السنة بأنها :« عام الحزن ».


-***-

وأبدءُ مِن بعد إذنه -تعالى في سماه وسما في علاه وتقدست اسماه – ومن بعد هدايته وتوفيقه:



[الْمُجَلَّدُ : (٨)؛ الْبَابُ : (١):
﴿«„سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ‟ »﴾ .



تَّمْهِيدٌ:
عَرْضُ الرَّسُولِ[صلى الله عليه وآله وسلم]نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ:
أدقُ مفصلٍ حيوي يربط بين آحدىٰ مراحل سنوات العهد المكي وآخرىٰ مِن السيرة النبوية المحمدية العطرة-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً-. أدقُ مفصل جوهري وأساسٍ هو وبلا آدنىٰ شكٍ واقل ارتياب :
«„ عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ ‟»
فقد اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. وتجمد المجتمع المكي وتصلب أمام الدعوة الجديدة منذ أن أعلنَ -عليه السلام- مبدأَ التوحيد وتكلم عن الربوبية الحقة وشرحَ حقيقة الآلوهية؛ وأخبرَ بعقيدة الإسلام الحنيف وبيَّن صحة الإيمان؛ ووجه العبادة لوجه الله-جل وعلا- وحده لا شريك ولا ند له لا مثيل له.. فلا صاحبة له ولا ولد، بدءاً مِن داخل البلد الحرام مسقط رأس خاتم الأنبياء؛ ومِن أمام :{.. أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِين}[(3)].. بلد آخر المرسلين؛ ومبدء دعوة إسلام متمم المبتعثين.. ومنشأ التوحيد .. وصرف العبادة فقط لرب البيت العتيق بــ مكةَ المكرمة التي تشرفت كأطهر بقعة علىٰ الأرض بوجود البيت الحرام العتيق منذ بداية وجود الأرض كــ مخلوقة لله-تعالىٰ في سماه و تقدست اسماه-؛ ومِن ثم زيارة أبي البشر أجمعين آدم -عليه السلام- للكعبة المشرفة.. ثم زيارات بقية السادة المرسلين ولفيف النبلاء مِن الأنبياء إلىٰ أن ترك الخليل إبراهيم -جد محمد الأعلىٰ- أبنَه الأكبر مع أمه ذات الأصول المِصرية هاجر وطفلها -الجد الأكبر- لمحمدٍ إسماعيلَ بن إبراهيم.. وبناء الكعبة المشرفة على القواعد: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ }[(4)]..ثم تشرفت أخيراً وتزينت بمولد النبي الرسول المصطفىٰ المرتضىٰ المحتبىٰ المجتبىٰ محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب..
.. اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. علىٰ أوائل المسلمين.. -ومعهم الرسول العظيم-؛ وهي مِن سنن الله -تعالى- في خلقه.. الذين أمنوا بالدين الجديد فخرجوا بعد العذاب المهين مِن وسط كفار قريش ومشركي مكة.. خرجوا إلىٰ شعب أبي طالب..
.. اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. فجاء مسير المصطفىٰ الهادي إلىٰ الطائف..
وبدءاً مِن هنا يبدءُ مفصل جوهري وانتقال حيوي إلىٰ تحرك جديد دعوي ؛ كأنه يخبر عن قرب انتهاء العهد المكي بمراحله ومفاصله لـتأسيس الدعوة الجديدة وبناء شخصية التكتل حول الرسول الأول؛ وهو -العهد المكي- العهد الأول في سير الخطوات العملية؛ ونستفيد نحن منها أنها السُنَّة التطبيقية والطريقة العملية في سير السيرة المحمدية النبوية والمنهجية الأحمدية الرسولية في البداية الفعلية والمنطقية في سير الدعوة؛ إذ بدأت بين :
- أهله و
- قومه و
- عشيرته و
- قبيلته.. ولاقى ما هو معروف منهم..فأمنت به قلة واتبعته ثلة..
وبقرب انتهاء هذا المفصل -يقترب مِن ثلاث سنوات-مِن العهد الأول المكي.. سيبدء ببطئ شديد يحتاج إلىٰ يقظة وإعمال فكر ووعي وبصيرة الخطوات الأولىٰ العملية للإنتقال إلىٰ العهد الثاني من عهدي النبوة :
«„العهدالمدني‟ »..
.. الحديثُ هنا والبحثُ عن أدقُ مفصلٍ يربط بين آحدىٰ مراحل سنوات العهد المكي -العهد الأول- وآخرىٰ مِن السيرة النبوية المحمدية العطرة-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ أَزْكَى صَلَوَاتِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثيراً-..
وهذا
المفصل
هو
﴿«„ عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ‟»..
.. وهو المقدمة الحتمية والتمهيد الأيديولوجي الفكري والاستراتيجي لما سيترتب عليه مِن بعد ذلك..أي قيام كيان لمجموعة الأفكار والقناعات لتفعيلها في المجتمع ولتنفيذها.. وكيان عملي لحزمة المبادئ وكتلة القيَّم والمقاييس لتطبيقها والتي أوحىٰ الله -تعالى- بها لخاتم رسله ومتمم مبتعثيه وآخر أنبياءه..
و
هنا ينبغي علىٰ "حامل دعوة - ولا استخدم لفظة الداعية- الإسلام" -أفرادا أو أحزابا.. جماعات أو تكتلات يجب فهم كيفية الانتقال ما بين مرحلة وآخرىٰ.. وكيفية الربط ما بين مفاصل وروابط كل مرحلة بعينها.. ولعل غياب هذا الفهم الدقيق والربط الواعي المستنير للسيرة النبوية أوقع -اليوم- جماعات تدثرت بقشور إسلام وأحزاب تلبست وشاحه.. أوقعها في مسألة التزواج بين مبدأ الإسلام ومبادئ وضعية بشرية ومنذ أكثر مِن 90 عاما تخفق فيما تدعو إليه.. والتجربة المِصرية التي استغرقت ثوان مِن عمر الدهر؛ والتونسية التي تترنح كلما قامت.. خير دليل علىٰ صحة ما ذهبتُ إليه..



قلتُ(الرمادي) : في التمهيد لهذا البحث أنه اشتدت المصاعب وتوالت الأزمات.. وتجمد المجتمع المكي وتصلب أمام دعوة الإسلام المحمدية وعلى سبيل المثال؛ وبإذنه -تعالى- سأفردُ فصلاً كاملاً عن:
بدايات الأذىٰ مِن المشركين:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ النَّفَرُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ :
1.] أَبَا لَهَبٍ ، وَ
2.] الْحَكَمَ بْنَ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ وَ
3.] عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَ
4.] عَدِيَّ بْنَ حَمْرَاءَ الثَّقَفِيَّ ، وَ
5.] ابْنَ الْأَصْدَاءِ الْهُذَلِيَّ ؛ وَ
كَانُواجِيرَانَهُ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ، فَكَانَ أَحَدُهُمْ -فِيمَا ذَكِرَ ابن إسحاق- يَطْرَحُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ الشَّاةِ وَهُوَ يُصَلِّي ، وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَطْرَحُهَا فِي بُرْمَتِهِ إذَا نُصِبَتْ لَهُ ، حَتَّى اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِجْرًا يَسْتَتِرُ بِهِ مِنْهُمْ إذَا صَلَّى ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَرَحُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَذَى ، كَمَا حَدَّثَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، يَخْرُجُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعُودِ ، فَيَقِفُ بِهِ عَلَى بَابِهِ ، ثُمَّ يَقُولُ :
«„يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ ، أَيُّ جِوَارٍ هَذَا‟»:
ثُمَّ
يُلْقِيهِ فِي الطَّرِيقِ ".[(5)]

[ طَمَعُ الْمُشْرِكِينَ فِي الرَّسُولِ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِي طَالِبٍ وَخَدِيجَةَ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ خَدِيجَةَ بِنْتَ خُوَيْلِدٍ وَأَبَاطَالِبٍ هَلَكَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ ، فَتَتَابَعَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿„الْمَصَائِبُ‟﴾:
بِــ
- هُلْكِ خَدِيجَةَ ، وَكَانَتْ لَهُ وَزِيرَ صِدْقٍ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ ، يَشْكُو إلَيْهَا ؛
وَبِــ
- هُلْكِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَانَ لَهُ عَضُدًا وَحِرْزًا فِي أَمْرِهِ ، وَمَنَعَةً وَنَاصِرًا عَلَىٰ قَوْمِهِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ مُهَاجَرِهِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ بِثَلَاثِ: ﴿٣﴾ سِنِينَ . فَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ ، نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَطْمَعُ بِهِ فِي حَيَاةِ أَبِي طَالِبٍ ، حَتَّىٰ اعْتَرَضَهُ سَفِيهٌ مِنْ سُفَهَاءِ قُرَيْشٍ ، فَنَثَرَ عَلَىٰ رَأْسِهِ تُرَابًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، قَالَ :«„ لَمَّا نَثَرَ ذَلِكَ السَّفِيهُ عَلَىٰ رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ التُّرَابَ ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ وَالتُّرَابُ عَلَىٰ رَأْسِهِ ، فَقَامَتْ إلَيْهِ إحْدَىٰ بَنَاتِهِ ، فَجَعَلَتْ تَغْسِلُ عَنْهُ التُّرَابَ وَهِيَ تَبْكِي ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا :«„ لَا تَبْكِي يَا بُنَيَّةِ(!) فَإِنَّ اللَّهَ مَانِعٌ أَبَاكَ‟ ».
قَالَ : وَيَقُولُ بَيْنَ ذَلِكَ:« „مَا نَالَتْ مِنِّي قُرَيْشٌ شَيْئًا أَكْرَهُهُ حَتَّىٰ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ” » ...
.. وهذه المعاناة في سبيل حمل الدعوة تحتاج مني إلىٰ إعادة نظر ومِن ثم تفصيل..
ولعل إذا شاءت إرادة السماء يكون لي عودة حميدة طيبة في بحث هذا الموضوع.. والله-تعالىٰ- المستعان!
ومما يلزمني إعادة النظر فيه مع التذكير والتنبيه ..
ذلك الموقف الذي حدث في حالة مرض أبي طالب -الأخ الشقيق لعبدالله بن عبدالمطلب- والد محمد : ولعل هذا ما غاب عن مسلمي اليوم.. وفطن إليه أحد الذين كانوا يحاربون الله -تعالى- ويعادون رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن الموقف كما رواه ابن اسحاق واعتمده مِن بعده كافة أهل السير والتراجم ..
أنتبه واسمع :
* . ] بَعَثَ إلَيْهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-أَبُو طَالِبٍ ، فَجَاءَهُ . فَــقَالَ أَبُوطَالِبٍ :
„يَا ابْنَ أَخِي : هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ قَوْمِكَ ، قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ ، لِيُعْطُوكَ ، وَلِيَأْخُذُوا مِنْكَ‟.
قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
﴿„ نَعَمْ..«„كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ‟ »تُعْطُونِيهَا تَمْلِكُونَ بِهَا الْعَرَبَ ، وَتَدِينُ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ‟﴾.
أقول(الرمادي): يجب الانتباه أن قبيلة قريش في مكة والمناطق المحيطة بها أهل تجارة ورجال مواسم إذ يرون قوافل التجارة قادمة إليها وراحلة عنها؛ ويثبت القرآن الكريم والذكر الحكيم هذا المشهد لأن به دلالة قوية لما أريد أن اثبته ولتراجع كتب التفسير ومصادر التأويل؛ إذ نطق القرآن يقول :{ لإِيلاَفِ قُرَيْش }
{ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْف}[(6)]
فهم يملكون المال ولديهم السلطة علىٰ العبيد ولديهم السيطرة علىٰ بيت الله -تعالىٰ- العتيق في المواسم.. فإذا زاد المُلك ملكاً وتوسعت السلطة والسيطرة وزاد المال فهذا ما يسعىٰ إليه كل متملك ومالك..
فكانت الإجابة الفورية أن..قَالَ : فَــ قَالَ أَبُو جَهْلٍ :„نَعَمْ وَأَبِيكَ ، وَعَشْرَ كَلِمَاتٍ‟،
قَالَ -صلى الله عليه وآله وسلم-: تَقُولُونَ :
[ أ . ] ﴿„لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‟﴾ ، وَ
[ ب . ] ﴿„تَخْلَعُونَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‟﴾ .
.. فهذه الثنائية :
أ . ] آله واحد.. يعبد ويطاع أمره؛ ويبتعد عن نهيه؛ و:
ب . ] خلع ما دونه..
وهذه هي مشكلة المشاكل عند البشر.. فالهوىٰ والميل والرغبة وتحقيق الغرائز وإشباعها وتركها علىٰ عناتها دون قيد أو شرط أو رقيب.. وحقيقتها انها آلهة من دونه فكان ردهم مباشرة الرفض..
ماذا فعلوا :
قَالَ :"„ فَصَفَّقُوا بِأَيْدِيهِمْ ‟؛
ثُمَّ قَالُوا :„ أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إلَهًا وَاحِدًا ، إنَّ أَمْرَكَ لَعَجَبٌ ‟ ( قَالَ ) : ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :„ إنَّهُ وَاَللَّهِ مَا هَذَا الرَّجُلُ بِمُعْطِيكُمْ شَيْئًا مِمَّا تُرِيدُونَ ، فَانْطَلِقُوا وَامْضُوا عَلَىٰ دِينِ آبَائِكُمْ ، حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ .
قَالَ : ثُمَّ تَفَرَّقُوا‟.
فمسألة توحيد الآله؛ ويندرج تحتها السمع لأوامره -هو فقط- والطاعة له -وحده دون سواه- رُفضت منذ اللحظة الأولىٰ من العرض النبوي!
.. ثم تأتي مسألة آخرىٰ -تكاد تكون- حامية الوطيس بين أهل السنة ومَن يتبعهم وبين أهل الشيعة ومَن يتشيع معهم حول قضية لا تفيد وهي مسألة ما بعد الموت والحساب والعقاب؛ وهي مسألة:
„ إيمان أبي طالب.. عم النبي.. مِن عدمها‟..
وفي حقيقة الأمر لا يترتب علىٰ بحثها أي فائدة سواء من حيث أحكام شرعية تكليفية عملية لنا؛ كما أنها لا تدخل في مسائل العقيدة عند المؤمنين والإيمان عند المسلمين ؛ والأصل في بحثها ونتائجها لا يترتب عليها قضية إيمان أو كفر لأحد منا أو منهم؛ وهي مسألة إيمان شخص واحد مِن عدمه وعقيدة أبي طالب -العم الحامي لنبي الله- وهي مسألة نفسية.. مسألة شجون وعواطف.. قد تُجرح مشاعر البعض ويتأذىٰ منها البعض.. فكيف بمَن قام بهذا الأفعال الجيدة والمواقف المحمودة مع ابن أخيه ثم يكون مصيره عذاب!
لذا فهناك بحث :
[ طَمَعُ الرَّسُولِ فِي إسْلَامِ أَبِي طَالِبٍ ، وَحَدِيثُ ذَلِكَ ]
فَقَالَ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :„ وَاَللَّهِ يَا ابْنَ أَخِي ، مَا رَأَيْتُكَ سَأَلْتَهُمْ شَطَطًا‟،
قَالَ: فَلَمَّا قَالَهَا أَبُوطَالِبٍ طَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إسْلَامِهِ ،
فَجَعَلَ يَقُولُ لَهُ :«„أَيْ عَمِّ ، فَأَنْتَ ... فَقُلْهَا أَسْتَحِلَّ لَكَ بِهَا الشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‟ » .
قَالَ : فَلَمَّا رَأَى حِرْصَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ ،
قَالَ :„يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ : „السُّبَّةِ‟ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ بَنِي أَبِيكَ مِنْ بَعْدِي ، وَأَنْ تَظُنَّ قُرَيْشٌ أَنِّي إنَّمَا قُلْتهَا جَزَعًا مِنْ الْمَوْتِ لَقُلْتهَا ... لَا أَقُولُهَا إلَّا لِأَسُرَّكَ بِهَا‟.
قَالَ : فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ .. قَالَ : نَظَرَ الْعَبَّاسُ إلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ ، قَالَ : فَأَصْغَىٰ إلَيْهِ بِأُذُنِهِ ،
قَالَ فَقَالَ :„ يَا ابْنَ أَخِي وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا‟،
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :«„لَمْ أَسْمَعْ‟(!!!)» . [(7)]
-**-
منذ قليل تحدثتُ عن اليسير مِن بحث :" المسير إلىٰ الطائف " ثم تكلمتُ عن ما أطلق عليه :"عام الحزن"..
ومِن هنا يبدء بحث جديد عميق أساسي وجوهري في خط سير السيرة المصطفوية والهدي المحمدي هي مسألة:



﴿«„النُّصرة‟»﴾؛

أو
ما تسمىٰ بــ مسألة :
﴿«„طلب النُّصرة مِن أهل المنعة والقوة‟»﴾؛

إذ أن كل المصادر المعتبرة والتراثية المعتمدة ما عدا قلة مِن الحديثة منها- واستدرك بالقول هنا فاذكر على سبيل المثال : بحثاً للشيخ الأزهري القاضي الشرعي/ محمد تقي الدين النبهاني بهذا الخصوص؛ وبحث آخر للبوطي؛ الأزهري؛ حامل الدكتوراه من كلية الشريعة/ جامعة الأزهر (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D8%A7%D9%85%D8%B9%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A3% D8%B2%D9%87%D8%B1): في أصول الشريعة الإسلامية (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A9_%D8%A5%D8%B3%D9%84% D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9) [عام 1965م (https://ar.wikipedia.org/wiki/1965)]،-رحهمهما الله- وللسرجاني ولـ د. الصلابي بحث:- [طواف النبي - -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - علىٰ القبائل طلباً للنُّصرة؛ الحلقة الثامنة والأربعون (48)]؛ ما عدا قلة تهمل هذه الجزئية المفصلية مِن السيرة النبوية في البحث والدراسة..
وإليك البيان :
1.] عَنوَّنَ ابن هشام في سيرته :« „ سَعْيُ الرَّسُولِ إلَىٰ ثَقِيفٍ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ‟ ».
فقد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :"وَلَمَّا هَلَكَ أَبُوطَالِبٍ نَالَتْ قُرَيْشٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأَذَىٰ مَا لَمْ تَكُنْ تَنَالُ مِنْهُ فِي حَيَاةِ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَىٰ الطَّائِفِ "[(8)]،
.. فما سبب خروجه -عليه السلام- !؟.
يكمل ابن اسحاق القول فيثبت لنا :
1. ] يَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ مِنْ ثَقِيفٍ ، وَ
2. ] الْمَنَعَةَ بِهِمْ مِنْ قَوْمِهِ، وَ
رَجَاءَ أَنْ :
3. ] يَقْبَلُوا مِنْهُ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ وَحْدَهُ "[(8)]..
توجد مسألة تحتاج إلىٰ إلقاء أضواء عليها وهي :
﴿«„ نثبت -سبحانه وتعالىٰ- فؤادك -عليه السلام-‟»﴾..

والخطاب لنبيه ورسوله؛ إذ أنه بشر؛ يملك مِن الخواص البشرية والصفات الآدمية مثل غيره مِن الناس؛ ويزيد.. مع التأكيد علىٰ صدق نبوته وصحيح رسالته وتمام عصمته :{ وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِين }[(9)]
..وهذه متعلقة بقَصص من سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ ثم تأتي مسألة نزول القرآن منجماً علىٰ مدار ثلاث وعشرين سنة : { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً }[(10)]
ثم تأتي مسألة آخرىٰ:
ألا وهي مسألة الغيب؛ وهو ما لا يتمكن الإنسان بقدراته الذاتية أن يدركه بقواه العقلية المحدودة أو يراه بحاسة النظر والبصر أو يخاطبه فيكلمه ويسمعه.. كقضية محادثة الشيطان -دون مسألة وسوسته- والتأثير علىٰ الجن.. أو قضية مَن سبقنا من الأمم والشعوب وعلىٰ وجه الخصوص وبالتحديد مَن سبقه -عليه السلام- فهي غيب مطلق لنا نحن البشر؛ والحديث عنها مرتبط بما هو يقيني مِن النصوص -قطعية الثبوت أنها وحي مِن عند الله.. وقطعية الدلالة مِن حيث معناها و ما يفهم منها- وليست روايات وحكايات.. فتجد في قوله :{ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا }[(11)]
وتجد :{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُون}[(12)]
لماذا أراد الخالق -الذي أرسل محمدا رسولا ونبيا- أن يزيد مِن ثبات قلبه!؟..
ففي لحظة المحنة واثناء خروجه منها وقبيل دخوله مكة حدث أمر لحقه ثان كي تتحقق مسألة :«„ نثبت فؤادك ‟»
فتجد قصة ملك الجبال والأخشبين -وهذا غيب- وتجد قصة الجن يستمعون القرآن ويؤمنون به -وهذا أيضاً غيب- ولولا أنه ذكر القرآن الكريم والذكر الحكيم هذه المسألة الأخيرة ما قلتُ بها.
وتجد مقدمة لتهيئة نفسه -عليه السلام- في قصة عدَّاس النصراني وما فعله فقد قال ابن اسحاق: فَــقد أَنكَبَّ عَدَّاسٌ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ :
1.] - ﴿„ رَأْسَهُ ‟﴾ .
وَ
2.] - ﴿„ يَدَيْهِ ‟﴾ .
وَ
3.] - ﴿„ قَدَمَيْهِ ‟﴾ . [(13)]
وهذه لا يحكمها قانون المصادفة؛ بل ترتيب مِن خبير عليم!.
ثم نكمل القصة إذ :" قَالَ: يَقُولُ ابْنَا رَبِيعَةَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : أَمَّا غُلَامُكَ فَقَدْ أَفْسَدَهُ عَلَيْكَ . فَلَمَّا جَاءَهُمَا عَدَّاسٌ ، قَالَا لَهُ :"„وَيْلَكَ يَاعَدَّاسُ مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ ؟ ‟ .
قَالَ : يَا سَيِّدِي مَا فِي الْأَرْضِ شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي بِأَمْرِ مَا يَعْلَمُهُ إلَّا نَبِيٌّ ،
قَالَا لَهُ : وَيْحَكَ يَا عَدَّاسُ ، لَا ، يَصْرِفَنَّكَ عَنْ دِينِكَ ، فَإِنَّ دِينَكَ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ".[(14)]
ثم يأتي ما يثبت الله-تعالىٰ- به فؤاده؛ وليس مِن باب المصادفة ؛ وأقصدُ :
[ أَمْرُ الْجِنِّ الَّذِينَ اسْتَمَعُوا لَهُ وَآمَنُوا بِهِ ]
قَالَ : ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ مِنْ الطَّائِفِ رَاجِعًا إلَىٰ مَكَّةَ ، حِينَ يَئِسَ مِنْ خَيْرِ ثَقِيفٍ ، حَتَّىٰ إذَا كَانَ بِنَخْلَةَ قَامَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يُصَلِّي ، فَمَرَّ بِهِ النَّفَرُ مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَهُمْ - فِيمَا ذَكِرَ ابن اسحاق - سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ جِنِّ أَهْلِ نَصِيبِينَ فَاسْتَمَعُوا لَهُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَلَّوْا إلَىٰ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَدْ آمَنُوا وَأَجَابُوا إلَىٰ مَا سَمِعُوا . فَقَصَّ اللَّهُ خَبَرَهُمْ عَلَيْهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ اللَّهُ-عَزَّوَجَلَّ- :{ وَ إِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ } إلَىٰ قَوْلِهِ-تَعَالَى-:{ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ }[(15)]، وَقَالَ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-:{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ } [(16)]إلَىٰ آخِرِ الْقِصَّةِ مِنْ خَبَرِهِمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ .[(17)]..
ومسألة الجن حتىٰ لا نذهب بعيداً غيب لم يطلع عليه إلا أنبياء ورسل خالق الإنسان والجن؛ وهي مسألة لا يبحث فيها بقدراتنا العقلية المحدودة ويكفينا ما ينبهنا إليه القرآن الكريم والذكر الحكيم علىٰ لسان :{ سُلَيْمَانَ } فــ { قَالَ .. وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّاب}[(18)]
-***-
أعود لمسألة البحث ؛
أقصد طلب النُّصرة مِن أهل القوة و رجال المنعة؛ فبالإضافة إلى ما ذكره ابن اسحاق
- بعد مضي سنوات من دعوة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأهل مكة وملاقاته منهم العنت والصدود ، وصبره علىٰ مواقفهم السلبية وأذاهم له، صبراً لا تتحمله الجبال الراسيات، أراد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نقل الدعوة إلىٰ القبائل خارج مكة لعله يجد بينهم آذاناً صاغية وقلوباً واعية ، فيؤمن به بعض وجهاء القبائل ، فينشر هدايته ،ويضمن ملاذاً لأتباعه من المستضعفين والمساكين ، لذلك ركَّز الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في دعوته علىٰ القبائل ورؤسائها [(19)].
- وفي العام [6 ق . هـ ~ 615 م]؛ عرض رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نفسه علىٰ القبائل مِن العرب أن يحموه ويناصروه علىٰ ماجاء به من الحق] ولأنه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أخفىٰ رسالته(!)ثلاث سنين، ثم أعلن بها في الرابعة علىٰ ما تقدم، ودعا إلىٰ الإسلام عشر سنين يوافي الموسم كل عام، يتبع الحجاج في منازلهم -أي بمنىٰ والموقف- يسأل عن القبائل قبيلة قبيلة، ويسأل عن منازلهم ويأتي إليهم في أسواق المواسم، وهي:
* . ] - عكاظ، و
* . ] - مجنة، و
* . ] - ذو المجاز، فقد كانت العرب إذا حجت تقيم بعكاظ شهر شوّال،
ثم تجيء إلىٰ سوق مجنة تقيم فيه عشرين يوما،
ثم تجيء سوق ذي المجاز فتقيم به إلىٰ أيام الحج يدعوهم إلىٰ أن يمنعوه حتىٰ يبلغ رسالات ربه.
فعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه قال كان النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه علىٰ الناس في الموقف ويقول:
« ألا رجل يعرض عليّ قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ».. و
عن بعضهم رأيت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قبل أن يهاجر إلىٰ المدينة يطوف علىٰ الناس في منازلهم -أي بمنىٰ- يقول:
« يا أيها الناس إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا»،
و
وراءه رجل يقول:" يا أيها الناس إن هذا يأمركم أن تتركوا دين آبائكم"،
فسألت مَن هذا الرجل؟
فقيل أبو لهب يعني عمه.
و
في رواية عن أبي طارق -رضي الله تعالى عنه-قال: رأيت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بسوق ذي المجاز ي عرض نفسه علىٰ قبائل العرب يقول:
« يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، وخلفه رجل له غديرتان»
أي ذؤابتان
« يرجمه بالحجارة حتىٰ أدمي كعبه يقول:" يا أيها الناس لا تسمعوا منه فإنه كذاب"،
فسألت عنه، فقيل إنه غلام عبدالمطلب،
فقلت ومَن الرجل الذي يرجمه؟
فقيل هو عمه عبدالعزى يعني أبا لهب» [(20)].
وفي السيرة الهشامية عن بعضهم قال: إني لغلام شاب مع أبي بمنى ورسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقف في منازل القبائل من العرب فيقول :
« „يابني فلان إني رسول الله إليكم، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد، وأن تؤمنوا به وتصدقوني، وتمنعوني حتىٰ أبين عن الله عز وجل ما بعثني به‟ »،
قال: وخلفه رجل أحول وضيء له غديرتان، عليه حلة عدنية، فإذا فرغ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من قوله قال ذلك الرجل: "يا بني فلان إن هذا الرجل إنما يدعوكم إلىٰ أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم إلىٰ ما جاء به من البدعة والضلالة، فلا تطيعوه ولا تسمعوا منه"،
فقلت لأبي: مَن هذا الرجل الذي يتبعه يرد عليه ما يقول؟
قال: هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب[(21)].
- يقول د. السرجاني[(22)] :"اتخذ الرسول الكريم طريقةً جديدة للحوار مع القبائل الزائرة لمكة، فأصبح يدعوهم إلىٰ نصرته واستضافته في قبائلهم،
وبسؤال عام مفتوح نبدء البحث:
فــ
* . ] ماذا فعل رسول الله؟ ؛ و
* . ] ماذا عن رد القبائل؟[(22)]
أما د. الصلابي[(23)] وتحت عنوان عريض :" طواف النبي -صلى الله عليه وسلم- علىٰ القبائل طلباً للنُّصرة "
فكتب يقول :" بعد رجوعه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِن الطَّائف بدأ يعرض نفسه علىٰ القبائل في المواسم:
* . ] يشرح لهم الإسلام، و
* . ] يطلب منهم الإيواء، و
* . ] النُّصرة،
قلتُ(الرمادي): وغاية ذلك :
* . ]حتَّىٰ يبلِّغ كلام الله - عزَّوجلَّ - ..
وكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتحرَّك في:
* . ] المواسم التِّجارية، و
* . ] مواسم الحجِّ.. الَّتي تجتمع فيها القبائل وَفْق خطَّةٍ سياسيَّةٍ دعويَّةٍ واضحة المعالم، ومحدَّدة الأهداف، وكان يصاحبه أبوبكر الصِّدِّيق؛ الرَّجل الَّذي تخصَّص في معرفة أنساب العرب، وتاريخها، وكانا يقصدان «غُرَر النَّاس، ووجوه القبائل، وكان أبوبكر رضي الله عنه، يسأل وجوه القبائل، ويقول لهم:
* . ] كيف العدد فيكم؟ و
* . ] كيف المنعة فيكم؟ و
* . ] كيف الحرب فيكم؟ ..
وذلك قبل أن يتحدَّث رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ويعرض دعوته»...
.. ألتقطُ طرف الخيط مما كتبه د. السرجاني إذ يقول :" دعوة القبائل.. الإجراءات والمنهج:
بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -بناءً علىٰ ما سبق- في تغيير طريقته في الدعوة تغييرًا خطيرًا؛ فهو لن يكتفي الآن بدعوة الناس إلىٰ الإسلام فقط كما كان يفعل من قبل؛ بل سيدعوهم كذلك إلىٰ النُّصرة ضدَّ قريش، وبشكل صريح!
ولنراجع الروايتين اللتين تتعلَّقان بهذه المرحلة، وقد جاءت الروايتان عن طريق جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-، وهو -كما هو معروف- من أهل يثرب الذين لم يظهروا في الصورة إلا مؤخرًا؛ وذلك عندما أسلم سويد بن الصامت وإياس بن معاذ-رضي الله عنهما-؛ ولعلَّ جابرًا -رضي الله عنه-قد شاهد هذين الموقفين بنفسه، أو أن أحد أهل يثرب قد حكاهما له -شكٌ من السرجاني-، وقد حدَّد موعدهما في العام الحادي عشر من البعثة لأن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يطلب من أحدٍ النصرة قبل هذا العام
لــ:
- وجود أبي طالب معه؛ ثم إنه
- لن يطلبها في الفترة المتبقية في العهد المكي لأنه سيجد نصرةً من أهل يثرب -أو المدينة- في هذا العام، كما سنتبيَّن في هذا الفصل بإذن الله؛
ومن ثَمَّ لن يكون هناك حاجة لطلبها من غيرهم،
ثم
إن الرواية الثانية فيها تحديد صريح حيث ذكر جابر - رضي الله عنه- ما يدلُّ على حدوث الموقف الأخير في العام الحادي عشر كما سيأتي.
يقول جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما-: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى النَّاسِ فِي الْمَوْقِفِ[(24)][ (https://www.islamstory.com/ar/artical/228/%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A8%D8%A7%D8%A6%D9%84-%D9%84%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B5%D8%B1%D8%A9#_ftnref 1)أي الموسم؛ وفي رواية النسائي وابن ماجه: «يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ». والمقصود موسم الحج، فقد كانوا يحجون في الجاهلية] فَقَالَ:
«أَلَا رَجُلٌ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ فَإِنَّ قريشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي»[(25)]
ويقول كذلك: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ:
«هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ ... فَإِنَّ قريشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي -عزوجل-؟»
فَــ
أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَقَالَ: «مِمَّنْ أَنْتَ؟»
فَـت
قَالَ الرَّجُلُ: مِنْ هَمْدَانَ.
قَالَ:«فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ؟»
قَالَ: نَعَمْ.

ثمَّ
إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ قَوْمُهُ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -فَقَالَ: آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ ثمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ.
قَالَ: «نَعَمْ». فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ[(26)]
لقد أتىٰ وفد الأنصار -كما تقول الرواية- بعد انطلاق الرجل الهمداني، وكان هذا في شهر رجب، ومن المعروف أن أول قدومٍ لوفدالأنصار كان في العام الحادي عشر من البعثة؛ ولذلك تمَّ تحديد توقيت بداية هذه السياسة(!) النبوية الجديدة في دعوة الناس.



يذهب د. السرجاني إلىٰ : إن هذا الذي يفعله رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُعدُّ في الواقع بمنزلة إعلان الحرب علىٰ مكة، فقد تقبل قبيلة قوية بالإسلام، وبالنصرة لرسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ثم تصطدم هذه القبيلة بعد ذلك مع أهل مكة المكذبين له، فتكون حربًا خطيرة، وكان رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - يعلم خطورة هذا الأمر؛ ومن ثَمَّ فإنه أراد أن يتكلم مع القبائل والأفراد دون أن تعلم قريش بهذا الحديث، وهذا أمر صعب؛ لأن قريشًا كانت تَتَتَبَّع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أثناء قدوم الحجيج والمعتمرين، وتُكَذِّبه في كل موطن، وكان الذي يقوم بهذا الأمر في معظم الأحيان عمُّه أبو لهب، ومن هنا فإن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -قرَّر أن يُغَيِّر نسبيًّا من طريقته في الدعوة مع القبائل الغريبة عن مكة.
لقد كان من عادته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قبل ذلك أن يتحدَّث حديثًا عامًّا مع الناس جميعًا، فيتحدَّث في أمر الإسلام وسط الأسواق أو نحوها، ويسمعه الناس من كل القبائل؛ أما الآن فهو يُريد أن يتحدَّث بشكل خاصٍّ مع كل فرد أو قبيلة، ولا يتوجَّه بحديثه إلىٰ قبائل متعدِّدة في آنٍ واحد؛ حتىٰ لا يخرج أمره إلىٰ أهل مكة قدر المستطاع؛ خاصة أنه سيطلب النُّصرة، وقد تكون هناك مفاوضات سياسية أو عسكرية لا يستطيع البوح ببنودها أمام الناس جميعًا، وهذا دفع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلىٰ سرية الحديث مع الناس في هذه المرحلة.
وقد تطلَّب هذا الأمر أن يقوم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ببعض الإجراءات التي تضمن تأمين مثل هذه اللقاءات، وتوفير أفضل فرص النجاح لها؛ وكان من هذه الأمور ما يلي:
1 .] أولًا:
كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يذهب إلىٰ هذه القبائل ليلًا[(27)] فــ عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ الْأُولَى. وقَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الْحَجِّ، وَكَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي وَاعَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لَهَا... قَالَ: فَنِمْنَا تَلِكَ اللَّيْلَةَمَعَ قَوْمِنَا فِي رِحَالِنَا، حَتَّىٰ إذَا مَضَىٰ ثُلُثُ اللَّيْلِ خَرَجْنَا مِنْ رِحَالِنَا لِمَعَادِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، نَتَسَلَّلُ تَسَلُّلَ الْقَطَا [طائر خفيف الحركة] مُسْتَخْفِينَ، حَتَّىٰ اجْتَمَعْنَا فِي الشِّعْبِ عِنْدَ الْعَقَبَةِ.
وقال أبوحاتم: فلما كان الموسم جعل النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يتبع القبائل يدعوهم إلىٰ الله، فاجتمع عنده بالليل اثنا عشر نقيبًا مِن الأنصار. ومرور رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -وأبي بكر الصديق-رضي الله عنه- في طرق مكة بعد أن نامت قريش في قصة إسلام أبي ذر رضي الله عنه.
.. وهذا كله..
حتىٰ لا يلفت أنظار القرشيين، أو أحيانًا يأتيهم في وقت الظهيرة، وهو وقت شديد الحرارة، وتقلُّ فيه حركة الأقدام في مكة.
2 .] ثانيًا:
كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يأتي القبائل في منازلهم..[(28)] فــ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ، يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى،
يَقُولُ:
«مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ؟».
يأتيهم في منازلهم.. بعيدًا عن الكعبة، فإنه لكثرة القبائل كانت كل قبيلة تقيم مخيَّمًا خارج مكة ليتسع البلد الحرام لكل الزائرين، فكان رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - لا ينتظر أن يدخلوا إلى البيت الحرام ثمَّ يدعوهم؛ بل كان يذهب إليهم خارج مكة بعيدًا عن أعين المراقبين.
3 .] ثالثًا:
وهذه نقطة مهمَّة للغاية، كان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يصطحب معه :
[ أ . ] أبابكر الصديق رضي الله عنه، وأحيانًا :
[ ب . ] علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ وذلك لإشعار القوم أنه ليس وحيدًا في مكة من ناحية، ومن ناحية أخرى أهمَّ وهي أن أبابكر الصديق كان يعرف أنساب القبائل، فكان يستطيع أن يُمَيِّز بين القبيلة القوية الشريفة والقبيلة الضعيفة القليلة، وهذا أمر في غاية الأهمية، فإن رسول الله --صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- -سوف يطلب منهم النُّصرة، فإن ادَّعَوا القوة وهم ليسوا بأقوياء بَنَى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حساباته علىٰ معلومات غير موثَّقة، فكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يسألهم سؤالًا مباشرًا عن عددهم وقوَّتهم، وأبو بكر يُؤَكِّد إجابتهم أو ينفيها، فإن وَجَد منهم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قوةً عَرَضَ عليهم الإسلام وطلب منهم النُّصرة، وإن وجد فيهم ضعفًا، عرض عليهم الإسلام ولم يطلب منهم النُّصرة، فهو يُريد أن يصل بدعوته إلىٰ كل إنسان؛ لكنه في الوقت نفسه يُقَدِّر الموقف السياسي العصيب الذي يمرُّ به، ويحسب لكل موقف حسابه المناسب.
وهكذا بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جولاته من جديد، في نشاط وخِفَّة وحميَّة، وكأنَّ الأمور علىٰ خير ما يرام، وكأنه لم تكن هناك أحزان تلو أحزان، وكم نرىٰ من المسلمين مَنْ يعتذر عن العمل الصحيح الموافق لما أمر الله به وقام به رسوله لأن «ظروفه(!)» صعبة، وأحواله متعسرة! لكن رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يعرف شيئًا عن هذا الاعتذار؛ بل يعمل بكل نشاط مهما كانت الظروف.



بدأ رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- نشاطه تقريبًا في شهر رجب من العام الحادي عشر من البعثة أو قبل ذلك بقليل، وقد أخذنا [الحديث مازال لــ د. السرجاني] ذلك التوقيت من إحدى روايتي جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، وقد ذكر فيها أن وفد الأنصار -أي الخزرج- جاء في رجب، وكان هذا بعد أن تواصل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع بعض القبائل، ثم كانت خاتمة اللقاءات مع قبيلة الخزرج كما سنشرح بعد قليل، وكانت القبائل العربية تتوافد علىٰ زيارة البيت الحرام طوال العام؛ ولكن يكثر قدومهم للعمرة في شهر رجب؛ لكونه من الأشهر الحرم، وهذا يُوَفِّر لهم أمانًا في السفر حيث تُعَظِّمه معظم القبائل، وتُحَرِّم فيه القتال، كما كانوا يتوافدون بكثافة كذلك في موسم الحج في ذي القعدة وذي الحجة.
لقد تكلَّم رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أمر الإسلام والنُّصرة في هذا الموسم مع عدد كبير من القبائل، فلم يكل ولم يمل -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ولقد رفضوه جميعًا إلا أفرادًا قلائل من قبيلة واحدة! ومع ذلك فقد غيَّر هؤلاء الأفراد من مسار الأحداث، لا أقول [د. السرجاني] في الجزيرة العربية وحدها؛ بل في العالم أجمع! وكان هؤلاء الأفراد من قبيلة الخزرج اليثربية! فكان الإيمان الذي مهَّد لقيام الدولة الإسلامية.
والواقع أنه ليست بين أيدينا تفصيلات كثيرة عن معظم هذه اللقاءات المهمَّة، ومع ذلك فما توافر لدينا من روايات يعطينا فوائد لا حصر لها، وسنقف وقفة مع كل قبيلة دعاها رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، ثم نختم الحديث بشرح موقفه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع الخزرج في البحوث التالية بإذن الله[(29)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[٨] الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ : مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ... أحداثُ « بعثةالنبي - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ - [عَهْدِ النُّبُوَّةِ]؛ الدعوة في مَكةَ» : سَعْيُ الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ؛ الْبَابُ الْأَوَّلُ : تَّمْهِيدٌ للْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ وَمَدْخَلٌ لَه!
[بحوث الْعَهْدُ الْمَكِّيِّ] قَرَاءَها وَرَاجَعَها ثمَّ جَمَعَهَا فَكَتَبَهَا:
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِـ مِصْرَ الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَىٰ - غَفَرَ اللَّهُ - سبحانه وتعالىٰ - لِوَالِدَيْهِ وَلَهُ وَمُعَلِمِيهِ وَمَشَايخِهِ وكلِ مَن له فضلٌ عليه وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.
حُرِّرَ في يوم السبت: 22 مِن شهر ربيع الثانيٰ (الشهر الرابع) السنة 1443 مِن هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين ومتمم المبتعثين ~ الموافق 27 مِن شهر نوفمبر (الشهر الحادي عشر) العام 2021 مِن الميلاد العجيب للسيد :«المسيح عيسى؛ الرسول ابن مريم » العذراء الزهراء البتول - عليهما السلام - والذي بشر بمبعث النبي والرسول :« „أحمد‟ ».

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 11 / 2021, 09 : 12 AM
﴿ « „ ١٠٠‟» ﴾ (٨) [ الْمُجَلَّدُ الثَّامِنَ ]

( ٢ . ) الْبَابُ الثَّانِي:
القسم الأول: [ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ ] .
نطق القرآن يقول : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }[فصلت:33] ... عني بها نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم(2).

(١٠٠ ) [(1)] التَّمْهِيدُ:



خلال زمن النبوة المحمدية ؛ وطوال عهد الرسالة الأحمدية[(2)] كان المصدر الوحيد والمنفرد والأوحد في تبليغ الدين الجديد ؛ رسالة الإسلام هو : وحي السماء في كل ما ينطق[(3)] به أو يقوله رسول رب العالمين [ﷺ] للبشر أجمعين.. ومِن ثم لكل زمان وحِين مِن بعده ومكان .. بغض النظر في أي قارة مِن قارات الأرض إلىٰ أن يرث الله -تعالى- الأرض ومَن عليها ،
و
أيضاً كل ما يفعله[ﷺ]؛ فقوله وفعله وتقريره المتعلق بأفعال العباد في الحياة الدنيا وتصرفاتهم وأعمالهم وسلوكهم وأقوالهم : وحي مِن عند الله -تعالى- ،
أي :
- آيات القرآن الحكيم ؛ ونص الذكر الكريم ؛ وألفاظ الفرقان المبين العظيم ؛ وهذا أولاً ؛
ثم
- السُنَّة المحمدية القولية والفعلية والتقريرية ؛ أي النصوص الشرعية المثبتة والصحيحة؛ أي كل ما تتضمنته وتحويه رسالة الإسلام ، أي أحكام التبليغ ؛ بمعنىٰ كل ما يأتيه مِن الربِّ المالك الحاكم الآمر الناهي إلىٰ البشر الذين يرغبون في عبادته ، سواء تعلق الأمر بالعقائد والإيمان أو تعلق بالعبادات أو تعلق بالمعاملات والأحكام ؛ أو تعلق بالتعزير والعقوبات والحدود .. وكافة أنظمة الحياة : الإجتماعية والإقتصادية ... وكان الواسطة في تبليغ الرسالة أمين السماء الملك جبريل -عليه السلام- ينزل علىٰ قلب أمين الأرض والسماء محمد بن عبدالله[ﷺ]، هذا الوحي[(4)] كان يأتيه مِن السماء..
وعهد الرسالة المحمدية وزمن النبوة الأحمدية ينقسم إلىٰ : عهدين واضحين المعالم :
أ . ] الأول منهما: العهد - الفترة(*)/ المرحلة(*)- المكي ،
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) عند بعض السادة أهل العلم استخدامات -مصطلحات ولا مساحة في استخدام مصطلح عن آخر.. ولكن الدقة عندي استخدام مصطلح : " العهد .."..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
و
ب . ] الثاني: العهد - الفترة/ المرحلة- المدني ؛ فيتخللهما - العهدان: المكي والمدني-.. وبينهما مقدمات وارهاصات وأحداث وتقسيمات.. وروابط ومفاصل ونقاط إلتقاء ونقاط إنتقال ؛ وتلعب شخصيات محورية دورها المنوط بها ، وهذه كلها طريق ومنهج وشريعة وكيفية إسلامية خالصة..
وهذه كله ينبغي بل يجب دراستها دراسة مستفيضة علمية وعملية كي نتمكن بيسر من استنباط أحكام عملية لأحسان تطبيقها!

« ذِكْرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ».(3).
في العهد - الفترة/المرحلة- المكي تجد أعباء الرسالة بأكملها يقوم بها ويدعو إليها ويبشر بها رسول الإسلام ونبي المرحمة محمد بن عبدالله[ﷺ]..
قَالَ: الزُّهْرِيُّ :« دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى الْإِسْلَامِ سِرًّا وَجَهْرًا فَاسْتَجَابَ لِلَّهِ مَنْ شَاءَ مِنْ أَحْدَاثِ الرِّجَالِ وَضُعَفَاءِ النَّاسِ(!) حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ غَيْرُ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ، فَكَانَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ أَنَّ غُلَامَ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ لَيُكَلَّمُ مِنَ السَّمَاءِ.... فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى عَابَ اللَّهُ آلِهَتَهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا دُونَهُ، وَذَكَرَ هَلَاكَ آبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ فَشَنِفُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ وَعَادَوْهُ ».(4)
قَالَ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُنْزِلَتْ { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَقَالَ:
« يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ »..
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ: مُحَمَّدٌ عَلَى الصَّفَا يَهْتِفُ،
فَأَقْبَلُوا وَاجْتَمَعُوا،
فَـــ
قَالُوا: مَا لَكَ يَا مُحَمَّدُ؟
قَالَ: « أَرَأَيْتُكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ ... أَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي؟ »
قَالُوا: نَعَمْ،أَنْتَ عِنْدَنَا غَيْرُ مُتَّهَمٍ، وَمَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا قَطُّ،
قَالَ:" فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، يَا بَنِي زُهْرَةَ حَتَّى عَدَّدَ الْأَفْخَاذَ مِنْ قُرَيْشٍ، إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِي الْأَقْرَبِينَ، وَ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الدُّنْيَا مَنْفَعَةً وَلَا مِنَ الْآخِرَةِ نَصِيبًا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "
قَالَ: يَقُولُ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ، أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ }[المسد:1] السُّورَةَ كُلَّهَا"(5).
وبعد حين يسير مِن الزمان يدخل بجواره ويزامله عبدالله بن أبي قحافة[(5)] -رضي الله تعالى عنه- : أبو بكر الصديق في الدعوة إلىٰ الدين الجديد : إسلام محمد[ﷺ]، فكان محمد[ﷺ] يدعو إلىٰ الدين الجديد في مكة وبجواره ايضاً صديقه عبدالله بن أبي قحافة ، و -حسب علمي؛ وما اطلعت عليه مِن مصادر- لم تذكر كتب السيرة أن قام أحد مِن المسلمين الأوائل -في العهد المكي- بما قام به عبدالله بن أبي قحافة في عرض الإيمان -الإسلام- علىٰ أحد من الناس[(6)] ؛ ولعل حادثة إيمان عُمر بن الخطاب قد تقترب مِن هذا المجال ولكن بتجوز يسير وأحداث مغايره ؛ فهي لم تكن بصريح الدعوة بل الحادثة تبين أنها كانت موقف حرج له إذ أن زوج أخت عُمر وزوجته -أخت عُمر- قد أسلما فذهب ليتأكد مِن الخبر!. ولعل لنا وقفة ومراجعة في المجلد المتعلق بالشخصيات المحورية في الإسلام!..
ثم
تبين لي خطأ قولي هذا وضعف علمي ؛ إذ أنه بعد المراجعة والمطالعة ظهر لي بوضوح أنه :
« لمَّا أَظْهَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْإِسْلَامَ وَمَنْ مَعَهُ وَفَشَا أَمْرُهُ بِمَكَّةَ وَدَعَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَكَانَ :
- أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو نَاحِيَةً سِرًّا، وَكَانَ :
- سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ :
- عُثْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَكَانَ :
- عُمَرُ يَدْعُو عَلَانِيَةً وَ:
- حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ وَ:
- أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ...
فَـــ
غَضِبَتْ قُرَيْشٌ مِنْ ذَلِكَ، وَظَهَرَ مِنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم الْحَسَدُ وَالْبَغْيُ، وَأَشْخَصَ بِهِ مِنْهُمْ رِجَالٌ فَبَادَوْهُ، وَتَسَتَّرَ آخَرُونَ».(6).
عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم أَنْ يَصْدَعَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنْ يُنَادِيَ النَّاسَ بِأَمْرِهِ وَأَنْ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، فَكَانَ يَدْعُو مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ النُّبُوَّةُ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَخْفِيًا إِلَى أَنْ أُمِرَ بِظُهُورِالدُّعَاءِ"(7).

عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيِّ، دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ، قَالُوا: لَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَجُلُوسَ الْمُسْلِمِينَ حَوْلَ الْكَعْبَةِ سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ ...
فَــ
مَشُوا إِلَى أَبِي طَالِبٍ حَتَّى دَخَلُوا عَلَيْهِ،
فَــ
قَالُوا: أَنْتَ سَيُّدُنَا وَأَفْضَلُنَا فِي أَنْفُسِنَا، وَقَدْ رَأَيْتَ هَذَا الَّذِي فَعَلَ هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءُ مَعَ ابْنِ أَخِيكَ مِنْ تَرْكِهِمْ آلِهَتَنَا وَطَعْنِهِمْ عَلَيْنَا وَتَسْفِيهِهِمْ أَحْلَامَنَا ...
وَ
جَاءُوا بِــ
عُمَارَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .. فَــ
قَالُوا: قَدْ جِئْنَاكَ بِفَتَى قُرَيْشٍ جَمَالًا وَنَسَبًا وَنَهَادَةً وَشِعْرًا نَدْفَعُهُ إِلَيْكَ، فَيَكُونُ لَكَ نَصَرُهُ وَمِيرَاثُهُ، وَتَدْفَعُ إِلَيْنَا ابْنَ أَخِيكَ فَنَقْتُلُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ لِلْعَشِيرَةِ وَأَفْضَلُ فِي عَوَاقِبِ الْأُمُورِ مَغَبَّةً،
قَالَ أَبُو طَالِبٍ: وَاللَّهِ مَا أَنْصَفْتُمُونِي.. تُعْطُوُنَنِي ابْنَكُمْ أَغْذُوهُ لَكُمْ .. وَأُعْطِيكُمُ ابْنَ أَخِي تَقْتُلُونَهُ، مَا هَذَا بِالنَّصَفِ تَسُومُونَنِي سَوْمَ الْعَرِيرِ الذَّلِيلِ،
قَالُوا: فَأَرْسِلْ إِلَيْهِ فَلْنُعْطِهِ النَّصَفَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَبُوطَالِبٍ ..
فَــ
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَؤُلَاءِ عُمُومَتُكَ وَأَشْرَافُ قَوْمِكَ، وَقَدْ أَرَادُوا يُنْصِفُونَكَ،
فَــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم:
« قُولُوا أَسْمَعْ »..
قَالُوا: تَدَعَنَا وَآلِهَتَنَا وَنَدَعُكَ وَإِلَهَكَ،
قَالَ أَبُوطَالِبٍ: قَدْ أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ،
فَــ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم:
« أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ هَذِهِ هَلْ أَنْتُمْ مُعْطِيَّ كَلِمَةً إِنْ أَنْتُمْ تَكَلَّمْتُمْ بِهَا مَلَكْتُمْ بِهَا الْعَرَبَ وَدَانَتْ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ؟ »..
فَــ
قَالَ أَبُوجَهْلٍ: إِنَّ هَذِهِ لَكَلِمَةٌ مُرْبِحَةٌ، نَعَمْ وَأَبِيكَ لَنَقُولَنَّهَا وَعَشَرَ أَمْثَالِهَا،
قَالَ:" قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ "..
فَــ
اشْمَأَزُّوا وَنَفَرُوا مِنْهَا وَغَضِبُوا وَقَامُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: اصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لِشَيْءٌ يُرَادُ، وَ
يُقَالُ: الْمُتَكَلِّمُ بِهَذَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ،
وَ
قَالُوا: لَا نَعُودُ إِلَيْهِ أَبَدًا، وَمَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُغْتَالَ مُحَمَّدٌ، فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فُقِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَجَاءَ أَبُو طَالِبٍ وَعُمُومَتُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ،
فَــ
جَمَعَ فِتْيَانًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ
ثُمَّ
قَالَ لِيَأْخُذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ حَدِيدَةً صَارِمَةً
ثُمَّ
لِيَتَّبِعُنِي إِذَا دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَلْيَنْظُرْ كُلُّ فَتًى(8) مِنْكُمْ فَلْيَجْلِسْ إِلَى عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَائِهِمْ فِيهِمُ ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَغِبْ عَنْ شَرٍّ إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ قَدْ قُتِلَ،
فَقَالَ الْفِتْيَانُ: نَفْعَلُ،
فَجَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَوَجَدَ أَبَاطَالِبٍ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ،
فَقَالَ: يَا زَيْدُ أَحْسَسْتَ ابْنَ أَخِي؟
قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ مَعَهُ آنِفًا،
فَقَالَ أَبُوطَالِبٍ: لَا أَدْخُلُ بَيْتِي أَبَدًا حَتَّى أَرَاهُ ..
فَخَرَجَ زَيْدٌ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتٍ عِنْدَالصَّفَا وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ يَتَحَدَّثُونَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ،
فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَيْنَ كُنْتَ؟ أَكُنْتَ فِي خَيْرٍ؟
قَالَ:« نَعَم ْ» ،
قَالَ: ادْخُلْ بَيْتَكَ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبُوطَالِبٍ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بِيَدِهِ، فَوَقَفَ بِهِ عَلَى أَنْدِيَةِ قُرَيْشٍ وَمَعَهُ الْفِتْيَانُ الْهَاشِمِيُّونَ وَالْمُطَّلِبِيُّونَ،
فَــ
قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَلْ تَدْرُونَ مَا هَمَمْتُ بِهِ؟
قَالُوا: لَا،
فَــ
أَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ،
وَقَالَ لِلْفِتْيَانِ: اكْشِفُوا عَمَّا فِي أَيْدِيكُمْ فَكَشَفُوا، فَإِذَا كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَعَهُ حَدِيدَةٌ صَارِمَةٌ،
فَــ
قَالَ: وَاللَّهِ لَوْ قَتَلْتُمُوهُ مَا بَقِّيْتُ مِنْكُمْ أَحَدًا حَتَّى نَتَفَانَى نَحْنُ وَأَنْتُمْ، فَانْكَسَرَ الْقَوْمُ وَكَانَ أَشَدَّهُمُ انْكِسَارًا أَبُوجَهْلٍ"(9)

.. أقول(الرَّمَادِيُ) : كانت الأفكار والمفاهيم والقيّم والقناعات والمقاييس والأسس والمبادئ التي يدعو لها نبي الإسلام -في مهدها؛ وعلى قلتها وبمجموعها؛ وكان بها اليسير من آيات الأحكام والقليل من أحاديث الأحكام- كلها لا تحتاج إلى مزيد عناء فكر في فهمها أو جمعها ورصها بجوار بعضها البعض ؛ أو تأصيلها أو إفراد كل فكرة أو مفهوم أو قيمة أو مقياس أو قناعة أو أساس عقدي أو مبدأ أيديولوجي بكتاب..
... أقول(الرَّمَادِيُ) : لا تحتاج كل مفردة مِن هذه إلى تأصيلها وتخريجها في بحث بعينه مستقل ؛ كما حدث بعد ذلك ـ فنسمع بأن صاحب العلم يذهب إلى هذا الرأي أو القول .. والعالم الآخر ذهب لقول آخر.. فنجد مَن كتب عن موضوع بعينه كالعقيدة أو آحدى مفاصلها أو جزئياتها ، أو العبادة وتفصيلاتها فنقرأ لمن كتب عن الطهارة أو الصلاة أو الزكاة أو الحج.
إذ أن الأساس الأول والمتين هو -وما زال-: توحيد الإله والعبودية له وحده وربوبيته لكل مَن سواه مِن خلقه ، ثم فُهم مِن هذا كله حاكميته ، وهي ما يطلق عليها أوامر ونواه : الحلال والحرام.. الحسن والقبيح..الصواب والخطأ..
لذا فالأوائل مثل أبوجهل : عمرو بن هشام ، أو عبدالعزى بن عبدالمطلب : أبولهب وأمثالهم رفضوا الفكرة مِن أصلها[(7)] ووقفوا ضدها مِن اساسها بدليل نص القرآن الكريم ؛ والذكر الحكيم ؛ والفرقان العظيم المبين: { وَعَجِبُوا أَن جَاءهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّاب} [ص:4] {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب} [ص:5] {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَاد} [ص:6] {مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق} [ص:7] {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب} [ص:8]".
بدليل :« أنَّ أَبُاطَالِبٍ قال للرسول :„يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّ قَوْمَكَ يَشْكُونَكَ : يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ، وَتَقُولُ وَتَقُولُ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ‟؛
فَقَالَ : «„يَا عَمِّ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ، وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ‟»؛
فما طلب منهم إلا كلمة واحدة فقط!! ..
فــ قَالُوا :„وَمَا هِيَ؟؛ نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا
[أي عشر كلمات وليس كلمة واحدة فقط]،
قَالَ :«„لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ‟»؛ قَالَ: فَقَامُوا وَهُمْ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ، وَهُمْ يَقُولُونَ :„أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ‟.
هذا الأثر ذكره بأبسط مِن هذا ابن جرير في تفسيره بسنده عن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ : لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُوجَهْلٍ فَقَالُوا : „إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ، فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ‟؛
فَــ
بَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ الْبَيْتَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْن َأَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رجل، قال فخشي أبوجهل لعنه الله إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ.
فَــ
قَالَ لَهُ أَبُوطَالِبٍ :„أَيِ ابن أخي ما بال قومك يشكونك ويزعمون أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ؟‟ ؛
قَالَ وَأَكْثَرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْقَوْلِ
وَتَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَــ
قَالَ :«„يَا عَمِّ إِنِّي أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَقُولُونَهَا تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمْ بِهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ‟»؛
فــ
فزعوا لكلمته ولقوله
فقال القوم :„كَلِمَةًوَاحِدَةً ... نَعَمْ وَأَبِيكَ عَشْرًا .. فَقَالُوا وَمَا هِيَ؟‟
وَ
قَالَ أَبُو طَالِبٍ :„وَأَيُّ كَلِمَةٍ هِيَ يا ابن أخي؟‟ ؛
قال-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :«„لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‟»؛
فَــ
قَامُوا فَزِعِينَ يَنْفُضُونَ ثِيَابَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ : „أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجابٌ‟ ؛
قَالَ وَنَزَلَتْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى قوله : ". 《بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ》.
وقال ابن كثير في تفسيره عقب سياقه ما عبارته: وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ:
- أَحْمَدُ وَ
- النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَبَّادٍ غَيْرِ مَنْسُوبٍ بِهِ نَحْوَهُ، وَرَوَاهُ - التِّرْمِذِيُّ وَ
- النَّسَائِيُّ وَ
- ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَ
- ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا كُلُّهُمْ فِي تَفَاسِيرِهِمْ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ الْكُوفِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ. انتهى. (وقد رواه الحاكم أيضا وصححه وأقره الذهبي. وقد ضعف الألباني الحديث في ضعيف الترمذي والسلسلة الضعيفة). ".



و
بدليل أنه كان يطلب من الناس كلمة واحدة إذ يَقُولُ : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، تُفْلِحُوا"(10).
فالعرض من قِبل رسول الإسلام أن يقولوا :«كلمة »؛
و
رفضهم أن يقولوها نابع مِن تبعاتها وليس مجرد النطق بها..
ونعود لبدايات الدعوة وأول الرسالة فقد جاء في صحيح مسلم : قَالَ: ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَأَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّ أَبَاهُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] « يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، [وجاءت برواية :" أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ فَإِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ الله ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً "(11). وفي كل المواضع] اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا،[رواية :"يَا [مَعْشَرَ؛ وفي باقي المواضع(12)]بَنِي عَبْدِمَنَافٍ! اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الله لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئاً "(13).] يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَاعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَاصَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَافَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي [مِنْ مَالِي(14)]بِمَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا»،".(15).
وجاءت رواية :" عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214] وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا، فَــ
هَتَفَ:«يَا صَبَاحَاهْ»،[(يا صباحاه) كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له]
فَــ
قَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَهْتِفُ؟
قَالُوا: مُحَمَّدٌ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ،
فَــ
قَالَ: «يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي فُلَانٍ، يَا بَنِي عَبْدِمَنَافٍ، يَا بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ»، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ،
فَــ
قَالَ:« أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟»
قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا،
قَالَ:« فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ»،
قَالَ: فَقَالَ أَبُولَهَبٍ: تَبًّا لَكَ!... أَمَا جَمَعْتَنَا إِلَّا لِهَذَا،
ثُمَّ قَامَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ :{ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَقَدْ تَبَّ }، كَذَا قَرَأَ الْأَعْمَشُ إِلَى آخِرِ السُّورَةِ"(16):
(ورهطك منهم المخلصين) قال الإمام النووي:" الظاهر أن هذا كان قرآنا أنزل ، ثم نسخت تلاوته ولم تقع هذه الزيادة في روايات البخاري"
(بسفح) سفح الجبل هو أسفله وقيل عرضه
(تبت يدا أبي لهب) قال الراغب التب والتباب الاستمرار في الخسران وتبت يدا أبي لهب أي استمرت في خسرانه
(تب) قال النووي :"معنى تب خسر (كذا قرأ الأعمش) معناه أن الأعمش زاد لفظه قد بخلاف القراءة المشهورة.
ثم بعد حين ينبهعليه السلام لقضية هامة إذ يقول :" يَامَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ! (17)".

والدعوة إلى الدين الجديد بواسطة نبي الإسلام في المحيط المكي لم تكن سرية بل السرية كانت في التكتل أي الأفراد الذين أمنوا بهذه الفكرة الجديدة على المجتمع المكي بما يحمل من افكار تعدد الألة .. لذلك علم عن البعض أنهم أمنوا بالدين الجديد فتم الوقوف ضدهم وصدهم عن تغير دين الأجداد وتقاليد الأباء وعرف الأجيال .
ــــــــــــــــــــــــــــ
السبت : 22 ربيع الثاني 1443 هــ ~ 27 نوفمبر 2021م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) البحث المتمم للمائة الأولى؛ وفق فهرسة موقع ملتقى أهل العلم!

(2) بناءً على النص القرآني الذي نطق به القرآن الكريم{..وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ..} وتمام الآية في سورة الصف تقول:" { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِين } [الصف:6].

(3) اعتماداً على النص القرآني الذي يقول : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى }[النجم:3] { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } [النجم:4] { عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى } [النجم:3-5].

(4) { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } [النساء:163] + { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُون } [يوسف:109] .

(5)انظر : ابتعاث: 《آخر رسالات السماء》[76] ترقيم ملتقى أهل العلم. مشاركة : ( 352) .

(6) انظر المصدر السابق ؛ الفقرة [7.] :" ذِكْرُ مَن ْأَسْلَمَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِدَعْوَةِ أَبِي بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-] إصدار موقع ملتقى أهل العلم!

(7) انظر قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ تُفْلِحُوا؛ ترقيم ملتقى أهل العلم [[78]

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 11 / 2021, 25 : 01 AM
﴿ « „ ١٠١‟» ﴾ النُّصْرَةُ
[ ١٠١ ] التَّمْهِيدُ:
الاخفاقُ الظاهر للعيان والذي مُنيت به تلك الجماعات ذات الوشاح الإسلامي؛ وذلك الفشل الذريع الذي اصاب العديد مِن تكتلاتٍ ترتدي الــجــلــبابَ الإسلامي خلال القرن الفائت على اختلاف توجهاتها وتعدد انتمائتها ؛ لإظهار الدين الحق وتبيان حقيقة الإسلام وحتى كتابة هذه السطور يعود هذا الاخفاق وذلك الفشل في أساسه لعدم التقييد الكامل بالسُنَّة النبوية العطرة الفعلية والقولية - على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وكامل البركات وعظيم التحيات - وإن كنتَ تسمع منهم أنهم يتمسكون بها ؛ اضف عدم التوفيق الواعي والمستنير بين خط سير الجماعة أو التكتل وبين خطوات سيرته -صلى الله عليه وآله وسلم- وهديّه ؛ يتوازىٰ مع هذا استحداث أو خلط أو مزج ما ليس منها عندهم وطريقته - عليه السلام - المعتمدة مِن مصادرها الموثقة للوصول إلىٰ أهداف اعلنوا من قبل عنها.. والتجربة المِصرية الآخيرة والتخبط في تونس الخضراء وضياع اتجاه البوصلة في إيران تجاورها باكستان وأفغانستان ليثبت صحة ما ذهبت إليه..
هذا بالنسبة للكتل والجماعات والأحزاب ذات الوشاح الإسلامي ؛ والعباءة الإسلامية ناهيك عن افراد الأمة.. فهم - مسلمو اليوم - يؤخذون بقشور المنهج ويعتمدون المواسم والمناسبات في حياتهم اليومية!! تحت شعار إحياء الإسلام ؛ مع حالة الضعف الشديد الذي طرأ على الذهان في فهم الإسلام.. وبناءً على حال تلك الكتل والأفراد فقد فسد المناخ العام للمسلمين وتبقت مسميات خالية من المضمون وهياكل فارغة من الموضوع.. إلا عند مَن رحم ربي وهم ثلة متبعثرون وقلة تشبه الأوائل من المسلمين في صدر الإسلام وفجره.. وهذه الثلة وتلك القلة هي التي تعمل لإيجاد إسلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- واستئناف الحياة المنهجية وفق الذكر الحكيم وفهماً للهدي النبوي الرسولي العظيم.. ومن هنا - قد - يبزغ نور فجر جديد!
...
فبتسلسل أحداث ومواقف وتصرفات النبي الرسول محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- يتبين بوضوح تام عدم اقتصار الدعوة وعرضها علىٰ أهل مكة.. بل خرج وذهب -صلى الله عليه وآله وسلم - للطائف وتعمد -صلى الله عليه وآله وسلم- مقابلة ومخاطبة وفود الحج والعمرة القادمة من خارج مكة عارضاً -صلى الله عليه وآله وسلم-مبدأ الإسلام - التوحيد .. ونبوته - عليهم فقبلها مَن قبل وأهملها مَن أهمل..
ومن هنا يُفهم عالمية رسالته وأنها جاءت للعجم والعرب ولكل مَن يسكن المعمورة.. كما وأنها جاءت لاتباع الأنبياء السابقين عليه -صلى الله عليه وآله وسلم- دون استثناء .. وتعتمد طريقته وتلتزم كيفيته -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أن الطريقة المحمدية كيفية ثابتة لأنها وحي مِن عند الله تعالىٰ .. أما الوسائل والأساليب فهي متغيرة وفق الزمان وتعود لتغير المكان.. فالحديث عن الإسلام في مكة المكرمة أو القاهرة يختلف عنه في طهران أو أنقرة.. كما يختلف بالضرورة عند الحديث عنه في برلين أو باريس أو أدنبرة .. ولعل هذا ما غاب عن حملة الدعوة .. ومَن يعتلي المنابر.. فأوقعنا في المأزق الذي نحن فيه الأن!
.. فموقفه وحديثه -صلى الله عليه وآله وسلم- في مكة المكرمة في بيت عمه الشقيق لأبيه عبدالله بن عبدالمطلب أبي طالب؛ عبدمناف بن عبدالمطلب مع / أمام صناديد قريش وكبار رجال مكة.. اثناء مرض موته.. حين قال:
« „ إِنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَىٰ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ” » وتدين بمعنىٰ :„خضع وذلّ وانقاد له” »[(1)].. والكلمة التي قصدها الرسول الأعظم -صلى الله عليه وآله وسلم- هي:„ التوحيد .. والنبوة” (https://al-maktaba.org/book/31852).. ويتضح الأمر أكثر كما قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال -صلى الله عليه وسلم-:«„ ياعم! إني أريدهم علىٰ كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية” »، ففزعوا لكلمته ولقوله ،
فــ
قال القوم: " كلمة واحدة! .. نعم وأبيك عشرا! " .. فــ
قالوا: " وما هي؟ " ؛ و
قال أبوطالب: " وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ "
قال -صلى الله عليه وسلم- :« „لا إله إلا الله” » .. فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم
و
هم يقولون:"أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب ".
قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن [(2)]..
والشاهد مِن الحديث قوله- صلى الله عليه وسلم - لمشيخة قومه :
[ 1. ]« „لا إله إلا الله” » ،
[2 . ] «„كلمةتدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم” » ، أو:« „تؤدي لكم بها العجم الجزية”»..
يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي! . فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضاً طاعة الإمارة ، كما قال الشافعي -رحمه الله- :„كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة ، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة”[(3)] ."فلما دانت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطاعة، لم تكن ترىٰ ذلك يصلح لغير الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناةً، فيما لهم وعليهم " [(4)]. فقال الله -تعالىٰ-: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَىٰ اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.. يعني - والله أعلم - إلىٰ ما قال الله والرسول ، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ولا في واحد منهما ، رُدوه قياساً علىٰ أحدهما [(5)].
وقبيل الهجرة المباركة وقيام الكيان الأول التنفيذي في المدينة المنورة والتي طيَّب الله -تعالىٰ- ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق -رضي الله تعالى عنهما- تمت صلاته -صلى الله عليه وآله وسلم- إماماً للأنبياء جميعاً في ليلة الإسراء عند المسجد الأقصىٰ خارج مكة في أرض فلسطين -مهبط الديانات التوحيدية السابقة - ومنبع الأنبياء ومعدن الرسل.. وهذه إشارة واضحة وعلامة فارقة في وضعيته بين الأنبياء - إماماً لهم جميعاً - وأتباعهم - يسيرون خلفه ويتبعونه - .. ثم مروره في رحلة المعراج - عروجه إلىٰ سدرة المنتهى - على ٰبعض السادة الأنبياء والمرسلين ومنادته بــ :„العبدالصالح”..
و
يرافق هذه المناداة القول :„أوقد بعث!؟”..
ثُمَّ
عُرِجَ [به] في كل سَّمَاءِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ.
فَقِيلَ:" مَنْ هَذَا؟ "،
فَقَالَ: " جِبْرِيلُ " .
قِيلَ: "وَمِنْ مَعَكَ؟ " ،
قَالَ: " مُحَمَّدٌ ".
قِيلَ:„أَوَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟” ،
قَالَ:"نعم ".
قَالَ: " مَرْحَبًا بِهِ، وَإِنَّهُ لَنِعْمَ الْمَجِيءُ ". فَفُتِحَ لَنَا.[ أي السماء ] . ".[(6)] ..
اقول(الرمادي) : هذه وأمثالها إضاءات في السيرة تثبت أهمية اعتبار أن إسلام محمد بن عبدالله -صلىالله عليه وآله وسلم- دين البشرية العالمي.. ثم إن الآيات القرآنية ونصوص السنة النبوية تتكاتف لتظهر هذه الرسالة بعالميتها للبشر أجمعين..
وهذا يستلزم صنف خاص من حملة الدعوة ، وطراز معين من رجال حمل الدعوة سوف يجيئون مِن بعده -صلى الله عليه وآله وسلم-يحسنون فهم الإسلام وصحة ودقة عرضه ويتمكنون من إبراز خصائصه بالمجادلة بالتي هي أحسن ، فيحملون مسؤولية هذه الرسالة لتبليغها بيضاء نقية لا شائبة فيها..
وهذا الصنف وذلك الطراز من الرجال ليسوا بأنبياء ولكنهم يحملونها بالكيفية الفهمية الإدراكية الاستيعابية التي أظهرها نبي الرسالة وطريقته والتي وضحها رسول خاتم النبوة -صلى الله عليه وآله وسلم- ..
.. فحين أوجد -صلى الله عليه وآله وسلم- الكيان الإسلامي الأول التنفيذي لمجموعة القيّم ولكتلة المقاييس ولحزمة المفاهيم ومجموع القناعات والأفكار كَتَبَ وأعلنَ وثيقةَ المدينة.. وهي ليست خاصة - فقط - بالمسلمين بل لكل من يسكن يثرب التي اصحبت مدينة الرسول؛ -نقطة إنطلاق الدعوة- ثم بدء -صلى الله عليه وآله وسلم- في إرسال الرسائل لملوك الأرض ويخاطب حكامها عن الوضع الجديد..
وهذا دليل عملي بعد النظري - القولي - اللفظي- علىٰ كيفية حمل الرسالة وعلىٰ كيفية تبيِّنها وإخبار الآخرين بها..
.. وهذا - حمل الدعوة بشكل ملفت للنظر وتبيّان صحتها وإبراز خصائصها بالمجادلة بالتي هي أحسن - .. هذا مما أخفق فيه الكثير مِن مؤسسات تحمل شارة إسلامية وتتبع - انتماءً أو تمويلاً- دولاً ضمن منطقة جغرافية كان يُطلق عليها :„ إسلامية ”. منذ عهد قريب..
..
.. بحثي هذا :
« سَعْيُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ »
بعرض نفسه الزكيّة السنيّة البهيّة العليّة علىٰ قبائل العرب في مواسمهم.. ويذهب إلىٰ خيامهم.. ومرابض إبلهم وأماكنهم.. وتعمد الذهاب إليهم وتلك الكثرة مِن مقابلاته لــ بطون العرب كما ذُكرت بين دفتي كُتب السيرة ومقابلتهم والحديث معهم لتؤكد مرة ثالثة - ونحن في الباب الثالث مِن المجلد الثامن - لتؤكد شرعيّة وسنيّة هذا المطلب؛ وأنه من طريقته المثلىٰ في حق مَن جاءوا مِن بعده -صلى الله عليه وآله وسلم- كمفصل أساسي وجوهري مِن مفاصل الدعوة وربط عضوي في هذه المرحلة - العهد المكي - في طلب النصرة مِن أهلها وأخذ الحماية - من رجالها - مِن مَن يصلح لتوصيل مبادئ هذه الرسالة الخاتمة للناس .. للعبور إلى العهد الثاني المدني وهي إضافة نبويّة سنيّة في سير خطوات سيرته بعد أن إنغلق المجتمع المكي أمام الدعوة.. فاستحداثها تنم عن عبقرية(!) الوحي -إذا جاز لي استخدام هذا التعبير دون أن يُفهم خطأ- ..
لذا فدراسة السيرة المحمديّة النبويّة الرسوليّة دراسة إدراكية فهمية استيعابية - وليس فقط سردها كتاريخ جامد مغلق كأحداث مرت وانتهت يتذكرها التراثيون في مواسمها ويجترها الغافلون في مناسباتها -هذه الدراسة الإدراكية الفهمية الفقهية لسيرته - عليه السلام - تفتح ابواب العلم الشرعي الفقهي العملي في كيفية حمل الدعوة بين الناس جميعاً...
والله -تعالى في سماه وتقدست اسماؤه- المستعان وعليه التوكل ومنه العون والتوفيق!
..
ثم إن هذه الإضافة في خط سير الدعوة في العهد المكي شاركه فيها: أبوبكر الصديق؛ وعلي بن أبي طالب -رضي الله تعالىٰ عنهما-.. وكذلك مَن خرج معه في ذهابه إلىٰ الطائف.. وهي بالطبع خارج - مكة - ..
..
وعليه يتبين لكاتب هذه السطور ومَن يتتبع خطوات السير من خلال منهج الكاتب في كيفية عرض السيرة النبوية الشريفة العطرة- على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم- أن طلب النصرة كما عنونها كُتّاب السيرة النبوية وأخذ العهد بالحماية لدعوته- صلى الله عليه وآله وسلم -من أهل الحماية والمنعة أنها مفصل اساسي وجوهري في سير الدعوة المحمديّة وتسلسل اراه منطقي بعد ان أنغلق مجتمع مكة عليه -صلى الله عليه وآله وسلم - في الخطوات العملية للوصول إلىٰ غاية تبليغ الدعوة الإسلامية الوليدة للناس..
..
وبناءً عليه فليس من السنة العمليّة وليس مِن السيرة الفعليّة النبويّة الاعتماد - فقط - علىٰ القوىٰ الذاتية لجماعة أو حزب أو تكتل إسلامي وهذا يظهر بوضوح في عهده النيّر وايضا ما يليه مِن أزمنة وعهود .. بل يجب طلب النصرة مِن أهلها وأخذ الحماية مِن رجالها .. وهي قوىٰ فاعلة مؤثرة في المجتمع أو الأمة تؤمن بفكر الجماعة أو الحزب وتعمل تحت أمرته ومعه للوصول لما يريد ...

-**-

وأُفَصِلُ البحثَ فأقول ؛ بعد الاستعانة بالله العلي القدير :{ ذِي الطول } : ذي الفضل المبسوط علىٰ مَن يشاء مِن خلقه . قال ابن عباس: ذِي الطَّوْلِ: " ذِي السَّعَة والغنىٰ ". [(7)].
.. أنه قد
١ . ] انغلق قلب وعقل المجتمع المكي - أول مكان لمهبط الوحي السماوي الآخير بالتكاليف الشرعية العقائدية والعملية لخاتمة الرسالات الآلهية للبشر أجمعين - انغلق أمام سماع أو فهم أو إدراك دعوة النبي الرسول محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وآله وسلم- فآمن به قلة من البشر وثلة من الأوائل من بينهم :
- ضعيف الحال لا يقام له في المجتمع وزنا .. أو
- قوي الشكيمة يهاب جانبه ويخشىٰ ؛ لكنهم ظلوا ثلة مستضعفة لا يقدرون - بقدراتهم الذاتية المحدودة - الوقوف أمام صناديد مكة ورجال قريش ..
.. ولكي يخرجوهم من ملتهم ويضيقوا عليهم قاموا
بــ :
٢ . ] حصارهم في شِعب أبي طالب لمدة ثلاث سنوات متتاليات مَنعوا عنهم الطعام ولا يخالطوهم ولا يجالسوهم ولا يعاملوهم..
.. واستمرت الدعوة وسارت الرسالة.. في طريقها.. وقبل ذلك :
٣ . ] ضُيق عليهم الخناق فعُذِب الضعفاء منهم .. بل وقُتِلتْ أول شهيدة في الإسلام السيدة :" سمية ".. وتوالت الأحداث ..
فــ :
٤ . ] هلك السند الخارجي لنبي الهدىٰ والرحمة .. عبدمناف بن عبدالمطلب ؛ أبو طالب ؛ الأخ الشقيق لــ عبدالله بن عبدالمطلب..
..
.. وهناك إشكال - بين الشيعة والسنة - في إيمانه بنبوة ابن أخيه ورسالته ؛ سابحثها - إذا شاء الله العلي القدير؛ ومن بعد إذنه وبتوفيقه وهدايته وإرشاده - في نهاية المجلدات .. في جزء ضمن بحوث الشخصيات المحورية في عهد النبوة وفي بحوث الشبهات..
و :
٥ . ] في نفس العام مات السند الداخلي: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله تعالى عنها وأرضاها-؛ وهو العام الذي أَطلق عليه بعض العلماء :" عام الحزن " ..
ثم..
٦ . ] خرج النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والــحــبــيــب المرتضىٰ والأحمد المحتبىٰ للطائف ..
.. وبدءً مِن هذا المنعطف ستضاف إلىٰ خطوات الدعوة السابقة وسير حمل الرسالة في العهد المكي خطوة أساسية وعمل مبدع(!) جوهري وسير جديد سيترتب عليه بناء أول كيان تنفيذي لأفكار ومبادئ وقيّم وقناعات ومقاييس وأسس الدعوة الوليدة - رسالة إسلام للنبي الرسول محمد بن عبدالله - ألا وهي
«„ طلب النصرة » من أهل القوة والمنعة و«„ أخذ العهد ” » من رجال يحمون الدعوة!
٧ . ] عَنْون كُتَّاب السيرة النبويّة هذا المفصل الحيوي بين مراحل الدعوة تحت مسمىٰ :
« عَرْضُ نَفْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى ٰالْقَبَائِلِ »[(8)].
أو
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
« أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وآله وسلم- أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ »[(9)]
قال الإمام ابن حبان في كتابه „الثقات” : « إن الله (أمر رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب يدعوهم إلىٰ الله وحده، وأن لا يشركوا به شيئا، وينصروه، ويصدقوه؛ فكان يمر علىٰ مجالس العرب ومنازلهم؛ فإذا رأى قوماً وقف عليهم، وقال:
[ ١ . ] « „ إني رسول الله إليكم ” »،
[ ٢ . ] « „ يأمركم أن تعبدوا الله ” »،
[ ٣ . ] « „ ولا تشركوا به شيئا ” »،
[ ٤ . ] « „ وتصدقوني ” » ..
وخلفه «عبدالعزى»=«أبو لهب بن عبدالمطلب» يقول لهم:" يا قوم!؛ لا تقبلوامنه؛ فإنه كذاب ... » [(10)].

عَرْضُ نَفْسِهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عَلَى الْقَبَائِلِ[(11)]:
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ:« „هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي” »[(12)].
العام الرابع قبل الهجرة النبوية: [(13)].
فأتاه رجلٌ فقال -صلى الله عليه وآله وسلم- له:«„من أنت” »؟
قال:" من همدان "، قال :« „فهل عند قومك من منعةٍ” » ؟
قال:"نعم"..
ثم إنَّ الرجل خشىٰ أن يُخفره قومه فقال:" آتيهم فأخبرهم، ثم آتيك من قابلٍ "،
قال:« „نعم” »،
فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب[(14)].
-**-
روىٰ البيهقي بسنده عن عروه بن الزبير قال: لما أفسد الله،-عَزَّ وجَلَّ-، صحيفة مكرهم خرج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأصحابه فعاشوا وخالطوا الناس، ورسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في تلك السنين يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب في كل موسم، ويكلم كل شريف، لا يسألهم مع ذلك إلا أن يؤووه ويمنعوه،[(15)]: "
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ السِّنِينِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ، وَيَقُولُ: لَا أُكره أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَاكَ [وفي رواية:"قبله"[(15)] ، ومن كره [وفي رواية :"كرهه"(15)] لم أكرهه، إنّما أُرِيدُ أَنْ تُحْرِزُونِي[(16)] ؛ :" في دلائل النبوّة للبيهقي، أي "تحفظوني"، وفي نسخة دار الكتب المصرية «تجيروني» . [وفي رواية :"تحوزوني"[(15)] مِمَّا يُرَادُبِي مِنَ الْقَتْلِ [في حاشية الأصل «الفتك» .،[فتحوزوني:[(15)] حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَحَتَّىٰ يَقْضِيَ اللَّهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ، فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَحَدٌ [منهم؛ ولا أتى على أحد من القبائل إلا قالوا:" قوم الرجل " [(15)] وَيَقُولُونَ: قَوْمُهُ أَعْلَمُ بِهِ، أَتَرَوْنَ [وفي رواية :" أفترىٰ"[(15)] أَنَّ رَجُلًا يُصْلِحُنَا وَقَدْ أَفْسَدَ قَوْمَهُ، وَلَفَظُوهُ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا ذَخَّرَ[4] [وفي رواية :"ادخر"[(15)] [(17)] اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ[(17)]. "وفي رواية:"ادخر الله -عَزَّ وجَلَّ-، للأنصار من البركة ".[(17)] [(15)].
-*-*-
وَتُوُفِّيَ أَبُو طَالِبٍ، وَابْتُلِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ مَا كَانَ، فَعَمَدَ لِثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ، رَجَاءَ أَنْ يُؤْوُوهُ.[(8)]راجع :"[٥]الْبَابُ الْخَامِسُ: الــمَسِيرُ إِلَىٰ „الطَّائِفُ‟"اصدارات: ملتقى أهل العلم]..
-**-
ومن هذه الإنطلاقة النبوية في سيرته يبدء بحثي:
*.]:" قَال حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ عَبَّادٍ يُحَدِّثُ أَبِي قَالَ: إِنِّي لَغُلَامٌ شَابٌّ مَعَ أَبِي بِمِنًى، وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقِفُ عَلَى الْقَبَائِلِ مِنَ الْعَرَبِ، يَقُولُ: يَا بَنِي فُلَانٍ :
[ ١ . ] «„إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ” »،
[ ٢ . ] «„يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ” »
[ ٣ . ] «„لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ” »، وَ
[ ٤ . ] «„أَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ” »، وَ
[ ٥ . ] «„أَنْ تُؤْمِنُوا” » وَ
[ ٦ . ] «„تُصَدِّقُونِي” » وَ
[ ٧ . ] «„تَمْنَعُونِي ” » حَتَّىٰ
[ ٨ . ] «„أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ” »..
قَالَ:" وَخَلْفَهُ رَجُلٌ أَحْوَلُ وَضِيءٌ، لَهُ غَدِيرَتَانِ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ عَدَنِيَّةٌ، فَإِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قَوْلِهِ قَالَ: " يَا بَنِي فُلَانٍ إِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَدْعُوكُمْ إِلَىٰ أَنْ تَسْلَخُوا اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَحُلَفَاءَكُمْ من الحيّ من بني مالك بن أُقَيْشٍ، إِلَىٰ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ، فَلَا تُطِيعُوهُ وَلَا تَسْمَعُوا مِنْهُ " ،
فَقُلْتُ لِأَبِي: " مَنْ هَذَا؟ " ؛
قَالَ: " هَذَا عَمُّهُ عَبْدُالْعُزَّى أَبُو لَهَبٍ".[(18)].
[ * . ] وَقال ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ[(17)] [وفي رواية اسمه:«فليح» [(17)]، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ[(18)].
[ * . ] وَقال مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّهُ أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ، إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَنُو عَبْدِاللَّهِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، حَتَّىٰ إِنَّهُ لَيَقُولُ: يَا بَنِي عَبْدِاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ اسْمَ أَبِيكُمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ فَلَمْ يَقْبَلُوا[(19)].
[ * . ] وَقال البَعْضُ أَنَّهُ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَقْبَحَ رَدًّا مِنْهُمْ[(20)].
[ * . ] وَقال الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَيْحَرَةُ[(17)]؛ [وفي رواية:«سحرة» ]، [وفي آخرى: «صخرة» ]، والتصحيح من عند الذهبي في تاريخه؛ وتاريخ الطبري ونهاية الأرب للنويري] بْنُ فِرَاسٍ قالَ: " وَاللَّهِ لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَىٰ مِنْ قُرَيْشٍ لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ "، ثُمَّ قَالَ لَهُ: " أَرَأَيْتَ إِنْ تَابَعْنَاكَ عَلَىٰ أَمْرِكَ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَىٰ مَنْ خَالَفَكَ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ؟ ". قَالَ:« „الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ” »، قَالَ: أَفَتُهْدَفُ[(21)] نُحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا، لَا حَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ[(22)].
قلت(الرمادي) : من استقراء هذه الحادثة الآخيرة يتبين ما ذهبتُ إليه من أن الفكرة الإسلامية لن تظل حبيسة في مكانها بل ستتسع!
*.]حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ الصَّامِت:
[قدوم سويد بن صامت للحج؛[(15)]
وَقَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حدثني عاصم بن عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ [الأنصاري، ثم الظفري [(15)] ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: قَدِمَ سُوَيْدُ بْنُ الصَّامِتِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا، وَكَانَ سُوَيْدٌ [إنما: [(15)] يُسَمِّيهِ قَوْمُهُ فِيهِمُ "الْكَامِلَ" لِسِنِّهِ وَجَلَدِهِ وَشِعْرِهِ[ وفي رواية: وشرفه ونسبه:[(15)]، فَتَصَدَّى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- [حين سمع به: [(15)]وَدَعَاهُ إِلَى اللَّهِ [ وإلى الإسلام:"[(15)] ، فَقَالَ سُوَيْدٌ: فَلَعَلَّ الَّذِي مَعَكَ مِثْلُ الَّذِي مَعِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ و َسَلَّمَ:« „وَمَا الَّذِي مَعَكَ” »؟ ، قَالَ: "مِجَلَّةُ لُقْمَانَ "، يَعْنِي حِكْمَةَ لُقْمَانَ، قَالَ:« „اعْرِضْهَا” »[عليَّ: [(15)] "، فَعَرَضَهَا عَلَيْهِ، فَقَالَ:«„إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْهُ، قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللَّهُ [تعالى] عَلَيَّ[ هو هدى ونور :[(15)]” »، فَتَلَا عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، وَدَعَاهُ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَبْعُدْ مِنْهُ، وَقَالَ: " إِنَّ هَذَا لَقَوْلٌ حَسَنٌ "، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ قَوْمِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَتَلَتْهُ الْخَزْرَجُ، فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُونَ:"إِنَّا لَنَرَىٰ أَنَّهُ قُتِلَ وَهُوَ مُسْلِمٌ"، وَكَانَ قَتْلُهُ يَوْمَ بُعَاثٍ[(23)].
وَقَالَ الْبَكَّائِيُّ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَسُوَيْدٌ الَّذِي يَقُولُ:

أَلَا رُبَّ مَنْ تَدْعُو صَدِيقًا وَلَوْ تَرَىٰ * مَقَالَتَهُ بِالْغَيْبِ سَاءَكَ مَا يَفْرِي

مَقَالَتُهُ كَالشَّهْدِ مَا كان شاهدًا * وبالغيب مأثور علىٰ يغرة النَّحْرِ

يَسُرُّكَ بَادِيهِ وَتَحْتَ أَدِيمِهِ * تَمِيمَةُ غِشٍّ تَبْتَرِي عَقَبَ الظَّهْرِ[(24)]

تُبَيِّنُ لَكَ الْعَيْنَانِ مَا هُوَ كَاتِمٌ * مِنَ الْغِلِّ وَالْبَغْضَاءِ بِالنَّظَرِ الشَّزْرِ[(25)]

فَرِشْنِي بِخَيْرٍ طَالَمَا قَدْ بَرَيْتَنِي * وَخَيْرُ الْمَوَالِي يريش ولا يبري[(26)]

حَدِيثُ يَوْمِ بُعَاثٍ:

[كان هذا الحديث في شهر جمادى الثاني مِن السنة الرابعة قبل الهجرة؛ السنة التاسعة للبعثة النبوية ]
قَالَ يُونُسُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي الْحُصَيْنِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ - أخي بني عبدالأشهل - قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو الْحَيْسَرِ أَنَسُ بْنُ رَافِعٍ [وفي رواية: نافعٍ: [(27)].[الأشهلي:[(15)]مَكَّةَ، وَمَعَهُ فِتْيَةٌ مِنْ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ، فِيهِمْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ، يَلْتَمِسُونَ الْحِلْفَ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَىٰ قَوْمِهِمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهُمْ فَقَالَ لَهُمْ:«„هَلْ لَكُمْ إِلَىٰ خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ[إليه:[(27)]]؟” »قَالُوا:" وَمَا ذَاكَ؟"، قَالَ:
[ ١ . ]«„أَنَا رَسُولُ اللَّهِ” »
[ ٢ . ] «„بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَى الْعِبَادِ” »،
[ ٣ . ] «„[أدعوهم إلىٰ أن” »
[ ٤ . ] «„يعبدوه” »
[ ٥ . ] «„ولا يشركوا به شيئًا” »
[ ٦ . ] «„وأنزل عليَّ كتابًا” »،:[(27)]. ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ إِيَاسٌ، وَكَانَ غُلَامًا حَدَثًا: " يَا قَوْمُ [وفي رواية: أي قومي[(27)]. هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ [إليه:[(27)]"، فَيَأْخُذُ أَبُو الْحَيْسَرِ حِفْنَةً مِنَ الْحَصْبَاءِ [البطحاء]، فَيَضْرِبَ بِهَا وَجْهَ إِيَاسٍ، وَقَالَ:"دَعْنَا مِنْكَ، فَلَعَمْرِي لَقَدْ جِئْنَا لِغَيْرِ هَذَا"، فَسَكَتَ، وَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُمْ وَانْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بُعَاثٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إِيَاسُ بْنُ مُعَاذٍ أَنْ هَلَكَ. قَالَ مَحْمُودُ بْنُ لَبِيدٍ: فَأَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَهُ مِنْ قَوْمِي أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَهُ يُهَلِّلُ اللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُسَبِّحُهُ حَتَّى مَاتَ، وَكَانُوا لَا يَشُكُّونَ أَنَّهُ مَاتَ مُسْلِمًا. وَقَدْ كَانَ اسْتُشْعِرَ مِنْهُ الْإِسْلَامُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، حِينَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا سَمِعَ[(28)].
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا قَدَّمَهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِرَسُولِهِ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ، وقد افترق ملؤهم وَقُتِلَتْ سَرَاتُهُمْ -يَعْنِي وَجُرِّحُوا- قَدَّمَهُ اللَّهُ لِرَسُولِهِ في دخولهم في الإسلام[(29)]. أخرجه البخاري.
-**- .
٨ . ] روى ابن سعد بأسانيده المتعددة قالوا: أقام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بمكة ما أقام يدعو القبائل إلى الله فذكر الحديث وفيه: حتى أراد الله إظهار دينه ونصر نبيه وإنجاز ما وعده، فساقه إلى هذا الحي من الأنصار لما أراد الله به من الكرامة، فانتهى إلى نفر منهم وهم يحلقون رؤوسهم، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن، فاستجابوا لله ولرسوله فأسرعوا وآمنوا وصدقوا وآووا ونصروا وواسوا، وكانوا والله أطول الناس ألسنة وأحدهم سيوفا ويقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج من مكة فمر علىٰ نفر من أهل يثرب نزول بمنىٰ ثمانية نفر، منهم: من بني النجار معاذ ابن عفراء، وأسعد بن زرارة، فعرض عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإسلام فأسلموا وقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:« „تمنعون لي ظهري حتى أبلغ رسالة ربي؟” » فقالوا: يا رسول الله نحن مجتهدون لله ولرسوله، نحن، فاعلم، أعداء متباغضون، وإنما كانت وقعة بعاث، عام الأول، يوم من أيامنا اقتتلنا فيه، فإن تقدم ونحن كذا لا يكون لنا عليك اجتماع فدعنا حتى نرجع إلى عشائرنا لعل الله يصلح ذات بيننا، وموعدك الموسم العام المقبل.[(30)].
٩ . ] عن عمر بن الخطاب قال: قام رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على قبائل العرب قبيلة قبيلة في الموسم، ما يجد أحدا يجيبه، حتى جاء الله بهذا الحي من الأنصار[(15)].
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)

‏السبت‏، 22‏ ربيع الثاني‏، 1443 هــ ~ 27 نوفمبر 2021م

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة
(٨) [الْمُجَلَّدُ الثَّامِنَ] : [دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ]
(٣) الْبَابُ الثَّالِثُ : سَعْيُ الرَّسُولِ-صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
28 / 11 / 2021, 08 : 03 PM
-*-




[الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]




-*-
بحث مسألة : «„تطبيق النظرية‟ »
[١٠٢] [ أ . ] التَّمْهِيدُ:
لا توجد نظرية -اطروحة- يتحدث عنها القرآن الكريم.. أو يتكلم عنها الذكر الحكيم.. أو نخبر عنها في السنة الشريفة المحمدية النبوية.. أو يتم الإخبار عنها في إسلام محمد -بعثة السماء الآخيرة إلىٰ أهل الأرض ومَن عليها- إلا ولها طريقة معينة في إيجادها علىٰ أرض الواقع المعاش؛ ولها كيفية خاصة في تحقيقها في الحياة؛ مع ملاحظة تغير الزمان واختلاف المكان وخصوصية الناس إثناء الفتوىٰ أو السير في طريق الدعوة وملاحظة تعدد الوسائل من عصر إلىٰ عصر آخر؛ واختلاف الأساليب من بقعة في الأرض إلى غيرها؛ كما تجد لهذه النظرية طريقة في تطبيقها وكيفية في تنفيذها..


إذ أن الإسلام -خاتم الرسالات السماوية؛ أو قل إن شئت متمم الرسالة التامة الكاملة لبني الإنسان- ..
هذا الإسلام يتكون من :
« أ» فكر [يعني: يتكون مِن مجموعة أفكار عن الآله والحياة والكون والإنسان] .. هذا الفكر منبثق عن عقيدة التوحيد؛ وأساسه مبني علىٰ مبدأ الوحدانية؛ التي تعني توحيد الإله فتترسخ عقيدة الربوبية [تعني : الرب.. المالك للحياة والكون والإنسان] فتسطع في الأفق بجلاء عقيدة الحاكمية لله الواحد الأحد؛
فــ
يرافق هذه العقيدة [الإيمان] المتينة :
« ب» طريقة عملية وكيفية تطبيقية وإخراج تنفيذي وأحكام تشريعية مِن جنس هذه الفكرة الأساسية؛ أي نظرية متماسكة الأطراف متينة الجوانب يصاحبها تطبيق جيد الإخراج مِن نوعها..
بــ
معنىٰ طرح نظرية -سواء متعلقة بالعلاقة بين العبد وبين ربه [الآله] (العبادة بكافة اشكالها: سواءالروحية أو البدنية أو المالية) أو العلاقة المتعلقة بين الناس فيما بينهم بعضهم ببعض (العقود والمعاملات والتصرفات والحدود والعقوبات والتعزير)- أو العلاقة بين الإنسان وبين نفسه [ وتشمل الأخلاق والمطعومات والمشروبات والملبوسات ] أو العلاقة بين الإنسان وبين محيطه وبيئته ووسطه..
نظرية يصاحبها -يرافقها- تطبيق..
بــ
معنىٰ طرح نظرية علىٰ الذهن البشري؛ قابلة للفهم بسهولة ويسر دون تعنت أو صعوبة إدراك ومشقة استيعاب.. اطروحة يسهل تعقلها وفهمها في كيفية تصور القول المنصوص في الكتاب الكريم؛ كــ مصدر أول ، أو الفعل أو التصرف يصاحبها مباشرة ويجاورها حالا طريقة عملية في إيجاد هذه النظرية وتفعيل تطبيقها.. السنة النبوية كــ مصدر ثان أو الفعل أوالتصرف مِن كليهما -أي النص القرآني أو النص النبوي- فيتمكن الإنسان العادي من ادراكها إدراكاً فهمياً استيعابياً.. يصاحبها؛ أي الفكرة أو النظرية -حتماً- مباشرة ويجاورها -حالا- طريقة تطبيقية عملية تنفيذية في إيجاد هذه النظرية -الفكرة- وتفعيل تطبيقها.. في واقع الحياة وفق متطلبات الإنسان؛ بغض الطرف عن مكانه وبيئته ومحيطه ووسطه وزمانه وعصره وقدراته البدنية [الرخص وأهل الأعذار] أو الادراكية الاستيعابية..

.. ولعل هذا الفهم لنظام الإسلام -النظرية والتطبيق- في عقول حامليه إذا غاب عن الادراك الآدمي إثناء القيام بعرض النظرية أو تطبيقها ؛ ولم يستوعبه الذهن البشري غابت النظرية -افكار الإسلام: أو اطروحات الإسلام لمعالجة مشاكل الإنسان والناس والناجمة عن التعامل أو التواجد أو مشاكل البيئة ومسائل تحيط بالإنسان-
فــ
بغياب النظرية -أطروحات الإسلام- تسقط الطريقة الفعلية والكيفية العملية؛ فتضيع فكرة الإسلام وطريقة إيجادها معاً ؛ وبالتالي يُفقد نظام الإسلام بأكمله.. فيظهر على السطح قشور وترى من بعيد أوراق شجر لا جذر لها ولا أصول ؛ مع بقاء مَن يدينون به اسمياً أو مَن يتمسكون بشعائره ومناسباته فيأخذون بجانب منه -يروق لهم- ويتركون جوانب عدة؛ فيبقىٰ ما اسميه :
« إسلام المعابد »،
« إسلام الكهنوت »،
« إسلام المناسبات ».
ــــــــــــــــــــــــــ
- صَوَامِعُ: أماكن العبادة للرهبان؛ وَ
- بِيَعٌ: للنصارى عامّة؛ وَ
- صَلَوَاتٌ: أماكن العبادة لليهود وَ
- مَسَاجِدُ للمسلمين.. وهي أماكن العبادة للرهبان، والنصارى، واليهود، والمسلمين! [(2)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
فالإسلام معالجات عملية واطروحات عقلية فهمية لما يتطلبه بدن الإنسان وما يحتاجه جسده وما يرغبه جسمه مِن احتياجات ورغبات وما تستلزمه روحه ..
فإذا أُشبعت تلك الرغبات وتحصل الإنسان على تلك الاحتياجات بالقدر الكافي وفق نظام الإسلام بأكمله نتج عن ذلك هدوء النفس البشرية واطمئنان القلب الإنساني وسمت الروح الآدمية.
ولتوضيح هذه القضية؛
اقول(الرَّمَادِيُّ) :
طلب اللهُ -تعالىٰ في سماه وتقدست اسماه- حُسن عبادته؛ فأنزل بواسطة أمين السماء -جبرائيل- علىٰ قلب نبيه أمين السماء والأرض -عليهما السلام- قوله -تعالىٰ-: { وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ .. } [البقرة:43]
فيأتي الرسول فيقول: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»[(*)]. فتقترن نظرية -فكرة/اطروحة- العبادة لله الواحد الأحد وتتجاور مع كيفيتها العملية التطبيقية مِن خلال اقواله وأفعاله وتصرفاته -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
[(*)] أخرجه :
أ.] البخاري في صحيحه (605) 1: 226 ؛ كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. عن مالك بن الحويرث.
و
ب.] أخرج مسلم حديث مالك في صحيحه (674) 1: 465 ؛ كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة. ولكن بدون ذكر هذه الجملة: «صلوا كما رأيتموني أصلي».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
فــ فعله أنه : «„صلى‟» أمامهم كما علمه أمين السماء جبريل.. ومن ثم قوله هذا «..رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» فقرن بين ما عرضه من طلب العبادة [الفكرة] وبين كيفية العبادة [الطريقة/الكيفية] وبين الطلب من الله تعالى بعبادته..
و
في مسألة : „الوضوء‟ قال -عليه الصلاة والسلام-: «مَن توضأ نحو وضوئي هذا» .. فيتبين أن هناك قول يرافقه كيفية في تنفيذ هذا القول..
وهذا في مسألة عبادة الصلاة بكافة اركانها.. [مسألة واحدة من مسائل العبادات]
و نظيره في عبادة آخرى (ثانية) قوله -عليه الصلاة والسلام- بعد أن بيّن الحج المأمور بفعله -عليه الصلاة والسلام-: «خذوا عني مناسككم» فما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم يتركه فهو واجب؛ لأنه بيان للواجب، وما تركه دل علىٰ أنه ليس بواجب، وأنه تركه لبيان الجواز جواز الترك والقيام بالفعل. وهكذا بقية المسائل..
.. فالإسلام -خاتم الرسالات السماوية للبشر كافة- إظهر فكرة -نظرية- أطروحة العبادة للناس وبيّنها ؛ ولمَن تكون العبادة الخالصة ؛ ونفي ما عداها؛ ولم يسكت؛ بل بيّن كيفية إخراج هذه العبادة مِن خلال افعال رسول الإسلام -عليه السلام-..
وهكذا بقية أعمال وتصرفات ومعاملات وأقوال الإنسان؛ ذلك الإنسان الذي يريد عن قناعة تامة ودون أدنىٰ اكراه أو إرغام أن يدخل في هذا الدين ويتمسك بهذا النظام العام؛ ويعتقد في صحته..
*-*-*-*-*
تنبيه :
بدأتُ كتابة هذا المدخل لما سوف يترتب عليه مِن تصرفات وأفعال يتأتىٰ منها قيام « كيان » جديد يبنىٰ علىٰ عقيدة الإسلام.. سيكون نقطة بدايته « يثرب » وستتحول إلى مدينته المنورة والتي طيّب الله تعالى ثراها بمرقده وبجواره صاحبيه ووزيريه الصديق والفاروق -رضي الله عنهما-

ولا ينبغي لمَن لا يتفق معي في هذا الطرح أو كيفيته أن ينزعج أو يخشاه؛ فتوجد قاعدة عريضة اساسية في الإسلام وهي: «„لا إكراه في الدين‟ »
و
صحيح أن هناك نماذج عدة -سيئة- تجعل في قلب مَن هو خارج هذا الإطار الذي اتحدث عنه أو أعرضه حالة من الخوف والترقب.. ولكن عرض أطروحة الإسلام بالتي هي أحسن وبكيفية تتناسب مع السامع ثم من بعد ذلك عرض كيفية تطبيق إسلام محمد - خاتم الرسل وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين - تطبيقاً حقيقياً صحيحاً بفهم سيرته العطرة فهماً إدراكياً واعياً سوف يزيل كل لبس أو خوف أو قلق عند الجميع!
-**-
نعود لبحث هذا المجلد..[الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]
.. النقلة النوعية في خطاب خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -عليه السلام-..
هذه النقلة النوعية في خطابه للناس بعد إنتقاله مِن مخاطبته لــ
- عشيرته ولــ
- قومه -خاصة أهل مكة- وبــ
- خروجه للطائف؛ ومخاطبتهم؛ ثم العودة في حماية رجل ليس مِن المسلمين [المطعم بن عدي].. وتعمده خطاب وفود الحجيج في أماكن مساكنهم ومواضع نصب خيامهم؛
و
يلاحظ هنا تنوع الخطاب بشكل جذري.. فنتابع معاً كيفية العرض من قِبل النبي المصطفىٰ لمَن قابلهم :
فــ
حين كان يلتقي بوفدٍ أو شخص؛
نقرأ عند الزُّهْرِيِّ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تِلْكَ السِّنِينَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ ، لَا يَسْأَلُهُمْ مَعَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ:
- يُؤْوُوهُ
وَ
- يَمْنَعُوهُ[(3)]..
فــ يُعَرِف نفسه الزكية البهية العلية بوضوح تام فيقول:
[ ١ . ] « „أَنَا رَسُولُ اللَّهِ‟» .
وفي رواية أكثر دقة :
[ ١ . ] « „إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ‟» .
ثم يبين ما هو الواجب المنوط به؛ وما هو التكليف الذي كُلف به بعد اصطفائه واجتبائه واحتبائه واختياره مِن قِبل ربه رسول اللعالمين.. فيقول :
[ ٢ . ] « „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ‟» .
ويحدد هذا الدور.. وهذا الواجب.. وهذا التكليف فيقول:
[ ٣ . ] « „أدعوهم إلىٰ أنْ‟ »
[ ٤ . ] « „يعبدوه‟ » .
وفي رواية :
[٤.] « „يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ‟» .
وفي رواية أكثر وضوحاً :
[ ٤ . ] « „أَنْ تَخْلَعُوا مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ‟ » ،
ثم يضيف كي لا تختلط الأمور والمسائل:
وَ
[ ٥ . ] « „لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا‟»
وفي رواية :
[ ٥ . ] « „ولا يشركوا به شيئًا‟» .
وهذه الرواية مرجعها إلىٰ فقرة رقم [ ٢ . ]« „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ‟» .
فيكون ترتيب الرواية :
« „بَعَثَنِي اللَّهُ إِلَىٰ الْعِبَادِ ولا يشركوا به شيئًا‟» .
أما في حديثه مع كِنْدَةَ؛ فقد كان أوضح؛
فَــ قَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو نُعَيْمٍ ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْأَجْلَحِ ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَنِ الْعَبَّاسِ [عم النبي]، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ « „لَا أَرَى لِي عِنْدَكَ وَلَا عِنْدَ أَخِيكَ مَنَعَةً ، فَهَلْ أَنْتَ مُخْرِجِي إِلَى السُّوقِ غَدًا ، حَتَّى تُعَرِّفَنِي مَنَازِلَ قَبَائِلِ النَّاسِ ؟‟ » - وَكَانَتْ مَجْمَعَ الْعَرَبِ -
قَالَ : فَقُلْتُ :„هَذِهِ كِنْدَةُ وَلَفُّهَا ، وَهِيَ أَفْضَلُ مَنْ يَحُجُّ الْبَيْتَ مِنَ الْيَمَنِ ، وَهَذِهِ مَنَازِلُ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَهَذِهِ مَنَازِلُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ‟.
قَالَ: فَبَدَأَ بِكِنْدَةَ فَأَتَاهُمْ ، فَقَالَ: « „مِمَّنِ الْقَوْمُ ؟‟ » .
قَالُوا:„مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ‟
قَالَ:« „مِنْ أَيِّ الْيَمَنِ‟»
قَالُوا:„مِنْ كِنْدَةَ‟
قَالَ: « „مِنْ أَيِّ كِنْدَةَ‟»
قَالُوا:„مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ‟
قَالَ: «„فَهَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ ؟‟»
قَالُوا:„وَمَا هُوَ ؟‟ .. قَالَ... [(4)]
ثم
يفصل الرد عليهم
فــ
يقول :
[ ٦ . ] « „تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ‟ » .
[ ٦ . ] « „أَنْ تُؤْمِنُوا‟» .
وَ
[ ٧ . ] « „تُصَدِّقُونِي‟ » .

ثم تأتي متطلبات المرحلة الجديدة والتي نحن بصدد بحثها -الأن- ودراستها مع تبيانها؛ واستخلاص الدروس والعبر منها لتفعيلها وتطبيقها والسير وفق هداها؛ وإن كان ينزعج البعض منها؛ كما اسلفتُ؛ إذ أن السيرة النبوية -على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل البركات- يحتاج فهمها إلىٰ دراسة واعية وبعمق ليحسن تطبيقها؛ فهي -السيرة المحمدية يجاورها ويرافقها السنة النبوية ليستا تاريخ مضىٰ وانتهىٰ بل هدي؛ وافعاله لنا إسوة؛ وطريقته لنا قدوة-
فــ
يبدء بالقول:
[ ٨ . ] « „تَمْنَعُونِي‟ » .
حَتَّىٰ
[ ٩ . ] « „أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ‟» .
ثم
تأتي إضافة جوهرية مع وفد كِندة؛ إذ عرض عليهم ؛
[ ١٠ . ] « „وَتُقِيمُونَ الصَّلَاةَ‟ » ،
ثم
يخبرهم بــ
[ ١١ . ] « „وأنزل عليَّ كتابًا‟ » ،
[ ١١. ] « „وَتُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‟» ،
ثُمَّ
ذَكَرَ لَهُمُ:
[ ١٢. ] الْإِسْلَامَ ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ،:.

يتبين مِن الخطوات النبوية السابقة طريقته -عليه السلام- أو كيفيته في مرحلة جديدة أو مفصل يربط بين مرحلة بعينها ومرحلة آخرى تليها .
فهو - „صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ ”.- يعرض:
«„١‟» الإسلام
و :
«„٢‟» يحتاج إلىٰ الإيواء
ويريد ويطلب :
«„٣‟» النصرة، وذلك قبل الهجرة.. " ليلة العقبة ": وهي التي بايع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار



قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلَّمَا اجْتَمَعَ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ ، أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالرَّحْمَةِ ،
وَ
لَا يَسْمَعُ بِقَادِمٍ يَقْدَمُ مَكَّةَ مِنَ الْعَرَبِ لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إِلَّا تَصَدَّىٰ لَهُ ، وَدَعَاهُ إِلَىٰ اللَّهِ تَعَالَىٰ ، [(5)] وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ .

قَالَ أَبُوزَرْعَةَ الرَّازِيُّ فِي كِتَابِهِ "دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ " : بَابُ إِسْلَامِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ هَانِئٍ الشَّجَرِيُّ ، ثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ ، حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّهُ خَرَجَ هُوَ وَابْنُ خَالَتِهِ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، حَتَّى قَدِمَا مَكَّةَ ، فَلَمَّا هَبَطَا مِنَ الثَّنِيَّةِ ، رَأَيَا رَجُلًا تَحْتَ شَجَرَةٍ .
قَالَ : وَهَذَا قَبْلَ «خُرُوجِ السِّتَّةِ مِنَ الْأَنْصَارِ»
قَالَ: „فَلَمَّا رَأَيْنَاهُ كَلَّمْنَاهُ ،
قُلْنَا : نَأْتِي هَذَا الرَّجُلَ نَسْتَوْدِعُهُ رَاحِلَتَيْنَا حَتَّى نَطُوفَ بِالْبَيْتِ.‟
فَجِئْنَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ تَسْلِيمَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَرَدَّ عَلَيْنَا تَسْلِيمَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، وَقَدْ سَمِعْتُ بِالنَّبِيِّ .
قَالَ: فَأَنْكَرْنَا .
فَقُلْنَا: „ مَنْ أَنْتَ ؟ ‟
قَالَ: « „ انْزِلُوا ‟» .
فَنَزَلُوا
فَقُلْنَا :„أَيْنَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي يَدَّعِي مَا يَدَّعِي ، وَيَقُولُ مَا يَقُولُ ؟ ‟
قَالَ:« „أَنَا هُوَ ‟ » .
قُلْنَا :„ فَاعْرِضْ عَلَيْنَا الْإِسْلَامَ ‟. فَعَرَضَ ،
وَ
قَالَ : « „مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ ؟ ‟»
قُلْنَا :„خَلَقَهُنَّ اللَّهُ ‟.
قَالَ : « „مَنْ خَلَقَكُمْ ؟ ‟ »
قُلْنَا :„اللَّهُ‟.
قَالَ : « „فَمِنْ عَمَلِ هَذِهِ الْأَصْنَامَ التِي تَعْبُدُونَ ؟ ‟»
قُلْنَا :„نَحْنُ ‟.
قَالَ : « „الْخَالِقُ أَحَقُّ بِالْعِبَادَةِ أَوِ الْمَخْلُوقُ ؟ ‟»
قُلْنَا :„الْخَالِقُ ‟.
قَالَ : « „فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنَّ تَعْبُدَكُمْ ، وَأَنْتُمْ عَمِلْتُمُوهَا ، وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَعْبُدُوهُ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْتُمُوهُ ،
وَ
أَنَا أَدْعُو إِلَى :
- عِبَادَةِ اللَّهِ ،
وَ
- شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَ
- أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ، وَ
- صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَ
- تَرْكِ الْعُدْوَانِ ، وَإِنْ غَضِبَ النَّاسُ ‟ » .
فَقَالَا :„وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ بَاطِلًا ، لَكَانَ مِنْ مَعَالِي الْأُمُورِ ، وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ ، فَأَمْسِكْ رَاحِلَتَيْنَا حَتَّى نَأْتِيَ الْبَيْتَ ‟ ».
فَجَلَسَ عِنْدَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ.
قَالَ رَافِعٌ :„وَجِئْتَ الْبَيْتَ فَطُفْتُ ، وَأَخْرَجْتُ سَبْعَةَ قِدَاحٍ ، وَجَعَلْتُ لَهُ مِنْهَا قَدَحًا ، فَاسْتَقْبَلْتُ الْبَيْتَ ‟،
فَقُلْتُ :„ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ حَقًّا فَأَخْرِجْ قِدْحَهُ . سَبْعَ مَرَّاتٍ ‟،
فَضَرَبْتُ بِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ ،
فَــ
صِحْتُ :„أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ‟.
فَــ
اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيَّ ، وَ
قَالُوا :„ مَجْنُونٌ ، رَجُلٌ صَبَأَ ‟.
فَقُلْتُ :„ بَلْ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ ‟.
ثُمَّ جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى مَكَّةَ ، فَلَمَّا رَآنِي مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ،
قَالَ :„ لَقَدْ جِئْتَ بِوَجْهٍ مَا ذَهَبْتَ بِهِ ، رَافِعُ ‟.
فَجِئْتُ وَآمَنْتُ ، وَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
- سُورَةَ " يُوسُفَ "
وَ
- " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" ،
ثُمَّ
خَرَجْنَا رَاجِعِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالْعَقِيقِ ،
قَالَ مُعَاذٌ: „إِنِّي لَمْ أَطْرُقْ لَيْلًا قَطُّ ، فَبِتْ بِنَا حَتَّى نُصْبِحَ ‟.
فَقُلْتُ : « „أَبِيتُ وَمَعِي مَا مَعِي مِنَ الْخَيْرِ؟! مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ‟.
وَ
كَانَ رَافِعٌ إِذَا خَرَجَ سَفَرًا ثُمَّ قَدِمَ عَرَّضَ قَوْمَهُ [إِسْنَادٌ وَسِيَاقٌ حَسَنٌ] .". [(6)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
بحوث السيرة النبوية الشريفة
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]:
[دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ]
(١٠٢): [ أ . ] بحث : تطبيق النظرية
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
-*-

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 59 : 12 PM
[١٠٢] [ ب .] وَفْدُ الْأَنْصَارِ
[ ٩ ] [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]
استدراك:
في الْبَابِ الثَّالِثِ؛ وتحت عنوان : « سَعْيُ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وآله وسلم- يَطْلُبُ النُّصْرَةَ.. مِن الْمُجَلَّدِ الثَّامِن : دُعَاءِ رسولُ الله -صلى الله عليه وآلهوسلم- النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ»؛ [اصدارات: ملتقىٰ أهل العلم: (‏السبت‏، ٢٢‏ ربيع الثاني‏، ١٤٤٣هــ ~ ٢٧ نوفمبر ٢٠٢١م)]. . . ذكرتُ :" .. خرج رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في الموسم، فعرض نفسه علىٰ قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم.
وكانت البداية برجل من هَمدان ..
جاء في مسند الإمام أحمد؛ وسنن أبي داود؛ وسنن التّرمذي عن جابرِ بنِ عبدِاللهِ -رضي الله عنه- قال:
كَانَ النَّبِيُّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ، فَيَقُولُ:
« „ هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ!؟ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي عزّ وجلّ‟ » .
فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ، فقالَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ مِمَّنْ أَنْتَ ؟‟ » .
فَقَالَ الرَّجُلُ: „ مِنْ هَمْدَانَ ‟
قَالَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ فَهَلْ عِنْدَ قَوْمِكَ مِنْ مَنَعَةٍ !؟‟ » .
قَالَ: „ نَعَمْ ‟.
ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَشِيَ أَنْ يَحْقِرَهُ [ يخفره: الخفر: هو ألا يَفُوا بما وعد به ؛ ولا يسعَى بذمّته] قَوْمُهُ، فَأَتَى رَسُولَ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- فَقَالَ :„ آتِيهِمْ فَأُخْبِرُهُمْ، ثُمَّ آتِيكَ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ‟،
قال-صلّى الله عليه وآله وسلّم-: « „ نَعَمْ‟ »
فَانْطَلَقَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ ".
-*-
وهنا انبه إلىٰ وقفتين:
1 . ] - الوقفة الأولىٰ: وجوب خروج حامل الدعوة الإسلامية إلىٰ النّاس.
فــ نرىٰ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- لم يأمر بأن تُنصَب له خيمة بمِنًى، أو بسوق عُكاظ، يجلس فيها ثم ينتظر النّاس يأتونه! بل إنّه -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كان يذهب إلىٰ منازلهم بمنًى، وينزل عليهم في خيامهم يعرِض نفسه عليهم.
والعَجَبُ مِن بعض مَن يرتقون المنابر -خاصة في القارة الأورُبية والأمريكيّتين - ولعل المانع أنهم لا يحسنون لغة القوم الذين يعيشون بين أظهرهم-، لا يخرجون إلىٰ النّاس، يدعونهم إلىٰ الخير، ويأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، حتّىٰ إذا هدىٰ الله -عزّ وجلّ- كثيرا من الضُلاّل إلىٰ الحقّ بإذنه، وجاءوهم إلىٰ مساجدهم، ما وجدوا لهم أثرا، وما سمعوا لهم خبرا !
2 . ] - الوقفة الثّانية: ربط النّاس من أوّل يوم بالله-سبحانه- وحده.
تأمّل قوله: «„ الأَمْرُ إِلَى اللهِ، يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ‟».. إنّه خطاب لمن لم يؤمن بعدُ برسالته .. ولمن لم يُقِرّ بعدُ بتوحيد الله سبحانه وتعالى!
إنّه -صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلامه- يريد أن يربطهم مِن أوّل يوم بمن لا يحُول ولا يزول.. لا يريد أن يربطهم بوعود كاذبة، وزخارف زائفة .. كحال كثير من الدّاعين إلىٰ أنفسهم !".[(1)]
-*-*-*-
مدخل للمجلد التاسع :
ما قام به نبيُّ الهدىٰ وحامل لواء التوحيد المبعوث رحمة للعالمين -صلوات الله تعالىٰ عليه وآله وسلامه- مِن افعال وتصرفات وتحركات وخروج لمقابلة وفد حجيج قادم إلىٰ مكةَ أو الحديث إلىٰ رجل شريف في قومه اثناء العهد المكي -خاصةً- إلا أنه كان يبحث عن آذانٍ صاغية، وقلوب واعية، وعقول مستنيرة وافهام ذكية وأيدٍ حانية تحمل هذا الدّين لتقدّمه إلىٰ التّائهين والحائرين ..

.. توجد مواقف أو تصرفات اثناء سير الأحداث تغير الواقع تغييراً جذرياً..
-*-
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*

(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الإثنين‏، 30‏ جمادى الأولى‏، 1443هــ ~ ‏03‏ يناير 2022م
-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 12 : 01 PM
بَابُ بَدْءِ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ".
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ دِينِهِ ، وَاعِزَازَ نَبِيِّهِ ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَعَرَضَ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، كَمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا .
:" فَـ لَمَّا لَقِيَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : «„ مَنْ أَنْتُمْ؟ ‟ »
قَالُوا :„ نَفَرٌ مِنَ الْخَزْرَجِ ‟.
قَالَ : « „ أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ ؟ ‟ »
قَالُوا :„ نَعَمْ ‟.
قَالَ : « „ أَفَلَا تَجْلِسُونَ أُكَلِّمُكُمْ ‟».
قَالُوا : „ بَلَى‟.
فَجَلَسُوا مَعَهُ فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ .
قَالَ : وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ ، وَكَانُوا قَدْ عَزُّوهُمْ بِبِلَادِهِمْ ، فَكَانُوا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ شَيْءٌ قَالُوا لَهُمْ :„ إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانَهُ نَتَّبِعُهُ ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ‟، فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُولَئِكَ النَّفَرَ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : „ يَا قَوْمِ، تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَلنَّبِيُّ الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ ، فَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ ‟. فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِأَنْ صَدَّقُوهُ . وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ ، وَقَالُوا لَهُ : „ إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا وَلَا قَوْمَ ، بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ ، وَعَسَى أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَى أَمْرِكَ ، وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ ‟. ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا ".[(7)]

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 41 : 01 PM
[ سِتَّةُ: «„٦‟» نَفَر]

:" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ لِي سِتَّةُ نَفَرٍ ، كُلُّهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ :
- أَبُوأُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ ،
- قَالَ أَبُونُعَيْمٍ- وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْخَزْرَجِ وَمِنَ الْأَوْسِ:
أَبُوالْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ.
وَ
قِيلَ : إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ ، وَمُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ..
- وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ النَّجَّارِيَّانِ ، وَ
- رَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُرَيْقٍ الزُّرَقِيُّ ، وَ
- قُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ السَّلَمِيُّ ،
ثُمَّ
مِنْ بَنِي سَوَادٍ ،
وَ
- عُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ السَّلَمِيُّ أَيْضًا ،
ثُمَّ
مِنْ بَنِي حَرَامٍ ،
وَ
- جَابِرُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ السَّلَمِيُّ أَيْضًا ،
ثُمَّ
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَ
هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا لَيْلَتَئِذٍ سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ. ".[(8)]
--*-*-*-*-*-
:" أم أنهم ثَمَانِيَةً : « „ ٨؟‟ » .
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ أَوَّلَ اجْتِمَاعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِمْ كَانُوا ثَمَانِيَةً، وَ
هُمْ :
- مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ ، وَ (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=103)
- أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ، وَ
- رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ ، وَ
- ذَكْوَانُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَ (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=63)
- عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَ
- أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ، وَ (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=2737)
- أَبُوالْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ ، وَ (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=174)
- عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ.
فَــ
أَسْلَمُوا وَوَاعَدُوهُ إِلَى قَابِلٍ ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا يُفَقِّهُنَا . فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، فَنَزَلَ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ."..

-**-
وثبت في العديد من المصادر مسألة قُدُومِ وَفْدِ الْأَنْصَارِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ حَتَّىٰ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةً بَعْدَ بَيْعَةٍ ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، فَنَزَلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ..

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
‏ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
[(*)] أخرجه :
أ.] البخاري في صحيحه (605) 1: 226 كتاب الأذان، باب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة. عن مالك بن الحويرث.
و
ب.] أخرج مسلم حديث مالك في صحيحه (674) 1: 465 كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة. ولكن بدون ذكر هذه الجملة: « صلوا كما رأيتموني أصلي».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]
(١) الْبَابُ الْأَوَّلُ :
وَفْدُ الْأَنْصَارِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الإثنين‏، 30‏ جمادى الأولى‏، 1443هــ ~ ‏ 03‏ يناير‏، 2022م
-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 59 : 02 PM
[ ١٠٣ ] : « إِلَامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ ».
« الْبَابُ الثَّانِي » من:
9 . ] 《 الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ .》


أحداث تمت قُبيل بيعة العقبة الأولىٰ..
وَفِي هَذَا عَوْدٌ عَلَىٰ بَدْءٍ!
- نحن ما زلنا نعيش أجواء العام العاشر مِن البعثة المحمدية الخاتمة “صَلَّى اللَّهُ عَلَىٰ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، أَزْكَى صَلَوَاتِهِ وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ، وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كَثِيراً” ونتعايش مع أحداث بدايات الرسالة الخالدة؛ والتي كَتبَ اللهُ -عز وجل- لها البقاء إلىٰ قيام الساعة.. وإلىٰ وقت حدوث القيامة؛ ووعد -سبحانه- بحفظ الذكر الحكيم فقال -مَن عز شأنه وعلا فوق رؤوس الجميع سلطانه- :{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } [الحِجر:9]
.. خاصةً ونحن نقترب -رويداً.. رويداً- مِن نهايات العهد المكي؛ بما فيه وعليه وله مِن كافة الجوانب المحيطة به سواء أكانت الاجتماعية أو الاقتصادية والسياسية أو العقدية.. وما جرىٰ فيه؛ وكيف تم بكلمة التوحيد زلزلة الأرض مِن تحت أقدام صناديد عبدة الأوثان وعبّاد الأصنام؛ والإخبار بــ بشارات أهل الكتاب وبقية أتباع الأديان؛ بمجئ نبي آخر الزمان؛ وما حدث مِن رجال هذا العهد ولهم وبهم ونسائه؛ ثم النقلة النوعية المتميزة والإنسانية والحضارية لمَن أمنوا بالله رباً واحداً لا شريك له؛ ولا صاحبةَ ولا ولد له؛ ولا ند ولا مثيل ولا وزير ولا معين له ولا مشير؛ ولا شبيه له -سبحانه وجلَّ شأنه-، فإذا أمر وجبت طاعته- دون كيف ولماذا-، وإذا نهىٰ حق علينا أن لا نقترب مما نهى ٰعنه وزجر؛ وكذلكَ النقلة النوعية العلمية لمَن أمنوا بمحمدٍ بن عبدالله آخرَ الأنبياء وخاتماً للمرسلين ومتمماً للمبتعثين، ليعم السلام وتنتشر الطمأنينة ويسود الوئام بين الأنام؛ وتعلو السكينة علىٰ قلوب وعقول العالمين.. فتزدهر الأرض بعلوم نافعة؛ فيمكث في الأرض ما ينفع الناس!
.. والأن نبحث الفصل الثالث بعد المائة الأولىٰ؛ وهو نموذج رائع لكيفية حمل الدعوة للمشركين وغير المسلمين:
-*-
[ ١٠٣ ] : ذِكْرُ عرضه نَفْسِهِ الزكية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ الْقَبَائِلِ
لِــ :
- „ يُؤْمِنُوا بِهِ “،
وَ
لِــ:
- „ يَنْصُرُوهُ “ قَبِيلَةً .. قَبِيلَةً..
فـ حديثي اليوم عن كيفية عرض نفسه الزكية البهية الآبية عَلَىٰ بَنِي :
„ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ “،
[ « بنو شيبان » ]

ذَكَرَ الْخَطّابِيّ وَقَاسِمٌ مَا كَانَ مِنْ كَلَامِ أَبِي بَكْرٍ مَعَ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ الذّهْلِيّ؛
زَادَ قَاسِمٌ تَكْمِلَةَ الْحَدِيثِ[(*)] فَرَأَيْتُ أَنْ نَذْكُرَ زِيَادَةَ قَاسِمٍ، فَإِنّهَا مِمّا تَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ[(1)] الموسوعي في سيرته العطرة -عليه السلام- والحمدُ لله حمدا كثير ا طيباً مباركاً لما أنعم عليَّ من توفيق وعناية !!!.
- „ أمرُ اللهِ -تعالى- لنبيه أن يعرض نفسه علىٰ قبائل العرب “:
« المشهور ما رُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: „ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ - وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُوبَكْرٍ - إِلَىٰ مِنًى حَتَّىٰ دَفَعْنَا إِلَىٰ مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ..



[ 1 . ] : « „ المجلس الأول ‟ ».
- قال علي :" فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ[(2)] وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مُقَدَّمًا فِي كُلِّ حِينٍ [وفي رواية :"خَيرٍ" [(1)] (https://al-maktaba.org/book/6864) وكَانَ رَجُلًا نَسَّابَةً؛ فَــ
قَالَ : „ مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ ‟.
قَالُوا :„ مِنْ رَبِيعَةَ ‟.
قَالَ :„ وَأَيُّ رَبِيعَةَ أَنْتُمْ؟ ؛ مِنْ هَامَتِهَا أَمْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ ‟.
قَالُوا :„ بَلْ مِنْ هَامَتِهَا الْعُظْمَىٰ ‟.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ :„ مِنْ أَيِّ هَامَتِهَا الْعُظْمَىٰ؟ ‟.
قَالُوا : „ ذُهْلٌ الْأَكْبَرُ...‟..

[ 2 . ] : « „ المجلس الثاني: ‟».
إلىٰ أن قَالَ :„ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَىٰ مَجْلِسٍ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَإِذَامَشَايِخُ لَهُمْ أَقْدَارٌ وَهَيْئَاتٌ[(2)] فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ “.
قَالَ عَلِيٌّ :„ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ[(1) مُقَدَّمًا فِي كُلِّ حِينٍ [ والرواية التي أثبتها:"خير“[(1)] (https://al-maktaba.org/book/6864)،
فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ : „ مِمَّنِ الْقَوْمُ؟‟.
قَالُوا: „ نَحْنُ بَنُو شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ ‟.
فَالْتَفَتَ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَقَالَ: „ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي..لَيْسَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ عِزٍّ فِي قَوْمِهِمْ ... هَؤُلَاءِ غُرَرٌ فِي قَوْمِهِمْ “[(1)] .
- وكان في القوم:
- مَفْرُوقُ بن عمرو؛ و
- هانىء بْنُ قَبِيصَةَ، وَ
- مُثَنّى بْنُ حَارِثَةَ، وَ
- النّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ..
وكان أقرب القوم إلىٰ أبي بكر مفروق بن عمرو .. وَكَانَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ غَلَبَهُمْ جَمَالًا [وفي رواية:"بيانا"] وَلِسَانًا[(2)]؛ وَكَانَتْ لَهُ غَدِيرَتَانِ تَسْقُطَانِ عَلَىٰ [صدره] تَرِيبَتَيْهِ[(2)] ، وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ مَجْلِسًا مِنْ أَبِي بكر، فــ
قال له أَبُوبَكْرٍ: „كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ ‟.
قَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ: „ إنّا لَنَزِيدُ عَلَىٰ الْأَلْفِ، وَلَنْ تُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلّة ‟.
فَقَالَ أَبُوبَكْرٍ له: „ كَيْفَ المنعة فِيكُمْ؟ ‟.
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: „ عَلَيْنَا الْجَهْدُ، وَلِكُلّ قَوْمٍ جد‟.
فقال أبوبكر : „ كيف الحرب بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوّكُمْ؟ ‟.
فَقَالَ مَفْرُوقٌ: „ إنّا لَأَشَدّ مَا نَكُون غَضَبًا لَحِينَ نَلْقَىٰ، وَإِنّا لَأَشَدّ مَا نَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وَإِنّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَالسّلَاحَ عَلَى اللّقَاحِ[(أي الإبل)]، وَالنّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللهِ، يُدِيلُنَا مَرّةً وَيُدِيلُ عَلَيْنَا ‟. ،
قَالَ مَفْرُوقٌ : „ لعلك أخو قريش؟ ‟.
قَالَ أَبُوبَكْرٍ : „ إِنْ كَانَ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَهَا هُوَ ذَا ‟.
فَقَالَ مَفْرُوقٌ : „ وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَلِكَ ‟.
-*-
التساؤلات عن الدعوة الجديدة!

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَــ
[ 1 . ] التساؤل الأول:
قَالَ :.„ إِلَامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ “
فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَسَ ،
وَقَامَ أَبُوبَكْرٍ يُظَلِّلُهُ بِثَوْبِهِ؛
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أ . ] « „ [ أَدْعُو إلَىٰ[(1)]] أَدْعُوكُمْ إِلَىٰ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ‟».
ب . ] « „ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ ‟ ».
العقيدة والإيمان أولاً.. ثم تأتي :
ج . ] [وَإِلَىٰ[(1)]: « „ أَنْ تُؤُوُونِي ‟ ».
د . ] : « „ وَتَمْنَعُونِي ‟ ». ،:
هـ . ] : « „ وَتَنْصُرُونِي ‟ ».
ثم يأتي مطلب بناء علىٰ السابق من عرض الدعوة :
و . ] : « „ حَتَّىٰ أُؤَدِّيَ عَنِ اللَّهِ -تَعَالَىٰ- مَا أَمَرَنِي بِهِ ‟ ».
ثم يبين هذه الجزئية بقوله عليه السلام :
« „ فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ تَظَاهَرَتْ عَلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ، وَكَذَّبَتْ رَسُولَهُ، وَاسْتَغْنَتْ بِالْبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ، وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ‟ »،



[ 2 . ] التساؤل الثاني :

قَالَ لَهُ : „ وَإِلَامَ تَدْعُو أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ ‟.
فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } .. ثم يكمل : { وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ، نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ، وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الْأَنْعَامَ: 151][(1)]{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون }[الأنعام:152] { وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون }[الأنعام:153].
: الإعتراف الكامل :
بعد سماع مفروق لحديث الرسول الأعظم قال: „ فَوَاللَّهِ مَا هَذَا مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَعَرَفْنَاهُ ‟.
[ 3 . ] : التساؤل الثالث :
وَقَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ : „ وَإِلَامَ تَدْعُو أَيْضًا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ ‟.
فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى، وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } . [النّحْلَ: 90 ]
فَقَالَ لَهُ مَفْرُوقٌ: „ دَعَوْتَ وَاللَّهِ يَا قُرَشِيُّ [يَا أخا قريش: [عند السهيلي] إِلَىٰ :
أ . ] „ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ‟؛
ب . ] : „ وَمَحَاسِنِ الْأَعْمَالِ ‟.
[: „ وَاَللهِ ‟. [عند السهيلي]وَلَقَدْ أُفِكَ قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ‟،
وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَّامِ هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ فَقَالَ : „ وَهَذَا هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ شَيْخُنَا وَصَاحِبُ دِينِنَا ‟،
فَقَالَ لَهُ هَانِئٌ : „ قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ ، وَصَدَّقْتُ قَوْلَكَ ، وَإِنِّي أَرَى [أننا[(2)]] أَنَّ تَرْكَنَا دِينَنَا وَاتِّبَاعَنَا إِيَّاكَ عَلَى دِينِكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلَا آخِرٌ إِنْ لَمْ نَتَفَكَّرْ فِي أَمْرِكَ وَنَنْظُرْ فِي عَاقِبَةِ مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ إِنَّهُ زَلَّةٌ فِي الرَّأْيِ ، وَطَيْشَةٌ فِي الْعَقْلِ وَقِلَّةُ نَظَرٍ فِي الْعَاقِبَةِ ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الزَّلَّةُ مَعَ الْعَجَلَةِ ، وَإِنَّ مِنْ وَرَائِنَا قَوْمًا نَكْرَهُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَيْهِمْ عَقْدًا وَلَكِنْ تَرْجِعُ وَنَرْجِعُ وَتَنْظُرُ وَنَنْظُرُ ‟ ،
وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَهُ فِي الْكَلَامِ الْمُثَنَّىٰ بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ: „ وَهَذَا الْمُثَنَّىٰ [بْنُ حَارِثَةَ[(1)]شَيْخُنَا وَصَاحِبُ حَرْبِنَا ‟ ،
فَقَالَ الْمُثَنَّىٰ : „ قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ وَاسْتَحْسَنْتُ قَوْلَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ وَأَعَجْبَنِي مَا تَكَلَّمْتَ بِهِ، وَالْجَوَابُ هُوَ جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ ‟، „ وَإِنّا إن تَرْكِنَا دِينَنَا، وَاتّبَاعِنَا إيّاكَ لِمَجْلِسِ جَلَسْته إلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوّلٌ وَلَا آخِرُ، وإنا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ صِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْيَمَامَةُ وَالْأُخْرَىٰ السَّمَاوَةُ؟ ‟
فقالله رسول الله : « „ وما هذان الصريان؟ ‟ ».

- المصالح الدنيوية والمنافع الدنية والارتباطات السياسية:
فقال له: „ أما أحدهما فطفوف البر وأرض العرب، وأما الآخر فأرض فارس وأنهار كسرىٰ‟[(2)] [وفي رواية : فَقَالَ أَنْهَارُ كِسْرَى، وَمِيَاهُ الْعَرَبِ][(1)] ، وَإِنَّمَا نَزَلْنَا عَلَىٰ عَهْدٍ أَخَذَهُ عَلَيْنَا كِسْرَىٰ أَنْ لَا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلَا نُؤْوِيَ مُحْدِثًا ، وَلَعَلَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي بِلَادَ الْعَرَبِ[ وَأَمّا مَا كَانَ مِنْ مِيَاهِ الْعَرَبِ][(1)] فَذَنْبٌ صَاحِبُهُ مَغْفُورٌ ، وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِمَّا يَلِي بِلَادَ فَارِسَ [فَأَمّا مَا كَانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى][(1)] فَذَنْبٌ صَاحِبُهُ غَيْرُ مَغْفُورٍ وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَنْصُرَكَ [ونمنعك[(2)]] مِمَّا يَلِي الْعَرَبَ فَعَلْنَا، [ وَإِنّي أَرَى هَذَا الْأَمْرَ الّذِي تَدْعُونَا إلَيْهِ هُوَ مِمّا تَكْرَهُهُ الْمُلُوكُ، فَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ نُؤْوِيَك وَنَنْصُرَك مِمّا يَلِي مِيَاهَ الْعَرَبِ، فَعَلْنَا:[(1)]].



فجاءت إجابة الرسول الكريم واضحة كاشفة مبينة :
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « „ مَا أَسَأْتُمُ الرَّدَّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ إِنَّهُ لَا يَقُومُ بِدِينِ اللَّهِ [ وفي رواية:" وَإِنّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنْصُرَهُ[(1)]] إِلَّا مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ ‟ »،



ثم
تأتي بشارة :
ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « „ أَرَأَيْتُمْ إنْ لَمْ تَلْبَثُوا إلّا قَلِيلًا [يسيرا] حَتّىٰ [يمنحكم الله بلادهم] يُورِثَكُمْ اللهُ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ [بناتهم] نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبّحُونَ اللهَ وَتُقَدّسُونَهُ‟،https://www.ahlalalm.org/vb/data:image/png;base64,R0lGODlhyAHgAXcAMSH+GlNvZnR3YXJlOiBNaWN yb3NvZnQgT2ZmaWNlACH5BAEAAAAALAEAAQDGAd4BgAAAAABwv wL/hI+py+0Po5y02ouz3rz7HnziSJbmiabqyragC8fyTNf2jS9hmP f+DwwKh5sd8YhMKpfMIsDYjEqn1GrMCLVqt9yuN4F9fsfksrkX zp7X7LbbmX7L53R6XF3P6/fTu5jHFyg4COSHR4iYqHhi+Lf4CBmJ0RgmaXmJ6UgpltnpSbhZ +TlK+haqWZqqOnYat/oK24d6GltrO9Q6e7vLa5Pr1xssnPKrCziMnMxRDKzs/CzBbAxNXQ02LW2t7Sy9uf0Nfk0bTr6dW45efZ7Orrw+c9wub/YOEz+Pz4rteJXvT7/vELF/BEvcsxeQ04qDBRtOUggvIcMREx1apCDQRT0R/6IuesTIj8bGFxk/mmzQUcZIDSlPumTgSqTEDy1f2jzQLOK4hzVv+sypcibPkD6LGm hUY+WDmEaLepO5c6muplSf6kwIASjVm1H71bO6latQqDO7hrWp lEW3aWeNFktadl9bp3ErLqyLaq5bvHZVrO2r1+NauNkC0x1MNq 1hwXyJBlW82OJfx16xRv7ZuGcLs5dNTtaslm1nzJ8pI2Q6evFb XxBTp4bsOvZjubJr4+BsO/dmy7p7a+TtO/hAsMKLk8BtPDlL4MqbLyfuPHoF5NKro2RuPft16Nq7I6DuPTv4 8NXHk49u/nzz9OqTs2/d3nZ6wPE7j6df3z72o6bz1//+2p9//2UmoHGIFShcYQgWt9qCBsbloHtjRZjghBRWyN2Fub2noX5Idcg gbSAGl+GIspVoomsopjjaiixe5uKLqoko44k01qjijTi2qOOOM Pbo44wfBsnjkET+aOSRSE6lZI6oNVlkgFBGBtqUVMJnZY5Zbsl ll15+CWaYYo5JZplmnolmmmquyWabbr4Jp3T4xTnKnDRhSedFV eZZ52lS8ulJSccxCagqgt6pVaGB5mUQkIpKUppdMT66SKSOTUp pIpaKgmmmoBA4mad9bmqhqJiQCpupmoLamKqfoLqfq5HA2qmsg dDqqK2P4JqorrOymqqviPDKqLCnAhursZD/EHuosoowi6ezvxIr7avIPlntsbBmmwqp3FKT5LfI9CruMNiWm8 y56Aaj7rq8tOvuu8XGKwy89Nqy572x2KvvKvz26++fAL/y78CjCmxwtwgnTErBDC/a7MMH2ynxJQ5XbPHCGGsb7cbW5utxxhGHbAnIJE+r8cm7pqzyo FWY3LLLVFwc850vs1yzByMHAXPOOuN827w++wX0DT0PDQehuBS N9AXQvkdz00M9rXQ0TEsNEtXkOnA01hZoLVrWV3sdAdhR87cz2 U5fi9fUag/HNoc4Cf32z2Z3XPbYdcMUd6nT6b0333c/B3jg3/Vdqw6FG4424mFn0DXjXDu+9QRn/0uuwOAk4Y251WDbzXnnnjPq7eZpi654oqEiGrqwFLNWueCPL7P 4o68TRndWuX6de7Wn435x4rr/bivxlQW/+9rGuxq5nwULL9Xyql4eWuxzhwv67cz3bvTs23mfPb3WX1U59M O3biz2sDtuQvOyqk9+3yhIvz38s5Xefu2Kyp3/tozob7tk7cZ//UOfsoI1P/nB7V4Nuh+yiKY9XTXwN/j7XwSL1zYHri6BF3xfq5zHqtAM7EB3sZQIAbbBEobwLiNcIQRd OJAWlqZ6BDphvypYQBImMGE4pAgMUcc+C34QiI3rYfgmSESx8S 9vCkoi5Px2RAE60XJQNJ0Up0jFJf8qsWpYJJz5mAi+Lj5Ri9EL oxjHeMWvBcB+Z3QbG//2xjYqL41lW6MdqSfHMn6xiFzMI+u+eMdArtGAfpwj9PZYyPMlb geCvGMiVdgpRD4SjJNKgyAnOUABkhGTcMROKAbJSQpSLpTHUyA pRWnEU77QhKrUYA1bGT8dwhKETZylKxFoSyEiMZe3TB4vabjJX 3KkisKMZR+LCbxjIjOZ7lsmB7nnzPXRL5pw6yA1F3hNIlgzm9z spje/Cc5winOc5CynOc+JznSqc53l3CY7QfJOGsbzezOcZ+oeaM/MsS2f+kzlOwnIT4DmU6D2JOg8DRpPhP7TlAFl6EAdWlCIHlT/ogml6ELDJUluQiej2dyoL9Hp0TiCVEccvWZIzcjOk45vpBj96D lVqsyUktSl5oQpHr9pU2iuM6fNxOlMRfrSn6J0p0JdaVBbCtSa FjWmREXqUNXJUwBGM6rT9CZVCdnOpd7UqlrVKUu72tNHQqufT7 XlWMVR1lme9XBJhSW10GpUtY6SrHF161zhytRi4oqueRXmXvG6 VU7+la1p9es+71nXXKaypJNcLE0Nm0K+BvaUYZVdYnlZ1cm1lZ +S9SpnNVvYz3a2shHdrGj5ONmLPva0wZwoY6FKx9NCSLaUXC1n cXnb2dKWnrFt6C53ez1iAhe1oZVta0tbXOCaVrl9/x0uYrHqXMK6c7eZde50o4vd7Gp3u9ztrne/64/rUpec4l0beMGY1atktbznO2om2RvK1AL2q5+j7yira9b7elaj+ iUtZvsLXWrWN50Dhu1aDaxf1b5VwUFksEKVuuCKDlbCFkWwP2V 64abiU7QZprB8Xbvf7fqXtSHW7oc/O2IOSzW3KUbxin0bYNbYtcWDorHhSIvH1wYurJcNbo+TmOPkEv fEOx7bIW3rxOYt8biMixpuhevHrj15yCWeYs9+q0ghE/F5GdwikW+ssVpmscptzFdka4tf1MHrzFmGr+iqxObaQtY0rBQb MrFV5785EzV5JvCGtbznPxPXwbp9btebTfpKy2JJx0lO9HMPwm grd1mPj24uKcWsaEgjOZGYrvRoydxYKBt6vl8Gsqg7++k0d/HJeO6tYDdNt0g3ermDJjVXf8xFXL96sjUpdR55HesXczrGmb7n eTXjZggL28PEZq6NQfxsC4OaxLTGZLKL7etxYvmX1x7iVKtZaA E3SpaBHmY9xW3NDv/XjYL+tp0ijO4xT7ijeKOaTydib3DeLdu/BjC/o+zvaf9Xc+49cMHvquF5Y7jCfu4zjOPMYm+Pt9PGnXR2p/xwQLtY1xsXuLPPG4ECAAA7
فَقَالَ النّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ :„ اللهُمّ لَك ذَا ‟، [وفي رواية :" اللهم وإن ذلك لك يا أخا قريش".]
فَتَلَا رسول الله-صَلَّى الله عليه وسلم : { إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً } .
ثُمّ
نَهَضَ النّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَــ
أَخَذَ بِيَدَيّ [قَابِضًا عَلَىٰ يَدِ أَبِي بَكْرٍ]، فَقَالَ [قال علي: ثم التفتَ إلينا رسول الله]: « „ يَا أَبَا بَكْرٍ.. يَا أَبَا حُسْنٍ أَيّةُ أَخْلَاقٍ [للعرب كانت] فِي الْجَاهِلِيّةِ، مَا أَشْرَفَهَا بِهَا يَدْفَعُ اللهُ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ [في الحياة الدنيا] ‟ ».



[ 3 . ] : « „المجلس الثالث: ‟».
ثُمَّ
دَفَعْنَا إِلَىٰ مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَمَا نَهَضْنَا حَتَّىٰ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ عَلِيٌّ : „ وَكَانُوا صُدُقًا صُبُرًا [ وَكَانُوا صُدَقَاءَ صُبَرَاءَ:السهيلي] رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ‟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
[(*)]- هذا الحديث رواه أبو نعيم في"دلائل النبوة" (214) والحاكم والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/422) - والسياق لأبي نعيم - رحهم الله من حديث : أبان بن عبدالله البجلي (1) عن أبان بن تغلب (2) عن عكرمة (3) عن ابن عباس[فقه السيرة النبوية لمنير الغضبان (https://al-maktaba.org/book/33314)؛ ص: (277)]، وابن عساكر في "تاريخه" (17 /293)؛ وحسنه الحافظ في "الفتح" (7 /220)
وقال ابن كثير -رحمه الله- : " هذا حديث غريب جدا كتبناه لما فيه من دلائل النبوة ومحاسن الأخلاق ومكارم الشيم وفصاحة العرب، وقد ورد هذا من طريق أخرى" انتهى من "البداية والنهاية" (3 /178) . وضعفه الألباني في"الضعيفة" (6457)؛
قلتُ(الرَّمَادِيُّ): "وما بين المعكوفتين من الروض الأنف للسهيلي بتحقيق الوكيل:.

(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
[(1)] السهيلي؛ الروض الأنف؛ تحقيق: الوكيل : (4 /61]
[(2)] منير الغضبان؛ فقه السيرة النبوية ؛ ص: (277).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [ الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ ]
(٢) « الْبَابُ الثَّانِي »:
[ ١٠٣ ] : « إِلَامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ ».
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ْالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
‏الإثنين‏، 30‏ جمادى الأولى‏، 1443هــ ~ ‏ 03‏ يناير‏، 2022م
-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 51 : 03 PM
[ ١٠٤ ] الْأَنْصَار

واجب الشكر :
أتقدم بالشكر الجزيل والعرفان بالجميل لإدارة موقع „ملتقى أهل العلم ‟ لتفضله عليَّ حين كُرمت بنشر سلسلة: «„ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ ‟ » -على صاحبها الصلاة والسلام- ولخالص شكري وامتناني للسادة والسيدات القراء؛ خاصةً لدخول هذه السلسلة عامها الخامس؛ إذ أن أولَ مقالٍ :" حُرِّرَ في يوم الخميس ١٩ ربيع الأول لعام ١٤٣٩ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين المباركة -على صاحبها الصلاة والسلام- الموافق ٧ ديسمبر لعام ٢٠١٧ من الميلاد العجيب للسيد الجليل عيسى ابن مريم -عليهما السلام-ــ.
فــــ : «جَزَاكَمُ اللَّهُ جميعاً خَيْرًا»[.([1]).].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تذكير ( ١ ) :
- {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم }[البقرة:282]
- { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا } [النساء:65]
- {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَاب } [الحشر:7]
- {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُون } [البقرة:151]
- {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين } [النحل:125]
1 . ] - فــ
من قراءة هذه الآيات وإدراك فقهها .. نفهم وجوب التقييد بكتابه كــ منهاج حياة وتشريع دنيوي.. وأن الإسلام طراز خاص من العيش.. والتزام التقيد بسنة رسوله كطريقة وكيفية!
2 . ] - الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ مِنْ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ الشريفة العطرة -علىٰ صاحبِها أفضلُ صَلّاةِ اللّهُ تعالىٰ وَتمامُ سَلّامِه وعظيمُ إكرامه وكامل إنعامه- المتعلق بــعَهْدِ النُّبُوَّةِ؛ وفترة الدعوة في »مَكةَ المكرمة« وما زلتُ أتكلمُ عن بحوث » الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ«؛ وبحث مسألة„» عَرْضِ الرَّسُولِ نَفْسَهُ الزَّكِيَّةُ عَلَىٰ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِهِمْ«‟؛ وخاصةً مسألة „»سَعْي الرَّسُولِ يَطْلُبُ النُّصْرَةَ من أهل القوة والمنعة«‟؛ إذ كانت „»دعوة النبي للقبائل والأفراد إلىٰ الإسلام«‟
فــ
كما عرض نبي الله صلّى الله عليه وسلم ورسوله الإسلامَ علىٰ القبائل، عرضه كذلك علىٰ الأفراد، فأسلم بعضهم، ومِن هؤلاء الذين أسلموا:
- سويد بن الصامت و
- إياس بن معاذ، وقد مات الاثنان بعد ذلك بشهور قليلة، و
أسلم :
- ضماد الأزدي وبايع النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك
أسلم :
- أبوذر الغفاري و
- الطفيل بن عمرو الدوسي.. وكان في إسلامهما فتحاً للإسلام والمسلمين.
وقد كتب الشيخ الغزالي -رحمه الله- [محمد الغزالي السقا (المتوفى: 1416هـ) في كتابه:" فقه السيرة "] فهماً لما حدث مع حسن التبويب؛ فقال تحت باب : [عرض الإسلام علىٰ القبائل] :" مضىٰ رسول الله صلى الله عليه وسلم علىٰ نهجِه القديم، ينذرُ بالوحي كلّ من يلقىٰ، ويخوض -بدعوته- المجامع، ويغشىٰ المواسم، ويتبع الحجيج في منازلهم، ويغبّر قدميه إلىٰ أسواق «عكاظ» و «مجنة» و «ذي المجاز» داعياً الناس إلىٰ نبذ الأوثان، والاستماع إلىٰ هدي القرآن، وكان يسأل عن منازل القبائل قبيلة قبيلة، ويعرض عليهم نفسه ليؤمنوا به، ويتابعوه ويمنعوه[.([2]).]...
وكان عمّه أبولهب يمشي وراءه ويقول:„ لا تطيعوه، فإنّه صابئ كذّاب! ‟.
فيكون جواب القبائل: „ أسرتك وعشيرتك أعلم بك! ‟ ثم يردّونه أقبح الردّ.
ومن القبائل التي أتاها الرسول عليه الصلاة والسلام ودعاها إلىٰ الله فأبت الاستجابة له:
«فزارة» ،
و
«غسان» ،
و
«مرة» ،
و
«بنو حنيفة» [.([3]).]،
و
«سليم» ،
و
«عبس» ،
و
«بنو النضر»
و
«بنو البكاء»؛]
و
«كندة» [.([4]).]]،
و
«بنو عبدالله» مِن «كلب»[.([5]).]،
و
«عذرة» ،
و
«الحضارمة»[.([6]).]
و
«ربيعة»
و
«بنو شيبان»[.([7]).]،
و
«بنو عامر بن صعصعة» [.([8]).]،
و «محارب بن حفصة» [.([9]).]..
فــ
ما وجد عند هؤلاء قلباً مفتوحاً، ولا صدراً مشروحاً، بل كان الراحلون والمقيمون يتواصون بالبعد عنه، ويشيرون إليه بالأصابع.
وكان الرجل يجيء من الافاق البعيدة، فيزوده قومه بهذه الوصاة: „ احذر غلام قريش لا يفتنك!! ‟.
... مع ذلك فإنّ الرسول عليه الصلاة والسلام- في هذا الجو القابض- لم يخامر اليأس قلبه، واستمرّ مثابراً في جهاد الدعوة، حتىٰ تأذّن الحقّ - أخيراً- بالفرج.
__________
ومازلتُ -بحمد الله تعالىٰ وفضله ومنِّه وتوفيقه- أبحثُ الْمُجَلَّدَ التَّاسِعَ المتعلق بــ أنصار رسول الله -عليه السلام وعليهم رضوانه- في قبول دعوته ونصرة دينه وإعلاء كلمة التوحيد وإقامة الكيان التنفيذي الأول؛ لذا فهما -الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ و الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ- وبحوثهما مِن أهم بحوث مفاصل السيرة النبوية؛ أي أبواب « „ عَهْدِ النُّبُوَّةِ ‟ » ومن أهم مسائل « „السنَّة المحمدية ‟ »؛ باعتبارها المصدر الثاني الذي يلي القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين... من حيث التشريع والمنهج والطريقة الإسلامية والكيفية العملية الرسولية.. إذ أن بحوثهما - الْمُجَلَّدُ الثَّامِنُ و التَّاسِعُ- هو المفصل المتين والقنطرة القوية والمعبر الشديد.. ذلك المفصل الذي يربط بين طرفي « „عَهْدِ النُّبُوَّةِ ‟ » ؛ والمتعلق بــ الدعوة في »مَكةَ المكرمة«: [بحوث »الْعَهْدِ الْمَكِّيِّ«] ؛ وبين « „الْعَهْدِ الْمَدَنِيِّ ‟ » وكافة بحوثه والذي نحن علىٰ أبوابه؛ ولم أطرق تفاصيل بحوثه بعد!
وهذه البحوث أغفلتها -عن عمد لجهل؛ أو قصد لصعوبتها- غالب الحركات الإسلامية والأحزاب التي تسربلت بوشاح الإسلام السياسي؛ كما حدث في السودان؛ ومصر وسوريا والعراق وتونس وأخيرا افغانستان..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) فَــ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مَرْفُوعًا :« لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ » إسْنَادٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُودَاوُد في "سننه"؛ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إحْسَانِهِ إلَيْهِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إحْسَانَ النَّاسِ وَيَكْفُرُ أَمْرَهُمْ ؛ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ .
وَ
رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ
وَ
رَوَاهُ أَيْضًا بِلَفْظٍ آخَرَ.:« إنَّ أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ تَعَالَى أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ » .
وَ
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مَرْفُوعًا.:« مَنْ أَتَى إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيُكَافِئْ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ » رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ .« الْأَمْرُ بِالْمُكَافَأَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَدْعُ لَهُ » رَوَاهُ أَبُودَاوُد وَغَيْرُهُ؛ أَظُنُّهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ .
وَعَنْ أُسَامَةَ مَرْفُوعًا:« مَنْ صُنِعَ إلَيْه ِمَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ » رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ . وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
وَ
قَالَ أَبُودَاوُد : عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :« مَنْ أَبْلَى بَلَاءً فَذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ » وَرَوَاهُ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ : غَرِيبٌ وَلَفْظُهُ: « مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَلْيَجْزِ بِهِ إنْ وَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ ، وَمَنْ تَحَلَّى بِمَا لَمْ يُعْطِ كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ » أَيْ : ذِي زُورٍ وَهُوَ الَّذِي يُزَوِّرُ عَلَى النَّاسِ يَتَزَيَّا بِزِيِّ أَهْلِ الزُّهْدِ رِيَاءً .
وَ
عَنْ النُّعْمَانِ مَرْفُوعًا: « مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ ، وَالْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْجَرَّاحَ بْنَ مَلِيحٍ وَالِدَ وَكِيعٍ ، وَأَكْثَرُهُم ْقَوَّاهُ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ .
وَ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري مَرْفُوعًا: « مَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ » رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ "وابن حجر العسقلاني في : تخريج مشكاة المصابيح؛ والحديث : حسن . قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَعْرُوفٌ وَأَيَادٍ مَا أَحْسَنَ أَنْ يُخْبِرَ بِفِعَالِهِ بِهِ لِيَشْكُرَهُ النَّاسُ وَيَدْعُونَ لَهُ .. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَنْ لَا يَشْكُرْ النَّاسَ لَا يَشْكُرْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ » وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُشْكَرَ وَيُحْمَدَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ الشُّكْرَ .
وَ
لِأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: « مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَبْدٍ نِعْمَةً إلَّا وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَهَا عَلَيْهِ »
و
عليه فــالحديث فيه ذم لمن لم يشكر الناس على إحسانهم،
و
فيه أيضا الحث على شكر الناس على إحسانهم. وشكر الناس على إحسانهم يكون بالثناء عليهم، وبالكلمة الطيبة وبالدعاء لهم.
فــ
اللهم يا أرحم الراحمين أدم الأُلفة والمودة فيما بيننا، واجعلنا إخوانًا متراحمين وعلى محبتك مجتمعين ".

([2]) قلت(الرَّمَادِيُّ):"وبناءً علىٰ فعله وقوله -عليه السلام- كان الأصل في المسلمين الذين يعيشون في بلاد الغرب أن يتقيدوا بفعله وقوله بأن يعرضوا الإسلام علىٰ غير المسلمين في التجمعات والندوات والمجامع؛ فيظهروا وجهه الحقيقي وهدايته للناس جميعاً بدلا من الصورة النمطية والتي تقرأ في الجرائد عن حوادث يقوم بها مسلم؛ وكان الأولىٰ بمَن يعتلي المنابر أن يجعل له يوماً مفتوحاً في الإسبوع للرد علىٰ استفسارات غير المسلمين واسئلتهم -وما أكثرها- وقد مضى على كثير منهم عشرات السنين في دول الغرب وهم مِن مختلف البلدان الإسلامية؛ ويغلب علىٰ الظن أن الجيل الأول لا يصلح لهذه المهمة فيبقى الخير علىٰ أيدي ابناء التجمعات الإسلامية مِن الجيل الثاني والثالث [أي الذين ولدوا في بلاد الغرب] ؛ ومِن الله تعالىٰ التوفيق والهداية! ؛ وخاصةً أنهم درسوا في مدارس ومعاهد وكليات الغرب؛ والبعض منهم يملك ناصية لغة القرآن الكريم! ". وفي خطتي -إنشاء الله تعالى-وبعد اتمام بحوث العهد المدني من السيرة النبوية الشريفة العطرة سأقوم بترجمة البحوث التي نُشرت إذ أنه قد تم توفر المادة العلمية الأصلية عن السيرة النبوية بأكملها ومن الله تعالى السداد والتوفيق!.

([3]) قلت(الرَّمَادِيُّ):" [انظر : رزق؛ مهدي:"وكان ردهم قبيحاً ( 661:"رواه ابن اسحاق. أبن هشام(2 / 75-76) ولم يسم من حدثه رزق "] " النبلاء الذهبي :" أَنَّهُ أَتَى بَنِي حَنِيفَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ أَقْبَحَ رَدًّا مِنْهُمْ . ". النبلاء الذهبي..

([4]) قلت(الرَّمَادِيُّ):" [رزق ص:"وفيهم سيدهم مليح - أو فليح(659:"رواه ابن اسحاق عن الزهري مرسلا. أبن هشام (2 / 75) السير والمغازي ص: 232.) الذهبي النبلاء:" وَحَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى كِنْدَةَ فِي مَنَازِلِهِمْ ، وَفِيهِمْ سَيِّدٌ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ مُلَيْحٌ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ . " النبلاء الذهبي. ".

([5]) انظر :" ابن اسحاق؛ وإسناده منقطع؛ ابن هشام ( 2 / 75)؛ السير والمغازي ص (232) فهو ضعيف. وانظر النبلاء؛ فقد قال الذهبي :" أَتَى كَلْبًا فِي مَنَازِلِهِمْ ، إِلَى بَطْنٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ بَنُوعَبْدِاللَّهِ".

([6]) قلت(الرَّمَادِيُّ) :" ذكر هؤلاء؛ يعني :"محارب" ؛ "فزارة"؛ "غسان" ؛"مرة"؛ "سليم"؛ "عبس"؛ " بنو النضر"؛"بنو البكاء"؛ "عذره"؛ "الحضارمة" .. ذكرهم: ابن سعد في طبقاته (1 / 216- 217) من حديث الواقدي". وانظر : "رزق".

([7]) قلت(الرَّمَادِيُّ) :" وكان على رأسهم مفروق بن عمرو؛ ذكر القصة ابن حبان في السيرة؛ انظر :"رزق"؛ وراجع ما كتبه "الرمادي" في الباب: (103) موقع: "ملتقى أهل العلم".

([8]) قلت(الرَّمَادِيُّ) :"ذكره ابن إسحاق مرسلا- انظر : ابن هشام (2 / 76) :" عَرْضُ الرَّسُولِ نَفْسَهُ عَلَىٰ بَنِي عَامِرٍ " قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ أَتَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، فَدَعَاهُمْ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ - يُقَالُ لَهُ : بَيْحَرَةُ بْنُ فِرَاسٍ ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فِرَاسُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ ( الْخَيْرِ ) بْنِ قُشَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ - : وَاَللَّهِ ، لَوْ أَنِّي أَخَذْتُ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ، لَأَكَلْتُ بِهِ الْعَرَبَ ، ثُمَّ قَالَ : أَرَأَيْتَ إنْ نَحْنُ بَايَعْنَاكَ عَلَى أَمْرِكَ ، ثُمَّ أَظْهَرَكَ اللَّهُ عَلَى مَنْ خَالَفَكَ ، أَيَكُونُ لَنَا الْأَمْرُ مِنْ بَعْدِكَ ؟ قَالَ : الْأَمْرُ إلَى اللَّهِ يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ، قَالَ : فَقَالَ لَهُ : أَفَتُهْدَفُ نَحُورُنَا لِلْعَرَبِ دُونَكَ ، فَإِذَا أَظْهَرَكَ اللَّهُ كَانَ الْأَمْرُ لِغَيْرِنَا لَاحَاجَةَ لَنَا بِأَمْرِكَ ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ . فَلَمَّا صَدَرَ النَّاسُ رَجَعَتْ بَنُو عَامِرٍ إلَى شَيْخٍ لَهُمْ ، قَدْ كَانَتْ أَدْرَكَتْهُ السِّنُّ، حَتَّى لَا يَقْدِرَ أَنْ يُوَافِيَ مَعَهُمْ الْمَوَاسِمَ ، فَكَانُوا إذَا رَجَعُوا إلَيْهِ حَدَّثُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْمَوْسِمِ ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ الْعَامَ سَأَلَهُمْ عَمَّا كَانَ فِي مَوْسِمِهِمْ ، فَقَالُوا : جَاءَنَا فَتًى مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمَّ أَحَدُ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، يَدْعُونَا إلَى أَنْ نَمْنَعَهُ وَنَقُومَ مَعَهُ ، وَنَخْرُجَ بِهِ إلَى بِلَادِنَا قَالَ : فَوَضَعَ الشَّيْخُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ : يَا بَنِي عَامِرٍ ، هَلْ لَهَا مِنْ تَلَافٍ ، هَلْ لِذُنَابَاهَا مِنْ مَطْلَبٍ وَاَلَّذِي نَفْسُ فُلَانٍ بِيَدِهِ ، مَا تَقَوَّلَهَا إسْمَاعِيلِيٌّ قَطُّ ، وَإِنَّهَا لَحَقٌّ ، فَأَيْنَ رَأْيُكُمْ كَانَ عَنْكُمْ . ". انظر:" ابن كثير؛ البداية والنهاية؛ كتاب سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الجزء : (4). وانظر :" الذهبي؛ سير أعلام النبلاء ؛الجزء: ( 26).

([9]) عند رزق:"حصفة)"؛ وفي كتاب آخر خفصة ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 04 : 05 PM
... الأحداث التي أتكلم عنها.. ومنذ حين تدور حول إنتقال النبي الرسول؛ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين -عليه الصلاة والسلام- ونحن جميعاً مِن خلفه له تابعين وملتزمين؛ وإلا ضاع الطريق من تحت اقدامنا وضللنا السبيل..
.. أتحدثُ عن إنتقال الرسول الكريم مِن طور دعوي إلىٰ طور في الدعوة آخر..
.. ومن الإنتقال مِن عهد إسلامي إلىٰ عهد إسلامي جديد..
.. يقول الإمام شمس الدين؛ أبو عبدالله ابن القيم الجوزية؛ في زاد المعاد « „ فَأَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَىٰ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ أَنْ يُؤْوُوهُ حَتَّىٰ يُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ وَلَهُمُ الْجَنَّةُ ، فَلَمْ تَسْتَجِبْ لَهُ قَبِيلَةٌ ، وَادَّخَرَ اللَّهُ ذَلِكَ كَرَامَةً لِلْأَنْصَارِ ‟ »[.([1]).].
.. وهذا الإنتقال من عهد إسلامي إلى عهد إسلامي جديد مرتبط بوحي السماء وأمر مِن رب باسط الأرض بلا سند ورافع السموات بغير عمد ..
.. لذا نسمع عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: « „ لَمَّا أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَىٰ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ‟ »[.([2]).]
.. وهذا ما نبه إليه الأستاذ أبوزهرة حين كتب تحت عنوان عريض :" استجابة محمد -صلى الله عليه وسلم- لأمر ربه "[.([3]).].
فقلتُ(الرَّمَادِيُّ): .. فـ استجاب -عليه السلام- للأمر وقام بالفعل دون نظر إلىٰ صعوبة العرض أو تحجج بظرف غير مناسب..
... وهذه السنة الغائبة يحتاجها المسلم في كل حين وعند كل أمر؛ مع التفريق الشديد والواضح بين الطريقة الإسلامية (وهي الكيفية النبوية الثابتة) وبين استخدام الوسائل والاساليب (وبالطبع هما -الوسيلة والاسلوب- متغيران مِن عصر إلىٰ عصر؛ بل مِن مكان إلى آخر)؛ وفارق بينهما -الطريقة (الكيفية النبوية) الإسلامية + والوسائل والأساليب المتوفرة والمستخدمة والمتاحة- فارق ما بين الثرىٰ والثريا...
فالطريقة الإسلامية (الكيفية النبوية) ثابتة والحيد عنها إبتعاد عن ما قال الله تعالىٰ ومخالفة لما فعله أو قاله أو اقره رسوله عليه الصلاة والسلام ... ولعل الذي يجري من بداية هذه الألفية في تونس فــ مِصر والأن - وإثناء تسطير هذه الكلمات في أفغانستان- يثبت صحة ودقة ما اقوله بأن الطريقة الإسلامية ثابتة واستخدام الوسائل والأساليب غيرها قطعاً... وما يؤلم أنهم اصابهم الخذلان لبعدهم عن طريقته -عليه السلام-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تذكير ( ٢ ):
جاء في نهاية الفصل [١٠٣؛ إصدارات ملتقى أهل العلم] » : إِلَامَ تَدْعُو يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟«.؛ » الْبَابُ الثَّانِي » من: ( الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ)
جاء في نهايته... ثم تأتي بشارة: ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « „ أَرَأَيْتُمْ إنْ لَمْ تَلْبَثُوا إلّا قَلِيلًا [يسيرا] حَتّىٰ [يمنحكم الله بلادهم] يُورِثَكُمْ اللهُ أَرْضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيُفْرِشَكُمْ [بناتهم] نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبّحُونَ اللهَ وَتُقَدّسُونَهُ ‟،

وأثبتُ رواية آخرىٰ جاء فيها : فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: « مَا أَسَأْتُمْ فِي الرَّدِّ إِذْ أَفْصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ دِينَ اللهِ لَنْ يَنْصُرَهُ إِلاَّ مَنْ أَحَاطَهُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ إِنْ لَمْ تَلْبَثُوا إِلاَّ قَلِيلاً حَتَّى يُورِثَكُمُ اللهُ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَيُفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ، أَتُسَبِّحُونَ اللهَ وَتُقَدِّسُونَهُ ؟‟ ».[.([4]).].
ويعلق "تومات" بالقول:" ويقصِد صلّى الله عليه وسلّم بقوله ذلك: أنّه إن أبيتُم أن تستجيبوا الآن لدعوتي، فهل ستُسلِمون إذا ظهر أمر الله تعالى على يد غيركم؟
وهذا هو عين الإخلاص في الدّعوة إلى الله عزّوجلّ، ليعْلم المدعُوُّون أنّ العبرة بإسلامهم لا بعَونِهم.
فقال النّعمان بن شريك: اللّهمّ نعم.
فتلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَىٰ اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46)} [الأحزاب].
ثم نهض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قابضا على يد أبى بكر رضي الله عنه وهو يقول: « „ يَا أَبَا بَكْرٍ !.. أَيُّ أَخْلاَقٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ ! مَا أَشْرَفَهَا ! بِهَا يَدْفَعُ اللهُ بَأْسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ ‟ ».
وفي هذه الخيمة كان آخر حزن، إذ لم يخرج النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعطاء، ولكنّه خرج ولم يَحثُ في وجهه أحدٌ التّراب، ولم يقرع آذانه شتم ولا سِباب. فدفع أبوبكر رضي الله عنه إلىٰ خيام أخرىٰ ..
إنّها خيام [الأوس] والخزرج .. خيام القادمين من حرّة يثرب ..
وحينها تمّ لقاء الغرباء بالغرباء .. هناك تمّ لقاء جدّد الدّنيا .. لقاء حوّل التّاريخ [.([5]).].
-*-
:" يقول صاحب "زادالمعاد"؛ الإمام شمس الدين أبي عبدالله ابن القيم الجوزية:" فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَىٰ إِظْهَارَ دِينِهِ وَإِنْجَازَ وَعْدِهِ وَنَصْرَ نَبِيِّهِ وَإِعْلَاءَ كَلِمَتِهِ وَالِانْتِقَامَ مِنْ أَعْدَائِهِ ، سَاقَهُ إِلَىٰ الْأَنْصَارِ [الخزرج] [.([6]).] لِمَا أَرَادَ بِهِمْ مِنَ الْكَرَامَةِ ، فَانْتَهَىٰ إِلَىٰ نَفَرٍ مِنْهُمْ سِتَّةٍ ، وَقِيلَ : ثَمَانِيَةٍ[.([7]).] وَهُمْ يَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ عِنْدَ عَقَبَةِ مِنًى فِي الْمَوْسِمِ فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَرَجَعُوا إِلَىٰ الْمَدِينَةِ ، فَدَعَوْا قَوْمَهُمْ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ حَتَّىٰ فَشَا فِيهِمْ وَلَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا ذِكْرٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[.([8]).].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مسألة البحث:
-الأَنْصَارُ.. ثلةٌ مِن المؤمنين[.([9]).] الأوائل قدَّر الله -تعالىٰ جده وسما مجده- بمشيئته ثم بعزيمتهم وإرادتهم أن يبنىٰ علىٰ أكتافهم الكيان التنفيذي الإسلامي الأَوْل؛ وأن يسجل التاريخ البشري المحفوظ في الصدور والمذكور ثم المسطور في الكتب بالسطور أسمائهم بحروف من ذهب علىٰ صفحات مِن فضة وبمرافقة صاحب الهدىٰ المبعوث رحمة للعالمين -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم- في تشييد صرح الدولة الوليدة الناشئة..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
الهجرة العامّة مقدّماتها ونتائجها (العهدالمدني)

[التحول الجديد] :
"حرم مشركو مكة الخير كله منذ جحدوا الرسالة، وقعدوا بكلّ صراط يوعدون، ويصدّون عن سبيل الله من آمن به، ويبغونها عوجا.
ولئن نجحت دعايتهم الكاذبة في منع قبائل كثيرة من دخول الإسلام، فإنّ الحق لا بدّ أن يعلو، وأن يثوب إليه المضلّلون والمخدوعون، علىٰ شرط أن يظل أهله أوفياء له، حراصا عليه، صابرين محتسبين.
وقد قيّض الله للإسلام من استنقذه من البيئة التي صادرته، فأنس بعد وحشة، واستوطن بعد غربة، وشق طريقه في الحياة، بعد أن زالت الجلامد الصلدة الملقاة في مجراه.
وبدأ هذا التحول علىٰ أيدي الوفود القادمة من (يثرب) إلى مكة في موسم الحج[.([10]).]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
قال د. رزق:" لقد كان أهل المدينة أكثر الناس تجاوباً مع دعوة الرسول عندما عرض عليهم الإسلام؛ عرض على سويد بن الصامت[.([11]).]

بيد أن لي هنا وقفة ونتساءل :" ما الذي مهد أفئدتهم لقبول الإسلام !؟
يأتي الرد :
1.] " اليهود كانوا معهم في بلادهم؛ ومعلوم أنهم أهل كتاب وعلم؛ فكان إذا وقع بينهم وبين اليهود نفرة أو قتال قال لهم اليهود :" إن نبيا مبعوثاً الأن قد أطل زمانه سنتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم"....
ثم انصرفوا ووعدوه المقابلة في الموسم المقبل. فلم تبق دور من دورهم إلا فيها ذكر من رسول الله [.([12]).]
2.] " سبب آخر أدى إلى تمهيد أفئدة أهل المدينة لقبول الإسلام وهو يوم بعاث[.([13]).].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
( تقديم :
" قال عليّ رضي الله عنه: فبينما هو عند العقبة، لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا،
قال لهم: (( مَنْ أَنْتُمْ ؟)).
قالوا: نفر من الخزرج.
قال: (( أَمِنْ مَوَالِي يَهُودَ ؟ ))
قالوا: نعم.
قال: (( أَفَلاَ تَجْلِسُونَ أُكَلِّمْكُمْ؟)). ".
نحن الأن في السنة الحادية عشرة من البعثة ..حين عرض نفسه الزكية على نفر عند ابن إسحاق عددهم ستة. وقال ابن كثير في البداية(3 /164) :" وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، أَنَّ أَوَّلَ اجْتِمَاعِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِمْ كَانُوا ثَمَانِيَةً ، وَهُمْ : مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ ، وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ ، وَرَافِعُ بْنُ مَالِكٍ ، وَذَكْوَانُ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ ، وَأَبُوعَبْدِالرَّحْمَنِ يَزِيدُ بْنُ ثَعْلَبَةَ ، وَأَبُوالْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ . فَأَسْلَمُوا وَوَاعَدُوهُ إِلَى قَابِلٍ ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا يُفَقِّهُنَا .
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ... ؛
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
واسعىٰ مرة آخرىٰ للتفصيل لأهمية هذه المفصل الحيوي حيث الإنتقال من طور إلىٰ آخر ومن مرحلة إلىٰ آخرىٰ ومن عهد إلىٰ عهد آخر جديد تماما عن سابقه ولمزيد تفصيل:
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الإثنين‏، 30‏ جمادى الأولى‏، 1443هــ ~ 03‏ يناير‏، 2022 م
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) انظر :" السيرة النبوية؛ زاد المعاد؛ الإمام شمس الدين أبي عبدالله ابن القيم الجوزية".

([2]) انظر :" البداية لـ ابن كثير فقد ذكر :" مَا رَوَاهُ أَبُونُعَيْمٍ، وَالْحَاكِمُ، وَالْبَيْهَقِيُّ - وَالسِّيَاقُ لِأَبِي نُعَيْمٍ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَبَانِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْبَجَلِيِّ ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قال حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ : لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، خَرَجَ وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُوبَكْرٍ إِلَى مِنًى، حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ ".

([3]) انظر :" محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بــــ "أبي زهرة" (المتوفى: 1394هـ)؛ خاتم النبيين -صلى الله عليه وآله وسلم- ؛ دار الفكر العربي -القاهرة؛ عام النشر: 1425 هـ".

([4]) انظر :" تومات؛ عبدالحليم؛ السّيرة النّبويّة (ج: 43) بيعة العقبة الأولىٰ؛ الأربعاء 08 جمادىٰ الثانية 1432 هـ الموافق لـ: 11 ماي2011. سبتمبر 27".

([5]) انظر :" المصدر السابق".

([6]) انظر :" مصدر سبق ذكره؛ وانظر د. مهدي رزق ".

([7]) راجع الإضافة من عند د. مهدي رزق؛ فقد ذكر ابن سعد القولين؛ وعندما ذكر الرواية التي تقول بأنهم ستة؛ -وهي رواية ابن إسحاق؛ قال :"وقال محمد بن عمر -الواقدي- هذا عندنا اثبت ما سمعناه فيهم؛ وهو المجمع عليه". وانظر الطبقات ( 1 / 219).

([8]) انظر :" السيرة النبوية؛ زاد المعاد؛ الإمام شمس الدين أبي عبدالله ابن القيم الجوزية؛ مؤسسة الرسالة ؛ 1418هـ / 1998 ".

([9]) يصح لي التفريق بين المؤمن والمسلم؛ بدليل قوله تعالى في سورة الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ...} فهنا فرَّق -سبحانه وتعالى- بينهما وزاد البيان بقوله { الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ } بدءً بهم ثم عقب بالقول {وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ...} والنص القرآني كلام الله -تعالى- لا يكرر إلا لوجود معنى جديد؛ وتمام الآية : {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } [الأحزاب:35]
".

([10]) انظر :" محمد الغزالي السقا (المتوفى: 1416هـ)؛ فقه السيرة؛ دار القلم - دمشق؛ تخريج الأحاديث: محمد ناصرالدين الألباني؛ (ج: 1؛ ص: 149) الطبعة: الأولى، 1427 هـ".

([11] ) " روى قصته كاملة ابن إسحاق بإسناد منقطع؛ لجهالة الأشياخ المذكورين في الإسناد - انظر: ابن هشام (2 / 77 -79) وراجع د. مهدي؛ حاشية رقم (666)".

([12]) رواه ابن اسحاق من حديث عاصم بن عمر عن أشياخ من قومه وقد صرح بالتحديث [ابن هشام ( 2 / 81-83) وقد ضعف محققا السيرة هذا الاسناد لجهالة هؤلاء الأشياخ ولكن د. العودة حسن إسناده لترجيحه أن هؤلاء الأشياخ من الصحابة الذين يروي عنهم عاصم أمثال : جابر ومحمود بن لبيد وجدته رميثة (العودة: السيرة النبوية ص : 331) ود. رزق يوافق على ذلك. ورواه ابن سعد ( 1 / 217- 219) من طريق الواقدي وفيها زيادات مثل طلب الرسول منهم أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه؛ فاعتذروا حتى يصلحوا ذات بينهم أولا في المدينة. وعند عرجون أن هذه هي بيعة العقبة الأولى والتي بعدها (12) هي الثانية والتي بعدها ( 73 رجلا) وامرأتان هي الكبرى -محمد رسول الله ومسلم ( 2 / 379) وما بعدها.

([13]) قال ابن حجر في شرح حديث عائشة في الفتح ( 14 /1262 ؛ ح:" 3777" : "وهو مكان ويقال حصن وقيل مزرعة عند بني قريظة على ميلين .. قبل الهجرة بخمس سنين ". فقد روى البخاري (671 :" الفتح ( 14 / 262 / ح 3777) عن عائشة :".. افترق ملؤهم وقتلت سرواتهم وجرحوا ".

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
03 / 01 / 2022, 26 : 07 PM
https://www.quranicthought.com/wp-content/uploads/2018/12/1-1-300x45.png

https://www.quranicthought.com/wp-content/uploads/2018/12/2-1.png

https://www.quranicthought.com/wp-content/uploads/2018/12/3-1.png

https://www.quranicthought.com/wp-content/uploads/2018/12/4-1.png

شريف حمدان
03 / 01 / 2022, 09 : 11 PM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
05 / 01 / 2022, 31 : 09 PM
شكراً أستاذي الكريم لمروركم العطر!

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
12 / 01 / 2022, 43 : 09 PM
(١٠٥) (تمهيد لقاء وفد الأنصار)

يجب عليَّ أن أثبتُ مقدمات تمهيدية لمسألة لقاء النبيِّ المصطفىٰ -عليه الصلاة والسلام- ومقابلته لــ وفدَ الخزرج؛ حجّاج يثرب لمكةَ وزوار الكعبة.. وعرض الإسلام عليهم..
ثم
بيعة العقبة الأولىٰ -بيعةالنساء- و
البيعة الثانية.. -بيعة الحرب- و
مِن ثم
مسألة الهجرة الشريفة مِن مكةَ المكرمة -مسقط رأسه الشريف؛ ومكان انطلاق بدء الدعوة الإسلامية: الرسالة السماوية الخاتمة - هجرته إلىٰ يثرب - مدينته المنورة؛ والتي طيّب الله -تعالىٰ- ثراها بقدومه إليها؛ وسيره بأقدامه الطاهرة العطرة علىٰ ترابها(*).. ثم بعد حين طاب هواؤها بمرقده وبجواره صاحبيه؛ و وزيريه وخليفتيه: صديق هذه الأمة وفاروقها -رضي الله تعالىٰ عنهما وعن بقية الأصحاب الأشراف- و
توجد مقدمات ليصح فهم هذا الإنتقال مِن مرحلة عرض النظرية وتقديمها مع بلورتها دون القدرة الفعلية علىٰ تمام التطبيق وإكمال التنفيذ؛
ثم
- مِن بعد: العهد المدني- مرافقة النظرية للتطبيق
و
ملاصقة أفكار المبدأ بالتنفيذ لحظة نزول الوحي بالأحكام الشرعية العملية؛ إذ أن الفكرة مهما كانت جيدة تحتاج لتطبيق عملي وإخراج تنفيذي لواقع الإنسان المعاش؛ مع ملاحظة أن الوحدانيّة والآلوهيّة والعبوديّة مِن خلال إفراد العبادة له -سبحانه- وحده بدأت -الوضوء والصلاة- منذ اللحظات الأولىٰ في التبليغ وعمر الرسالة؛ فعلَّم السيدة الأولىٰ أحكام الطهارة والوضوء ثم علمها أحكام الصلاة وجاورهما الصبي : تربية الأنبياء؛ علي بن أبي طالب-كرم الله تعالى وجه ورضي عنه وارضاه-..
* . ] أُوشكُ أو أكاد أن أنتهي مِن بحوث المفصل -معَ أهميتِهِ القصوىٰ وصعوبةِ تطبيقه مِن قِبل جماعات الإسلام السياسي اليوم- المفصل الذي يربط ما بين العهد المكي -مكان بدء الدعوة؛ وموضع إعلانها والاحتكاك بمن يعارضها ثم التصادم مع مَن يرفضها وبداية نزول الرسالة المتممة- يربط هذا المفصل ما بين العهد المكي وبين العهد المدني -مكان إقامة الكيان التنفيذي الأول لمجموع أفكار مبدأ الإسلام؛ والتي أوحىٰ الله -تعالىٰ- بواسطة أمين السماء جبريل؛ وأنزلها علىٰ قلب آخر رسل الله للعالمين؛ ومِن خلال التطبيق العملي ستتحول -أفكار مبدأ الإسلام- إلىٰ كتلة مِن المفاهيم السلوكية؛ والمقاييس الحياتية؛ وحزمة مِن القيم الإنسانية والقناعات .. تلك والتي تتفق مع العقل فتطمئن إليه النفس فتهدأ الروح فيمتلئ القلب بالإيمان والفؤاد بالعقيدة إذ أنها جميعاً (الأفكار الإسلامية والمفاهيم السلوكية والمقاييس العملية والقيم الحياتية والقناعات الإسلامية من حيث الحلال والحرام والمباح والمكروه) تتفق مع الفطرة البشرية-؛ إذ أن العهد المكي استغرق مِن عُمر النبوة الخاتمة؛ ومِن زمن الرسالة الخالدة ما يقرب مِن ثلاثة عشر عاماً؛ تلك الفترة الزمنية -13 سنة- لتثبيت دعائم الإيمان في قلوب المسلمين؛ وتقوية أواصر العقيدة في عقول المؤمنين كي يبنىٰ عليهما (الإيمان الصحيح والعقيدة القوية) .. يبنى عليهما بقية أحكام الإسلام العملية الشرعية المتعلقة بالحياة الدنيا والمستنبطة مِن الكتاب الكريم والمأخوذة مِن السنة المحمدية العطرة كي نعبر بسلام إلىٰ جنّة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقيدين بأوامره -سبحانه- والمبتعدين عن نواهيه -جلَّ شأنه- والملتزمين بسنته -عليه السلام- وللمتقين.. إذ أن افسلام طراز خاص من العيش وكيفية معينة في الحياة ..
لأن الفوضىٰ الفكرية -الحالية- والجهل مع التخبط في الأحكام الشرعية والتي تعيشها عدة جماعات ترتدي الوشاح الإسلامي في العديد مِن مناطق العالم سواء في المنطقة العربية أو في بلاد الأعاجم أو القارة الأوربية؛ وأخيراً وليس آخرا.. إلىٰ أن يتم التقييد الكامل بكيفيته -عليه السلام- وطريقته..
.. أخيراً ما حدث في مطار "كابُل" بتفجير إنسان نفسه؛ فقتل ما يربو علىٰ المائة مِن البشر لا ذنب لهم سوىٰ أن البعض منهم كان قدراً في مكان الإنفجار.. و 13 من قوات أمريكية أعلنت إنسحابها -سلفا- كي تتمكن "طالبان" مِن السيطرة علىٰ غالب أرض الأفغان..
.. اقول(الرَّمَادِيُّ) هذا الإنفجار لدليل واضح علىٰ التخبط والجهل بسنته –عليه الصلاة والسلام- فإثناء فترة تواجده -عليه الصلاة والسلام- في مكةَ المكرمة لم يرفع اصبعاً لتحطيم وثن؛ أو تكسير صنم أو عملية إنتحارية(**).. فأين الدليل الشرعي لهذه الأفعال الإرتجالية.!!؟
[ 1.] الْمُقَدِّمَة :
مِن تتبع مجريات الأحداث في زمن النبوة؛ وتسلسلها في ثلاثةٍ وعشرين عاماً؛ مع مراجعة الأفعال والمواقف والأقوال والتصرفات لكافة السادة الصحابة.. والسيدات الصحابيات؛ والأخذ بعين الأعتبار ردود أفعال غير المسلمين مِن المشركين وتصرفات عُبَّاد أوثان؛ وتتوازي قبيل البعثة وإثناءها ما كان يقول به أهل الكتاب بـ:
» „ مجئ نبي آخر الزمان‟ «
بصفته ونعته المذكور في كتبهم(***)..ثم تصرفهم المغاير وأقوالهم المخالفة حين بعث بالفعل وثبتت نبوته..
أقول(الرَّمَادِيُّ) التعمق في بحث ودراسة تلك الأحداث والأفعال والمواقف والتصرفات خاصةً والتي حدثت في زمن الرسالة السماوية الخاتمة؛ ووقت التكليف الآلهي بالوحي؛ وإنزال الأحكام الشرعية وإثناء إتمام التشريع وإكمال المنهاج ورسوخ الدين بإنتهاء الوحي..
أقصد أحداث زمن النبوة في عهديه: المكي والمدني.. إذ أنني قد بحثت السيرة النبوية المحمدية منذ عهد أبي البشر آدم مرورا بالأنبياء -جميعاً- إلى وقت مولده وتنشأته فبعثته..
هذا التتبع وتلك المراجعة تظهر لنا بوضوح دور رجال ونساء وأدوار شخصيات لعبت أدواراً وقدمت تضحيات.. وأعني رجال ونساء العهد المكي.. ثم رجال ونساء المفصل الحيوي الرابط بين هذا العهد والذي يليه ويتمثل في بيعتي العقبة(الأولى.. والثانية)..
ثم رجال ونساء العهد المدني.. ففي حقيقة الأمر توجد محطات ورجالات يجب الوقوف عندها ومراجعتها.. والتوقف عند أدوراهم وتصرفاتهم!
فالحديث هنا عن رجال ونساء اصطلح الذكر الحكيم تسميتهم بــ :

» „ المهاجرين‟ « ؛
و
نساء ورجال سماهم القرآن الكريم بــ :

» „ الأنصار ‟ «..

وهذا يتطلب مني ويستلزم تخصيص ملف كامل متعلق بشخصيات محورية رئيسة لعبت دوراً جوهرياً زمن الرسالة.. حتىٰ وإن لم يكونوا مِن المسلمين؛ ومِن ثم ليسوا مِن المؤمنين.. كدور الجد عبدالمطلب في رعاية وتربية حفيده؛ وهو الذي سماه بـــ :
» „ مُحَمَّد ‟ «؛
وإن مات قبل البعثة الإسلامية المحمدية المصطفوية بما يقترب من ثلاثين عاما.. وهنا تأتي مسألة :
» „ أهل الفترة ‟ « ؛
و
تفصيل وتوضيح هذه المسألة؛ وأيضاً دور العم الرائع الفذ؛ وهو الأخ الشقيق -لوالد النبي الرسول- لعبدالله بن عبدالمطلب؛ أبي طالب في حماية ابن أخيه.. وأمثالهم..
لذا -كما أرىٰ- هناك شخصيات محورية رئيسة لعبت دوراً جوهرياً في حياة نبي هذه الأمة وقامت بدور مشهود إثناء الرسالة الخالدة.. يصح لنا معرفتها؛ ومن ثم دراستها واستخلاص الدروس والعبر.. وأسعىٰ -بحسن توفيق مِن الله -تعالى- وتمام هداية وكمال فهم في تقديم السيرة النبوية المحمدية المصطفوية مِن كافة جوانبها تصلح للفهم في هذا القرن وإن كنتُ خاوي الوفاض ونصيبي مِن العلم قليل كمَن يملك بضاعة مُّزجاة؛ {مُّزْجَاةٍ }[يوسف:88].. بيد أنني أسعىٰ لتحصيله وأرغبُ في الاستحواذ عليه مِن أطرافه.. ولعله-سبحانه وتعالىٰ- يستجيب لدعائي حين كنتُ أزور البيت الحرام وأشرب مِن:
» „ بئر ماء زمزم ‟ «؛
راجياً أن يصيبني دعاء النبي كما دعا لعبدالله بن العباس-رضي الله عنهما-؛ فقد :" دعا له رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:"اللهم علمهُ التأويل، وفقَههُ في الدَين".. وأن يضعني تحت رحمته -فلا أخطئ- وأنال رضاه -فلا أنحرف- ويكون لي نصيب وافر في قوله -تعالى- :"وكان سعيكم مشكوراً" استبشاراً بقوله تعالى: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا }[الإسراء:19]؛ وامتثالاً لقوله-عز وجل-: { إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا }[الإنسان:22]
[٢ . ] الْمُقَدِّمَة : اثبتُ أن النّبيّ- صلى الله عليه وآله وسلم- كان يعرض الإسلام علىٰ القبائل منذ السّنة الرّابعة لبعثته.[(1)]
.. وهذا يبين لنا بوضوح مسألة التقييد الكامل عند النبي بما يوحى إليه؛ وعدم التمايل مع هبوب ريح التغيرات السياسية، إذ يقول البعض منهم بأخذ ما يوجد عن الآخرين من افكار ومبادئ؛ أو البعض الآخر يقول بأخذ أنظمة بعيدة عن الإسلام وأحكامه.. لذا تجده -عليه الصلاة والسلام- يلتزم بأمر الله -تعالى-.
وأذكر ما جرىٰ مع :
» „ ميسرة بن مسروق العبسي ‟ «؛
فعند المقدسي في البدء والتاريخ وعند الواقدي وتاريخ دمشق لابن عساكر.. نقرأ:
[٣ . ] الْمُقَدِّمَة :
» „ ميسرة بن مسروق العبسي ‟ «؛
عن :" جعفر بن عبدالله بن أسلم؛ عن أسلم مولىٰ عمر؛ حدثني ميسرة بن مسروق العبسي قال قدمت بصدقة قومي طائعين ونحن على الأسلام لم نبال وما بعث علينا أحد حتى أدخلتها على أبي بكر الصديق فجزاني وجزى قومي خيرا وعقد لنا لواء فقال سيروا مع خالد بن الوليد إلى أهل الردة وأوصىبنا خالدا وكنا إذا زحفت الزحوف نأخذ اللواء فنقاتل به بأبانين واليمامة ومع خالد بالشام لقد نظر إلي خالد بن الوليد يوم اليرموك فصاح بأبي عبيدة بن الجراح ادفع رايتك إلى ميسرة بن مسروق ففعل ففتح الله علي ".
ودقة الرواية نقرأها عند ابن كثير في السيرة النبوية: أخبرنا عبدالله بن وابصة العبسى، عن أبيه، عن جده قال : جاءنا رسول اللهصلى الله عليه وسلم في منازلنا بمنى، ونحن نازلون بإزاء الجمرة الاولىٰ التى تلي مسجد الخيف وهو علىٰ راحلته مردفاً خلفه زيد بن حارثة، فدعانا.. " فو الله ما استجبنا له ولا خير لنا ".
قال : وقد كنا سمعنا به وبدعائه في المواسم، فوقف علينا يدعونا فلم نستجب له وكان معنا ميسرة بن مسروق العبسي ..
فقال لنا (ميسرة بن مسروق العبسي): " أحلف بالله لو قد صدقنا هذا الرجل وحملناه حتىٰ نحل به وسط بلادنا لكان الرأي، فأحلف بالله ليظهرن أمره حتىٰ يبلغ كل مبلغ ".
فقال القوم : " دعنا منك لا تعرضنا لما لا قبل لنا به ".
وطمع رسول اللهصلى الله عليه وسلم في ميسرة ، فكلمه ..
فقال ميسرة : " ما أحسن كلامك وأنوره، ولكن قومي يخالفوني، وإنما الرجل بقومه، فاذا لم يعضدوه فالعدى أبعد" .
فانصرف رسول اللهصلى الله عليه وسلم وخرج القوم صادرين إلىٰ أهليهم .
فقال لهم ميسرة : " ميلوا نأتي فدك فإن بها يهودا نُسَائلهم عن هذا الرجل ".
» „ علم أهل الكتاب وفقاً لرواية ميسرة العبسي ‟ «
فــ
مالوا إلىٰ يهود فأخرجوا سفرا لهم فوضعوه.. ثم درسوا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم
- النبي الامي العربي
- يركب الحمار
و
- يجترئ بالكسرة ،
- ليس بالطويل ولا بالقصير
و
- لا بالجعد ولا بالسبط ،
- في عينيه حمرة ،
- مشرق اللون ...
فــ
إن كان هو الذى دعاكم فأجيبوه وادخلوا في دينه، فإنا نحسده ولا نتبعه، وإنا ـ منه ـ في مواطن بلاء عظيم ولا يبقىٰ أحد مِن العرب إلا اتبعه وإلا قاتله فكونوا ممن يتبعه .
فقال ميسرة : " يا قوم ألا ـ إن ـ هذا الامر بين ".
فقال القوم : " نرجع إلىٰ الموسم ونلقاه"..
فرجعوا إلىٰ بلادهم وأبىٰ ذلك عليهم رجالهم ،
فقال القوم : نرجع إلى الموسم ونلقاه فرجعوا إلى بلادهم وأبى ذلك عليهم رجالهم ، فلم يتبعه أحد منهم .[(2)] [(3)]


» „ تأكيد ما سبق من بيانه ‟ « :
..وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوافي كل موسم سوق عكاظ وسوق ذي المجاز وسوق المجنة يتبع القبائل في رحالها ويغشاها في أنديتها يدعوهم إلىٰ أن يمنعوه ليبلغ رسالة ربه فلا يجد أحدا ينصره حتىٰ كانت سنة إحدىٰ عشرة مِن النبوة لقي ستة نفر من الأوس عند العقبة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه .
و
قالوا هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به وهموا يقتلوننا قتل عاد وإرم فأمنوا به وصدقوه.[(3)]
:ابن كثير ؛ السيرة : [* ] فصل
ـ في ـ قدوم وفد الانصار عاما بعد عام حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة بعد بيعة ، ثم بعد ذلك تحول إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
فنزل بين أظهرهم كما سيأتى بيانه وتفصيله إن شاءالله وبه الثقة .[(4)]
وقال الامام أحمد : حدثنا أسود بن عامر، أخبرنا إسرائيل ، عن عثمان ، يعني ابن المغيرة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن جابر بن عبدالله قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه علىٰ الناس بالموقف (أى موقف الناس بعرفة)، فيقول : " هل مِن رجلٍ يحملني إلىٰ قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عزوجل ؟ " .
فأتاه رجل مِن همدان فقال : ممن أنت ؟
قال الرجل : من همدان .
قال : فهل عند قومك من منعة ؟
قال : نعم !
ثم إن الرجل خشى أن يخفره قومه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : آتيهم فأخبرهم ثم آتيك من عام قابل .
قال نعم .
وفد الأنصار :
فانطلق ، وجاء وفد الانصار في رجب .
وقد رواه أهل السنن الاربعة من طرق، عن إسرائيل به، وقال الترمذى : حسن صحيح .[(5)]
ثم كان :
» „ المجلس الثالث ‟ : «
ثُمَّ دَفَعْنَا إِلَىٰ مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَمَا نَهَضْنَا حَتَّىٰ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ،
قَالَ عَلِيٌّ: „ وَكَانُوا صُدُقًا صُبُرًا [وَكَانُواصُدَقَاءَ صُبَرَاءَ: السهيلي] -رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ-‟. ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(*) كان يستحي الإمام مالك بن أنس أن يمتطي دابةً يركبها فوق تراب مدينة رسول الله -عليه السلام-:
(**) وقد قال -عليه السلام-: » „ إننا لم نؤمر بقتال‟ « ؛ قال هذا صلى الله عليه وسلم لأصحاب بيعة العقبة الثانية لمَّا استأذنوه بقتال أهل مكة.ودرجة الحديث: „حسن‟ . ولفظه:» „ لم نؤمر بذلك (يعني: القتال)، ولكن ارجعوا إلى رحالكم‟« [رواه ابن إسحاق بسند صحيح؛ حيث قال: حدثني معبد بن كعب عن أخيه عبدالله بن كعب عن أبيه كعب بن مالك به. ومن طريقه رواه: ابن جرير في (التاريخ)، والبيهقي في (الدلائل). انظر: (السيرة النبوية؛ ج:1؛ ص: 102)، (تاريخ الطبري؛ ج:2 ؛ ص:364)، (دلائل النبوة: ج:2؛ ص:/449)، (فقه السيرة؛ للغزالي؛ ص162).
(***). انتشار أمره -عليه السلام- وعلم أهل الكتاب-اليهود- بخبره.
الرجاء -بعد التفضل والشكر-إعادة مراجعة المجلد الثاني والثالث مِن إصدار موقع ملتقى أهل العلم والمتعلق بــ
* 56 المجلد الثانى
* 57 ميثاق النبيين
* 58 بشارة الكتب السابقة
* 59 بِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
* 60 ﴿ ٤ ﴾ الْبَابُ الرَّابِع : إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ
* 61 ﴿ ٤ . ٣. ﴾ الفصل الثالث مكان بعثته: صلى الله عليه وسلم
* 62 ﴿ ٤ . ٤. ﴾ الفصل الرابع البشارة بصفاته صلى الله عليه وسلم
* 63 مقدمة المجلد الثالث
* 64 وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأشْيَاءُ
* 65 العالم قبل البعثة الرسولية المحمدية
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [ الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ ]
[ ١٠٥ ] :« تمهيد لقاء وفد الأنصار ».
‏الأربعاء‏، 09‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏12‏ يناير‏، 2022 م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
13 / 01 / 2022, 02 : 12 AM
البيعة

(١٠٦) مسألة : „ بيعة الأنصار ‟

تحدثتُ عدة مرات عن ما سميته بــ
: « „ شخصيات محورية ‟ »
رئيسة لعبت دورا مهماً أو أكملت أمراً أو قامت بفعل خدم دعوة الرسالة الإسلامية في مهدها؛ أو صاحبها.. أو أحد من أصحابه إثناء السير في خطوات : „ العهد المكي ‟ أو إثناء الإنتقال إلىٰ : „ العهد المدني ‟ وبناء الكيان التنفيذي الأول..
... ذلك السير المرتبط بــ السيرة النبوية؛ والتي استغرقت ما يقرب مِن ثلاثة وعشرين عاماً.. وقررتُ -إن شاء الله تعالىٰ وبكرم عونه وحسن توفيقه وتمام رعايته- وعزمتُ علىٰ تخصيص ملف كامل عن تلك الشخصيات المحورية كــ : „ ملحق ‟ في نهاية البحوث؛ بيد أني قد غَفلتُ - وليس عمداً؛ وهذا في أصل تكوين الإنسان؛ وصدق مَن قال :"وما سميت إنسانا إلا لنسياني"- أن اذكر انه يوجد أماكن ومناطق وآثار -بجوار الشخصيات- تحتاج لإلقاء الضوء عليها..حين نتحدث عن السيرة النبوية العطرة.. علىٰ سبيل المثال وليس الحصر: موضع : „ مسقط رأسه ‟ الشريف وبيت أبي طالب؛ الذي تربىٰ فيه؛ وبيت الزوجية : „ بيت خديجة ‟-رضي الله تعالى عنها- ومكان : „ بئر زمزم ‟.. كرمنا الله تعالىٰ -مرات عديدة- مِن شرب مائه؛ بعد أن طمست معالمه الظاهرة؛ أو مكان أخذ البيعة عند : „ العقبة ‟ و : „ مسجد العقبة ‟؛ أو تحديد طريق خروجه إلىٰ : „ الطائف ‟ في رحلته الأولىٰ خارج مكةَ؛ والبستان الذي تكلم فيه مع : „ عداس ‟ الغلام النصراني الذي قَبَّلَ قدمه ويده الشريفتين؛ وإن كان مِن أتباع النبي يونس بن متى -عليه السلام- وإمثال تلك البقاع والأماكن في مكة المكرمة أو ما حولها؛ وخط السير في هجرته الشريفة مع صديق هذه الأمة؛ وموضع خيمة أم معبد.. ومن قبل هذا خط سير الهجرة الأولىٰ والثانية للحبشة؛ وبها ملك لا يظلم عنده أحد؛ ومكان : „ أول نزوله في يثرب ‟ -المدينة المنورة- .. ثم أماكن غزواته؛ وهي ما تسمىٰ بخرائط توضيحية؛ وقد رُفع إلىٰ نظري حديث يُفهم منه الحِفَاظ علىٰ الاثار؛ ومعالمها؛ إذ يقول فيه -عليه السلام- علىٰ ما رواه الطحاوي، عن علي بن عبدالرحمن، قال: حدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا وهب بن جرير عن العمري عن نافع عن ابن عمر، قال: (نهى رسول اللهصلى الله عليه وسلم عن آطام المدينة أن تهدم).. وفي رواية: (لا تهدموا الآطام..فإنها زينة المدينة). وهذا إسناد صحيح، ورواه البزار في (مسنده)،
و
الآطام جمع أُطم، بضم الهمزة والطاء، وهو بناء مرتفع، وأراد بآطام المدينة أبنيتها المرتفعة كالحصون(*)..
- إذاً .. توجد شخصيات.. وأيضاً أماكن وبقاع(*) وآثار ينبغي معرفتها وتسليط الضوء عليها؛ فالسيرة النبوية العطرة ينبغي دراستها بطريقة تعليمية حية مؤثرة نابضة بالتفاعل مع الأحداث اليومية كأننا نعيش معه -عليه السلام- كي نتمكن مِن التطبيق العملي كإسوة لنا وقدوة؛ ومثال يحتذى به لــ يصلح التأسي به في كافة افعاله؛ والتقييد بكافة اقواله والإلتزام بهديه وسنته؛ إذ أنه خطأ فادح أن تُقرأ السيرة النبوية مجردة عن واقع التطبيق؛ كتاريخ مضىٰ وانتهىٰ..أو نعلم السنة المحمدية نظرياً بعيدة عن تحكيمها بجوار الذكر الحكيم في أمورنا كافة؛ كما أنه خطأ فادح التعبير بــ : „ كان‟
و
*.] " بالنظر إلىٰ سيرة النبيصلى الله عليه وسلم نجد أن البيعة قد تمت في العهد المكي؛ زمن تكوين النواة الأولىٰ قُبيل أن تنتقل إلىٰ : „ المجتمع الإسلامي ‟ وقبل أن يتحول إلىٰ كيان تنفيذي فتصبح دولة في المدينة.. نجد أن البيعة تمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم ونفر مِن أهل يثرب؛ وسنستخدم مصطلح إسلامي جديد :
„ الأنصار ‟ ،
كما حصل في بيعة العقبة الأولىٰ وبيعة العقبة الثانية، وكان موضوع البيعة الأولىٰ هو : „ إقناع طائفة من الأنصار بالإسلام ‟ ؛ و „ دخولهم فيه ‟؛ وكان موضوع البيعة الثانية هو : „ مناصرة الأنصار للنبي ‟ صلى الله عليه وسلم، و : „ تأييدهم لدعوته‟، و : „ منع أي اعتداء يقع عليه ‟ ؛ ثم حصلت البيعة بعد أن قامت دولة الإسلام في المدينة، مما يدل علىٰ أهمية البيعة في الإسلام في بناء الدولة، ومناصرة الإسلام، واجتماع الكلمة. ".
" وجدنا أسوة المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرسي مبدأ البيعة منذ اليوم الأول لقيام الدولة الإسلامية ".
*.] " ومما يدل علىٰ أهمية البيعة: أن البيعة بدأت منذ فجر الحضارة الإسلامية؛ حيث بايع النبي صلى الله عليه وسلم صحابته أكثر مِن بيعة: كــ بيعتي العقبة الأولىٰ والثانية، وكذلك بيعة الرضوان ".
لذا ينبغي تعريفها! :

*.]:" أولًا : المعنىٰ الْلُغَوي:
أصل مادة (بيع) تدل علىٰ بيع الشيء، وربما سُمي الشراء بيعًا، والمعنى واحد[(1)]
والبَيعة:
بفتح الباء، مصدر من بايع يبايع بيعةً ومبايعةً، يقال: بايعه مبايعةً، وبياعًا: بمعنىٰ عقد معه البيع. وبايع فلانًا علىٰ كذا: عاهده وعاقده عليه، وبذل العهد علىٰ الطاعة والنصرة، وكأنّ كل واحد مِن المتبايعين باع ما عنده مِن صاحبه، وأعطاه خالصة نفسه وطاعته، ودخيلة أمره[(2)]، وتبايعا: عقدًا بيعًا أو بيعةً[(3)].
والمقصود أن البيعة في مفهومها اللُغوي: إعطاء شيء مقابل ثمن معين، أو إعطاء العهد بقبول ولاية أو خِلافة[(4)] ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
*.]:" ثانيًا : المعنىٰ الاصطلاحي:
عرّف العلماء البيعة قديمًا وحديثًا بتعاريف عدة، فــ
عرّفها :
* .] المناوي بقوله: «البَيعة -بالفتح- بذل الطاعة للإمام»[(5)].
وعرّفها :
* . ] ابن الأثير بقوله: «البيعة: المعاقدة علىٰ الإسلام والإمامة والإمارة، والمعاهدة علىٰ كل ما يقع عليه اتفاق»[(6)].
ومن التعاريف الجامعة تعريف :
* .] ابن خلدون، حيث :
قال: « البَيعة: العهد علىٰ الطاعة لولي الأمر »،
ثم شرح هذا التعريف قائلًا:
« كأن المبايع يعاهد أميره علىٰ أن يسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه في شيء مِن ذلك، ويطيعه فيما يكلّفه به من الأمر علىٰ المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير، وعقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيدًا للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدي، هذا مدلولها في اللغة ومعهودالشرع»[(7)] ".
" وعرفها بعضهم بــ
- قوله : „ البيعة علٰى التعاقد علىٰ الإسلام ‟،
وعرفت كذلك بــ
أنها :
- „ أخذ العهد والميثاق والمعاقدة علىٰ إحياء ما أحياه الكتاب والسنة، وإقامة ما أقامه ‟.
*.] " وعرفت بــ
أنها
- : „ إعطاء العهد علىٰ السمع والطاعة في غير معصية الله ‟.
قلت(الرَّمَادِيُّ) وتكاد تكون التعاريف السابقة متقاربة مع استخدام ألفاظ متنوعة ولكنها تعطي المعنىٰ المقصود!
*.] صفة البيعة:
أهم الأمور التي بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليها خمسة:
١ . ] الأول : البيعة علىٰ الإسلام: وهي آكد أنواع البيعة وأوجبها وأعظمها.
1- قال الله تعالىٰ : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَىٰ أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الممتحنة: 12].
2- وَعَنْ جَرِيرٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ شَهَادَةِ أنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِالزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [متفق عليه].
٢ . ] الثاني : البيعة علىٰ النصرة والمَنَعة:
كما بايع وفد الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم علىٰ أن يمنعوه وينصروه، وهي بيعة العقبة الثانية في منى.
٣ . ] الثالث : البيعة علىٰ الجهاد:
1- قال الله تعالىٰ : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 111].
2- وقال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِالْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِيقُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا[18] وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[19]} [الفتح: 18- 19].
قلت(الرَّمَادِيُّ): فـهذه البيعة لا تكون إلا لخليفة / حاكم/ أمير المسلمين في دولة / كيان تنفيذي لمجموع افكار ومفاهيم ومقاييس وقيم وقناعات الإسلام؛ وليس كما يحدث منذ زمن مع أمراء (الحرب) القتال كــ القاعدة أو داعش أو ما شابههما!
٤ . ] الرابع : البيعة علىٰ الهجرة:
وكانت فرض عين علىٰ من أسلم، ثم انتهت بعد فتح مكة، والمراد بالهجرةِ الهجرةُ من مكة إلىٰ المدينة، وهذه قد انقطعت.
عَنْ مُجَاشِع بن مَسْعُودٍ السّلَمِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: جِئْتُ بِأَخِي أَبِي مَعْبَدٍ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بَعْدَالفَتْحِ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ الله بَايِعْهُ عَلَىٰ الهِجْرَةِ، قَالَ: « قَدْ مَضَتِ الهِجْرَةُ بِأَهْلِهَا »
قُلتُ: فَبِأَيّ شَيْءٍ تُبَايِعُهُ؟
قَالَ: « عَلَىٰ الإِسْلاَمِ وَالجِهَادِ وَالخَيْرِ». [متفق عليه].
قلت(الرَّمَادِيُّ): والرسول الأعظم هنا هو القائد الأعلىٰ لكيان تنفيذي وجد في المدينة المنورة.
٥ . ] الخامس : البيعة علىٰ السمع والطاعة:
وهذه هي التي تعطىٰ للأئمة عند تعيينهم خلفاء للمسلمين، وهي المقصودة في هذا الباب.
1- عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَلَىٰ السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَعَلَىٰ أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَىٰ أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَىٰ أَنْ نَقُولَ بِالحَقّ أَيْنَمَا كُنّا، لاَ نَخَافُ فِي الله لَوْمَةَ لاَئِمٍ. [متفق عليه].
2- وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: دَعَانَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ، فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَىٰ السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، قَالَ: « إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ الله فِيهِ بُرْهَانٌ».[متفق عليه].
*.]. صور البيعة:
للبيعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم عدة صور منها:
1- المصافحة والكلام، كما فعل ذلك النبيصلى الله عليه وسلم في : „ بيعةالرضوان ‟.
قال الله تعالىٰ: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا }[الفتح: 10].
2- الكلام بدون مصافحة، وهذه عادته!؟ في مبايعته النساء، لأنه لا يجوز للمسلم مس يد المرأة الأجنبية [وهذا رأي شرعي فقهي يحترم لمن يتبناه؛ من باب نقض الوضوء.. وبحث هذه الأراء الفقهية ليس هنا موضعه].
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُا أنَّ رَسُولَ اللهصلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآيَةِ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ } .. إِلَى { غَفُورٌ رَحِيمٌ [12] } قال عُرْوَةُ: قالتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ، قال لَهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:« قَدْ بَايَعْتُكِ ». كَلامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَالله مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأةٍ قَطُّ فِي المُبَايَعَةِ، وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلا بِقَوْلِهِ. [متفق عليه].
3- الكتابة، كما بايع النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم علىٰ الإسلام.
*.] حكم مَن بايع الخليفة مِن أجل الدنيا:
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: « ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَاهُ، إِنْ أعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلا لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلعَةٍ بَعْدَ العَصْرِ، فَحَلَفَ بِالله لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، فَأخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا». [متفق عليه]. ".
*.] " وخلاصة القول:
إن : „ البَيعة ‟بمعناها الخاص هي إعطاء الولاء والسمع والطاعة للرسول النبي -عليه السلام- في حياته؛ ومِن بعده للخليفة مقابل الحكم بما أنزل الله تعالىٰ، وأنها في جوهرها وأصلها : „ عقد وميثاق بين طرفين ‟ : الإمام مِن جهة وهو الطرف الأول، والأمة مِن جهة ثانية وهي الطرف الثاني، فالإمام يبايع علىٰ الحكم بالكتاب والسنة والخضوع التام للشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة ومنهاج ونظام حياة وطراز خاص من العيش، والأمة تبايع علىٰ الخضوع والسمع والطاعة للإمام في حدود الشريعة.
فـ : „ البَيعة ‟ خصيصة مِن خصائص نظام الحكم في الإسلام تفرد به عن غيره مِن النظم الأخرىٰ في القديم والحديث، ومفهومه : „ أن الحاكم والأمة كليهما مقيد بما جاء به الإسلام من الأحكام الشرعية ‟، ولا يحق لأحدهما سواء كان الحاكم أو الأمة ممثلة بأهل الحل والعقد الخروج علىٰ أحكام الشريعة أو تشريع الأحكام التي تصادم الكتاب والسنة، أو القواعد العامة في الشريعة، ويعد مثل ذلك خروج علىٰ الإسلام؛ بل إعلان الحرب علىٰ النظام العام للدولة الإسلامية، بل أبعد من هذا نجد أن القرآن الكريم نفىٰ عنهم صفة الإيمان، قال تعالىٰ: { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65]. فهذا مفهوم البيعة"...
و
-:" ثبت في القرآن الكريم والسنة النبوية أن النبي-صلى الله عليه وسلم- طلب البَيعة مِن أصحابِه أكثر من مرة، وفي أكثر من مناسبة، وأنه أخذ منهم البَيعة قبل الهجرة في موضعين، هما بيعة العقبة الأولىٰ، وبيعة العقبة الثانية، وقبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، كما أخذها النبيصلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ".
:" ومما يدل مشروعية البيعة أن النبيصلى الله عليه وسلم أخذ البيعة من الصحابة في مواقف كثيرة، وعلى أمور مختلفة، كما في بيعة العقبة الأولى حيث بايع المسلمون الرسول صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء قبل أن تفرض عليهم الحرب، وفي بيعة العقبة الثانية، وفي بيعة الرضوان، وغيرها من البيعات. ".

