ابو الوليد البتار
10 / 05 / 2009, 17 : 06 PM
رسالة في بيان بٍدعيّة الصلاة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد الأذان جهراً
الحكم في المسألة :
بسم الله الرحمن الرحيم ...الحمد لله منزل الكتاب تبيانا لكل شئ والصلاة والسلام على رسول الله المحذر من كل بدعة اما بعد , فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الاذان سنة مندوب اليها فيُشرع لمن سمع الاذان ان يردد خلفه كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص انه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول . ثم صلوا علي . فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا . ثم سلوا الله لي الوسيلة . فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله . وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة" والمشروع للمؤذّن أن يصلي بعد الأذان على النبي صلى الله عليه وسلم سرّاً. أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوته كالأذان فتلك بدعة محدثة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين، ولا عهد سائر الصحابة رضي الله عنهم بل ولا التابعين ولا تابعين التابعين. والاصل في العبادات انها توقيفية إذ لا يُتعبّد الى الله عز وجل إلا بديل من الكتاب أو صحيح سنة ومن فعل خلاف ذلك إما بإضافة أو نقصان أو إحداث فعملهُ مردود عليه لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود على صاحبه.
والأذان عبادة علَمها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمّة ولا يجوز الزيادة فيه أو النقصان لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح ، بل لعلَّمه النبي أمَّته ، وشرعه لهم, فها هو بلال رضي الله عنه بات يأذن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم في المدينة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلّم بالصلاة عليه جهراً لا من باب قصد الزيادة على الأذان ولا من باب تذكير السامع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الأذان لا سيّما انهم كانوا جديدي عهد بمشروعية الأذان حينئذ ومات رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الصحابة وهم على ذلك وتولّى الخلفاء الرّاشدون الخلافة من بعده ثم خلِفهم عهد التابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام والعلماء الربّانيين والأمر على حاله الأوّل.
وإنّما أحدثت هذه البدعة المنكرة متأخراً في سنة 791هـ كما ذكر ذلك المَقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة المذكورة وحكمها – وأنها حدثت في سنة 791هـ ، قال :"سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله في ليلة الجمعة ( وهي شيء محدث أيضاً ) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم : أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان ؟ قالوا : نعم ، فبات تلك الليلة ،وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله في كل أذان ، فمضى إلى محتسب القاهرة ، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطّنبدي ، وكان شيخاً جهولاً ، سيء السيرة في الحسبة والقضاء ، متهافتاً على الدرهم ولو قادهُ إلى البلاء ، لا يحتشم من أخذ الرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، وجهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله ذائعة ، وقال له : رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجُمع ، فأَعجب الجاهلَ هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إيّاكم ومحدثات الأمور ) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة ، وتمَّت هذه البدعة ، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر، وبلاد الشام ، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحلّ تركهُ ، وأدَّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى من الخطط المقريزية " ( 2 / 172 ) وكذلك ذكر الشيخ المُرادي في سلك الدرر وانظر " الإبداع في مَضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ ( ص 172 - 174 ).
هل في الإسلام بدعة حسنة؟ :
اعلم أخيّ أن البدعة باختصار في اللغة : مأخوذة من البدع ، وهو الاختراع على غير مثال سابق .
ومنه قوله تعالى : "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ" أي : مخترعها على غير مثال سابق . وقوله تعالى : "قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ"أي : ماكنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد ، بل تقدمني كثير من الرسل ، ويقال : ابتدع فلان بدعة ، يعني : ابتدأ طريقة لم يسبق إليها . والابتداع على قسمين : ابتداع في العادات كابتداع المخترعات الحديثة ، وهذا مباح ؛ لأن الأصل في العادات الإباحة ، وابتداع في الدين وهذا محرم ؛ لأن الأصل فيه التوقيف قال صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"رواه البخاري (http://**********%3cb%3e%3c/b%3e:InfoPopup(12070,'alam')) ومسلم (http://**********%3cb%3e%3c/b%3e:InfoPopup(17080,'alam')).
وأعلم أخي المسلم أنّ الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع فؤلائك القوم سوّل لهم الشيطان هذه البدعة فاستحسنوها في الدين ووجدوا من يعينهم على ترويجها فأخذت كل مأخذ حتى ظنّ النّاس أنها سنة لا يفرّط بها فيَصعُب حينئذ التخلّص منها لأن فاعلها يؤمن أن هذا هو الدين فكيف يميل عنه؟! وقسّم أولائك البدعة الى حسنة وأخرى سيئة وأخرى لم تسمّ بعد...وهذا القول هو قول محدث ومبتدعومخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رواه الإمام أحمد في مسنده، أبو داود في سننهوالترمذي في سننه من حديث أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال : "...وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وذلك من وجوه :
" أن أدلة ذم البدعة جاءت مطلقة عامة وعلى كثرتها لم يقع فيها استثناءٌ البته ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن مقبول عند الله ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني ولو كانت هنالك محدثات يقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو مشروعة لذكر ذلك في نصوص الكتاب والسنة ولكنه لا يوجد ما يدل على ذلك فدل على أن تلك الأدلة بأثرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم الذي لا يتخلف عن مقتضاه فرد من الأفراد....وكان النبي كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد من فوق المنبر على ملأ من المسلمين في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة أن: "كل بدعة ضلالة" ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام، بل ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكليةوهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه القاعدة علي عمومها وإطلاقه " (الاعتصام للشاطبي) . عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم نجد أنهممجمعون على ذم البدع وتقبيحها والتنفير عنها ولم يرد عنهم في ذلك توقف ولا استثناءفهو بحسب الاستقراء اجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة لا يوجدفيها شيء حسن.
القول بالبدعة الحسنة يفسد الدين ويفتح المجال للمتلاعبين فيأتي كل ما يريد بمايريد تحت ستار البدعة الحسنة وتتحكم حينئذٍ أهواء الناس وعقولهم وأذواقهم في شرعالله وكفى بذلك إثمًا وضلالا مبينًا فعند النظر في بعض المحدثات التي يسميها أصحابها بدعًا حسنة نجد أنها قد ***ت علىالمسلمين المفاسد العظيمة كما في بدعة المولد وما يترتب عليها من فسوق عصيان وكما في بدعة البناء على القبور وما يترتب عليها من شرك بالتوسل والاستغاثة والدعاءومن أكلٍ لأموال الناس بالباطل ومن التطاول والتفاخر بالبناء على هذه الأضرحة وغيرذلك وهذا المذكور هنا إنما هو بمجرد التمثيل على أن البدع التي يطلق عليها أصحابهاحسنة هي عين القبح والضلال والفساد وإلا فلو استعرضت سائر البدع العلمية والعمليةلوجدتها من هذا القبيل فالله الله بالتمسّك بالسنة.
من المعلوم لنا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشريعة الله وأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق لعباد الله وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق في بيانه وبلاغته عليه الصلاة والسلام إذا كان كلامه صادراً عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول إن من البدع ما هو حسن وهو قد قال كل بدعةٍ ضلالة وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد أولها العلم وثانيها الصدق وثالثها الإرادة ورابعها البلاغة هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم وكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عن إرادة خير كما قال الله تعالى : (يريد الله ليبن لكم) وقال جل في علاه : (يبين الله لكم أن تضلوا) وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق ومن أصدق من الله حديثا.
الأدلة التي استدل بها القوم في تحسين البدعة والردّ عليها:
اولا : استدلالهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "...من سن في الإسلام سنة حسنة..." وأن سنّ بمعنى اخترع وابتدع على وجود البدعة الحسنة شرعًا.
فالجواب: أنه ليس المراد بالاستنان هنا الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت في السنة النبوية أو احياء أمرٌ مشروع غفل عنه الناس أو تركوه وبيان ذلك فيما يلي:
أن سبب ورود الحديث يفسر المراد بذلك وهو الحث على الصدقة المشروعة ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:" كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء . متقلدي السيوف . عامتهم من مضر . بل كلهم من مضر . فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة . فدخل ثم خرج . فأمر بلال فأذن وأقام . فصلى ثم خطب فقال : " { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } [ النساء / 1 ] إلى آخر الآية . { إن الله كان عليكم رقيبا } . والآية التي في الحشر : { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله } [ الحشر / 18 ] تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشق تمرة " قال : فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها . بل قد عجزت . قال : ثم تتابع الناس . حتى رأيت كومين من طعام وثياب . حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل . كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها ، وأجر من عمل بها بعده . من غير أن ينقص من أجورهم شيء . ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده . من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " . وفي رواية : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر النهار . بمثل حديث ابن جعفر . وفي حديث ابن معاذ من الزيادة قال : ثم صلى الظهر ثم خطب . وفي رواية : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم . فأتاه قوم مجتابي النمار . وساقوا الحديث بقصته . وفيه : فصلى الظهر ثم صعد منبرا صغيرا . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : " أما بعد . فإن الله أنزل في كتابه : يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية " . وفي رواية : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . عليهم الصوف . فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة . فذكر بمعنى حديثهم "
فسياق الحديث يدحض تفسيره الذي شاع عند المبتدعين: "من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة..." فخصصوا عموم قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" ويدل على فساد تصورهم وتفسيرهم أن كل ما فعله الصحابي رضي الله عنه أنه أتى بتلك الصرّة فانفتح بسببه باب الصدقة وتتابع الناس بعده فكان فاتحة الخير في هذا الإحسان، وإذا نظرنا إلى ما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه نجد أن هذه الصدقة أمر مشروع وأنه لم يخترع شيئًا جديدًا.بل كان له الفضل في تنبيه الصحابه وتشجيعهم بفعله على الصدقة وعلى ذلك فالمراد بالسنة الحسنة في الحديث: هو العمل بالسنة خاصةً إذا غفل عنها الناس أو تركوها وليس في هذا الحديث ذكر للبدعة الحسنة المزعومة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة... ومن سن في الإسلام سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من الأصل لأنكونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع لامدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السنة فلزم أن تكون "السنة" في الحديث: إما حسنة فيالشرع وإما قبيحة بالشرع فالسنة الحسنة مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السننالمشروعة وتبقى السنة السيئة منزّلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي،كالقتل المنبه عليه في حديث بن آدم حيث قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود: "... لأنه أول من سن القتل" وكذلك تكون على البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.وعليه، فالسنةالحسنة هي: إحياءُ أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن ففي عصرنا لوأن إنسانًا أحيى سنة مهجورة يقال: أتى بسنة حسنة ولا يقال: أتى ببدعة حسنة.
إذن فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعًا بنص صحيح وترك الناس العمل به ثم جاء منيجدده بين الناس مثال ذلك إحياء سنة صلاة العيدين في المصلى فقد كان الناس من قبليصلونها في المساجد ظنًا منهم أنها السنة فجاء أهل السنة فنبهوا على هذه السنةالمباركة.
ثانيا : استدلالهم بالحديث الثاني في مقام الاحتجاج ، وهو استدلالهم بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"، وأن عمر قد سمى جمع الناس على قيام رمضان بدعة واستحسنها.
فقد روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه قال:"خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجلُ لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبَيّ بن كعب ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله"
وهذا الاستدلال باطل في غير موضعه لا يُعتدّ به من وجهين :
الوجه الأول :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة" على حسن بعض البدع: "أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنه لأمته، وصلى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه، جمعهم على إمام واحد، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وقال في الاقتضاء: "فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة بل سنة بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفعله
في الجماعة، إلى أن قال: ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة فيالشريعة، بل قد صلاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجماعة أول شهر رمضانليلتين بل ثلاثًا، وصلاها أيضًا في العشر الأواخر في جماعة مرات، إلى أن قال: وكانالناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم وهو يُقرهم، وإقرارهسنة منه صلى الله عليه وسلم" .
وبمثل قول شيخ الإسلام هذا، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري والحافظ ابن رجبالحنبلي رحمه الله والشاطبي في الاعتصام.
الوجه الثاني :
أن قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" ينصرف إلى البدعة اللغوية لا الشرعية، وذلك لأمور:
الأول: أن صلاة التراويح جماعة قد ثبت فعلها جماعة على إمام واحد في عهده صلى الله عليه وسلم ، فلا يمكن أن يسمى عمر هذه السنة الثابتة بدعة إلا من باب اللغة.
الثاني: صرفُ قول عمر إلى البدعة اللغوية، فهل يُعقل أن يرضى عمر بالبدعة في دين الله وقد تلقى مع غيره من الصحابة قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة" مع ما عُرف عنه رضي الله عنه من حرص على اتباع السنة ومحاربة البدعة، بل وقطع كل ذريعة تؤدي إلى البدعة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"... أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حُسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعمّ كل ما فُعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي" إلى أن قال:" ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة، وإن سمّي في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعمّ من لفظ البدعة في الشريعة، وقد عُلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاء به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم " وقال رحمه الله: "وكل ما لم يُشرع من الدين فهو ضلالة، وما سُمّي بدعة وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم: إما أن يقال ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال: "نعمت البدعة هذه" وقال في موضع آخر: "ولا يحتج مُحتجّ بجمع التراويح ويقول: "نعمت البدعة هذه" فإنها بدعة في اللغة".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم: " فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: نعمت البدعة هذه".
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعهِ إيّاهم على صلاة التراويح واستمرارهم "نعمت البدعة هذه"
وتحدث الشاطبي معبرًا عن ما يشبه هذه المعاني في معرض ردهعلى المستحسن للبدع، والمستدل عليها بقول عمر
رضي الله عنه فقال: "... وإنما سماهابدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واتفق أن لمتقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أنها بدعة في المعنى، فمن سمّاها بدعة بهذاالاعتبار فلا مشاحة في الأسامي وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداعبالمعنى المتكلم فيه ؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه..." (الاعتصام 1 - 195)
وعلى ذلك فالجماعة في قيام رمضان سنة وليست بدعة، وإنما سماها عمررضي الله عنه بذلك إرادة منه للمفهوم اللغوي، لا الشرعي، ولأن رسول اللَّه صلى اللهعليه وسلم قد تركها لمانع- وهو خوف الافتراض- قد زال بوفاته صلى الله عليه وسلم .
وبذلك يسقط استدلال المبتدعة بهذا الحديث على تحسين بدعهم، ولله الحمد والمنة.
أسأل الله أن يثبتنا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحفظنا من البدع والمحدثات ويهدي قلوبنا الى الحق والصراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين والرّسالات.
الحكم في المسألة :
بسم الله الرحمن الرحيم ...الحمد لله منزل الكتاب تبيانا لكل شئ والصلاة والسلام على رسول الله المحذر من كل بدعة اما بعد , فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الاذان سنة مندوب اليها فيُشرع لمن سمع الاذان ان يردد خلفه كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص انه صلى الله عليه وسلم قال : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول . ثم صلوا علي . فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا . ثم سلوا الله لي الوسيلة . فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله . وأرجو أن أكون أنا هو . فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة"
وروى الإمام البخاري في صحيحه عن جابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : " من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة" والمشروع للمؤذّن أن يصلي بعد الأذان على النبي صلى الله عليه وسلم سرّاً. أما إن كان المؤذن يقول ذلك برفع صوته كالأذان فتلك بدعة محدثة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد خلفائه الراشدين، ولا عهد سائر الصحابة رضي الله عنهم بل ولا التابعين ولا تابعين التابعين. والاصل في العبادات انها توقيفية إذ لا يُتعبّد الى الله عز وجل إلا بديل من الكتاب أو صحيح سنة ومن فعل خلاف ذلك إما بإضافة أو نقصان أو إحداث فعملهُ مردود عليه لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) أي مردود على صاحبه.
والأذان عبادة علَمها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمّة ولا يجوز الزيادة فيه أو النقصان لأن آخر الأذان كلمة " لا إله إلا الله " ولو كان ذلك خيراً لسبق إليه السلف الصالح ، بل لعلَّمه النبي أمَّته ، وشرعه لهم, فها هو بلال رضي الله عنه بات يأذن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلّم في المدينة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلّم بالصلاة عليه جهراً لا من باب قصد الزيادة على الأذان ولا من باب تذكير السامع بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم بعد الأذان لا سيّما انهم كانوا جديدي عهد بمشروعية الأذان حينئذ ومات رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الصحابة وهم على ذلك وتولّى الخلفاء الرّاشدون الخلافة من بعده ثم خلِفهم عهد التابعين ومن بعدهم من الأئمة الأعلام والعلماء الربّانيين والأمر على حاله الأوّل.
وإنّما أحدثت هذه البدعة المنكرة متأخراً في سنة 791هـ كما ذكر ذلك المَقريزي – رحمه الله – في بيان تاريخ هذه البدعة المذكورة وحكمها – وأنها حدثت في سنة 791هـ ، قال :"سمع بعض الفقراء الخلاطين سلامَ المؤذنين على رسول الله في ليلة الجمعة ( وهي شيء محدث أيضاً ) ، وقد استحسن ذلك طائفة من إخوانه فقال لهم : أتحبون أن يكون هذا السلام في كل أذان ؟ قالوا : نعم ، فبات تلك الليلة ،وأصبح متواجداً يزعم أنه رأى رسول الله في منامه وأنه أمره أن يذهب إلى المحتسب ويبلغه عنه أن يأمر المؤذنين بالسلام على رسول الله في كل أذان ، فمضى إلى محتسب القاهرة ، وهو يومئذ نجم الدين محمد الطّنبدي ، وكان شيخاً جهولاً ، سيء السيرة في الحسبة والقضاء ، متهافتاً على الدرهم ولو قادهُ إلى البلاء ، لا يحتشم من أخذ الرشوة ، ولا يراعي في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، وجهالاته شائعة ، وقبائح أفعاله ذائعة ، وقال له : رسول الله يأمرك أن تتقدم لسائر المؤذنين بأن يزيدوا في كل أذان قولهم " الصلاة والسلام عليك يا رسول الله " كما يفعل في كل ليالي الجُمع ، فأَعجب الجاهلَ هذا القول ، وجهل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمر بعد وفاته إلا بما يوافق ما شرعه الله على لسانه في حياته ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عن الزيادة في شرعه حيث يقول : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إيّاكم ومحدثات الأمور ) ، فأمر بذلك في شعبان من السنة المذكورة ، وتمَّت هذه البدعة ، واستمرت إلى يومنا هذا في جميع ديار مصر، وبلاد الشام ، وصارت العامة وأهل الجهالة ترى أن ذلك من جملة الأذان الذي لا يحلّ تركهُ ، وأدَّى ذلك إلى أن زاد بعض أهل الإلحاد في الأذان ببعض القرى السلام بعد الأذان على شخص من المعتقدين الذين ماتوا ، فلا حول ولا قوة إلا بالله ، وإنا لله وإنا إليه راجعون " انتهى من الخطط المقريزية " ( 2 / 172 ) وكذلك ذكر الشيخ المُرادي في سلك الدرر وانظر " الإبداع في مَضار الابتداع " للشيخ علي محفوظ ( ص 172 - 174 ).
هل في الإسلام بدعة حسنة؟ :
اعلم أخيّ أن البدعة باختصار في اللغة : مأخوذة من البدع ، وهو الاختراع على غير مثال سابق .
ومنه قوله تعالى : "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ" أي : مخترعها على غير مثال سابق . وقوله تعالى : "قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ"أي : ماكنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد ، بل تقدمني كثير من الرسل ، ويقال : ابتدع فلان بدعة ، يعني : ابتدأ طريقة لم يسبق إليها . والابتداع على قسمين : ابتداع في العادات كابتداع المخترعات الحديثة ، وهذا مباح ؛ لأن الأصل في العادات الإباحة ، وابتداع في الدين وهذا محرم ؛ لأن الأصل فيه التوقيف قال صلى الله عليه وسلم : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"رواه البخاري (http://**********%3cb%3e%3c/b%3e:InfoPopup(12070,'alam')) ومسلم (http://**********%3cb%3e%3c/b%3e:InfoPopup(17080,'alam')).
وأعلم أخي المسلم أنّ الخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع فؤلائك القوم سوّل لهم الشيطان هذه البدعة فاستحسنوها في الدين ووجدوا من يعينهم على ترويجها فأخذت كل مأخذ حتى ظنّ النّاس أنها سنة لا يفرّط بها فيَصعُب حينئذ التخلّص منها لأن فاعلها يؤمن أن هذا هو الدين فكيف يميل عنه؟! وقسّم أولائك البدعة الى حسنة وأخرى سيئة وأخرى لم تسمّ بعد...وهذا القول هو قول محدث ومبتدعومخالف لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رواه الإمام أحمد في مسنده، أبو داود في سننهوالترمذي في سننه من حديث أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه انه صلى الله عليه وسلم قال : "...وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وذلك من وجوه :
" أن أدلة ذم البدعة جاءت مطلقة عامة وعلى كثرتها لم يقع فيها استثناءٌ البته ولم يأت فيها ما يقتضي أن منها ما هو حسن مقبول عند الله ولا جاء فيها: كل بدعة ضلالة إلا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني ولو كانت هنالك محدثات يقتضي النظر الشرعي فيها أنها حسنة أو مشروعة لذكر ذلك في نصوص الكتاب والسنة ولكنه لا يوجد ما يدل على ذلك فدل على أن تلك الأدلة بأثرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم الذي لا يتخلف عن مقتضاه فرد من الأفراد....وكان النبي كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد من فوق المنبر على ملأ من المسلمين في أوقات كثيرة وأحوال مختلفة أن: "كل بدعة ضلالة" ولم يرد في آية ولا حديث ما يقيد أو يخصص هذا اللفظ المطلق العام، بل ولم يأت ما يفهم منه خلاف ظاهر هذه القاعدة الكليةوهذا يدل دلالة واضحة على أن هذه القاعدة علي عمومها وإطلاقه " (الاعتصام للشاطبي) . عند النظر في أقوال وأحوال السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم نجد أنهممجمعون على ذم البدع وتقبيحها والتنفير عنها ولم يرد عنهم في ذلك توقف ولا استثناءفهو بحسب الاستقراء اجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدع كلها سيئة لا يوجدفيها شيء حسن.
القول بالبدعة الحسنة يفسد الدين ويفتح المجال للمتلاعبين فيأتي كل ما يريد بمايريد تحت ستار البدعة الحسنة وتتحكم حينئذٍ أهواء الناس وعقولهم وأذواقهم في شرعالله وكفى بذلك إثمًا وضلالا مبينًا فعند النظر في بعض المحدثات التي يسميها أصحابها بدعًا حسنة نجد أنها قد ***ت علىالمسلمين المفاسد العظيمة كما في بدعة المولد وما يترتب عليها من فسوق عصيان وكما في بدعة البناء على القبور وما يترتب عليها من شرك بالتوسل والاستغاثة والدعاءومن أكلٍ لأموال الناس بالباطل ومن التطاول والتفاخر بالبناء على هذه الأضرحة وغيرذلك وهذا المذكور هنا إنما هو بمجرد التمثيل على أن البدع التي يطلق عليها أصحابهاحسنة هي عين القبح والضلال والفساد وإلا فلو استعرضت سائر البدع العلمية والعمليةلوجدتها من هذا القبيل فالله الله بالتمسّك بالسنة.
من المعلوم لنا جميعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بشريعة الله وأنه صلى الله عليه وسلم أنصح الخلق لعباد الله وأنه صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق في بيانه وبلاغته عليه الصلاة والسلام إذا كان كلامه صادراً عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول إن من البدع ما هو حسن وهو قد قال كل بدعةٍ ضلالة وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد أولها العلم وثانيها الصدق وثالثها الإرادة ورابعها البلاغة هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم وكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا شك أنه عن إرادة خير كما قال الله تعالى : (يريد الله ليبن لكم) وقال جل في علاه : (يبين الله لكم أن تضلوا) وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق ومن أصدق من الله حديثا.
الأدلة التي استدل بها القوم في تحسين البدعة والردّ عليها:
اولا : استدلالهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "...من سن في الإسلام سنة حسنة..." وأن سنّ بمعنى اخترع وابتدع على وجود البدعة الحسنة شرعًا.
فالجواب: أنه ليس المراد بالاستنان هنا الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت في السنة النبوية أو احياء أمرٌ مشروع غفل عنه الناس أو تركوه وبيان ذلك فيما يلي:
أن سبب ورود الحديث يفسر المراد بذلك وهو الحث على الصدقة المشروعة ففي صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال:" كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار قال : فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء . متقلدي السيوف . عامتهم من مضر . بل كلهم من مضر . فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة . فدخل ثم خرج . فأمر بلال فأذن وأقام . فصلى ثم خطب فقال : " { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة } [ النساء / 1 ] إلى آخر الآية . { إن الله كان عليكم رقيبا } . والآية التي في الحشر : { اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله } [ الحشر / 18 ] تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، من صاع تمره ( حتى قال ) ولو بشق تمرة " قال : فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها . بل قد عجزت . قال : ثم تتابع الناس . حتى رأيت كومين من طعام وثياب . حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل . كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من سن في الإسلام سنة حسنة ، فله أجرها ، وأجر من عمل بها بعده . من غير أن ينقص من أجورهم شيء . ومن سن في الإسلام سنة سيئة ، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده . من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " . وفي رواية : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر النهار . بمثل حديث ابن جعفر . وفي حديث ابن معاذ من الزيادة قال : ثم صلى الظهر ثم خطب . وفي رواية : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم . فأتاه قوم مجتابي النمار . وساقوا الحديث بقصته . وفيه : فصلى الظهر ثم صعد منبرا صغيرا . فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : " أما بعد . فإن الله أنزل في كتابه : يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية " . وفي رواية : جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . عليهم الصوف . فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حاجة . فذكر بمعنى حديثهم "
فسياق الحديث يدحض تفسيره الذي شاع عند المبتدعين: "من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة..." فخصصوا عموم قوله صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" ويدل على فساد تصورهم وتفسيرهم أن كل ما فعله الصحابي رضي الله عنه أنه أتى بتلك الصرّة فانفتح بسببه باب الصدقة وتتابع الناس بعده فكان فاتحة الخير في هذا الإحسان، وإذا نظرنا إلى ما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه نجد أن هذه الصدقة أمر مشروع وأنه لم يخترع شيئًا جديدًا.بل كان له الفضل في تنبيه الصحابه وتشجيعهم بفعله على الصدقة وعلى ذلك فالمراد بالسنة الحسنة في الحديث: هو العمل بالسنة خاصةً إذا غفل عنها الناس أو تركوها وليس في هذا الحديث ذكر للبدعة الحسنة المزعومة.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة... ومن سن في الإسلام سيئة" لا يمكن حمله على الاختراع من الأصل لأنكونها حسنة أو سيئة لا يعرف إلا من جهة الشرع لأن التحسين والتقبيح مختص بالشرع لامدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السنة فلزم أن تكون "السنة" في الحديث: إما حسنة فيالشرع وإما قبيحة بالشرع فالسنة الحسنة مثل الصدقة المذكورة وما أشبهها من السننالمشروعة وتبقى السنة السيئة منزّلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي،كالقتل المنبه عليه في حديث بن آدم حيث قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود: "... لأنه أول من سن القتل" وكذلك تكون على البدع لأنه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.وعليه، فالسنةالحسنة هي: إحياءُ أمر مشروع لم يعهد العمل به بين الناس لتركهم السنن ففي عصرنا لوأن إنسانًا أحيى سنة مهجورة يقال: أتى بسنة حسنة ولا يقال: أتى ببدعة حسنة.
إذن فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعًا بنص صحيح وترك الناس العمل به ثم جاء منيجدده بين الناس مثال ذلك إحياء سنة صلاة العيدين في المصلى فقد كان الناس من قبليصلونها في المساجد ظنًا منهم أنها السنة فجاء أهل السنة فنبهوا على هذه السنةالمباركة.
ثانيا : استدلالهم بالحديث الثاني في مقام الاحتجاج ، وهو استدلالهم بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه"، وأن عمر قد سمى جمع الناس على قيام رمضان بدعة واستحسنها.
فقد روى البخاري بسنده عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري أنه قال:"خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجلُ لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعتُ هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أُبَيّ بن كعب ثم خرجتُ معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل، وكان الناس يقومون أوله"
وهذا الاستدلال باطل في غير موضعه لا يُعتدّ به من وجهين :
الوجه الأول :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض رده على الذين يحتجون بقول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة" على حسن بعض البدع: "أما قيام رمضان فإن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سنه لأمته، وصلى بهم جماعة عدة ليالٍ، وكانوا على عهده يصلون جماعة وفرادى، لكن لم يداوموا على جماعة واحدة؛ لئلا تفرض عليهم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم استقرت الشريعة، فلما كان عمر رضي الله عنه، جمعهم على إمام واحد، وهو أُبي بن كعب الذي جمع الناس عليها بأمر من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وعمر رضي الله عنه هو من الخلفاء الراشدين، حيث يقول صلى الله عليه وسلم : "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".
وقال في الاقتضاء: "فأما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة بل سنة بقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وفعله
في الجماعة، إلى أن قال: ولا صلاتها جماعة بدعة، بل هي سنة فيالشريعة، بل قد صلاها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الجماعة أول شهر رمضانليلتين بل ثلاثًا، وصلاها أيضًا في العشر الأواخر في جماعة مرات، إلى أن قال: وكانالناس يصلونها جماعات في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم وهو يُقرهم، وإقرارهسنة منه صلى الله عليه وسلم" .
وبمثل قول شيخ الإسلام هذا، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري والحافظ ابن رجبالحنبلي رحمه الله والشاطبي في الاعتصام.
الوجه الثاني :
أن قول عمر رضي الله عنه: "نعمت البدعة هذه" ينصرف إلى البدعة اللغوية لا الشرعية، وذلك لأمور:
الأول: أن صلاة التراويح جماعة قد ثبت فعلها جماعة على إمام واحد في عهده صلى الله عليه وسلم ، فلا يمكن أن يسمى عمر هذه السنة الثابتة بدعة إلا من باب اللغة.
الثاني: صرفُ قول عمر إلى البدعة اللغوية، فهل يُعقل أن يرضى عمر بالبدعة في دين الله وقد تلقى مع غيره من الصحابة قول النبي صلى الله عليه وسلم "كل بدعة ضلالة" مع ما عُرف عنه رضي الله عنه من حرص على اتباع السنة ومحاربة البدعة، بل وقطع كل ذريعة تؤدي إلى البدعة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"... أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حُسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن البدعة في اللغة تعمّ كل ما فُعل ابتداءً من غير مثال سابق، وأما البدعة الشرعية فما لم يدل عليه دليل شرعي" إلى أن قال:" ثم ذلك العمل الذي دل عليه الكتاب والسنة ليس بدعة في الشريعة، وإن سمّي في اللغة، فلفظ البدعة في اللغة أعمّ من لفظ البدعة في الشريعة، وقد عُلم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : "كل بدعة ضلالة" لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام، بل كل دين جاء به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتُدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم " وقال رحمه الله: "وكل ما لم يُشرع من الدين فهو ضلالة، وما سُمّي بدعة وثبت حسنه بأدلة الشرع فأحد الأمرين فيه لازم: إما أن يقال ليس ببدعة في الدين، وإن كان يسمى بدعة من حيث اللغة كما قال: "نعمت البدعة هذه" وقال في موضع آخر: "ولا يحتج مُحتجّ بجمع التراويح ويقول: "نعمت البدعة هذه" فإنها بدعة في اللغة".
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله في جامع العلوم والحكم: " فكل من أحدث شيئًا ونسبه إلى الدين، ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين بريء منه، وسواء في ذلك مسائل الاعتقادات أو الأعمال أو الأقوال الظاهرة والباطنة، وأما ما وقع في كلام السلف من استحسان بعض البدع، فإنما ذلك في البدع اللغوية لا الشرعية، فمن ذلك قول عمر رضي الله عنه لمّا جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد في المسجد وخرج ورآهم يصلون كذلك فقال: نعمت البدعة هذه".
وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: "والبدعة على قسمين: تارة تكون بدعة شرعية، كقوله: "فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"، وتارة تكون بدعة لغوية، كقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عن جمعهِ إيّاهم على صلاة التراويح واستمرارهم "نعمت البدعة هذه"
وتحدث الشاطبي معبرًا عن ما يشبه هذه المعاني في معرض ردهعلى المستحسن للبدع، والمستدل عليها بقول عمر
رضي الله عنه فقال: "... وإنما سماهابدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واتفق أن لمتقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أنها بدعة في المعنى، فمن سمّاها بدعة بهذاالاعتبار فلا مشاحة في الأسامي وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداعبالمعنى المتكلم فيه ؛ لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه..." (الاعتصام 1 - 195)
وعلى ذلك فالجماعة في قيام رمضان سنة وليست بدعة، وإنما سماها عمررضي الله عنه بذلك إرادة منه للمفهوم اللغوي، لا الشرعي، ولأن رسول اللَّه صلى اللهعليه وسلم قد تركها لمانع- وهو خوف الافتراض- قد زال بوفاته صلى الله عليه وسلم .
وبذلك يسقط استدلال المبتدعة بهذا الحديث على تحسين بدعهم، ولله الحمد والمنة.
أسأل الله أن يثبتنا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ويحفظنا من البدع والمحدثات ويهدي قلوبنا الى الحق والصراط المستقيم صراط الذين انعم عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولائك رفيقا والحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين والرّسالات.