تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أسماء الله الحسنى للتثبيت.


أبو عادل
06 / 01 / 2010, 36 : 07 PM
الله

كلمة "إلاه" تعني: معبود .. وهي اسم مشتق من الفعل (أله) بالفتح .. فكل ما اتخذه الناس معبوداً منذ القدم يصح أن يطلق عليه اسم (إلاه).
فمن الناس من اتخذ الشمس إلهاً .. أي: معبوداً، ومنهم من اتخذ النار إلهاً، ومنهم من اتخذ القمر إلهاً، ومنهم من اتخذ البقر إلهاً.
وكلمة (إلاه) قد تطلق ويراد بها معناها فقط .. أي: (معبود) كما في قوله تعالى:
{فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره .. "59"} (سورة الأعراف)
وقوله تعالى:
{الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت .. "158"} (سورة الأعراف)
وقوله تعالى:
{.. لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون "31"} (سورة التوبة)
فالحق سبحانه وتعالى يؤكد في هذه الآيات أنه لا معبود إلا هو تبارك وتعالى. وقد تطلق كلمة (إلاه) ويراد بها: الحق عز وجل، كما في قوله تعالى:
{اجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب "5"} (سورة ص)
فكلمة (إلاه) في هذه الآية تعني: "معبوداً"، وفي نفس الوقت يراد بها: الحق عز وجل. فإذا انتقلنا إلي لفظ الجلالة (الله) .. هل هو لفظ مشتق من الفعل (أله) أم غير مشتق؟
قيل: إنه اسم مشتق من نفس الفعل (أله)، وأنه هو نفسه الاسم المشتق (إلاه) ودخلت عليه الألف واللام وحذفت الهمزة للتخفيف، وقيل: إنه غير مشتق، وإنما أطلقه الله عز وجل للدلالة على ذاته العلية.
ولكننا نقول: إن لفظ الجلالة (الله) سواء أكان مشتقاً أم غير مشتق، فإنه علم على واجب الوجود .. أي: على الحق تبارك وتعالى بذاته وأسمائه وصفاته دون سواه من المعبودات الباطلة.
إن العلم إذا أطلق وأريد به مسمى معيناً .. فإنه (أي: العلم) ينحل عن معناه الأصلي ويصبح علماً على مسماه .. كما إذا أطلقت على زنجية اسم (قمر) .. فالقمر بالنسبة لهذه الزنجية قد انحل عن معناه الأصلي، وصار علماً عليها.
فلفظ الجلالة (الله) ورد في القرآن الكريم حوالي ألفين وسبعمائة مرة لم يرد خلالها هذا اللفظ إلا للدلالة على ذات الحق جل وعلا، ولم يستخدم للدلالة على أي معبود آخر من المعبودات الباطلة مثل: الشمس أو القمر أو النار أو البقر أو عيسى بن مريم. كما أن الله تبارك وتعالى لم يستخدم لفظ الجلالة كوصف من الأوصاف مثل سائر الأسماء، وإنما استخدمه ليدل عليه بذاته وأسمائه الأخرى وصفاته دلالة علمية.
فإذا أراد أن يصف نفسه بوصف معين، أو ينسب إلي نفسه فعلاً معيناً، أتى بلفظ الجلالة (الله) كعلم عليه، ثم ألحقه بالوصف أو الفعل الذي يريد .. كما تقول أنت ـ (احمد وقور مهذب).
يقول الحق جل وعلا:
{.. والله محيط بالكافرين "19"} (سورة البقرة)
ويقول جل وعلا:
{.. والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم "105"} (سورة البقرة)
ويقول عز وجل:
{.. فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم "137"} (سورة البقرة)
فلفظ الجلالة صار علماً على الذات الإلهية العلية .. علماً على الحق ـ جل وعلا ـ ليدل عليه بذاته وأسمائه وصفاته دلالة علمية، ولا يستخدم للدلالة على غيره من المعبودات الباطلة، وهو الاسم الأعظم الذي حوى جميع كمالات صفاته، والذي ليس له فيه سمى أي: شريك في نفس الاسم.
والحق جل وعلا حين أنزل القرآن، أنزله مقروناً باسم الله سبحانه وتعالى .. وهي أن تكون البداية باسم الله. إن أول الكلمات التي نطق بها الوحي لمحمد صلى الله عليه وسلم كانت:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق "1"} (سورة العلق)
وهكذا كانت بداية نزول القرآن الكريم ليمارس مهمته في الكون هي باسم الله .. ونحن الآن نقرأ القرآن بادئين نفس البداية. ولكن هل نحن مطالبون أن نبدأ فقط تلاوة القرآن باسم الله؟ .. كلا .. إننا مطالبون أن نبدأ كل عمل باسم الله؛ لأننا لابد أن نحترم عطاء الله في كونه. إنك حين تبدأ كل شيء بسم الله الرحمن الرحيم .. فإنك تجعل الله في جانبك يعينك. ومن رحمته تبارك وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء باسمه تعالى؛ لأن "الله" ـ كما قلنا ـ هو الاسم الجامع لكل صفات الكمال والفعل عادة يحتاج إلي صفات متعددة ..
فأنت حين تبدأ عملا تحتاج إلي قدرة الله وإلي قوته وإلي عونه وإلي رحمته .. فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات لكان علينا أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها، كأن نقول باسم الله القوي، وباسم الله الرزاق، وباسم الله المجيب، وباسم الله القادر، وباسم الله النافع .. إلي غير ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها .. ولكن الله تبارك وتعالى يجعلنا نقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" .. الاسم الجامع لكل هذه الصفات. على أننا لابد أن نقف هنا عند الذين لا يبدأون أعمالهم باسم الله .. وإنما يريدون الجزاء المادي وحده.

.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 37 : 07 PM
إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله بسم الله .. وإنسان مؤمن يبدأ كل عمل وفي باله الله .. كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع .. له عطاء ربوبية لكل خلقه الذين استدعاهم للحياة .. ولكن الدنيا ليست هي الحياة الحقيقية للإنسان .. بل الحياة الحقيقية هي الآخرة .. الذي في باله الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء البربوبية .. بقدر عطاء الله في الدنيا .. والذي في باله الله يأخذ بقده عطاء الله في الدنيا والآخرة .. ولذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير "1"} (سورة سبأ)
لأن المؤمن يحمد الله على نعمه في الدنيا .. ثم يحمده عندما ينجيه من النار والعذاب ويدخله الجنة في الآخرة .. فلله الحمد في الدنيا والآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع"
ومعنى أقطع أي مقطوع الذنب أو الذيل .. أي عمل ناقص فيه شيء ضائع .. لأنك حين لا تبدأ العمل بسم الله قد يصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في الكون ليخدمك وينفعل لك .. وحين لا تبدأ العمل ببسم الله .. فليس لك عليه جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه في الدنيا .. وبترت أو قطعت عطاءه في الآخرة .. فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والآخرة. أقبل على كل عمل بسم الله .. قبل أن تأكل قل بسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ورزقك به .. عندما تدخل الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح .. عندما تدخل إلي بيتك قل بسم الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت .. عندما تتزوج قل بسم الله لأنه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك .. في كل عمل تفعله ابدأه بسم الله .. لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى .. فأنت لا تستطيع أن تبدأ عملا يغضب الله ببسم الله.
وكما ينبغي على المسلم المؤمن أن يجعل لسانه رطباً ببسم الله .. ينبغي عليه أيضاً بحمد الله عز وجل؛ لأنه تبارك وتعالى محمود لذاته ومحمود لصفاته، ومحمود لنعمه، ومحمود لرحمته، ومحمود لمنهجه، ومحمود لقضائه، الله محمود قبل أن يخلق من يحمده. ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه جعل الشكر له في كلمتين اثنتين هما الحمد لله.
والعجيب أنك حين تشكر بشرا على جميل فعله تظل ساعات وساعات .. تعد كلمات الشكر والثناء، وتحذف وتضيف وتأخذ رأي الناس. حتى تصل إلي قصيدة أو خطاب ملئ بالثناء والشكر. ولكن الله سبحانه وتعالى جلت قدرته وعظمته نعمه لا تعد ولا تحصى، علمنا أن نشكره في كلمتين اثنتين هما: الحمد لله ..