:" الفرق بين مبايعة النبيصلى الله عليه وسلم ومبايعة غيره.
إن موضوع بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم يقتصر علىٰ التزام المبايعين وتعهّدهم بالسمع والطاعة، وخاصةً الالتزام بما بايعوا عليه، أما تعيينه صلى الله عليه وسلم للإمامة فإنما كان ذلك بالوحي‏، وأما بيعة غيره فهي التزام من كل من الطرفين، فهي من أهل الحل والعقد التزام للإمام بالسمع والطاعة، والإقرار بإمامته، والتزام من المبايع بإقامة العدل والإنصاف والقيام بفروض الإمامة‏، ويترتّب علىٰ البَيعة إذا تمّت علىٰ الوجه المشروع انعقاد الإمامة لمن بايعه أهل الحل والعقد، وأما سائر الناس غير أهل الحل والعقد فعليهم أن يبايعوه بعد ذلك تبعًا لأهل الحل والعقد ".
وللبَيعة أثرٌ إذ أن : " الأصل في البَيعة أن تكون علىٰ الكتاب والسنة، وإقامة الحق والعدل، وعلىٰ السمع والطاعة في المعروف، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يلقنهم قيد الاستطاعة عند المبايعة، وقد بايعوه أيضًا علىٰ الإسلام، وعلىٰ الهجرة، وعلىٰ الجهاد، وعلىٰ الصبر وعدم الفرار من القتال، وعلىٰ بيعة النساء المنصوصة في القرآن. ".
:" البَيعة الخاصة.
وقد تكون البَيعة بيعة صغرىٰ جزئية خاصة، وللعلماء في هذا النوع من التحالف والعهد تفصيل:
فإذا كان موضوع التحالف مخالفًا للشرع فالعهد باطل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مَن اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مائة شرط؛ شرط الله أحق وأوثق)[(8)] وإذا كان العقد على أمر شرعي كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ويكون العهد علىٰ طاعة من يرتضونه لعلمه، أو كفايته، فقد سوغها بعض العلماء. وقد
قرر شيخ الإسلام ابن تيمية مشروعية هذا التعاهد، فقال: « ولكن يحسن أن يقول لتلميذه: عليك عهد الله وميثاقه أن توالي من والى الله ورسوله، وتعادي من عادى الله ورسوله، وتعاون على البر والتقوى، ولا تعاون على الإثم والعدوان، وإن كان الحق معي نصرت الحق، وإن كنت على الباطل لم تنصر الباطل، فمن التزم هذا كان من المجاهدين في سبيل الله تعالى الذين يريدون أن يكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا»[(9)].
وقد علّق شيخ الإسلام ابن تيمية على الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبيصلى الله عليه وسلم قال: (ولا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة، إلا أمّروا عليهم أحدهم)[(10)] بقوله: «فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر تنبيهًا بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة»[(11)]. ".
:" ونجد أنه كانت هناك إمارات تتم في ظروف خاصة لمهام خاصة،
مثل:
-إمارة الحج، و
-إمارة السفر،
و
منها:
-تأمير خالد بن الوليد في مؤتة، والأمر في هذه الإمارات والبيعات يتم بصورة طبيعية لا يفهم منها أنها تحل محل الإمارة أو البيعة العامة.
فالناس لهم أن يتعاهدوا على فعل أي طاعة من الطاعات، كــ الدعوة، أو الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، أو إغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم وهكذا، فلا يشترط لصحة هذه البيعات أن تكون على إقامة أحكام الإسلام كلها، ".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
:" أما بيعات الناس وعهودهم على الطاعات فلا تجب إلا على من دخل فيها برضاه، فتجب عليه بالعهد الذي ألزم به نفسه، كأن يتعاهد اثنان على حفظ القرآن أو بعضه، فحفظ القرآن ليس بواجب على كل مسلم من حيث الأصل، أما إذا عاهد غيره عليه فقد وجب عليه الحفظ بالعهد لا بالأصل. ".
- أما ما يحدث داخل بعض الجماعات والأحزاب السياسية ذات الوشاح الإسلامي؛ سواء سميت بيعة أو قَسم.. فهي من باب الحفاظ على الكيان الداخلي لتلك الجماعة أو الحزب؛ وليس بَيعة بمفهومها العام؛ بل الخاص في مسألة بعينها؛ فتلك الجماعات أو الأحزاب ليست كيانا تنفيذيا بل هي أما :
- كيان دعوي؛ الأصل أن يكون مع غير المسلمين؛ لتوضيح تبيان وشرح الإسلام أولا : عقيدته ثم من بعد أحكامه العملية المتعلقة بكافة مسائل الإنسان في حياته اليومية؛ وهذا الكيان الدعوي غائب؛ إذ أن الدعوة في بلاد الغرب لا يتم مع غير المسلمين؛ لفقدان غالبيتهم لغة الحوار؛ والتأهيل الشرعي!
أو
- كيان علمي؛ وهذا أهم من الكيان الدعوي؛ إذ هو عمود الفسطاط وحامل الخيمة؛ سواء من ناحية صحيح العقيدة أو شروح القرآن أو شروح السنة!
- ولا يوجد لهما ثالث إلا ما أحدثه البعض من وجود :
- كيان جهادي؛ وهذا لتأخر قيام كيان إسلامي تنفيذي..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(*) أنظر :" عمدة القاري - العيني - ج ١٠ - الصفحة ٢٢٩" والحديث تجده :" شرح معاني الآثار للامام أبي جعفر، أحمد بن محمد بن سلامة بن عبدالملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري الطحاوي الحنفي المولد سنة 229 ه‍ - والمتوفى سنة 321 ه‍ الجزء الرابع حققه، وضبطه، ونسقه، وصححه محمد زهري النجار من علماء الأزهر الشريف دار الكتب العلمية".
ثم وجدتُ(الرَّمَادِيُّ). عند الألباني؛ حديث رقم (4859 ) في :" سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة؛ وأثرها السيئ في الأمة (https://al-maktaba.org/book/12762)، قوله :" - ( لا تهدموا الآطام؛ فإنها زينة المدينة) .
وحكم عليه بأنه :"منكر؛ وذكر :" أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (2/ 312 و 4/ 194) ، وابن عدي في "الكامل" ( ق 213/ 2) عن عبدالله بن نافع عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. وقال ابن عدي: "عبدالله بن نافع ممن يكتب حديثه، وإن كان غيره يخالفه فيه ". ". ولعل هذا يثير حفيظة رجال الآثار وعلمائهم؛ وقد جرى مؤخراً نقاشاً بين د. كريمة ود. الهلالي؛ بخصوص مومياوات الفراعنة.. فلزم عليَّ إعادة البحث في الآثر مِن جديد لتحديد موقف تجاهه؛ ولا يحضرني الأن ما استعين به مِن المراجع واقوال العلماء بخصوص هذه المسألة!. كتبه(الرَّمَادِيُّ).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة:
الإصدار الأول مِن منشورات « ملتقى أهل العلم»
(٩) [ الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ ] من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية ؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
بحوث:„ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة‟؛ على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات؛ مسأل ة: „ الأنصار‟
(١٠٦).: „ البيعة ‟
‏الأربعاء‏، 09‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏12‏ يناير‏، 2022 م
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
13 / 01 / 2022, 06 : 09 PM
http://arabicmagazine.com/Images/Articles/2013312112325868.jpg

شريف حمدان
22 / 01 / 2022, 40 : 07 AM
جزاك الله خيرا

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
23 / 01 / 2022, 33 : 11 PM
(١٠٧) أَهْلُ „ يَثْرِبَ ‟
قال جابرٌ -رضِيَ اللهُ عنه-: „ حتىٰ بَعَثَنا اللهُ -عزَّ وجلَّ- له مِن يَثرِبَ...‟[.(1).]؛ و هي المدينةُ النَّبويَّةُ، ويَثرِبُ اسْمُها قبْلَ الإسلامِ .." .
مسألةُ أهل : „ يَثْرِب‟ قبل مقابلة ست شخصيات منهم للنبي -عليه السلام- وقبل عرض النبي الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- الإسلام عليهم؛ ثم اعتناقهم الدين الجديد.. ومسألة اختيارها وحياً وأمراً من رب العزة المكان لتكون إليها الهجرة الشريفة وتكون بها نواة الكيان الأول التنفيذي للأحكام العملية المتعلقة بالعقيدة وأفعال وسلوك المسلم.. هما مسألتان تحتاجان إلىٰ إلقاء نظرة علمية وتفحص ودراسة وتبصر؛ وبحث صفات الشعوب؛ ومميزات القبائل وأحوال العشائر.. ومقومات وجود الأمم وفناءها؛ وهل يصح استخدام مصطلح :„Mentalitaet‟؛ وتعلم مقومات كيفية بناء النفسية البشرية؛ ومقومات أسس العقلية الآدمية وفهم الذهنية الإنسانية؛ فعليهما -النفسية والعقلية بمفهوم الإسلام- ستبنىٰ خير أمة تريد البقاء هداية للناس ورحمة للكائنات؛ وهذا يعني الترجمة العملية لأتباع الرسول؛ الذي نزل في حقه : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين }[.(2).].. فالتأسي به -صلى الله عليه وآله وسلم- والسير علىٰ هداه والتقييد بسنته والتمسك بطريقته يصيبنا جزءاً من رحمة النبوة؛ خاصةً حين نُفعل مع مفهوم هذه الآية مفهوما آخر : { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ }[.(3).].. ومن هذا المنطلق يصح إلقاء ضوء علىٰ تلك المسألتين..
إذ أن دورهم الرائع والفذ قرب إنتهاء العهد المكي ثم ما حدث منهم -أهل النصرة والمنعة = الأنصار- وسيحدث في كامل العهد المدني يحتاج لفهم حقيقة هؤلاء!.. هذه واحدة!
أما
الثانية: وهي لا تقل أهمية عن الأولىٰ.. تلك البقعة مِن الأرض -مِن ناحية علم الجغرافية؛ والتي تهتم بــ :" دراسة مظاهر سطح الأرض والظواهر الطبيعية والبشرية عليها ودراسة التاثير والترابط الانعكاسي بينهما، وتقوم على أساس الموقع والموضع والامتداد. كما تعني الجغرافيا أيضا بدراسة أشكال الأنظمة الموجودة علىٰ سطح الأرض والعلاقات الرابطة بين الظواهر المختلفة "[.(4).].- والتي سوف يبنىٰ عليهما „ يَثْرِبَ؛ وأهلها مع المهاجرين‟.. الكيان الأول التنفيذي لمجموع أفكار الإسلام ومفاهيمه ومقاييسه وقناعاته وقيمه..
فـ الثابت المعلوم أن نبي الهدى ورسول الرحمة -صلى الله عليه وآله وسلم- كما :" ذكر الواقدي أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مكث ثلاث سنين مستخفياً -من حيث التكتل وليس من حيث الدعوة-؛ ثم أعلن في الرابعة فدعا الناس إلىٰ الإسلام عشر سنين، يوافي المواسم كل عام يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز، يدعوهم إلىٰ أن يمنعوه حتىٰ يبلغ رسالات ربه، فلا يجد أحداً ينصره ولا يجيبه، حتىٰ إنه ليسأل عن القبائل ومنازلها قبيلة قبيلة، فيردون عليه أقبح الرد ويؤذونه، ويقولون: " قومك أعلم بك "، فكان ممن سُمي لنا من تلك القبائل: بنو عامر بن صعصعة؛ ومحارب؛ وفزارة؛ وغسان؛ ومرة؛ وحنيفة؛ وسليم؛ وعبس؛ وبنو نصر؛ والبكاء؛ وكندة؛ وكعب؛ والحارث بن كعب؛ وعذرة؛ والحضارمة، وذكر نحوه ابن إسحاق بأسانيد متفرقة "[.(5).]..
وقبيل نهاية المطاف.. مر علىٰ منازل ذُهْل وشيبان بن ثعلبة.. وكلمهم في الإسلام‏.‏ وقد دارت بين أبي بكر وبين رجل من ذُهْل أسئلة وردود طريفة، وأجاب بنو شيبان بأرجىٰ الأجوبة، غير أنهم توقفوا في قبول الإسلام‏.. ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقبة منى، فسمع أصوات رجال يتكلمون، فعمدهم حتىٰ لحقهم، وكانوا ستة : „ نسمات طيبة من أهل يَثْرِبَ[.(6).]‟ .. ستة نفر من شباب يثرب كلهم من الخزرج ".
ومن المعلوم ايضاً أن :
" قريش كانت تستقبل القبائل والقادمين إلىٰ مكة بسبِّهم لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والاستهزاء به حتىٰ لا يقبلوا دعوته، وكان عمه أبولهب يتبعه ويلاحقه ويرد عليه ويصرف الناس عنه "..
و
في رواية آخرىٰ أبوجهل المخزومي..
و
نثبت ما يستحق منا إعادة النظر فيه :
* . ] فعن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: - أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسَلَّم- لَبِثَ [مكث] [بمكة ] عَشْرَ سِنينَ يَتْبَعُ الحاجَّ [الناس] في مَنازِلِهم في المَوسِمِ وبِمِجَنَّةَ وبعُكاظَ، و [في المواسم] وبمَنازِلِهم بمِنًى يقولُ: »„ مَن يُؤْويني؟ مَن يَنصُرُني؟ حتىٰ أُبَلِّغَ رِسالاتِ [رسالة] ربِّي وله الجَنَّةُ؟‟«؛ فلا يَجِدُ أحَدًا يَنصُرُهُ ويُؤْويه، حتىٰ إنَّ الرَّجُلَ يَرْحَلُ مِن مُضَرَ، أو [ليخرج] مِن اليَمَنِ، إلىٰ ذي رَحِمِه، فيَأْتيه قَومُه، فيَقولون: احْذَرْ غُلامَ قُرَيشٍ لا يَفتِنُكَ، ويَمشي بَينَ رِحالِهم يَدعوهم إلىٰ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- [وهم] يُشيرون إليه بالأصابِعِ، حتىٰ بَعَثَنا [الحديث عن جابر بن عبدالله] اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- له مِن يَثرِبَ. [.(7).].
و
* . ] عن ربيعة بن عباد -رضي الله عنه- قال:„ رأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو يدعو الناس إلىٰ الإسلام بذي المجاز وخلفه رجل أحول يقول:" لا يغلبنكم هذا عن دينكم ودين آبائك"، قلت لأبي -وأنا غلام- :" مَن هذا الأحول، الذي يمشي خلفه؟"، قال: هذا عمه أبولهب ‟.[.(8).].
و
* . ] عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- قال:„ كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يعرض نفسه علىٰ الناس في الموقف ويقول: „» ألا رجل يعرض عليَّ قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي -عز وجل- ؟!‟«‟.[.(9).] .
و
* . ] عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:„ كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يعرض نفسه في كل سنة علىٰ قبائل من العرب، أن يؤووه إلىٰ قومهم حتىٰ يبلغ كلام الله ورسالاته، ولهم الجنة ‟.[.(10).].
صَبْرٌ و فَتْح:
لقد اتسمت دعوةُ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- القبائلَ الوافدة إلىٰ مكة في المواسم والحج بالصبر علىٰ الأذىٰ، وبداية الفتوحات وانتشار للدعوة الإسلامية، فقد تعرض -صلى الله عليه وآله وسلم- فيها لأذىٰ شديد، ومعاناة كبيرة، والكثير من المواقف الأليمة، فكان أبوجهل وأبولهب يلاحقانه ويتناوبان علىٰ تكذيبه والسخرية منه وإيذائه عندما يدعو هذه القبائل، إضافة إلىٰ ما يلحقه من إعراض وأذىٰ المدعوين أنفسهم، الذي لم يقتصر علىٰ الإيذاء النفسي فحسب، بل واجه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- منهم ما هو أشد وأقسىٰ.
فقد روىٰ[.(11).] عن مدرك بن منيب الأزدي -رضي الله عنه- عن أبيه، عن جده، قال: „ رأيت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في الجاهلية وهو يقول: „» يا أيها الناس قولوا » لا إله إلا الله تفلحوا ««‟؛ فمنهم مَن تفل في وجهه، ومنهم مَن حثا عليه التراب، ومنهم مَن سبَّه، حتىٰ انتصف النهار، فأقبلت جارية بعس (قدح كبير) مِن ماءٍ فغسل وجهه ويديه، وقال: „» يا بنية لا تخشي علىٰ أبيك غلبة ولا ذلة «‟؛ فقلت: " مَن هذه؟"، قالوا:" زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وهي جارية وضئية (صغيرة جميلة)‟.[.(11).] .
... هذا هو المناخ العام الذي كان يتعايش فيه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قبيل أن يتقابل مع وفد أهل يثرب.!
لذا وجب أن نلقي نظرة فاحصة علىٰ أهل يثرب؛ والمدينة التي استقبلت الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إذ أنه خلال ما يزيد أو يقترب من عشر سنوات لم تتمكن دعوة القبائل والحجيج ومواسم التجارة من الإتيان بثمرة.. ولكن خلال عام تقبل سكان يثرب دعوة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-!
-**-
أعود إلى التاريخ :
- يُقال إنّ اسمَ يثرب عائدٌ إلى مَن سكنها؛ إذ إنّ أوّل مَن سكنها هو „ يثرب بن قانية ‟؛ من وَلَد „ إرم بن سام بن نوح‟؛ وقد ورد ذكر يثرب في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ) [.(12).]،[٢] (https://mawdoo3.com/اسم_يثرب#cite_note-LxrzotvHsG-2).
ومن الجدير بالذكر أنّ اسم „ يثرب‟؛ في الإسلام يُعَدُّ مكروهاً، واسم المدينة هو الذي يليق بها؛ فقد نهىٰ سيّدنا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- عن تسميتها باسم „ يثرب ‟؛ وذلك لأنّ اسم يثرب هو من التثريب الذي يعني: الملامة، والتوبيخ، كما أنّ يثرب من الثرب؛ أي الفساد، وكلا المعنيَين يدلّان علىٰ القُبح، وقد كان نبيّنا الكريم يحبُّ الأسماء الحسنة، ويكره القبيحة.[٣] (https://mawdoo3.com/اسم_يثرب#cite_note-t5FnyDynHH-3).
وكانت المدينة (يثرب القديمة) منطقة محدودة تقع في سهل يمتد من الشّمال من جبل سلع وحتّى أطراف جبل أُحد (https://mawdoo3.com/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7_%D8%B3%D9%85%D9%8A_ %D8%AC%D8%A8%D9%84_%D8%A3%D8%AD%D8%AF_%D8%A8%D9%87 %D8%B0%D8%A7_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%85) من الغرب وحتّى وادي بطحان[.(13).].[١ :" أبت احمد الخالدي، المدن والآثار الإسلامية في العالم، عمان - الأردن: المنهل، صفحة 64-73. بتصرّف.".] (https://mawdoo3.com/لماذا_سميت_يثرب_بهذا_الإسم#cite_note-upq0MDJpCF-1)
الطبري:" ويثرب: اسم أرض، فيقال: إن مدينة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- في ناحية من يثرب.[.(14).] "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
2.] (https://mawdoo3.com/اسم_يثرب#cite_ref-LxrzotvHsG_2-0) سورة الأحزاب، آية: 13.
3.] أ (https://mawdoo3.com/اسم_يثرب#cite_ref-t5FnyDynHH_3-0)ب (https://mawdoo3.com/اسم_يثرب#cite_ref-t5FnyDynHH_3-1)محمد شميم بن حمزة الملبياري، إرشاد الورى بأسماء مدينة خير الورى (ص) (دراسة عن أسماء المدينة المنورة) (https://books.google.jo/books?id=ZylHDwAAQBAJ&pg=PT47&lpg=PT47&dq=%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7+%D8%B3%D9%85%D9% 8A%D8%AA+%D9%8A%D8%AB%D8%B1%D8%A8+%D8%A8%D9%87%D8% B0%D8%A7+%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%85&source=bl&ots=SyyhvOGIG-&sig=xe4S3lPryb5Yms_ohcTvKa9xlh0&hl=en&sa=X&ved=0ahUKEwjP6bCfsavaAhUoMuwKHZlyBrk4FBDoAQhuMAk#v =onepage&q=%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7%20%D8%B3%D9%85%D9 %8A%D8%AA%20%D9%8A%D8%AB%D8%B1%D8%A8%20%D8%A8%D9%8 7%D8%B0%D8%A7%20%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%85&f=false)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 46-58. بتصرّف.
(*): " التفسير الاشتقاقي لجذر الكلمة"ثرب"
التثريب: التقريع والتقرير بالذنب. قال تعالى:{ لا تثريب عليكم اليوم}[.(15).] [يوسف/92]، و
رُوي: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولايثربها) (هذا جزء من حديث صحيح متفق على صحته، مروي عن أبي هريرة قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-يقول: (إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولايثرب، ثم إن زنت الثالثة فتبين زناها فليبعها ولو بحبل من شعر). [.(16).]، ولا يعرف من لفظه إلا قولهم: الثرب، وهو شحمه رقيقة، وقوله تعالى:{ يا أهل يثرب }[.(17).]، أي: أهل المدينة، يصح أن يكون أصله من هذا الباب والياء تكون فيه زائدة.".
وينبغي القول -وهنا تأتي خصوصية المكان والسكان؛ أن : " اليهود أحد الجماعات التى تسكن يثرب وهم أهل كتاب وعلم- فأشعلوا فى يثرب أن نبياً فى العرب سيبعث، وحان وقت ظهوره، وأنهم سيتبعونه وينتصرون به علىٰ العرب (الأوس والخزرج)..
فلما عرض رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- نفسه عليهم وكانوا ستة تذكروا مقالة اليهود لهم؛ فقالوا:" والله انه للنبي الذى توعدكم به اليهود فلا يسبقنكم إليه، فأجابوه إلىٰ الإسلام، وواعدوه اللقاء العام القادم، ورجعوا الىٰ قومهم يدعونهم إلىٰ الإسلام فاتبعهم فريق منهم وسرعان ما انتشر الإسلام فى يثرب فلم تبق دار من دور الأنصار الا وفيها خبر عن الدعوة الإسلامية ورسولها ".
.....
ولم يكن الأنصار اسما لهم في الجاهلية حتىٰ سماهم الله به في الإسلام وهم بنو الأوس والخزرج[.(18).]،
و
„ الخزرج ‟: الريح الباردة؛ وقال بعضهم وهي الجنوب خاصةً. ودخول الألف واللام في الأوس على حد دخولها في التيم جمع: تيمي وهو من باب رومي وروم، لأن الأوس هي العطية أو العوض ومثل هذا إذا كان علما لا يدخله الألف واللام.... ألا ترىٰ أن كل أوس في العرب غير هذا، فإنه بغير ألف ولام كــ „ أوس ‟ بن حارثة الطائي.. وغيره وكذلك أوس وأويس: الذئب[.(19).]..
قال الراجز:


يا ليت شعري عنه والأمر عمم ... ما فعل اليوم أويس بالغنم

وأبوهم حارثة بن ثعلبة [بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزدي]، وهو أيضا: والد خزاعة علىٰ أحد القولين.. وأمهم قيلة بنت كاهل بن عذرة قضاعية؛ ويقال هي بنت جفنة واسمه علبة بن عمرو بن عامر، وقيل بنت سيع بن الهون بن خزيمة بن مدركة؛ قاله الزبير بن أبي بكر في كتاب أخبار المدينة.
و „ الأنصار ‟: جمع ناصر علىٰ غير قياس في جمع فاعل ولكن علىٰ تقدير حذف الألف من ناصر لأنها زائدة فالاسم على تقدير حذفها: ثلاثي ... والثلاثي يجمع على أفعال وقد قالوا في نحوه صاحب وأصحاب وشاهد وأشهاد.[.(20).]. ".
" وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان ".[.(21).].
" الحديث عن المصطلح القرآني :«„الأنصار”»؛ -رضي الله تعالىٰ عنهم-؛ استمع إلىٰ قوله -عزَّ وجلَّ- : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ } { وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ } { رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم }[.(22).].
وهو :"لقبٌ أُطلق علىٰ الذين نصروا الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وآووه مِن أهل : „ يثرب ”: (المدينة) مِن الأوس والخزرج تمييزاً لهم من المهاجرين من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ، وتخليداً لدورهم وجهودهم في نصرة الدعوة الإسلامية، وقد وردَت في السّنَّة أحاديث تشيد بفضل الأنصار وتدعو لهم ولأعقابهم وأحفادهم بالخير والبركة. [.(23).] وسوف اتحدث عنها في موضعها من قابل البحوث ".
" كان بين الأوس والخزرج منذ استقروا في مدينة :„ يثرب ” صراع قوي علىٰ المجد المادي والأدبي، أوجدته العصبية الجاهلية التي كانت تمشي في أرجاء الجزيرة العربية كما يمشي الوباء. وتسري بين القبائل والبطون كما تسري النار في الهشيم [ وربما كانت بتحريض ومكائد من اليهود ]ٍ1. وكثيرًا ما أدت هذه العصبية بين الأوس والخزرج إلىٰ حروب دامية لم تكن تهدأ حينًا إلا لتبدأ من جديد قوية عنيفة، وكان آخر هذه الأحداث ما وقع بين الفريقين في يوم بعاث2، وهو يوم مشهور في تاريخ الأوس والخزرج، هلك فيه قادتهم ورؤساؤهم، وتصدعت قوتهم، وتعرض مركزهم في يثرب للدمار والانهيار. وكان يجاورهم في يثرب جماعات من اليهود، وهم :
- بنو قينقاع، و
- بنو النضير، و
- بنو قريظة. وطالما كان هؤلاء اليهود يثيرون العداوة والبغضاء بين الأوس والخزرج حتى يأكل بعضهم بعضًا، وحينئذٍ يقيم اليهود على أنقاض هذا الضعف قوة لهم.[.(24).]
وقد أدرك الأوس والخزرج هذا الشعور من اليهود، فأخذوا يعضون بنان الندم، ويحسون بالخطر الداهم يحيط بهم، ويتطلعون ذات اليمين وذات الشمال إلى قائد وزعيم يوحِّد كلمتهم ويجمع شملهم. وكان يزيد من خوف الأوس والخزرج أن اليهود كانوا يتوعدونهم بين الحين والحين بظهور نبي من العرب يُبعث، قد قَرُب زمانه يعرفونه بأوصاف ذُكِرت في كتبهم، ويتمنون لقاءه والالتفاف حوله حتىٰ يقوي أمرهم ويطردوا الأوس والخزرج من المدينة.. وإلى هذا يشير قوله تعالىٰ: { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ }.. وقد أخرج أبونعيم في "الدلائل" عن ابن عباس قال: " كانت يهود بني قريظة والنضير من قَبل أن يُبعث محمد يستفتحون الله، ويدعون علىٰ الذين كفروا، ويقولون: إنا نستنصرك بحق النبي الأمي، ألا نصرتنا عليهم فينصرون { فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ } يعني محمد، { كَفَرُوا بِهِ } . وهناك أحاديث كثيرة في هذا ذكر أكثرها السيوطي في " الدر المنثور"..
وهذا الشعور الذي امتلأت به نفوس الأوس والخزرج هو الذي جعل قلوبهم مستعدة لقبول الإسلام، والخضوع لقيادة محمد عليه الصلاة والسلام. وقد شاء الله أن يلتقي جماعة من الخزرج بمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- في مكة، وكان ذلك في موسم الحج سنة 620م، فسألهم الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- عن أحوالهم وعن علاقتهم باليهود، وحدثهم عن الدين الجديد، وبين لهم أصوله وتعاليمه، ودعاهم إلى الدخول فيه، وتلا عليهم بعض آيات من القرآن، فتأثروا إلى حدٍّ كبير بما سمعوا. . . ونظر بعضهم إلى بعض وقالوا: والله إنه النبي الذي تتحدث عنه اليهود وتهددنا به.. . فأسلم ستة منهم، ووعدوه بنشر الإسلام بين أهلهم2. [.(25).] [انظر : د. محمد الطيب النجار (المتوفى: 1411هـ)؛ القول المبين في سيرة سيد المرسلين]
__________
2 في مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب ذكر جماعة منهم معاذ بن عفراء، وأسد بن زرارة، ورافع بن مالك، وذكوان، وعبادة بن الصامت، وأبوعبدالرحمن بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان، وعويم بن ساعدة.
أسند ذلك البيهقي في "الدلائل" [2 /431-432] عنه ثم قال: وذكر ابن إسحاق ذلك عن شيوخه أتم مما رواه موسى عن ابن شهاب، وزعم أنه لقي نفرًا منهم أسعد بن = (1 /162)
[د. محمد الطيب النجار (المتوفى:1411هـ)؛ القول المبين في سيرة سيد المرسلين] ثم عاد هؤلاء الستة إلى المدينة -يثرب- وذكروا لقومهم أمر ملاقاتهم لمحمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وعرضه عليهم الإسلام، فصدقوا به وآمنوا برسالته، فسارع بعضهم إلى الدخول في هذا الدين قبل اليهود، ولم تبق دار من دورهم إلا وفيها ذكر محمد عليه الصلاة والسلام.
وفي تلك الأثناء كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة ينتظر أخبار هؤلاء الستة الذين وعدوه المجيء في الموسم القادم، ليرى أثر دعوتهم في المدينة.[.(26).] .
-*-*-
ثم
ابدءُ بحسن توفيقه وجميل عونه الحديث عن بيعتي العقبة؛
و
أذكر البيعة الأولىٰ ؛
و
يقدر الباحثون أن هذا اللقاء الأول قد تمَّ سنة 620 من الميلاد العجيب..[.(27).].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الأحد‏، 20‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏23‏ يناير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
24 / 01 / 2022, 13 : 05 PM
(١٠٨ ): [ الطريق إلىٰ البيعة ] .
(مدخل):
ليس المقصود مِن مدخل :«الطريق إلىٰ البيعة»؛ سرد أحداث سيرته العطرة -على ٰصاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام- بكاملها مرة ثانية؛ سواء منذ مولده المبارك وما رافق المولد الشريف مِن إرهاصات ومقدمات نبوة؛ أو مِن عرض مواقف مُنذ لحظة بزوغ شمس البعثة المحمدية وإلىٰ قرب لقاءه بوفد يثرب.. بقدر مقصودي مِن هذا المدخل وضع لبناتٍ فكرية أساسية لــ بناء ذهني متصور للعيان وليس خيالي عن أحداثٍ ترتبَ عليها إنتقال الدعوة مِن طور العرض {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ} [الحِجر:94] والمناظرة : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء:214] مع أمره سبحانه له : {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِين} [الشعراء:215] ولن تقف الدعوة عند قوله : {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُون} [الشعراء:216] بل ستنتقل الدعوة إلىٰ طور التطبيق والتنفيذ والمنهج والتشريع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [محمد:33] وحماية لأركان مجتمع جديد أضيف : {وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا}[النساء:59] ثم التقيد الكامل بالقيام بأوامره والابتعاد عن نواهيه؛ فنطق القرآن يقول : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْتَسْلِيمًا} [النساء:65] ثم يظهر للجميع بجلاء : {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} ويوضح: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة:3]....
فــــــ
يتبين بوضوح كضوء الشمس في رابعة النهار: أن الإسلام ليس دين تعبدي -فقط- كهنوتي بالمفهوم السائد وقتذاك؛ أو اليوم مِن قصور التدين علىٰ محاسن الأخلاق وكفىٰ وعلاقة عبدٍ برب لحظة الحاجة والضيق وحلول المصيبة؛ أو لحظة الممارسة الطقوسية.. وهذه العلاقة تستغرق مِن سبحة النهار دقائق معدودات أو جزء مِن الساعة في يوم مِن الإسبوع.. ثم تنتهي؛ لتبدءالعلاقة التعبدية عند ابتلاءٍ جديد؛ فيتذكر العبد قوة خارقة لا يدركها.. فينادي يا الله(!)؛ أما بقية العلاقات والتي تربطه بالآخر فيسيرها الإنسان كيف شاء؛ وبطريقته الخاصة.
أما نظام الإسلام - وأزيد وليس فقط مصطلح :„دين”-.. فهو -نظام الإسلام- علاقة عبدٍ برب -علاقة مخلوق بخالق-؛ وهذا أولاً؛
و
ثانياً الإسلام هو: علاقة هذا العبد -الإنسان- بنفسه؛
و
ثالثاً: علاقة العبد الإنسان بغيره مِن المخلوقات.. وبهذا يزيد الإسلام عن أنه علاقة طقوس تعبدية بالمفهوم الكهنوتي.. أو ما يمارس اليوم في المعابد وبيوت العبادة.
قلتُ(الرَّمَادِيُ ا لْإِسْكَنْدَرَانِيُّ) سابقاً أن إسلام محمد؛ الرسول النبي -عليه السلام- تميّز عن بقية الأديان -السماوية(!) والوضعية- بأنه يربط الفكرة الإسلامية والتي أوحيت إليه لحظة عرضها -وحياً مِن الخالق بواسطة ملٰك التبليغ أمين السماء جبريل فيبلغها لأمين الأرض والسماء محمد -عليهما السلام- بكيفيتها التطبيقية وطريقتها التنفيذية؛ وهو ما يسمىٰ المنهاج والشريعة؛ لقوله تعالىٰ: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}[المائدة:48] فنص القرآن حين يقول : {وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون} [البقرة:3] أو قوله : {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين} [البقرة:43] فلم يبين النص القرآن كيفية إقامتها ولا عدد ركعاتها أو تمام كيفية السجود.. فجاء رسول الهدىٰ بقوله :«صلوا كما رأيتموني اصلي»؛ ولم يقل :"صلوا كما أنا -الرسول محمد- اصلي". إذ بينهما فارق بين رؤيتنا له وإدراكنا إيها وفهمها فقياً وبين حقيقة صلاته.. كما أنه -عليه السلام- أظهر لنا في مسألة الزكاة: متىٰ تخرج -بعد مرور الحول (السنة القمرية)- وقيمتها ونصابها ونوع الزكاة ومستحقيها.. أقصد أزكاة مال أم زروع أو ماشية وتجارة ومصارفها الثمانية.. كما بينتُ سابقاً أن الإسلام ينظم علاقات: العبادة بأنواعها البدنية والمالية؛ والعبادة المجتمع فيها البدن والمال.. والمطاعم والمشروبات حلالها وحرامها؛ والملابس وحد العورة عند الذكر والأنثىٰ؛ وما يجب ستره؛ وعلاقة الإنسان بغيره من بني الإنسان بل بالجماد والحيوان؛ أي بقية المخلوقات كافة؛ كما وينظم شكل المجتمع من الناحية الاجتماعية -الزواج الطلاق الميراث- والناحية الإقتصادية والعقوبات والتعزير والحدود.. فهو -إذاً- طراز خاص مِن العيش وطريقة معينة في الحياة وكيفية بعينها في المعاملات!
فنركز علىٰ الحديث عن ارتباط أهل الأرض برافع السماء دون عمد نراها مِن خلال الوحي علىٰ اعتبار وجود خالق رازق محيي ومميت!؛
ثم ارتباط أهلها بنبي السماء مِن خلال التكاليف علىٰ اعتبار وجود رسول مبلغ؛
وأخيراً ارتباط أهل الأرض بأحكام السماء الشرعية العملية علىٰ اعتبار وجود خليفة؛ فإسلام محمد لم يخترع أو يبدع فكرة الخلافة؛ فقد ذُكرت كمصطلح شرعي منذ عهد آدم؛ أبي البشرية -عليه السلام- : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة:30].
والواقع العملي والمتتبع لقصص الأنبياء وأحوال الرسل يثبت وجود ذلك {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى}[ص:26]{إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء} [الأعراف:69] { وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُون}[النمل:62] .



فالـــ
مدخلُ لمسألةِ البيعةِ مبنيٌ علىٰ:
«„ ١ ”» قاعدة وحي السماء -أوامر ونواه ومباحات-؛ لتنظيم علاقات الإنسان الثلاث -وهي مع ربه.. ثم مع نفسه.. فمع غيره- ويتم تبليغ الوحي عن طريق رسول نبي مِن البشر؛
فــ يبنىٰ عليها:
«„ ٢ ”» قبول الناس لما يوحىٰ وبالتالي حمله وتبليغه.. أو في المقابل : معارضته وبالتالي محاربته ومحاولة القضاء عليه؛
«„ ٣ ”» الفئة التي قبلت أحكام الوحي -تشريعاً ومنهاجاً؛ بمعنى آخر الفكرة الإسلامية وطريقتها في التنفيذ وكيفيتها في التطبيق- فــ فهمته فعقلته فأدركته واستوعبته.. ستتمكن مِن تنفيذه وتطبيقه وتبيانه.
.. لذا فسأسعىٰ إلىٰ عرض مقدمات تمهيدية لبلوغ الدعوة إلى مفصل «طلب النصرة والمنعة» مِن أهلها خلال أحداث العهد المكي.. مع إثبات أن النصر حُصرَ عند الله -تعالىٰ- ؛ لقوله :{وَمَاالنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم} [آل عمران:126] مع توفر شرط : {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم} [محمد:7] بيد أنه لابد مِن الأخذ بالأسباب؛ لنص قوله -عليه السلام-:«أعقلها وتوكل»؛ وهذا ما فعله النبي الرسول مِن خروجه أولاً إلىٰ الطائف..
راجع؛ أيها القارئـ(ــة)الكريمـ(ــة):

﴿« „ ٩٧‟ » ﴾

الــمَسِيرُ إِلَىٰ „ الطَّائِفُ ‟

-*
:"[ ٥ ] الْبَابُ الْخَامِسُ:".
https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119091&page=40 (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119091&page=40)

و :[١٠١]" النُّصْرَةُ:" عَرْضُ نَفْسِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْقَبَائِلِ" .. عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَىٰ النَّاسِ بِالْمَوْقِفِ فَيَقُولُ: « „ هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَحْمِلُنِي إِلَىٰ قَوْمِهِ، فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ” »
-**-
الطريق المؤدي إلىٰ بيعة رسول الإسلام؛ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صلى الله عليه وآله وسلم-؛ البيعة له مِن وفد يثرب سواء البيعة الأولىٰ.. والتي سميت بيعة النساء(*)؛ أو البيعة الثانية(**)..
.. هذا الطريق للوصول إلىٰ البيعة استغرق مِن عُمر النبوة ومِن زمن الرسالة ما يقرب مِن 13 ثلاثة عشرة عاماً.. ويصلح ويصح قبل الحديث عن بيعتي العقبة؛ ومِن ثم إنتقال النبي الأكرم ويرافقه -إثناء هجرته- صديق هذه الأمة- رضي الله تعالىٰ عنه- مِن مكةَ: مبدء الوحي ونقطة انطلاق بداية الدعوة الخاتمة لرسالة السماءإلىٰ يثرب -مدينته المنورة- نقطة التمركز وتشيد الكيان التنفيذي الأول لما جاء به -عليه السلام- للناس وحياً مِن ربه بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية العطرة؛ يصح قبل الحديث عن هذه النقلة.. والتي قلبت كل ما هو موجود علىٰ الأرض رأساً علىٰ عقب.. من حيث العلاقة التعبدية بين العبد وبين الرب أو علاقات الإنسان بأخيه الإنسان.. إذ أوجدت قوة جديدة في كل شيئ وفاعلة مؤثرة فيما حولها بما تحمل مِن مبادئ ومفاهيم إنسانية غير معهودة؛ ومقاييس بشرية غير معترف بها؛ وقيم وحقوق آدمية ومواثيق وعهود بين الناس؛ وقناعات مبلورة عن أفكار حياتية وايضاً آخروية.. هذه القوة الفاعلة المؤثرة الجديدة غيّرت موازين القوىٰ العالمية الموجودة آنذاك؛ ووضعت قدماً راسخاً بين أعظم وأكبر إمبراطوريات ذاك الزمان؛ فتحسّب لها الفرس والروم والصين والهند.. ومن غاب في ذاكرة التاريخ.. ويُعمل منذ أكثر مِن مائة عام علىٰ عدم إعادتها للحياة!..ويكتفي البعض باطروحات نظرية كــ مَن تقوَّل : „الإسلام هو الحل”؛ فلما حَلَّ علىٰ مقعد التطبيق لم يتمكن مِن فعل شئ.. أو الصورة النمطية المتبقية في أذهان مَن غفل عن حقيقة الإسلام في نص قوله تعالىٰ واصفاً نبيه -عليه السلام- :{وما أرسلناك إلارحمة للعالمين}؛ والعالمون جمع عالَم؛ أي بــ بعثته صار رحمة لجميع الكائنات والموجودات.. فيتكلمون بجهل عن نشر الإسلام بحمل السيف مع فساد هذه المقولة.. أو أمثال مَن جعل الطائرات المدنية لنقل الركاب قنبلة موقوتة إنتحارية؛ ومَن تولد مِن تلك الفرق! فيفعلون ذلك حين أصابهم اليأس وتملكهم الجهل!
.. هذا الوجود الجديد يصلح ويصح أن أتحدث عن كيفية الطريق المؤدي إلىٰ العهد المدني!.. فهذا الكيان التنفيذي الأول لم يولد كــ ثمرةٍ حين نَضَجَت علىٰ شجرتها سقطت في أيدٍ تلقفتها؛ أو كــ جنينٍ علمت أمه بحملها به فخرج من رحمها للساعة والتو؛ كما وأن الحديث عن هذا الكيان التنفيذي الأول ليس تاريخاً يسرد بل وقائع حياتية نحتاجها كأحكام شرعية عملية تطبيقية ليومنا هذا للخروج من هذا التيه؛ والصعود مِن بئر هذا المأزق الذي غرست فيه العقول قبل الأقدام!.
-**-
كان بدءُ نزول القرآن مناسبةً عظيمةَ الأهمية في تاريخ الإنسانية عمومًا، فهو ابتداءٌ لتلقي الإنسان آخِرَ وحي ينزل مِن السماء لهداية أهل الأرض جميعاً. وكان هذا البدءُ إشارةً إلىٰ أن الإنسانية ستظل تستمع إلىٰ هذا الوحي ما دامت الحياة قائمة؛ لأن الله-تعالىٰ- لن يُنزل بعد القرآن وحيًّا، كما أنه لن يرسل بعد الرسولمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيًّا.
لهذا كله اهتم الصحابة ومَن بعدهم مِن علماء المسلمين بتحديد موعد بدء نزول القرآن وما نزل فيه من الآيات، باعتبارها اللحظة الأولىٰ في شروق شمسهم علىٰ العالم، ولحظةَ البدء في ولادة أمة الإسلام ذات الوجود الأصيل في هذا العالم.[(1)]
ولعلي أجدُ في رواية جابر بن عبدالله- رضي الله تعالىٰ عنه- سنداً اتمثل به في هذا المقال؛ إذ أن - الحديثُ الذي يَحكي فيه جابرُ بنُ عبدِاللهِ -رضِيَ اللهُ عنهما- قِصَّةَ الدَّعوةَ مِن بِدايتِها في مكَّةَ حتىٰ الهِجرةِ إلىٰ المدينةِ؛[(2)] - يصح اعتماده ضوءَ إرشاد لما سأقوله.. بيد إني سأذكر محطات رئيسة كبرىٰ في سير الدعوة؛ وليس سردا تفصيلاً :
:«١ »: في اللحظةِ الأولىٰ والتي كُلف فيها محمد بن عبدالله بحمل الرسالة ومِن ثم تبليغها؛ جاء وحي السماء يبلغه كما جاء في رواية عائشة أم المؤمنين-رضي الله تعالى عنها- :«حَتَّىٰ فَجَأَهُ الْحَقُّ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ :„يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ”»؛ ومن بعد : «ثُمَّ أَتَانِي فَقَالَ :„يَامُحَمَّدُ،أَنَاجِبْرِيلُ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّه ”» . [(3)]
قال ابن شهاب الزهري: سمعت أباسلمة بن عبدالرحمن قال: أخبرني جابر بن عبدالله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي : « فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً فرفعتُ بصري قِبَل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء علىٰ كرسي بين السماء والأرض..فجئتُ حتىٰ هويتُ إلىٰ الأرض. فجئتُ أهلي فقلت : „زملوني.. زملوني.. فزملوني”»؛ فأنزل اللهتعالىٰ : {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ [***]}؛ إلىٰ قوله : { وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ }؛ فهذا يبين أن : «المدثر» نزلت بعد تلك الفترة وأن ذلك كان بعد أنْ عاين الملك الذي جاءه بحراء أولاً. فكان قد رأى الملك مرتين ».
.. وهذه مقدمة ضرورية ليعلم محمد الإنسان أنه صار نبياً وأصبح رسولاً وأن محدثه -جبريل؛ ملٰك أمين السماء علىٰ وحي ربه- جاءه في المرة الأولىٰ وهو -عليه السلام- يتحنث في غار حراء في شهر رمضان؛حين بلغ الأربعين مِن عمره المجيد :«ثُمَّ قَالَ : „اقْرَأْ”؛ قُلْتُ :„مَا أَقْرَأُ ؟”؛ قَالَ : „فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، حَتَّىٰ بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ”؛ ثُمَّ قَالَ : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (https://islamweb.org/ar/library/index.php?page=bookcontents&idfrom=5092&idto=5096&bk_no=50&ID=5188#docu)} [(4)] فَقَرَأْتُ»؛ وهذا النص عند الطبري[(5)] في تفسيره..
وفي الصحيحيين[(6)] من : حديث الزُهري عن عروة عن عائشة قالت : «حتىٰ جاءه الحق وهو في غار حراء. فجاءه الملٰك فقال : „اقرأ”؛ قال :„ما أنا بقارئ”؛(يعني لست أعرف القراءة) قال : „فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجَهد ثم أرسلني”؛ فقال : „اقرأ”؛ فقلت : „ما أنا بقارئ”؛ فأخذني فغطني الثالثة حتىٰ بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال :„اقرأ”؛ فقلت :„ما أنا بقارئ”؛ فأخذني فغطني الثالثة حتىٰ بلغ مني الجَهد ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}..
كتب صاحب التفسير المنير؛ د. الزحيلي يقول :"كان أول ما نزل مِن القرآن الكريم قول الله -تعالىٰ- مِن سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ} {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} {عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ} [العلق 97/ 1- 5](7)]، وذلك يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، سنة إحدىٰ وأربعين(****)مِن ميلاده صلّى الله عليه وسلّم، في غارحراء، حين بدأ الوحي، بواسطة جبريل الأمين -عليهالسّلام-.[(الزحيلي)].[(8)]
.. يأمره -سبحانه وتعالى-؛ ومَن سيتبعه بأمر وتكليف؛ إذ أن „الدين” في عمومه: تصور لــ آِلهٍ.. يعتقد فيه ويؤمن به وإنه سوف يُعبد.. أما التكليف الأول في إسلام محمد خرج عن المألوف.. فــ „دينٌ سماوي” ينبغي أن يكون الحديث -في بدايته- عن العبودية والآُلهية والوحدانية؛ لكن الاتصال الأول بين جبريل الملٰك أمين السماء علىٰ وحي ربه وبين النبي المكلف -عليهما السلام- جاء بتكليف غير مألوف أو معتاد في ذلك الزمان؛
فــ
التكليف يقول: {اقْرَأْ}[العلق:1] [(9)] نزلَ علىٰ قلب رجل أُميلا يحسن القراءة ولا يجيد الكتابة؛ كي لا يتسرب إلىٰ عقل أحد فيقول:" لــتعلمه -في صغره وصباه- وقراءاته -المتعددة- ولثقافته-الواسعة- نقل ما عند الآخرين؛ ونَسَبَهُ إلىٰ نفسه أو إلىٰ الدين الجديد الذي يدعو له".. فأغلق القرآن-كتاب الله -تعالىٰ- والذي نزل علىٰ قلب محمد باعتباره نبياً ورسولاً.. أغلق أمام مَن سيتخرص في أي زمان.. فيقول أنه نقل مِن ثقافات الآخرين أو مِن كتب السابقين أومِن كِتابيّ أهل الكتاب: التوراة والإنجيل.. ولتحقيق هذه الجزئية -وقد ابحثها فيقابل الأيام- كانت إجابة مَن اراد منه القراءة أن رد قائلاً: «ما أنا بقارئ»؛ كما جاء في الصحيحيين .
.. قال العسقلاني في شرحه علىٰ صحيح البخاري :" أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ :{اقْرَأْبِاسْمِ رَبِّكَ (https://islamweb.net/ar/library/index.php?page=bookcontents&searchKey=04SkaKF7felLG2cIsdsN&ID=1&flag=1&bk_no=52&RecID=121&srchwords=%E6%F3%C5%F6%E4%F8%F3%E3%F3%C7%20%E1%F6% DF%F5%E1%F8%F6%20%C7%E3%FA%D1%F6%C6%F2%20%E3%F3%C7 %20%E4%F3%E6%F3%EC%20&R1=1&R2=0&hIndex=#docu)} {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق}[العلق:1] [(10)].
ولي(الرَّمَادِيُ الْإِسْكَنْدَرَانِيُّ) مع أول ما نزل مِن القرآن الكريم تبليغاً وتكليفاً لمتمم المبتعثين وآخر المرسلين وخاتم الأنبياء؛ لي وقفة إذ أن المطلوب شرعاً وتكليفاً قراءة كتابين؛ وليس كتاباً واحداً -كما يظن البعض أو يَفهم-..
الأول منهما : القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين بنص قوله تعالىٰ : {اقْرَأ ْبِاسْمِ رَبِّكَ} فهذا هو الكتاب الأول؛ وهو ما يطلق عليه البسملة مضافاً إليها الإستعاذة -أحكام بداية القراءة والتلاوة-؛ وقد يكون هذا من حيث الخصوص.. ويوجد ما يفيد الزيادة علىٰ مجرد قراءة نص قرآني -آيات المصحف الشريف- سواء للتعبد أو للحفظ؛ وعند الزحيلي في تفسيره المنير : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}؛ {واقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} : إطناب بتكرار الفعل :{اقْرَأْ}؛ لمزيد الاهتمام بشأن القراءة والعلم. فيكون هناك كتاب زائد علىٰ الكتاب الأول لينسجم عقد الكلمات القرآنية بأعتبارها تشريعاً وليس كتاب مطالعة؛ أو كراسة إنشاد.. فتجد النص يتكلم عن :{الَّذِي خَلَق}[العلق:1]. ولم يتكلم عن الذي يجب أن يُعبد أو يُسجد له أو يُطاع.. ولكن النص القرآني ينبه عن خالق :{الَّذِي} خلق كل ما عداه مِن موجودات أو بتعبير أدق مخلوقات؛ ثم يأتي بمثال لتلك المخلوقات وعلىٰ رأسها الذي كُلف بقراءة الكتابين فنطق القرآن يقول : {خَلَقَ الإِنسَانَ} ويبين أنه : {مِنْ عَلَق}.. وعليه فكل العلوم المتعلقة بالإنسان مِن تعليم وصحة ودواء وغذاء وكساء وبناء يجب تعلمها في أمة محمد؛ وعليه باعتبار الإنسان مثالاً تأتي بقية الأمثلة مِن المخلوقات؛ فنتعلم علم الأحياء والزراعة وبقية علوم الكائنات!
-*
:" ورد عند القرطبي:"قوله تعالى : "ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ ،كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ ، وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ ، أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ"
(*) قوله تعالى: " أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً "
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :« مرض أبوطالب فجاءت قريش إليه، وجاءالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعند رأس أبي طالب مجلس رَجُل، فقام أبوجهل كي يمنعه ، قال : وشكوه إلى أبي طالب، فقال :„يا ابن أخي ما تريد من قومك ؟”؛ فقال:«„ يا عمِّ إنما أريد منهم كلمة تذل لهم بها العرب وتؤدي إليهم بها الجزية العجم”»؛فقال :„وما هي ؟”؛ قال :«„لا إله إلا الله”»؛ قال : فقالوا :{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً}؛ قال : فنزل فيهم القرآن :{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ.بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ}؛ حتى بلغ:{إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ}؛ [خرجه الترمذي أيضا بمعناه. وقال :هذا حديث حسن صحيح].
(*) وقيل : لما أسلم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- شَقَّ على قريش إسلامه فاجتمعوا إلى أبي طالب وقالوا :„اقض بيننا وبين ابن أخيك”؛ فأرسل أبوطالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال :„يابن أخي هؤلاء قومك يسألونك السواء ، فلا تَمِل كُل المَيْل على قومك”؛قال :«„وماذا يسألونني”»؛ قالوا :„ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك”؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :«„أتعطونني كلمة واحدة وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم”»؛ فقال أبوجهل :„لله أبوك لنعطينكها وعشر أمثالها”؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«„قولوا لا إله إلا الله”»؛ فنفروا من ذلك وقاموا؛ فقالوا :„{أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً}؛ فكيف يسع الخلق كلهم إله واحد”؛ فأنزل الله فيهم هذه الآيات إلىٰ قوله :{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} ”.
يتبين مما سبق ذكره أن طريق الدعوة مثمر لمن وفقه الله تعالى للسير على خطى نبيه ويلتزم بهدي رسوله؛ ونقر بما شاهدناه في سابق البحوث من وجود العناء بل وألوان من العذاب {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون}[يوسف:21]

*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(*) بيعة النساء :" بيعة العقبة الأولى مُتَقَدِّمة علىٰ نُزُول الآية، التي نزلتْ - بلا خلاف - بعد فتْح مكة، قال ابن حجر: إنَّ التصريح بأن البيعة الأولىٰ في العقبة هي بيعة النساء، وهمٌ مِن بعضِ الرواة، وذكر عدة أدلَّة تثبت صحَّة قولِه؛ منها:
•أنَّ هذه الآية نزلتْ - بلا خلاف - بعد قصة الحديبية، فكيف يقرؤها النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم في تلك البيعة؟!
•ما أخرجه الإمام مسلم من طريق الأشعث، عن عبادة في هذا الحديث: "أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما أخذ علىٰ النساء".
فهذه أدلَّة ظاهِرة في أنَّ هذه البيعة إنَّما صدرتْ بعد نزول الآية؛ بل بعد صُدُور البيعة؛ بل بعد فتح مكة.
والراجح في نصِّ بيعة العقبة الأولىٰ التي بايع عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - وفد المدينة، ما رواه البخاري عن عبادة بن الصامت - قال: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وألاَّ ننازع الأمرَ أهلَه، وأن نقوم - أو نقول - بالحق حيث كنا، ولا نخاف في الله لومة لائم". [ انظر: د. هدى بنت دليجان الدليجان؛ تفسير آية بيعة النساء في سورة الممتحنة (1/2)؛ المصدر: مجلة الدرعية، العددان التاسع والثلاثون والأربعون.] .
(**) بيعة الحرب :" قال ابن حَجَر في الرَّدِّ على ابن إسحاق في تسمية بيعة العقبة الثانيةِ بيعةَ الحرب: "والصواب أنَّ بيعة الحرب بعد بيعة العقبة؛ لأنَّ الحرب إنَّما شرعت بعد الهجرة، وهذه البيعة إنَّما كانت على عدم الفرار".
وبيعة الحرب إنَّما كانت في غزوة بدر عندما نزل قوله - تعالى -: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾. "[ راجع: د. هدى بنت دليجان الدليجان؛ تفسير آية بيعة النساء في سورة الممتحنة (1/2)؛ المصدر: مجلة الدرعية، العددان التاسع والثلاثون والأربعون.] .
(***) :" .. ثم جاء الإنذار الثاني بقوله : {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِين} [الشعراء:214]:" وبعد تأكد النبي صلى الله عليه وسلم من تعهد أبي طالب بحمايته وهو يبلغ عن ربه، صعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم علىٰ الصفا، فعلا أعلاها حجرًا، ثم هتف‏:‏ ‏(‏يا صباحاه‏)‏
وكانت كلمة إنذار تخبر عن هجوم جيش أو وقوع أمر عظيم‏.‏
ثم جعل ينادي بطون قريش، ويدعوهم قبائل قبائل‏:‏ ‏«‏يا بني فهر، يا بني عدي، يا بني فلان، يا بني فلان، يا بني عبدمناف، يا بني عبدالمطلب‏»‏‏.‏
فلما سمعوا قالوا‏ :‏„من هذا الذي يهتف‏؟‏”؛ قالوا‏:„محمد‏”؛‏ فأسرع الناس إليه، حتى إن الرجل إذا لم يستطع أن يخرج إليه أرسل رسولًا لينظر ما هو، فجاء أبولهب وقريش‏.‏
فلما اجتمعوا قال‏:‏ «‏أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلًا بالوادي بسَفْح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم.. أكنتم مُصَدِّقِيَّ‏؟»‏‏.‏
قالوا‏ :‏„نعم،ما جربنا عليك كذبًا، ما جربنا عليك إلا صدقًا‏”.‏
قال‏:‏ ‏«‏إنى نذير لكم بين يدي عذاب شديد، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العَدُوّ فانطلق يَرْبَأ أهله‏»؛‏‏(‏ أي يتطلع وينظر لهم من مكان مرتفع لئلا يدهمهم العدو‏)‏ «‏خشى أن يسبقوه فجعل ينادي‏:‏ „ياصباحاه”‏»؛‏ ثم دعاهم إلى الحق، وأنذرهم من عذاب الله، فخصوعمَّ فقال‏:‏ ‏«‏يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا‏».‏
«يابني كعب بن لؤي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏».‏
«يابني مرة بن كعب، أنقذوا أنفسكم من النار»‏ .
«يامعشر بني قصي، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا‏».‏
«يامعشر بني عبدمناف، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم من الله ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا‏».
«يابني عبدشمس، أنقذوا أنفسكم من النار‏».‏
«يابني هاشم، أنقذوا أنفسكم من النار‏».‏
«يامعشر بني عبدالمطلب، أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضرًا ولا نفعًا، ولا أغني عنكم من الله شيئًا،سلوني من مالي ماشئتم، لا أملك لكم من الله شيئًا‏».‏
«ياعباس بن عبدالمطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا‏».‏
«ياصفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله، لا أغني عنك من الله شيئًا‏».‏
«يافاطمة بنت محمد رسول الله، سليني ما شئت من مالي، أنقذِ نفسك من النار، فإني لا أملك لك ضرًا ولا نفعًا، ولاأغني عنك من الله شيئًا‏».‏
.. «غير أن لكم رحمًا سأبُلُّها بِبلاَلها‏»؛‏ أي أصلُها حسب حقها‏.‏
ولما تم هذا الإنذار انفض الناس وتفرقوا، ولا يذكر عنهم أي ردة فعل، سوى أن أبا لهب واجه النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء، وقال‏:‏„تبا لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا‏؟‏”؛فنزلت‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ ‏[‏سورةالمسد‏:‏1‏]‏‏.‏
كانت هذه الصيحـة العالية هي غاية البلاغ.
ولم يزل هذا الصوت يرتج دويه في أرجاء مكة حتى نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ‏}‏‏[‏الحجر‏:‏94‏]‏، فقام رسول اللهصلى الله عليه وسلم يجهر بالدعوة إلى الإسلام في مجامع المشركين ونواديهم، يتلو عليهم كتاب الله، ويقول لهم ما قالته الرسل لأقوامهم‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏59‏]‏،وبدء يعبد الله تعالى أمامأعينهم، فكان يصلى بفناء الكعبة نهارًا جهارًا وعلى رءوس الأشهاد‏.‏
اضيف ما اراه مفيدا بخصوص هذه المسألة:
رؤساء قريش يفاوضون رسول الله صلى الله عليه وسلم



مَا دَارَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ، وَتَفْسِيرٌ لِسُورَةِ الْكَهْفِ
المكان: مكة (https://www.alsirah.com/category/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%86/%d9%85%d9%83%d8%a9/?SourceCategoryId=107)
اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَأَبُوسُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَالنَّضْرُ ابْن الْحَارِثِ (بْنِ كَلَدَةَ)، أَخُو بَنِي عَبْدِالدَّارِ، وَأَبُوالْبَخْتَرِيِّ بْنُ هِشَامٍ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَأَبُوجَهْلِ ابْن هِشَامٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، وَنَبِيهٌ وَمُنَبِّهٌ ابْنَا الْحَجَّاجِ السَّهْمِيَّانِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ. قَالَ: اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ :„ابْعَثُوا إلَىٰ مُحَمَّدٍ فَكَلِّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتَّىٰ تُعْذِرُوا فِيهِ”؛ فَبَعَثُوا إلَيْهِ: إنَّ أَشْرَافَ قَوْمِكَ قَدْ اجْتَمَعُوا لَكَ لِيُكَلِّمُوكَ، فَأْتِهِمْ، فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا، وَهُوَ يَظُنُّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلَّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ، وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبّ ُرُشْدَهُمْ، وَيَعِزُّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ ، حَتَّىٰ جَلَسَ إلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: „يَا مُحَمَّدُ، إنَّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْكَ لِنُكَلِّمَكَ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِكَ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ، وَعِبْتَ الدِّينَ، وَشَتَمْتَ الْآلِهَةَ، وَسَفَّهْتَ الْأَحْلَامَ، وَفَرَّقْتَ الْجَمَاعَةَ، فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلَّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ” -أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ-
«وجاء من طرفهم»: „ فَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ :
«*»: تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَكَ مِنْ أَمْوَالِنَا حَتَّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا، وَإِنْ كُنْتَ إنَّمَا :
«*»: تَطْلُبُ بِهِ الشَّرَفَ فِينَا، فَنَحْنُ نُسَوِّدُكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كُنْتَ :
«*»: تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلَّكْنَاكَ عَلَيْنَا، وَإِنْ كَانَ :
«*»: هَذَا الَّذِي يَأْتِيكَ رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْكَ- وَكَانُوا يُسَمُّونَ التَّابِعَ مِنْ الْجِنِّ رِئْيًا- فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ، بَذَلْنَا لَكَ أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطِّبِّ لَكَ حَتَّى نُبْرِئَكَ مِنْهُ، أَوْ نُعْذِرَ فِيكَ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-« مَابِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ:
«*»: اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا،
«*»: وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا،
«*»: وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْر ِاللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، أَوْ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فانتقلوا إلى نقطة أخرىٰ، وطلبوا منه أن يسأل ربه أن يسير عنهم الجبال، ويبسط لهم البلاد، ويفجر فيها الأنهار، ويحيى لهم الموتىٰ ـ ولا سيما قصي بن كلاب ـ فإن صدقوه يؤمنون به‏.‏
قَالُوا :„يَا مُحَمَّدُ، فَإِنْ كُنْتَ غَيْرَ قَابِلٍ مِنَّا شَيْئًا مِمَّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْكَ فَإِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَضْيَقَ بَلَدًا، وَلَا أَقَلَّ مَاءً، وَلَا أَشَدَّ عَيْشًا مِنَّا، فَسَلْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ بِمَا بَعَثَكَ بِهِ، فَلْيُسَيِّرْ عَنَّا هَذِهِ الْجِبَالَ الَّتِي قَدْ ضَيَّقَتْ عَلَيْنَا، وَلْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا، وَلْيُفَجِّرْ لَنَا فِيهَا أَنَهَارًا كَأَنْهَارِ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ، فَإِنَّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ، فَنَسْأَلَهُمْ عَمَّا تَقُولُ: أَحَقُّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاكَ صَدَّقْنَاكَ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَكَ مِنْ اللَّهِ، وَأَنَّهُ بَعَثَكَ رَسُولًا كَمَا تَقُولُ.
فَقَالَ لَهُمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ :«مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ، إنَّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ اللَّهِ بِمَا بَعَثَ نِيبِهِ، وَقَدْ بَلَّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ إلَيْكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، قَالُوا: „فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا، فَخُذْ لِنَفْسِكَ، سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَبْعَثَ مَعَكَ مَلَكًا يُصَدِّقُكَ بِمَا تَقُولُ، وَيُرَاجِعُنَا عَنْكَ وَسَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَكَ جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ يُغْنِيكَ بِهَا عَمَّا نَرَاكَ تَبْتَغِي، فَإِنَّكَ تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ، وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ، حَتَّى نَعْرِفَ فَضْلَكَ وَمَنْزِلَتَكَ مِنْ رَبِّكَ إنْ كُنْتَ رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ”؛
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَنَا بِفَاعِلِ، وَمَا أَنَا بِاَلَّذِي يَسْأَلُ رَبَّهُ هَذَا، وَمَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ بِهَذَا، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا- أَوْ كَمَا قَالَ- فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ»؛
فانتقلوا إلى نقطة رابعة، وطلبوا منه العذاب‏:‏
قَالُوا: „فَأَسْقِطْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنَّ رَبَّكَ إنْ شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّا لَا نُؤْمِنُ لَكَ إلَّا أَنْ تَفْعَلَ”؛
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَلِكَ إلَىٰ اللَّهِ، إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ»؛
قَالُوا: „يَا مُحَمَّدُ، أَفَمَا عَلِمَ رَبُّكَ أَنَّا سَنَجْلِسُ مَعَكَ وَنَسْأَلُكَ عَمَّا سَأَلْنَاكَ عَنْهُ، وَنَطْلُبُ مِنْكَ مَا نَطْلُبُ، فَيَتَقَدَّمَ إلَيْكَ فَيُعَلِّمَكَ مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ، وَيُخْبِرُكَ مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا، إذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْكَ مَا جِئْتنَا بِهِ! إنَّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنَّكَ إنَّمَاي ُعَلِّمُكَ هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ: الرَّحْمَنُ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرَّحْمَنِ أَبَدًا، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إلَيْكَ يَامُحَمَّدُ، وَإِنَّا وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ وَمَا بَلَغْتَ منّا حَتَّى نملكك، أَوْ تُهْلِكَنَا”.
وَقَالَ قَائِلُهُمْ: „نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّهِ”؛ وَقَالَ قَائِلُهُمْ: „لَنْنُؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَأْتِيَنَا باللَّه وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا”. أو كما قال‏.
فنطق القرآن يقول: {وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا}[الإسراء:90] {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا}[الإسراء:91] {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلا}[الإسراء:92] {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَ انَرَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولا}[الإسراء:93] .
(****)عند العمري:" بعث رسول الله وعمره أربعون سنة (1). وقد شذت رواية تفيد أن عمره ثلاث وأربعون (2). وقد سعى البيهقي للتوفيق بين القولين بالاعتماد على مرسل الشعبي: "نزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته اسرافيل ثلاث سنين، فكان يعلمه الكلمة والشيء، ولم ينزل القرآن على لسانه عشرين [سنة] " (3). ولكن هذا المرسل لا يصح للاحتجاج به لإرساله، وتفرده، ومثل هذا الخبر لابد أن يشتهر ويعرف في جيل الصحابة، ثم إن مفاجأة الوحي للنبي تدل على خلافه، مما يؤيد رواية الصحيحين بأن البعثة المحمدية بدأت وعمره أربعون سنة. ".[ السِّيرةُ النَّبَويَّةُ الصَّحيْحَةُ؛ مُحَاوَلَةٌ لِتَطبِيْقِ قَوَاعِدِ المُحَدِّثيْنَ فِيْ نَقْدِ روَايَاتِ السِّيْرَةِ النَّبَويَّةِ؛ الدكتور أكرم ضياء العمري؛ الجزْء الأَوَّل؛ النَاشِر" مَكتَبة العُلوم وَالحِكْمَ؛ المدَينَة المُنَوَّرة ؛ ج: (1) ؛ ص: ( 124).]
قلت وعلىٰ هذا نجد ثلاثة اقوال تتحدث عن عمره وقت نزول الرسالة وزمن التبليغ :
1.] عمره أربعون سنة؛
2.] عمره واحد وأربعون سنة؛
3.] عمره ثلاث وأربعون سنة. وسيأتي -إن شاءالله تعالىٰ وبعونه وكرمه- في نهاية البحوث مسألة المراجعة!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
الإصدار الأول مِن منشورات «ملتقى أهل العلم»
من سلسلة بحوث عن : الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية صلى الله عليه وآله وسلم
بحوث:„ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة‟؛ علىٰ صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات؛
مسألة:„الأنصار‟
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ ]

