دكتور محمد فخر الدين الرمادي
20 / 02 / 2024, 34 : 11 PM
146 تَلَقِّي أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ : عَنِ الْبَرَاءِ : « „ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ “ ».
الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ نَسَبٌ؛ فَإِنَّهُمْ أَجْدَادُهُ وَأَخْوَالُهُ مِنْ جِهَةِ جَدِّ أَبِيهِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ؛ فَإِنَّهُ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَىٰ بِنْتُ عَمْرٍو؛ وَفِي إِطْلَاقِ أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ أَقَارِبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ، لِأَنَّ أُمَّ جَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ عَلَى إِخْوَتِهِمْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَفِيهِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ ثَانٍ .. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَة.. وإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ وَهُوَ أَوْسِيٌّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَعَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَيْسَا وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا مِنْ أَخْوَالِهِ وَلَا أَجْدَادِهِ، وَإِنَّمَا أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَقَدْ مَرَّ بِهِمْ وَنَزَلَ عَلَى بَنِي مَالِكٍ أَخِي عَدِيٍّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَجَوُّزًا لِعَادَةِ الْعَرَبِ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَخِ أَوْ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ دَارَيْهِمَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ أَجْدَادُهُ أَوْ أَخْوَالُهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ مَجَازًا لِأَنَّ هَاشِمًا تَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ.. فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا أَنَّ :„ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ ‟، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَىٰ بَنِي النَّجَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَرَاءُ جِنْسَ الْأَنْصَارِ دُونَ خُصُوصِ بَنِي النَّجَّارِ.
[خُرُوجُهُـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَىٰ الْمَدِينَةِ]
وَجَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:„ فَنَزَلَ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.. “.
أثبتُ ما خرجه البخاري في صحيحه: فقد قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.. زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ ثُمَّ
مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ الزُّبَيْرُ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ(*) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ..
ـــــــــــــــــــــ
(*) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَلَا أَهْلُ السِّيَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا ارْتَحَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحِجَازِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَٰى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ مِنَ الْغَدِ، جَائِيًا مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَبْطَؤُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَجَّحَ الدِّمْيَاطِيُّ الَّذِي فِي السِّيَرِ عَلَىٰ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ،وَالْأَوْلَىٰ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَهْدَىٰ لَهُمَا مِنَ الثِّيَابِ .
ــــــــــــــــــــــــــ
وَ.. سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَىٰ الْحَرَّةِ ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّىٰ يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ ،
فَــ
انْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ ،
فَــ
لَمَّا أَوَوْا إِلَىٰ بُيُوتِهِمْ
أَوْفَىٰ رَجُلٌ[أَيِ اطَّلَعَ إِلَىٰ مَكَانٍ عَالٍ فَأَشْرَفَ مِنْهُ] مِنْ يَهُودَ عَلَىٰ أُطُمٍ[وَهُوَ الْحِصْنُ، وَيُقَالُ: بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ كَالْقَصْرِ] مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ،
فَــ
بَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ(*) يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ ،
ـــــــــــــــــ
(*) أَيْ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ الَّتِي كَسَاهُمْ إِيَّاهَا الزُّبَيْرُ، أَوْ طَلْحَةُ أَوْ كِلَاهُمَا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُسْتَعْجِلِينَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ فَارِسٍ يُقَالُ: بَائِضٌ أَيْ مُسْتَعْجِلٌ.
ـــــــــــــ
فَــ
لَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهِ : „ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ(*)، هَذَا جَدُّكُمُ(**) الَّذِي تَنْتَظِرُونَ “
ــــــــــــــــــــــ
(*) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرٍ: يَا بَنِي قَيْلَةَ، وَهِيَ الْجَدَّةُ الْكُبْرَىٰ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالِدَةُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهِيَ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عَدِيٍّ.
(**) " هَذَا جَدُّكُمْ " أَيْ حَظُّكُمْ وَصَاحِبُ دَوْلَتِكُمُ الَّذِي تَتَوَقَّعُونَهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: " هَذَا صَاحِبُكُمْ ".
ــــــــــــــــــــــــ
فَــ
ثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامِتًا ،
فَــ
طَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَــ
أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً،
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
ثُمَّ
رَكِبَ رَاحِلَتَهُ،
فَــ
سَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا[الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ] لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ :غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ :
« „ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ “ »؛
ثُمَّ
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا ،
فَــ
قَالَا : „ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ “ ؛
فَــ
أَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ [اشْتَرَاهُ] مِنْهُمَا ،
ثُمَّ
بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ : وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
هَذَا أَبْرَأُ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ
فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ “ »؛
.. قَالَ الْحَاكِمُ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُخُولَهُ الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى الْخَوَارِزْمِيَّ قَالَ : إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ . ".
[ تفصيل المواقف والاحداث]:
[اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا]
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ[وَعَبَّاسُ بْنُ عُبادة بْنِ نَضْلَةَ] فِي رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ [مِنْ بَنِي سَالِمِ وَبَنِي الْحُبْلَى] فَقَالُوا :„ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ [الْعِزِّ، وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ] “.. [وَكَانُوا كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ نَاقَتِهِ]،
[ نُصرة أفكار ومفاهيم ومبادئ وقيم وقناعات ومقاييس الدين الجديد من خلال: الْعَدَدِ.. وَالْعُدَدِ.. وَالْمَنَعَةِ.. والْعِزِّ.. وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ]
[دعوا سبيل الناقة]
فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “ - لِنَاقَتِهِ - فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا[فَانْطَلَقَتْ] حَتَّى إِذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيَاضَةَ فَتَلَقَّاهُ قَوْمٌ[فَعَرَضَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فَدَعُوهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا حَتَّى مَرَّ بِبَنِي سَاعِدَةَ [فَاعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو دُجَانَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ: [يا رسول الله هَلُمَّ إلينا في العدد وَالْمَنَعَةِ]، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.. ثُمَّ دَارَ بِبَنِي الْحَٰرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَكَذَلِكَ[اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فقالوا:„ يا رسول هَلُمَّ إِلَيْنَا إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ “]،
[اعتراض أخوال النبي الناقة]
ثُمَّ دَارَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُهُ.. فَــ[اعْتَرَضَهُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ: قَالُوا:„ أَقِمْ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَحْنُ أَخْوَالُكَ وَأَقْرَبُ الأَنْصَارِ بِكَ رَحِمًا]: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى أَخْوَالِكَ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ “، فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ[(فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حيث أنزلني الله “)]، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا
[بروك الناقة ببني مالك بن النجار]
فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ بَرَكَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ [مَسْجِدِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْيَوْمَ] وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَرْبَدٌ، فَلَمَّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ، فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَبَرَكَتْ، ثُمَّ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمَتْ وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا، [فَفَحَصَتْ بِثَفِنَاتِهَا، وَاطْمَأَنَّتْ حَتَّى عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ قَدْ أُمِرَتْ] فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)
خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ : عَنِ الْبَرَاءِ : « „ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ “ ».
الْأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِمْ نَسَبٌ؛ فَإِنَّهُمْ أَجْدَادُهُ وَأَخْوَالُهُ مِنْ جِهَةِ جَدِّ أَبِيهِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ؛ فَإِنَّهُ تَزَوَّجَ بِالْمَدِينَةِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، يُقَالُ لَهَا: سَلْمَىٰ بِنْتُ عَمْرٍو؛ وَفِي إِطْلَاقِ أَجْدَادِهِ أَوْ أَخْوَالِهِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ الْأَنْصَارَ أَقَارِبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمُومَةِ، لِأَنَّ أُمَّ جَدِّهِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ عَلَى إِخْوَتِهِمْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ، فَفِيهِ عَلَى هَذَا مَجَازٌ ثَانٍ .. قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ : أَوَّلُ مَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْأَنْصَارِيِّ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِلنَّاسِ فِي بَيْتِ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَة.. وإِنَّمَا نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى كُلْثُومِ بْنِ الْهَدْمِ وَهُوَ أَوْسِيٌّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَعَلَى أَبِي أَيُّوبَ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ، وَلَيْسَا وَلَا وَاحِدَ مِنْهُمَا مِنْ أَخْوَالِهِ وَلَا أَجْدَادِهِ، وَإِنَّمَا أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ، وَقَدْ مَرَّ بِهِمْ وَنَزَلَ عَلَى بَنِي مَالِكٍ أَخِي عَدِيٍّ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ ذَلِكَ تَجَوُّزًا لِعَادَةِ الْعَرَبِ فِي النِّسْبَةِ إِلَى الْأَخِ أَوْ لِقُرْبِ مَا بَيْنَ دَارَيْهِمَا، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: قَوْلُهُ أَجْدَادُهُ أَوْ أَخْوَالُهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَهُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ مَجَازًا لِأَنَّ هَاشِمًا تَزَوَّجَ مِنَ الْأَنْصَارِ.. فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا أَنَّ :„ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ نَزَلَ عَلَىٰ أَجْدَادِهِ - أَوْ قَالَ : أَخْوَالِهِ - مِنَ الْأَنْصَارِ ‟، وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَىٰ أَنَّهُ نَزَلَ عَلَىٰ بَنِي النَّجَّارِ؛ لِأَنَّهُمْ هُمْ أَخْوَالُهُ وَأَجْدَادُهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ الْبَرَاءُ جِنْسَ الْأَنْصَارِ دُونَ خُصُوصِ بَنِي النَّجَّارِ.
[خُرُوجُهُـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قُبَاءٍ وَسَفَرُهُ إلَىٰ الْمَدِينَةِ]
وَجَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ:„ فَنَزَلَ بِأَعْلَى الْمَدِينَةِ فِي حَيٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.. “.
أثبتُ ما خرجه البخاري في صحيحه: فقد قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا.. زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « „ ثُمَّ
مَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقِيَ الزُّبَيْرُ فِي رَكْبٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارًا قَافِلِينَ مِنَ الشَّأْمِ، فَكَسَا الزُّبَيْرُ(*) رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَبَا بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ..
ـــــــــــــــــــــ
(*) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: لَمْ يَذْكُرِ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، وَلَا أَهْلُ السِّيَرِ، وَإِنَّمَا هُوَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ، وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: لَمَّا ارْتَحَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحِجَازِ فِي هِجْرَتِهِ إِلَٰى الْمَدِينَةِ لَقِيَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللَّهِ مِنَ الْغَدِ، جَائِيًا مِنَ الشَّامِ، فَكَسَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ مِنْ ثِيَابِ الشَّامِ، وَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنَّ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَدِ اسْتَبْطَؤُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَعَجَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ رَجَّحَ الدِّمْيَاطِيُّ الَّذِي فِي السِّيَرِ عَلَىٰ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ،وَالْأَوْلَىٰ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَهْدَىٰ لَهُمَا مِنَ الثِّيَابِ .
ــــــــــــــــــــــــــ
وَ.. سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ مَخْرَجَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ مَكَّةَ ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَىٰ الْحَرَّةِ ، فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّىٰ يَرُدَّهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ ،
فَــ
انْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُمْ ،
فَــ
لَمَّا أَوَوْا إِلَىٰ بُيُوتِهِمْ
أَوْفَىٰ رَجُلٌ[أَيِ اطَّلَعَ إِلَىٰ مَكَانٍ عَالٍ فَأَشْرَفَ مِنْهُ] مِنْ يَهُودَ عَلَىٰ أُطُمٍ[وَهُوَ الْحِصْنُ، وَيُقَالُ: بِنَاءٌ مِنْ حَجَرٍ كَالْقَصْرِ] مِنْ آطَامِهِمْ لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ ،
فَــ
بَصُرَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ مُبَيِّضِينَ(*) يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابُ ،
ـــــــــــــــــ
(*) أَيْ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْبِيضُ الَّتِي كَسَاهُمْ إِيَّاهَا الزُّبَيْرُ، أَوْ طَلْحَةُ أَوْ كِلَاهُمَا، وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مُسْتَعْجِلِينَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ فَارِسٍ يُقَالُ: بَائِضٌ أَيْ مُسْتَعْجِلٌ.
ـــــــــــــ
فَــ
لَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ أَنْ قَالَ بِأَعْلَىٰ صَوْتِهِ : „ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ(*)، هَذَا جَدُّكُمُ(**) الَّذِي تَنْتَظِرُونَ “
ــــــــــــــــــــــ
(*) وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عُوَيْمِرٍ: يَا بَنِي قَيْلَةَ، وَهِيَ الْجَدَّةُ الْكُبْرَىٰ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَالِدَةُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَهِيَ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عَدِيٍّ.
(**) " هَذَا جَدُّكُمْ " أَيْ حَظُّكُمْ وَصَاحِبُ دَوْلَتِكُمُ الَّذِي تَتَوَقَّعُونَهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ: " هَذَا صَاحِبُكُمْ ".
ــــــــــــــــــــــــ
فَــ
ثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَىٰ السِّلَاحِ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِظَهْرِ الْحَرَّةِ، فَعَدَلَ بِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ،
وَذَلِكَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنَّاسِ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامِتًا ،
فَــ
طَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحَيِّي أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتِ الشَّمْسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَــ
أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ ذَلِكَ، فَلَبِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً،
وَأَسَّسَ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى، وَصَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –
ثُمَّ
رَكِبَ رَاحِلَتَهُ،
فَــ
سَارَ يَمْشِي مَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ مِرْبَدًا[الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجَفَّفُ فِيهِ] لِلتَّمْرِ لِسُهَيْلٍ وَسَهْلٍ :غُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي حِجْرِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ :
« „ هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ الْمَنْزِلُ “ »؛
ثُمَّ
دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغُلَامَيْنِ، فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا ،
فَــ
قَالَا : „ بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ “ ؛
فَــ
أَبَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُمَا هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ [اشْتَرَاهُ] مِنْهُمَا ،
ثُمَّ
بَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبِنَ فِي بُنْيَانِهِ، وَيَقُولُ : وَهُوَ يَنْقُلُ اللَّبِنَ :
هَذَا الْحِمَالُ لَا حِمَالَ خَيْبَرْ
هَذَا أَبْرَأُ رَبَّنَا وَأَطْهَرْ
وَيَقُولُ :
اللَّهُمَّ إِنَّ الْأَجْرَ أَجْرُ الْآخِرَهْ
فَارْحَمِ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَتَمَثَّلَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ :وَلَمْ يَبْلُغْنَا فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمَثَّلَ بِبَيْتِ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ “ »؛
.. قَالَ الْحَاكِمُ: تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَلَى أَنَّ خُرُوجَهُ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَدُخُولَهُ الْمَدِينَةَ كَانَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مُوسَى الْخَوَارِزْمِيَّ قَالَ : إِنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ . ".
[ تفصيل المواقف والاحداث]:
[اعْتِرَاضُ الْقَبَائِلِ لَهُ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تَبْغِي نُزُولَهُ عِنْدَهَا]
فَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَأَتَاهُ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ[وَعَبَّاسُ بْنُ عُبادة بْنِ نَضْلَةَ] فِي رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ [مِنْ بَنِي سَالِمِ وَبَنِي الْحُبْلَى] فَقَالُوا :„ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقِمْ عِنْدَنَا فِي الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ [الْعِزِّ، وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ] “.. [وَكَانُوا كَذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عَلَىٰ نَاقَتِهِ]،
[ نُصرة أفكار ومفاهيم ومبادئ وقيم وقناعات ومقاييس الدين الجديد من خلال: الْعَدَدِ.. وَالْعُدَدِ.. وَالْمَنَعَةِ.. والْعِزِّ.. وَالثَّرْوَةِ.. وَالْقُوَّةِ]
[دعوا سبيل الناقة]
فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “ - لِنَاقَتِهِ - فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا[فَانْطَلَقَتْ] حَتَّى إِذَا وَازَنَتْ دَارَ بَنِي بَيَاضَةَ فَتَلَقَّاهُ قَوْمٌ[فَعَرَضَ لَهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ فَدَعُوهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ “، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا حَتَّى مَرَّ بِبَنِي سَاعِدَةَ [فَاعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَبُو دُجَانَةَ، فَدَعَوْهُ إِلَى الْمَنْزِلِ عَلَيْهِمْ] فَقَالُوا لَهُ: [يا رسول الله هَلُمَّ إلينا في العدد وَالْمَنَعَةِ]، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ.. ثُمَّ دَارَ بِبَنِي الْحَٰرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَكَذَلِكَ[اعْتَرَضَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فقالوا:„ يا رسول هَلُمَّ إِلَيْنَا إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ وَالْمَنَعَةِ “]،
[اعتراض أخوال النبي الناقة]
ثُمَّ دَارَ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَهُمْ أَخْوَالُهُ.. فَــ[اعْتَرَضَهُ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ، وَأَبُو سَلِيطٍ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ: قَالُوا:„ أَقِمْ عِنْدَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَحْنُ أَخْوَالُكَ وَأَقْرَبُ الأَنْصَارِ بِكَ رَحِمًا]: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلُمَّ إِلَى أَخْوَالِكَ إِلَى الْعَدَدِ وَالْعُدَدِ وَالْمَنَعَةِ “، فَقَالَ:„ خَلُّوا سَبِيلَهَا فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ[(فَإِنَّمَا أَنْزِلُ حيث أنزلني الله “)]، فَخَلَّوْا سَبِيلَهَا
[بروك الناقة ببني مالك بن النجار]
فَانْطَلَقَتْ حَتَّى إِذَا أَتَتْ دَارَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ بَرَكَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ [مَسْجِدِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- الْيَوْمَ] وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَرْبَدٌ، فَلَمَّا بَرَكَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَيْهَا لَمْ يَنْزِلْ وَثَبَتَ، فَسَارَتْ غَيْرَ بَعِيدٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَاضِعٌ لَهَا زِمَامَهَا لَا يَثْنِيهَا بِهِ، ثُمَّ الْتَفَتَتْ خَلْفَهَا فَرَجَعَتْ إِلَى مَنْزِلِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ فَبَرَكَتْ، ثُمَّ تَحَلْحَلَتْ وَرَزَمَتْ وَوَضَعَتْ جِرَانَهَا، [فَفَحَصَتْ بِثَفِنَاتِهَا، وَاطْمَأَنَّتْ حَتَّى عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ـ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ قَدْ أُمِرَتْ] فَنَزَلَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)