ولعلنا نفهم أن المبالغة في الشكر للبشر مكروهة لأنها تصيب الإنسان بالغرور والنفاق وتزيد العاصي في معاصيه .. فلنقلل من الشكر والثناء للبشر .. لأننا نشكر الله لعظيم نعمه علينا بكلمتين هما: الحمد لله، ومن رحمة الله سبحانه وتعالى أنه علمنا صيغة الحمد. فلو أنه تركها دون أن يحددها بكلمتين .. لكان من الصعب على البشر أن يجدوا الصيغة المناسبة ليحمدوا الله على هذا الكمال الإلهي .. فمهما أوتي الناس من بلاغة وقدرة على التعبير. فهم عاجزون على أن يصلوا إلي صيغة الحمد التي تليق بجلال المنعم .. فكيف نحمد الله والعقل عاجز أن يدرك قدرته أو يحصي نعمه أو يحيط برحمته؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعطانا صورة العجز البشري عن حمد كمال الألوهية لله، فقال: "لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"
وكلمتا الحمد لله، ساوى الله بهما بين البشر جميعا، فلو أنه ترك الحمد بلا تحديد، لتفاوتت درجات الحمد بين الناس بتفاوت قدراتهم على التعبير. فهذا أمي لا يقرأ ولا يكتب لا يستطيع أن يجد الكلمات التي يحمد بها الله. وهذا عالم له قدرة على التعبير يستطيع أن يأتي بصيغة الحمد بما أوتي من علم وبلاغة. وهكذا تتفاوت درجات البشر في الحمد .. طبقا لقدرتهم في منازل الدنيا.
ولكن الحق تبارك وتعالى شاء عدله أن يسوي بين عباده جميعا في صيغة الحمد له .. فيعلمنا في أول كلماته في القرآن الكريم .. أن نقول "الحمد لله" ليعطي الفرصة المتساوية لكل عبيده بحيث يستوي المتعلم وغير المتعلم في عطاء الحمد ومن أوتي البلاغة ومن لا يحسن الكلام. ولذلك فإننا نحمد الله سبحانه وتعالى على أنه علمنا كيف نحمده وليظل العبد دائما حامدا.
فالله سبحانه وتعالى قبل أن يخلقنا خلق لنا موجبات الحمد من النعم، فخلق لنا السماوات والأرض وأجد لنا الماء والهواء. ووضع في الأرض أقواتها إلي يوم القيامة .. وهذه نعمة يستحق الحمد عليها لأنه جل جلاله جعل النعمة تسبق الوجود الإنساني، فعندما خلق الإنسان كانت النعمة موجودة تستقبله. بل أن الله جل جلاله قبل أن يخلق آدم أبا البشر جميعا سبقته الجنة التي عاش فيها لا يتعب ولا يشقى. فقد خلق فوجد ما يأكله وما يشربه وما يقيم حياته وما يتمتع به موجودا وجاهزا ومعدا قبل الخلق .. وحينما نزل آدم وحواء إلي الأرض كانت النعمة قد سبقتهما. فوجدا ما يأكلانه وما يشربانه، وما يقيم حياتهما .. ولو أن النعمة لم تسبق الوجود الإنساني وخلقت بعده لهلك الإنسان وهو ينتظر مجيء النعمة.
بل أن العطاء الإلهي للإنسان يعطيه النعمة بمجرد أن يخلق في رحم أمه فيجد رحما مستعدا لاستقباله وغذاء يكفيه طول مدة الحمل. فإذا خرج إلي الدنيا يضع الله في صدر أمه لبنا ينزل وقت أن يجوع ويمتنع وقت أن يشبع. وينتهي تماما عندما تتوقف فترة الرضاعة. ويجد أبا وأما يوفران له مقومات حياته حتى يستطيع أن يعول نفسه .. وكل هذا يحدث قبل أن يصل الإنسان إلي مرحة التكليف وقبل أن يستطيع أن ينطق: "الحمد لله".
وهكذا نرى أن النعمة تسبق المنعم عليه دائما .. فالإنسان حيث يقول "الحمد لله" فلأن موجبات الحمد ـ وهي النعمة ـ موجودة في الكون قبل الوجود الإنساني.
والله سبحانه وتعالى خلق لنا في هذا الكون أشياء تعطي الإنسان بغير قدرة منه ودون خضوع له، والإنسان عاجز عن أن يقدم لنفسه هذه النعم التي يقدمها الحق تبارك وتعالى له بلا جهد. فالشمس تعطي الدفء والحياة للأرض بلا مقابل وبلا فعل من البشر، والمطر ينزل من السماء دون أن يكون لك جهد فيه أو قدرة على إنزاله. والهواء موجود حولك في كل مكان تتنفس منه دون جهد منك ولا قدرة. والأرض تعطيك الثمر بمجرد أن تبذر فيها الحب وتسقيه .. فالزرع ينبت بقدرة الله.
والليل والنهار يتعاقبان حتى تستطيع أن تنام لترتاح، وأن تسعى لحياتك .. لا أنت أتيت بضوء النهار، ولا أنت الذي صنعت ظلمة الليل، ولكنك تأخذ الراحة في الليل والعمل في النهار بقدرة الله دون أن تفعل شيئاً.
