تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : وأستجيبوا لله وللرسول صلى الله عليه وسلم


ابو قاسم الكبيسي
07 / 04 / 2009, 23 : 07 PM
فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية ، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به ، أو بباطل فتصدقوا ، والذي نفسي بيده ، لو أن موسى كان حيا ، ما وسعه إلا أن يتبعني[2] » وذلك لكي لا يكون هناك أكثر من مصدر للتلقي وأن يكون القرآن المبارك هو المرتكز والمصدر الذي ينطلق منه المؤمن في بناء تصوراته. وحالنا اليوم يجد أننا قد جعلنا هناك مصادر متنوعة غير القرآن الكريم نتلقى منها تصوراتنا وقيمنا، فالتلقي لدينا من الغرب لم يقتصر في القضايا العلمية المادية؛ بل أنسحب ذلك على مبادئنا وقيمنا وتصوراتنا لهذا كثر النزاع بيننا في قضايا لم يكن يتنازع فيها السلف كمسألة تحكيم شرع الله تعالى وكتطبيق الاقتصاد الإسلامي وغيرها من المسائل التي يظهر فيها التلقي من الآخر الكافر المخالف لشرع الله تعالى.

ثالثاً: تطبيق ما تعلموه: وهذه من أشد ما يتميز به خير القرون، أنهم يقبلون على كتاب بقصد العمل، فيتعلمون من أجل أن يمارسون ما تعلمهم عملياً. فالعلم بلا عمل عارية وغير منتفع به. فإذا لم يعمل المرء بالنور الذي أُنزل فلن يكون لهذا النور أثر، فروح العلم هو العمل، والعلم وسيلة لا يصح فضله حتى يصدّق بمقتضاه، فإن كثيراً من المستشرقين والعلمانيين يعلمون دين الإسلام، ويعرفون أصوله وفروعه، ولم يكن ذلك نافعاً لهم لبقائهم على الكفر.

فالصحابة الكرام تعلموا القرآن والعلم والعمل جميعاً، فإذا جاء أمر الله امتثلوه دون تلكؤ أو تباطؤ أو تردد، فمن ذلك عندما نزل قول الله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[3]" جاء في صحيح البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَأَهْرِقْهَا فَخَرَجْتُ فَهَرَقْتُهَا" وهذا شيء عجيب في تحقيق الامتثال والإتباع، فترك الخمر لمن أدمن عليها بمجرد هذا القول يدل على قوة الإيمان وصدق الامتثال لأمر الله ورسوله.

رابعاً: سلامتهم من كثير من البدع والمفاهيم المغلوطة:لم يعاني جيل خير القرون من كثير من المفاهيم المغلوطة، فلم تكن هناك أزمات فكرية أو عقدية، فسلموا من أزمة الثنائيات، من ثنائية الأنا والآخر، ونظرية تصادم العقل والنقل، والأصالة والمعاصرة وغيرها من الثنائيات التي أدت إلى تشطير الإنسان وتدمير بعضه، فلم يعيشوا تناقضات تحول بينهم وبين تحقيق الاستجابة الصادقة لله وللرسول. فعندما طغت المفاهيم المستوردة وأخذ الناس بأشيائها، ارتكست الأمة، وعاشت نوعاً من التصادم الحضاري أرداهم في ذيل الأمم، وتخلت استجابتهم لله وللرسول، واستجابوا لقيم وتصورات لا تتفق مع الإسلام وقيمه، فأصبحت الأمة تعيش فاقدة لهويتها، مسلوبة إرادتها تعيش على فتات الآخرين .

خامساً: عاشوا مرحلة الدعوة الأولى:فأي دعوة تمر بثلاث مراحل، المرحلة الأولى وهي مرحلة الإيمان بالهدف، الذي يملاْ على الإنسان نفسه، ويشكّل له هاجساً دائماً، ويدفعه للعطاء غير المتناهي، والتضحية في سبيل ذلك ، فمن سمات هذه المرحلة بروز إنسان الواجب، الذي لا يرى إلا ما عليه، ويقبل على فعله بوازع داخلي، بإيمان، واحتساب، دون أن يخاطر عقله، ماله من حقوق هو إنسان واجب، إنسان إنتاج، وليس إنسان حق فقط.

ثم تأتي بعد ذلك مرحلة العقل، وضمور الإيمان، وفتور الحماس نسبياً، مرحلة التوازن بين العمل والأجر، وبين الحق والواجب، وبين الإنتاج والاستهلاك، وهنا تصل الحضارة إلى قمتها وتبدأ مرحلة السقوط. ثم تأتي مرحلة غياب الإيمان والعقل، مرحلة حب الدنيا وكراهية الموت، وبروز الشهوة، والغريزة، وانكسار الموازين الاجتماعي، واستباحة كل شيء وبكل الأساليب، وعندها تسقط الأمة، ويتم الاستبدال[4].

سادساً: لم تمنعهم القيود الدنيوية من تحقيق الاستجابة لله ولرسوله: مما يتميز به خير القرون أنهم لم يمنعهم الأهل والمال من السير في ركاب الدعوة وقوافل الجهاد؛ بل هذه صفات من لم يستجب أصلاً لدين الله، فهي من صفات المنافقين كما قال الله تعالى:" سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا[5]" وهذا لسوء ظنهم بالله تعالى، فلا تجد في حياة الصحابة النجوم شغل عن تكاليف العقيدة؛ بل يسارعون ويتنافسون ويبادرون لأمر الله ورسوله ولا يبحثون عن الأعذار للتخلف عن ركاب الدعوة. وتأمل قول الله تعالى في وصف هؤلاء الفقراء من الصحابة الذين لا يجدون ما يحملهم كيف كان ردة فعلهم :"وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ"

أثر الاستجابة:

* الاستجابة لله وللرسول فيها الحياة: قال الله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " وعلى قدر الاستجابة تكون الحياة، فهي مراتب كلما زاد العبد في الاستجابة لله وطاعة أوامره كلما زاده الله هداية وتوفيقاً. وقد شبه الله المستجيب لنداء الله ورسوله بالحي، والذي لا يستجيب بالميت " إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ " والحياة هنا حياة إنسانية كاملة، وليست حياة بهيمية لا تدرك من حقيقة وجودها في هذا الكون شهواتها وملذاتها، فلا تعيش إلا لجسدها، وإن سمعوا قول الحق فهم لا يستفيدون من سماعه ذلك فهم صم بكم عن كل ما يعارض شهواتهم وملذاتهم " إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ " فهم في سكرة الشهوة والهوى تحول بينهم عن إدراك قول الله وقول رسوله " مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " فحياتهم ناقصة غير كاملة قد غابت عن سمائهم حياة القلوب وحياة الأرواح، فلا تسمى حياتهم ـ وإن دبوا على الأرض ـ حياة لأنها فقدت إنسانيتها وصارت أقرب إلى الحياة الحيوانية " لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ "

* الاستجابة سبب من أسباب إجابة الدعاء: فهي طريق لرضا الله تعالى، فتحقيق الإيمان وامتثال أوامر الله تعالى جعلها الله تعالى من شروط إجابة الدعاء فقال تعالى " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي " بفعل أوامره واجتناب نواهيه، عندها تكون إجابة دعوة الداع أرجى. وفي باب استجابة الدعاء هناك نصوص أخرى تبين أنه قد تتخلف الإجابة مطلقاً وقد تتخلف إلى بدل ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا قَالُوا إِذًا نُكْثِرُ قَالَ اللَّهُ أَكْثَرُ" وهذا مبحث آخر ولكن ليعلم هنا أن الاستجابة من أسباب إجابة الدعاء.

* المستجيب جزاه الجنة: فالناس على قسمين: مستجيب لربه، وجزاؤه الحسنى. وغير مستجيب، فجزاؤه النار كما قال الله تعالى: " لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ "

* الاستجابة فيها كمال العقل : كما قال الله تعالى :" فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " فيهم من الآية أن المستجيب يجعل هواه وشهواته تتحكم فيه وتوجه بل هو متبع للحق محكماً عقله في ذلك. ولذلك هؤلاء الذين لا يسيطرون على أهواءهم ورغباتهم سرعان ما يضلهم الشيطان كما قال الله تعالى:" وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ[6]" فالرشد والهداية هي في الاستجابة لله تعالى:" فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [7]"



]

ابو علي الكبيسي
08 / 04 / 2009, 58 : 09 AM
بارك الله فيك وجزاك خيرا

ابو قاسم الكبيسي
08 / 04 / 2009, 53 : 03 PM
جزاك الله خيرا واثابك الجنة

محمد نصر
03 / 08 / 2009, 18 : 07 PM
بارك الله فيكم اخي الكريم ابو قاسم

اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا

ابو قاسم الكبيسي
03 / 08 / 2009, 26 : 08 PM
مشكور مرورك الكريم أخي ******


محمد نصر

اللـهـم اغـفـر لـه ولـوالـديـه مـاتـقـدم مـن ذنـبـهـم ومـا تـأخـر..



وقـِهـم عـذاب الـقـبـر وعـذاب الـنـار..
و أدخـلـهـم الـفـردوس الأعـلـى مـع النـبـيـين والصدقين والـشـهـداء والـصـالـحـيـن ..
واجـعـل دعـاءهـم مـسـتـجـابا فـي الـدنـيـا والآخـرة ..
ووالدينا ومن له حق علينا
الــلـهــم آمـــــــيــــــــن. .

شريف حمدان
11 / 10 / 2010, 18 : 01 PM
بارك الله فيك
أخي ابو قاسم
وأثابك الجنه