المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفوائد والأحكام من حديث جبريل عليه السلام


طويلب علم مبتدئ
02 / 06 / 2018, 39 : 12 PM
الفوائد والأحكام من حديث جبريل عليه السلام


الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أمَّا بعد:

فهذه بعض الفوائد والأحكام المستنبطة من حديث جبريل عليه السلام، أسأل الله أن ينفع بها المسلمين، وأن يجعلَها خالصةً لوجهه الكريم، إنه وليُّ ذلك، والقادر عليه.



جاء في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ، إذ طلَع علينا رجلٌ شديدُ بَياضِ الثياب، شديدُ سَوادِ الشَّعر، لا يُرى عليه أثَرُ السَّفَرِ، ولا يَعْرِفُه مِنَّا أحَدٌ، حتى جلَسَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسْنَدَ رُكْبَتَيهِ إلى رُكْبَتَيهِ، ووَضَعَ كَفَّيْهِ على فَخِذَيهِ، وقال: يا محمدُ، أخْبِرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام: أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤْتيَ الزكاةَ، وتَصُومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إنِ اسْتَطَعْتَ إليه سَبِيلًا))، قال: صَدَقْتَ، قال: فعَجِبْنا له، يسألُهُ ويُصدِّقُه، قال: فأخْبِرني عن الإيمان، قال: ((أنْ تُؤمِنَ بالله، وملائكته، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ))، قال: صَدَقْتَ، قال: فأخْبِرني عن الإحسان، قال: ((أنْ تَعبُدَ الله كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ))، قال: فأخْبِرني عن السَّاعَةِ، قال: ((ما المسؤول عنها بأعْلَمَ من السَّائِلِ))، قال: فأخْبِرني عن أمَارَتِها، قال: ((أنْ تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّتَها، وأنْ تَرى الحُفَاةَ العُراةَ العَالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يتطاولُونَ في البُنْيان))، قال: ثم انطلَقَ، فلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثم قال لي: ((يا عُمَرُ، أتَدْري مَنِ السائلُ؟))، قلْتُ: اللهُ ورسولُه أعْلَمُ، قال: ((فإنَّهُ جبريلُ، أتاكُمْ يُعَلِّمُكُم دِينَكُمْ)).



من فوائد هذا الحديث:

1) هذا الحديث يُطلَق عليه أُمُّ السُّنَّة؛ لاشتماله على جميع مراتب الدين، وهو من الأحاديث التي عليها مدار الدين.



2) في هذا الحديث تنبيه على أنه ينبغي للمسلم أن يحضر مجالسَ العلم، وهو على هيئةٍ وصورةٍ حَسَنةٍ مِن لُبْس أجملِ الثياب، وكذلك إذا ذهب إلى عالمٍ ربَّاني؛ ليَسأَلَه في أمور دينه، فيجب أن يكون على هيئة حسنة؛ لقوله: "شديدُ بَياضِ الثياب، شديدُ سَوادِ الشَّعر".



3) في هذا الحديث بيان جلسة طالب العلم الحقيقي الذي يطلب العلم بجدٍّ واجتهاد؛ كما في قوله: "حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفَّيه على فَخِذَيه".



4) في هذا الحديث بيان أركان الإسلام الخمسة، وهي: ((أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وتُقيمَ الصلاةَ، وتُؤْتيَ الزكاةَ، وتَصُومَ رمضانَ، وتَحُجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليه سَبِيلًا))، ونذكر المراد بها على وجه الاختصار:



أ‌) شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله: لا إله إلا الله؛ أي: لا معبود بحقٍّ إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ومقتضاها: تصديقه فيما أخْبَر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجَر، وألَّا يعبُد الله إلا بما شَرعَه اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم.

ب‌) إقامة الصلاة: الصلاة: هي أقوالٌ وأفعال مخصوصة، مُفْتَتَحةٌ بالتكبير، ومُخْتَتَمة بالتسليم.

ج) إيتاء الزكاة: الزكاة شَرْعًا: حَقٌّ واجِبٌ في مالٍ خاصٍّ لطائفةٍ مخصوصةٍ في وقت مخصوص.

د) صوم رمضان: وتعريف الصيام: إمساكٌ بنيَّةٍ عن أشياءَ مخصوصةٍ في زمنٍ مُعيَّن من شخص مخصوص.

هـ) الحج: والحج في اللغة: القصد، وشَرْعـًا: التعبُّد لله تعالى بأداء النُّسُك على وجهٍ مخصوصٍ.



5) في هذا الحديث بيان أركان الإيمان الستة، وهي: ((أنْ تُؤمِنَ بالله، وملائكته، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقَدَرِ خَيْرِهِ وشَرِّهِ))، ونذكر المراد بها على وجه الاختصار:

أ) الإيمان بالله تعالى:

الإيمان بالله: هو الاعتقاد الجازم بأن الله وحده هو الربُّ المعبود، ويتضمَّن ذلك اعتقادَ أنه ربُّ كلِّ شيء ومليكه، وأنه الخالق الرازق، المدبِّر للكون كله، والذي بيده مقادير كلِّ شيء، له الخلق والأمر سبحانه وتعالى، وأنه هو الذي يستحقُّ العبادة وحده لا شريك له، وأن كل معبود سواه فهو باطلٌ، وعبادتُه باطلةٌ، وأنه سبحانه مُتَّصِفٌ بصفات الكمال، ونُعُوتِ الجلال، مُنزَّهٌ عن كلِّ نَقْصٍ وعيبٍ.



ب) الإيمان بالملائكة:الملائكة: هم عالم غَيبيٌّ، مخلوقون من نُورٍ، عابدون لله تعالى، مكرمون، ﴿ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].



ج) الإيمان بالكتب:وهي الكتب التي أنْزَلها الله تعالى على رسله، وقد تضمَّنت العقيدة والشرائع رحمةً للخَلْق، وهدايةً لهم؛ ليصِلُوا بها إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة.



د) الإيمان بالرسل:

تعريف النبي:

لُغةً: مشتق من النبأ، وهو الخبر، أو مِن النبوة، وهي ما ارتفع عن الأرض.

اصطلاحًا: مَنْ أُوحِي إليه؛ ليعملَ بِشَرْعِ مَنْ قبله، ويحكُم به؛ مثل: الأنبياء من بني إسرائيل من بعد موسى؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 44]، وسُمِّي النبي نبيًّا؛ لأنه مُنْبِئ، ومُخْبِر عن الله؛ أي: مُبلِّغ عنه أمرَه وَوَحْيَهُ.



تعريف الرسول:

لغةً: من الإرسال، وهو التوجيه والبعث.

اصطلاحًا: مَنْ أُوحِي إليه بِشَرْعٍ جديدٍ، وأُرسِل إلى قومٍ مخالفين؛ ليُبلِّغهم رسالةَ الله مثل أُولي العزم من الرسل.



هـ) الإيمان باليوم الآخر:

المراد بالإيمان باليوم الآخر: الاعتقاد الجازم بِصِدْق كُلِّ ما أخبَر به اللهُ عزَّ وجلَّ في كتابه العزيز، أو أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ممَّا يكون بعد الموت، وما يكون بين يدي الساعة، ويشمل ذلك: ما يكون بين يدي الساعة؛ من أشراطها، وفتنة القبر، وعذابه، ونعيمه، والصراط، والشفاعة، والجنة والنار، وما أعدَّ الله تعالى لأهلهما فيهما، وغير ذلك.



و) الإيمان بالقدر خيره وشره:

القَدَر:

لغة: الحُكْم والتقدير.

اصطلاحًا: تقدير الله تعالى للخلائق كما شاء مما سبق به علمُه واقتضتْهُ حِكْمَتُه.



6) في هذا الحديث بيان الإحسان: وهو ((أنْ تَعبُدَ الله كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ))، والإحسان نوعان: إحسان في عبادة الله، وإحسان إلى خلقه؛ فالإحسان في عبادة الله قد فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((أنْ تَعبُدَ الله كأنَّكَ تَراهُ، فإنْ لم تَكُنْ تَراهُ فإنَّهُ يَراكَ))، فينبغي ألَّا تُقَصِّرَ في إحسان العمل له، والإخلاص فيه؛ فإنه يرى مكانك، ويسمعُ كلامَكَ، ويعلم سِرَّكَ وعَلانِيَتَكَ، فراقِبْهُ، ولا تَستَهِنْ بنظره إليك، ورؤيته إياك غافلًا عنه أو مُسيئًا في عبادته.



وأما الإحسان إلى خلقه، فهو بَذْلُ ما يمكن من أنواع الإحسان بالقول والفعل والجاه والتعليم والنصيحة، وبَذْلُ المعروف، والله يحب المحسنين، وهو معهم بتوفيقه وتسديده.



7) في هذا الحديث تنبيه على أنه ينبغي للمسلم إذا أتاه سائلٌ وسأله، وهو لا يعرف الجواب ألا يجيب بفلسفته وآرائه؛ وإنما يقول: لا أعلَم أو ما أشبَهها من الصيغ التي تدل على أنك لا تعرف الجواب؛ لقوله: ((ما المسؤول عنها بأعْلَمَ مِن السَّائِلِ)).



8) في هذا الحديث بيان بعض علامات الساعة، وأَماراتها، نسأل الله أن يرحمنا برحمته، وأنْ يحسِنَ خاتمتنا.



9) في هذا الحديث جواز السؤال، ولو كان السائل يعرف الإجابة، لكن لأجل أن يستفيدَ الحاضرون؛ لقوله: ((فإنَّهُ جبريلُ أتاكم يُعَلِّمُكم دِينَكم)).



هذا والله تعالى أعلى وأعلمُ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



من أهم المراجع: الإيضاح والبيان في أركان الإسلام والإيمان والإحسان.

محمد نصر
02 / 06 / 2018, 54 : 06 PM
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا