ابو الوليد البتار
26 / 12 / 2008, 26 : 03 AM
أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
آيات وأحاديث وأقوال أهل العلم
قال الله تعالى :
( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )
وقال تعالى :
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )
وقال تعالى :
( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)
وقال تعالى:
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
وقال تعالى:
( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
قال ابن عباس في معنى هذه الآية : ( أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمّهم الله بالعذاب)
وقال تعالى :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
وقال تعالى :
( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )
وقال تعالى :
( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض )
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
وقال تعالى :
(إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُـمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
وقال عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم )
وقال عليه الصلاة والسلام :
( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا ولم نؤد من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب )
وروى البخاري ومسلم والترمذي عن زينب أنها قالت لرسول الله صله الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :
(( نعم إذا كَثُر الخَبَثُ ))
وهذا يعني أن كثرة الخبث وانتشاره سبب للعذاب ، ولا سبيل إلى الحدِّ من انتشاره إلا بإنكار المنكرات ومحاربة أهلها
وروى الترمذي في حديث آخر عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ) فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ومتى ذاك ؟ قال :
( إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور )
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
(كان يقال : إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً، استحقوا العقوبة كلهم )
--------
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة رفيعة في الإسلام ، وهو من فروض الكفاية
قال ابن العربي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الدين وعمدة من عمد المسلمين وخلافة رب العالمين ، والمقصود الأكبر من فائدة بعث النبيين ، فالحسبة هي أحد مقاصد الأنبياء عليهم السلام ، وبها يصلح للناس دينهم وديناهم
ويزيد هذا المعنى الإمام الغزالي إيضاحاً ويبين أهمية الاحتساب فيقول : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله به النبيين أجمعين ، ولو طُوي بساطه وأُهمل عمله وعلمه لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمَّت الفترة ، وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، وانتشر الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد..)) وليس فيما قاله الإمام الغزالي مبالغة ، بل هو الواقع الذي يُشاهد في الأماكن التي لا يُؤمر فيها بالمعروف ولا يُنهى فيها عن المنكر ، فبهما تتم المحافظة على عقائد المسلمين من الانحراف وعباداتهم من الابتداع ، ودنياهم من الفساد ، وبهما تتم المحافظة على الآداب العامة والمعاملات التجارية والأمن والسلامة في المجتمعات
--------------
فضائل القيام بالحسبة
وتظهر أهمية الحسبة من وجهين ، وهما :
الوجه الأول : فضائل القيام بها :
القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهامه العظام التي بُشر بها في الكتب السابقة ، كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَر) (الأعراف: من الآية157)
وهو كذلك من صفات عباد الله المؤمنين التي مدحهم بها، والتي تميزهم عن المنافقين ، كما قال سبحانه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ) (التوبة: من الآية71)
وقال عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف) (التوبة: من الآية67)
فقد وصف سبحانه المؤمنين بهذه الصفة ووصف المنافقين بضدها
قال القرطبي : (( فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين ، فدلَّ على أن أخص أوصاف المؤمن : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه )) [ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/47) ].
وقد ذكر سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات الصالحين الذين يطمع كل مسلم أن يكون منهم فقال : ( مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (آل عمران:113-114) قال الغزالي: (( فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) [ الإحياء للغزالي (2/334) ].
أنهما سبب الخيرية لهذه الأمة ، التي جعلها خير الأمم لقيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (آل عمران: من الآية110).
أنهما سبب للنصر والتمكين ، وواجب من واجبات من مكَّنه الله في الأرض ، كما يقول تعالى : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
(الحج:40-41) . فمن نصر دين الله وجاهد أعدائه وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نصر الله وبذلك يستحق النصر من عند الله القوي العزيز ، فإذا انتصر فإن الله شرط عليه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستمر نصرهم لدين الله فيستمر نصر الله لهم
قال الضحاك : (( هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الله الملك ))
وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر .. )) فقد وعد رسول الله أصحابه بالنصر والفتح واشترط على مَن يدرك النصر أن يتقي الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويستمر هذا الوعد على مرِّ العصور .
أنهما سبب لحصول الثواب وتكفير السيئات ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة يؤجر عليها المسلم ، كما روى الترمذي عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( .. وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة .. الحديث )) وهو صدقة لأن الآمر قد بذل الخير للآخرين وأرشدهم إلى ما ينفعهم ، وحذرهم مما يضرهم ، فأجره عظيم ، لأن نفعه متعدٍ للآخرين .
وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم أنواع الجهاد ، كما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر )) والجهاد ذِرْوة سَنام الإسلام .
يتبع ....
آيات وأحاديث وأقوال أهل العلم
قال الله تعالى :
( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )
وقال تعالى :
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )
وقال تعالى :
( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)
وقال تعالى:
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
وقال تعالى:
( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
قال ابن عباس في معنى هذه الآية : ( أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين ظهرانيهم فيعمّهم الله بالعذاب)
وقال تعالى :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا
يَعْتَدُونَ ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ )
وقال تعالى :
( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )
وقال تعالى :
( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض )
( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)
وقال تعالى :
(إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُـمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )
وقال عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( والذي نفس محمد بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض ثم يلعنكم كما لعنهم )
وقال عليه الصلاة والسلام :
( مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا ولم نؤد من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم )
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا ثم لا يغيروا إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب )
وروى البخاري ومسلم والترمذي عن زينب أنها قالت لرسول الله صله الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال :
(( نعم إذا كَثُر الخَبَثُ ))
وهذا يعني أن كثرة الخبث وانتشاره سبب للعذاب ، ولا سبيل إلى الحدِّ من انتشاره إلا بإنكار المنكرات ومحاربة أهلها
وروى الترمذي في حديث آخر عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف ) فقال رجل من المسلمين : يا رسول الله ومتى ذاك ؟ قال :
( إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور )
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
(كان يقال : إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة ، ولكن إذا عمل المنكر جهاراً، استحقوا العقوبة كلهم )
--------
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة رفيعة في الإسلام ، وهو من فروض الكفاية
قال ابن العربي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الدين وعمدة من عمد المسلمين وخلافة رب العالمين ، والمقصود الأكبر من فائدة بعث النبيين ، فالحسبة هي أحد مقاصد الأنبياء عليهم السلام ، وبها يصلح للناس دينهم وديناهم
ويزيد هذا المعنى الإمام الغزالي إيضاحاً ويبين أهمية الاحتساب فيقول : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله به النبيين أجمعين ، ولو طُوي بساطه وأُهمل عمله وعلمه لتعطلت النبوة ، واضمحلت الديانة ، وعمَّت الفترة ، وفشت الضلالة وشاعت الجهالة، وانتشر الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد..)) وليس فيما قاله الإمام الغزالي مبالغة ، بل هو الواقع الذي يُشاهد في الأماكن التي لا يُؤمر فيها بالمعروف ولا يُنهى فيها عن المنكر ، فبهما تتم المحافظة على عقائد المسلمين من الانحراف وعباداتهم من الابتداع ، ودنياهم من الفساد ، وبهما تتم المحافظة على الآداب العامة والمعاملات التجارية والأمن والسلامة في المجتمعات
--------------
فضائل القيام بالحسبة
وتظهر أهمية الحسبة من وجهين ، وهما :
الوجه الأول : فضائل القيام بها :
القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهامه العظام التي بُشر بها في الكتب السابقة ، كما قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَر) (الأعراف: من الآية157)
وهو كذلك من صفات عباد الله المؤمنين التي مدحهم بها، والتي تميزهم عن المنافقين ، كما قال سبحانه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر ) (التوبة: من الآية71)
وقال عن المنافقين : (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف) (التوبة: من الآية67)
فقد وصف سبحانه المؤمنين بهذه الصفة ووصف المنافقين بضدها
قال القرطبي : (( فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرقاً بين المؤمنين والمنافقين ، فدلَّ على أن أخص أوصاف المؤمن : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ورأسها الدعاء إلى الإسلام والقتال عليه )) [ الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (4/47) ].
وقد ذكر سبحانه أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات الصالحين الذين يطمع كل مسلم أن يكون منهم فقال : ( مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ . يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) (آل عمران:113-114) قال الغزالي: (( فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) [ الإحياء للغزالي (2/334) ].
أنهما سبب الخيرية لهذه الأمة ، التي جعلها خير الأمم لقيامها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) (آل عمران: من الآية110).
أنهما سبب للنصر والتمكين ، وواجب من واجبات من مكَّنه الله في الأرض ، كما يقول تعالى : ( وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ)
(الحج:40-41) . فمن نصر دين الله وجاهد أعدائه وأقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد نصر الله وبذلك يستحق النصر من عند الله القوي العزيز ، فإذا انتصر فإن الله شرط عليه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليستمر نصرهم لدين الله فيستمر نصر الله لهم
قال الضحاك : (( هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الله الملك ))
وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم ، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله ، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر .. )) فقد وعد رسول الله أصحابه بالنصر والفتح واشترط على مَن يدرك النصر أن يتقي الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، ويستمر هذا الوعد على مرِّ العصور .
أنهما سبب لحصول الثواب وتكفير السيئات ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة يؤجر عليها المسلم ، كما روى الترمذي عن أبي ذر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( .. وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة .. الحديث )) وهو صدقة لأن الآمر قد بذل الخير للآخرين وأرشدهم إلى ما ينفعهم ، وحذرهم مما يضرهم ، فأجره عظيم ، لأن نفعه متعدٍ للآخرين .
وقد جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعظم أنواع الجهاد ، كما روى أبو داود والترمذي وابن ماجه عن أبي سعيد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر )) والجهاد ذِرْوة سَنام الإسلام .
يتبع ....