المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قدوةٌ.. أُسْوَةٌ!


دكتور محمد فخر الدين الرمادي
06 / 04 / 2023, 36 : 06 PM
قدوةٌ.. أُسْوَةٌ
قدوةٌ صالحةٌ
( أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )
منذ بداية البعثة المحمدية ؛ بل وبداية رسالات السماء إلىٰ البشر مِن خلال الرسل المصطفين المبتعثين ؛ وبواسطة الأنبياء المرسلين المجتبين -صلوات الله تعالىٰ عليهم أجمعين- .. منذ بداية بعثة السماء لأهل الأرض وضع الخالق -سبحانه وتعالىٰ- فثبتَ مجموعة مِن المبادئ والعقائد وأرسل كتلة مِن القيم الرفيعة والقناعات المتينة الراقية ؛ وآڪد علىٰ حزمةٍ مِن المفاهيم الإنسانية والمقاييس الصحيحة لـ تعيش الناس وفق منظومة آلهية عالية عن مجرد الإشباعات لمجرد جوعات البدن ومتطلبات الجسد ؛ مع مراعاة متطلبات الإنسان العضوية والغريزية .. هذه العقائد والقيم والقناعات والمفاهيم والمقاييس حددها الخالق الرازق في محڪم ڪتابه العزيز وسنة نبيه الڪريم ، وايضاً لـ تطبيق نظم ربانية وتفعيلها .. فـ أنزل الحقُّ -تبارك وتعالىٰ- آيةً قطعية الثبوت قطعية الدلالة ؛ فنطق القرآن الڪريم يقول : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]
بيد أن مَن يتتبع القرآن المجيد والذڪر الحڪيم والفرقان المبين يجد ما يؤڪد هذا المعنىٰ في موضع آخر مِن ڪتاب رب العالمين إذ يقول : {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] ، ثم يزداد التأڪيد وضوحاً وجلاءً فيقول : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] .. فصار لزاماً علىٰ جميع افراد أمة الإسلام .. أتباع آخر الأنبياء والتقييد بأحكام متمم المبتعثين وتطبيق ما أمر به خاتم المرسلين والبعد عن ما نهىٰ عنه .. والتأسي به وجعله لنا إماما وقدوة وأسوة ، وأن يلتزموا بڪل ما جاء به -صلى الله عليه وسلم و - في مصدريّ التنزيل .. ومنبعا المنهاج والتشريع :
- القرآن الڪريم
و
- السنة المحمدية النبوية الصحيحة ؛ فيرتفع الأمر إلىٰ الوجوب بالقيام بـ فعل أو الامتناع عن فعل بــ الترك ؛ إذا قُرنت صيغة نص الطلب بثواب دخول جنة ؛ أو بعقاب الزج في نار الجحيم ، ثم تُرڪت مساحات تشريعية لـ أفعال حَسنة علىٰ سبيل الندب والنوافل والمستحبات ، لذا فحين يقول -عليه السلام- : « „ صَلُّوا كما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ” » [(1)]؛ فهذا القول منه علىٰ الوجوب لوجود قرينة الإمتثال لأمر الله تعالىٰ بإقامة الصلاة في ڪتابه العزيز ؛ ثم لقوله -عليه السلام- وفعله وبيانه ..
ولينتبه المسلم لـ قوله : « „ كما رَأَيْتُمُونِي ” » ؛ ولم يقل : « صلوا ڪما أصلي » ؛ والفارق بينهما شاسع ڪبير ..
وقوله-عليه السلام-: « „ صلوا كما رأيتموني أصلي » ؛ دليلٌ لجماعةٍ مِن أهل العلم، علىٰ أن ڪل ما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن صفة الصلاة، فالأصل فيه أنه واجب ؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بأن نصلي ڪما رأيناه يصلي..
بيد أنَّ مسألة الصلاة والدخول فيها وڪيفيتها والخروج منها وسننها ومندوباتها ومستحباتها ونوافلها والرخص لبعض ذوي الحالات الخاصة وما يحدث ويتم قبلها وما يصلح أن نقوم به بعدها فروع لـ مسألة الصلاة يحتاج إلىٰ تفصيل ليس هنا موضعه!
ومثال آخر : « „ خذوا عنِّي مناسِكَكم ” » يبين بجلي العبارة أن العبادات ڪلها توقيفية قررها وطلبها الشارع -سبحانه وتعالىٰ- وبيَّنها لنا رسوله ونبيه -عليه السلام والإكرام- بقوله وفعله..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
{أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} بيان معنىٰ الآية :
وحول تفسير وفهم هذا الجزء من الآية الڪريمة نقرأ :
قَوْلُهُ تَعَالَىٰ : {أُسْوَةٌ} فــ الْأُسْوَةُ الْقُدْوَةُ . وَالْأُسْوَةُ مَا يُتَأَسَّىٰ بِهِ ؛ أَيْ يُتَعَزَّىٰ بِهِ . فَيُقْتَدَىٰ بِهِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَيُتَعَزَّىٰ بِهِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ.. وهي فعلة مِن الائتساء ڪالقدوة من الاقتداء ، اسم وضع موضع المصدر ، أي : به اقتداء حسن واستنوا بسنته.. {لمن كان يرجو الله} بدل من قوله : " لكم " وهو تخصيص بعد تعميم للمؤمنين ، يعني : أن الأسوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن ڪان يرجو الله ، قال ابن عباس : يرجو ثواب الله .
وَالْأُسْوَةُ : هي الْقُدْوَةُ الصالحة؛ إذ هي كائنة وثابتة للمؤمنين حق الإيمان.. يقال:"فلان ائتسىٰ بفلان، إذا اقتدىٰ به، وسار علىٰ نهجه وطريقته.
وقال مقاتل : يخشىٰ الله {واليوم الآخر} أي : يخشىٰ يوم البعث الذي فيه جزاء الأعمال {وذكر الله كثيرا} في جميع المواطن علىٰ السراء والضراء .
.. لقد ڪان لڪم -أيها المؤمنون- في أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وأحواله قدوة حسنة تتأسون بها، فالزموا سنته ، فإنما يسلڪها ويتأسىٰ بها مَن ڪان يرجو الله واليوم الآخر، وأڪثرَ مِن ذڪر الله واستغفاره، وشڪره في ڪل حال .. ولا يتأسَّىٰ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا مَن ڪان يرجو ثواب الله ورحمته، ويرجو اليوم الآخر، ويعمل له، وذڪر الله ذڪرًا ڪثيرًا، وأما الذي لا يرجو اليوم الآخر ولا يذڪر الله ڪثيرًا فإنه لا يتأسَّىٰ برسوله صلى الله عليه وسلم. ".
لذا فقد استدل الأصوليون في هذه الآية، علىٰ الاحتجاج بأفعال الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن الأصل، أن أمته أسوته في الأحكام، إلا ما دل الدليل الشرعي علىٰ الاختصاص به. فــ
الأسوة نوعان:
- أسوة حسنة،
و
- أسوة سيئة. فــ
الأسوة الحسنة، في الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإن المتأسِّي به، سالك الطريق الموصل إلىٰ نوال ڪرامة اللّه، وهو الصراط المستقيم. وأما الأسوة بغيره، إذا خالفه، فهو الأسوة السيئة، ڪقول الڪفار حين دعتهم الرسل للتأسِّي [بهم[ {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} ..
وهذه الأسوة الحسنة، إنما يسلڪها ويوفق لها، من ڪان يرجو اللّه، واليوم الآخر، فإن ما معه من الإيمان، وتقوىٰ اللّه، ورجاء ثوابه، وخشية عقابه، يحثه علىٰ التأسي بالرسول صلى الله عليه وسلم- .
فــ الذين يرجون ثواب الله -تبارك وتعالىٰ-، ويؤملون رحمته يوم القيامة، إذ هم المنتفعون بالتأسي برسولهم صلى الله عليه وسلم.-
وقوله: وَذَڪَرَ اللَّهَ ڪَثِيراً معطوف على ڪانَ، أى: هذه الأسوة الحسنة بالرسول صلى الله عليه وسلم.ثابتة لمن ڪان يرجو الله واليوم والآخر، ولمن ذڪر الله -تبارك وتعالىٰ- ذڪرا ڪثيرا، لأن الملازمة لذڪر الله -تبارك وتعالىٰ- توصل إلىٰ طاعته والخشية منه- سبحانه -.
وجمع- سبحانه -بين الرجاء والإڪثار من ذڪره، لأن التأسي التام بالرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يتحقق إلا بهما.
قال ابن ڪثير :" هذه الآية الڪريمة أصل ڪبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم.في أقواله وأفعاله وأحواله ولهذا أمر الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.يوم الأحزاب، في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه -تبارك وتعالىٰ-
والذي يقرأ السيرة النبوية الشريفة. يرىٰ أن النبي صلى الله عليه وسلم.ڪان في هذه الغزوة بصفة خاصة، وفي غيرها بصفة عامة القدوة الحسنة الطيبة في ڪل أقواله وأفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم..لقد شارك أصحابه في حفر الخندق، وفي الضرب بالفأس. وفي حمل التراب بل وشارڪهم في أراجيزهم وأناشيدهم، وهم يقومون بهذا العمل الشاق المتعب.
وشارڪهم في تحمل آلام الجوع، وآلام السهر.. بل ڪان صلى الله عليه وسلم.هو القائد الحازم الرحيم، الذي يلجأ إليه أصحابه عند ما يعجزون عن إزالة عقبة صادفتهم خلال حفرهم للخندق.
قال ابن إسحاق ما ملخصه: وعمل المسلمون فيه- أى في الخندق- حتى أحڪموه، وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له «جعيل» سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم.عمرا، فقالوا: سماه من بعد جعيل عمرا ...
وكان للبائس يوما ظهرا فإذا مروا بعمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.«عمرا» وإذا مروا بظهر قال: «ظهرا» .
ثم قال ابن إسحاق: وڪان في حفر الخندق أحاديث بلغتني فيها تحقيق نبوته صلى الله عليه وسلم.فڪان فيما بلغني أن جابر بن عبدالله ڪان يحدث، أنهم اشتدت عليهم في بعض الخندق ڪدية- أى صخرة عظيمة-، فشڪوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثم دعا بما شاء الله أن يدعو به، ثم نضح ذلك الماء على تلك الڪدية، فيقول من حضرها: فو الذي بعثه بالحق نبيا لانهالت- أى: لتفتت- حتى عادت ڪالڪثيب- أى ڪالرمل المتجمع- لا ترد فأسا ولا مسحاة .
. وهذه الآية الكريمة وإن كان نزولها في غزوة الأحزاب، إلا أن المقصود بها وجوب الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم.في جميع أقواله وأفعاله، ڪما قال -تبارك وتعالىٰ-: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}. و
هنا العبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب -والله تعالى أعلم وأحڪم-
واختلف في هذه الأسوة بالرسول -عليه السلام- ، هل هي علىٰ الإيجاب أو علىٰ الاستحباب ؛ علىٰ قولين :
- أحدهما : علىٰ الإيجاب حتىٰ يقوم دليل علىٰ الاستحباب .
- الثاني : علىٰ الاستحباب حتىٰ يقوم دليل علىٰ الإيجاب .
. ويحتمل أن يحمل علىٰ الإيجاب في أمور الدين ، وعلىٰ الاستحباب في أمور الدنيا . ". .
... وفي مسألة الأسوة والقدوة والتأسي بيَّنَ الحقُّ -تبارك وتعالىٰ-
أولاً : بشخص رسول الإسلام -محمد بن عبدالله- بأقواله وافعاله وتقريراته فقال تعالىٰ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب:21]
.. ولڪي يتمم الإسلام -آخر الرسالات السماوية لأهل الأرض- صورة التأسي والقدوة الصالحة والأسوة الحسنة اضاف خليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- فقال : {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}...
. ثم يڪمل أرڪان الصورة بقوله : {وَالَّذِينَ مَعَهُ . . . إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ . . . رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير}[الممتحنة:4]
{رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم}[الممتحنة:5] .. ويوضح القرآن الڪريم الصورة بقوله : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد} [الممتحنة:6]
وڪأن الصورة في مسألة القدوة الحسنة والأسوة الصالحة تحتاج لمزيد بيان غير أن هذه المرة ليس من القدوة من خلال الأنبياء فقط بل ستأتي من واقع أمة الإسلام نفسها وبناءً علىٰ النص القرآني الذي يقول : { وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ }.. فنطقت السنة المحمدية العطرة الزڪية البهية تقول : : « „ عليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ ” »
[معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: « „ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ” »] ..
فقد أمرنا-صلى الله عليه وسلم- بالاقتفاء لآثارهم -أي: آثار السلف- والاهتداء بمنارهم، وحذرنا المحدثات، وأخبرنا أنها من الضلالات..
أين ذلك الخبر؟
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-« „ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ” ».. أي:
- الزموا سنتي،
وسنته هي: طريقته -صلى الله عليه وسلم-، وهديه.
و
- « „ سنة الخلفاء الراشدين المهديين ” »؛ وأول وأحقُّ مَن يصدق عليه وصف الخلفاء هم:
- الخلفاء الأربعة:
- أبو بكر و
- عمر و
- عثمان و
- علي -رضي الله عنهم أجمعين-.
ويدخل فيهم كل من تحقق بالرشد والهداية من
- علماء الأمة ؛ لـ
أن علماء الأمة خلفاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أمته؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « „ العلماء ورثة الأنبياء ” » ؛ فالعلماء هم خلفاء الرسل في أممهم.
قال -صلى الله عليه وسلم-: « „ عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين » ؛ وإنما يكون راشداً مهدياً من سلم من الغي والضلال.
فالراشد: هو السالم من الغي،
والمهدي: هو من سلم من الضلال، فمن سلم من هاتين الآفتين ڪمل علمه وصح عمله، فڪمال العلم والعمل في الرشد والهداية ؛ لأن المانع من الحق أحد أمرين:
- الأمر الأول: عدم العلم،
- الأمر الثاني: اتباع الهوىٰ.
فمن ڪان مهدياً فقد حصل العلم، ومن ڪان راشداً فقد سلم من اتباع الهوىٰ، وإذا تحقق للإنسان الرشد والهدىٰ فقد فاز بإصابة الحق وصلاح العمل، ولذلك فذڪر الرسول صلى الله عليه وسلم لهذين الوصفين ليس عبثاً ولا لغواً، وليست أوصافاً مترادفة، وإنما هي أوصاف مقصودة؛ لتڪشف من هم الذين ينبغي للإنسان أن يسلك سبيلهم، وأن يتمسك بهديهم.
وهذا الحديث يفيدنا أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تسع الإنسان في السلامة من ڪل ضلال، فڪل من لم يسعه هدي النبي ولا هدي الخلفاء الراشدين فإنه ضالٌ لا محالة، ولذلك ينبغي للمؤمن أن يقتصر عند موارد الاشتباه على ما دل عليه الڪتاب العظيم والسنة المطهرة النقية ، وما ڪان عليه سلف الأمة، وما ڪان عليه الخلفاء الراشدون المهديون.[(3)]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محصلة البحث:
ينبغي أن نصل إلىٰ محصلة هذا البحث بالقول بأن القدوة الحسنة والأسوة الصالحة والتأسي الصحيح النافع المنتج سلوڪاً قويما وأخلاقا راقية تڪون بــ معرفة وفهم ودراسة وتطبيق ما ڪان عليه النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ و****** المرتضىٰ .. خاتم الأنبياء المحتبىٰ لقوله تعالىٰ :
[( ١ .)] {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]
و [(الحمد لله تعالىٰ فقد نشر الموقع سلسلة عن السيرة النبوية)] ..
ثم يوازيه -عليه السلام- في الأسوة ويقاربه في القدوة جده الأعلى : الخليل إبراهيم ؛ إذ أن النص يقول : {إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِين}[آل عمران:33]
وبالقطع فإن النبي الخاتم مِن سلالة إبراهيم الخليل فهو جده الأعلىٰ مِن ذرية إسماعيل وهو جده الأول -عليهم جميعا صلوات الله وسلامه وتبريڪاته وإنعامه-
ومن هنا نفهم أن دراسة حياة الأنبياء مِن لدن آدم إلىٰ الرسول الخاتم والنبي المتمم ليس من باب دراسة قصص المصاطب وحڪايات القهاوي وروايات القُصاص بل هي دراسة تأصيلية تشريعية منهجية لفهم صحيح العقائد وسليم الأحڪام..
ثم ثنىٰ القرآن الڪريم بــ
[( ٢ .)] {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ}
[( ٣ .)] {وَالَّذِينَ مَعَهُ}
ثم أعاد القول بــ {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} في نفس السورة ومع تسلسل ذڪر الآيات؛
ثم تأتي السنة المحمدية الطاهرة الصافية لتضيف في ترتيب الأسوة الصالحة والقدوة الحسنة فنسمعه -عليه السلام- يقول :
[( ٤ .)] « „ عليكم بما عرَفتُم من ... سُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ ” » ؛
ثم يأتي مسك الختام بذڪر العلماء الربانيين : فتقرع أذاننا قول ****** محمد -عليه السلام- حين يقول :
[( ٥ .)] « „ وإِنَّ العُلَماءَ هم وَرَثةُ الأنْبياءِ[(4)]” » ؛
وهنا ينبغي التنبيه :
بأن البعض خاصة مَن له صفحة علىٰ الشبڪة العنڪبوتية يتجرأ بنشر أقوال تنسب إلىٰ رسول الله -عليه السلام- ؛ والناشر [الناقل: ڪــحاطب بليل] ليس مِن أهل العلم ڪنشر أحاديث ضعيفة وبعضها موضوع أو دعاء ليس مِن سنته -عليه السلام- .
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
مِصادر :
[(1)] رواه : البخاري في صحيحه ؛ وأضيفُ : رواه مسلم أيضاً في صحيحه، في كتاب المساجد، باب الأحق بالإمامة، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد؛ ولهذا قال صاحب[بلوغ المرام] كما سبق في باب الأذان، قال: أخرجه السبعة، وأيضاً رواه غير هؤلاء كثير .
[(2)] وتمام الحديث : « „ وعظَنا رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وآلِه وسلَّمَ- مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ ... فقلنا: „ يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ .. فماذا تعهَدُ إلينا ؟ ” ؛
فقال : « „ تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ . وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ ” » . والحديث له روياة آخرى ويحتاج لتفصيل ليس هنا موضعه!
.[(3)] شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح؛ ج: 2/ ص: 15، بتصرف يسير.
[(4)] وفي هذا الحديث قِصَّةٌ، حيثُ يقولُ كُثَيرُ بْنُ قَيْس- ويُقالُ: قَيسُ بنُ كَثيرٍ كما في رِوايةِ التِّرمذيِّ-: «كُنْتُ جالِسًا عند أبي الدَّرْدَاءِ في مَسْجِدِ دِمَشقَ، فأتاه رَجُلٌ، فقال: يا أبا الدَّرْداءَ، أتَيتُكَ من المَدينةِ- مَدينةِ رَسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-؛ لِحديثٍ بَلَغَني أنَّكَ تُحدِّثُ به عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فقال أبو الدَّرداءِ -رَضِي اللهُ عنه-: «فَما جاءَ بِكَ تِجارةٌ؟»،
قال الرَّجُلُ: «لا»،
فقال أبو الدَّرداءِ: «ولا جاءَ بِكَ غَيرُه؟»،
قال الرَّجُلُ: «لا»،
وهذا الاسْتِفْهامُ للإيضَاحِ عن سَببِ المجيءِ، وأنَّه لم يَأتِ لِطلَبِ تِجارةٍ أو عَرَضٍ من أعراض الدُّنيا، وأنَّه ما جاء به غيرُ طَلبِ ذلك الحَديثِ،
فقال أبو الدَّرداءِ -رضِيَ اللهُ عنه- عِندَما عَرَفَ نِيَّةَ الرَّجُلِ، وأنَّ سَفرَه إنَّما كان لطَلَبِ العِلْم: «فَإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا»، ودَخَلَ فيه أو مَشى، «يَطلُب فيه عِلْمًا»، أي: يَطلُب فيه عِلمًا نَافعًا خَالصًا لله تَعالى، «سلَك اللهُ به طَريقًا إلى الجَنَّةِ»، وذلك بالتَّوفيقِ إلى عَملِ الطَّاعاتِ والخَيراتِ في الدُّنيا، أو إدْخالِه الجَنَّةَ بلا تَعبٍ في الآخِرَةِ، «وإنَّ المَلائِكةَ لَتضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطالِبِ العِلْمِ»، وهذا يَحتَمِلُ أن يَكُون مَعناه على حَقيقَتِه، أي: تَضعُ أجْنِحتَها وإنْ لم يُشَاهَد، فَتضَعُها لتَكونَ وِطاءً له إذا مَشى، أو تَكفُّ أجْنِحَتَها عن الطَّيرانِ وَتنْزِلُ لِسماعِ العِلمِ.
قال: «وإنَّ العالِمَ ليَستَغْفِرُ له مَن في السَّمواتِ ومَن في الأَرضِ، والحيتانُ في جَوفِ الماءِ»، أي: تَطلُبُ له المَغفِرةَ من اللهِ إذا لَحِقهُ ذَنبٌ، أو تَستَغْفِرُ له مُجازاةً على حُسنِ صَنيعِهِ؛ وذلك لِعمُوم نَفعِ العِلمِ؛ فإنَّ مَصالِحَ كُلِّ شَيءٍ وَمنافِعَه مَنوطةٌ به.
ثم قال مُبيِّنًا فضْلَ العالِمِ على العابِدِ: «وإِنَّ فَضْلَ العالِمِ»، وهو المُشْتَغلُ بالعِلمِ النَّافِعِ بأصولِهِ وقَواعِدِه الصَّحيحةِ، «على العابِدِ»، وهو من غَلبَ عَليهِ العِبادةُ مع اطِّلاعِه على العِلْمِ الضَّروريِّ، «كَفَضْلِ القَمَرِ ليلةَ البَدرِ على سائِرِ الكَواكِبِ»؛ لأنَّه يَعُمُّ بِنورِه الأرْضَ، على عَكْسِ الكَواكِب التي لا تُنير مع وجودِها في الكَون، وفيه تَنبيهٌ على أنَّ كَمال العِلمِ ليس للعالِمِ من ذَاتِه، بل بما تَلقَّاه عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، كنورِ القَمر؛ فإنَّه مُستفَادٌ من نُورِ الشَّمسِ، «وإِنَّ العُلَماءَ هم وَرَثةُ الأنْبياءِ، وإنَّ الأنْبياءَ لم يُورِّثوا دِينارًا ولا دِرهَمًا»؛ فليس من شَأنهم تَوريثُ المالِ، «وَرَّثوا العِلمَ؛ فَمنْ أَخَذَه» أي: بحقِّهِ، وحافَظَ عليه، وعَمِلَ به، وعلَّمَهُ للنَّاسِ، «أَخَذَ بِحظٍّ وافِرٍ»، أي: بَنَصيبٍ تامٍ وكامِلٍ. والعُلماءُ مَنوطٌ بهم تَعليمُ طُلابِ العِلمِ؛ فَينبَغي عليهم أن يُراعوا حُقوقَهم في التَّعلُّم والتَّعليمِ، ونَقلِ أمانةِ العِلمِ إليهم، وهذا يَستَلزِمُ من الطُّلابِ إكْرامَ العُلماءِ أيْضًا وتَبجيلَهم.
وفي الحديث: الحَثُّ على السَّعْيِ في طَلبِ العِلمِ.
وفيه: أنَّ اللهَ سبحَانَه جَعلَ العُلماءَ حامِلينَ لِعلْم الأنْبياءِ، لِتكتَمِلُ المَسيرةُ إلى أنْ يشاءَ اللهُ رفْعَ العِلمِ.. [الدرر]
ـــــــــــــــــــ
[(3)] خواطر رمضانية

‏الخميس‏، 16‏ رمضان‏، 1444هــ ~ 06 أبريل 2023م .
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
-*/*-