تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : " الْمُرُوءَة " !!


ابو الوليد البتار
10 / 05 / 2009, 25 : 05 PM
الْمُرُوءَة





يقول الإمام الماوردي -رحمه الله -


اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَوَاهِدِ الْفَضْلِ وَدَلَائِلِ الْكَرَمِ الْمُرُوءَةَ الَّتِي هِيَ حِلْيَةُ النُّفُوسِ وَزِينَةُ الْهِمَمِ .


فَالْمُرُوءَةُ مُرَاعَاةُ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى أَفْضَلِهَا حَتَّى لَا يَظْهَرَ مِنْهَا قَبِيحٌ عَنْ قَصْدٍ وَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا ذَمٌّ بِاسْتِحْقَاقٍ .


رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { مَنْ عَامَلَ النَّاسَ فَلَمْ يَظْلِمْهُمْ ، وَحَدَّثَهُمْ فَلَمْ يَكْذِبْهُمْ ، وَوَعَدَهُمْ فَلَمْ يُخْلِفْهُمْ ، فَهُوَ مِمَّنْ كَمُلَتْ مُرُوءَتُهُ وَظَهَرَتْ عَدَالَتُهُ وَوَجَبَتْ أُخُوَّتُهُ } .


وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : مِنْ شَرَائِطِ الْمُرُوءَةِ أَنْ يَتَعَفَّفَ عَنْ الْحَرَامِ ، وَيَتَصَلَّفَ عَنْ الْآثَامِ ، وَيُنْصِفَ فِي الْحِكَمِ ، وَيَكُفَّ عَنْ الظُّلْمِ ، وَلَا يَطْمَعَ فِيمَا لَا يَسْتَحِقُّ ، وَلَا يَسْتَطِيلَ عَلَى مَنْ لَا يَسْتَرِقُّ ، وَلَا يُعِينَ قَوِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ ، وَلَا يُؤْثِرَ دَنِيًّا عَلَى شَرِيفٍ ، وَلَا يُسِرَّ مَا يَعْقُبُهُ الْوِزْرُ وَالْإِثْمُ ، وَلَا يَفْعَلَ مَا يُقَبِّحُ الذِّكْرَ وَالِاسْمَ .


وَسُئِلَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالْمُرُوءَةِ فَقَالَ : الْعَقْلُ يَأْمُرُك بِالْأَنْفَعِ ، وَالْمُرُوءَةُ تَأْمُرُك بِالْأَجْمَلِ . وَلَنْ تَجِدَ الْأَخْلَاقَ عَلَى مَا وَصَفْنَا مِنْ حَدِّ الْمُرُوءَةِ مُنْطَبِعَةً ، وَلَا عَنْ الْمُرَاعَاةِ مُسْتَغْنِيَةً ، وَإِنَّمَا الْمُرَاعَاةُ هِيَ الْمُرُوءَةُ لَا مَا انْطَبَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ فَضَائِلِ الْأَخْلَاقِ ؛ لِأَنَّ غُرُورَ الْهَوَى وَنَازِعَ الشَّهْوَةِ يَصْرِفَانِ النَّفْسَ أَنْ تَرْكَبَ الْأَفْضَلَ مِنْ خَلَائِقِهَا ، وَالْأَجْمَلَ مِنْ طَرَائِقِهَا ، وَإِنْ سَلِمَتْ مِنْهَا ، وَبَعِيدٌ أَنْ تَسْلَمَ إلَّا لِمَنْ اسْتَكْمَلَ شَرَفَ الْأَخْلَاقِ طَبْعًا ، وَاسْتَغْنَى عَنْ تَهْذِيبِهَا تَكَلُّفًا وَتَطَبُّعًا .



مِنْ حُقُوقِ الْمُرُوءَةِ مَا لَا يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِالْمُعَانَاةِ وَلَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِالتَّفَقُّدِ وَالْمُرَاعَاةِ . فَثَبُتَ أَنَّ مُرَاعَاةَ النَّفْسِ عَلَى أَفْضَلِ أَحْوَالِهَا هِيَ الْمُرُوءَةُ .


وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ يَنْقَادُ لَهَا مَعَ ثِقَلِ كُلَفِهَا إلَّا مَنْ تَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الْمَشَاقُّ رَغْبَةً فِي الْحَمْدِ ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ الْمَلَاذُ حَذَرًا مِنْ الذَّمِّ .


