طويلب علم مبتدئ
08 / 02 / 2019, 27 : 08 PM
خطبة في التحذير من بعض المحرمات
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصـدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ؛ وبعدُ.
حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ سيدور حول التحذير من بعض المحرمات، وسوفَ ينتظمُ هذا الموضوع بعونِ الله وتوفيقهِ حول ثلاثة محاور:
المحور الأول:لا تقتلوا أنفسكم.
المحور الثاني:احذروا السرقة.
المحور الثالث:لا تقطعوا الطرق.
فَأَرعُونِي قلوبكم وأسماعكم جيداً، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدى الله وأولئك هم المفلحون.
المحور الأول:لا تقتلوا أنفسكم.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله نهانا عن قتل أنفسنا في كتابه الكريم.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
وروى البخاري ومسلم عَنِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn1) ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ [2] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn2) بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ [3] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn3) حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ [4] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn4) ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ»[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn5).
ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذب به في يوم القيامة.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ [6] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn6) فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ [7] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn7) فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ [8] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn8) بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [9] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn9) .
وروى البخاري ومسلم عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» [10] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn10) .
المحور الثاني:احذروا السرقة.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله جل جلاله شرع عقاب السارق، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
والمؤمن لا يسرق أبداً، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» [11] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn11).
المحور الثالث:لا تقطعوا الطرق.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله جل جلاله توعد الذين يقطعون الطرق، ويسعون في الأرض فساداً بعذاب أليم في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].
ومعنى ﴿ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المائدة: 33] يعصونهما ولا يطيعونهما، وكل من عصاك فهو حرب لك [12] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn12).
ومعنى ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة: 33] أي بالقتل والسرقة وأخذ الأموال..[13] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn13).
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الدنيا لا تساوي شيئًا يجعل الإنسان يعصي ربه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32].
وقال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [هود: 15].
وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 3].
الدعاء...
اللهم إنا نسألك علما نافعا، ونعوذ بك من علم لا ينفع.
اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته.
اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة...
[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref1) فجزع:أي فلم يصبر على ألم تلك القرحة. [انظر: فتح الباري (6/ 499)].
[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref2) فحز: أي فقطع. [انظر: فتح الباري (6/ 499)].
[3] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref3) فما رقأ الدم: أي لم ينقطع. [انظر: فتح الباري (6/ 500)].
[4] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref4) بادرني عبدي بنفسه: كناية عن استعجال المذكور الموت. [انظر: فتح الباري (6/ 500)].
[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref5) متفق عليه: رواه البخاري (3463)، ومسلم (113).
[6] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref6) من تردى من جبل: أي أسقط نفسه منه. [انظر: فتح الباري (10/ 248)].
[7] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref7) يتحساه: أي يتجرعه. [انظر: فتح الباري (10/ 248)].
[8] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref8) يجأ: أي يطعن بها.[انظر: فتح الباري (10/ 248)].
[9] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref9) متفق عليه: رواه البخاري (5778)، ومسلم (109).
[10] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref10) متفق عليه: رواه البخاري (6105)، ومسلم (110).
[11] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref11) متفق عليه: رواه البخاري (2475)، ومسلم (57).
[12] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref12) انظر: تفسير الواحدي (2/ 181).
[13] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref13) انظر: تفسير الواحدي (2/ 181).
إن الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصـدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ؛ وبعدُ.
حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ سيدور حول التحذير من بعض المحرمات، وسوفَ ينتظمُ هذا الموضوع بعونِ الله وتوفيقهِ حول ثلاثة محاور:
المحور الأول:لا تقتلوا أنفسكم.
المحور الثاني:احذروا السرقة.
المحور الثالث:لا تقطعوا الطرق.
فَأَرعُونِي قلوبكم وأسماعكم جيداً، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هدى الله وأولئك هم المفلحون.
المحور الأول:لا تقتلوا أنفسكم.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله نهانا عن قتل أنفسنا في كتابه الكريم.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29].
وروى البخاري ومسلم عَنِ جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn1) ، فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ [2] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn2) بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ [3] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn3) حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ [4] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn4) ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ»[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn5).
ومن قتل نفسه بشيء في الدنيا عُذب به في يوم القيامة.
روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ [6] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn6) فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ [7] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn7) فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَجَأُ [8] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn8) بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا» [9] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn9) .
وروى البخاري ومسلم عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ» [10] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn10) .
المحور الثاني:احذروا السرقة.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله جل جلاله شرع عقاب السارق، فقد قال الله تعالى: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [المائدة: 38].
والمؤمن لا يسرق أبداً، فقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ» [11] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn11).
المحور الثالث:لا تقطعوا الطرق.
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الله جل جلاله توعد الذين يقطعون الطرق، ويسعون في الأرض فساداً بعذاب أليم في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [المائدة: 33].
ومعنى ﴿ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المائدة: 33] يعصونهما ولا يطيعونهما، وكل من عصاك فهو حرب لك [12] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn12).
ومعنى ﴿ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ﴾ [المائدة: 33] أي بالقتل والسرقة وأخذ الأموال..[13] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftn13).
الخطبة الثانية
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا، وبعد:
اعلموا أيها الإخوة المؤمنون أن الدنيا لا تساوي شيئًا يجعل الإنسان يعصي ربه سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى:﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الأنعام: 32].
وقال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ ﴾ [هود: 15].
وقال الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴾ [إبراهيم: 3].
الدعاء...
اللهم إنا نسألك علما نافعا، ونعوذ بك من علم لا ينفع.
اللهم رب السماوات السبع ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، نعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته.
اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة...
[1] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref1) فجزع:أي فلم يصبر على ألم تلك القرحة. [انظر: فتح الباري (6/ 499)].
[2] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref2) فحز: أي فقطع. [انظر: فتح الباري (6/ 499)].
[3] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref3) فما رقأ الدم: أي لم ينقطع. [انظر: فتح الباري (6/ 500)].
[4] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref4) بادرني عبدي بنفسه: كناية عن استعجال المذكور الموت. [انظر: فتح الباري (6/ 500)].
[5] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref5) متفق عليه: رواه البخاري (3463)، ومسلم (113).
[6] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref6) من تردى من جبل: أي أسقط نفسه منه. [انظر: فتح الباري (10/ 248)].
[7] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref7) يتحساه: أي يتجرعه. [انظر: فتح الباري (10/ 248)].
[8] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref8) يجأ: أي يطعن بها.[انظر: فتح الباري (10/ 248)].
[9] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref9) متفق عليه: رواه البخاري (5778)، ومسلم (109).
[10] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref10) متفق عليه: رواه البخاري (6105)، ومسلم (110).
[11] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref11) متفق عليه: رواه البخاري (2475)، ومسلم (57).
[12] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref12) انظر: تفسير الواحدي (2/ 181).
[13] (https://www.alukah.net/sharia/0/132575/?fbclid=IwAR3SpECMTa_FodzvmEXVspuUsemW2dtyW_Sd1a15 vJD_re_h_KRm4egTZTc#_ftnref13) انظر: تفسير الواحدي (2/ 181).