بحوث :„ البيعة ‟:
[ ١٠٨ ] :[ الطريق إلىٰ :«البيعة»]
‏الإثنين‏، 21‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏24‏ يناير‏، 2022 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)

الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
27 / 01 / 2022, 24 : 02 PM
( ١٠٩ ) ذكرُ العقبةِ الأولىٰ:
تمهِيدٌ:
.. ما زلنا ندرسُ بحوثَ العَهدِ المكي؛ وهو العَهدُ الأول مِنْ عَهدي الدعوة الإسلامية في زمن النبوة الخالد.. وهو -العهد المكي- الأساس المتين الذي سيبنىٰ عليه العهد الثاني -العهد المدني-.. وقد وصلنا إلىٰ أحداث ما قُبَيل البيعتين - حين لَقِيَّ وفد حجيج يثرب ( أنصار المصطفىٰ ) النبيَّ الأكرم- وشارفنا علىٰ ما سيحدث قَبْل الهجرة النبوية الشريفة مِن مَكةَ المكرمة - مسقط رأس نبي الهدىٰ والرحمة؛ ومبدء الرسالة الخاتمة - إلىٰ المدينة المنورة - أول كيان تنفيذي لمبادئ الإسلام الحنيف؛ وأول كيان تطبيقي لمجموعة المفاهيم والقيم وكتلة المقاييس وحزمة القناعات الإسلامية والتي جاءت عن طريق الوحي بواسطة أمين السماء جبريل نزل بها علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله -عليهما السلام- -.
و
[ * . ] عهدا الدعوة الإسلامية ومراحلهما:
يَصلح أن أقسم الرسالة الإسلاميّة الخاتمة في زمن النبوة؛ والدعوة المحمديّة والبعثة المصطفويّة -علىٰ صاحبها الصلاة والسلام والتحية- إلىٰ عهدين يمتاز أحدهما عن الآخر تمام الامتياز ويتغايران بالكلية.. وهما:
[ ١ . ] العهد المكي، ثلاث عشرة سنة تقريباً.
[ ٢ . ] العهد المدني، عشر سنوات كاملة.
مِن ثم يشتمل كل العهدين علىٰ مراحل ونقاط إلتقاء ومفاصل ربط؛ ولكل منها خصائص ومميزات تمتاز بها عن غيرها، ويظهر ذلك جلياً بعد النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خلال العهدين.
ويمكن تقسيم العهد المكي إلىٰ ثلاث مراحل:
[ ١ . ] مرحلة سرية التكتل؛ وعلنية الدعوة، ثلاث سنين.
[ ٢ . ] مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، مِن بداية السنة الرابعة مِن النبوة إلىٰ أواخر السنة العاشرة.
[ ٣ . ] مرحلة الدعوة خارج مكة، وفشوها فيهم، مِن أواخر السنة العاشرة مِن النبوة إلىٰ هجرته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المباركة إلىٰ المدينة.
أما مراحل العهد المدني ومفاصل ربطه بعضه ببعض فسيجئ-بإذنه عز وجل- تفصيلها في موضعه -إن شاء الله تعالى؛ وبحسن توفيقه ورعايته-.[(1)]
وعند الحديث عن البيعتين نستأنسُ -أساساً- بحديثٍ رواه الصحابي الجليل الأنصاري (جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ) يشرح لنا فيه مفاصل مرحلة مِنْ أهم مراحل العهد المكي ثم مِنْ بعد هذه المرحلة ستأتي الهجرة الشريفة إلىٰ يثرب = مدينته المنورة والتي طيب الله تعالىٰ ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه الصديق والفاروق -رضوان الله تعالىٰ عليهما وعلىٰ الآل وبقية الأصحاب- وسأستعين بعد الله- تبارك وتعالى - بدواوين السيرة والتي تقبلتها الأمة بالاستحسان والقبول؛ وسأسعىٰ بعون مِن الله -عزَّوجلَّ- وكرم وفضل ومنّةٍ في تفصيلها إلىٰ مفاصل مترابطة ومتتالية.
فقد خرَّج ابن حبان في صحيحه أنَّ النبي الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
و
أُقَسِمُ حديثَ جابرٍ إلىٰ فقرات ليسهل فهم الحدث:
« „ ١ ‟ » مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ سَبْعَ (1) سِنِينَ يتتبَّع النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ؛ و يوافي كل موسم سوق[(2)]بعُكاظ ومُجَنَّةَ وسوق ذي المجاز.. وَالْمَوَاسِمِ بِمِنًى.. و.. يتبع القبائل في رحالها؛ ويغشاها في أنديتها.. يدعوهم إلىٰ أن :
« „ أ ‟ » يمنعوه
لــ
« „ ب‟ » يبلغ رسالة ربه
فلا يجد أحدا
« „ ج ‟ » ينصره[(3)]..
فكان رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ، كُلَّمَا اجْتَمَعَ لَهُ النَّاسُ بِالْمَوْسِمِ أَتَاهُمْ يَدْعُو الْقَبَائِلَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَىٰ الإِسْلامِ، وَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ نَفْسَهُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّهِ مِنَ الْهُدَىٰ وَالرَّحْمَةِ، لا يَسْمَعُ بِقَادِمٍ يَقْدَمُ مِنَ الْعَرَبِ، لَهُ اسْمٌ وَشَرَفٌ إِلا تَصَدَّىٰ لَهُ فَدَعَاهُ إِلَىٰ اللَّهِ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ مَا عِنْدَهُ[(4)].
-*-
قلتُ(الرَّمَادِيُّ) :"وهذه السنَّةُ النبويَّة العطرة الطيبة غابت تماماً عن حملة الدعوة.. سواء في بلاد يسكنها أهل الإسلام حين يأتي مَن هُم مِن أهل الغرب لزيارتهم؛ وأشدُ منها مَن يسكن مِن المسلمين في بلاد الغرب بل يستوطنها بل ويحمل جنسيتها.. وهي من السنن النبوية الغائبة!".
-*-
ويكمل الصحابي الجليل جابر القول:
فــ
يَقُولُ -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :
« „ ١. ١ .‟ » :« مَنْ يُؤْوِيني »
و
« „ ١. ٢ .‟ » :« يَنْصُرُني »
و
﴿ الغرض والهدف مِن هذا الإيواء وتلك النصرة﴾
« „ ١ . ٣ ‟ » :« حَتَّىٰ أُبَلِّغَ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رِسَالَاتِ رَبِّي؟ »
وهنا تأتي إضافة بعد ما يَقُولُ : » مَنْ يُؤْوِينِي، وَيَنْصُرُنِي حَتَّىٰ أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي«..
إذ يَقُولُ : » وَلَهُ الْجَنَّةُ؟ « .. فَلَا يَجِدُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا يَنْصُرُهُ وَلَا يُؤْوِيهِ.
ثم يبين لنا الصحابي جابر بن عبدالله ردود افعال الناس تجاه دعوة النبي فيقول :
« „ ٢ ‟ » حَتَّىٰ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ (لَيَرْحَلُ) مِنَ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مِصْرَ (إِلَىٰ ذِي رَحِمِهِ) فَيَأْتِيهُ قَوْمُهُ.. فيأتي منهم التنبيه إذ يَقُولُونَ:
« „ ٢ . ١ . ‟ » : „ احْذَرْ غُلامَ قُرَيْشٍ لَا يَفْتِنْكَ[(5)].‟؛
ومن ردود افعالهم:
وَيَمْشِي بَيْنَ رِحَالِهِمْ (يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ)
« „ ٣ . ‟ » وَهُمْ يُشيرون إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ؛
ثم تأتي اللحظة الفاصلة؛ إذ يقول الصحابي جابر :
« „ ٤ ‟ » حَتَّىٰ بَعَثَنَا اللَّهُ مِنْ يَثْرِبَ[(6)].:
-*-
وهنا نبحث آحدىٰ أحداث سنة آحدىٰ عشرة من البعثة؛ بل أهمها علىٰ الإطلاق دون تقليل قيمة وشأن الأحداث الآخرىٰ
جاء في البدء والتاريخ للمقدسي:" حتىٰ كانت سنة إحدىٰ عشرة من النبوة لقي ستة نفر من الأوس(**) عند العقبة فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىٰ الإسلام وعرض عليهم أن يمنعوه فعرفوه
و
قالوا:" هذا النبي الذي يوعدنا يهودنا به.. وهموا يقتلوننا قتل عاد وإرم"..
فــ
أمنوا به وصدقوه وهم:
- أسعد بن زرارة و
- قطبة بن عامر بن حديدة و
- معاذ بن عفراء و
- جابر بن عبدالله بن رئاب و
- عوف بن عفراء و
- عقبة بن عامر و
أول من أسلم فيهم :
- أسعد بن زرارة و
- قطبة بن عامر
و
كان يقول في الجاهلية :" لا إله إلا الله .."..
و
يقال بل أول من أسلم :
- أبوالهيثم بن التيهان .. و
كان لا يقرب في الجاهلية الأوثان.. فــ
انصرفوا إلىٰ المدينة وذكروا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابهم ناس وفشا فيهم الإسلام" [(7)].
-*-*-*-*--/-*/-*/-*/-*/-*/
[الرجاء:
مراجعة ترقيم ملتقى أهل العلم: [١٠٤ ] الْأَنْصَار
؛ المشاركة رقم [٤٠٤]
https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=119091&page=41
: [١٠٤] تحت عنوان: [ الْأَنْصَار]
-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*/-*/
ذكر العقبة الأولىٰ] :
ومن الحوادث في هذه السنة [إحدىٰ عشرة من النبوة ] :
خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم عامئذ إلى الموسم وقد قدم وفد من [أرض] الأنصار اثني عشر « „١٢ .‟» : رجلا ، فلقوه بالعقبة، وهم:
« „١. ‟» :«أسعد بن زرارة»،
و
« „٢. و ٣ .‟» :«عوف ومعوذ [في ابن هشام: « معاذ »] ابنا الحارث بن رفاعة،
و
« „٤.‟» :«رافع بن مالك بن العجلان»،
و
« „٥. ‟» :«ذكوان [قال ابن هشام:«ذكوان مهاجري أنصاري»] بن عبدقيس بن خلدة»،
و
« „٦.‟» :«عبادة بن الصامت»،
و
« „٧.‟» :«يزيد بن ثعلبة بن خزْمة»،
و
« „٨. ‟» :«عباس بن عبادة بن نضلة»،
و
« „٩ .‟» :«قطبة بن عامر بن حديدة»،
و
« „١٠ .‟» :«أبوالهيثم بن التيهان» واسمه: مالك،
و
« „١١ .‟» :«عويم بن ساعدة».
و
«„١٢ .‟» :«جابر بن عبدالله بن رئاب».
فبايعهم رسول اللهصلى الله عليه وسلم.
فروى عبادة بن الصامت [كما ورد الخبر في:
- سيرة ابن هشام : ج: (1)؛ ص: (433)،
و
تاريخ الطبري : ج: (2)؛ ص: (356)،
و
دلائل النبوة : ج: (2)؛ ص: (436)،
و
ابن سعد : ج: (1)؛ ص: (220)]
قال: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولىٰ ونحن اثنا عشر رجلا أنا أحدهم، فبايعناه علىٰ بيعة النساء(!)، علىٰ أن :
« „١.‟» :«لا نشرك باللَّه شيئا»،
و
« „٢.‟» :«لا نسرق»،
و
« „٣.‟» :«لا نزني».
و
« „٤. ‟» :«لا نقتل أولادنا»،
و
« „٥. ‟» :«لا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا»،
و
« „٦.‟» :«لا نعصيه في معروف»-
وذلك قبل أن تفرض الحرب.
قال::«فإن وفيتم بذلك فلكم الجنة، وإن غشيتم شيئا فأمركم إلى الله، إن شاء غفر، وإن شاء عذب[(8)].».
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
(1) وتأتي رواية توضح عدد السنين؛ بل تصححها فقد :
" (أ) أَخْبَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ مَوْلَى ثَقِيفٍ، حَدَّثَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، حَدَّثَ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَتَبَّعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ ".
(ب) جاءت الرواية :" أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَبِثَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَتَبَّعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوْسِمِ وَمَجَنَّةَ وَعُكَاظٍ، وَفِي مَنَازِلِهِمْ بِمِنًى " .
وعليه نعتمد هذه الرواية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ]
[ ١٠٩ ]: „ البيعتان ‟
«الْفَصْلُالْأَوَّلُ »: (العقبة الأولىٰ)
‏الخميس‏، 24‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏27‏ يناير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيّ ُمِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ - حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-

الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
27 / 01 / 2022, 05 : 06 PM
( ١١٠) قَارِئُ الْمَدِينَةِ
التَّمْهِيدُ لمسألة مُقْرىء المدينة:

مِن الشخصيات المحورية في السيرة النبوية المحمدية العطرة؛ وشخصية ذات أهمية قصوىٰ في سير الأحداث وتسلسل المواقف زمن النبوة الخالد؛ نحتاجها نحن اليوم لــ دراستها كي نعيد التقييد بالهدي النبوي؛ والتمسك به وتفعيله في الحياة اليومية؛ وتلك الشخصية والتي لعبت دوراً أساسياً جوهرياً في سير الدعوة؛ خاصةً إثناء مفصل الربط والإنتقال ما بين العهد المكي والعهد المدني في يثرب -مدينة المصطفى- وقبل خروج النبي الرسول-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مهاجراً مِن مكة المكرمة -مسقط رأسه الشريف؛ وبدء نزول الرسالة الخاتمة - إلىٰ مدينته المنورة -والتي طيب الله تعالى هواءها بقدومه إليها ثم طيَّب ثراها بمرقده وبجواريه صاحبيه-؛ وما قامت به تلك الشخصية بتهيئة الأجواء وإزالة العقبات من طريق الدعوة قُبيل قدوم نبي آخر الزمان..
.. تلك الشخصية هي -بلا شك- شخصية الصحابي الجليل -رضي الله تعالىٰ عنه- :
" مُصْعَبُ بْنَ عُمَيْرٍ "
وهو : شاب مـتألق؛ أشد التألق، وكان مضربَ المثلِ في تربيته ورعايته من قِبل والديه ووجاهته وحسن هندامه وتعطره ورفاهيته بين شباب قريش"[(1)]
ونحتاج لدراسة شخصيته دراسة عملية تطبيقية؛ بعد أن صارت الكثير من قضايا الإسلام تطرح علىٰ مسامع الشباب والشبيبة بصورة مملة تقليدية خالية من المضمون.. وتلقى على أذان الكبار والعجزة مكررة معادة لا تحرك ساكناً..
فــ حين أقوم(كاتب هذه السطور) بربط الأحداث بين السابق الشامخ من سيرته العطرة وسيرة صحابته العظام وافعالهم وتصرفاتهم وبين الحاضر الحالي المخزي؛ فأنت ترىٰ المسلم الذي يعيش في بلاد الغرب؛ خاصةً -سواء طالب علم من جامعات أورُبا.. أو باحث عن عمل؛ أو لاجئ أو مَنْ يعلو منبر مصلىٰ أو من يتولىٰ إدارة صفحة إلكترونية ينشر من خلالها ما يرضي رغبة جمهور متابعيها علىٰ الشبكة العنكبوتية -الإنترنت- دون فائدة علمية.. أو مسؤول أمام حكومات الغرب يقوم برعاية شؤون مَن يتولىٰ أمرهم؛ أو ممثل بعثة دبلوماسية لــ حكومة دولته-.. هؤلاء جميعاً.. لم يتمثل أحد منهم -إلا مَن رحم ربي؛ وهم قلة- شخصية هذا الشاب -رضي الله عنه- كقدوة بعد الإسوة الحسنة والقدوة الطيبة لـ رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في حمل الدعوة لــ سكان القارة الأورُبية أو الأمريكيتين أو أستراليا؛ أو في كيفية عرض أفكار وقيّم الإسلام ومفاهيمه وقناعاته ومقاييسه بإسلوب يتناسب مع مَن يخاطبهم بلغتهم الأم.. إلا في حالات نادرة كندرة الكبريت الأحمر؛ صحيح يوجد ما يزيد عن خمس ترجمات لمعاني القرآن العظيم باللغة الألمانية؛ ولكنها عسيرة الفهم لناطقي اللغة نفسها؛ وتحتاج لمن يشرح جمل الترجمة ويوضحها..
وقد تحول التواجد في الغرب إما إلىٰ :
- محاولة إندماج من طرف واحد داخل المجتمع
أو
- صراع لفظي
أو
- عراك مادي؛ وهذا الصراع أو العراك يعود لغياب المؤسسات الرسمية -داخل أو خارج دول الغرب- أو التجمعات الأهلية -في الغرب- العربية منها أو مَن تتجمع تحت مسمىٰ إسلامي..
أقول (الرَّمَادِيُ): غاب عن الجميع أو يكاد عرض الإسلام بشكل ملفت للنظر في حمل الدعوة وتبيان أحكامه العقائدية والعملية الحياتية؛ خاصةً المتعلقة بالناحية الإجتماعية -علاقة الرجل بالمرأة؛ وما يترتب عليها- أو تبيان علاقة المسلم بغير المسلم [الكافر بعقيدة التوحيد.. والكافر بنبوة خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين] في مجتمع غير إسلامي تعلوه مسحة دينية كهنوتية..
والملاحظ أنه يمكن القول -على أفضل تقدير- أنه يتم تبيان الإسلام بشكل غير مدروس أو ممنهج وفق معايير الإسلام وقيمه؛ والمفارقة أن مَن أسلم من أهل الغرب كان نتيجة إطلاعاته على أساس الإسلام- القرآن الكريم وسنة النبي- وليس بناء على سلوكيات المسلمين؛ إلا في حالات الزواج المختلط(!)؛ فتؤمن الزوجة[النصرانية أو اليهودية] بإسلام زوجها نتيجة معاشرته بالمعروف معها؛ بناءً على الآية الكريمة والتي تقول : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا :«„ لِّتَسْكُنُوا ”»؛ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم :«„ مَّوَدَّةً ”»؛ وَ :«„ رَحْمَةً ”»؛ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون } [الروم:21] وهي حالات أيضا نادرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مَدْخَلٌ:


ومما يدعوني الى الكتابة عن أحد صحابة النبي الكرام؛ قول النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«إنَّ اللهَ اختار أصحابي على العالمينَ؛ سِوَى النبيِّين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً - يعني - : أبابكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليًّا ،رحمَهُم اللهُ؛ فجعلهم أصحابي. وقال في أصحابي : كلُّهم خيرٌ. واختار أمتي على الأممِ، واختار [من] أمتي أربعةَ قرونٍ: القرنُ الأولُ، والثاني، والثالثُ، والرابعُ »(*) .
وبناءً على ما قاله نَّبيِّ الهدى -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « لا تسبوا أصحابي .. فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه » .
ولأن حبهم وتوقيرهم:" من أجل فضائلهم ومناقبهم.. لأن محبة الصحابة لكونهم صحبوا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ونصروه وآمنوا به وعزروه و واسوه بالأنفس والأموال.. فمن أحبهم فإنما أحب النبي-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فحب أصحاب النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين- عنوان محبته وبغضهم عنوان بغضه.. كما جاء في الحديث الصحيح : [ حب الأنصار من الإيمان وبغضهم من النفاق ] وما ذاك إلا لسابقتهم ومجاهدتهم أعداء الله بين يدي رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وإنما يعرف فضائل الصحابة -رضي الله عنهم- من تدبرأحوالهم وسيرهم وآثارهم في حياة رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وبعد موته من المسابقة إلى الإيمان والمجاهدة للكفار والمشركين ونشر الدين واظهار شعائر الإسلام وإعلاء كلمة الله ورسوله وتعليم فرائضه وسننه ولولاهم ما وصل إلينا من الدين أصل ولا فرع ولا علمنا من الفرائض والسنن سنة ولا فرضا ولا علمنا من الأحاديث والأخبار شيئا .
ويكفينا ما ذكره" الله -تعالى ذكره- في كتابه من ثنائه عليهم؛ وما لرسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من ثنائه عليهم وفضائلهم ومناقبهم وحبهم" . [(2)]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وضَيفُنا هو:
" مُصْعَبُ بْنَ عُمَيْرٍ "
الذي :
«„ كَانَ قَبْلَ إسْلَامِهِ مِنْ أَنْعَمِ قُرَيْشٍ عَيْشًا وَأَعْطَرِهِمْ طيباً[(3)].. وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبّانِهِ.. وَكَانَتْ أُمّهُ تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الثّيَابِ.. وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكّةَ.. يَلْبَسُ الْحَضْرَمِيّ مِنْ النّعَالِ.. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُهُ فَيَقُولُ: "مَا رَأَيْت بِمَكّةَ أَحْسَنَ لَمّةً وَلَا أَرَقّ حُلّةً وَلَا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ" [ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ]. وَذَكَرَ أَيْضًا بِإِسْنَادِ لَهُ قَالَ كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَى مَكّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا وَسِنّا.. وَكَانَتْ أُمّهُ شَدِيدَةَ الْكَلَفِ بِهِ وَكَانَ يَبِيتُ وَقَعْبُ الْحَيْسِ[(4)] عِنْدَ رَأْسِهِ يَسْتَيْقِظُ فَيَأْكُلُ.. فَلَمّا أَسْلَمَ أَصَابَهُ مِنْ الشّدّةِ مَا غَيّرَ لَوْنَهُ وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ وَنَهَكَتْ جِسْمَهُ حَتّى كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ وَعَلَيْهِ فَرْوَةٌ قَدْ رَفَعَهَا، فَيَبْكِي[(!؟)] لِمَا كَانَ يَعْرِفُ مِنْ نِعْمَتِهِ[(5)]
قلت( الرَّمَادِيُ) : وهذا في سبيل حمل الدعوة وفق المنهاج المصطفوي والطريقة السُنية المحمدية.. والكيفية الرسولية النبوية وفق الشريعة الإسلامية.. وليس كما نرىٰ ونسمع ونشاهد كما يحدث مِن بعض الحركات والجماعات ذات الوشاح الإسلامي دون حقيقة الإسلام الحنيف؛ والذي جاء به نبي الهدى ورسول الرحمة.
.. ثم تأتي الضغوط النفسية والمعاناة السرية فَــ قد حَلَفَتْ أُمّهُ حِينَ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ أَلّا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ وَلَا تَسْتَظِلّ بِظِلّ حَتّى يَرْجِعَ إلَيْهَا، فَكَانَتْ تَقِفُ لِلشّمْسِ حَتّىٰ تَسْقُطَ مَغْشِيّا عَلَيْهَا، وَكَانَ بَنُوهَا يَحْشُونَ فَاهَا بِشِجَارِ وَهُوَ عُودٌ فَيَصُبّونَ فِيهِ الْحَسَاءَ لِئَلّا تَمُوتَ ”»[(6)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
[ 1. ] وضيفنا هو الشاب الذي تخرج مِن :«„ المدرسة ”» المصطفوية :«„ دار الأرقم بن أبي الأرقم ”» بالقرب مِن الصفا؛ ثم أتم تعليمه في :«„ الأكاديمية ”» المحمدية..
ثم هو :"[ أحد مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ] فِرَارًا بِدِينِهِمْ مِنَ الْفِتْنَةِ[(7)] ..
فَــ
قَدْ تَقَدَّمَ - نُشر علىٰ موقع (ملتقى أهل العلم) - بحوث عن:"
- الإيذاء على يد سفهاء المشركين (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia19.htm#80)؛
- الإيذاء البدني لصاحب الدعوة ! (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia19.htm#81)؛
- الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia19.htm#82)؛
- المستضعفون (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia19.htm#83)؛
- أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#84)؛
- عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَة (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#85)؛
- أَبُو فُكَيْهَةَ (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#86)؛
- جَارِيَةٌمِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#87)؛
- صحابِيَّةٌرُومِيَّةٌ (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#88)﴿زِنِّيرَةُ ﴾ (http://www.aymanwahdan.at/austria_today/1_ramadi_sira_nabwia20.htm#88)..
فقد"- ذِكْرُ أَذِيَّةِ الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانُوا يُعَامِلُونَهُمْ بِهِ مِنَ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ، وَالْإِهَانَةِ الْبَالِغَةِ، وَكَانَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ حَجَزَهُمْ عَنْ رَسُولِهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَمَنَعَهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ خُرُوجَهُمْ إِلَيْهَا - أَرْضِ الْحَبَشَةِ - فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْبِعْثَةِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ، وَأَنَّهُمُ انْتَهَوْا إِلَى الْبَحْرِ مَا بَيْنَ مَاشٍ وَرَاكِبٍ، فَاسْتَأْجَرُوا سَفِينَةً بِنِصْفِ دِينَارٍ إِلَى الْحَبَشَةِ، منهُمْ :" ... ( مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ).. [(8)].

:" فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ كَانَتْ فِي الْإِسْلَامِ ".
أتكلم (الرَّمَادِيُ) عن الدور الجوهري والأساسي الذي قام به :" مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ". في يثرب؛ مدينة رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
تبدء الأحداث بُعيد" بَدْءِإِسْلَامِ الْأَنْصَارِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-:"
ولكي نربط الأحداث بعضها ببعض ..
فقد :" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ إِظْهَارَ دِينِهِ وَاعِزَازَ نَبِيِّهِ، وَإِنْجَازَ مَوْعِدِهِ لَهُ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فِي الْمَوْسِمِ الَّذِي لَقِيَهُ فِيهِ النَّفَرُ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ لَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا".
[الرجاء : مراجعة الفقرات ترقيم خاص من 102 إلى 109].
فالحديث هنا عن :
" [(9)]:"بيعة العقبة الأولى: فقد
* .] كانت بيعة العقبة الأولى في السنة الثانية عشرة من مبعثه-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-وفي موسم الحج. ".
.. :" فَجَلَسُوا مَعَهُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-فَدَعَاهُمْ إِلَىٰ اللَّهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ، وَتَلَا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ.
قَالَ: وَكَانَ مِمَّا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ -أهل يثرب- فِي الْإِسْلَامِ أَنَّ يَهُودَ كَانُوا مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، وَكَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَعِلْمٍ، وَكَانُوا هُمْ أَهْلَ شِرْكٍ أَصْحَابَ أَوْثَانٍ، وَكَانُوا قد غزوهم ببلادهم، فَكَانُوا إِذا كَانَ بَينهم شئ قَالُوا: إِنَّ نَبِيًّا مَبْعُوثٌ الْآنَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانَهُ نَتَّبِعُهُ، نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَإِرَمَ.
فَلَمَّا كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أُولَئِكَ النَّفَرَ وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ لبَعض:
" يَا قوم تعلمُونَ وَالله إِنَّه النَّبِي الَّذِي تَوَعَّدَكُمْ بِهِ يَهُودُ، فَلَا يَسْبِقُنَّكُمْ إِلَيْهِ.."...
فَأَجَابُوهُ فِيمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، بِأَنْ صَدَّقُوهُ وَقَبِلُوا مِنْهُ مَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَالُوا :" إِنَّا قَدْ تَرَكْنَا قَوْمَنَا .. وَلَا قَوْمَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ وَالشَّرِّ مَا بَيْنَهُمْ، وَعَسَىٰ أَنْ يَجْمَعَهُمُ اللَّهُ بِكَ، فَسَنَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَنَدْعُوهُمْ إِلَىٰ أَمْرِكَ وَنَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَجَبْنَاكَ إِلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ، فَإِنْ يَجْمَعْهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ فَلَا رَجُلَ أَعَزُّ مِنْكَ.."..
فَأَسْلَمُوا وَوَاعَدُوهُ إِلَىٰ قَابِلٍ.
.. انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إِلَىٰ بِلَادِهِمْ قَدْ آمَنُوا وَصَدَّقُوا "..
إذاً فهم :
" رَجَعُوا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ،
ثُمَّ
" وَأَرْسَلُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- معَاذ بن عَفْرَاءَ.. وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا يُفَقِّهُنَا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهنا مفصلية في سير الأحداث وذات أهمية قصوى في بلاد الغرب.. مِن تعلم أحكام الإسلام من عقائد وفقه؛ وخاصةً الجيل الثاني والثالث من ابناء التجمعات العربية والإسلامية غير ناطقة بعربية القرآن وعربية سنة رسول الإسلام؛ فمن يقوم بتعليمهم وتدريسهم!؟..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ فَنَزَلَ عَلَىٰ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ.
فــ
* .] الدعوة الأولىٰ في المدينة قبل الهجرة إليها بعث رسول الله-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مصعب بن عمير لــ
*.] يقرئهم و
*.] يعلمهم الإسلام و
*.] يفقههم في الدين فــ
كان يسمىٰ (مقرىء المدينة) وكان منزله على أسعد بن زرارة.
إذاً فقد :
" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُ الْقَوْمُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَعَهُمْ
مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ عَبْدِالدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ،
وَ
أَمَرَهُ".
١ .] أَنْ يُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ، وَ
٢ . ] يُعَلِّمَهُمُ الْإِسْلَامَ
٣ .] وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ.
". ثُمَّ يَقُولُ ابْنُ إِسْحَاقَ:.. قَالُوا كُلُّهُمْ: فَنَزَلَ مُصْعَبٌ عَلَىٰ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ،[ بن عدس أبي أمامة.".][(10)]فَكَانَ يُسَمَّىٰ بِالْمَدِينَةِ
الْمُقْرِئَ[(11)].
" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَؤُمَّهُ بَعْضٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. ".
" وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَتَبَ إِلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ(***) ، [وَفِي إِسْنَادِهِ غَرَابَةٌ ] .. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
ولكي لا أظلم (الرَّمَادِيُ) أحداً؛ فبعض من يعتلي المنبر في الغرب يقوم بهذه الأدوار الثلاثة؛ ولكن ما غاب عنهم جميعاً هو ..
... ومن هنا يبدء
دور رابع :
" قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ، وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبى بكر ابْن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ خَرَجَ بِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ يُرِيدُ بِهِ دَارَ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ وَدَارَ بَنِي ظَفَرٍ، وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ابْنَ خَالَةِ أسعد بن زُرَارَة، فَدخل حَائِطًا مِنْ حَوَائِطِ بَنِي ظَفَرٍ عَلَى بِئْر يُقَال لَهَا: بِئْرُ مَرَقٍ،
فَجَلَسَا فِي الْحَائِطِ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِمَا رِجَالٌ مِمَّنْ أَسْلَمَ.
وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بن الْحضير يَوْمَئِذٍ سَيِّدًا قَوْمِهِمَا مِنْ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ، وَكِلَاهُمَا مُشْرِكٌ عَلَىٰ دِينِ قَوْمِهِ[12)].
[قال الطبري:" وكان سعد بن معاذ بن النعمان ابن امرئ القيس، ابن خالة أسعد بن زرارة.]
فَلَمَّا سَمِعَا بِهِ قَالَ سَعْدٌ ابن معاذ لِأُسَيْدٍ بن حضير:
لَا أَبَا لَكَ! انْطَلِقْ إِلَىٰ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ قَدْ أَتَيَا دارينا ليسفها ضعفاءنا فازجرهما وانههما أَنْ يَأْتِيَا دَارَيْنَا، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنِّي حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ كَفَيْتُكَ ذَلِكَ، هُوَ ابْنُ خَالَتِي وَلَا أَجِدُ عَلَيْهِ مُقَدَّمًا.
قَالَ: فَأَخَذَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَرْبَتَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْهِمَا،
فَلَمَّا رَآهُ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ قَالَ لِمُصْعَبٍ: هَذَا سَيِّدُ قَوْمِهِ، وَقَدْ جَاءَكَ، فَاصْدُقِ اللَّهَ فِيهِ.
قَالَ مُصْعَبٌ: إِنْ يَجْلِسْ أُكَلِّمْهُ.
قَالَ فَوَقَفَ عَلَيْهِمَا مُتَشَتِّمًا فَقَالَ: مَا جَاءَ بِكُمَا إِلَيْنَا تُسَفِّهَانِ ضُعَفَاءَنَا؟
اعْتَزِلَانَا إِنْ كَانَتْ لَكُمَا بِأَنْفُسِكُمَا حَاجَةٌ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عقبَة: فَقَالَ لَهُ غُلَام: أَتَيْتنَا فِي دَارنَا بِهَذَا الرعيد الْغَرِيب الطريد ليتسفه ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ وَيَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ. ".
" ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ:
أَوَ تَجْلِسُ فَتَسْمَعُ، فَإِنْ رَضِيتَ أَمْرًا قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ كُفَّ عَنْكَ مَا تَكْرَهُ.
قَالَ: أَنْصَفْتَ.
قَالَ: ثُمَّ رَكَّزَ حَرْبَتَهُ وَجَلَسَ إِلَيْهِمَا، فَكَلَّمَهُ مُصْعَبٌ بِالْإِسْلَامِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.
فَقَالَا فِيمَا يُذْكَرُ عَنْهُمَا: وَاللَّهِ لَعَرَفْنَا فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ.
ثُمَّ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ! ..
كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَرَدْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا فِي هَذَا الدِّينِ؟
قَالَا لَهُ: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ، ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ ثمَّ تصلي.
__________
فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ وَتَشَهَّدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: إِنَّ وَرَائِي رَجُلًا إِنِ اتَّبَعَكُمَا لَمْ يَتَخَلَّفْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِ، وَسَأُرْسِلُهُ إِلَيْكُمَا الْآنَ، سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ.".
" ثُمَّ أَخَذَ حَرْبَتَهُ وَانْصَرَفَ إِلَىٰ سَعْدٍ وَقَوْمِهِ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ، فَلَمَّا نظر إِلَيْهِ سعد ابْن معَاذ مُقبلا
قَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أُسَيْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ.
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَىٰ النَّادِي قَالَ لَهُ سَعْدٌ: مَا فعلت؟
قَالَ: كلمت الرجلَيْن، فوالله مَا رَأَيْتُ بِهِمَا بَأْسًا، وَقَدْ نَهَيْتُهُمَا فَقَالَا: نَفْعَلُ مَا أَحْبَبْتَ.
وَقَدْ حُدِّثْتُ أَنَّ بَنِي حَارِثَة خَرَجُوا إِلَىٰ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ لِيَقْتُلُوهُ، وَذَلِكَ أَنهم عرفُوا أَنه ابْن خالتك ليحقروك.
[عند الطبري:"ليخفروك]
قَالَ: فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُغْضَبًا مُبَادِرًا تَخَوُّفًا لِلَّذِي ذُكِرَ لَهُ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ، وَأَخَذَ الْحَرْبَةَ فِي يَدِهِ
ثُمَّ
قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَاكَ أَغْنَيْتَ شَيْئًا.
ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمَا سعد، فَلَمَّا رآهما مُطْمَئِنين عرف أَن أسيدا إِنَّمَا أَرَادَ أَن يسمع مِنْهُمَا، فَوقف عليهما متشتما
ثمَّ
قَالَ لاسعد بن زُرَارَة: وَالله يَا أَبَا أُمَامَةَ وَاللَّهِ لَوْلَا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ مِنَ الْقَرَابَةِ مَا رُمْتَ هَذَا مِنِّي، أتغشانا فِي دَارنَا بِمَا نَكْرَهُ؟
قَالَ: وَقَدْ قَالَ أَسْعَدُ لِمُصْعَبٍ:
جَاءَك وَالله سيد من وَرَائه [من] قَوْمُهُ إِنْ يَتَّبِعْكَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْكَ مِنْهُمُ اثْنَانِ
قَالَ: فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ: أَوَ تَقْعُدُ فَتسمع، فَإِن رضيت أمرا رغبت فِيهِ قَبِلْتَهُ، وَإِنْ كَرِهْتَهُ عَزَلْنَا عَنْكَ مَا تَكْرَهُ.
قَالَ سَعْدٌ: أَنْصَفْتَ،
ثُمَّ
رَكَّزَ الْحَرْبَةَ وَجَلَسَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ.
وَذَكَرَ مُوسَىٰ بْنُ عُقْبَةَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الزُّخْرُفِ.
قَالَ: فَعَرَفْنَا وَاللَّهِ فِي وَجْهِهِ الْإِسْلَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، فِي إِشْرَاقِهِ وَتَسَهُّلِهِ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: كَيْفَ تَصْنَعُونَ إِذَا أَنْتُمْ أَسْلَمْتُمْ وَدَخَلْتُمْ فِي هَذَا الدِّينِ.
قَالَا: تَغْتَسِلُ فَتَطَّهَّرُ وَتُطَهِّرُ ثَوْبَيْكَ ثُمَّ تَشْهَدُ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثمَّ تصلي رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ: فَقَامَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثَوْبَيْهِ وَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقِّ، ثُمَّ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ.
ثُمَّ
أَخَذَ حربته، فَأقبل عَائِدًا إِلَىٰ نَادِي قَوْمِهِ وَمَعَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، فَلَمَّا رَآهُ قَوْمُهُ مُقْبِلًا .. قَالُوا: نَحْلِفُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَجَعَ إِلَيْكُمْ سَعْدٌ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مِنْ عِنْدِكُمْ.
فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ: يَا بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ كَيْفَ تَعْلَمُونَ أَمْرِي فِيكُمْ؟
قَالُوا: سَيِّدُنَا وَأَفْضَلُنَا رَأْيًا وَأَيْمَنُنَا نَقِيبَةً.
قَالَ: فَإِنَّ كَلَامَ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حرَام حَتَّىٰ تؤمنوا بِاللَّه وَرَسُوله.
قَالَ: فو الله مَا أَمْسَىٰ فِي دَارِ بَنِي عَبْدِالْأَشْهَلِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا مُسْلِمًا أَوْ مُسْلِمَةً.
وَرجع سعد وَمصْعَب إِلَىٰ منزل أسعد بن زُرَارَة، فأقاما عِنْدَهُ يَدْعُوَانِ النَّاسَ إِلَىٰ الْإِسْلَامِ، حَتَّىٰ لَمْ تَبْقَ دَارٌ - أَيْ مَحَلَّةٌ، مِنْ دُورِ الْمَدِينَة- مِنْ دَوْرِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْلِمُونَ.
إِلَّا مَا كَانَ مِنْ دَارِ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ، وَخَطْمَةَ، وَوَائِلٍ، وَوَاقِفٍ، قَبِيلَةِ أَبِي قيس، ثبطهم عَن الاسلام". وَتِلْكَ أَوْسٌ، وَهُمْ مِنَ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ. ".
* . ] انتهاء المهمة الدعوية:
قبل حلول موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة عاد مصعب بن عمير إلى مكة ليبشر الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بنجاحمهمته بتوفيق من الله عز وجل. ".
قلت: وهذا الدور الرابع من افعال مصعب بن عمير غاب عن المسلمين!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
تتبقى بإذنه تعالى بحوث :" الشخصيات المحورية في الإسلام!"..
(*)رواه: جابر بن عبدالله؛ انظر: الألباني؛ في: السلسلة الضعيفة: (6123)؛ الحديث: ضعيف.
وبتتبع الأحاديث والتي جاءت بصيغة :"إن الله أختار اصحابي" . تبين أنها ضعيفة مثل :
*.) ما رواه جابر بن عبدالله؛ انظر : الذهبي؛ في : ميزان الاعتدال: (2 /442)؛ الحديث: فيه عبدالله بن صالح الجهني له مناكير ".
*.) :" إنَّ اللهَ اختارَ أصحابي على جميعِ العالمينَ... الحديثَ بطولِه. رواه أيضاً: جابر بن عبدالله؛ انظر: النسائي؛ في: تهذيب التهذيب: (5/258 )؛ الحديث: موضوع
*.) :" إنَّ اللهَ اختارني واختار لي أصحابي وأصهاري ، وسيأتي قومٌ يَسُبُّونَهُم ويُبْغِضُونَهم فلا تُجَالِسُوهُم ولا تُشَارِبُوهُم ولا تُوَاكِلُوهُم ولا تُنَاكِحُوهُم". رواه: عبدالله بن عباس؛ انظر: الألباني؛ في: ضعيف الجامع؛ (1537 )؛ الحديث:ضعيف".
*.) :" إنّ َاللهَ اختارني واختار لي أصحابي، فجعل لي منهم وُزَرَاءَ وأصهارًا وأنصارًا، فمَن سَبَّهُم فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللهُ منه صَرْفًا ولا عَدْلًا". رواه: عويم بن ساعدة الأنصاري؛ انظر: الألباني؛ في : ضعيف الجامع: (1536)؛ الحديث: ضعيف ". وانظر: في: السلسلة الضعيفة: (3036) ؛ الحديث: ضعيف".
قلت: " وأعجبُ أن :" الذهبي؛ محمدبن عثمان؛ قد ذكر طائفة من هذه الأحاديث في كتابه:" الكبائر " ولم يعلق البته على درجة الصحة أو الضعف فيما استند إليه من أحاديث في باب : " الكبيرة السبعون : سب أحد من الصحابة -رضوان الله عليهم- ".!
(**) مخرج في الصحيحين.
(***) الحديث لا يصح أو إسناده فيه ضعف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
‏الخميس‏، 24‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~ ‏27‏ يناير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيّ ُمِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-

الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
29 / 01 / 2022, 20 : 02 AM
( ١١١ ) ﴿بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الثَّانية﴾ :
:" حدثت هذه البيعة: سنة 13 من البعثة المحمدية؛ وهي التي تعرف في السيرةالنبوية ببيعة العقبة الكبرىٰ ".
مَدْخَلٌ لــ قصص الأنبياء - علّيهم السلام- وسَيَّر الصحابة[(1)]- رضوان الله عليهم- "
.. إسلامُ خاتمِ الأنبياء؛ وهَديُّ آخرِ المرسلين؛ وطريقةُ متممِ المبتعثين: محمد بن عبدالله- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - النبي الأمين والرسول المختار الشفيع.. إسلامه لا يختلف عن طريق السادة العظماء الأنبياء وكبار السادة المرسلين -صَلَّوات اللَّهُ تعالى عَلَيْهِم وَتبريكاته وَسَلَّاَماته- الذين سبقوه في طريق عرض وحمل الدعوة من حيث مبدأ العقيدة وأساس الإيمان؛ و توحيد مسألة الآلهية وإثبات الحاكمية وصفات الربوبية واسماء الله الحسنىٰ.. ولكنها قد تختلف من حيث المنهج والتشريع والأحكام العملية السلوكية والفقهية اليومية، فقال -عزَّ وعلا وتقدس وسما-: { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا }[المائدة:48]؛ وقد قَصَّ اللهُ -تعالى- علينا في كتابه الكريم ما يكفي من قَصص بعضهم؛ وذَكَرَهم بالاسم والصفة..
ما ألزمنا دراسة أحوالهم.. والعناية بسلوك أفرادهم كــ نبراس نستضئ به في حياتنا الدنيا؛ وقصص الأنبياء تماماً كــ سيَّر الصحابة والصحابيات-رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- لم تأتِ للتسلية وملئ فراغ الوقت.. ولكنها -القَصص والسيَّر- جاءت للتعليم والدراسة والفهم والادراك والاستيعاب والقدوة والاعتبار.. وقد جاءت قَصص الأنبياء والمرسلين بقدر معلوم شابها الكثير من روايات مَن سبقنا مِن الأمم؛ خاصةً روايات بني إسرائيل بما يسمىٰ إصطلاحاً بــ „ الإسرائيليات ”؛ ولنا سماح في روايتها أيضا بقدر معلوم..
أما السيرة النبوية وأحوال مَن كانوا مع / حول الرسول الكريم- صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ ورضوان الله عليهم أجمعين فقد جاءت بالتفصيل باعتبارها الرسالة الخاتمة للبشر أجمعين كي تكون هي الطريقة العملية المعتمدة في العقيدة والإيمان والأحكام العملية اليومية السلوكية وحمل الدعوة لغير المسلمين بشكل ملفت للنظر(!)؛ خاصةً وبالتحديد ونحن قد وصلنا -في هذه البحوث- إلىٰ قرب نهاية العهد المكي.. وقبيل الإنتقال إلىٰ العهد المدني وإنشاء الكيان الإسلامي وما يتبعه من مَدٍّ له في شرق الارض المعمورة وغربها.. فشمالها.. وجنوبها.. مع ملاحظة بشكل خاص الدور الفذ الرائع الذي قام به :
« قَارِئُ الْمَدِينَةِ »[(2)]
الصحابي الجليل:
„ مصعب بن عمير ”
في تهيئة المناخ العام؛ وإصلاح البيئة في يثرب قُبيل إنتقال نبي الهدي ورسول الرحمة إلىٰ مدينته المنورة؛
و
قلتُ (الرَّمَادِيُّ) -أسفاً- أن دور الصحابي الجليل مصعب بن عمير وسيرته قد غابا ومنذ زمن عن حملة الدعوة سواء في داخل بلاد المسلمين [ولا أقول بلاد الإسلام؛ إذ اليوم المطبق من الإسلام -فقط- جزء من العبادات وليس كلها وبعض شعائره].
قلتُ (الرَّمَادِيُّ) : غابتْ دراسة سيرة هذا الصحابي الجليل في بلاد المسلمين والتي تسكنها أكثرية مسلمة أو أقلية أو في بلاد الغرب (مَن تجنس بجنسية غربية .. أمريكية أو أسترالية.. أو مقيم بحكم الدراسة أو العمل.. أو لاجئ).. دراسة عملية سلوكية..
وأتفق (الرَّمَادِيُّ) أن الكثير مِن المناطق يعاني المسلم الآمرين(!)؛ وخاصة المرأة المسلمة من سوء معاملة الآخرين لهم؛ ولكن هذا لا يتفق مع وجود منظمات إقليمية ومؤسسات رسمية وهيئات دولية عالمية تحمل الشارة الإسلامية وتتلحف بوشاح الإسلام اسماً فلا تحمل الدعوة بشكل ملفت للنظر(!) بل شجب واعتراض؛ وتوزيع كتيبات بلغات أجنبية أو مصحف مترجم يحتاج لمفسر.. الذي غاب هو التعامل الحي المؤثر مع الآخر (غير مسلم) وفق الكتاب الكريم وسنة النبي الرسول العظيم..-إلا من رحم ربي- وهذا يعود لعدم مساندة دول تدعي أنها إسلامية تتعدىٰ 57 كيانا [ما يقترب من ثلث دولة العالم].. تتجمع تحت غطاء منظمة التعاون الإسلامي.. أو هيئة إسلامية(الجماعة الإسلامية) -النمسا مثالاً- معترف بها في غالبية دول القارة الأورُبية (الاتحاد الأورُبي)؛ ولعل بحث هذا الإخفاق الظاهر يحتاج لدراسة تفصيلية أرحلها (الرَّمَادِيُّ) في بحوث قادمة(إذا أذن الرحمن -عز وجل- ووفقني العليم الخبير -صاحب الأمر والنهي- ويسر أمري.. ولم أُمنع مِن الكتابة والتفصيل(!)).
-/-*/-*/-*/-*/
.. قصدت مِن هذا المدخل أن دراسة قَصص الأنبياء كما ذُكرتْ في القرآن الكريم والذكر الحكيم والفرقان المبين يجب دراستها؛ وأيضاً دراسة سيَّر الصحابة الكرام الأكابر والصحابيات ذات الذيل الطاهر والقدر الرفيع العالي دراسة علمية فقهية سلوكية؛ إذ أننا يجب علينا :
١ . ] قراءة القرآن الكريم قراءة منهجية تشريعية فقهية سلوكية وليس فقط قراءة تجويد وتحسين(وهذا بالطبع مطلوب)؛ وقلت (الرَّمَادِيُّ) : سابقاً أنه يكفي -أولاً- دراسة آيات الأحكام؛
كما
يجب :
٢ . ] قراءة أحاديث الرسول الكريم قراءة تطبيقية سلوكية ننزلها علىٰ الأحداث والوقائع لنطبقها في الحياة. ويكفي دراسة أحاديث الأحكام؛
و
الأمر الثالث :
٣ . ] دراسة سيَّر السلف الصالح بدءاً من صحابة الرسول الكرام والصحابيات؛ فــ
دراسة سيَّر السادة التابعين لهم بإحسان؛ فــ
تابعي التابعين.. و
أضيف (الرَّمَادِيُّ) : السادة العلماء أصحاب القدم الراسخ في العقيدة والفقه!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
-*-*-
(التَّمْهِيدُ) :
مرتْ ما يقرب من :" ثلاث عشرة سنة من البعثة المحمدية وصل النبيّ الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع قريش إلىٰ طريق مسدود، فقد آمن من آمن منها، وبقي غيرهم علىٰ شركه وعناده، ولم يعد من المتوقّع أن يؤمن أحد آخر من أهلها، فلم يكن ثمّة جدوىٰ من الصبر علىٰ الأذىٰ والتحمّل، طالما أنّه لا يوجد أمل في إيمان آخرين من قريش.. فبدأت مرحلة فجر الدعوة المكّيّة بين المكيين(!) بالأفول، وأشرقت مرحلة الحفاظ علىٰ المكاسب الإيمانيّة التي حصلت، وتمّ إنقاذها من التدمير من قِبل قريش، فلا بدّ من البحث عن مكان آمن تنتقل إليه الدعوة الإسلاميّة .
فــ بعدما آمن سعد بن معاذ، وفشا ذكر الإسلام في المدينة، حتى لم يبقَ دارٌ من دور الأنصار، إلا وفيه مسلمون..
عاد مصعبُ بنُ عُمير رضي الله عنه إلى مكة المكرمة ليخبر النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- و يُبشّره بأنّ يثرب لم تَعُد بيثرب، بل طابت بالإسلام والإيمان، ومظاهر التّقوىٰ والإحسان.. عاد ليُخبره بأنّ يثرب قد مُلِئت طرقاتها من حطام الأصنام، وأنّ أبواب أهلها أضْحت مشرّعة لاستقباله واستقبال دعوته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقد حمل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم خبر إسلام أهل القوة و المنعة في المدينة. فــلم يَبْقَ إلاّ أن يأتي وفد المدينة من الأوس والخزرج، ليُبرِمُوا البيعة الثّانية لـــنصرة النبيّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فترى الجميع في انتظار موسم الحجّ على أحرّ من الجمر..
وجاء الموسم الموعود..
حان موعد الحجّ، فتداعى الحجيج إلى البيت العتيق، وسالوا من كلّ فجّ عميق . .
و
الكعبة لا تنتظر إلاّ وفدا قادما من حرّة المدينة .. فهم لا يحملون إليها أصناما.. ولا يعلّقون بها تمائم .. إنّما سيحملون معهم توحيدا طاهرا يغسل ما علق بها من أدران الشّرك والوثنيّة ..
فإنّ الكعبة اشتاقت إلى عبادة خليل الرحمن مكسر الأصنام ومحطم الأوثان : إبراهيم... والذبيح الذي طاع ربه واباه إسماعيل عليهما السّلام.. ".[(3)]
-*-*-
*.] :" بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ [الْبَرَكةِ] الثَّانيّة [ذو القعدة من العام 0 ق. ه. ~ يونيو من العام ٦٢٢ م. ]
زمنها :
السنة الثالثة عشر من النبوة - يونيو سنة 622 م-
في موسم الحج لــلــ عام الثالث عشر من النبوة[(4)] وبعد مرور عام كامل علىٰ بيعة العقبة الأولىٰ حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون نفساً مِن المسلمين مِن أهل يثرب، جاؤوا ضمن حجاج قومهم مِن المشركين.
وقد تساءل هؤلاء المسلمون فيما بينهم - وهم لم يزالوا في يثرب أو كانوا في الطريق - :
حتىٰ متىٰ نترك رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟ .
ففي أواخر العهد المكي؛ كان حال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما وصفه جابر بن عبدالله الأنصاري : (فــ يروي لنا -رضي الله عنه- عن ذلك فيقول:
« فَقُلْنَا حَتَّىٰ مَتَىٰ نَتْرُكُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟!) ..
.. هذه كانت حالة النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في نهاية المرحلة المكية؛ كما السواد القاتم الذي يسبق طلعة الفجر الساطع.
فلما قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- اتصالات سرية[(5)] ويبدو [(!)] أنّ مصعباً قَبْل حضوره إلى مكّة، كان قد رتّب اجتماعاً بين الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وبين مسلمي يثرب بعد انتهاء موسم الحجّ.
هذه الاتصالات أدت إلى إتفاق الفريقين على أن يجتمعوا في أوسط أيام التشريق[(6)] وواعدهم أن يجتمع بهم في العقبة في اليوم الثاني من أيّام التشريق ليلاً، وأمرهم بالحفاظ على سرِّيَّة الاجتماع..
في الشِعْب الذي عند العقبة حيث الجمرة الأولىٰ من منى،.
أي إلى أن يوافوه في الشِعب الأيمن إذا انحدروا من منى أسفل العقبة حيث المسجد اليوم، أي الذي يقال له مسجد البيعة[(7)] وأن يتم هذا الإجتماع في سرية تامة في ظلام الليل..
فواعد الرسول ومسلمو يثرب اللقاء في العقبة في ليلة الثاني عشر من ذي الحجة علىٰ أن يكون سرا حتىٰ لا تعلم قريش أو مشركو يثرب به فيفسدوه، ولما حان الموعد بدأ المسلمون يتسللون تسلل القطا[(8)] إلىٰ مكان الاجتماع وخرج إليهم الرسول ومعه عمه العباس وكان لا يزال مشركا ولكنه أراد أن يثبت لابن أخيه من أهل يثرب[(9)]....
...
ولنترك أحد قادة الأنصار يصف لنا هذا الإجتماع التاريخي، الذي حول مجرىٰ الأيام في صراع الوثنية والإسلام،
يقول كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه :(خرجنا إلىٰ الحج، وواعدنا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالعقبة من أوسط أيام التشريق، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لها، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حَرام[(10)]، سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، أخذناه معنا- وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا- فكلمناه،
و
قلنا له: يا أباجابر، إنك سيد من ساداتنا، وشريف من أشرافنا، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا، ثم دعوناه إلىٰ الإسلام وأخبرناه بميعاد رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إيانا العقبة،
قال: فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبا) .
قال كعب: (فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتىٰ إذا مضىٰ ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، نتسلل تسلل القطا مستخفين، حتىٰ اجتمعنا في الشِعب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان[(11)] من نسائنا:
- نسيبة بنت كعب- أم عمارة- من بني مازن بن النجار،
و
- أسماء بنت عمرو - أم منيع- من بني سلمة)[(12)] ... ومعهم مصعب ليبايعوا رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وسُر الرسول بانتشار الإسلام بين أهل يثرب ووجد فيهم المنعة و النصرة و الحماية، و وجد المسلمون في يثرب الملجأ و الملاذ و المأوىٰ فتاقت إليها نفوسهم وهفت إليها أفئدتهم وتمنوا ساعة الخلاص[(13)] ... فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حتىٰ جاءنا، ومعه (عمه) العباس بن عبدالمطلب- وهو يومئذ علىٰ دين قومه- إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه، و تَوَثَّق له، وكان أول متكلم[(14)].".
-*-*
*.] بداية المحادثة وتشريح العباس لخطورة المسؤولية :
فَقَالَ الْعَبَّاسُ عَمُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا ابْنَ أَخِي لَا أَدْرِي مَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ جَاءُوكَ....... إِنِّي ذُو مَعْرِفَةٍ بِأَهْلِ يَثْرِبَ فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ فَلَمَّا نَظَرَ الْعَبَّاسُ فِي وُجُوهِنَا قَالَ : هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا نَعْرِفُهُمْ ، هَؤُلَاءِ أَحْدَاثٌ ،[(15)] .
أقول (الرَّمَادِيُّ) : وهذا لا يخالف ما جاء أنه كان معه - صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أيضا أبوبكر وعليّ.. لأن العباس أوقف عليا على فم الشِعب عينا له، وأوقف أبابكر على فم الطريق الآخر عينا، فلم يكن معه عندهم إلا العباس والله أعلم،
وبعد أن تكامل المجلس بدأت المحادثات لإبرام التحالف الديني والعسكري، وكان أول المتكلمين هو العباس بن عبدالمطلب عم رسول الله[(16)] تكلم ليشرح لهم - بكل صراحة- خطورة المسؤولية التي ستلقىٰ علىٰ كواهلهم نتيجة هذا التحالف.
قال: ( يامعشر الخزرج - وكان العرب يسمون الأنصار خزرجا، خزرجها وأوسها كليهما- إن محمد امنا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عز من قومه[(!)]، ومنعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده[(!)]) .
و
في رواية أن العباس قال: قد أبى محمد الناس كلهم غيركم، فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب واستقلال بعداوة العرب قاطبة ترميكم عن قوس واحدة فأروا رأيكم وائتمروا بينكم، ولا تفرقوا إلا عن ملأ منكم واجتماع، فإن أحسن الحديث أصدقه.
قال كعب: فقلنا له: قد سمعنا ما قلت... فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت[(17)] .
وفي رواية: خذ لنفسك ما شئت، واشترط لربك ما شئت
وهذا الجواب يدل على ما كانوا عليه من عزم وتصميم وشجاعة وإيمان وإخلاص في تحمل هذه المسؤولية العظيمة، وتحمل عواقبها الخطيرة.

وألقى رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك بيانه، ثم تمت البيعة.
*.] بنود البيعة:
وقد روى ذلك الإمام أحمد [حديث رقم 14232 ] عن جابر مفصلا.
قال جابر: قلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟
(فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نُبَايِعُكَ. )
قَالَ: تُبَايِعُونِي:
1. ] البند الأول: عَلَى السَّمْعِ.. وَالطَّاعَةِ فِي النَّشَاطِ.. وَالْكَسَلِ، وَ
علىٰ
2. ] البندالثاني: النَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ .. وَالْيُسْرِ، وَ
عَلَى :
3- البندالثالث: الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَ
4- البندالرابع : وعلىٰ أَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَ
5- البندالخامس: [(18)]والأهم؛
عَلَىٰ أَنْ تَنْصُرُونِي فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ[(19)]، وَلَكُمْ الْجَنَّةُ.
قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ ...»[(20)] .
وفي رواية كعب- التي رواها ابن إسحاق- البند الأخير فقط من هذه البنود، ففيه قال كعب: فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال:
« أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم » .
فأخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم، والذي بعثك بالحق (نبيا) لنمنعنك مما نمنع أزرنا[(21)] فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحرب وأهل الحلقة، ورثناها كابرا (عن كابر).
ولما أراد الأنصار أن يستوثقوا لأنفسهم أيضاً من الرسول..
قال: فاعترض القول- والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبوالهيثم بن التيهان فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك، ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ .
قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ثم قال: بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم[(22)]
وفي لفظ بدل الدم «اللدم» وهو بالتحريك: الحرم من القرابات: أي حرمي حرمكم. تقول العرب: اللدم اللدم، إذا أراد تتأكيد المحالفة هدمي وهدمكم واحد، أي وإذا أهدرتم الدم أهدرته
« وذمتي ذمتكم، ورحلتي مع رحلتكم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم »
أي وعند ذلك قال لهم العباس رضي الله تعالى عنه عليكم بما ذكرتم ذمة الله مع ذمتكم وعهد الله مع عهدكم في هذا الشهر الحرام والبلد الحرام، يد الله فوق أيديكم لتجدّن في نصرته ولتشدن من أزره،قالوا جميعا نعم، قال العباس: اللهم إنك سامع شاهد، وإن ابن أخي قد استرعاهم ذمته واستحفظهم نفسه، اللهم كن لابن أخي عليهم شهيدا.
*.] التأكيد من خطورة البيعة:
وبعد أن تمت المحادثة حول شروط البيعة، وأجمعوا على الشروع في عقدها قام رجلان من الرعيل الأول ممن أسلموا في مواسم سنتي 11، 12 من النبوة، قام أحدهما تلو الآخر، ليؤكدا للقوم خطورة المسؤولية، حتى لا يبايعوه إلا على جلية من الأمر، وليعرفا مدى استعداد القوم للتضحية ويتأكدا من ذلك.
قال ابن إسحاق: لما اجتمعوا للبيعة قال العباس بن عبادة بن نضلة: هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟
قالوا: نعم،
قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا أسلمتموه، فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدنيا والآخرة.
قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف.....
فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا بذلك؟
قال:«الجنة».
قالوا: ابسط يدك. فبسط يده فبايعوه[(23)] .
وفي رواية جابر،
قال: فَقُمْنَا نُبَايِعُهُ وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ - وَهُوَ أَصْغَرُ السَّبْعِينَ -إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ ، إِنَّا لَمْ نَضْرِبْ إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْمَطِيِّ ، [أَكْبَادَ الْإِبِلِ] إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ وَأَنَّ يَعَضَّكُمُ السَّيْفُ [تَعَضَّكُمُ السيوف] فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَيْهَا إِذَا مَسَّتْكُمْ وَعَلَى قَتْلِ خِيَارِكُمْ وَمُفَارَقَةِ الْعَرَبِ كَافَّةً ، فَخُذُوهُ وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِمَّا أَنْتُمْ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خِيفَةً فَذَرُوهُ فَهُوَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ[(24)] .
*.] عقد البيعة :
وبعد إقرار بنود البيعة، وبعد هذا التأكيد.. والتأكد بدأ عقد البيعة بالمصافحة، قال جابر- بعد أن حكى قول أسعد بن زرارة-:
فَقَالُوا: يَا أَسْعَدُ أَمِطْ عَنَّا يَدَكَ فَوَاللَّهِ لَا نَذَرُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ وَلَا نَسْتَقِيلُهَا[(25)]
و
حينئذ عرف أسعد مدى استعداد القوم للتضحية في هذا السبيل، وتأكد منه - وكان هو حامل الدعوة الكبير مع مصعب بن عمير، وبالطبع فكان هو الرئيس الديني على هؤلاء المبايعين - فكان هو السابق إلى هذه البيعة.
قال ابن إسحاق: فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة أسعد بن زرارة كان أول من ضرب على يده[(26)] . . .
وبعد ذلك بدأت البيعة العامة،
قَالَ جابر: فَقُمْنَا إِلَيْهِ رَجُلًا رَجُلًا فَأَخَذَ عَلَيْنَا [البيعة] لِيُعْطِيَنَا بِذَلِكَ الْجَنَّةَ، يعطينا بذلك الجنة[(27)] .
وأما بيعة المرأتين اللتين شهدتا الوقعة فكانت قولا... ما صافح رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أجنبية قط[(28)] .
*.] اثنا عشر نقيبا
وبعد أن تمت البيعة طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم انتخاب؛ اي أن يختاروا من بينهم اثني عشر (زعيما) يكونون نقباء على قومهم، يكفلون المسؤولية عنهم في تنفيذ بنود هذه البيعة.
قال كعب: وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
« أخرجوا إليَّ منكم اثني عشر نقيبا، ليكونوا على قومهم بما فيهم».
فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس.
.. فتم انتخابهم في الحال، وكانوا تسعة في الخزرج وثلاثة من الأوس.
وهاك أسماؤهم:
نقباء الخزرج:
1- أسعد بن زرارة بن عدس.
2- سعد بن الربيع بن عمرو.
3- عبدالله بن رواحة بن ثعلبة.
4- رافع بن مالك بن العجلان.
5- البراء بن معرور بن صخر.
6- عبدالله بن عمرو بن حرام.
7- عبادة بن الصامت بن قيس.
8- سعد بن عبادة بن دليم.
9- المنذر بن عمرو بن خنيس.
نقباء الأوس:
1- أسيد بن حضير بن سماك.
2- سعد بن خيثمة بن الحارث.
3- رفاعة بن عبدالمنذر بن زبير[(29)]..
وفي رواية «أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم: إن موسى أخذ من بني إسرائيل اثني عشر نقيبا، فلا يحدث أحد في نفسه أن يؤخذ غيره، فإنما يختار لي جبريل » أي لأنه عليه الصلاة والسلام حضر البيعة.
ولما تم انتخاب هؤلاء النقباء أخذ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ميثاقا آخر بصفتهم رؤساء مسؤولين.
قال لهم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي- يعني المسلمين- قالوا: نعم[(30)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
وفي الصباح علمت قريش بأمر البيعة وأن أهل يثرب قد بايعوا محمدا ليخرج وخرجوا مسرعين إلى منازل أهل يثرب يسألوهم : إنا قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجوه من بين أظهرنا وتبايعوه على حربنا، وإنا والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم منكم، فسكت المسملون وقام المشركون من أهل يثرب يحلفون لهم ما كان من هذا شيء، وما علمناه، وعاد أهل يثرب إلى بلدهم، ولكن قريشا تيقنت خبر البيعة فخرجوا عليهم يظفرون بأهل يثرب ولكنهم لم يدركوا منهم إلا سعد بن عبادة فكتفوه وعادوا به إلى مكة يضربونه ويجرونه من شعره ولم يخلصه من بين أيديهم إلا مطعم بن عدي الذي أجاره فعاد إلى يثرب[(31)]...
وبعد هذه البيعة، قام العباس بن عبادة بن نضلة فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: والله الذي بعثك بالحق، إن شئت لنميلنَّ على أهل منى غدا بأسيافنا(!).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
« لم نؤمر بذلك، ولكنا رجعوا إلى رحالكم» ،
فرجعوا وناموا حتى أصبحوا [(32)]..
وهكذا تمت بيعة العقبة الثانية[(33)] واصبحت هجرة الرسول والمسلمين إلى يثرب أمراً محققاً، ولكنها مسألة وقت فقط .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة العطرة
(٩) [الْمُجَلَّدُ التَّاسِعُ] من سلسلة بحوث عن :
الرسالة النبوية؛ والدلائل الإعجازية؛ والدعوة الإبراهيمية؛ والبشرىٰ العيساوية؛ والشمائل المصطفوية؛ والخصائل الرسولية؛ والصفات الأحمدية؛ والأخلاق المحمدية؛ لـــــ خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين : سيدنا محمد بن عبدالله خير البرية -صلى الله عليه وآله وسلم-
بحوث :
„ ما قبل الهجرة النبوية الشريفة‟؛ على صاحبها أفضل الصلوات وأتم السلامات وكامل التبريكات وعظيم التنعيمات؛
مسألة : „ بَدْءُ إِسْلَامِ الْأَنْصَارِ ‟-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-.
„ البيعتان ‟
[ ١١٠] « بيعة العقبة الثانية... سنة 13من البعثة »
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
حُرِّرَ في يوم الجمعة 25‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443 هـ ـ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق‏ 28‏ يناير‏، 2022م من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.
-*-*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
الحواشي والمصادر:
[(1)] أهمية هذا المدخل بعنوانه... أن الذي هيأ المناخ العام والبيئة الصالحة لبناء الكيان الإسلامي الأول في يثرب والتي تحولت بعد هجرته الشريفه إلىٰ المدينة المنورة؛ ثم أنطلق المدُّ الإسلامي منها إلىٰ بقية أنحاء المعمورة..
أقول (الرَّمَادِيُّ) : أنَّ الذي قام بهذا الدور:
صحابي جليل وليس النبي الكريم نفسه.. ” مصعب بن عمير “ وهذه إشارة واضحة آلهية ومِن ثم نبوية لدور المسلم في بناء المجتمع الإسلامي.. وهذه الجزئية مِن بحثي تحتاج لمزيد تفصيل؛ ابحثها -إن شاء الله تعالىٰ- في نهاية الكتاب في مجلد :" الشخصيات المحورية في سيرة النبي المختار.ً!.
[(2)]. انظر ملتقى (أهل العلم)
[(3)]عبدالحليم تومات؛ سلسلة السيرة النبوية؛ ومجلة الوعي بتصرف.
[(4)] رحيق مختوم؛ المباركفوري.
[(5)] المصدر السابق.
[(6)] المصدر السابق.
[(7)] إنسان العيون سيرة النبي المأمون.
[(8)] طائر معروف: بالخفة والحذر ..
[(9)] الأزهر .. بحث البيعة.
[(10)] كانت فاتحة خير؛ أن أسلم هذا الصنديد السيد، عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ، الذي شهد بدرا، وقُتل في أحد، ذلك الذي قال فيه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدث ولده جابر :
" أَفَلا أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ؟ "
قَالَ جابر بن عبدالله : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ !
قَالَ : " مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ، إِلا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا، فَقَالَ : يَاعَبْدِي، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ،
قَالَ: يَا رَبِّ تُحْيِينِي؛ فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً، فَقَالَ الرَّبُّ -سُبْحَانَهُ- : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لا يَرْجِعُونَ !
قَالَ : يَا رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي "
قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: { وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ } [ أخرجه ابن ماجه (186 )؛ وصححه الألباني].
[(11)] ومن الملاحظ أن عددَ أصحابِ العقبةِ زاد خلال السنواتِ الثلاثِ الأخيرةِ من ستٍ (*٦*) إلى اثني عشر (*١٢*) إلى سبعين(*٧٠*) ..
انتبه :
لا أتحدث عن المسلمين في المدينة ! إنما أشير إلىٰ حركة حملة الدعوة الفاعلين في المجتمع اليثربي الذين كَلفوا أنفسهم مشقة السفر وتحمل تبعة البيعة؛ هذا النجاح الكبير للدعوة الإسلامية في المدينة كان بفضل رجال حملة دعوة توفر فيهم الإيمان والإخلاص والحماسة والعمل . وهذا ما غاب اليوم عند البعض!!.
[(12)] منهم اثنان وستون رجلا من الخزرج وأحد عشر رجلاً من الأوس وامرأتان من الخزرج.....
و
يذكر اليعقوبي أن عدد من حضر العقبة الثانية سبعون رجلاً وامرأتين، [جـ2، ص 38 ]..
[(13)] الأزهر ؛ بحث : البيعة.
[(14)] السيرة لــ ابن هشام: ج: ( 1 ) ؛ ص: ( 440، 441).
[(15)] المستدرك :ج: (3) [ص: 531 ]
[(16)] ووجود العباس هنا له مغزىً مهم؛ ذلك لتعلمَ الأنصارُ أن الذين يدافعون عن محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليس أتباعه فحسب ؛ إنما يَنقسمُ الذب عن محمدٍ، على المسلمين عامة، وعلىٰ آل محمد خاصة مسلمهم وكافرهم علىٰ حد سواء؛ وهؤلاء المشركون ممن هم من بني هاشم وبني عبدالمطلب هم الذين ساندوا النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في محنة الحصار؛ ودخلوا معه الشِعب بقيادة أبي طالب.
يشير العباس إلىٰ ذلك بقوله : " وَقَدْ مَنَعْنَاهُ مِنْ قَوْمِنَا مِمَّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِنَا فِيهِ".
أما قوله : " وَهُوَ فِي عِزٍّ مِنْ قَوْمِهِ وَمَنَعَةٍ فِي بَلَدِهِ "، ففيه مبالغة. وموقفه هذا، وكلمته البليغة تيك؛ إنما يهدف بذلك كما قال سيدنا كعب : " أَحَبَّ أَنْ يَحْضُرَ أَمْرَ ابْنِ أَخِيهِ، وَيَتَوَثَّقُ لَهُ " .
وفي ذلك درسٌ لأبناء الدعوة الإسلامية؛ أن يستعينوا برجالات المجتمع المنصفين ممن يُحسبون في صف المخالفين للدعوة؛ فقد تجد نماذجَ محترمة، ومعادنَ طيبة في بعض القادة والساسة والكُتاب ممن لا يعملون للفكرة الإسلامية. وواجب الدعوة أن تستفيد من هذه الرموز المنصفة خير استفادة لمصلحة الدعوة؛ كأن نَدْعُوهم لعمل مشترك، أو نوجه أحدهم لباب من أبواب الخير للدين، أو نعقد ندوة أو محاضرة لكاتب من كتابهم؛ يشرح ويطرح ما يخدم الدعوة.
علىٰ أن بعض قادة الدعوة أحيانًا يقعون في خطإٍ؛ هو العمل علىٰ تلميع هذه الرموز التي لا نضمن ولاءها الكامل للدعوة الإسلامية، وفي نفس الوقت نرىٰ بعض هؤلاء الرجال ـ من أبناء الدعوة الإسلامية ـ من لا يُحسن تفعيل الكوادر الفكرية والتربوية التي تنضوي تحت لواء الدعوة الإسلامية؛ ممن يستطيعون أن يسدوا مسد غيرهم أو يسدوا شيئًا من مسدهم.
هذا جانب من فقه موقف العباس .
وجانب آخر؛
أن يُحسن الداعية التمترس بأهله وعائلته وعشيرته؛ وأن يتخير لدعوته منهم؛ من يُوجهه التوجيه السديد لخدمة الدعوة، وهذا بالضبط ما صنعه النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مع العباس، ومع عمه أبي طالب من قبل..
[(17)] السيرة النبوية ابن هشام؛ ج: (1) ؛ ص: ( 441، 442).
[(18)] وهذه خماسيةٌ ؛ فوق سادسيةِ العام السالف، فتم للأنصارِ أحدَ عشرَ بندًا؛ هي نواة الدولة الإسلامية التي أوشكت على السطوع.
ومن الملاحظ أن بنود هذه البيعة أشد وأعلى من بنود السابقة.
أنت ترى " الإنفاق والقتال" في طيات هذه البيعة الكبرى.
إن الجهاد بالنفس والمال هو جوهر هذه البيعة العظيمة؛ فلا قوام لدعوة ولا دولة ولا خلافة دون تضحية بالنفس وبالمال . ..
[(19)] وهو الميثاق الغليظ الذي أخذه الله على الأمم السابقة؛ وقتما بُعث محمدٌ؛ لتؤمنن به ولتنصرنه :
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا ْوَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران: 81].
[(20)] رواه الإمام أحمد بإسناد حسن، وصححه الحاكم وابن حبان، انظر مختصر سيرة الرسول للشيخ عبدالله النجدي ص 155، وروى ابن إسحاق ما يشبه هذا عن عبادة بن الصامت، وفيه بن دزائد، وهو «ألا ننازع الأمر أهله» انظر ابن هشام : ( 1/ 454 ) ..
[(21)] العرب تكنىٰ عن المرأة بالإزار؛ وتكنىٰ أيضا بالإزار عن النفس.... فهي كناية عن أنفسهم ونسائهم .
[(22)] السيرة النبوية لـ ابن هشام: ج: (1)؛ ص: ( 442). وانظر أحمد في مسنده.
[(23)] السيرة النبوية لـ ابن هشام: ج: (1)؛ ص: ( 446).
[(24)] رواه الإمام أحمد من حديث جابر في مسند أحمد ابن حنبل؛ مسند جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-حديث رقم .: (14232..)...
[(25)] المستدرك: ج: (3)؛ ص:(531).
[(26)] قال ابن إسحاق: وبنو عبدالأشهل يقولون: بل أبوالهيثم بن التيهان،
و
قال كعب بن مالك: بل البراء بن معرور
[(انظر: ابن هشام؛ ج: (1)؛ ص: (447)] فــ: لعلهم حسبوا ما دار بينهما وبين الرسول صلى الله عليه وسلم بيعة، وإلا فأحرى الناس بالتقديم إذا ذاك هو أسعد بن زرارة. والله أعلم.
[(27)] مسند الإمام أحمد: حديث رقم : ( 14232) ؛ والمستدرك : ج: (3)؛ ص: (531)؛ وقال الحاكم :" هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ جَامِعٌ لِبَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
[(28)] الرحيق المختوم، بتصرف؛ أنظر صحيح مسلم؛ باب كيفية بيعة النساء: ج: (2)؛ ص: (131).
[(29)] زبير بالباء الموحدة، وقيل: بالنون. وقد قيل بدل رفاعة، أبوالهيثم بن التيهان.
[(30)] السيرة النبوية لــ ابن هشام؛ ج: (1) ؛ ص: ( 443، 444، 446).
[(31)] راجع في بيعة العقبة الأولىٰ والثانية:
- ابن هشام 2 /31 – 58،
- الطبري، جـ2، ص 360 – 394،
- ابن الأثير، جـ2، ص 68 – 70،
- اليعقوبي، ص 37 – 38،
- ابن كثير: البداية، جـ3، ص 360 –364 ..
[(32)] زاد المعاد: ج: (2)؛ ص: (51).
[(33)] تُعرف أيضاً بـــ :
- "بيعة الرجال"،
و
- بيعة :"الحرب"،
لأنها حققت بعد أن أذن الله للمسلمين بالجهاد كما تعرف أيضاً ببيعة :
- "العقبة الكبرى" تمييزاً لها من سابقتها الصغرى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
- *(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
(د.مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الجمعة‏، 25‏ جمادىٰ الثانية‏، 1443هــ ~‏ 28‏ يناير‏، 2022م

شريف حمدان
05 / 02 / 2022, 58 : 07 AM
جزاك الله خيرا

حياة العرب
10 / 02 / 2022, 06 : 12 AM
جزاكم الله خيرا

الدكتور محمد فخرالدين الرمادي
10 / 02 / 2022, 43 : 07 PM
(١١٢) ﴿أسبابُ الْهِجْرَةِ﴾ :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[ ١٠ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
بحوث : " دَارِ الْهِجْرَةِ .. وَدَارِ السُّنَّةِ ".
[ ١ . ] الْبَابُ الْأَوَّلُ : " اسْبَابُ الْهِجْرَةِ "

تقديم :
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسنِ تقويم(*)؛ فخلقنا -عزوجل- علىٰ الفطرة المستقيمة: { فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ }(**) فأمنا به رباً واحداً.. فرداً صمداً.. لا صاحبةَ له ولا ولدَ.. فـ اعتقدنا أنه الخالق الرازق المحيي المميت؛ الذي بيده الخير وهو علىٰ كل شئ قدير؛ فالحمد لله علىٰ نعمة الخلق والايجاد؛ والتنشأة والتكوين في أحسنِ تقويم..
ثم
الحمد لله علىٰ نعمة العقل والإدراك والفهم والاستيعاب؛ فبإدراكنا الموجودات المصنوعة؛ ورؤية المخلوقات المتنوعة علمنا أن هناك موجداً أوجدها -جميعها- مِن عدم؛ وصنعها دون مثال سابق يحتذىٰ به؛ فابدعها مِن غير تقليد صورة مماثلة أو جثة شاخصة..
ثم
الحمد لله علىٰ نعمة الإيمان ومبادئ الإسلام وأركان العقيدة؛ فالحمد لله علىٰ بعثة خير الأنام؛ خير ولد آدم بالتمام رسول الرحمة والسلام البشير النذير الشفيع والسراج المنير، خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين وآخر المصطفين مِن الخلق أجمعين: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فالحمد لله علىٰ تمام رسالته وكمال دينه؛ ورضاه -سبحانه- أن جعل لنا الإسلام منهاجاً وديناً ونظاماً وشريعة(***) بوحي أنزله أمين السماء جبرائيل علىٰ قلب أمين السماء والأرض محمد -عليهما السلام- ديناً حوىٰ آيات الكتاب الكريم؛ وسُنن نبوية تُبينُها بمنهاج قويم وشريعة للعقل السليم..
والحمد لله.. فــ بحسن توفيق منه -عز وجل- وتمام هداية وكامل رعاية أنهيتُ تسعةَ [ 9 ] مجلدات.. وأبدءُ في المجلد العاشر [ 10 ] مِن السيرة المحمدية النبوية علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام وعظيم البركات وكامل التحيات وعلىٰ الآل والأصحاب والتابعين لهم بإحسان؛ فاللهم تمم بخير واعصمني من الخطأ والزلل.. والشكر الجزيل الموصول لــإدارة موقع ملتقىٰ أهل العلم لتفضلها بنشر بحوثي.. وللسادة والسيدات القراء والمتابعين.
.. وارجو مِن السميع العليم أن أكونَ قد وفقتُ في ما سبق مِن البحوث -وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم- وإن كان هناك بعض المسائل المعلقة سابحثها في الإستدراكات علىٰ الموضوعات في نهاية المجلدات!..
و
إن وقعتْ عينُ المراقب علىٰ خطأٍ مني ليس مقصود.. فلينبهني لــ اصححه.. ومِن الله -تعالى ذكره- العون ومنه السداد والهداية والتوفيق..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) استنادا لقوله -عز وجل-: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم } [التين:4] .
(**) تمام الآية الكريمة : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون } [الروم:30]
(***) اعتمادا علىٰ قوله {.. الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا }[المائدة:3] .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
.. المتتبع لخطوات سير رسول الهدىٰ ونبي الرحمة -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في حمل دعوة نظام الإسلام ومنهاج الرحمن وشريعة الديان وتبليغ رسالة الهدىٰ لــ عشيرته ومِن ثم لــ قومه.. ثم عرض نفسه الزكية علىٰ مَن توسم فيهم الخير ومِن رجالات القوم ووجهائهم ووفود القبائل في مواسم الحج؛ فقد :" كان يأتي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- القبائل في منازلها، وكانت مِنى والمزدلفة وعرفة أسواقاً مِن أسواق العرب، وكانت عرفة وذو المجاز وعكاظ علىٰ طريق اليمن، والقبائل تأتي إلىٰ عكاظ مِن الطائف، فمِنى كلها أسواق تجارية (ثقافية) للعرب تجتمع فيها، ويعلنون فيها انتاجهم الأدبي، فالشاعر ينشد قصيدته، والخطيب يلقي كلمته، والتاجر يبيع سلعته مِن الحيوانات أو غيرها مِن المبيعات، ويتبادل الناس السلع والأغراض في تلك الأسواق.[(1)]
فالمشاعر كانت أسواقاً في الجاهلية، وكانت أيضاً أماكن عبادة في الحج، فكان -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعرض نفسه الزكية الآبية علىٰ القبائل في مواسم الحج، ويأتي القبائل في منازلها، ويقول لهم :
«„ أنا رسول الله، هل فيكم مَن يحميني حتىٰ أبلغ دعوة الله؟ “»؛
.. مرةً قال له رجل :„ أنا أحميك! “ ؛ فــ :„ ماذا لي مَن بعدك؟ “ ؛ قال :«„ لك ما للمسلمين “»؛ قال :„ لا؛ بل يكون لي الأمر من بعدك “؛ قال :«„ ما هي مساومة ولا ميراث “»[(1)]..
والمتتبع لــ خروجه الكريم إلىٰ الطائف لمقابلة كبار أعيان ثقيف..
ثم
وفد الخزرج في المقابلة الأولىٰ قبل الهجرة النبوية بسنتين.. وذلك في العهد المكي(*) وربط كافة مفاصل هذا العهد بمراحل الإنتقال مِن مرحلة إلىٰ آخرىٰ..
أقول(الرَّمَادِيُّ) : يغلب علىٰ ظن -المتابع- صعوبة بل استحالة قيام كيان إسلامي في مكة بما يحمل هذا الإسلام -الدين الجديد / الرسالة الخاتمة- مِن افكار راقية جديدة ليست مِن فكر البشر بل وحياً مِن رب وخالق الناس والبشر..
.. هذه الأفكار الراقية تعارض ما هو موجود داخل المجتمع المكي -وقتذاك-؛
كما
و
يدعو إلىٰ قيم عالية مخالفة تماماً لما هو عند القوم؛ ويلزم أتباعه بــ مفاهيم مرتبطة بالسلوك و مقاييس ملاصقة إثناء القيام بأي عمل أو تصرف بالجواز أو المنع و قناعات عقلية ونفسية تناقض العادات الموروثة والتقاليد المتبعة والأعراف المعمول به؛ وما رسخ في عقول وتشبعته قلوب وما يحرك بعض مشاعر الناس؛ وإن كان أهل مكة وحجاج البيت الحرام مازالوا علىٰ بقايا دين الخليل إبراهيم عَلَيْهِ السَلَّامَ-..
أقول(الرَّمَادِيُّ) : ولعل الإشكال -في سابق الزمان ولاحقه واليوم[رجب 1443/فبراير2022]- يكمن في مسألة :
- بقايا دين..
و
- بقايا عقيدة..
و
- تشويش في إيمان؛
و
- بقايا عبادات و شعائر خُلطت بالغريب عن أصل التشريع؛ و
البعيدة عن صحيح المنهاج؛ ومزجت بالعجيب والذي ليس له مرجع في صلب الدين المنزل من السماء؛ و
- بقايا مشاعر إسلامية اختلطت بالناحية الوطنية والقومية والعشائرية ثم الحزبية في نفوس الناس..
ثم غلبت المصلحة والمنفعة وحب الدنيا وسوء الطاعة مِن خلال تكتل في جماعة مسيسة أو صوفية -غلب هذا وأمور آخرىٰ- علىٰ ما جاء به الوحي المنيف بشقيه القرآن الكريم والسنة المحمدية العطرة..
.. ومن هنا جاءت أهمية دراسة السيرة المصطفوية النبوية العطرة بجزئيها؛ باعتبارها الطريقة العلمية والعملية التوضيحية والسلوكية لحياة أمة تريد أن تنهض مِن كبوتها وقد مر عليها حين من الزمان..
فــ
الجزء الأول منها -السيرةالمحمدية-: بدءَ منذ عهد آدم ومروراً بالأنبياء والرسل السابقين عليه -سلام الله تعالىٰ عليهم أجمعين-؛
أما
الثاني فمنذ بداية البعثة في مسقط رأسه الشريف بمكة المكرمة وحتىٰ إنتهاء الرسالة الخاتمة بإنتقاله إلىٰ الرفيق الأعلىٰ في مدينته المنورة..
بيد أنه يجب أن تدرس السيرة النبوية دراسة علمية تطبيقية سلوكية حياتية فقهية وليس دراسة تاريخ مضىٰ وأنتهىٰ واستحضاره في زمن مناسبات؛ واستذكاره يوم الهجرة -مثلاً- أو يوم مولده.. أو ليلة الإسراء.. وهي عند العامة من الناس والجهلة من الوعاظ في هذا الشهر الفضيل.. فنحن في رجب الأصم لعام 1443هـ~ ..
أقول(الرَّمَادِيُّ) : دراسة السيرة النبوية في عهدها المكي تختلف تماماً عن دراستها في العهد المدني؛ فدراستها خلال سنوات العهد المكي غلب عليه الجانب التنظيري؛ والعرض الفكري التأسيسي؛ والجانب العقائدي المبدئي؛ والبناء العقلي والنفسي والمشاعري لمَن سيقوم علىٰ أكتافهم بناء الكيان التنفيذي في يثرب -مدينته عليه السلام المنورة- كل هذا غلب علىٰ الجانب العملي التطبيقي -ماعدا مسألة الصلاة-
و
انتبه [ 1 ] :
لرد الرسول الكريم حين قيل له :" إفلا نميل علىٰ أهل الوادي بسيوفنا!"؛
فــ
رد قائلاً: " لم أُؤْمر بعد!؟...
استمع لما قيل.. بعد بيعة العقبة الثانية؛ والتي عرضتها في الفصل السابق :
فــ
قد قال له العبَّاسُ بنُ عُبادةَ بنِ نَضْلةَ :„ [يا رسول الله] والذي بعَثَكَ بالحقِّ، [إن] لئنْ شِئْتَ لَنُمِيلَنَّ علىٰ أهلِ مِنًى غدًا بأسيافِنا؟ “؛ قال:
فــ
قال رسولُ اللهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«„ لم أُؤمَرْ بذلك “»..
و:
«„ لكن ارجعوا إلىٰ رحالكم “». [(2)].
تنبيه [ 2 ] :
لحظة مقالة العباس بن عبادة كانت لحظة مبايعة كاملة الأركان ووجد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فيهم قوة ومنعة ومع ذلك لم يحرك ساكناً ضد كفار قريش!.. وهذا يبين الخطأ الجسيم الذي تقوم به بعض ممن ينتسب إلىٰ الإسلام -أفراداً أو جماعات- في غير ساحة معركة لحماية الوطن أو العرض أو المال مِن أعمال مادية -اعتداء لفظي أو مادي: كـ التخريب والتدمير والقتل- أو ما يسمىٰ بأعمال إرهابية؛ فهذا يخالف طريقته -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ونتائج هذه الأفعال يراها الجميع!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد :
منذ اللحظة الأولىٰ من البعثة المحمدية -الرسالة المتتمة لشرع ربنا -عز وجل- والخاتمة لمنهاجه-؛ ونزول أول آيات الذكر الحكيم؛ أول نزول آيات التبليغ؛ و "من أوَّل يومٍ في الدَّعوة الإسلاميَّة المبارَكة والرسولُ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يعلَم أنَّه سيَخرُج مِن بلده مُهاجِرًا"[(3)]؛ فنسمع الحديث الذي جرىٰ بين القِس ابن عم السيدة خديجة زوج النبي -رضي الله تعالىٰ عنهما(*)- وبين النبي المرسل محمد بن عبدالله؛ فقد كان :" ورقة أحد الْجَمَاعَة الَّذين رَغِبُوا فِي الْجَاهِلِيَّة عَن عبَادَة الْأَوْثَان، وَسَأَلَ عَن الدّين الحنيف عُلَمَاء أهل الْأَدْيَان، وَكَانَ ينْتَظر خُرُوج رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليتبعه..لِأَنَّهُ سمع أمرَه مِن أهلِ الْكتاب، ووقف علىٰ بعض صِفَاته عِنْدهم، وَكَانَت خَدِيجَة تخبره عَن أَحْوَال النَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من حِين أخْبرهَا غلامها ميسرَة الَّذِي وجهته مَعَ النَّبِي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَاجِرًا إِلَىٰ الشَّام، وَسمع مَا قالته فِيهِ الرهبان"[(4)].
فــ قال القِس له -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في أربع مفاصل تربط مراحل البعثة بــ عهديَّها المكي ثم المدني .. فلنراجع معاً ما جرىٰ :

" فَلَمَّا قضىٰ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- جواره وَانْصَرف صنع كَمَا كَانَ يصنع.. بَدَأَ بِالْكَعْبَةِ فَطَافَ بهَا، فَــ
لَقِيَهُ ورقة بن نَوْفَل وَهُوَ يطوف بِالْكَعْبَةِ فَـ قَالَ وَرَقَةُلَهُ :
„ يَا بن أخي.. أَخْبرنِي بِمَا رَأَيْت وَسمعت“؛ فَأخْبرهُ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ، فَقَالَ لَهُ ورقة :„ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ أَنَّك لنَبِيّ هَذِه الْأمة، وَلَقَد جَاءَك الناموس [جبرائيل] الْأَكْبَر الَّذِي جَاءَ مُوسَىٰ،
وَ
(١ .) 》 لَتُكَذَّبَنَّهُ(**) 》،
وَ
(٢ . ) 》 لَتُؤْذَيَنَّهُ(**) 》
وَ
(٣ . ) 》 لَتُخْرَجَنَّهُ(***)》
وَ
(٤ . ) 》 لَتُقَاتَلَنَّهُ》[سبق تخريجه تحت رقم(145)]
قلت(الرَّمَادِيُّ) : ما قاله ليس رجماً بالغيب ولكنه تحصيل حاصل ما قام به الأنبياء والمرسلين -سلام الله تعالى عليهم أجمعين- وحياً من رب العزة والملكوت مع ملاحظة ردود وأفعال الناس عامة؛ وخاصةً اصحاب المصالح وأهل المنافع!.
ثم يكمل ورقة قوله :
وَلَئِن أَنا أدْركْت ذَلِك لأنصرن الله نصراً يُعلمهُ “؛ ثمَّ أدنىٰ رَأسه مِنْهُ فَقبل يَافُوخه، ثمَّ انْصَرف رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إِلَىٰ منزله وَقد زَاده ذَلِك من قَول ورقة ثباتاً، وخفف عَنهُ بعض مَا كَانَ فِيهِ من الْهم.". [(5)] ".
فــ القس ورقة بن نوفل؛ لقراءته وإطلاعه علىٰ كتب السابقين فقد [كَانَ ورقة قد تنصر، وَقَرَأَ الْكتب، وَسمع مِن أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل،][(5)] فــ ألَمَ بأحوالهم وعلم أخبارهم وماذا جرىٰ لهم..
فــ
بدء الحديث مع السيدة خديجةبقوله :" وَإنَّهُ لنَبِيّ لهَذِهِ الْأمة، فَقولِي لَهُ فليثبت، "[(5)].
" فَرَجَعت خَدِيجَة إِلَىٰ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فاخبرته بِمَا قَالَ ورقة، فكان رد فعل محمد أن: سهل ذَلِك عَنهُ بعض مَا كَانَ فِيهِ من الْهم بِمَا جَاءَهُ"[(6)].
:" ومن ساعَتِها عَلِمَ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أنَّ الطريقَ غير ممهَّد، وليس مَفرُوشًا بالورود، بل محفوفٌ بالمخاطر والمهالك، وأنَّه مُخرَجٌ من مكَّة حَتمًا لا مَحالة.[(7)]
-*-*-
أمَّا عن أهمِّ أسباب الهجرة مِن مكة المكرمة إلىٰ المدينة المنوَّرة فهي كما يلي:
١ .] " عدم تقبُّل مكَّة للإسلام ابتداءً ":
قضَى ٰرسولُ الله -صَلَّى ٰاللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ثلاثةَ عشر عامًا في مكَّة يدعو قومه إلىٰ عبادة الله الواحد الأحد، ونبذ عبادة الأوثان، والكفر بكلِّ ما علىٰ الأرض من طواغيت، واستَعمَل -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- معهم كلَّ أساليب الرِّفق في الدَّعوة إلىٰ الله - عزَّ وجلَّ - بشتَّىٰ صُوَرِها، وكانت وسيلته في الدعوة:
- الحكمة تارة، و
- الموعظة الحسنة تارة آخرى، و
- الجِدال الرَّفيق بالتي هي أحسن،
و
منهجه دائمًا هو: ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾[(8)].. وإن كانت الآية الكريمة مدنية؛ إلا أن نسيج آيات القرآن الكريم واحد!.. فقد حرص النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حرصًا شدَّيدا؛ بل اشدَّ الحِرص علىٰ هِدايَة قومِه ودخولهم دين التوحيد، وبالرغم مِن عدم إكتمال التشريع وعدم إكتمال تمام المنهاج؛ إلا أنهم رفضوا؛ لعلمهم السابق أن إذا كان هناك آمر فسيأمرهم بإتباع أوامره؛ وقد تخالف ما اعتادوا عليه؛ وإن كان هناك ناهٍ فسينهاهم عما ألفوه من افعال[(9)].
كان رسولنا -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يريد من المجتمع المكي أنْ يُخلي بينه وبين الدعوة إلىٰ الله، ولقد كان :
- عظيم الرِّفق،
- طويل الصبر في البَلاغ،
و
سلَك إلىٰ ذلك وسائل الإقناع الواضح الرشيد،
و
من أروع هذه الوسائل أنْ يقول ما علَّمه له ربُّه أنْ يقوله ممَّا أنزله عليه من الكتاب: ﴿...وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[(10)]، وليس هو إلاَّ على الحق المبين، لكنَّه أدب المحاورة في أسمىٰ صوره.[(11)]
بل يعلِّمه أنْ يقول: ﴿ قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾[(12)] ؛ أي: إن كانت الدعوة إلىٰ تَخلِيصكم من عبادة البشر، والخضوع الذليل أمام الحجر جريمة - فليس عليكم شيءٌ من وِزر جريمة ( التوحيد ، التحريم )، فهل بعد هذا رِفقٌ في البَلاغ، وتواضعٌ في الخطاب؟[(13)]
لكنَّ الجاهليَّة المكيَّة لم تتقبَّل دعوةَ الإسلام بالكِبر الأعمىٰ، والكُفر الأصم، والعِناد الجاحد فقط، بل شنَّت عليها حربَ الإبادة فيتبجُّح مستهتر، وأبَتْ عليها حقَّ الحياة.[(14)]
" أما الذي أزعجهم؛ فقد صرحوا به واثبته القرآن بقولهم : { أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَاب } [ص:5] ؛ وما اعتادوا عليه تقبلوه؛ وخلافه رفضوه فأعلنوا : { مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَق } [(15)] . بل وشككوا في الأمر كله فقالوا : { أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَاب } [(15)]؛
و
محصلة هذا العناد :
أنَّ قريشًا أبَتْ إلاَّ أنْ تُحارِب الله ورسولَه، فبحَثَ النبيُّ عن مكانٍ آخَر يكون أكثر استِعدادًا لقبول دعوته، فكان عرض نفسه الزكية علىٰ :
- قبائل العرب في مواسمهم؛ و
- خروجه إلىٰ الطائف - سبق وبينتُ هذا الأمر- وأخيراً:
- كان هذا المكان هو يَثرِب (مدينته المنوَّرة).[(16)].
لم ينتهي الأمر عند حد الرفض والتشكيك والشك فيما يقوله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بل تجاوزه إلىٰ الإيذاء المعنوي.. ما يطلق عليه الأن التصفية النفسية - والبدني والجسدي.. ما يسمى الأن التصفية الجسدية؛ بل إيذاه في بناته بتطليقهن..
٢ .] " تعرُّضه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لــ صُنُوفٍ من الإيذاء:
لقد تعرَّض -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للابتِلاء الشَّديد والمِحَن العَصِيبة والإختبار الأليم؛ فقد آذاه قومُه بكُلِّ أنواع الإيذاء، واستَخدَمُوا معه كلَّ ما استَطاعُوا لإخماد نور وحيِه، والقَضاء علىٰ سِراج دعوَتِه في مَهدِها، وتمثَّل هذا الإيذاء بنوعَيْه: بــ
- الكلام ؛
و
- الفعل.
فبالكلام قالوا عنه -والعياذ بالله تعالىٰ-:"ساحر و شاعر و مجنون"، ومنه: لَمَّا نزلَتْ: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾[(17)]، صَعِدَ النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- علىٰ الصَّفا، فجعَل يُنادِي :«„ يا بني فِهر، يا بني عَدِيٍّ “»؛ - لبطون قُرَيش - حتىٰ اجتمَعُوا، فجعَل الرجل إذا لم يستَطِع أنْ يخرُج أرسَلَ رسولاً لينظُرَ ما هو، فجاء أبولهبٍ وقريش، فقال -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«„ أرأيتَكُم لو أخبرتُكم أنَّ خَيْلاً بالوادي تُرِيد أنْ تُغِيرَ عليكم، أكنتم مُصدِّقيَّ؟ “»؛
قالوا :„ نعم؛ ما جرَّبنا عليك إلاَّ صدقًا(*)“»؛
قال :«„ فإنِّي نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ “»؛
فقال أبولهبٍ :„ تبًّا لك سائِرَ اليوم، ألهذا جمعتَنا؟ “؛ فنزلت: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ [(18)] (**)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(*) انتبه لردهم عليه:" ما جربنا عليكَ إلا صدقاً ".
(**) صحيح البخاري" (6/ 111) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
و
" أمَّا بالفعل:
فقد روى البخاري من حديث عُروَة بن الزُّبير،قال: "سألتُ ابنَ عمرو بنِ العاص: أخبِرنِي بأشد شيءٍ صنَعَه المشركون بالنبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: بينا النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يُصلِّي في حِجرِ الكَعبة، إذ أقبلَ عُقبَةُ بن أبي مُعَيط، فوَضَع ثوبَه في عُنُقِه، فخَنقَه خنقًا شديدًا، فأقبل أبوبكرٍ حتىٰ أخَذ بمنكبه، ودفَعَه عن النبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ... ﴾ [(19)][(20)]
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما أيضًا من حديث عمرو بن ميمون: "أنَّ عبدالله بن مسعود حدَّثَه أنَّ النبيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-كان يُصلِّي عند البيت، وأبوجهل وأصحابٌ له جُلُوسٌ، إذ قال بعضهم لبعض: أيُّكم يَجِيء بسَلَى جَزُورِ بني فلان، فيضعه علىٰ ظهْر محمدٍ إذا سجَد؟ ..
فانبَعَث أشقىٰ القومِ فجاءَ به، فنظَر حتىٰ سجَد النبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فوضَعَه علىٰ ظَهرِه بين كتفَيْه، وأنا[ابن مسعود] أنظُر لا أُغنِي شيئًا، لو كان ليمَنعَة!؛ قال: فجعَلُوا يَضحَكُون ويُحِيل[يميل] بعضهم علىٰ بعض، ورسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ساجدٌ لا يَرفَعُ رأسَه، حتىٰ جاءَتْه فاطمة، فطرحَتْ عن ظهره، فرفَع رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رأسَه ثم قال :«„ اللهمَّ عليكَ بقريش “»؛ ثلاثَ [3] مرَّات، فشقَّ عليهم إذ دعا عليهم، قال: وكانوا يرَوْن أنَّ الدَّعوة في ذلك البلد مُستَجابة، ثم سَمَّىٰ :
«„ اللهم عليك بــ
- أبي جهل، وعليك بــ
- عُتبَةَ بن رَبِيعة، و
- شَيْبَةَ بن رَبِيعةَ، و
- الوَلِيد بن عُتبَة، و
- أميَّة بن خلف، و
- عُقبَة بن أبي مُعَيط “»؛ وعَدَّ السابع فلم يُحفَظ، قال: فوالذي نفسي بيَدِه، لقد رأيتُ الذين عَدَّ رسولُ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- صَرعَىٰ، في القَلِيب قَلِيب بدرٍ"[(21)].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن أواخِر المَكِيدات الفعليَّة في مكَّة اتِّفاقُهم علىٰ قَتلِه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في فِراشِه وهو ما حَكاه أهل السِّيَر؛ حيث اجتَمَع رجالٌ من قريش ذاتَ يومٍ وتشاكَوْا وتشاوَرُوا في أمر النبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وانتَهَىٰ بهم الأمرُ إلىٰ قتْله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فاقتَرَح عليهم أشقىٰ القوم أبوجَهل بن هِشام أنْ يَأخُذوا من كلِّ قبيلةٍ شابًّا فتيًّا جليدًا نسيبًا، ثم يعطوا كلَّ شابٍّ منهم سيفًا فيَضرِبوه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ضَربةَ رجلٍ واحدٍ، فيتفرَّق دمُه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-[فداه أبي وأمي] بين القبائل فلا يقدر بنو عبدمَناف علىٰ حَربِهم جميعًا، فنَجَّاه الله منهم بمنِّه وكرَمِه[(22)]. ..
.. وستأتي هذه المسألة في قابل الصفحات -إن شاء الله تعالى- بالتفصيل؛
ولم يتوقف الأمر عن إيذاه نفسيا ومعنويا وبدنيا وجسديا بل أمتدت الأيدي لكل مَن أمن به وقدروا عليه
٢ .] " النَّكال وإيقاع العَذاب بكُلِّ مَن آمَن به -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ورضوان الله تعالى عليهم أجمعين- : وقدروا عليه ولم يكن عنده منعة:
" ولم يكن إيذاء المشركين قاصرًا علىٰ الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وحدَه، بل لقد تعرَّض أكثر المؤمنين في مكَّة لألوانٍ من الفِتَن والمِحَن صبَّها عليهم المشركون صبًّا: فــ
- الكلمات البذيئة النابية، و
- الألفاظ الوقحة الجافية، و
- الصَّفع واللَّطم والرَّكل، و
- التقييد في السلاسل، و
- الحبس في الظُّلمات، و
- تعرية أجساد المؤمنين وطرحها على رمال الصحراء المتوقِّدة، و
- وَضْع الأحجار القاتلة على الصدور، و
- فَقء الأعين، و
- الكي بالحديد المحمَّى، و
- الرَّجم بالحجارة، و
- منع الطعام، وحبس الشَّراب عن السُّجَناء من المُجاهِدين في سبيل الله، و
- وضعهم للتعذيب في مُستَنقَعات المياه، و
- الجلد بالسِّياط، و
- التَّفرِيق بين الأزواج...
كلُّ ذلك وغيره ممَّا يندىٰ له جَبِينُ الإنسانيَّة، ويظلُّ عارُه يشين فاعِلِيه إلىٰيوم القيامة، وإنَّ نتَن ريحه ليُزكِم الأنوف، لكنَّهم أقدَمُوا عليه مُفاخِرين: نافَسوا الذِّئاب فكانوا أشرس منها، وتبارَوا مع السِّباع في التوحُّش والضراوة فكانت السِّباع أكرَم وأطهَر، وأعفَّ وأنبَل؛ لأنها لا تترصَّد للمؤمنين، ولا تختار فرائسها إلاَّ منهم كما فعل مع المشركين.[(23)].. والسباع لا تهجم إلا إذا كانت جائعة!!!...
كان العربي بقِيَمِه الموروثة يرىٰ الاستِئساد علىٰ المرأة نَذالة وحطَّة، ويرىٰ صيانتها والدفاع عنها شرفًا ومكرمة، لكنَّ الجاهليَّة المكيَّة حشدت أبطالها لحرب النِّساء والصِّبيان من الذين آمَنوا، واحتشدَتْ ذات يومٍ لمعركةٍ مع :«سُميَّة ».. أم عمار و زوجة ياسر، وخرَجت المرأة المؤمنة من المعركة ظافرة مُنتَصرة على كلِّ بطش قريش وإجرامها، وإنْ ظفرت منها قريش بجسدٍ من التراب جاء، وإلىٰ التراب قد عاد، نقول: إنَّ « سمية » قد انتصرت علىٰ قريش حين أرادت قريش أنْ تسلب هذه المرأة إيمانها، فما استطاعت - بكلِّ قوَّة كبرائها وصلف زُعَمائها - أنْ تَنال من يقين هذه المؤمنة المعتصمة بالله، وفي موكب غيبي باهر استَقبَلت الملائكة الكرام بالتجلية والترحاب روح :« سميَّة » لتزفَّها إلىٰ مكانها الموعود: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾[(24)][(25)].
واستمرَّت الجاهليَّة القرشيَّة في عتوِّها وصلَفِها وأثيم غُرورِها، حتىٰ تواصَلتْ بصحيفةٍ ظالمة علَّقتها علىٰ جدران الكَعبة، وبها فرضت:
- الحصار و
- المقاطعة و
- المَجاعة علىٰ المؤمنين في شِعب (حي) بني هاشم واستمرَّت هذه المقاطعة الآثِمة ثلاثة أعوام حسومًا، حتىٰ أكَلت الأرضة صحيفةَ الظُّلم وهي معلَّقة.[(25)]
كل هذا وغيره كثيرٌ كان يُحتِّم على الدَّعوة أنْ يكون لها (محضن) في غير جوِّ مكَّة الخانق القاتل.[(26)]
" عاشَ المسلمون المؤمنون الفَترةَ التي قضَوْها في مكَّة في قلق نفسي؛ إذ كان البعض منهم مُعذَّبين مُضطهَدِين، وعُبَّاد الأوثان والركع لـ الأصنام -الكافرون- لا يَرقُبون فيهم إلاًّ ولا ذمَّة، وليس لهم من ظَهْرٍ يَحمِيهم، ولا جَيْشٌ يُدافِع عنهم، ولا مَن يَذُبُّ عن بيضَتِهم - وما أشبه اليوم بالبارحة؛ في كثير من مناطق العالم-، فكان لا بُدَّ مِن خَلاصٍ لهذا الاضطهاد المستمرِّ، وهذا النَّكال المُفظِع، وهذا القلق المانع للنوم .. فكانت الهِجرَة إلىٰ المدينة لإقامة المجتَمَع الآمِن لهؤلاء المؤمنين تُمثِّل لهم ضَرُورةً مُلِحَّةً حتىٰ يَعبُدوا ربَّهم في مَأمَنٍ من الكُفرِ وأهلِه.
فهذه عائلة "آل ياسر" قد سامَهم الكُفَّار سُوءَ العَذاب مِن الضَّرب والإهانة وشدَّة التَّعذِيب، حتىٰ إنَّ النبيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مرَّ عليهم مرَّةً وهم يُعذَّبون فقال لهم -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :«„ صَبرًا آل ياسِر؛ فإنَّ مَوعِدَكم الجنَّة “»[(27)].
بل كانت :« سميَّة » أمُّ عمَّار- رضِي الله عنهما - أوَّل شهيدةٍ في سبيل الله في الإسلام.
وبلال الذي أُوذِي إيذاءً شديدًا عندما كانوا يكبُّوه- رضِي الله عنه - علىٰ الرَّمضاء في نَهار صيف مكَّة القائظ ويضَعُون الحجر علىٰ ظَهرِه حتىٰ يَرجِع عن دينه، فلا يزيد إلاَّ أن يقول :„ أحَدٌ “؛ „ أحَدٌ “؛ حتىٰ مَرَّ به أبوبكرٍ الصِّدِّيق يومًا وهم يصنَعُون به ذلك، وكانت دار أبي بكرٍ في بني جُمَح، فقال لأميَّة :„ ألاَ تتَّقِي الله في هذا المِسكِين؟ “؛ „ حتىٰ متىٰ؟ “؛ قال :"أنت أفسَدته فأنقِذه ممَّا تَرَىٰ "؛ قال أبوبكرٍ :„ أفعَلُ، عندي غلامٌ أسوَدُ أجلَدُ منه وأقوىٰ علىٰ دِينِك، أعطيكه به “؛ قال :" قد قبلتُ "؛ قال :„ هو لك “؛ فأعطاه أبوبكرٍ غُلامَه ذلك، وأخَذ بلالاً فأعتَقَه، ثم أعتَقَ معه علىٰ الإسلام قبل أنْ يُهاجِر من مكَّة ستَّ [٦] رِقابٍ، بلالٌ- رضِي الله عنه - سابعهم [٧][(28)].
وكذا كان من كَيْدِهم أمرُ الصَّحيفة الظالمة والشِّعب؛ قال ابن سيِّد الناس :„ ثمإنَّ كفَّار قريش أجمَعُوا أمرَهم واتَّفَقَ رأيُهم علىٰ قتْل رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وقالوا :" قد أفسَدَ أبناءَنا ونساءَنا "؛ فقالوا لقومه :" خُذُوا مِنَّا ديَةً مُضاعَفة ويقتُلُه رجلٌ مِن غير قُرَيش وتُرِيحوننا وتُرِيحون أنفُسَكم "؛ فأبىٰ قومُه بنو هاشم مِن ذلك، فظاهرَهُم بنوالمطَّلب بن عبدمَناف، فأجمَعَ المشركون مِن قريش علىٰ مُنابَذتهم وإخراجهم مِن مكة إلىٰ الشِّعب، فلمَّا دخَلُوا إلىٰ الشِّعب أمَر رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مَن كان بمكَّة مِن المؤمنين أنْ يَخرُجوا إلىٰ أرض الحبشة، وكان متجرًا لقريش، فكان يُثنِي علىٰ النجاشي بأنَّه لا يُظلَم عنده أحدٌ، فانطَلَق إليها عامَّة مَن آمَن بالله ورسوله، ودخَل بنوهاشم وبنوالمطَّلِب شِعبَهم، مؤمنهم وكافرهم؛ فالمؤمن دينًا والكافر حميَّة، فلمَّا عرفَتْ قريش أنَّ رسولَ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد منَعَه قومُه أجمَعُوا علىٰ ألاَّ يُبايِعوهم، ولا يَدخُلوا إليهم شيئًا مِن الرِّفق، وقطَعُوا عنهم الأسواق، ولم يَترُكوا طَعامًا ولا إدامًا ولا بَيْعًا إلاَّ بادَرُوا إليه واشتروه دُونَهم، ولا يُناكِحوهم ولا يقبَلُوا منهم صُلحًا أبَدًا، ولا تأخُذُهم بهم رأفةٌ حتىٰ يُسلِموا رسولَ الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للقَتْل، وكتَبُوا بذلك صحيفةً وعلَّقُوها في الكعبة، وتمادَوْا علىٰ العمل بما فيها من ذلك :« ثَلاث سِنين “»؛ فاشتدَّ البَلاءُ علىٰ بني هاشم في شِعبِهم وعلىٰ كلِّ مَن معهم، فلمَّا كان رأس ثلاث سِنين تَلاوَم قومٌ مِن قُصيٍّ ممَّن ولدَتْهم بنوهاشم ومِن سواهم، فأجمَعُوا أمرَهم علىٰ نقْض ما تعاهَدُوا عليه مِن الغدر والبَراءة، وبعَث الله علىٰ صَحِيفتهم :„ الأرَضَة “؛ فأكَلتْ ولحسَتْ ما في الصَّحيفة من مِيثاق وعَهد[(29)] ".
-*-*-*-*-
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) من أهل العلم (محمد بن صالح بن العثيمين) مَن جوَّز الترضي علىٰ ورقة بن نوفل؛ بل أعتبره أول الرجال إيماناً بالنبي الخاتم -عليه السلام- ومن بعد إذنه تعالىٰ سأتكلم عنه في مجلد :« شخصيات محورية في حياة النبي المصطفوية ».
(**) عندما اصطَحبَتْه زوجُه خديجة- رضِي الله عنها - إلى ابن عمِّها، عندها قال له ورقة :„ هذا النامُوسُ الذي نزَّل الله علىٰ موسىٰ، يا ليتَنِي فيها جَذَعًا، ليتَنِي أكون حيًّا إذ يُخرِجك قومُك “»؛ فقال رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:«„ أوَمُخرِجِيَّهم؟! “»؛ قال :„ نعم، لم يأتِ رجلٌ قطُّ بمثْل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإنْ يُدرِكْني يومُك أنصُرْكَ نصرًا مُؤزَّرًا “؛ ثم لم ينشَبْ ورقةُ أنْ تُوفِّي" . [مسند أحمد (43/ 53)، صحيح البخاري(1/ 7)].
قَوْلهَا: " فَقَالَ رَسُول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- :«„ أَومُخرجيَّ هم “»؛ وَفِي رِوَايَة صَالح عَن الزُّهْرِيّ :«„ أَومخرجي قومِي؟ “». [(أبو شامة؛ المقتفى: (1/ 162)]
قَالَ السُّهيْلي :„ وَفِي حَدِيث ورقة أَنه قَالَ لرَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - :« لتكذبنه »؛ فَلم يقل لَهُ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - شَيْئا، ثمَّ قَالَ :« ولتؤذينه »؛ فَلم يقل النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - شَيْئا، ثمَّ قَالَ :« ولتخرجنه »؛ فَقَالَ :«„ أَومخرجيَّ هم؟ “»؛
فَــ
فِي هَذَا دَلِيل علىٰ حب الوطن وَشدَّة مُفَارقَته علىٰ النَّفس، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ حرم الله وَجوَار بَيته وبلد أَبِيه إِسْمَاعِيل، فَلذَلِك تحركت نَفسه عِنْد ذكر الْخُرُوج مِنْهُ مَا لم يَتَحَرَّك قبل ذَلِك فَقَالَ :«„ أَو مخرجيَّ هم؟ “». [المصدر السابق: ج: (1)؛ ص: (163)]
ومن المسائل التي غابت عند بعض الأمة مسألة التيقن والتثبت بما هم عليه من العقيدة والإيمان .. أسمع لما فعلته أم المؤمنين خديجة :" ثمَّ انْطَلَقت مَكَانهَا حَتَّىٰ أَتَت غُلَاما لعتبة بن ربيعَة بن عبدشمس نَصْرَانِيّا من أهل نِينَوَىٰ يُقَال لَهُ عداس فَقَالَت : يَا عداس، أذكرك بِاللَّه إِلَّا مَا أَخْبَرتنِي هَل عنْدك علم من جِبْرِيل؟
فَقَالَ عداس: قدوس قدوس مَا شَأْن جِبْرِيل يذكر بِهَذِهِ الأَرْض الَّتِي أَهلهَا أهل الْأَوْثَان؟
فَقَالَت: أَخْبرنِي بعلمك فِيهِ،
قَالَ: فَإِنَّهُ أَمِين الله بَينه وَبَين النَّبِيين وَهُوَ صَاحب مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام."..
و
لنتابع ذلك التثبت والتيقن من العاقلة خديجة في ما رواه لها محمد :" فَلَمَّا وصفت خَدِيجَة لورقة حِين جَاءَتْهُ شَأْن مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم - وَذكرت لَهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام وَمَا جَاءَ بِهِ إِلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - من عِنْد الله عز وَجل قَالَ لَهَا ورقة: يَا ابْنة أخي، مَا أَدْرِي لَعَلَّ صَاحبك النَّبِي الَّذِي تنْتَظر أهل الْكتاب الَّذِي يجدونه مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، وَأقسم بِاللَّه لَئِن كَانَ إِيَّاه ثمَّ أظهر دعاءه وَأَنا حَيّ لأبلين الله فِي طَاعَة رَسُوله وَحسن مؤازرته الصَّبْر والنصر، فَمَاتَ ورقة ".[( أبوشامة؛ المقتفى من مبعث المصطفى: ج: (1) ؛ ص: (153)].
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
بحوث السيرة النبوية الشريفة
[١٠ ] [الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]؛ بحوث : " دَارِ الْهِجْرَةِ وَدَارِ السُّنَّةِ".
( ١ ] الْبَابُ الْأَوَّلُ: ١١٢" أسباب الْهِجْرَةِ"
حُرِّرَ في يوم الخميس ٩ رجب ١٤٤٣ من هجرة سيدنا محمد رسول الله وخاتم النبيين الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ ~ الموافق ١٠ من شهر فبراير عام ٢٠٢٢ من الميلاد العجيب للسيد المسيح ابن مريم العذراء البتول عليهما السلام.

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
23 / 02 / 2022, 08 : 09 PM
( ١١٣ ) « تَأْويلُ الرُّؤْيتين الصَّادِقَتينِ ».
[٠ ١ ] المجلد الْعَاشِرُ
« بحوث »
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ
تَمْهِيدٌ:"
تقول الشاعرة ذات الأصول الصومالية والتي تحمل الجنسية البريطانية „ وارسان شاير ”:
« لا أحد يرحل عن وطنِهِ إلا إذا كان الوطن „ فمَ قِرشٍ ” ».
.. فــ منذ ما يزيد عن ١٤٤٣ عامًا، كانت هجرة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه الكرام -الرعيل الأول- -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- من مجتمع مكةَ (فم القرش) رحيلاً وسفراً واغتراباً ووعورةَ طريقٍ وهجرانَ المنشأ، وترك الأهل وفقدان العشيرة وخسران المال وفقدان التجارة والبعد عن البيت العتيق.. -وهي حالات غير طبيعية- ضرورة حتمية.. وكانت تلوح في الأفق أرضٌ للأمان والطمأنينة -وهي الحالة الأصلية للإنسان- وإطلاق لحرية المعتقد والحق الكامل في مزاولة دين الإسلام كنظام حياة وأحكام وطريقة معينة في العيش وطراز خاص للمعيشة.. سواء في علاقة الإنسان بربه وكيفية عبادة الآله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد..فلا صاحبة له ولا ولد.. أو العلاقات المتعلقة بالإنسان ذاته بصفته الأدمية وكينونته البشرية وتركيبته الخلقية أو العلاقات المتعلقة بالآخرين من بشر مثله ومخلوقات غيره وكائنات لا تشبهه..
فــ هناك محطةٌ أعدت علىٰ عين بصيرة لأفواج الرعيل الأول المهاجر فرارًا بعقيدته، وإحساناً لعبادته؛ واستيلادَ مجتمعٍ جديدٍ بعناصره ينبعث منه النور الالهي إلىٰ البشرية.. والتي تعيش في حالك الظلمة..
فــ هجرةُ المسلمين الأوائل إلىٰ يثرب كانت من أجل توفير بيئة آمنة لحَمَلة هذا الدين ومن اعتقدوا في صحته.. حتىٰ يتعبدوا خالقهم، وفقاً لأوامره.. ومِن أجل وجود حاضنة لمجموعة أفكار الإسلام لتطبيقها مِن خلال كيان تنفيذي لكتلة المبادئ وحزم القيَّم ومجموعة المقاييس والقناعات؛ والتي -جميعها- جاءت وحياً مِن رب الإنسان للبشر أجمعين.. بعيدًا عن تلك الأرض الظالم أهلها، والتي كان فيها ساحة للمعذبين والشهداء، وقد شبهها المفكر الجزائري مالك بن نبي بساحة (دو جريف Degréve) في باريس أثناء الثورة الفرنسية، إلا أن الجلادين في ساحة مكة كانوا ضد الثورة، والمعذبين كانوا شهداء الثورة (يعني بها الإسلام)..
هجرةُ المسلمين الأوائل إلىٰ يثرب والتي عُرفت بــ « مدينة الرسول »، حملت معها السلام والأمن والطمأنينة، وإيجاد شبكة مِن العلاقات كانت بمثابة العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع الجديد ساعة ميلاده، فآخىٰ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بين المهاجرين والأنصار، وأصلح الرسول بين الأوس والخزرج، وأبرم متمم المبتعثين وآخر المرسلين وخاتم الأنبياء معاهدات مع يهود المدينة في ما يُعتبر أول وثيقة تاريخية تحث علىٰ المواطنة "[( 1 )].
وقبل الحديث عن المسائل المتعلقة بــ الهجرة؛ سواء للمسلمين الأوائل أو هجرة النبي برفقة صاحبه يصح أن نتحدث عن:
« تَأْويلُ الرُّؤْيا ».
فقد أخرج البخاري (4081)، ومسلم (2272) في صحيحهما..
قوله -عليه السلام- :
[ 1 . ] الحديث الأول :
«„ رَأَيْتُ في المَنامِ أنِّي « أُهاجِرُ » مِن مَكَّةَ إلىٰ أرْضٍ بها « نَخْلٌ »، فَذَهَبَ وهَلِي[اعتقادي] إلىٰ أنَّها « اليَمامَةُ » أوْ « هَجَرٌ »، فإذا هي المَدِينَةُ « يَثْرِبُ » ”»[( 2 )].
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِطُولِهِ في صحيحه، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
.. زَادَ مُسْلِمٌ: وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ[( 3 )].
وقوله‏:‏ ‏"‏ أو « هَجَرٌ » بفتح الهاء والجيم بلدٌ معروفٌ من البحرين.. وهي من مساكن عبدالقيس، وقد سبقوا غيرهم من القرىٰ إلىٰ الإسلام[( 4 )] .
تنبيه :
وقع في بعض نسخ أبي ذر ‏في الصحيح "‏ أو « الهجر » بزيادة ألف ولام.. والأول أشهر، وزعم بعض الشراح أن المراد بــ هجر هنا قرية قريبة من المدينة، وهو خطأ فإن الذي يناسب أن يهاجر إليه لابد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل، وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة.. يقال لها هجر لا يعرفها أحد، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله‏:‏ ‏"‏ قلال هجر ‏"‏ أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتــجــلــب إلىٰ المدينة وعملت بالمدينة علىٰ مثالها، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن، فهذا أولىٰ بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن.
وقوله‏:‏ ‏"‏ فإذا هي المدينة يثرب ‏"‏ كان ذلك قبل أن يسميها -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- « طيبة »[( 5 )]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
- بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ:
أرادَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى أن يُثبِّتَ قَلْبَ نَبيِّه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالوَحيِ وبالرُّؤىٰ الصَّادِقةِ الَّتي يَراها في مَنامِه، وقدْ أَراهُ اللهُ سُبحانَه الأرضَ الَّتي سيُهاجِرُ إليها، وبيَّنَ له صِفتَها، وأعْلَمَه بإشاراتٍ إلىٰ ما سَيَقَعُ له ولأصْحابِه في أرضِ الهِجرةِ، ووقَعَت هذه الأحْداثُ بمُرورِ الزَّمنِ (سابحثها-إن شاء الله- بتوفيق منه تعالىٰ ورعايته وعونه في مكانها).
.. وفي هذا الحَديثِ يَحْكي النَّبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَأى في المَنامِ أنَّه يُهاجِرُ مِن مكَّةَ إلىٰ أرضٍ بها نَخلٌ، فذهَبَ ظَنُّه[واعتقاده] إلىٰ أنَّها :
1 . ] اليَمامةُ، وهي منطقةٌ في نَجدٍ،
2 . ] أو « هَجَرُ » ، وهي بَلدٌ في شرق الجزيرة العربية، ولكنْ بعْدَ مُرورِ الزَّمنِ أمَرَه اللهُ سُبحانَه أنْ يُهاجِرَ إلىٰ المَدينةِ، فإذا ما رَآهُ في مَنامِه هي المَدينةُ [ يَثرِبُ ] .
قوله فيه‏:‏ ‏"‏ فذهب « وَهَلي » ‏"‏ بفتح الواو والهاء أي ظني، يقال : وَهَل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه.
وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
وفيه: بَيانُ فَضلِ الرُّؤْيا، وشدَّةِ اهْتِمامِ النَّبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بشَأنِها.
وفيه: ما يدُلُّ علىٰ أنَّ الرُّؤْيا قدْ تقَعُ مُوافِقةً لظاهِرِها مِن غيرِ تَأْويلٍ، وأنَّ الرُّؤْيا قبْلَ وُقوعِها لا يَقطَعُ الإنْسانُ بتَأْويلِها، وإنَّما هو ظنٌّ وحَدْسٌ؛ إلَّا فيما كان منها وَحْيًا للأنْبياءِ.
وفيه: بَيانُ ما ابْتَلىٰ اللهُ عزَّ وجلَّ النَّبيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصْحابَه رَضيَ اللهُ عنهم في أوَّلِ الأمرِ بالمُشْرِكينَ، ثمَّ كانت لهمُ العاقِبةُ المَحْمودةُ، وللهِ سُبحانَه وتعالَى الحَمدُ والمِنَّةُ « 6 ».
-*-*
[ 2 . ] الحديث الثاني:
قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ :„ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ:«„ [إِنِّي ] قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ..[أُرِيتُ سَبْخَةً ] ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ “»؛
فَــ هَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَجَعَ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
- بَيْنَ :«„ لَابَتَيْنِ “»؛ قال الزهري: وَهُمَا الْحَرَّتَانِ [( 6 )] .
قال الحافظ: وَالْحَرَّة أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَا غَيْر الرُّؤْيَا السَّابِقَة في حَدِيث أَبِي مُوسَىٰ الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[( 7 )].
قَالَ اِبْن التِّين : كَأَنَّ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرِيَ دَار الْهِجْرَة بِصِفَةٍ تَجْمَع الْمَدِينَة وَغَيْرهَا، ثُمَّ أُرِيَ الصِّفَة الْمُخْتَصَّة بِالْمَدِينَةِ فَتَعَيَّنَتْ[( 8 )].
فائدة:
ووقع‏‏ عند البيهقي من حديث صهيب رفعه ‏« أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب » ولم يذكر اليمامة،
- وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُوبَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُوعَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا أَبُوالْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَىٰ إِلَيَّ: أَيَّ هَؤُلَاءِ الْبِلَادِ الثَّلَاثِ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجْرَتِكَ: الْمَدِينَةَ؛ أَوِ الْبَحْرَيْنِ؛ أَوْ قِنَّسْرِينَ »؛ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: ثُمَّ عَزَمَ لَهُ عَلَىٰ الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ " جَامِعِهِ " مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ: أَيَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجْرَتِكَ؛ الْمَدِينَةَ، أَوِ الْبَحْرَيْنِ، أَوْ قِنَّسْرِينَ ".» استغربه الترمذي[( 9 )]، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُوعَمَّارٍ[( 11 )].
قال العسقلاني:" وفي ثبوته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر « اليمامة »، لأن « قِنَسرين » من أرض الشام من جهة حلب، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة، بخلاف « اليمامة » فإنها إلى جهة اليمن، إلا إن حمل علىٰ اختلاف المأخذ فإن الأول جرىٰ علىٰ مقتضىٰ الرؤيا التي أريها، والثاني يخير بالوحي، فيحتمل أن يكون أري أولاً .. ثم خير ثانياً فاختار المدينة.[( 12 )]‏ ".
قُلْتُ[الحديث لــ ابن كثير]: وَغَيْلَانُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْعَامِرِيُّ هَذَا، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: رَوَى عَنْ أَبِي زُرْعَةَ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِي الْهِجْرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ[( 13 )].
الحديث الثالث ". [ 3 . ] :"
أخرج ابن سعد عن الواقدي من حديث عائشة وسهل بن حنيف قالا: " لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد علىٰ المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا علىٰ أصحابه ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى.. فشكا ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم واستأذنوه في الهجرة فقال: « قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين » .. وهما الحرتان، و « لو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي » ثم مكث أياماً، ثم خرج إلىٰ أصحابه مسروراً فقال: « قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها » فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك...[( 14 )].
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
( ١٠ ) : [ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العطرة
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
113 « تَأْويلُ الرُّؤْيتين الصادقتين »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‏الأربعاء‏، 22‏ رجب‏، 1443هــ ~ ‏23‏ فبراير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
26 / 02 / 2022, 25 : 06 PM
١١٤ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ
« مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ »
:" ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ "
﴿ » „١١٤ ‟ « ﴾ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ أم سَلَمَةَ، وَحَدِيثُهَا عَمَّا لَقِيَا "
تَمْهِيدٌ :
*.) " إذنه -صلى الله عليه وسلم و - لمسلمي مكةَ بالهجرة ".
مِن الثابت لمَن يقرأ أحداث السيرة النبوية ويتتبع مجريات الأمور؛ وتسلسلها.. ويدرسها دراسة منهجية علمية تشريعية فقهية ليحسن تطبيقها في حياته اليومية العملية.. وليس دراسة تاريخ مضىٰ وولىٰ وانتهىٰ.. فارغ المضمون..
إذ أن " الفترة الزمنية أو المرحلة التأسيسة؛ والتي هي الأحق بالبحث والدراسة والتحليل باستمرار،
هـي مرحلة السيرة النبوية العطرة..
و
تليها فترة الخلافة الراشدة،
و
حقبة خير القرون، بــ
نص وحي السماء المنزل بواسطة أمين السماء علىٰ قلب أمين السماء والأرض رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وآله وسلم- حين يقول :
( خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الذين يَلُونهم ) [(1)].
.. لأنها تُصوِّب المسار، وتمثل المرجعية والمعيار، وتشكل نقطة البداية والانطلاق، وتحقق الارتكاز القيمي والمقياس الحضاري، وتوضح الملامح والقسمات المميزة للشخصية الحضارية الإسلامية التاريخية.. بشقيِّ تلك الشخصية :
-النفسي
و
-العقلي،
كما تمثل البُعدين الإنساني والعالمي للرسالة الإسلامية الخالدة، والفترة الأمينة والمأمونة والسابقة، لتحويل أفكار المبادئ إلىٰ برامج عملية، والقيِّم الحياتية إلىٰ خطط مطبقة، والفكر النظري إلىٰ فعل تنفيذي،
أي
تحويل النظرية إلىٰ تطبيق، وإدراك كافة مقاصد الدين، والانطلاق في الاجتهاد بما يجد من مسائل في كل عصر ووفق كل زمان، والحوار مع الآخر سواء المعاند أو الجاهل، والمشاورة مع أهل العلم التخصصي في كافة مجالاته والمشورة والشورىٰ مع أهل الرأي وأهل الحل والعقد، والمفاكرة فيما يستجد، والمناظرة في المبادئ المستحدثة والأراء المستجدة، إلىٰ الآفاق والأبعاد المستقبلية، التي تتلاءم مع خلود الإسلام كنظام حياة ومرونته وإن كان طراز خاص من العيش طالما أن هناك وجهات نظر متباينة وأراء له مخالفة، مع قدرته علىٰ العطاء في كل زمان ومكان..
فتجربة هـذا الجيل الرباني -جيل الصحابة-، واجتهادهم، وفعلهم، وتنزيلهم للقيم علىٰ الواقع، جزء من خلود هـذا الدين، ووسائل إيضاح معينة وخالدة لكيفية التعامل مع النصوص في الكتاب والسنة، في الظروف والأحوال المختلفة.". [(2)] .

فــ
الدارس لمنهجية السيرة النبوية يجد أن النبي المصطفىٰ -ﷺ- حين الربط بين مفاصل العهد المكي للإنتقال إلىٰ العهد المدني قد سمح لــ مسلمي مكة الأوائل بالخروج منها رغم مكانتها في قلوب المسلمين المعروفة.. ورغم مجاورتهم للبيت العتيق.. ورغم حالة الاستقرار التي عايشوها قبل الإعلان عن الرسالة والجهر بالدعوة ومعرفة أفراد الثلة المؤمنة الأولىٰ لكفار مكة وصناديد قريش[(3)].

و
قد تنوع شكل الخروج وتغيرت صورة المغادرة.. فــ
- مرةً تكون المغادرة إلىٰ أرض غريبة بعيدة كــ الحبشة؛ و
- تارة تكون مغادرة قريبة مثل : شعب أبي طالب إثناء المقاطعة والحصار[(4)]؛ و
- تارة آخرىٰ بعيدة عدة كيلومترات فيكون الخروج إلىٰ الطائف.. و
- أحيانا تكون جماعية مثل ما حدث في الهجرة الأولىٰ والثانية عند مَلِكٍ لا يظلم عنده أحد «„ النجاشي ”» بالحبشة[(5)] .
.. فـ
عن أم سلمة -رضى الله عنها-، أنها قالت :
„ لما ضاقت مكة وأوذىٰ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتنوا ورأوا ما يصيبهم مِن البلاء والفتنة في دينهم وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شئ مما يكره ومما ينال أصحابه ”[(6)، فقد قال -عليه السلام- لهم -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- :
« لو خرجتم إلىٰ أرض الحبشة؛ فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد؛ وهي أرض صدق؛ حتىٰ يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه »..
..
فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلىٰ أرض الحبشة مخافة الفتنة وفراراً إلىٰ الله بدينهم.. فكانت أول هجرة في الإسلام..
و
آخرىٰ فردية كما حدث مع أبي بكر بن أبي قحافة[(7)] .
.. و
هنا ينبغي أن نفرق بين الهجرة المؤقتة لزمن قد يطول.. -كما ورد في الحديث النبوي الشريف-:
« حتىٰ يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه »..
و
بين مَن يحمل جنسية غربية ويصبح مواطنا من رعايا الدول الغربية!؟..

.. وقضية الخوف علىٰ النفس والعرض أو ضياع المال والمتاع مما يلزم المرء فيضطر الشخص إلىٰ المغادرة والسفر مع وجود مخاطر الطريق..
هذه القضية يعاني منها سكان المنطقة العربية؛ ومَن يقف علىٰ رمال ساخنة وأحياناً ملتهبة في مناطق يقطنها مسلم غُلب علىٰ أمره.. ومشاهد سكان افغانستان بعد خروج جنود العم "سام" واستيلاء تنظيم طالبان علىٰ منافذ ومخارج البلاد.. ورغبتهم الهرب من أبناء جلدتهم بل أبناء عقيدتهم ودينهم لا يمكن أن يفارق مخيلة المتتبع لأحداث العام الماضي [ 1443/2021 ] خاصةً؛
و
ما يحدث لأكراد العراق في الحادث الأخير المؤلم عند عبور بحر المانش مِن ضفته الفرنسية إلىٰ شاطئه البريطاني..
أو
مَن يريد أن يغادر بزوارق مطاطية مِن الضفة الجنوبية للبحيرة المتوسطية في اتجاه الضفة الشمالية علىٰ الأرض الأوربية؛ والتي يعتقد الكثير مِن الشباب أنها بلد السمن والعسل.. لكن -للأسف- الفارق كبير.. وكبير جداً بين مَن يفارق مِن أجل حماية عقيدته وحفظ إيمانه وحسن تبليغ رسالة ربه وبين مَن يترك موطنه مِن أجل حفنة مِن الدولارات.. مقابل تنازلات عدة.. وإن كان السفر وترك مكان إلىٰ آخر مِن حيث الأصل مباح.. ولكن حالات كثيرة مما تُعلم تخالف هذا الأصل الشرعي!.. وبمعنىٰ آخر :" ينبغي توضيح مسألة : « مَن يفر بدينه خوفاً من الفتنة ».

و
واقع المسلم -على كافة المستويات: سواء مَن جاء لطلب العلم؛ أو البحث عن لقمة خبز- في الغرب يحتاج مِن أهل العلم إعادة نظر.. إذ صار عدد المسلمين يتعدى 58 مليوناً في القارة الأوربية بمفردها!!
-*-*
الْمُقَدِّمَة
*.] اشتدَ الأذىٰ علىٰ المؤمنين الأوائل في مكةَ حتىٰ صارت جحيماً لا يطاق، فأذِن النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين بالهجرة إلىٰ يثرب -مدينته المنورة؛ والتي طيب الله تعالى ثراها بمرقده الشريف وبجواريه صاحبيه- حتىٰ يأمنوا علىٰ أنفسهم، ويقيموا شعائر دينهم، فاستجاب المؤمنون لله ورسوله فهاجروا، وكان منهم سابقون إلىٰ الهجرة،
فمن أول مَن هاجر مِن الصحابة ؟[(8)].

*.] إذْنُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَرْبِ، وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ. وَأَوَىٰ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ،
وَ
قَالَ :« „ إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا ”»؛
فَخَرَجُوا أَرْسَالًا،
وَ
أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ- بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ[(9)] .

تنبيه:

يظهر بوضوح تام أن كافة مسائل الإنسان -مَن يؤمن بالإسلام الخاتم ديناً- وقضاياه وتصرفاته وأفعاله تبنىٰ علىٰ أوامر آلهية وتكاليف شرعية.. إذ وجد -وفق نصوص الوحي- منهجية بعينها لكافة المسائل.. وكيفية خاصة لكل مسألة ولكل قضية وهذه في بحوث بعينها وفي المقابل هناك حكم الإباحة في مسائل آخرىٰ..
فــ
النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والخاتم المحتبىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ- ينتظر إذن ربه له!..
و
هذا ما يسمىٰ أن الإسلام نظام حياة.. ويطلق عليه طراز خاص من العيش.
[ ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ ]

*.] فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ- مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ :
أَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَاسْمُهُ : عَبْدُاللَّهِ، هَاجَرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ قَدِمَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا[(10)].

بيد أننا نقرأ أن :
" أولَ مَن قدمَ المدينة من المهاجرين : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي بن كلاب العبدري؛
فــ
قد روى البراء بن عازب أنَّ أوّل من قدم علينا ـــ يعني: في الهجرة إلىٰ المدينة ـــ مِن أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مُصْعَب بن عُمير، وابنُ أمّ مكتوم. "[(11)]
و
الحقيقة أنه لا يوجد تعارض بين الروايتين.. إذ أن الصحابي الجليل مصعب ذهب إلىٰ يثرب بعد البيعة والتي تمت بالعقبة في المرة الثانية..
ثم مِن بعده ابن أم مكتوم..
أما
عبدالله أبوسلمة فقد ظهر من رواية ابن إسحاق أنه قبل حادثة البيعة تقريباً بسنةٍ ".

الدكتور /أكرم ضياء العمري يقول في بحث له :" يتفق موسىٰ بن عقبة و ابن إسحاق علىٰ أن أباسلمة بن عبدالأسد هو أول من هاجر من مكة إلىٰ المدينة بعد أن آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة، فتوجه إلىٰ المدينة قبل بيعة العقبة بسنة "[(12)].
ثم يعقب بعد ذلك فيقول : " وكذلك فإن مصعب بن عمير و ابن مكتوم كانا من أوائل المهاجرين حيث كانا يقرئان الناس القرآن". [(12)]
.. وقد تتابع المهاجرون.. فقدم المدينة بلال بن رباح و سعد ابن أبي وقاص و عمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة.
وقد سعت قريش بشتىٰ الطرق إلىٰ عرقلة الهجرة إلىٰ المدينة، وإثارة المشاكل أمام المهاجرين، مرة بحجز أموالهم ومنعهم مِن حملها، ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم، وثالثة بالاحتيال لإعادتهم إلىٰ مكة، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة، فالمهاجرون كانوا علىٰ أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة"[(13)].
قالت أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- واثبتُ روايتها.. فقد: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قَالَتْ :
« لَمَّا أَجْمَعَ أَبُوسَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
- رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ
ثُمَّ
- حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَ
- حَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي،
ثُمَّ
- خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ،
فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا :
„ هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟” ».
قَالَتْ :
« فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ ».
قَالَتْ :
« وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِالْأَسَدِ، -رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ-، فَقَالُوا :
„ لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا ”..
قَالَتْ :
فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّىٰ خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِالْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُوسَلَمَةَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ »..
قَالَتْ :
« فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي ».
قَالَتْ :
« فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّىٰ أَمْسَىٰ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ..
حَتَّىٰ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَىٰ مَا بِي فَرَحِمَنِي »..
فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ :
„ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا ”»..
قَالَتْ :
« فَقَالُوا لِي : „ الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ ”..»..
قَالَتْ :
« وَرَدَّ بَنُو عَبْدِالْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي »..
قَالَتْ :
« فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ »..
قَالَتْ :
« وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ »..
قَالَتْ :
« فَقُلْتُ : أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّىٰ أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي،
حَتَّىٰ إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ :«„ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِالدَّارِ ”»..
فَقَالَ لِي :„ إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ ؟ ”..
قَالَتْ :« فَقُلْتُ :
أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ ”»..
قَالَ : „ أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ ؟ ”..
قَالَتْ :
« فَقُلْتُ : لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا »..
قَالَ : „ وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ مَتْرَكٍ ”..
فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي،
.. « فَوَاَللَّهِ مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَىٰ أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّىٰ إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى ( عَنِّي ) إلَىٰ شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَىٰ بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي »..
وَقَالَ :« „ ارْكَبِي ”..
.. « فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَىٰ بَعِيرِي أَتَىٰ فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّىٰ يَنْزِلَ بِي »..
.. « فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّىٰ أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ »..
.. « فَلَمَّا نَظَرَ إلَىٰ قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ »..
قَالَ : „ زَوْجُكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ - وَكَانَ أَبُوسَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا - فَادْخُلِيهَا عَلَىٰ بَرَكَةِ اللَّهِ ”؛ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَىٰ مَكَّةَ .
قَالَ : فَكَانَتْ تَقُولُ :« وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ »؛
وَ تَقُولُ:
« مَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ».[(14)]
..
وينبغي للعاقل أن يعقد مقارنةً بين حال مَن سلفَ ووضع مَن خلف في هذه المسألة..
و
ما أكثر المسائل التي تحتاج لإعادة النظر ومعرفة الحكم الشرعي المتعلق بها!!!.
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(1)] (رواه البُخاري ).
[(2)] كتاب الأمة؛ عمرو بن العاص؛ (القائد المسلم والسفير الأمين) [الجزء الأول]؛ اللواء الركن / محمود شيت خطاب؛ المحرم 1417 هـ.
[(3)] يجب عَليَّ رفع الشكر والتقدير للمجهود الذي قام به المدير التنفيذي لموقع ملتقى أهل العلم حيث قد أعانني وساعد القارئــ(ــة) في تثبيت مسائل بحث السيرة النبوية العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأكمل السلام وعظيم البركات وخالص الدعوات وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته وسار علىٰ طريقته والتزم هديه :
[ترقيم خاص لـ ملتقى أهل العلم: (يبدءُ 80 إلىٰ 88:"
80.] الإيذاء على يد سفهاء المشركين
81.] الإيذاء البدني لصاحب الدعوة !
82.] الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل
83.] المستضعفون
84.] أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان
85.] عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَة
86.] أَبُو فُكَيْهَةَ
87.] جَارِيَةٌ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ
88.] صحابِيَّةٌ رُومِيَّةٌ ﴿ زِنِّيرَةُ ﴾.
[(4)] ترقيم ملتقى أهل العلم:
(96:" مُقَاطَعَةُ قُرَيْشٍ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِب".)].
[(5)] ترقيم ملتقى أهل العلم:
(94: " الْهِجْرَةُ الْأُولَىٰ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَة !")؛
(95: "الْهِجْرَةِ الثَّانِيَة ".).
[(6)] أبوالفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)؛ السيرة النبوية (مِن البداية والنهاية)؛ تحقيق: مصطفىٰ عبدالواحد؛ (مجلد: 2؛ ص: 18 ) الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان؛ 1395 هـ - 1976 م.
[(7)] ترقيم موقع أهل العلم:
(93):" عَزْمَ الصِّدِّيقِ عَلَىٰ الْهِجْرَةِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ ".
[(8) د. العمري .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
( ١٠ ) : [ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العطرة
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
:" ذِكْرُ أَوَائِلَ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ "
١١٤ » هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ أم سَلَمَةَ، وَحَدِيثُهَا عَمَّا لَقِيَا «
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
‏‏السبت‏، 25‏ رجب‏، 1443هــ .
*-*-*-*

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 03 / 2022, 58 : 02 PM
( 115 ) هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجِهِ
عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ
وأُمُّ عَبْدِالْلَّهِ بْنِ عَامِرٍ؛ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ.. الْقُرَشِيَّةِ الْعَدَوِيَّةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-
بحوث قُبيل الهجرة النبوية الشريفة
»مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
.. نقترب رويداً.. رويداً.. مِن بدايات أحداث العهد المدني الميمون؛ ذٰلك العهد الذي سيصبح ـ كيانا تنفيذيا لـ مجموعة الأفكار الإسلامية المنزلة من السماء لمعالجة مسائل الإنسان المغايرة تماماً عما هو سائد وموجود في كل المجتمعات وقتذاك.. ذٰلك الكيان التنفيذي لــ تطبيق كتلة المبادئ وتنفيذ حزمة القيم وإيجاد المقاييس في كافة العلاقات وتفعيل المفاهيم عند الفرد والمجتمع والدولة وإنزال القناعات الإسلامية في الحياة الخاصة والعامة..
ونتشرف مِن خلال موقع ملتقى أهل العلم بــ تواجدنا عبر الأثير في موضع اللبنة الأولىٰ للكيان التنفيذي الأول للدولة الإسلامية في » يثرب الأنصار «: مدينةِ الرسول؛ والتي نقىٰ الله -تعالىٰ- هواءها بمقدمه -عليه السلام-.. وطيَّبَ ثراها حين داس بقدميه الشريفتين ترابها.. ثم بمرقده حين انتقل إلىٰ الرفيق الأعلىٰ في غرفة أم المؤمنين.. أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر!.. وبجواره صاحبيه الصديق والفاروق -رضي الله تعالى عنهما - ..
سنبدء نتعايش مع الكيان الجديد.. الدولة الإسلامية الأولىٰ
.. تشرفنا بمصاحبة طلائع الهجرة في الحلقة الماضية مع أبي سلمة المخزومي..
و
اليوم نتشرف بسيرة آحدىٰ الــ : » نساء الــــ رائدات « باعتبارها أول مسلمة تجر ذيلها الطاهر بــ قُباء فتطأ قدميها - قبل الرسول الكريم مع زوجها - المدينة! لــ يتم التمهيد لاستقباله ومن ثمَ بناء الكيان الجديد!
-**-
الْمُقَدِّمَة:
الثابتُ والآكيدُ أن جميع ما قال به نبي الهدىٰ ورسول الإسلام؛ خاتم النبيين؛ وآخر المبتعثين؛ ومتمم المرسلين محمد بن عبدالله [ﷺ].. والمعروف أن جميع ما جاء به [ﷺ] وحيا من ربه مِن قضايا متعلقة بالعقيدة والإيمان سواء بالآله الواحد الأحد الفرد الصمد وصفاته وخواصه واسماءه.. أو بقية أركان الإيمان وأسس العقيدة.. أو مسائل العبادات البدنية: كــ الصلاة والصيام ولباس المسلمــ(ــة) والمالية: كــ الصدقة والزكاة أو الإثنين معاً في عبادة واحدة كــ الحج والعمرة.. وكافة المعاملات سواء معاملة الإنسان مع ذاته أو غيره مِن البشر وبقية المخلوقات.. أو إذا ارتكب معصية أو جريرة وعلم بها القاضي الشرعي؛ وما يتعلق بها من كيفية التعزير والعقوبات والحدود..
.. الآكيد والمعروف أن جميع ما هو متعلق بأفعال وأقوال وتصرفات الإنسان وفق القاعدة الشرعية والتي تقول : « الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي »؛ وتجاورها قاعدة آخرىٰ تقول : « الأصل في الأشياء الإباحة ما يرد دليل التحريم »؛ وعليهما -القاعدتين الشرعيتين المستنبطتين من آيات كريمات وأحاديث شريفة- يتم وفق أحكام الإسلام..
والثابت أن تكون أفكار الإسلام مرافقة لمعالجات عملية وطريقة تطبيقية في إيجادها وكيفية تنفيذها.. فهي » الأفكار والمبادئ والقيم والمقاييس والمفاهيم والقناعات « ليست أفكار مثالية أو تصورات خيالية أو نظريات خالية مِن المضمون وفاضية مِن المحتوىٰ..وإن تمكنت نظرية فلسفية ما مِن التواجد في الحياة العملية.. فسرعان ما تسقط كالشيوعية -مثلاً- والتي انهارت وقُضي عليها بأيدي أمناء الفكرة..
وكذا الرأسمالية الديموقراطية والتي تترنح مِن حين إلىٰ آخر عند أساءة التطبيق أو ظهور المفسدين..
فالإسلام بشقيه : الدعوة.. وطريقة إيجادها في الواقع المعاش يحتاج إلى أرض صلبة لقيام هذا الكيان.. وبما أنه لم يصلح المجتمع المكي فلم يتبقىٰ سوىٰ الخروج منها للبحث عن موضع تحت الشمس يصلح فكان الخروج إلىٰ الطائف (أولاً)؛ بيد أنه -سبحانه وتعالى- قدَّر أن يكون قيام الكيان الإسلامي الجديد في يثرب الأنصار.. مدينة المصطفىٰ!
.. لذا فإسلامُ النبي الخاتم [ﷺ] وجهةُ نظر معينة في الحياة؛ وطرازٌ خاصٌ مِن العيش وكيفيةٌ معينةٌ في كافة العلاقات والمعاملات والتصرفات تحمل في طياتها طريقة التنفيذ وترافق النظرية (الفكرة) كيفية عملية لــ إيجادها في واقع الحياة والمجتمع والدولة؛ وأعترفُ أنه قد حدثت وتحدث تجاوزات أو اساءة تطبيق مِن القائمين عليها لحظة التنفيذ.. لكن سرعان ما يتم تصحيح الإعوجاج مِن داخل نظام الإسلام نفسه وليس بترقيعه بــ نظريات غريبة عنه؛
أما الانحدار المستمر الذي اصيبت به الأمة الإسلامية في مجموعها منذ حين يعود لحالة الضعف الشديد؛ والتي : « طرأت » علىٰ الأذهان في فهم الإسلام.. وخيرُ دليل علىٰ هذه الحالة تلك التجمعات والتكتلات والحركات -وما أكثرها اليوم كــ غثاء السيل- ذات الوشاح الإسلامي والتي تصدرت المشهد في كثير مِن بقاع العالم لم تتمكن من إبراز صحيح الدين وأن :„ دندنت ” حوله بمقولات إسلامية.. وشعارات جوفاء.. وإن شاء الرحمن الرحيم -عزَّ وجلَّ- في نهاية هذه البحوث تكون هناك ملاحق.. منها دراسة تلك التكتلات والتجمعات والحركات.. مع بحث سبب الإخفاق.

..
أقول (الرَّمَادِيُّ) : رافق المصطفىٰ المجتبىٰ المرتضىٰ المحتبىٰ في العهد المكي رجالات ونساء مِن الطراز الأول من البشر في زمن الرسالة الأول؛ ثم تعايش رجال ونساء في العهد المدني: الزمن الثاني للرسالة - وهو ما سيبحث بإذنه - تعالىٰ- في قادم الصفحات - .. هؤلاء الصحابة والصحابيات الكرام سُطرت أعمالهم في سجل الخالدين؛ مع وجود بعض السقطات والهفوات والمخالفات من أفرادٍ منهم - سيشار إليها في موضعها -.. فهم ونحن بشر؛ بيد أنه تتبقىٰ المدرسة النبوية الرائدة مع هذا الرعيل الأول مِن الصحابة والصحابيات والمعاشرة الحية معه - عليه السلام - والتفاعل الحي.. مع ملاحظة الاستعداد النفسي والعقلي والقبول الروحي والإدراك الذهني لما يتنزل مِن الوحي علىٰ قلوب أمثال هؤلاء جميعاً..
لذا فقد وجد مصطلح :
- « أم المؤمنين .. الصحابي.. الصحابة.. اصحاب رسول الله.. الصحابيات .. الصحابية »..
كما وجد مصطلح.:
.-. « الأنصاري.. الأنصار.. الأنصاريات »..
كما وجد مصطلح :
.-. « التابعي.. التابعات »
وهكذا..
وهي مصطلحات لها مفهوم في الثقافة الإسلامية بل والعالمية.. ومن هنا جاء مصطلح :
- «„ الشخصيات المحورية ”» في عموم الرسالة المحمدية بعهديها المكي والمدني.. والتي لعبت تلك الشخصيات دوراً جوهرياً.. وهي ملحق - بإذنه تعالىٰ - هام مِن ملاحق بحث السيرة النبوية!
واعتقد أنه مِن الخطأ وتجاوز الحد والتعدي في الأدب عقد مقارنة بين جيل الصحابة وبين جيل هذه الألفية؛ فهم - رضوان الله عليهم أجمعين - أبناء وبنات بيئتهم ومناخهم وزمنهم وعصرهم بما فيه وما عليه..
ونحن أبناء وبنات عصرنا بما فيه وعليه..
والمقارنة ليست متوفرة بنص القرآن الكريم؛ غير أنه تتبقىٰ مدرسة النبوة الرائدة؛ وتتبقىٰ دراسة سيرتهم الحسنة ؛ وأيضا سيرة مِن عصىٰ وارتكب إثماً يحاسب عليه..
فتصور حال صحابته وإدركه بصورة ذهنية نقية تساعد علىٰ إمكانية بناء جيل اشبه أو يقارب جيل الصحابة..
ولعلها محاولة!..
-*-*
الهجرة إلىٰ يثرب- مدينة المصطفىٰ
قال ابن اسحٰق:" فلما تمت بيعة الأنصار - رضي الله عنهم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة العقبة وكانت سراً عن كفار قومهم.. وسراً عن كفار قريش.. أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَن كان معه بالهجرة إلىٰ المدينة فخرجوا أرسالاً.. "

- أولهم فيما قيل » أبوسلمة ابن عبدالأسد « المخزومي.. وحبست عنه امرأته » أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم « بمكة نحو سنة..
[ انظر ملتقى أهل العلم:] : «„ ١١٤ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ ”»؛ صفحة : ( ٤٣)؛ مشاركة: ( ٤٢٢)
-*-*
» هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجِهِ «
-*-*-
قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كان » عَامِرٌ « مهيأ نفسياً لرؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بدينه، وذٰلك بناءً عما قيل عَنْ عَامِرِ بن رَبِيعَةَ.. فقد قَالَ: سَمِعْتُ » زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ « يَقُولُ: „ أَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.. ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ.. وَلا أراني أدركه.. وأنا أؤمن بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ.. فَإِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ يا عامر فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ. وَسَأُخْبِرُكَ مَا نَعْتُهُ حَتَّىٰ لا يَخْفَىٰ عَلَيْكَ ”.
قُلْتُ: „ هَلُمَّ! ”.
قَالَ:„ هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ وَلا بِكَثِيرِ الشَّعْرِ وَلا بِقَلِيلِهِ. وَلَيْسَتْ تُفَارِقُ عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ. وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَاسْمُهُ أَحْمَدُ. وَهَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ وَمَبْعَثُهُ. ثُمَّ يُخْرِجُهُ قَوْمُهُ مِنْهُ وَيَكْرَهُونَ مَا جَاءَ بِهِ حَتَّىٰ يُهَاجِرَ إِلَىٰ يَثْرِبَ فَيَظْهَرَ أَمْرُهُ. فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ فَإِنِّي طُفْتُ الْبِلادَ كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ. فَكُلُّ مَنْ أَسْأَلُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسِ يَقُولُونَ هَذَا الدِّينُ وَرَاءَكَ. وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ. وَيَقُولُونَ لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ غَيْرُهُ ”.
قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ:„ فلما أسلمتُ أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قَوْلَ » زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو «وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلامَ ”.
فَرَدَّ السَّلامَ وَرَحَّمَ عَلَيْهِ.. وَقَالَ:«„ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّةِ يَسْحَبُ ذُيُولا ”» .
وهكذا - أيضاً - كانت ليلىٰ مهيأة لقبول الدين الجديد.. لأن زوجها كان يردد كثيراً قول » زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ «، فلما سرىٰ في مكة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلىٰ الله الواحد الأحد..
أقبل عامر وليلىٰ وأسلما فــ أسلم عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلْ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ – دار الأرقم بن أبي الأرقم.. وقبل أن يدعو فِيهَا.
وكانا - عامر وزوجه - في طليعة المهاجرين إلىٰ الحبشة لما اشتد أذىٰ قريش .
.. لذا فــ أمهات المؤمنين - زوجات النبي -والصحابيات - رضي الله عنهن جميعاً- يصلحنَّ أن يكنَّ قدوة حسنة للنساء المسلمات، بعد الإِسوة برسول الله..
فقد ضربنَّ أروع الأمثلة في التضحية في سبيل الله والجهاد،
سواء أكنَّ أمهات أو زوجات فقد صبرنَّ علىٰ الملاحقة والتعذيب والاضطهاد..
وفَقْد الأزواج والأبناء والإخوة،
أو
مجاهدات شاركنَّ في الغزوات بتمريض الجرحىٰ، وسقي العطشىٰ، وإعداد الطعام
أو
راويات للأحاديث ومحفظات للقرآن.. ومعلمات للنشأ.
كانت ليلىٰ مِن المُكرمات اللاتي جلسنَّ مع رسول الله، فتعلمتْ علىٰ يديه ونهلت مِن علمه، كما أنها واحدة من الأوائل الذين دخلوا الإسلام، وهاجرت إلىٰ الحبشة، ومن بعدها المدينة المنورة، لذلك حظيت بمكانةٍ خاصةٍ..
فــ الحديث عن سيرة الصحابية ليلىٰ بنت أبي حثمة، شقيقة سليمان بن أبي حثمة، وزوج الصحابي عامر بن ربيعة، وولدها عبدالله بن عامر بن ربيعة.
تميَّزت » ليلى « بالعقل الراجح، ويؤكد ذلك أنها في بداية الدعوة ورغم أن دخول الإسلام في مكة، آنذاك، كان يتم في الخفاء، خوفًا من العذاب الذي كان يتعرض له المسلمون، علىٰ أيدي أشراف قريش، والمشركين بالله، وعابدي الأصنام، والرافضين لدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنها ولفراستها العالية وقوة ذكائها، تأكدت أن عبادة الأصنام لا تنفع بل تضر، وأن الإسلام هو الدين الذي يجب أن تكون عليه، لذلك لم تتردد لحظة في إعلان إسلامها.

أسلمت هي وزوجها عامر بن ربيعة، ليكونا من السابقين إلىٰ دخول الإسلام، وكانا يتعرضان للإيذاء ليل نهار من عشيرتهما، إلا أنهما تمسكا بالصبر وقوة الإيمان، وعندما ازداد العذاب ذهبا إلىٰ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلب منهما الهجرة إلىٰ أرض الحبشة، فهاجرا.

الحديث عن : سيدةٍ من نساء الإسلام الأوائل الخالدات اللاتي تحملنَّ مِن أجله كل مكروه كي ترتفع رايته، ويسعد بظله كل إنسان علىٰ ظهر الأرض لما فيه من نجاة وسعادة، فقد هاجرت ليلىٰ مع زوجها تاركةً دارها ومالها وبلدها، وفضلت ما عند اللَّه علىٰ ما عند البشر.

فــ
:" الحديث عن:
- لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ [بن حذيفة] بْنِ غَانِمِ [ بن عامر ] بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ [بن عويج ] بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ [بن لؤي ] القرشية العدوية..
امرأة عامر بن ربيعة.
وهي أم ابنه عبدالله بن عامر، وبه كانت تكنىٰ.
وكانت من المهاجرات الأُوَل.
هاجرت الهجرتين إلىٰ الحبشة وإلىٰ المدينة،
وصلت القبلتين.
روت عنها الشفاء.
يقال: إنها أول ظعينة دخلت المدينة [من المهاجرات] مهاجرة،
و
قيل: أم سلمة"...
فقد كان أول المهاجرين أبوسلمة.. ثم تبعه عامر بن ربيعة وزوجه ليلىٰ، وتعد أول ظعينة تهاجر إلىٰ المدينة. ويظن الكثير أن أول مهاجرة كانت أم سلمة ولكنها كانت ليلىٰ وليست أم سلمة.
ولم تكن هجرة ليلىٰ بنت أبي حثمة إلىٰ يثرب/المدينة مجرد انتقال من مكان إلىٰ مكان ولكن كان لها دور إيجابي هي وباقي المهاجرات والمهاجرين في توطيد دعائم الدين الإسلامي في قلوب اليثربيات واليثربيين، وليس أدل علىٰ ذلك مما رأيناه من خروج الأنصار والمهاجرين ونسائهم للقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد علمهم بهجرته المباركة. ".
-*-*
ولنستحضر الأدلة علىٰ ما ذكرته:
جاء عند ابن إسحاق: مَنْ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الْأُولَىٰ إلَىٰ الْحَبَشَةِ..
وذكر..
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ :
عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ - ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ : مِنْ عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ ) - مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ ( بْنِ حُذَافَةَ ) بْنِ غَانِمِ ( بْنِ عَامِرِ ) بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
فــ
:" كانت واحدة من النسوة الأربع اللاتي هاجرن إلى أرض الحبشة الهجرة الأولىٰ ".
وَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ‏:‏ مَا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ أَوَّلُ مِنْ لَيْلَىٰ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ مَعَ أَبِي، وَهُوَ زَوْجُهَا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ‏.‏
وجاء عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: « أَوَّلُ ظَعِينَةٍ قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ ».
- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ المدينة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ : عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ [ بن مالك بن عامر بن ربيعة بن حجر بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط: حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ .
وروي عنه أنه قال :„ ما دخل المدينة في الهجرة أحد بعد أبي سلمة بن عبدالأسد قبلي، ولا قدمتها ظعينة قبل ليلىٰ بنت أبي حثمة”.


- فَكَانَ مَنْزِلُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِالْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُرٍ بقُباءٍ . فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
-*-*-
قال أنه:" مات بعد مقتل عثمان بأيام. وكان لازماً لمنزله، فلم يشعر الناس إلا وجنازته قد أخرجت. وكان يكنىٰ أبا عبدالله. وكان الخطاب بن نفيل لما حالفه عامر بن ربيعة العنزي، تبناه فكان يقال له عامر بن الخطاب، حتىٰ نزل: { ادعوهم لآبائهم } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
( ١٠ ) : [ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العطرة
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
" ذِكْرُ أَوَائِلَ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ "
١١٥ » هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ «
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ 09‏ مارس‏، 2022م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 03 / 2022, 21 : 03 PM
( ١١٦ ) هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
:" بحوث ما قُبيل الهجرة النبوية الشريفة!
» مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
(إذْنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ) : [(1)]

مدخل :

.. سبقَ هجرةَ المصطفىٰ إلىٰ مدينته المنورة طلائعُ مِن صحابته الكرام.. مهدوا التربة الخصبة لغرس نبتة الإسلام الناشئة..
و
تهيئة المناخ العام لقدوم آخر الأنبياء كي تحتضن البيئة الصالحة افكار الإسلام الجديدة وتُفعل مبادئه السامية وترسخ قيمه الراقية وتنشر مقاييسه الرائعة وقناعاته السامقة..
فــ
نعلم أن :
" مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُاسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ،
وَاسْمُهُ: عَبْدُاللَّهِ، هَاجَرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِــ سَنَةٍ.. ".. حين " بَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ.. ".. بعد أن " قَدِمَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ .. " خَرَجَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا "[(2)] ..

" .. بعده جاءت:
(هِجْرَةِ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ إلىٰ يثرب -المدينة المصطفوية-..
.. فــ. :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَامِرُ ابْن رَبِيعَةَ، ومَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ[(3)]..

.. ثم
حصلت:
هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ..
وَ
ذَكَرَ هِجْرَةَ بَنِي جَحْشٍ،
وَهُمْ:
- عَبْدُاللهِ(*).. بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَثِيرِ [«كَبِير»] بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ، احْتَمَلَ بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ
- أَبي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ.. وَاسْمُهُ: عَبْدٌ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقِيلَ ثُمَامَةُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ[(4)] ..
وَكَانَ أَبُوأَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَطُوفُ مَكَّةَ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الفرعة..[" الْفَارِعَةُ بِنْتُ "[(5)].. بنت أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ-[عمة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب]
وَ
قَدْ كَانَ أَخُوهُمْ عُبَيْدُاللهِ أَسْلَمَ ثُمّ تَنَصّرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ،
- وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ.. أُمّ الْمُؤْمِنِينَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَنَزَلَتْ فِيهَا: { فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها }[الْأَحْزَابَ]
- وَأُمّ حَبِيبِ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ(!)، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
- وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ(!)أَيْضًا،
.. وَقَدْ رُوِيَ أَنّ زَيْنَبَ اُسْتُحِيضَتْ(!)أَيْضًا، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّأِ أَنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ(!)، وَلَمْ تَكُ قَطّ زَيْنَبُ عِنْدَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ(!)، وَإِنّمَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ أُخْتُهَا أُمّ حبيب..وَيُقَالُ فِيهَا أُمّ حَبِيبَةَ، غَيْرَ أَنّ أَبَا عَبْدِاللهِ مُحَمّدَ بْنَ نَجَاحٍ، أَخْبَرَ أَنّ أُمّ حَبِيبٍ كَانَ اسْمُهَا: زَيْنَبَ..

إذاً..
فَهُمَا زَيْنَبَانِ غَلَبَتْ عَلَىٰ إحْدَاهُمَا الْكُنْيَةُ، فَعَلَىٰ هَذَا لَا يَكُونُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ وَهْمٌ وَلَا غَلَطٌ (وَاَللهُ أَعْلَمُ).

..
وَكَانَ اسْمُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: بَرّةَ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ، وَكَذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمّ سلمة ربيبته -عليه السلام-، كان اسمها بَرة، فَسَمّاهَا زَيْنَبَ كَأَنّهُ كَرِهَ أَنْ تُزَكّيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِهَذَا الِاسْمِ،

..
وَكَانَ اسْمُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ: بُرّةَ بِضَمّ الْبَاءِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.:„ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ غَيّرْت اسْمَ أَبِي، فَإِنّ الْبُرّةَ صَغِيرَةٌ ”؛ فَقِيلَ: أن رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا.:«„ لَوْ أَبُوك مُسْلِمًا لَسَمّيْته بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِنَا أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَكِنّي قَدْ سَمّيْته جَحْشًا ”»؛.. وَالْجَحْشُ أَكْبَرُ مِنْ الْبُرّةِ..
.. ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ أَبُوالْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ. ". [(6)]..
-*-/
غلق دار بني حجش:
.. فَغُلِّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً، فَمَرَّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؛ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ؛ وَأَبُوجَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ ابْن عُثْمَانَ الَّتِي بِالرَّدْمِ (الرَّدْم: مَوضِع بِمَكَّة)، وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَٰى أَعَلَىٰ مَكَّةَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا (اليباب: القفر)، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَلَمَّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ،..
ثُمَّ قَالَ عُتْبَةُ.:„ أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا ”؛.. فَقَالَ أَبُوجَهْلٍ.:„ وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلِّ بْنِ قُلٍّ ”؛
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.:„ الْقُلُّ: الْوَاحِدُ ”؛.
وَ قَرأتُ رواية.:„ وَمَا تبكي عَلَيْهِ من فل بن فل ”؛ [ الفل: الْوَاحِد]
.. ثُمَّ قَالَ.. يَعْنِي لِلْعَبَّاسِ.:„ هَذَا مِنْ عَمَلِ ابْنِ أَخِيكَ، هَذَا فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَقَطَّعَ بَيْنَنَا ”؛.

..
ثم ذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي تَمَثّلَ بِهِ أَبُوسُفْيَانَ حِينَ مَرّ بِدَارِ بَنِي جَحْشٍ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا، ثُمَّ قَالَ:

وَكُلُّ [بَيْتٍ] دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا [سَلَامَتُهُ] * يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا [سَتُدْرِكُهُ] النَّكْبَاءُ وَالُحُوبُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.:„ وَهَذَا الْبَيْت لأبى دؤاد الْإِيَادِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. [وَاسْمُهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقِيّ،].. وَقِيلَ جَارِيَةُ [وَقيل حَارِثَة] بْنُ الْحَجّاجِ ذَكَرَ دَارَ بني جحش، وَأَنّهَا عِنْدَ دَارِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِالرّدْمِ، والرّدم.. حفر ردم بِالْقَتْلَىٰ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَسُمّيَ: الرّدْمَ، وَذَلِكَ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي جُمَحَ، وَبَيْنَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ الدّبَرَةُ فِيهَا عَلَىٰ بني الحارث، ولذلك قلّ عددهم، فهم أفل قُرَيْشٍ عَدَدًا ”.[(7)]
وَالُحُوبُ: التَّوَجُّعُ، (وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْحَاجَةُ، وَيُقَالُ: الْحُوبُ: الْإِثْمُ)

وبقية الأبيات:

كل امرىء بِلِقَاءِ الْمَوْتِ مُرْتَهَنٌ * كَأَنّهُ غَرَضٌ لِلْمَوْتِ مَنْصُوبُ

عدوان أبي سفيان.:
فعدا أبوسفيان علىٰ دارهم فتملكها وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش.. فباعها من عمرو ابن علقمة أخي بني عامر بن لؤي.. فذكر ذلك عبدالله بن جحش لما بلغه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.:«„ ألا ترضىٰ يا عبدالله أن يعطيك الله بها داراً في الجنة خيراً منها ”»؛
قال.:„ بلى ”؛
قال.:«„ فذلك لك ”»؛
.. فلما افتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة كلمه أبوأحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس لأبي أحمد.:„ يا أبا أحمد إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله ”؛
فأمسك عن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏.[(8)]


منزلهم بالمدينة المنورة .:

.. فَكَانَ مَنْزِلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالْأَسَدِ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، عَلَىٰ مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِالْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُرٍ بــ.:«„ قُباءٍ ”»؛ فِي.:«„ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ”»؛ ثُمَّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْسَالًا [أَرْسَالًا: جمَاعَة إِثْر جمَاعَة]، وَكَانَ بَنُو غَنْمِ ابْنِ دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ، قَدْ أَوْعَبُوا [يُقَال: جَاءُوا موعبين: إِذا جمعُوا مَا اسْتَطَاعُوا من جمع] إلَىٰ الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِجْرَة رِجَالهمْ ونساءهم.. وهم:
- عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَ
- أَخُوهُ أَبُوأَحْمَدَ ابْن جَحْشٍ، وَ
- عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَ
- شُجَاعٌ، وَعُقْبَةٌ.. ابْنَا وَهْبٍ، وَ
- أَرْبَدُ ابْن حُمَيِّرَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ حُمَيْرَةَ
(هِجْرَةُ قَوْمٍ شَتَّى) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
- وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَ
- سَعِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَ
- مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَ
- يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَ
- قَيْسُ بْنُ جَابِرٍ، وَ
- عَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ، وَ
- مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَ
- صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَ
- ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَ
- رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ، وَ
- الزُّبَيْرُ بْنُ عُبَيْدٍ[ة]، وَ
- تَمَّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَ
- سَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَ
- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَحْشٍ.
وَ
ذَكَرَ فِي نِسَاءِ بَنِي جَحْشٍ:
(هِجْرَةُ نِسَائِهِمْ) :
وَمِنْ نِسَائِهِمْ:
- زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَ
- أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ، وَ
- جُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَ
- أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ، وَ
- أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ، وَ
- آمِنَةُ [قَالَ أَبُوذَر: «قَالَ الأقشى: صَوَابه: أُمَيْمَة» .] بِنْتُ رُقَيْشٍ، وَ
- سَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ، و
- حَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ.

(شِعْرُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فِي هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ) :

وَقَالَ أَبُوأَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ هِجْرَةَ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ قَوْمِهِ إلَىٰ اللَّهِ -تَعَالَى- وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ حَيْنَ دُعُوا إلَىٰ الْهِجْرَةِ:

وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصَّفَا أُمُّ أَحُمَدٍ * وَمَرْوَتِهَا باللَّه بَرَّتْ يَمِينُهَا
لَنَحْنُ الْأُلَى كُنَّا بِهَا ثُمَّ لَمْ نَزَلْ * بِمَكَّةَ حَتَّى عَادَ غَثًّا سَمِينُهَا
بِهَا خَيَّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ * وَمَا إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفَّ قَطِينُهَا [القطين: الْقَوْم المقيمون]
إلَىٰ اللَّهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ * وَدِينُ رَسُولِ اللَّهِ بِالْحَقِّ دِينُهَا

وَقَالَ أَبُوأَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ [(9)] أَيْضًا:

لَمَّا رَأَتْنِي أُمُّ أَحْمَدَ غَادِيًا * بِذِمَّةِ مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ[الذِّمَّة: الْعَهْد]
تَقُولُ: فَإِمَّا كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا * فَيَمِّمْ بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ[يمم: قصد. وتنأى: تبعد]
فَقُلْتُ لَهَا: بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا[مَا يَثْرِبٌ بِمَظِنَّةٍ][(10)] * وَمَا يَشإِ الرَّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ
إلَىٰ اللَّهِ وَجْهِي وَالرَّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ * إلَى اللَّهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيَّبُ
فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ * وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ
تَرَى أَنَّ وِتْرًا[الْوتر: طلب الثأر]نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا * وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الرَّغَائِبَ نَطْلُبُ
دَعَوْتُ بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ * وَلِلْحَقِّ لَمَّا لَاحَ لِلنَّاسِ مَلْحَبُ[ملحب: طَرِيق بَين وَاضح]
أَجَابُوا بِحَمْدِ اللَّهِ لَمَّا دَعَاهُمْ * إلَى الْحَقِّ دَاعٍ وَالنَّجَاحُ فَأَوْعَبُوا[أوعبوا: اجْتَمعُوا وكثروا]
وَكُنَّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى * أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسِّلَاحِ وأجْلَبوا[وَفِي أ: «فأحلبوا» . وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه: صاحوا. وَمن رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: أعانوا.]
كَفَوْجَيْنِ: أَمَّا مِنْهُمَا فَمُوَفَّقٌ * عَلَى الْحَقِّ مَهْدِيٌّ، وَفَوْجٌ مُعَذَّبُ[الفوج: الْجَمَاعَة من النَّاس]
طَغَوْا وَتَمَنَّوْا كِذْبَةً وَأَزَلَّهُمْ * عَنْ الْحَقِّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيِّبُوا
وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقِّ مِنَّا وطُيِّبوا
نَمُتُّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ * وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرَّبُ
فَأَيُّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنَّكُمْ * وَأَيَّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ
سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيُّنَا إذْ تُزَايِلُوا * وَزُيِّلَ أَمْرُ النَّاسِ لِلْحَقِّ أَصْوَبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ» ، وَقَوْلُهُ «إذْ لَا نَقْرَبُ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.[(11)]..
[قال أبوعمر وهاجر جميع بني جحش بنسائهم]..[(12)]:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(*) أمير المؤمنين... عبدالله بن جحش
(أول من دعي بأمير المؤمنين)
الصحابيّ الذي نسوق عنه الحديث الآن وثيق الصلة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وواحد من أصحاب الأوليات في الإسلام. فهو ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ ذلك لأن أمه أميمة بنت عبد المطلب كانت عمة النبي -عليه الصلاة والسلام-. وهو صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذلك لأن أخته زينب بنت جحش كانت زوجة النبي الكريم، وإحدى أمهات المؤمنين. وهو أول من عُقد له لواء في الإسلام. وهو بعد ذلك أّول من دعي أمير المؤمنين… إنه عبد الله بن جحش الأسديّ.

أسلم عبدالله بن جحش، قبل أن يدخل النبي -عليه الصلاة والسلام- دار الأرقم، فكان من السابقين إلى الإسلام. ولما أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه بالهجرة إلى المدينة فراراً بدينهم من أذى قريش،
كان عبدالله بن جحش ثاني المهاجرين إذ لم يسبقه إلى هذا الفضل إلا أبوسلمة. على أن الهجرة إلى الله، ومفارقة الأهل والوطن في سبيله لم تكن أمراً جديداً على عبدالله بن جحش، فقد هاجر هو وبعض ذويه قبل ذلك إلى الحبشة؛ لكنّ هجرته هذه المرّة كانت أشمل وأوسع، فقد هاجر أهلُه وذووه، وسائر بني أبيه رجالاً ونساءً، وشيباً وشباناً وصبية وصبيات، فقد كان بيته بيت إسلام، وقبيلُه قبيل إيمانٍ. فما إن فصلوا عن مكة حتّى بدت ديارهم حزينة كئيبة، وغدت خواءً خلاءً كأن لم يكن فيها أنيس من قبلُ، ولم يسمر في ربوعها سامرٌ.
و
لم يمض غير قليل على هجرةِ عبدالله ومن معه حتّى خرج زُعماءُ قريش يطوفون في أحياء مكّة، لمعرفة من رَحَل عنها من المسلمين ومن بقي منهم، وكان فيهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة، فنظر عتبة إلى منازل بني جحش تَتَنَاوح فيها الرياح السافيات (التي تثير التراب) وتخفق أبوابها خفقاً وقال: أصبحت ديار بني جحشٍ خلاءً تبكي أهلها،
فقال أبو جهل: ومن هؤلاء حتّى تبكيهم الدِّيارُ؟!
ثم وَضَع أبو جهل يده على دار عبد الله بن جحش، فقد كانت أجمل هذه الدور وأغناها، وجعل يتصرَّف فيها وفي متاعها كما يتصرَّفُ المالك في ملكِه. فلمّا بلغ عبدالله بن جحش ما صنع أبو جهل بداره،
ذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ألا ترضى ياعبد الله أن يعطيك الله بها داراً في الجنّة؟».
قال: بلى يارسول الله.
قال: «فذلك لك».
فطابت نفس عبدالله وقرّت عينه.
ما كاد عبدالله بن جحش يستقر في المدينة بعدما تكبّده من نصبٍ في هجرتيه الأولى والثانية، وما كاد يذوق شيئاً من طعم الراحة في كنف الأنصار، بعدما ناله من أذى على يد قريش، حتّى شاء الله أن يتعرّض لأقسى امتحان عرفه في حياته، وأن يعاني أعنف تجربة لقيها منذ أسلم.
فلنرهف السمع لقصّة تلك التجربة القاسية المرّة:

انتدب الرسول -صلوات الله عليه- ثمانية من أصحابه للقيام بأول عملٍ عسكري في الإسلام، فيهم عبدالله بن جحش وسعد بن أبي وقاص وقال: «لأؤمرنَّ عليكم أصبركم على الجوع والعطش» ثم عقد لواءهم لعبدالله بن جحش، فكان أول أمير أُمّر على طائفةٍ من المؤمنين.
(وروي أن أول لواء عقد في الإسلام كان لحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه وقيل غير ذلك).

حدّد الرسول الكريم لعبدالله بن جحش وجهَتَه وأعطاه كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه إلا بعد مسيرة يومين. فلما انقضى على مسيرة السرية يومان نظر عبدالله في الكتاب
فإذا فيه:
«إذا نظرت في كتابي هذا، فامضِ حتّى تنزل «نَخلَة» بين الطائف ومكّة، فترصَّد بها قريشاً، وقف لنا على أخبارهم».
وما إن أتمّ عبدالله الكتاب حتّى قال: سمعاً وطاعة لنبي الله،
ثم قال لأصحابه:
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أمرني أن أمضي إلى نخلة لأرصد قريشاً حتى آتيه بأخبارهم، وقد نهاني عن أن أستكره أحداً منكم على المضي معي، فمن يريد الشهادة ويرغب فيها فليصحبني، ومن كره ذلك فليرجع غير مذموم.
فقال القوم: سمعاً وطاعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، إنما نمضي معك حيث أمرك نبي الله.
ثم
سار القوم حتّى بلغوا نخلة وطفقوا يجوسون (يدورون ويبحثون) خلال الدروب ليترصدوا أخبار قريش. وفيما هم كذلك أبصروا عن بعد قافلة لقريش فيها أربعة رجالٍ هم: عمرو بن الحضرميِّ، والحكم بن كيسانَ، وعثمان بن عبدالله، وأخوه المغيرة ومعهم تجارة لقريش فيها جلود وزبيب ونحوها مما كانت تتجر به قريش.
عند ذلك أخذ الصحابة يتشاورون فيما بينهم، وكان اليوم آخر يوم من الأشهر الحرم ،
فقالوا: إن قتلناهم فإنما نقتلهم في الشهر الحرام، وفي ذلك ما فيه إهدار حُرمة هذا الشهر والتعرض لسخط العرب جميعاً.
(الأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وكانت العرب تحرم فيها القتال).
وإن أمهلناهم حتى ينفض هذا اليوم دخلوا في أرض الحرم ( أي أصبح قتالهم محرماً علينا بسبب دخولهم في أرض الحرم المكّي)
وأصبحوا في مأمن منا. ومازالوا يتشاورون حتّى أجمعوا رأيهم على الوثوب عليهم وقتلهم وأخذ ما في أيديهم من غنيمة. وفي لحظات قتلوا واحداً منهم وأسروا اثنين، وفرّ الرابع من أيديهم.
استاق عبدالله بن جحش وصحبه الأسيرين والعير متوجهين إلى المدينة، فلمّا قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووقف على ما فعلوه استنكره أشد الاستنكار،
و
قال لهم:
«والله ما أمرتكم بقتال، وإنما أمرتكم أن تقفوا على أخبار قريش، وأن ترصدوا حركتها».
و
أوقف الأسيرين حتّى ينظر في أمرهما، وأعرض عن العير فلم يأخذ منها شيئاً.

عند ذلك سُقِطَ في أيدي عبدالله بن جحش وأصحابه، وأيقنوا أنهم هلكوا بمخالفتهم لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وزاد عليهم الأمر ضيقاً أن إخوانهم من المسلمين طفِقوا يكثرون عليهم من اللوم، ويزورون عنهم كُلّما مرُّوا بهم
ويقولون:
خالفوا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد ازدادوا حرجاً على حرج حين علموا أن قريشاً اتخذت من هذه الحادثة ذريعة للنيل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
و
التشهير به بين القبائل،
فكانت تقول: إن محمداً قد استحل الشهر الحرام؛ فسفك فيه الدم، وأخذ المال، وأسر الرجال…
فلا تسلْ عن مبلغ حزن عبدالله بن جحش وأصحابه على ما فرط منهم، ولا عن خجلتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أوقعوه فيه من الحرج. ولمّا اشتد عليهم الكرب وثقُل عليهم البلاء،
جاءهم البشير يبشرهم بأن الله -سبحانه- قد رضي عن صنيعهم، وأنه أنزل على نبيّه في ذلك قرآناً. فلا تسلْ عن مدى فرحتهم، وقد طفق الناس يقبلون عليهم معانقين مبشرين مهنئين وهم يتلون ما نزل في عملهم من قرآن مجيد.
فلقد نزل على النبي قول الله علت كلمته:
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
فلّما نزلت الآيات الكريمات طابت نفس الرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فأخذ العير وفدى الأسيرين، ورضي عن صنيع عبدالله بن جحش وأصحابه إذ كانت غزوتهم هذه حدثاً كبيراً في حياة المسلمين؛ فغنيمتها أول غنيمة اُخِذت في الإسلام، وقتيلها أول مشرك أراق المسلمون دمَه، وأسيراها أول أسيرين وقعا في أيدي المسلمين، ورايتها أول راية عقدتها يد رسول الله -صلوات الله عليه-، وأميرها عبدالله بن جحش أول من دُعي بأمير المؤمنين.

ثم
كانت (بدر) فأبلى فيها عبدالله بن جحش من كريم البلاء ما يليق بإيمانه.
ثم
جاءت (أحد) فكان لعبدالله بن جحش وصاحبه سعد بن أبي وقاص معها قصة لا تنسى، فلنترك الكلام لسعد ليروي لنا قصته وقصة صاحبه:
قال سعد بن أبي وقاص:
لما كانت أحد لقيني عبدالله بن جحش و
قال: ألا تدعو الله؟
فقلت: بلى.
فخلَونا في ناحية
فدعوت فقلت: يارب إذا لقيت العدو فلقني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده (غضبه وثورته) أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمن عبدالله بن جحش على دعائي،
ثم
قال: اللهم ارزقني رجلاً شديداً بأسه أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك غداً قلتَ: فيم جُدع أنفك وأذنك؟
فأقول: فيك وفي رسولك،
فتقول: صدقتَ…
قال سعد بن أبي وقاص: لقد كانت دعوة عبدالله بن جحش خيراً من دعوتي،
فلقد رأيته آخر النهار، وقد قُتل ومثِّل به، وإن أنفه وأذنه لمعلقان على شجرة بخيط. استجاب الله دعوة عبدالله بن جحش، فأكرمه بالشهادة كما أكرم بها خاله سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب.
فواراهما الرسول الكريم معاً في قبر واحدٍ، ودموعه الطاهرة تُروِّي ثراهما المضمخ بطيوب الشهادة [(13)]".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ.
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ]
[الْمَدِينَةُ المصطفوية * دَارُ الْهِجْرَةِ * * وَدَارُ السُّنَّةِ ]
ما يذكر مِن هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته الشريفة
[ السابقون إلىٰ الهجرة مِن الصحابة إلىٰ -يثرب- المدينة ]
( ١١٦ ) هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ ‏09‏ مارس‏، 2022م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 03 / 2022, 50 : 03 PM
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-..
هل كانت هجرته علانيةً وجهراً !؟..
أم كانت سراً وخِفيَّةً!؟..
ومن آخىٰ بينه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
.. في قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توجد رواية:" درجت علىٰ ألسنةٍ كثيرٍ مِن الوعاظ والقصاصين وبعض الإخباريين الذين يلقون الكلام علىٰ عواهِنه؛ مِن غير تمييز لصحيح القَصص مِن سقيمها.. ودون تحقيق لما رُويَّ.. أو تدقيق قبل النقل..
.. قصةٌ مشهورةٌ علىٰ الألسن.. وفي بعض المراجع والمصادر والكتب.. والقصص، وفي خطب الجمع.. والمحاضرات؛ وبين العامة.. والخاصة؛ وقد تجد مِن طلبة العلم مَن يستشهد بها، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- علانيةً وجهراً إلىٰ المدينة النبوية.
-*//*-
الْمُقَدِّمَة :
.. فنحن -جميعاً- ما زلنا نقف أمام : مقدمات الهجرة وأول مَن هاجر مِن المسلمين مِن مكة -بداية نزول الوحي ومهد الرسالة ومنطلق الدعوة- إلىٰ يثرب والتي ســ تسمىٰ المدينة المنورة -مركز الإنطلاق ومكان بناء الكيان التنفيذي الأول لأحكام الإسلام-..

.. فــ الأمة الإسلامية.. ومنذ بداية عهد الرسالة المحمدية الخاتمة لرسالة السماء إلىٰ البشر وعبر تاريخها وحتىٰ كتابة هذه السطور امتازت بوجود رجال عظماء.. ونساء.. كــ بقية الأمم والشعوب؛ ضحوا بالغالي والنفيس لِمَا اعتقدوا صحته وأيقنوا قوة برهانه وعلموا حقاً بأنه كلام الله -عز وجل- وحياً باللفظ والمعنىٰ وهو القرآن الكريم أو بالمعنىٰ دون اللفظ وهي السنة النبوية..
..
ثم تميزت هذه الأمة بشكل ملحوظ بوجود عباقرة أفذاذ كــ بقية الشعوب والأمم في كافة التخصصات النظرية والعملية والفقهية والعلمية..
..
ثم تباينت -بصورة ليس لها نظير ولا مثيل- عن الجميع في كل العصور والأزمان والأحقاب ومر الدهور فتميزت بوجود وحي مِن السماء بين أيديها حُفظ[(*)] مِن قِبل السميع العليم علىٰ مدار الأيام وكر السنين..
..
حُفظَ مِن التغيير والتبديل؛ ومُنِعَ عنه التعديل والتحريف؛ وتمت صيانته مِن الزيادة والنقصان..
ثم رافق الوحيُّ المنيفُ الهديّ النبوي الشريف.. وهو الطريقة المحمدية والكيفية الرسولية..
فتميز مَن أمن بالإسلام عقيدة ومنهاجاً وشريعة ونبراساً في كافة المجالات وعلىٰ كل الأصعدة.. إذ أكتمل بنيان الإسلام بشقيه[(**)] : القرآن الكريم والسنة المحمدية العطرة..
..
ثم
-لعوامل عدة- خبا وهج شعلة الإسلام لإنارة الطريق لابناءه ولغيرهم من بني الإنسان نتيجة تراجع طرأ في كيفية حمل تلك الشعلة الوهاجة المنيرة؛ ولوجود ضعف شديد طرأ علىٰ الأذهان في فهم الإسلام..
..
وهناك فارق -كالفارق ما بين الثرىٰ والثريا- في ضعف يطرأ علىٰ فهم الإنسان بصفته البشرية وكينونته الآدمية؛ وبين فساد الفكر الأساسي في عقل إنسان لمبدأ وبين ضعف فهم أحكام الدين! ..
فــ فساد العقيدة واركانها وإدخال ما ليس منها فيها يتبعه فساد في الإيمان.. وانحراف عن الصراط المستقيم.. وتراجع في التطبيق وسطحية في العرض.. فحين يُبنىٰ دين علىٰ عقيدة فاسدة وإيمان منحرف ينهدم الدين -بالكلية- علىٰ رؤوس معتنقيه؛ أما إذا طرأ ضعف في فهم عقيدة ما في ذهن مَن يحملها مع بقاء أركانها ثابتة.. وبقاء عناصرها راسخة مع عدم ضياع مصادرها الأصلية أو تبديل منابعها الأساسية الصافية.. فيسهل العودة إلىٰ تقوية العقيدة في قلوب أصحابها وتنقية الإيمان في أذهان متبعيه وإدراك حقيقي لمَن يؤمن..
فيصفو إستيعاب قواعد الدين ويعود ضياء شعلة الدين/المبدأ إلىٰ الوجود مِن جديد..
وهناك ثلة تعمل لذلك!
...
(إذْنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ)
فــ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- : « إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا » ..
فَخَرَجُوا أَرْسَالًا [أي: متفرقين]. [(سيرة ابن هشام: 1 /468)]
وتحققت رؤيا نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقد جعلها ربي حقًا، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأىٰ رؤيا بهذه الهجرة من قبل، كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ:
« رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي [ظني] إِلَىٰ أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ » [رواه البخاري: (3622/7035)، ومسلم: (2272)].
و
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
« إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ » [اللابة: الأرض ذات الحجارة السود] [(رواه البخاري: (3905)].
وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال:
قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ » [(رواه مسلم: (2473)].
وسبحان من استأثر بعلم الغيب وحده لا شريك له! فقد ظنَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن الهجرةَ
ستكون للـــ
- يمامة،
أو
- هَجَر، ولكنَّ اللهَ -عز وجل- أراد أن يعزَّ بها :
- أهل المدينة،
وما هو -صلى الله عليه وسلم- إلا وحي يُوحى، فقد أمر أصحابه -رضي الله عنهم- بالهجرة..
يقولُ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فِي : « الْحَرْبِ »؛ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ : « الْأَنْصَارِ » عَلَىٰ : « الْإِسْلَامِ »؛ وَ : « النُّصْرَةِ » لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَ : « أَوَىٰ » إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثم تتابعت هجرة الصحابة علىٰ المدينة : « دار الإيمان »؛ ثم قَدِمَ المهاجرون أرسالًا يتبع بعضهم بعضًا حتىٰ اكتمل أمرهم.
[(انظر سيرة ابن هشام: (1/472)؛ و خطبة: (22): سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم- الإذن بالهجرة للصحابة؛ إبراهيم الدويش]
-*//*-
... ثم
هاجر عُمَرُ بن الخطّاب -رضي الله عنه- وكانت هجرة الفاروق -رضي الله عنه- وعياش بن [أبي] ربيعة" المخزومي "
-*//*-
تمهيد لهجرة عمر :
تعرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد إسلامه للإيذاء مِن قِبل مشركي قريش، ولم يكف عنه المشركون حتىٰ أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلىٰ المدينة كان -رضي الله عنه- مِن المهاجرين الأولين علىٰ الرغم مِن منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه.
قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصــ(ـي) [بن وائل السهمي] وإعادتهما]
فــ

- حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

هاجر -رضي الله عنه- مستخفيًا (سرًا) كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبوبكر -رضي الله عنه-.


والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق [(2/ 129 - 131)] ونقله عنه ابن هشام :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ، حَتّىٰ قَدِمَا الْمَدِينَةَ ”.

قال -رضي الله عنه- وهو يحكي قصة هجرته:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَىٰ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ”.
" وتواعدوا جميعًا "
قَالَ عُمَرُ بْنِ الْخَطّابِ : اجتمعنا للهجرة:

البيان :
« اتّعَدْتُ؛ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ، [أوعدت أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ[وَاسْمُهُ عَمْرٌو وَيُلَقّبُ ذَا الرّمْحَيْنِ]، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ ". التّناضِبَ [أن يلتقوا عند التناضب [اسم شجرة أو موضع] [وقيل: موضع فوق سَرِف على مرحلة(*) من مكة] مِنْ [الميضاة] أَضَاةِ بني غفار (حي علىٰ بعد 13 كيلو مِن مكة؛ أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين)، فَوقَ سَرِفٍ..
وَ
قُلْنَا: أيكم [أَيُّنَا] لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ [احتبس] حُبِسَ ، فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ..

قَالَ الفاروق -رضي الله عنه- :" فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[انتهى من سيرة ابن هشام" (2/ 85) ، وصحح إسنادها الحافظ في "الإصابة" (6/ 423)]؛ انظر سيرة ابن هشام: (1/474). وابن سعد: الطبقات (3/271، 272)
(*) المَرْحَلَة هي وحدة قياس مسافات عربية قديمة، تعادل المسافة التي يقطعها المسافر في يومٍ سيرًا علىٰ الأقدام، أو علىٰ الدواب سيرا معتادا. والجمع مراحل. عند الحنفية والمالكية: (44.520) كيلومترا. وعند الحنابلة والشافعية: (89.04) كيلومترا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

« فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ [منزلنا] نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ ».


[ * ] تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ:
أكملُ رواية الفاروق عمر: « وَخَرَجَ أَبُوجَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَىٰ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّىٰ قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ »
و
توضيح الرواية :
« وقدمتُ „ الحديث ما زال علىٰ لسان عمر ” أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء فنزلنا علىٰ رُفاعة بن عبدالمنذر .. فَقَدِمَ علىٰ عيّاش بن أبي ربيعة أخواه لأُمّه: أبوجَهل والحارث.. ابنا هشام بن المغيرة.. وأمّهم أسماءُ ابنة مُخَرّبة من بني تَميم، وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [بعد] بِمَكّةَ [لم يخرج] فأسرعا السَّيْر فنزَلا معنا بقباءَ، فقالا لعيّاش:

« فَكَلّمَاهُ..
وَقَالَا له : „ إنّ أُمّك [قَدْ] نَدَرَتْ أَنْ لَا [يَمَسّ] رَأْسَهَا مُشْطٌ [ولا يمسّ رأسَها دُهْنٌ] حَتّىٰ تَرَاك..
فنذرت أمه أن لا يظلّها [ظِلّ] سقف بيت حتّىٰ يرتدّ، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّىٰ تَرَاك ”؛

„ فَرَقّ لَهَا ”؛

فَقُلْت „ أي عمر” لَهُ: „ يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ[إنْ يَرُدّاك إلاّ عن دينك] إنْ يُردكَ [يُرِيدَك] الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فاحذرهم.. فوالله لو قد آذىٰ أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة.. أحسبه قال لامتشطت[لَاسْتَظَلّتْ] ”.

قَالَ : „ عمر ” فَقَالَ : „ عياش ”: „ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي ”.

قال „ عياش ”: „ إن لي هناك [بمكّةَ] مالًا [لعلّي] فآخذه [فيكون لنا قوّة وأَبَرُّ قَسَمَ أُمّي ”.
قال : „ عمر ” : „ والله إنك لتعلم أني مِن أكثر قريش مالًا.. ذلك [فَلَك] نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى [عَلَيّ] إلا يخرح معهما ”.
فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ „ عمر ” لَهُ: [لما أبي علي] „ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ ”؛ فــ : „ الزم ظهرها.. فإن رابك من القوم ريب فانخ عليها ”.؛

.. فخرج معهما عليها حتىٰ إذا كان [كَانُوا] ببعض الطريق [فلمّا كانوا بــ : „ ضجنان ”؛
قال [لَهُ] أبوجهل بن هشام: [ : „ يَا ابْنَ أَخِي] والله لقد استبطأت [اسْتَغْلَظْتُ] بعيري هذا، أفلا تحملني[تُعْقِبَنِي] علىٰ ناقتك هذه؟ ”؛
قال: „ بلىٰ ”؛
[: „ فأناخ.. وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا [عَدَوْا] عليه فأوثقاه[وَرَبَطَاهُ ”؛
و
رواية آخرى : „ لمّا كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطًا حتّى دخلا به مكّة]، ثم أدخلاه مكة وفتناه فافتتن ”؛

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا،
ثُمّ
قَالَا: „ يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا ” .
[„ ثمّ حبسوه ”؛
[انظر : الطبقات الكبير؛ وأسد الغابة ] .

[ * . ] .[كِتَابُ عُمَرَ إلَىٰ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي].
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ
قَالَ عمر: فَكُنّا نقول : „ والله لا يقبل الله [مَا اللّهُ بِقَابِلٍ] ممن افتتن صرفا ولا عدلًا، ولا يقبل توبة قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ”.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
قال عمر[بْنُ الْخَطّابِ]: فكتبتها [بِيَدِي] في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصــ[ــي] بمكة [فَقَالَ] هشام [بْنُ الْعَاصِي] : „ فلم أزل [فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت] أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه [وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا [فوجد صعوبة في فهمها]، حَتّىٰ قُلْت : „ اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا ”؛ [فدعا الله أن يفهمه إياها]؛ قَالَ : „ فَأَلْقَىٰ اللّهُ -تَعَالَى- فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا.[فألقىٰ الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله] حتىٰ فهمتها، قال: فألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا..

[قَالَ] فرجعت[إلَى بَعِيرِي،] فجلست[عَلَيْهِ] على بعيري، فلحقت برسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - [وَهُوَ]بالمدينة ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار إلى صحة هذه الرواية: الهيثمي في المجمع: ( ٦/ ٦١) رواه البزار ورجاله ثقات. كشف الأستار رقم: ( ١٧٤٦: ٢/ ٣٠٢)، ابن هشام في السيرة: ( ١/ ٤٧٤ – ٤٧٥ )، بسند رجاله ثقات صرح في ابن إسحاق بالتحديث فقال حدثني نافع مولى ابن عمر عن عبدالله بن عمر بن الخطاب[بإسناد حسن،]، ورواه البيهقي في الدلائل: (٢ / ٤٦١ – ٤٦٢ )، وفي السنن: ( ٩ / ص ١٣ – ١٤ )، من طريق ابن إسحاق. وصححه ابن حجر في الإصابة (3/602) فالحديث صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت : «„ سرية ”»؛ فليس فيها أي إشارة إلىٰ إعلان الهجرة، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار - وهي علىٰ عشرة أميال من مكة - ليؤكد إسرارهم بهجرتهم.
وفوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب : «„ سراً ”»؛ حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق -السابقة- وزاد فيها قول عمر : «„ وكنا نخرج سراً ”»..
وأيضاً : التأكيد علىٰ صحة الرواية الثانية أولىٰ من التكلف[كما فعل السباعي-مثلا-] في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً -كهذه التي بين أيدينا- .
ولحق بعمر -رضي الله عنه- عددٌ مِن قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.

قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أول من قدم علينا -يعني المدينة- :
- مصعب بن عمير
و
- ابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فــ
قدم
- بلال و
- سعد و
- عمار بن ياسر
ثم
قدم
- عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن هاجر مع عمر -رضي الله عنه- ابنه عبدالله، فلما فرض عمر -رضي الله عنه- العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له : „ هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ ”؛ فقال : „ إنما هاجر به أبواه ”؛ يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه.
منزل عمر وعياش بالمدينة :
ولما وصل عمر -رضي الله عنه- المدينة[قال : „ وقدمت أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء ”؛ نزل ومن معه العُصبة، وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رُفاعة بن عبدالمنذر. ولا تعارض في ذلك فرُفاعة من الأوس سكان العصبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري: (2/ 335، 337، 3/214 وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَىٰ مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ وَهِشَامٍ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ؛ فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ:
«„ مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ ”»؛
فَــ
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: „ أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِهِمَا ”؛ فَخَرَجَ إلَىٰ مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَــ
قَالَ لَهَا: „ أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللّهِ؟ ”؛
قَالَتْ: „ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ ”؛ - تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّىٰ عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ فَلَمّا أَمْسَىٰ تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ : « ذُو الْمَرْوَةِ »؛ لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَىٰ بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ .. فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ * وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقَيْتِ

ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَىٰ رَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- الْمَدِينَة."
-*//*-
ثم يأتي: الكلام علىٰ الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه-، وبيان ضعفه .
.. ما نُشر ويُنْشَر في العديد المصادر والمواقع الإلكترونية: مِن أحداث وأقوال وأفعال ضعيفة لم تصح تنسب تارة إلىٰ رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهو ما يسمىٰ في علم المصطلح بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة؛ وقد تصدىٰ لها رجال أعلام مِن علماء هذه الأمة الخيرية في قديم الزمان وحديثه وبينوها؛
و
رحم مَن قال :« أن للــــ أحاديث الضعيفة أو الموضوعة آثرها السئ علىٰ الأمة »؛
وتارة
تنسب تصرفات أو أقوال للصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- وبين فسادها وضعفها علماء أجلاء.. و
منها
قصة هجرة الفاروق عمر بن الخطاب من مكة إلى يثرب-المدينة!!!

تقديم :

.. جاءَ في روايةٍ أن عمرَ -رضي الله عنه- هاجرَ علانيةً وجهراً.. وهي روايةٌ مشهورة ولكنها لم تأتِ من طرقٍ ثابتة.. لذا فقد تجرأَ آحدُهم -جهلاً منه- لتأثير تلك الأخبار عليه؛ فسأل يقول :
- هل يمكن القول أن الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أقل جرأة من عمر بن الخطاب ؟...
ثم يُبين دعواه الباطلة بقوله: فــ حين اشتدت وطأة كفار قريش بالمسلمين وبالغوا في إيذائهم واضطهادهم، أتىٰ أمر الهجرة، وكانت لكل مسلم طريقته بالخروج إلىٰ المدينة المنورة،
فكانت طريقة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أن يهاجر خفية، والكفار متربصون به،
بينما عمر -رضي الله عنه- هاجرَ جهراً،
بل متحدياً
وقائلاً :„ مَن أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجته أو ييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي ”.[!!؟؟؟..] .
تحقيق المسألة :
قلتُ(الرَّمَادِيُ) : هذه الرواية لا تصح كما ذكرتُ سلفا..
أولا : هذا الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه- ضعيف الإسناد لا يصح، فقد رواه برمته كل من:
١ . ] ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (44/ 51-52) ،
٢ . ] ابن الأثير في أسد الغابة (4 /152)،
٣ . ] ابن السمان في الموافقة، انظر : شرح المواهب (1 /319) و
٤ . ] السيرة الحلبية: (2/ 29)؛
٥ . ] سيرة الصالحي (3 /315) و
ونَقلَ عنهم :
٦ . ] محمد بن محمد بن سويلم أبوشُهبة (المتوفىٰ: 1403هـ) في كتابه: السيرة النبوية علىٰ ضوء القرآن والسنة
وخطب آحدهم مِن مَن ينتمي لتيار إسلامي [خطبة للسيد/ دويش[انظر رقمها أعلاه]؛ ونقل النص من السيرة الحلبية: (2/ 29)].. فقدح في رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ؛ إذ يقول : „ أما عمر فلم يخرج -رضي الله عنه- سرًّا كما خرج عياش، ولا كما خرج غيره مِن المهاجرين -رضي الله عنهم- بل خرج مجاهرًا -رضي الله عنه- ”.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): ولعله نقلها مِن اسلافه :
٧ . ] انظر إلىٰ تكلف السباعي -رحمه الله- و
٨ . ] البوطي -مثلاً- في استخراج العبر منها. [السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80)]؛ و [فقه السيرة للبوطي ( ص 135-).

قلتُ(الرَّمَادِيُ): وهذا إشكال النقل دون المراجعة والتحقيق والتدقيق.. وهذا يؤثر سلباً علىٰ عموم المسلمين..

تجد الروايةَ عند ابن الأثير في :« أسد الغابة » [(4/ 145؛ ط. دار الكتب العلمية)] من طريق أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ، ثنا أبوروق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني - بالبصرة -، من طريق -ثنا- الزبير بن محمد بن خالد العثماني [بمصر سنة خمس وستين ومائتين :«٢٦٥»] نا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه عن عقيل بن خالد عن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن عبدالله بن العباس قال : قال لي علي بن أبي طالب :„ ما علمتُ أن أحدا مِن المهاجرين هاجرَ إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هَمَّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضىٰ[استخرج من كنانته] في يده أسهما (أي: أخرجها)، واختصر عَنَزَته (شبه العكازة؛ وهي الحربة الصغيرة علَّقها عند خاصرته)، ومضىٰ قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا [متمكناً]، ثم أتىٰ المقام فصلىٰ [متمكناً] ثم وقف علىٰ الحلق واحدة واحدة ”؛ فقال لهم :„ شاهت [قبحت] الوجوه لا يرغم [يذل] الله إلا هذه المعاطس[الأنوف]، مَن أراد أن تثكله[تفقده] أمه أو يُيتم (ويُؤَتَّم) ولده أو يرمل[تُرمل] زوجه[زوجته] فليلقني وراء هذا الوادي ”.
قال علي -رضي الله عنه- :„ فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم و[ثم]مضىٰ لوجهه ” .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه :
- ابن عساكر: تاريخ دمشق (ص45)،
- ابن الأثير: أسد الغابة (4 /58).
في إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبدالله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم .
وقال ناصرالدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا، [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص42،43)].
وأشار د. أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة إلى ضعف هذه القصة (1 /206).
وهذه القصة لم يذكرها :
- ابن إسحاق و
- ابن هشام و
- ابن كثير في السيرة؛
- والذهبي في السيرة
- وابن حجر في الإصابة في ذكرهم لهجرة عمر -رضي الله عنه-.".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به؛ فــ هذه القصة ضعيفة معلولة:
- الزبير بن محمد؛ وشيخه؛ وأبو شيخه [الزبير بن محمد بن خالد العثماني، وعبدالله بن القاسم الأيلي، وأبوه في عداد المجهولين؛ إذ لا ذكر لهم في كتب الجرح والتعديل] : فهم مجهولون لا يعرفون .
قال الألباني -رحمه الله- :„ مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه بإسناده إلىٰ علي . وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين؛ فإن أحدا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقا ”. [انتهى مِن "دفاع عن الحديث النبوي" (ص 42)].
*.) وكذا أشار إلىٰ ضعفها الدكتور الفاضل أكرم ضياء العمري - وفقه الله - في "السيرة النبوية الصحيحة" (1/ 206).
*.) وراجع المصادر التالية:
(1) "السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية" للدكتور مهدي رزق الله أحمد (1/ 308 - 309 - ط. دار إمام الدعوة).
(2) "دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية -رضي الله عنه-" للدكتور عبدالسلام بن محسن آل عيسىٰ. (ص161).
وضعف هذه القصة الألباني -أيضاً- في كتابه: "دفاع عن السيرة النبوية" (ص43) - في رده علىٰ جهالات الصوفي محمد سعيد رمضان البوطي.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): رحم الله -تعالىٰ- الجميع وتجاوز عن زلاتهم؛ وهي بالقطع عن غير قصد؛ ولعله لم تتوفر لديهم الأدوات في الحكم علىٰ صحة الرواية من ضعفها.
*. ) „ هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها، فهي لا تسلم من الكلام علىٰ سندها، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها، فكيف وفيها ثلاثة مجاهيل ؟! ”.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في رده علىٰ البوطي في سيرته :„ جَزْمُهُ :«أي البوطي» بأن عمر -رضي الله عنه- هاجر علانية اعتماداً منه علىٰ رواية علي [بن أبي طالب] المذكورة، وجزمه بأن علياً رواها ليس صواباً.. لأن السند بها لا يصح وصاحب : « أسد الغابة » لم يجزمْ أولاً بنسبتها إليه -رضي الله عنه- ، وهو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته، ولينظر فيه من كان من أهل العلم، وقد وجدتُ [أي: الألباني] مداره علىٰ الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأملي [كذا الأصل ولعله الأيلي] عن أبيه، بإسناده إلىٰ علي، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص 42- 43)] .




قلت(الرَّمَادِيُ): ونحن لا ننكر شجاعة عمر وهيبته -رضي الله عنه- ، وقد قال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيح :«„ ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ”»؛ ولكن العبرة بما صح وحسن سنده.
والقصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق؛ قال حدثني نافع مولىٰ عبدالله بن عمر عن عبدالله عن أبيه -عمر رضي الله عنهما- ..
لذا فــ هذه القصة مخالفة لما روى ابن إسحاق ". والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق[(2/ 129 - 131)]
... ... قد اثبتها في بداية البحث -ولله الحمد وله الشكر ومنه الفضل والعون-
-*/*-
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: „ لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلىٰ المدينة نزلوا بالعصبة (من جهات قباء) إلىٰ جنب قباء، فأمهم سالم مولىٰ أبي حديقة لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم عمر بن الخطاب، وأبوسلمة بن عبدالأسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه ابن سعد: الطبقات (2/ 352 ،3/87، 88)، وابن أبي شيبة: المصنف (1 /302، 303)، وابن شبه: تاريخ المدينة (1 /48 ،49).
وكان وصول عمر - رضي الله عنه - المدينة قبل وصوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر حيث ذكر وصوله -صلى الله عليه وسلم- بعد قدوم عمر.
وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم: „ كنا قد استبطأنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلىٰ ظهر الحرة، فيجلسون حتىٰ يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلىٰ منازلها ”؛ قال عمر: „ وكنا ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رجل من اليهود قد أومأ علىٰ أطم من آطامهم، فصاح بأعلىٰ صوته: „ يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون ”؛
قال عمر: „ وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات اليمين، حتىٰ نزل في بني عمرو بن عوف ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه البزار: المسند (1 /406).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-*//*-
أما الآثر السئ لمثل هذه الروايات غير الصحيحة والتي لا يجوز روايتها فهو ما يتعلق باهتزاز صورة نبي الملحمة..
و
ثانيا : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأشدهم جرأة في الحق، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتد البأس في الحروب : اتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ : «„ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ”».
قال الحافظ -رحمه الله- : „ فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَىٰ الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَىٰ الْغَضَبِيَّةِ، وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوانية، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَىٰ الْعَقْلِ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ ”؛ انتهى .
وروىٰ مسلم (1776) عن الْبَرَاء -رضي الله عنه- قال: „ كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ”.
قال النووي -رحمه الله-: „ وَفِيهِ بَيَان شَجَاعَته -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِظَم وُثُوقه بِاَللَّهِ تَعَالَى ”؛ انتهى .
وإنما فعل ما فعل بشأن هجرته -صلى الله عليه وسلم- : لأنه يشرع لأمته، وليس من الحكمة ولا من العقل، ولا من الشرع أيضا في شيء: أن يقدم علىٰ أمر خطير كهذا، لم يأخذ له أهبته، ولم يعد له عدته؛ وإنما هذا: كأكل الطعام للجائع، وغير ذلك من الأسباب التي شرعها لأمته.

قلت(الرَّمَادِيُ) : سأفصل في هذا الموضوع في المجلد القادم من بعد إذنه تعالىٰ
..وإذا قُدر أن عمر -رضي الله عنه-: قد صح عنه ذلك الأمر(وقد بينتُ فساد الاستدلال وضعفه)؛ فإنما عمر رجل واحد، إذا هلك: هلك رجل واحد، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو المبلغ عن ربه، إمام الناس في دينهم.
وإنما عمر أيضا رجل واحد، لا يشرع لأحد بفعله أو قوله، ولا يتأسىٰ به غيره، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : فقوله، وفعله، خاصة في مثل ذلك: تشريع لأمته .
" ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث علىٰ الأخذ بالأسباب مع التوكل علىٰ الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط، وألغىٰ التوكل علىٰ الله فهو مشرك، ومن توكل علىٰ الله وألغىٰ الأسباب: فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما " .

لذا فإنني أجد أن مسألة المراجعة والتحقيق والتدقيق في الروايات الموجودة في صحائف العلماء -مع تقديري العظيم لمجهوداتهم- من الأهمية بمكان لتنقية ذلك التراث الرائع.. وأتفق مع مَن قال أن هذا الدور-المراجعة والتحقيق والتدقيق لا يتمكن منه شخص بمفرده بل مؤسسة!
ويكفي قول عمر بن الخطاب : «„ وكنّا إنّما نخرج سرًّا ”».
-*//*-
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولىٰ من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمىٰ. فأصبح لكلّ مهاجري أخًا من الأنصار. وترتب علىٰ المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون علىٰ أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغىٰ الله -تعالىٰ- التوارث ورفع حكمه ونسخه بنزول قوله -تعالىٰ-: { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب: 6].
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من آخىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
فــ
روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بين عمر -رضي الله عنه- وبين بعض الصحابة،
فــ
روي أنه -صلى الله عليه وسلم- آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-،
و
روي أنه آخىٰ بينه وبين عتبان بن مالك
و
قيل بينه وبين عويم بن ساعدة -رضي الله عنهما-.
و
قيل آخىٰ بينه وبين معاذ بن عفراء -رضي الله عنه-.. فالله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر هذه الروايات في: ابن إسحاق: السيرة النبوية لابن هشام (2 /173، 4 /274)، والبلاذري: أنساب الأشراف (ص: 157)، وابن سعد: الطبقات (3 /272). البخاري: التاريخ الصغير (1 /69)، وابن شبه: تاريخ المدينة (2 /229).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله- أنه كانت هناك مؤاخاة أولىٰ بين المهاجرين بعضهم بعضًا، لأن بعضهم كان أقوىٰ بالمال والعشيرة، فعلىٰ هذا يحمل ما ورد من مؤاخاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولىٰ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن حجر: فتح الباري 07 /271).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا أخو عمر -رضي الله عنه- من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بينه وبين أحد الأنصار، والذي يُرجح -والله أعلم- أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: „ كان لي أخ من الأنصار ”؛ وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن إسحاق فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البخاري في الصحيح (1 /28، 3 /258). وابن كثير: السيرة النبويّة (2 /325).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(*)] نطق القرآن الكريم يقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } [الحِجر:9]
[(**)] قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثٍ : „ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «„ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ (1) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ ”». صحيح؛ رواه أحمد في المسند (28 / 410) (17213) (17173)؛ وأبوداود في سننه باب لزوم السنة، (4 / 200) (4604) وغيرهما.
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعنى "ومثله معه" أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة، التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله -عز وجل-: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }؛ فهو - صلى الله عليه وسلم - أوحىٰ الله إليه القرآن وأوحىٰ إليه أيضاً السنة، وهي الأحاديث التي ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات وغير ذلك. فالسنة النبوية وحي ثان أوحاه الله إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة، وتلاها علىٰ الأمة، فأحاديثه -صلى الله عليه وسلم- وحي ثان، غير وحي القرآن، فالوحي علىٰ هذا أنواع ثلاثة:
- القرآن الكريم: وهو الذي جعله الله معجزة عظيمة مستمرة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لفظه ومعناه، وبيَّن الله فيه أحكامه -سبحانه وتعالى- وهو كلامه عز وجل: { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }.
و
- الوحي الثاني: أحاديث قدسية من كلام الله -عز وجل-، أوحاها الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وليس من القرآن
و
- الوحي الثالث: وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبينه للأمة فهو من الله وحي، وهو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا من كلام الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ]
بحوث قُبيل الهجرة النبوية الشريفة
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
» مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
[الْمَدِينَةُ المصطفوية * دَارُ الْهِجْرَةِ * *وَدَارُ السُّنَّةِ]
ما يُذكر مِن هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته الشريفة
[السابقون إلىٰ الهجرة مِن الصحابة إلىٰ -يثرب- المدينة المنورة]
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ ‏ 09‏ مارس‏، 2022م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
09 / 03 / 2022, 57 : 03 PM
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-..
هل كانت هجرته علانيةً وجهراً !؟..
أم كانت سراً وخِفيَّةً!؟..
ومن آخىٰ بينه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
.. في قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توجد رواية:" درجت علىٰ ألسنةٍ كثيرٍ مِن الوعاظ والقصاصين وبعض الإخباريين الذين يلقون الكلام علىٰ عواهِنه؛ مِن غير تمييز لصحيح القَصص مِن سقيمها.. ودون تحقيق لما رُويَّ.. أو تدقيق قبل النقل..
.. قصةٌ مشهورةٌ علىٰ الألسن.. وفي بعض المراجع والمصادر والكتب.. والقصص، وفي خطب الجمع.. والمحاضرات؛ وبين العامة.. والخاصة؛ وقد تجد مِن طلبة العلم مَن يستشهد بها، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- علانيةً وجهراً إلىٰ المدينة النبوية.
-*//*-
الْمُقَدِّمَة :
.. فنحن -جميعاً- ما زلنا نقف أمام : مقدمات الهجرة وأول مَن هاجر مِن المسلمين مِن مكة -بداية نزول الوحي ومهد الرسالة ومنطلق الدعوة- إلىٰ يثرب والتي ســ تسمىٰ المدينة المنورة -مركز الإنطلاق ومكان بناء الكيان التنفيذي الأول لأحكام الإسلام-..

.. فــ الأمة الإسلامية.. ومنذ بداية عهد الرسالة المحمدية الخاتمة لرسالة السماء إلىٰ البشر وعبر تاريخها وحتىٰ كتابة هذه السطور امتازت بوجود رجال عظماء.. ونساء.. كــ بقية الأمم والشعوب؛ ضحوا بالغالي والنفيس لِمَا اعتقدوا صحته وأيقنوا قوة برهانه وعلموا حقاً بأنه كلام الله -عز وجل- وحياً باللفظ والمعنىٰ وهو القرآن الكريم أو بالمعنىٰ دون اللفظ وهي السنة النبوية..
..
ثم تميزت هذه الأمة بشكل ملحوظ بوجود عباقرة أفذاذ كــ بقية الشعوب والأمم في كافة التخصصات النظرية والعملية والفقهية والعلمية..
..
ثم تباينت -بصورة ليس لها نظير ولا مثيل- عن الجميع في كل العصور والأزمان والأحقاب ومر الدهور فتميزت بوجود وحي مِن السماء بين أيديها حُفظ[(*)] مِن قِبل السميع العليم علىٰ مدار الأيام وكر السنين..
..
حُفظَ مِن التغيير والتبديل؛ ومُنِعَ عنه التعديل والتحريف؛ وتمت صيانته مِن الزيادة والنقصان..
ثم رافق الوحيُّ المنيفُ الهديّ النبوي الشريف.. وهو الطريقة المحمدية والكيفية الرسولية..
فتميز مَن أمن بالإسلام عقيدة ومنهاجاً وشريعة ونبراساً في كافة المجالات وعلىٰ كل الأصعدة.. إذ أكتمل بنيان الإسلام بشقيه[(**)] : القرآن الكريم والسنة المحمدية العطرة..
..
ثم
-لعوامل عدة- خبا وهج شعلة الإسلام لإنارة الطريق لابناءه ولغيرهم من بني الإنسان نتيجة تراجع طرأ في كيفية حمل تلك الشعلة الوهاجة المنيرة؛ ولوجود ضعف شديد طرأ علىٰ الأذهان في فهم الإسلام..
..
وهناك فارق -كالفارق ما بين الثرىٰ والثريا- في ضعف يطرأ علىٰ فهم الإنسان بصفته البشرية وكينونته الآدمية؛ وبين فساد الفكر الأساسي في عقل إنسان لمبدأ وبين ضعف فهم أحكام الدين! ..
فــ فساد العقيدة واركانها وإدخال ما ليس منها فيها يتبعه فساد في الإيمان.. وانحراف عن الصراط المستقيم.. وتراجع في التطبيق وسطحية في العرض.. فحين يُبنىٰ دين علىٰ عقيدة فاسدة وإيمان منحرف ينهدم الدين -بالكلية- علىٰ رؤوس معتنقيه؛ أما إذا طرأ ضعف في فهم عقيدة ما في ذهن مَن يحملها مع بقاء أركانها ثابتة.. وبقاء عناصرها راسخة مع عدم ضياع مصادرها الأصلية أو تبديل منابعها الأساسية الصافية.. فيسهل العودة إلىٰ تقوية العقيدة في قلوب أصحابها وتنقية الإيمان في أذهان متبعيه وإدراك حقيقي لمَن يؤمن..
فيصفو إستيعاب قواعد الدين ويعود ضياء شعلة الدين/المبدأ إلىٰ الوجود مِن جديد..
وهناك ثلة تعمل لذلك!
...
(إذْنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ)
فــ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- : « إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا » ..
فَخَرَجُوا أَرْسَالًا [أي: متفرقين]. [(سيرة ابن هشام: 1 /468)]
وتحققت رؤيا نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقد جعلها ربي حقًا، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأىٰ رؤيا بهذه الهجرة من قبل، كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ:
« رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي [ظني] إِلَىٰ أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ » [رواه البخاري: (3622/7035)، ومسلم: (2272)].
و
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
« إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ » [اللابة: الأرض ذات الحجارة السود] [(رواه البخاري: (3905)].
وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال:
قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ » [(رواه مسلم: (2473)].
وسبحان من استأثر بعلم الغيب وحده لا شريك له! فقد ظنَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن الهجرةَ
ستكون للـــ
- يمامة،
أو
- هَجَر، ولكنَّ اللهَ -عز وجل- أراد أن يعزَّ بها :
- أهل المدينة،
وما هو -صلى الله عليه وسلم- إلا وحي يُوحى، فقد أمر أصحابه -رضي الله عنهم- بالهجرة..
يقولُ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فِي : « الْحَرْبِ »؛ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ : « الْأَنْصَارِ » عَلَىٰ : « الْإِسْلَامِ »؛ وَ : « النُّصْرَةِ » لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَ : « أَوَىٰ » إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثم تتابعت هجرة الصحابة علىٰ المدينة : « دار الإيمان »؛ ثم قَدِمَ المهاجرون أرسالًا يتبع بعضهم بعضًا حتىٰ اكتمل أمرهم.
[(انظر سيرة ابن هشام: (1/472)؛ و خطبة: (22): سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم- الإذن بالهجرة للصحابة؛ إبراهيم الدويش]
-*//*-
... ثم
هاجر عُمَرُ بن الخطّاب -رضي الله عنه- وكانت هجرة الفاروق -رضي الله عنه- وعياش بن [أبي] ربيعة" المخزومي "
-*//*-
تمهيد لهجرة عمر :
تعرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد إسلامه للإيذاء مِن قِبل مشركي قريش، ولم يكف عنه المشركون حتىٰ أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلىٰ المدينة كان -رضي الله عنه- مِن المهاجرين الأولين علىٰ الرغم مِن منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه.
قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصــ(ـي) [بن وائل السهمي] وإعادتهما]
فــ

- حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

هاجر -رضي الله عنه- مستخفيًا (سرًا) كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبوبكر -رضي الله عنه-.


والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق [(2/ 129 - 131)] ونقله عنه ابن هشام :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ، حَتّىٰ قَدِمَا الْمَدِينَةَ ”.

قال -رضي الله عنه- وهو يحكي قصة هجرته:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَىٰ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ”.
" وتواعدوا جميعًا "
قَالَ عُمَرُ بْنِ الْخَطّابِ : اجتمعنا للهجرة:

البيان :
« اتّعَدْتُ؛ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ، [أوعدت أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ[وَاسْمُهُ عَمْرٌو وَيُلَقّبُ ذَا الرّمْحَيْنِ]، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ ". التّناضِبَ [أن يلتقوا عند التناضب [اسم شجرة أو موضع] [وقيل: موضع فوق سَرِف على مرحلة(*) من مكة] مِنْ [الميضاة] أَضَاةِ بني غفار (حي علىٰ بعد 13 كيلو مِن مكة؛ أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين)، فَوقَ سَرِفٍ..
وَ
قُلْنَا: أيكم [أَيُّنَا] لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ [احتبس] حُبِسَ ، فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ..

قَالَ الفاروق -رضي الله عنه- :" فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[انتهى من سيرة ابن هشام" (2/ 85) ، وصحح إسنادها الحافظ في "الإصابة" (6/ 423)]؛ انظر سيرة ابن هشام: (1/474). وابن سعد: الطبقات (3/271، 272)
(*) المَرْحَلَة هي وحدة قياس مسافات عربية قديمة، تعادل المسافة التي يقطعها المسافر في يومٍ سيرًا علىٰ الأقدام، أو علىٰ الدواب سيرا معتادا. والجمع مراحل. عند الحنفية والمالكية: (44.520) كيلومترا. وعند الحنابلة والشافعية: (89.04) كيلومترا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

« فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ [منزلنا] نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ ».


[ * ] تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ:
أكملُ رواية الفاروق عمر: « وَخَرَجَ أَبُوجَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَىٰ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّىٰ قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ »
و
توضيح الرواية :
« وقدمتُ „ الحديث ما زال علىٰ لسان عمر ” أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء فنزلنا علىٰ رُفاعة بن عبدالمنذر .. فَقَدِمَ علىٰ عيّاش بن أبي ربيعة أخواه لأُمّه: أبوجَهل والحارث.. ابنا هشام بن المغيرة.. وأمّهم أسماءُ ابنة مُخَرّبة من بني تَميم، وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [بعد] بِمَكّةَ [لم يخرج] فأسرعا السَّيْر فنزَلا معنا بقباءَ، فقالا لعيّاش:

« فَكَلّمَاهُ..
وَقَالَا له : „ إنّ أُمّك [قَدْ] نَدَرَتْ أَنْ لَا [يَمَسّ] رَأْسَهَا مُشْطٌ [ولا يمسّ رأسَها دُهْنٌ] حَتّىٰ تَرَاك..
فنذرت أمه أن لا يظلّها [ظِلّ] سقف بيت حتّىٰ يرتدّ، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّىٰ تَرَاك ”؛

„ فَرَقّ لَهَا ”؛

فَقُلْت „ أي عمر” لَهُ: „ يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ[إنْ يَرُدّاك إلاّ عن دينك] إنْ يُردكَ [يُرِيدَك] الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فاحذرهم.. فوالله لو قد آذىٰ أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة.. أحسبه قال لامتشطت[لَاسْتَظَلّتْ] ”.

قَالَ : „ عمر ” فَقَالَ : „ عياش ”: „ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي ”.

قال „ عياش ”: „ إن لي هناك [بمكّةَ] مالًا [لعلّي] فآخذه [فيكون لنا قوّة وأَبَرُّ قَسَمَ أُمّي ”.
قال : „ عمر ” : „ والله إنك لتعلم أني مِن أكثر قريش مالًا.. ذلك [فَلَك] نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى [عَلَيّ] إلا يخرح معهما ”.
فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ „ عمر ” لَهُ: [لما أبي علي] „ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ ”؛ فــ : „ الزم ظهرها.. فإن رابك من القوم ريب فانخ عليها ”.؛

.. فخرج معهما عليها حتىٰ إذا كان [كَانُوا] ببعض الطريق [فلمّا كانوا بــ : „ ضجنان ”؛
قال [لَهُ] أبوجهل بن هشام: [ : „ يَا ابْنَ أَخِي] والله لقد استبطأت [اسْتَغْلَظْتُ] بعيري هذا، أفلا تحملني[تُعْقِبَنِي] علىٰ ناقتك هذه؟ ”؛
قال: „ بلىٰ ”؛
[: „ فأناخ.. وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا [عَدَوْا] عليه فأوثقاه[وَرَبَطَاهُ ”؛
و
رواية آخرى : „ لمّا كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطًا حتّى دخلا به مكّة]، ثم أدخلاه مكة وفتناه فافتتن ”؛

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا،
ثُمّ
قَالَا: „ يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا ” .
[„ ثمّ حبسوه ”؛
[انظر : الطبقات الكبير؛ وأسد الغابة ] .

[ * . ] .[كِتَابُ عُمَرَ إلَىٰ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي].
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ
قَالَ عمر: فَكُنّا نقول : „ والله لا يقبل الله [مَا اللّهُ بِقَابِلٍ] ممن افتتن صرفا ولا عدلًا، ولا يقبل توبة قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ”.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
قال عمر[بْنُ الْخَطّابِ]: فكتبتها [بِيَدِي] في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصــ[ــي] بمكة [فَقَالَ] هشام [بْنُ الْعَاصِي] : „ فلم أزل [فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت] أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه [وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا [فوجد صعوبة في فهمها]، حَتّىٰ قُلْت : „ اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا ”؛ [فدعا الله أن يفهمه إياها]؛ قَالَ : „ فَأَلْقَىٰ اللّهُ -تَعَالَى- فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا.[فألقىٰ الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله] حتىٰ فهمتها، قال: فألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا..

[قَالَ] فرجعت[إلَى بَعِيرِي،] فجلست[عَلَيْهِ] على بعيري، فلحقت برسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - [وَهُوَ]بالمدينة ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار إلى صحة هذه الرواية: الهيثمي في المجمع: ( ٦/ ٦١) رواه البزار ورجاله ثقات. كشف الأستار رقم: ( ١٧٤٦: ٢/ ٣٠٢)، ابن هشام في السيرة: ( ١/ ٤٧٤ – ٤٧٥ )، بسند رجاله ثقات صرح في ابن إسحاق بالتحديث فقال حدثني نافع مولى ابن عمر عن عبدالله بن عمر بن الخطاب[بإسناد حسن،]، ورواه البيهقي في الدلائل: (٢ / ٤٦١ – ٤٦٢ )، وفي السنن: ( ٩ / ص ١٣ – ١٤ )، من طريق ابن إسحاق. وصححه ابن حجر في الإصابة (3/602) فالحديث صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ودلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت : «„ سرية ”»؛ فليس فيها أي إشارة إلىٰ إعلان الهجرة، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار - وهي علىٰ عشرة أميال من مكة - ليؤكد إسرارهم بهجرتهم.
وفوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب : «„ سراً ”»؛ حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق -السابقة- وزاد فيها قول عمر : «„ وكنا نخرج سراً ”»..
وأيضاً : التأكيد علىٰ صحة الرواية الثانية أولىٰ من التكلف[كما فعل السباعي-مثلا-] في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً -كهذه التي بين أيدينا- .
ولحق بعمر -رضي الله عنه- عددٌ مِن قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.

قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أول من قدم علينا -يعني المدينة- :
- مصعب بن عمير
و
- ابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فــ
قدم
- بلال و
- سعد و
- عمار بن ياسر
ثم
قدم
- عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن هاجر مع عمر -رضي الله عنه- ابنه عبدالله، فلما فرض عمر -رضي الله عنه- العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له : „ هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ ”؛ فقال : „ إنما هاجر به أبواه ”؛ يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه.
منزل عمر وعياش بالمدينة :
ولما وصل عمر -رضي الله عنه- المدينة[قال : „ وقدمت أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء ”؛ نزل ومن معه العُصبة، وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رُفاعة بن عبدالمنذر. ولا تعارض في ذلك فرُفاعة من الأوس سكان العصبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري: (2/ 335، 337، 3/214 وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَىٰ مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ وَهِشَامٍ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ؛ فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ:
«„ مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ ”»؛
فَــ
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: „ أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِهِمَا ”؛ فَخَرَجَ إلَىٰ مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَــ
قَالَ لَهَا: „ أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللّهِ؟ ”؛
قَالَتْ: „ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ ”؛ - تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّىٰ عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ فَلَمّا أَمْسَىٰ تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ : « ذُو الْمَرْوَةِ »؛ لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَىٰ بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ .. فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ * وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقَيْتِ

ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَىٰ رَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- الْمَدِينَة."
-*//*-
ثم يأتي: الكلام علىٰ الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه-، وبيان ضعفه .
.. ما نُشر ويُنْشَر في العديد المصادر والمواقع الإلكترونية: مِن أحداث وأقوال وأفعال ضعيفة لم تصح تنسب تارة إلىٰ رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهو ما يسمىٰ في علم المصطلح بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة؛ وقد تصدىٰ لها رجال أعلام مِن علماء هذه الأمة الخيرية في قديم الزمان وحديثه وبينوها؛
و
رحم مَن قال :« أن للــــ أحاديث الضعيفة أو الموضوعة آثرها السئ علىٰ الأمة »؛
وتارة
تنسب تصرفات أو أقوال للصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- وبين فسادها وضعفها علماء أجلاء.. و
منها
قصة هجرة الفاروق عمر بن الخطاب من مكة إلى يثرب-المدينة!!!

تقديم :

.. جاءَ في روايةٍ أن عمرَ -رضي الله عنه- هاجرَ علانيةً وجهراً.. وهي روايةٌ مشهورة ولكنها لم تأتِ من طرقٍ ثابتة.. لذا فقد تجرأَ آحدُهم -جهلاً منه- لتأثير تلك الأخبار عليه؛ فسأل يقول :
- هل يمكن القول أن الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أقل جرأة من عمر بن الخطاب ؟...
ثم يُبين دعواه الباطلة بقوله: فــ حين اشتدت وطأة كفار قريش بالمسلمين وبالغوا في إيذائهم واضطهادهم، أتىٰ أمر الهجرة، وكانت لكل مسلم طريقته بالخروج إلىٰ المدينة المنورة،
فكانت طريقة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أن يهاجر خفية، والكفار متربصون به،
بينما عمر -رضي الله عنه- هاجرَ جهراً،
بل متحدياً
وقائلاً :„ مَن أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجته أو ييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي ”.[!!؟؟؟..] .
تحقيق المسألة :
قلتُ(الرَّمَادِيُ) : هذه الرواية لا تصح كما ذكرتُ سلفا..
أولا : هذا الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه- ضعيف الإسناد لا يصح، فقد رواه برمته كل من:
١ . ] ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (44/ 51-52) ،
٢ . ] ابن الأثير في أسد الغابة (4 /152)،
٣ . ] ابن السمان في الموافقة، انظر : شرح المواهب (1 /319) و
٤ . ] السيرة الحلبية: (2/ 29)؛
٥ . ] سيرة الصالحي (3 /315) و
ونَقلَ عنهم :
٦ . ] محمد بن محمد بن سويلم أبوشُهبة (المتوفىٰ: 1403هـ) في كتابه: السيرة النبوية علىٰ ضوء القرآن والسنة
وخطب آحدهم مِن مَن ينتمي لتيار إسلامي [خطبة للسيد/ دويش[انظر رقمها أعلاه]؛ ونقل النص من السيرة الحلبية: (2/ 29)].. فقدح في رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ؛ إذ يقول : „ أما عمر فلم يخرج -رضي الله عنه- سرًّا كما خرج عياش، ولا كما خرج غيره مِن المهاجرين -رضي الله عنهم- بل خرج مجاهرًا -رضي الله عنه- ”.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): ولعله نقلها مِن اسلافه :
٧ . ] انظر إلىٰ تكلف السباعي -رحمه الله- و
٨ . ] البوطي -مثلاً- في استخراج العبر منها. [السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80)]؛ و [فقه السيرة للبوطي ( ص 135-).

قلتُ(الرَّمَادِيُ): وهذا إشكال النقل دون المراجعة والتحقيق والتدقيق.. وهذا يؤثر سلباً علىٰ عموم المسلمين..

تجد الروايةَ عند ابن الأثير في :« أسد الغابة » [(4/ 145؛ ط. دار الكتب العلمية)] من طريق أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ، ثنا أبوروق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني - بالبصرة -، من طريق -ثنا- الزبير بن محمد بن خالد العثماني [بمصر سنة خمس وستين ومائتين :«٢٦٥»] نا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه عن عقيل بن خالد عن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن عبدالله بن العباس قال : قال لي علي بن أبي طالب :„ ما علمتُ أن أحدا مِن المهاجرين هاجرَ إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هَمَّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضىٰ[استخرج من كنانته] في يده أسهما (أي: أخرجها)، واختصر عَنَزَته (شبه العكازة؛ وهي الحربة الصغيرة علَّقها عند خاصرته)، ومضىٰ قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا [متمكناً]، ثم أتىٰ المقام فصلىٰ [متمكناً] ثم وقف علىٰ الحلق واحدة واحدة ”؛ فقال لهم :„ شاهت [قبحت] الوجوه لا يرغم [يذل] الله إلا هذه المعاطس[الأنوف]، مَن أراد أن تثكله[تفقده] أمه أو يُيتم (ويُؤَتَّم) ولده أو يرمل[تُرمل] زوجه[زوجته] فليلقني وراء هذا الوادي ”.
قال علي -رضي الله عنه- :„ فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم و[ثم]مضىٰ لوجهه ” .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه :
- ابن عساكر: تاريخ دمشق (ص45)،
- ابن الأثير: أسد الغابة (4 /58).
في إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبدالله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم .
وقال ناصرالدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا، [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص42،43)].
وأشار د. أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة إلى ضعف هذه القصة (1 /206).
وهذه القصة لم يذكرها :
- ابن إسحاق و
- ابن هشام و
- ابن كثير في السيرة؛
- والذهبي في السيرة
- وابن حجر في الإصابة في ذكرهم لهجرة عمر -رضي الله عنه-.".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به؛ فــ هذه القصة ضعيفة معلولة:
- الزبير بن محمد؛ وشيخه؛ وأبو شيخه [الزبير بن محمد بن خالد العثماني، وعبدالله بن القاسم الأيلي، وأبوه في عداد المجهولين؛ إذ لا ذكر لهم في كتب الجرح والتعديل] : فهم مجهولون لا يعرفون .
قال الألباني -رحمه الله- :„ مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه بإسناده إلىٰ علي . وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين؛ فإن أحدا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقا ”. [انتهى مِن "دفاع عن الحديث النبوي" (ص 42)].
*.) وكذا أشار إلىٰ ضعفها الدكتور الفاضل أكرم ضياء العمري - وفقه الله - في "السيرة النبوية الصحيحة" (1/ 206).
*.) وراجع المصادر التالية:
(1) "السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية" للدكتور مهدي رزق الله أحمد (1/ 308 - 309 - ط. دار إمام الدعوة).
(2) "دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية -رضي الله عنه-" للدكتور عبدالسلام بن محسن آل عيسىٰ. (ص161).
وضعف هذه القصة الألباني -أيضاً- في كتابه: "دفاع عن السيرة النبوية" (ص43) - في رده علىٰ جهالات الصوفي محمد سعيد رمضان البوطي.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): رحم الله -تعالىٰ- الجميع وتجاوز عن زلاتهم؛ وهي بالقطع عن غير قصد؛ ولعله لم تتوفر لديهم الأدوات في الحكم علىٰ صحة الرواية من ضعفها.
*. ) „ هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها، فهي لا تسلم من الكلام علىٰ سندها، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها، فكيف وفيها ثلاثة مجاهيل ؟! ”.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في رده علىٰ البوطي في سيرته :„ جَزْمُهُ :«أي البوطي» بأن عمر -رضي الله عنه- هاجر علانية اعتماداً منه علىٰ رواية علي [بن أبي طالب] المذكورة، وجزمه بأن علياً رواها ليس صواباً.. لأن السند بها لا يصح وصاحب : « أسد الغابة » لم يجزمْ أولاً بنسبتها إليه -رضي الله عنه- ، وهو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته، ولينظر فيه من كان من أهل العلم، وقد وجدتُ [أي: الألباني] مداره علىٰ الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأملي [كذا الأصل ولعله الأيلي] عن أبيه، بإسناده إلىٰ علي، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص 42- 43)] .




قلت(الرَّمَادِيُ): ونحن لا ننكر شجاعة عمر وهيبته -رضي الله عنه- ، وقد قال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيح :«„ ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ”»؛ ولكن العبرة بما صح وحسن سنده.
والقصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق؛ قال حدثني نافع مولىٰ عبدالله بن عمر عن عبدالله عن أبيه -عمر رضي الله عنهما- ..
لذا فــ هذه القصة مخالفة لما روى ابن إسحاق ". والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق[(2/ 129 - 131)]
... ... قد اثبتها في بداية البحث -ولله الحمد وله الشكر ومنه الفضل والعون-
-*/*-
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: „ لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلىٰ المدينة نزلوا بالعصبة (من جهات قباء) إلىٰ جنب قباء، فأمهم سالم مولىٰ أبي حديقة لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم عمر بن الخطاب، وأبوسلمة بن عبدالأسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه ابن سعد: الطبقات (2/ 352 ،3/87، 88)، وابن أبي شيبة: المصنف (1 /302، 303)، وابن شبه: تاريخ المدينة (1 /48 ،49).
وكان وصول عمر - رضي الله عنه - المدينة قبل وصوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر حيث ذكر وصوله -صلى الله عليه وسلم- بعد قدوم عمر.
وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم: „ كنا قد استبطأنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلىٰ ظهر الحرة، فيجلسون حتىٰ يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلىٰ منازلها ”؛ قال عمر: „ وكنا ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رجل من اليهود قد أومأ علىٰ أطم من آطامهم، فصاح بأعلىٰ صوته: „ يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون ”؛
قال عمر: „ وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات اليمين، حتىٰ نزل في بني عمرو بن عوف ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه البزار: المسند (1 /406).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-*//*-
أما الآثر السئ لمثل هذه الروايات غير الصحيحة والتي لا يجوز روايتها فهو ما يتعلق باهتزاز صورة نبي الملحمة..
و
ثانيا : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأشدهم جرأة في الحق، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتد البأس في الحروب : اتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ : «„ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ”».
قال الحافظ -رحمه الله- : „ فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَىٰ الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَىٰ الْغَضَبِيَّةِ، وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوانية، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَىٰ الْعَقْلِ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ ”؛ انتهى .
وروىٰ مسلم (1776) عن الْبَرَاء -رضي الله عنه- قال: „ كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ”.
قال النووي -رحمه الله-: „ وَفِيهِ بَيَان شَجَاعَته -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِظَم وُثُوقه بِاَللَّهِ تَعَالَى ”؛ انتهى .
وإنما فعل ما فعل بشأن هجرته -صلى الله عليه وسلم- : لأنه يشرع لأمته، وليس من الحكمة ولا من العقل، ولا من الشرع أيضا في شيء: أن يقدم علىٰ أمر خطير كهذا، لم يأخذ له أهبته، ولم يعد له عدته؛ وإنما هذا: كأكل الطعام للجائع، وغير ذلك من الأسباب التي شرعها لأمته.

قلت(الرَّمَادِيُ) : سأفصل في هذا الموضوع في المجلد القادم من بعد إذنه تعالىٰ
..وإذا قُدر أن عمر -رضي الله عنه-: قد صح عنه ذلك الأمر(وقد بينتُ فساد الاستدلال وضعفه)؛ فإنما عمر رجل واحد، إذا هلك: هلك رجل واحد، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو المبلغ عن ربه، إمام الناس في دينهم.
وإنما عمر أيضا رجل واحد، لا يشرع لأحد بفعله أو قوله، ولا يتأسىٰ به غيره، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : فقوله، وفعله، خاصة في مثل ذلك: تشريع لأمته .
" ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث علىٰ الأخذ بالأسباب مع التوكل علىٰ الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط، وألغىٰ التوكل علىٰ الله فهو مشرك، ومن توكل علىٰ الله وألغىٰ الأسباب: فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما " .

لذا فإنني أجد أن مسألة المراجعة والتحقيق والتدقيق في الروايات الموجودة في صحائف العلماء -مع تقديري العظيم لمجهوداتهم- من الأهمية بمكان لتنقية ذلك التراث الرائع.. وأتفق مع مَن قال أن هذا الدور-المراجعة والتحقيق والتدقيق لا يتمكن منه شخص بمفرده بل مؤسسة!
ويكفي قول عمر بن الخطاب : «„ وكنّا إنّما نخرج سرًّا ”».
-*//*-
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولىٰ من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمىٰ. فأصبح لكلّ مهاجري أخًا من الأنصار. وترتب علىٰ المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون علىٰ أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغىٰ الله -تعالىٰ- التوارث ورفع حكمه ونسخه بنزول قوله -تعالىٰ-: { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب: 6].
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من آخىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
فــ
روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بين عمر -رضي الله عنه- وبين بعض الصحابة،
فــ
روي أنه -صلى الله عليه وسلم- آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-،
و
روي أنه آخىٰ بينه وبين عتبان بن مالك
و
قيل بينه وبين عويم بن ساعدة -رضي الله عنهما-.
و
قيل آخىٰ بينه وبين معاذ بن عفراء -رضي الله عنه-.. فالله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر هذه الروايات في: ابن إسحاق: السيرة النبوية لابن هشام (2 /173، 4 /274)، والبلاذري: أنساب الأشراف (ص: 157)، وابن سعد: الطبقات (3 /272). البخاري: التاريخ الصغير (1 /69)، وابن شبه: تاريخ المدينة (2 /229).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله- أنه كانت هناك مؤاخاة أولىٰ بين المهاجرين بعضهم بعضًا، لأن بعضهم كان أقوىٰ بالمال والعشيرة، فعلىٰ هذا يحمل ما ورد من مؤاخاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولىٰ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن حجر: فتح الباري 07 /271).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا أخو عمر -رضي الله عنه- من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بينه وبين أحد الأنصار، والذي يُرجح -والله أعلم- أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: „ كان لي أخ من الأنصار ”؛ وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن إسحاق فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البخاري في الصحيح (1 /28، 3 /258). وابن كثير: السيرة النبويّة (2 /325).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(*)] نطق القرآن الكريم يقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } [الحِجر:9]
[(**)] قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثٍ : „ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «„ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ (1) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ ”». صحيح؛ رواه أحمد في المسند (28 / 410) (17213) (17173)؛ وأبوداود في سننه باب لزوم السنة، (4 / 200) (4604) وغيرهما.
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعنى "ومثله معه" أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة، التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله -عز وجل-: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }؛ فهو - صلى الله عليه وسلم - أوحىٰ الله إليه القرآن وأوحىٰ إليه أيضاً السنة، وهي الأحاديث التي ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات وغير ذلك. فالسنة النبوية وحي ثان أوحاه الله إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة، وتلاها علىٰ الأمة، فأحاديثه -صلى الله عليه وسلم- وحي ثان، غير وحي القرآن، فالوحي علىٰ هذا أنواع ثلاثة:
- القرآن الكريم: وهو الذي جعله الله معجزة عظيمة مستمرة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لفظه ومعناه، وبيَّن الله فيه أحكامه -سبحانه وتعالى- وهو كلامه عز وجل: { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }.
و
- الوحي الثاني: أحاديث قدسية من كلام الله -عز وجل-، أوحاها الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وليس من القرآن
و
- الوحي الثالث: وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبينه للأمة فهو من الله وحي، وهو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا من كلام الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ]
بحوث قُبيل الهجرة النبوية الشريفة
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
» مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
[الْمَدِينَةُ المصطفوية * دَارُ الْهِجْرَةِ * *وَدَارُ السُّنَّةِ]
ما يُذكر مِن هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته الشريفة
[السابقون إلىٰ الهجرة مِن الصحابة إلىٰ -يثرب- المدينة المنورة]
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ ‏ 09‏ مارس‏، 2022م

دكتور محمد فخر الدين الرمادي
13 / 04 / 2022, 56 : 02 PM
﴿ ١١٨ ﴾ هجرة الأنبياء:
(١١) [الْمُجَلَّدُ الْحَادِيَ عَشَرَ]

﴿ ١ ﴾ مُقَدِّمَات هجرة النبي محمد-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- !
.. مجموعة : „ المبادئ ” التي أُرسلتْ بها الأنبياء؛ وكُلفت بها المرسلين مِن قِبل خالق الإنسان للبشر أجمعين؛ وكتلة : „ القيم ” التي نادوا بها؛ وحزمة : „ المقاييس ” ؛ و : „ القناعات ” التي ساروا عليها.. تجدها واحدة عندهم -عليهم الصلاة والسلام- جميعاً؛ فعلىٰ لسانهم وحياً مِن ربهم -سبحانه- أحلَّ لهم الطيبات مِن الرزق؛ وحرم الخبائث: الخمر -مثلاً: مِن حيث المشروبات- والزنا ومقدماته -مِن حيث الإشباع الجنسي؛كـ ملامسة ذكر لـ أنثىٰ؛ أو اللواط -مِن حيث استعمال ذكر لمثله؛ أو السحاق: استعمال أنثىٰ لآخرىٰ- والخنزير -مثلاً: مِن حيث المطعومات-؛ وتغطية العورة-مِن حيث الملبوسات-؛ والاعتقاد بخالق -من حيث الإيمان باسمائه الحسنىٰ وصفاته العُلا- فهو -سبحانه- موجدُ الأشياء مِن عدم؛ رازقُ كل دابة؛ وهو -عز وجل- فردٌ ليس كمثله شئ؛ صمدٌ لا صاحبة له ولا ولد.. ومِن ثمَّ إخلاص عبادته وحده دون شريك أو مثيل أو شبيه.. كيفما ومتىٰ أمر؛ وبالكيفية التي وردت وبالطريقة التي جاءت عن نبيه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. وبالإجمال اجتمعوا جميعاً -عليهم السلام- علىٰ مبادئ وقيم ومقاييس وقناعات واحدة واتفقوا عليها.. بيد أنه -سبحانه- جعل لكلٍ منهم شرعةً ومنهاجاً.. والتُفصيل يأتي في موضع آخر..
ومن حكمته -سبحانه- أن خصَّ أنبياءَه بأقوامهم دون غيرهم؛ و
أُرسل خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للناس كافة.. وفي سيرتهم -عليهم الصلوات والسلامات والبركات والإجلال والإنعام- أنهم تقاربوا في أحداث منها:
هجرتهم مِن موطنهم إلىٰ بقعة آمنة..
*. ] وقد قَتل الناسُ مسألةَ : « „ الهجرة النبوية ” » بحثاً وغاصوا في أعماقها، ولم يتركوا زاوية من زواياها إلا أخرجوا خباياها؛ فــ لا أريد[(١)] أن أكتب علىٰ غرار ما كتب من قبل فأعيد ما بدائه غيري وأنا مولع بمعادة المعادات.. وأكره تكرار المعلومات المعروفة؛ والذي أريد أن أكتب عنه في مقدمة هجرة النبي هو :
« „ هجرة الأنبياء” »
الذين غبروا قبل رسول الله محمد-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأنه ليس بدعاً من الرسل -عليهم الصلاة والسلام[(١)]-.
و
هجرة خاتم الأنبياء ومتمم المبتعثين وآخر المرسلين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هي :
* . ] سُنَّةُ إخوانِه مِن الأنبياء مِن قبله، فما مِن نبي منهم إلا نَبَتْ به بلاد نشأته [لم يجد بها قرار.]، فهاجر عنها، بدءاً مِن :
- إبراهيمَ أبي الأنبياء، وخليلِ الله،
إلىٰ
- عيسىٰ كلمة الله وروحه ونبيه ورسوله،
كلهم علىٰ عظيم درجاتهم ورفعة مقامهم أُهينوا مِن عشائرهم، فصبروا ليكونوا مثالاً لمن يأتي بعدهم من متّبعيهم في الثبات والصبر علىٰ المكاره ما دام ذلك في طاعة الله -عز وجل-[(٢)]
* . ] فحين نتتبع سيرة الأنبياء سنجد أن الهجرة كانت سُنَّة ماضية علىٰ سائر المرسلين والنبيين.
وهنا يبرز سؤال:
لماذا كتب الله علىٰ أنبيائه الهجرة؟
.. يقول د. عبدالمقصود باشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المتفرغ بكلية اللغة العربية بالقاهرة:
" إن كلمة الهجرة بمعناها الأعم والأشمل تكاد تكون قد كُتبت علىٰ معظم الأنبياء ".
" ولعلنا نتساءل:
لماذا هذا النوع مِن الابتعاد والغربة والبُعد عن الأوطان كُتب علىٰ خير الناس وهم الأنبياء؟[(٣)] ".
لذا فـــ
* . ] مِن أعظم الهجرات وأكرمها وأعلاها مقاماً هجرة الأنبياء وحملة الدعوة، وممن هاجر مِن الأنبياء :
- نوح و
- إبراهيم و
- لوط و
- صالح و
- موسىٰ و
- محمد -عليهم السلام- [(٤)]
فــ
* . ) أولُ الرسلِ الكرام هجرةً هو نوح -عليه السلام- فكانت هجرته حياةً له وهلاكاً لأعدائه[(١)].
ويستطرد د. عبدالمقصود باشا، قائلا: فإذا غصنا فى التاريخ قديما لوجدنا هجرة نبى الله نوح وتركه موطنه والبلاد التي نشأ وترعرع بها، وتكون هجرته فى سفينته إلىٰ أن تهبط علىٰ جبل الجودي[(٦)].
.. دعا نوحٌ قومه إلىٰ عبادةِ الله -تعالىٰ- وترك عبادة غيره من الأصنام والأوثان وصار يغاديهم بالنصح ويراوحهم بالعظات ألف سنة إلا خمسين، وهم لا يزدادون منه إلا بعداً ونفوراً إلىٰ أن ضاق صدره بما يلاقي منهم؛.ولم يجد باباً لهدايتهم إلا طرقه، ولا منفذاً لنصحهم إلا قصده، ولم يجد قومه باباً للنكاية به إلا ولجوه، ولا منفذاً لأغاظته إلا سلكوه. فتراهم يقولون له {.. مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين } [هود:27]
فهم يرون أن الرسالة لا تكون للبشر بل للملائكة، والهداية لا يمكن أن ينالها الفقراء وذوو الأعواز، ولكنها وقف علىٰ ذوي الوجاهة والقوة، وأن الذي يريد الله أن يصطفيه إنما يكون من أهل الثراء والغنىٰ..
.. ولقد رد عليهم نوح بقوله: إنه لا يسألهم علىٰ الهداية التي يزفها إليهم أجراً. فهو لا يجرِ بذلك لنفسه نفعاً ولا يحوز مالاً، وإنما يريد أجرَهُ من الله { فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ }..
ولم يقل لهم إن عنده خزائن الله وليس عنده شيء من علم الغيب، ولم يقل لهم إنه ملك، ولا يقول للذين تزدري أعينهم من أتباعه لن يؤتيهم الله خيراً وهو الهدىٰ والاستقامة علىٰ الجادة،{ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ.. } وأن عِلْمَ ما في أنفسهم عند الله لا عنده {..وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ..} [هود:31] إلىٰ أن ضاق بالقوم وضاقوا به..{ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا..} فقالوا له: { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِين } [هود:32]،
و
دعا نوح عليهم: { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح:26] { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا } [نوح:27] فأنبأه الله أن العذاب سيحل بهم، وأمره ألا يخاطبه فيهم وأنهم مغرقون. وأوحىٰ إليه أن يصنع الفلك لينجو بها من العذاب النازل بهم وليهاجروا بها عنهم.. صنع نوح الفلك وكان قومه يسخرون منه وهو يسخر منهم لغفلتهم عن أنفسهم وتفريطهم في حياتهم وعيرهم بعدم اتباعه إلىٰ أن جاء أمر الله وفار التنور، وتفجرت ينابيع الأرض، و
حلت عزاليها السماء، وجاء الطوفان وأبادهم بعد أن نزل نوح والذين آمنوا معه في السفينة، وسلك فيها زوجين اثنين من كل ذي حياة، وانتهت هجرته من الأرض بعد سنة وعشرة أيام بعد أن استقرت السفينة علىٰ الجودي. فكانت هجرته ميمونةً عليه وعلىٰ مَن معه في السفينة وهلاكاً لأعدائه[(١)].


* . ) فعل أبو الأنبياء الأواه الحليم سيدنا إبراهيم- عليه السلام -[(٤)]


بدايةً:
فقد ولد فى مدينة زأورس علىٰ شاطئ الخليج العربي، وعاش في العراق { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ..} [العنكبوت:26] [(٨)]
..كانت هجراته -عليه السلام- متعددة،فــ هاجر إلىٰ شمال العراق وبشر بدعوته، ولكنه لم يجد أي آذانٍ مصغية، حتىٰ إنه أُلقىٰ به فى جحيم الدنيا حينما أوقدوا له نارا عظيمة[(٨)].. فكانت هجرته العظيمة من بلاد العراق الىٰ بلاد الشام
.. فـ كانت هجرة إبراهيم بعد ذلك إلىٰ أرض كنعان فى فلسطين[(٨)]، ثم كانت هجرته بعد ذلك الىٰ بلاد النيل.. مِصر[(٨)]..
ثم عاد منها وقد أُهديت إليه السيدة هاجر..
ثم هاجر إبراهيم -عليه السلام- إلىٰ وادي مكة المكرمة مصطحبا ابنه إسماعيل والسيدة هاجر[(٨)].
.. وأودعَ زوجته وولده إسماعيل في وادي مكة•وكان من نسل إسماعيل العرب المستعربة[(٤)]•
..
ثم استكمل مِن بعده المسيرة النبي المصطفىٰ الأمين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من مكة إلىٰ المدينة .


* . ) إذاً هجرة إبراهيم وغيره من الأنبياء كانت مكتوبة ومقدرة ومقررة ولا يمكن الفكاك منها[(٨)].


* . ) لوط عليه السلام

آمن بعمه إبراهيم واستجاب إلىٰ عبادة الله -تعالى- وهاجر مع عمه إبراهيم كما قال تعالى: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي.. } [العنكبوت:26] وقد جاء في الحديث أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال عن عثمان حين هاجر إلىٰ الحبشة ومعه زوجه رقية بنت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: إن أول مهاجر إلىٰ الله بأهله بعد لوط عثمان بن عفان[(١٠)]


* . ] وسَل القرىٰ التي حلّت بها نقمة الله بكفر أهلها كديار لوط وعاد وثمود تنبئك عن مُهَاجَرة الأنبياء منها قبل حلول النقمة[(٢)].


* . ] أما نوح ولوط فقد عاقب الله قوم نوح بالغرق وقوم لوط بالخسف فلم يعد لهما مَن يدعوان ويهديان[(٤)].


* . ] إسرائيل (يعقوب) وبنيه:

يعقوب عليه السلام

كان بينه وبين أخيه عيسو شيء من الخلاف، فهاجر إلىٰ بلاد ما بين النهرين عند خاله لابان، ومكث عند خاله يرعىٰ عليه غنمه، وتزوج من ابنتيه ليئة وراحيل، ومن جاريتيهما زلفىٰ ويلها، ورزق منهن أولاده جميعا، وكانت هجرته خيراً وبركة عليه، فقد صار رب أسرة عظيمة كثيرة العدد، وأموال وماشية كثيرة وعاد إلىٰ فلسطين بعد ذلك، وولد له في هجرته جميع أولاده إلا بنامين[(١)]

.. فَسَلْ مِصر وتاريخها تُنبئك عن إسرائيل (يعقوب) وبنيه أنهم هاجروا إليها حينما رأوا من بَنِيها ترحيباً بهم، وتركهم وما يعبدون إكراماً ليوسف وحكمته. ولما مضت سنون، نسي فيها المِصريون تدبير يوسف وفضله عليهم، فاضطهدوا بني إسرائيل وآذوهم، خرج بهم موسىٰ وهارون ليتمكنوا من إعطاء الله حقه في عبادته[(٢)].


* . ) هجرة نبي الله يعقوب -عليه السلام- وبنيه من فلسطين الىٰ مِصر حينما كان نبي الله يوسف -عليه السلام- وزيراً علىٰ خزائنها فسطر لنا القرءان الكريم تلك اللحظة في محكم التنزيل { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِين } [يوسف:99].

يوسف عليه السلام

هاجر مرغماً حين ألقاه أخوته في غيابة الجب، ثم التقطه بعض السيارة وأسروه بضاعة وباعوه في مِصر بثمن بخس، واشتراه عزيز مِصر أو رئيس الشرطة بعاصمة الديار المِصرية، وهي مدينة: „ صان ” في الشرقية، ثم امتحن بامرأة العزيز التي راودته عن نفسه فاستعصم، ثم بهتته في وجهه واتهمته بأنه راودها عن نفسه { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين } { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين } { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ..} العزيز لها: { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم } [يوسف: 26 و 27 و 28]، والتفت إلىٰ يوسف وقال له: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا }، والتفت إلىٰ زوجه وقال: { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين } [يوسف:29] إلىٰ أن { بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين } [يوسف:35]، وفي السجن ظهرت آيات فضله، وفسر لساقي الملك وخبازه مناميهما، وأوصىٰ الذي ظن أنه ناج منهما أن يذكره عند ربه الملك فأنساه الشيطان ذكر ربه، فلبث في السجن بضع سنين { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين } [يوسف:42] إلىٰ أن رأى الملك سبع بقرات سمان حسان يأكلهن سبع بقرات عجاف مهزولة، وسبع سنبلات خضر غلبتهن سبع سنابل يابسات { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون } [يوسف:43] وحار العلماء والسحرة والعرافون في تفسير ذلك المنام { قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِين } [يوسف:44] فذكر الذي نجا مِن الفتيين شأن يوسف وتفسيره للمنام؛ فاستأذن الملك { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُون } [يوسف:45] وأتىٰ إلىٰ يوسف واستفتاه فيما رآه المَلك { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون } [يوسف:46]. ففسر له الرؤيا علىٰ وجهها..
.. وجاء الساقي وقص القصص علىٰ المَلك، { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُون } [يوسف:47] { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُون } [يوسف:48] { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُون } [يوسف:49] وكان ما كان إلى أن اصطفاه الملك لنفسه{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِين } [يوسف:54] وجعله علىٰ خزائن الأرض { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم } [يوسف:55]..

ودبر أمر مِصر إلىٰ أن جاء سبع سنوات مخصبة خزن فيها ما زاد علىٰ الحاجة؛ ثم جاء السنين المجدبة ففتح مخازن الادخار، وأطعم الناس، وجاء أخوته فداعبهم ودبر عليهم تدبيراً حتىٰ جاءوه بأخيه بنيامين، ثم عرفهم بنفسه وقال: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِين } [يوسف:59] { .. وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِين } [يوسف:93] ..
فكانت هجرته القسرية وتغربه خيراً عليه وعلىٰ أهله وعلىٰ الناس أجمعين؛ ولولا تدبير الله وتدبيره لأمر الأغذية لهلك الناس[(١)].


* . ] هجرة كليم الله موسىٰ -عليه السلام- من مِصر الىٰ مَدين ثم بعدها هربا مع قومه من فرعون وملأه.
لا نريد[(١)] أن نتكلم عن أولية موسىٰ -عليه السلام-. وإنما نقول إنه نشأ في بيت فرعون عزيز الجانب؛ ولما بلغ مبلغ الرجال لم يخف عليه أنه دخيل في ذلك البيت وأنه من العنصر العبراني؛ وعرف العبرانيون ذلك فاستعزوا به وانتفعوا بجاهه[(١)]
ويضيف د. عبدالمقصود باشا: فلنأخذ مثلا سيدنا موسىٰ -عليه السلام- الذى ولد ونشأ وتربىٰ فى مِصر حتىٰ صارت له مكانة فى البلاط الفرعوني هو وأخيه هارون.. ثم تحدث المشادة بين أحد أبناء قومه وأحد المِصريين[(١٥)]
..وسار في المدينة يوماً علىٰ حين غفلة من أهلها فوجد رجلين يقتتلان أحدهما عبراني من شيعة موسىٰ والثاني قبطي [قلتُ (الرَّمَادِيُ) يعني مِصري؛ وهذا يدل علىٰ أن سكان مِصر يطلق عليهم أقباط؛ وليس كما يدعي البعض أنه يخص أهل دين بعينه؛ والقصة بكاملها حدتث قبل مجئ النصرانية بأكثر من 1500 سنة] من عدوه، فاستغاثة العبراني علىٰ القبطي، فأغاثه موسىٰ وعمد إلىٰ القبطي فوكزه فقضىٰ عليه، وهو لم يرد قتله، وإنما أراد كف عاديته عن العبراني، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها..

.. لم يشاهد أحد هذه الحادثة سوىٰ العبراني. وعاد موسىٰ بالأئمة علىٰ نفسه وقطع علىٰ نفسه عهداً ألا يكون ظهيراً للمجرمين..

.. ظهر أمر القبطي ولم يعلم قاتله. فلما كان اليوم الثاني خرج موسىٰ في مثل ذلك الوقت فوجد ذلك العبراني بنفسه في معركة مع قبطي آخر يريد أن يسخره وهو يأبىٰ، فاستغاثه كما استغاثه بالأمس فقال له موسىٰ أنك لغوي مبين. وأراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ويكف عاديته عنه. فظن العبراني أنه إياه أراد. فقال له: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين، وصالح القبطي واتخذ موسىٰ خصما..

.. حينئذ ظهر قاتل القبطي وهو موسىٰ وانتهىٰ الخبر إلىٰ فرعون فاجتمع ملأ فرعون وقومه علىٰ قتل موسىٰ. فجاء إليه رجل من آل فرعون من أقصىٰ المدينة يسعىٰ وقال له إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، ونصح له بالخروج لينجو بنفسه فخرج من المدينة خائفاً يترقب قائلاً رب نجني من القوم الظالمين، ويهاجر فرارا من الفراعنة عبر أرض سيناء إلىٰ مدين، ويظل هناك عشر سنوات..
.. ولىٰ وجهه شطر مَدْين علىٰ خليج العقبة. ولعلها كانت أقرب بلاد يجد فيها مأمنه لخروجها عن قبضة الحكومة المِصرية - ولما كان خروجه علىٰ عجل لم يترو في الأمر ولم يأخذ معه زاداً ولا ما يساعده علىٰ قطع المسافة من مطية ولا رفقة له في هذا السفر الشاق ولا دليل لأنه إنما يريد أن ينجو بخيط رقبته..{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيل } [القصص:22] فحقق الله -تعالى-أمنيته وبلغ ماء مَدين بعد الجهد الشديد والجوع المضي فوجد علىٰ الماء أمة من الناس يسقون ووجد امرأتين تذودان غنمهما عن الحوض، فلم يعجبه أن يتقدم أولو القوة ويتأخر المرأتان فسألهما عن شأنهما. فقالتا لا نسقي حتىٰ يصدر الرعاء لأننا ليس بنا قوة علىٰ التقدم والمزاحمة، وأبونا شيخ كبير لا يقدر علىٰ رعي ماشيته ولا سقياها. { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير } [القصص:23] فنحىٰ الرعاء بما بقىٰ له من فضل قوة وسقىٰ لهما ثم تولىٰ إلىٰ الظل يشكو إلىٰ الله حاجته إلىٰ القوت وما به من مخمصة قائلاً: {.. رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير } [القصص:24]

.. أراد الله أن يكافئ موسىٰ جزاء توكله عليه وفعله الخير ابتغاء وجه ربه فلم يلبث أن جاءته إحدىٰ المرأتين تمشي علىٰ استحياء { فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء } حتىٰ وقفت عليه وقالت له في خفر: {.. إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا..} لبى موسىٰ الدعوة؛ وجاء إلىٰ أبيها الشيخ؛ وقص عليه قصصه. فقال له الشيخ لا تخف نجوت من القوم الظالمين {.. فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين } [القصص:25]

.. أرادت إحدىٰ بنات الشيخ أن يقوم موسىٰ عنهما برعي الماشية لأنه أقدر علىٰ ذلك لما رأته من قوته في النزع بالدلو وأمانته إذ أخرها وقال لها اسعي ورائي وانعتي لي الطريق؛ فقالت لأبيها { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين} [القصص:26]

.. نشط الشيخ لما أشارت به ابنته، وطلب إلىٰ موسىٰ أن يستأجره ثماني حجج علىٰ أن يزوجه من إحدىٰ ابنتيه { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ..} فإذا رضى أن يتم الثماني.. عشرا كان ذلك علىٰ أن يكون بالخيار في قضاء أحد الأجلين {.. عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ } [القصص:27]

.. تقول التوراة إنه بقى عنده إلىٰ أن كانت سنه ثمانين سنة؛ والقرآن الكريم ليس فيه تحديد قاطع في المدة التي أقامها..

.. والمهم في الأمر أنه لما قضىٰ الأجل وصار حرا صادفه أن أبعد في الرعي وضل الطريق في ليلة مظلمة باردة؛ وحاول أن يقدح نارا فصلد زنده ولم يور نارا؛ وبعد لأي { إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه:10]. { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون } [القصص:29] فلما جاء إلىٰ النار نودي { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى } [طه:11] { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه:12] { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه:13] { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه:12] { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه:13] ؛ { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي } [طه:14]

.. وبعد حوار أرسله الله نذيرا إلى فرعون وملئه لإخراج بني إسرائيل؛ فكان ما كان مما قصه القرآن من شأنه مع فرعون وشأنه مع بني إسرائيل؛ فكانت هجرته خيرا وبركة عليه وعلىٰ بني إسرائيل؛ كما أجاب فرعون بقوله { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِين } [الشعراء:21] [(١)].

.. ثم يعود عبر جنوب سيناء مرة ثانية.. ثم يُرسل فى عودته من مهجره إلىٰ مِصر ويُكلف بالرسالة. ثم يضطر موسىٰ إلىٰ الهجرة ثانية مصطحبا قومه، وينفلق له البحر بعد أن يضربه بعصاه وفرعون وجنوده يتبعونه، ويتراءى الجمعان، حتىٰ قال أصحاب موسىٰ «إنا لمدركون» { فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون } [الشعراء:61]..

وفى التوكيد بـ «إن» -هنا- دلالة علىٰ قرب المسافة بين الفريقين، وينجي الله بنى إسرائيل، والقصة معروفة فى عدد من سور القرآن.. ويتوفىٰ موسىٰ دون أن يمكنه الله من دخول بيت المقدس[(٨)].


* . ] هجرة داود عليه السلام


هو داود بني يسي من سبط يهوذا. كان له اخوة يحاربون الفلسطينيين مع طالوت الذي هو شاول أول ملك من ملوك بني إسرائيل. وكان في الفلسطينيين جندي جبار اسمه جالوت قد هابته الأبطال وتحامت الشجعان لقاءه خوف الهلاك..
.. وكان لداود اخوة في الحرب؛ فأرسله أبوه بطعام لاخوته ولينظر حالهم ويعود إلىٰ أبيه بما يطمئنه عليهم. فبينا هو سائر إلىٰ اخوته نظر في البرية إلىٰ أحجار ملس راقته فوضعها في كنفه (الكنف كيس الراعي) ولما ذهب إلىٰ اخوته والحرب علىٰ قدم وساق نظر إلىٰ الفلسطيني وهو يعير بني إسرائيل إحجامهم عنه، فاستشاط الفتىٰ داود غضبا وسأل ما الذي يناله من قتل هذا الأغلف الفلسطيني. فأجيب بأن الملك يغنيه ويغدق عليه ويزوجه ابنته ويجعل بيته أكبر بيت في إسرائيل. فذهب إلىٰ الملك واستأذنه في لقاء جالوت فضن به الملك أن يقتل في غير فائدة وهو صغير السن لا يقوىٰ عليه. فقال له داود: إن عبدك (يعني نفسه) قتل أسدا تعرض لغنم أبي وقتل دبا أيضا. فأذن له وأعطاه لأمة حربه فلم يحسن داود المشي فيها فخلعها وذهب إلىٰ جالوت بمقلاعه وأحجاره. وقد هزأ منه جالوت ونصحه أن يعود من حيث أتىٰ فلم يفعل، ووقف قبالته ووضع حجرا من تلك الأحجار في المقلاع رماه به فارتز الحجر في جبهة جالوت وخر لليدين وللفم، فأخذ داود سيف جالوت وفصل رأسه به وجاء به إلىٰ الملك وانهزم الفلسطينيون شر هزيمة..
... ولكن طالوت ضن علىٰ داود بابنته التي وعد أن يزوجها من قاتل جالوت وزوجه من ابنة له أخرىٰ وقدمه علىٰ رؤساء جنده..
.. تغير بعد ذلك طالوت لداود وعمل علىٰ إهلاكه بيد الأعداء خوفا من أن يوليه بنو إسرائيل الملك، فكان يكلفه بالقدوم إلىٰ الحرب وكان داود يظفر دائما. فعمد إلىٰ إهلاكه بنفسه، ونجا داود منه مرات وهو يتبعه في كل مكان، وتمكن داود من قتل الملك مرات ولكنه لم يفعل ويخبره بتمكنه من قتله وأنه أبقىٰ عليه، فيندم الملك ثم يعاوده خوفه علىٰ الملك فيطارده إلىٰ أن خرج داود من ملك إسرائيل وأقام مع الفلسطينيين برضاء ملكهم إلىٰ أن قتل طالوت وابنه... فجاء إلىٰ قرية أربع -وهي مدينة الخليل- وبويع فيها بالملك. وكان لطالوت ولد بويع بالملك أيضاً إلىٰ أن قتل ابن طالوت الملك وانفرد داود بالملك واشترىٰ قلعة صهيون التي عند باب الخليل وسماها مدينة داود، ثم اشترىٰ جبل الموريا الذي عليه الحرم القدسي ومدينة أورشليم القديمة المعلومة اليوم بأسوارها وحدودها..
.. وفي أواخر أيام داود نزا علىٰ الملك ولده ابشالوم وبايعه العدد العظيم من بني إسرائيل. ورحل داود إلىٰ شرق الأردن وجلس ابشالوم علىٰ كرسي الملك وحارب أباه فقُتل أبشالوم وعاد داود إلىٰ مقر ملكه..

فــ .. هاتان هجرتان لداود وكانت العاقبة له علىٰ خصومه فيهما[(١)].
المسيح عيسىٰ ابن مريم وأمه ويوسف النجار :


* . ] ويتابع: د. باشا: فإذا تأخرنا عن عصر نوح وموسىٰ قليلا لوجدنا هجرة السيد المسيح الذى لم يجد علىٰ وجه الكرة الأرضية مكانا يأوى إليه ويحميه من بطش أعدائه، فكانت هجرته هو وأمه مريم العذراء ويوسف النجار إلىٰ أرض مِصر.. وهو صغير.. ويمكث فى مِصر سنوات عدة، ثم يعود إلىٰ بيت لحم وهو كبير لتدبر له المكائد ويسوقونه للصلب فيرفعه الله ويلقىٰ الله شبهه عليه[(٨)] .
يلتقط الشيخ النجار خيط الأحداث فيكمل القول :


* . ] هجرة المسيح -عليه السلام-
أما المسيح عيسىٰ ابن مريم عليه السلام فله هجرة ليست كهجرة سائر الأنبياء الذين هاجروا من بلادهم..
.. ذلك أنه لما وُلِدَ كان هناك ملك من قبل الرومان أُخبر أن ملك اليهود ولد في بيت لحم، فجد في قَتل الأولاد الذين ولدوا في بيت لحم في تلك الأيام. فأُمرت مريم بأن تهاجر بابنها ومعها خطيبها يوسف النجار.. فذهبت إلىٰ مِصر وأقامت فيها مدة..
.. قيل إنها كانت سبع سنين.. أو أقل..
.. إلىٰ أن أُمرت بالرجوع إلىٰ فلسطين، لأن الذي كان يطلب نفس ولدها قد هلك، فعادت..
.. وهذه الهجرة نص عليها في إنجيل متي وإنجيل برنابا ولا وجود لها في سائر الأناجيل الثلاثة الأخرىٰ المعروفة؛ فهجرة المسيح كانت تابعة لهجرة أمه خوفاً عليه ولم تكن بإرادته[(١)].

.. وهرب المسيح -عليه السلام- من اليهود حينما كذَّبوه، فأرادوا الفتك به حتىٰ كان مِن ضمن تعاليمه لتلاميذه: « طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ »[(١٥)]. « طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ »[(١٦)] ثم قال : « اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ »[(١٧)].[(٢)]
* . ] فلا غرابة أن هاجر -عليه الصلاة والسلام- من بلاد منعه أهلها من تتميم ما أراده الله { سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 62][(٢)].

* . ] محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
.. مِن ذلك كله نرىٰ أن محمداً لم يكن بدعا مِن الرسل والأنبياء الذين هاجروا مِن قبل، فقد جاهد جهاد الأبطال في إذاعة دعوته بين الناس، وقد أوذي في الله -تعالى- هو وأتباعه. حتىٰ إذا لم يبقَ في قوسِ تصبرِهِم منزعٌ.. سهل الله -تعالى- إسلام أهل يثرب = المدينة فأقبلوا علىٰ الدين بمحض اختيارهم، حتىٰ إذا كثروا.. جاءوا إليه وبايعوه علىٰ النُصرة، فأذنَ لأصحابه في الهجرة.. وبقىٰ هو وأبوبكر وعلي والمستضعفون. فلما مكر به كفار مكة ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه وصحت منهم العزيمة علىٰ ما بيتوا، أمره الله -تعالى- بالهجرة (وكان أبوبكر يعد لها العدة) فامتثل الرسول أمر ربه وآذن أبابكر بذلك ففرح وحاول أن يدعوا صهيب بن سنان للسير معهما فلم يُقَدر له ذلك، وخرجا إلىٰ غار ثور فأقاما به ثلاثا. وقد جهد كفار قريش في العثور عليهما فصرفهم الله عن ذلك، وقد كانا منهم قاب قوسين أو أدنىٰ؛ ثم ذهبا إلىٰ المدينة بعد أن هدأ الطلب يدل بهما عبدالله بن اريقط وهو علىٰ شركه إلىٰ أن وردا قُباء ثم المدينة.. فبدل الله حالهم أمنا، ومكن لهم في الأرض، وأرى كفار قريش منهم ما كانوا يحذرون، وأتم الله نعمته علىٰ أهل الإسلام، مكن لهم دينهم الذي ارتضىٰ لهم إلىٰ أن مضى رسول الله لسبيله، وقام خلفائه من بعده يحملون عبء تبليغ الرسالة والتمكين للدين؛ وانتشر الإسلام شرقاً وغرباً؛ وكانت الهجرة علىٰ رسول الله وأمته خيرا وبركة كما كانت هجرة الأنبياء خيراً وبركةً عليهم مِن قبل؛ ولله عاقبة الأمور؛ لا مبدل لكلماته، ولا معقب لحكمه؛ وهو العزيز الحكيم[(١)]


* . ] ومحمد - عليه السلام - مكث يدعو قومه في مكة ثلاثة عشر عاماً فما استجاب لدعوته إلا القليل.. القليل ولم يكتفِ قومه برفض الهداية بل آذوه.. ومن أسلم معه..

.. وصفوه بأنه كاذب لأن دينهم الباطل، هو الحق، فمن آمن بسواه فهو كاذب في زعمهم..

.. وزعموا بأنه ساحر لأنه استطاع أن يغير دين بعض مواطنيهم فأسلموا ومن كان قادراً علىٰ تبديل إيمان الغير فهو ساحر في نظرهم..

.. وقالوا انه كاهن لأن النبي - عليه السلام - أخبرهم بأمور غيبية ماضية كأخبار الماضين من الأقوام ورسلهم وأخبرهم بما سيحصل لمن يكفر بالله يوم القيامة ومن يخبر بالغيبيات هو كاهن، والكاهن عند العرب شخص يعرف الغيب في زعمهم فإذا سأله سائل عما سيحصل له أخبره، وقالوا انه لا يستحق النبوة لأن الله لو أراد إرسال نبي لاختار فلاناً وفلاناً من أصحاب المقام الرفيع عندهم{ وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم } [الزُّخرُف:31] وقالوا: إنه طامع في الرئاسة والسلطان لذلك عرضوا عليه الملك.. وقالوا.. وقالوا مما لا يتسع المقام لذكره ورغم كل ما قالوه فإن محمداً - عليه السلام - ظل ثابتاً كالطود العظيم لا يحيد عن دعوته، وكان قومه كلما مرت السنين ازدادوا أذىٰ له ولأتباعه إلىٰ حد لا يطاق من الناس العاديين لكن المؤمنين كان إيمانهم شديداً فلم يرتدوا عن دينهم، وطلب بعضهم الهجرة إلىٰ الحبشة فأذن لهم، وكانت هذه الهجرة أولىٰ الهجرتين أما الهجرة الثانية فكانت إلىٰ (يثرب)[(٤)]
وقرر النبي بعد معاناة ثلاث عشرة سنة أن يغير مكان الدعوة فحاول دخول الطائف لكن صدّه سفهاؤها ومراهقوها ورشقوه بالحجارة حتىٰ دميت قدماه فعاد إلىٰ مكة آسفاً حزيناً علىٰ قومه لأنه يريد لهم الهداية وسعادة الآخرة ويأبون إلا الكفر والضلال[(٤)].
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة
(١١) [ الْمُجَلَّدُ الْحَادِيَ عَشَرَ ]
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
الزمن:1 هـ ~622 م
آخر أحداث العهد: المكي
المكان: مكة المكرمة
« يثرب » [الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ ]
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ
(١) الْبَابُ الْأَوَّلُ : : ﴿ ١١٨ ﴾ هجرة الأنبياء
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏السبت‏، 25‏ رجب‏، 1443هــ ~ ‏السبت‏، 26‏ فبراير‏، 2022م