وَلِذَلِكَ قِيلَ : سَيِّدُ الْقَوْمِ أَشْقَاهُمْ . وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ : وَالْحَمْدُ شَهْدٌ لَا يُرَى مُشْتَارَهُ يَجْنِيهِ إلَّا مِنْ نَقِيعِ الْحَنْظَلِ غُلٌّ لِحَامِلِهِ وَيَحْسَبُهُ الَّذِي لَمْ يُوهِ عَاتِقَهُ خَفِيفَ الْمَحْمَلِ


وَقَدْ لَحَظَ الْمُتَنَبِّي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
لَوْلَا الْمَشَقَّةُ سَادَ النَّاسُ كُلُّهُمْ الْجُودُ يُفْقِرُ وَالْإِقْدَامُ قَتَّالُ
وَلَهُ أَيْضًا : وَإِذَا كَانَتْ النُّفُوسُ كِبَارًا تَعِبَتْ فِي مُرَادِهَا الْأَجْسَامُ




وَالدَّاعِي إلَى اسْتِسْهَالِ ذَلِكَ شَيْئَانِ :
أَحَدُهُمَا : عُلُوُّ الْهِمَّةِ .
وَالثَّانِي شَرَفُ النَّفْسِ .



أَمَّا عُلُوُّ الْهِمَّةِ فَلِأَنَّهُ بَاعِثٌ عَلَى التَّقَدُّمِ وَدَاعٍ إلَى التَّخْصِيصِ أَنَفَةً مِنْ خُمُولِ الضَّعَةِ ، وَاسْتِنْكَارًا لِمَهَانَةِ النَّقْصِ . وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأُمُورِ وَأَشْرَافَهَا ، وَيَكْرَهُ دَنِيَّهَا وَسَفْسَافَهَا } .



وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا تُصَغِّرَنَّ هِمَّتَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَقْعَدَ عَنْ الْمَكْرُمَاتِ مِنْ صِغَرِ الْهِمَمِ .


وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ : الْهِمَّةُ رَايَةُ الْجِدِّ .


وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ : عُلُوِّ الْهِمَمِ بَذْرُ النِّعَمِ .


وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إذَا طَلَبَ رَجُلَانِ أَمْرًا ظَفِرَ بِهِ أَعْظَمُهُمَا مُرُوءَةً .


وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ : مَنْ تَرَكَ الْتِمَاسَ الْمَعَالِي بِسُوءِ الرَّجَاءِ لَمْ يَنَلْ جَسِيمًا .



وَأَمَّا شَرَفُ النَّفْسِ : فَإِنَّ بِهِ يَكُونُ قَبُولُ التَّأْدِيبِ ، وَاسْتِقْرَارُ التَّقْوِيمِ وَالتَّهْذِيبِ ، لِأَنَّ النَّفْسَ رُبَّمَا جَمَحَتْ عَنْ الْأَفْضَلِ وَهِيَ بِهِ عَارِفَةٌ ، وَنَفَرَتْ عَنْ التَّأْدِيبِ وَهِيَ لَهُ مُسْتَحْسِنَةٌ ؛ لِأَنَّهَا عَلَيْهِ غَيْرُ مَطْبُوعَةٍ ، وَلَهُ غَيْرُ مُلَائِمَةٍ ، فَتَصِيرُ مِنْهُ أَنْفَرَ ، وَلِضِدِّهِ الْمُلَائِمِ آثَرَ . وَقَدْ قِيلَ : مَا أَكْثَرُ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ وَلَا يُطِيعُهُ . وَإِذَا شَرُفَتْ النَّفْسُ كَانَتْ لِلْآدَابِ طَالِبَةً ، وَفِي الْفَضَائِل رَاغِبَةً ، فَإِذَا مَازَحَهَا صَارَتْ طَبْعًا مُلَائِمًا فَنَمَا وَاسْتَقَرَّ . فَأَمَّا مَنْ مُنِيَ بِعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَسُلِبَ شَرَفُ النَّفْسِ فَقَدْ صَارَ عُرْضَةً لِأَمْرٍ أَعْوَزَتْهُ آلَتُهُ ، وَأَفْسَدَتْهُ جَهَالَتُهُ ، فَصَارَ كَضَرِيرٍ يَرُومُ تَعَلُّمَ الْكِتَابَةِ ، وَأَخْرَسَ يُرِيدُ الْخُطْبَةَ ، فَلَا يَزِيدُهُ الِاجْتِهَادُ إلَّا عَجْزًا وَالطَّلَبُ إلَّا عَوَزًا .


بتصرف بسيط

مزنه
10 / 05 / 2009, 39 : 08 PM
جزاك الله خير شيخ ابو الوليد

على ما تفيدنا به

ابو قاسم الكبيسي
11 / 05 / 2009, 36 : 01 AM
جزاك الله خيرا واثابك الجنة

ام البراء
11 / 05 / 2009, 26 : 05 AM
جزاك الله خير واثابك الجنة ووالديك

ابو الوليد البتار
12 / 05 / 2009, 19 : 09 PM
مزنة
الكبيسي
ام البراء


جزاكم ربي الفردوس الاعلى من الجنة على سعيكم الكريم ومروركم الطيب

محمد نصر
11 / 09 / 2009, 04 : 10 PM
بارك الله فيكم اخي ****** ابو الوليد

اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا

محمد نصر
11 / 09 / 2009, 06 : 10 PM
بارك الله فيكم اخي الكريم ابو الوليد

اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا