صقر الاسلام
29 / 04 / 2009, 17 : 10 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا
أيها الفضلاء ... إن جنة الدنيا هي تدبر الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
وصدق الإمام الشاطبي وأجاد حيث شاد :
وإن كتابَ الله أوثقُ شافعٍ .......... وأغنى غَناءاً واهباً مُتَفضِّلا
وخيرُ جليسٍ لايُمَلُّ حديثُه ........... وتَردَادُهُ يَزدادُ فيـــه تجملا
وحيثُ الفتى يرتاعُ في ظُلماتِهِ ............ من القبرِ يلقاهُ سناً متهللا
هنالك يهنيهِ مَقِيلاً وروضةً .......... ومن أجلِهِ في ذِروةِ العزِّ يُجتلى
يناشِدُ في إرضائِهِ لِحبيبِهِ ............ وَأَجدِر بِهِ سُؤلاً إليهِ مُوَصَّلا
فيا أيها القاري به مُتَمَسَّكاً .......... مُجِلاًّ لهُ في كل حال مُبَجِّلا
هنيئاً مَريئاً والداكَ عليهما ............ مَلابسُ أَنوارٍ من التَّاجِ والحُلا
فما ظَنُّكُم بالنَّجلِ عند جزائِهِ .......... أولئكَ أَهلُ الله والصَفوةُ المَلا
.. أيها الفضلاء
وإن خير علوم الدنيا العلم بالله والعلم بالله هو الذي يورث خشيته ... وفي الذكر الحكيم " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء" ومن كان بالله أعلم كان أكثر تأدبا في شأنه كله مع ربه وسيده وخالقه .. وإن أكرم الخلق طُرًّا هم رسل الله وأنبياؤه
وهذه إلماحة من كتاب الله في أدب الأنبياء مع ربهم جل وعز
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم .... إن التشبه بالكرام فلاح
أولا .. في أدب آدم عليه السلام مع ربه :
فقد قال لما أنزله الله من الجنة : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فنسب الظلم لنفسه ولم يقل بأن هذا قدرك يا رب .. وفي هذا أدب عظيم ممن أمر الله الملائكة أجمعين بالسجود له .. فتأمل أنعم الله بك عينا .
ثانيا .. في أدب الخليل إبراهيم عليه السلام .. ويتضح بجلاء في غير ما آية وسورة الأنعام شاهدة على صفحات من الأدب النبوي .. وفي سورة الشعراء تأدب في اللفظ راقني كثيرا .. ألم تروه يثني على ربه سبحانه بكل ما صنعه به من خلق وهداية وإطعام وسقاية ثم لما جاء للمرض الذي يقدره الله على عباده ابتلاء لهم وهو أحكم الحاكمين نسب المرض لنفسه فقال : " الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضتُ فهو يشفين ... " فتدبر هديت لتعلم أن ألفاظ القرآن غاية في البلاغة وأن حروف الأنبياء آية في السبك والحبك .
ثالثا ..في أدب أيوب عليه السلام مع ربه ..
وفي عبارة قريبة من قول إبراهيم ها هو نبي الله أيوب عليه السلام يدعو ربه وقد أقعده المرض لسنوات فلم ينسبه لله سبحانه بل قال : " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " بل فاض الأدب من هذا النبي الكريم حتى لم يصرح بالسؤال بل اكتفى بتعظيم رحمة الله فعلم الله صدقه وصبره فرفع ذكره وشفاه وأعطاه ... فتأمل الأدب كيف يبلغ منتهاه عند صفوة خلق الله !!
رابعا ... في أدب الكليم موسى عليه السلام :
وهو قريب من موقف أيوب عليه السلام في ثقته بربه وإجلاله له وحيائه منه أن يسأله شيئا من الدنيا فقال لما تولى إلى الظل : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فلم يقل فأطعمني أو اسقني ..
وفي سورة الأعراف من أدب موسى عليه السلام مع الله تعالى ما يروي ظمأ الباحث .
خامسا في أدب يوسف عليه السلام مع ربه :
تأمل أيها المبارك الفصل الأخير من قصة النبي الكريم ابن الأكرمين فقد قال ملخصا لحياته لما خر والداه وإخوته سجدا له " هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا " تأمل كيف عزا إحقاقها لمستحقه سبحانه .. ثم بدأ في الثناء على ربه بقوله : " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن .. " كم تعجبت من هذا النبي الكريم الذي نسي إدخاله للسجن ومكثه فيه بضع سنين وتذكر فقط منة الله عليه بإخراجه من السجن شاكرا لله إحسانه .. فما أجل الأدب النبوي .. وإن الشيء من معدنه لا يستغرب .. والأدب مع الله خلة أصفيائه وسمة أوليائه .. وتأمل كذلك قوله : " إذ أخرجني من السجن " وتغافل عن إخراجه من الجب لئلا يجرح إخوته التائبين .. ولما عرج على الخلاف بينه وبين إخوته لم ينسب لإخوته شرا بل نسب الشر والنزغ للشيطان .. ثم أعاد الثناء على ربه " إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم " فتعالى من اصطفى لنبوته الكُمَّل من عباده ..
سادسا .. في أدب الخضر عليه السلام ..
فلما أراد إيضاح الأمر لموسى عليه السلام قال في السفينة كما في سورة الكهف : " فأردت أن أعيبها .. " ولم يقل فأراد ربك أن أعيبها فنسب العيب لنفسه .. كيلا ينسب لله ما ينزه عنه .. ولما تحدث عن الغلامين حيث المصلحة ظاهرة وراجحة في الكنز قال " فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري .."
سابعا .. في أدب عيسى عليه السلام مع ربه ...
وسأحيلكم حتى لا أطيل عليكم لآخر صفحة في سورة المائدة .. فاقرؤوها بتدبر وانهلوا من أدب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
ثامنا .. في أدب أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي ونفسي وذريتي وما أملك ..
ولو جمعت المواقف لطال بنا المقام ولكن حسبي الإشارة لموقف واحد في سورة النجم تجلى فيه أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه عز وجل ... وإني أعتذر عن الحديث عن هذا الموقف فقد كتب عنه من هو أكبر قدرا وعلما ولا عطر بعد عروس ..وإذا حضر الماء بطل التيمم ..
أترككم مع ابن قيم الجوزية رحمه الله إذ يقول :
"وجرت عادة القوم : أن يذكروا في هذا المقام ( أي الأدب مع الله ) قوله تعالى عن نبيه حين أراه ما أراه : " ما زاغ البصر وما طغى " وأبو القاسم القشيري صدر باب الأدب بهذه الآية وكذلك غيره
وكأنهم نظروا إلى قول من قال من أهل التفسير : إن هذا وصف لأدبه في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا ولا تجاوز ما رآه وهذا كمال الأدب والإخلال به : أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور .. فالالتفات زيغ والتطلع إلى ما أمام المنظور : طغيان ومجاوزة فكمال إقبال الناظر على المنظور : أن لا يصرف بصره عنه يمنة ولا يسرة ولا يتجاوزه
هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وفي هذه الآية أسرار عجيبة وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر : تواطأ هناك بصره وبصيرته وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره فالبصيرة مواطئة له وما شاهدته بصيرته فهو أيضا حق مشهود بالبصر فتواطأ في حقه مشهد البصر والبصيرة ولهذا قال سبحانه وتعالى : " ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى " أي ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره
وهذا غاية الكمال والأدب مع الله الذي لا يلحقه فيه سواه فإن عادة النفوس إذا أقيمت في مقام عال رفيع : أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه ألا ترى إلى موسى لما أقيم في مقام التكليم والمناجاة : طلبت نفسه الرؤية ونبينا لما أقيم في ذلك المقام وفاه حقه : فلم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غير ما أقيم فيه ألبتة .... فلم يزل في خفارة كمال أدبه مع الله سبحانه وتكميل مراتب عبوديته له حتى خرق حجب السموات وجاوز السبع الطباق وجاور سدرة المنتهى ووصل إلى محل من القرب سبق به الأولين والآخرين فانصبت
إليه هناك أقسام القرب انصبابا وانقشعت عنه سحائب الحجب ظاهرا وباطنا حجابا حجابا .. وأقيم مقاما غبطه به الأنبياء والمرسلون فإذا كان في المعاد أقيم مقاما من القرب ثانيا يغبطه به الأولون والآخرون ... واستقام هناك على صراط مستقيم من كمال أدبه مع الله ما زاغ البصر عنه وما طغى فأقامه في هذا العالم على أقوم صراط من الحق والهدى وأقسم بكلامه على ذلك في الذكر الحكيم فقال تعالى : " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم " فإذا كان يوم المعاد أقامه على الصراط يسأله السلامة لأتباعه وأهل سنته حتى يجوزونه إلى جنات النعيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وبعد .. إنها دعوتان :
الأولى .. تدبروا القرآن يا أهل القرآن فقد أنزله الله لتدبر آياته ..
الثانية .. تأدبوا مع الله في صغير أمركم وكبيره ...
وربوا على ذلك أبناءكم فنعم البيت المعظم لأمر الله وشعائره
" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب "
والحمد لله بدءا ومنتهى وأولا وآخرا
اللهم صل على أنبيائك ورسلك صلاة دائمة إلى يوم الدين
تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا
أيها الفضلاء ... إن جنة الدنيا هي تدبر الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد
وصدق الإمام الشاطبي وأجاد حيث شاد :
وإن كتابَ الله أوثقُ شافعٍ .......... وأغنى غَناءاً واهباً مُتَفضِّلا
وخيرُ جليسٍ لايُمَلُّ حديثُه ........... وتَردَادُهُ يَزدادُ فيـــه تجملا
وحيثُ الفتى يرتاعُ في ظُلماتِهِ ............ من القبرِ يلقاهُ سناً متهللا
هنالك يهنيهِ مَقِيلاً وروضةً .......... ومن أجلِهِ في ذِروةِ العزِّ يُجتلى
يناشِدُ في إرضائِهِ لِحبيبِهِ ............ وَأَجدِر بِهِ سُؤلاً إليهِ مُوَصَّلا
فيا أيها القاري به مُتَمَسَّكاً .......... مُجِلاًّ لهُ في كل حال مُبَجِّلا
هنيئاً مَريئاً والداكَ عليهما ............ مَلابسُ أَنوارٍ من التَّاجِ والحُلا
فما ظَنُّكُم بالنَّجلِ عند جزائِهِ .......... أولئكَ أَهلُ الله والصَفوةُ المَلا
.. أيها الفضلاء
وإن خير علوم الدنيا العلم بالله والعلم بالله هو الذي يورث خشيته ... وفي الذكر الحكيم " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء" ومن كان بالله أعلم كان أكثر تأدبا في شأنه كله مع ربه وسيده وخالقه .. وإن أكرم الخلق طُرًّا هم رسل الله وأنبياؤه
وهذه إلماحة من كتاب الله في أدب الأنبياء مع ربهم جل وعز
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم .... إن التشبه بالكرام فلاح
أولا .. في أدب آدم عليه السلام مع ربه :
فقد قال لما أنزله الله من الجنة : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " فنسب الظلم لنفسه ولم يقل بأن هذا قدرك يا رب .. وفي هذا أدب عظيم ممن أمر الله الملائكة أجمعين بالسجود له .. فتأمل أنعم الله بك عينا .
ثانيا .. في أدب الخليل إبراهيم عليه السلام .. ويتضح بجلاء في غير ما آية وسورة الأنعام شاهدة على صفحات من الأدب النبوي .. وفي سورة الشعراء تأدب في اللفظ راقني كثيرا .. ألم تروه يثني على ربه سبحانه بكل ما صنعه به من خلق وهداية وإطعام وسقاية ثم لما جاء للمرض الذي يقدره الله على عباده ابتلاء لهم وهو أحكم الحاكمين نسب المرض لنفسه فقال : " الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضتُ فهو يشفين ... " فتدبر هديت لتعلم أن ألفاظ القرآن غاية في البلاغة وأن حروف الأنبياء آية في السبك والحبك .
ثالثا ..في أدب أيوب عليه السلام مع ربه ..
وفي عبارة قريبة من قول إبراهيم ها هو نبي الله أيوب عليه السلام يدعو ربه وقد أقعده المرض لسنوات فلم ينسبه لله سبحانه بل قال : " وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين " بل فاض الأدب من هذا النبي الكريم حتى لم يصرح بالسؤال بل اكتفى بتعظيم رحمة الله فعلم الله صدقه وصبره فرفع ذكره وشفاه وأعطاه ... فتأمل الأدب كيف يبلغ منتهاه عند صفوة خلق الله !!
رابعا ... في أدب الكليم موسى عليه السلام :
وهو قريب من موقف أيوب عليه السلام في ثقته بربه وإجلاله له وحيائه منه أن يسأله شيئا من الدنيا فقال لما تولى إلى الظل : " رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير " فلم يقل فأطعمني أو اسقني ..
وفي سورة الأعراف من أدب موسى عليه السلام مع الله تعالى ما يروي ظمأ الباحث .
خامسا في أدب يوسف عليه السلام مع ربه :
تأمل أيها المبارك الفصل الأخير من قصة النبي الكريم ابن الأكرمين فقد قال ملخصا لحياته لما خر والداه وإخوته سجدا له " هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا " تأمل كيف عزا إحقاقها لمستحقه سبحانه .. ثم بدأ في الثناء على ربه بقوله : " وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن .. " كم تعجبت من هذا النبي الكريم الذي نسي إدخاله للسجن ومكثه فيه بضع سنين وتذكر فقط منة الله عليه بإخراجه من السجن شاكرا لله إحسانه .. فما أجل الأدب النبوي .. وإن الشيء من معدنه لا يستغرب .. والأدب مع الله خلة أصفيائه وسمة أوليائه .. وتأمل كذلك قوله : " إذ أخرجني من السجن " وتغافل عن إخراجه من الجب لئلا يجرح إخوته التائبين .. ولما عرج على الخلاف بينه وبين إخوته لم ينسب لإخوته شرا بل نسب الشر والنزغ للشيطان .. ثم أعاد الثناء على ربه " إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم " فتعالى من اصطفى لنبوته الكُمَّل من عباده ..
سادسا .. في أدب الخضر عليه السلام ..
فلما أراد إيضاح الأمر لموسى عليه السلام قال في السفينة كما في سورة الكهف : " فأردت أن أعيبها .. " ولم يقل فأراد ربك أن أعيبها فنسب العيب لنفسه .. كيلا ينسب لله ما ينزه عنه .. ولما تحدث عن الغلامين حيث المصلحة ظاهرة وراجحة في الكنز قال " فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري .."
سابعا .. في أدب عيسى عليه السلام مع ربه ...
وسأحيلكم حتى لا أطيل عليكم لآخر صفحة في سورة المائدة .. فاقرؤوها بتدبر وانهلوا من أدب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام
ثامنا .. في أدب أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي ونفسي وذريتي وما أملك ..
ولو جمعت المواقف لطال بنا المقام ولكن حسبي الإشارة لموقف واحد في سورة النجم تجلى فيه أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه عز وجل ... وإني أعتذر عن الحديث عن هذا الموقف فقد كتب عنه من هو أكبر قدرا وعلما ولا عطر بعد عروس ..وإذا حضر الماء بطل التيمم ..
أترككم مع ابن قيم الجوزية رحمه الله إذ يقول :
"وجرت عادة القوم : أن يذكروا في هذا المقام ( أي الأدب مع الله ) قوله تعالى عن نبيه حين أراه ما أراه : " ما زاغ البصر وما طغى " وأبو القاسم القشيري صدر باب الأدب بهذه الآية وكذلك غيره
وكأنهم نظروا إلى قول من قال من أهل التفسير : إن هذا وصف لأدبه في ذلك المقام إذ لم يلتفت جانبا ولا تجاوز ما رآه وهذا كمال الأدب والإخلال به : أن يلتفت الناظر عن يمينه وعن شماله أو يتطلع أمام المنظور .. فالالتفات زيغ والتطلع إلى ما أمام المنظور : طغيان ومجاوزة فكمال إقبال الناظر على المنظور : أن لا يصرف بصره عنه يمنة ولا يسرة ولا يتجاوزه
هذا معنى ما حصلته عن شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وفي هذه الآية أسرار عجيبة وهي من غوامض الآداب اللائقة بأكمل البشر : تواطأ هناك بصره وبصيرته وتوافقا وتصادقا فيما شاهده بصره فالبصيرة مواطئة له وما شاهدته بصيرته فهو أيضا حق مشهود بالبصر فتواطأ في حقه مشهد البصر والبصيرة ولهذا قال سبحانه وتعالى : " ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى " أي ما كذب الفؤاد ما رآه ببصره
وهذا غاية الكمال والأدب مع الله الذي لا يلحقه فيه سواه فإن عادة النفوس إذا أقيمت في مقام عال رفيع : أن تتطلع إلى ما هو أعلى منه وفوقه ألا ترى إلى موسى لما أقيم في مقام التكليم والمناجاة : طلبت نفسه الرؤية ونبينا لما أقيم في ذلك المقام وفاه حقه : فلم يلتفت بصره ولا قلبه إلى غير ما أقيم فيه ألبتة .... فلم يزل في خفارة كمال أدبه مع الله سبحانه وتكميل مراتب عبوديته له حتى خرق حجب السموات وجاوز السبع الطباق وجاور سدرة المنتهى ووصل إلى محل من القرب سبق به الأولين والآخرين فانصبت
إليه هناك أقسام القرب انصبابا وانقشعت عنه سحائب الحجب ظاهرا وباطنا حجابا حجابا .. وأقيم مقاما غبطه به الأنبياء والمرسلون فإذا كان في المعاد أقيم مقاما من القرب ثانيا يغبطه به الأولون والآخرون ... واستقام هناك على صراط مستقيم من كمال أدبه مع الله ما زاغ البصر عنه وما طغى فأقامه في هذا العالم على أقوم صراط من الحق والهدى وأقسم بكلامه على ذلك في الذكر الحكيم فقال تعالى : " يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم " فإذا كان يوم المعاد أقامه على الصراط يسأله السلامة لأتباعه وأهل سنته حتى يجوزونه إلى جنات النعيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
وبعد .. إنها دعوتان :
الأولى .. تدبروا القرآن يا أهل القرآن فقد أنزله الله لتدبر آياته ..
الثانية .. تأدبوا مع الله في صغير أمركم وكبيره ...
وربوا على ذلك أبناءكم فنعم البيت المعظم لأمر الله وشعائره
" ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب "
والحمد لله بدءا ومنتهى وأولا وآخرا
اللهم صل على أنبيائك ورسلك صلاة دائمة إلى يوم الدين