كل هذه الأشياء لم يخلقها الإنسان، ولكنه وجدها في الكون تعطيه بلا مقابل ولا جهد منه!
ألا تستحق هذه النعم أن نقول: الحمد لله على نعمة تسخير الكون لخدمة الإنسان؟
وآيات الله سبحانه وتعالى في كونه تستوجب الحمد .. فالحياة التي وهبها الله لنا، والآيات التي أودعها في كونه تدلنا على أن لهذا الكون خالقاً عظيماً .. فالكون بشمسه وقمره ونجومه وأرضه وكل ما فيه مما يفوق قدرة الإنسان، ولا يستطيع أحد أن يدعيه لنفسه، فلا أحد مهما بلغ علمه يستطيع أن يدعي أنه خلق الشمس، أو أوجد النجوم، أو وضع الأرض، أو وضع قوانين الكون، أو أعطى غلافها الجوي، أو خلق نفسه، أو خلق غيره.

.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 37 : 07 PM
هذه الآيات كلها أعطتنا الدليل على وجود قوة عظمى، وهي التي أوجدت وهي التي خلقت .. وهذه الآيات ليست ساكنة، لتجعلنا في سكونها ننساها، بل هي متحركة لتلفتنا إلي خالق هذا الكون العظيم.
فالشمس تشرق في الصباح فتذكرنا بإعجاز الخالق، وتغيب في المساء لتذكرنا بعظمة الخالق .. وتعاقب الليل والنهار يحدث أمامنا كل يوم علمنا نلتفت ونفيق .. والمطر ينزل من السماء ليذكرنا بألوهية من أنزله .. والزرع يخرج من الأرض يسقي بماء واحد، ومع ذلك فإن كل نوع له لون وله شكل وله مذاق وله رائحة، وله تكوين يختلف عن الآخر، ويأتي الحصاد فيختفي الثمر والزرع .. ويأتي موسم الزراعة فيعود من جديد.
كل شيء في هذا الكون متحرك ليذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا أن هناك خالقاً مبدعاً .. وأنه لا أحد يستطيع أن يدعي أنه خلق الكون أو خلق شيئا مما فيه .. فالقضية محسومة لله.
(والحمد لله) لأنه وضع في نفوسنا الإيمان الفطري، ثم أيده بإيمان عقلي بآياته في كونه.
كل شيء في هذا الكون يقتضي الحمد، ومع ذلك فإن الإنسان يمتدح الموجود وينسى الموجد .. فأنت حين ترى زهرة جميلة مثلاً، أو زهرة غاية في الإبداع .. أو أي خلق من خلق الله، يشيع في نفسك الجمال تمتدح هذا الخلق .. فتقول: ما أجمل هذه الزهرة، أو هذه الجوهرة، أو هذا المخلوق!!
ولكن المخلوق الذي امتدحته، لم يعط صفة الجمال لنفسه .. فالزهرة لا دخل لها أن تكون جميلة أو غير جميلة، والجوهرة لا دخل لها في عظمة خلقها .. وكل شيء في هذا الكون لم يضع الجمال لنفسه، وإنما الذي وضع الجمال فيه هو الله سبحانه وتعالى، فلا نخلط ونمدح المخلوق وننسى الخالق .. بل قل: الحمد لله الذي أوجد في الكوم ما يذكرنا بعظمة الخالق ودقة الخلق.
ومنهج الله سبحانه وتعالى يقتضي منا الحمد، فهو تبارك وتعالى أنزل منهجه ليرينا طريق الخير، ويبعدنا عن طريق الشر.
فمنهج الله عز وجل الذي أنزله على رسله قد عرفنا أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق لنا هذا الكون وخلقنا .. فدقة الخلق وعظمته تدلنا على عظمة خالقه، ولكنها لا تستطيع أن تقول لنا من هو، ولا ماذا يريد منا، ولذلك أرسل الله رسله، ليقول لنا: إن الذي خلق هذا الكون وخلقنا هو الله تبارك وتعالى، وهذا يستوجب الحمد.
ومنهج الله يبين لنا ماذا يريد الحق منا، وكيف نعبده .. وهذا يستوجب الحمد، ومنهج الله جل جلاله أعطانا الطريق وشرع لنا أسلوب حياتنا تشريعاً حقاً .. فالله تبارك وتعالى لا يفرق بين أحد منا .. ولا يفضل أحداً على أحد إلا بالتقوى، فكلنا خلق متساوون أمام عدله المطلق. إذن: فشريعة الحق، وقول الحق، وقضاء الحق هو من الله، أما تشريعات الناس فلها هوى، تميز بعضاً عن بعض .. وتأخذ حقوق بعض لتعطيها للآخرين، ولذلك نجد في كل منهج بشرى ظلماً بشرياً.
ولكن الله سبحانه وتعالى يعطينا ولا يأخذ منا، عنده خزائن كل شيء مصداقا لقوله جل جلاله:
{وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم "21"} (سورة الحجر)
فالله سبحانه وتعالى دائم العطاء لخلقه، والخلق يأخذون دائماً من نعم الله، فالعبودية لله تعطيك ولا تأخذ منك شيئاً، وهذا يستوجب الحمد..
والله سبحانه وتعالى في عطائه يجب أن يطلب منه الإنسان، وأن يدعوه، وأن يستعين به، وهذا يستوجب الحمد؛ لأنه يقينا الذل في الدنيا. فأنت إن طلبت شيئاً من صاحب نفوذ، فلابد أن يحدد لك موعداً أو وقت الحديث ومدة المقابلة، وقد يضيق بك فيقف لينهي اللقاء .. ولكن الله سبحانه وتعالى بابه مفتوح دائماً .. فأنت بين يديه عندما تريد، وترفع يديك إلي السماء وتدعو وقتما تحب، وتسأل الله ما تشاء، فيعطيك ما تريده إن كان خيراً لك .. ويمنع عنك ما تريده إن كان شراً لك.
والله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد حينما يطلب منك أن تدعوه، وأن تسأله فيقول:
{وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60"} (سورة غافر)
ويقول سبحانه وتعالى:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186" } (سورة البقرة)
والله سبحانه وتعالى يعف ما في نفسك، ولذلك فإنه يعطيك دون تسأل، واقرأ الحديث القدسي:
يقول رب العزة:
"من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".
والله سبحانه وتعالى عطاؤه لا ينفذ، وخزائنه لا تفرغ، فكلما سألته جل جلاله كان لديه المزيد، ومهما سألته فإنه لا شيء عزيز على الله سبحانه وتعالى، إذا أراد أن يحققه لك .. واقرأ قول الشاعر:

حسب نفسي عزا بأني عبد هو فـي قدســه الأعـــز ولكــن
يحتفي بي بلا مواعيد رب أنا ألقي متى وأين أحب

إذن: عطاء الله سبحانه وتعالى يستوجب الحمد .. ومنعه العطاء يستوجب الحمد.
ووجود الله سبحانه وتعالى الواجب الوجود يستوجب الحمد .. فالله سبحانه يستحق الحمد لذاته، ولولا عدل الله لبغى الناس في الأرض وظلموا، ولكن يد الله تبارك وتعالى حين تبطش بالظالم تجعله عبرة .. فيخاف الناس الظلم .. وكل من أفلت من عقاب الدنيا على معاصيه وظلمه واستبداده سيلقى الله في الآخرة ليوفيه حسابه .. وهذا يوجب الحمد .. أن يعرف المظلوم أنه سينال جزاءه فتهدأ نفسه ويطمئن قلبه أن هناك يوما سيرى فيه ظالمه وهو يعذب في النار .. فلا تصيبه الحسرة، ويخف إحساسه بمرارة الظلم حين يعرف أن الله قائم على كونه لن يفلت من عدله أحد. وعندما نقول: (الحمد لله) فنحن نعبر عن انفعالات متعددة .. وهي في مجموعها تحمل العبودية والثناء والشكر والعرفان .. وكثير من الانفعالات التي تملأ النفس عندما تقول: (الحمد لله) كلها تحمل الثناء العاجز عن الشكر لكمال الله وعطائه .. هذه الانفعالات تأتي وتستقر في القلب .. ثم تفيض من الجوارح على الكون كله.
فالحمد ليس ألفاظاً تردد باللسان، ولكنها تمر أولاً على العقل الذي يعي معنى النعم .. ثم بعد ذلك تستقر في القلب فينفعل بها .. وتنتقل إلي الجوارح فأقوم وأصلي لله شاكراً ويهتز جسدي كله، وتفيض الدمعة من عيني، وينتقل هذا الانفعال كله إلي من حولي.
ونحاول توضيح ذلك..
هب أنني في أزمة أو كرب أو موقف سيؤدي إلي فضيحة .. وجاءني من يفرج كربي فيعطيني مالاً أو يفتح لي طريقاً .. أول شيء أنني سأعقل هذا الجميل، فأقول: إنه يستحق الشكر .. ثم ينزل هذا المعنى إلي قلبي فيهتز القلب إلي صانع هذا الجميل .. ثم تنفعل جوارحي لأترجم هذه العاطفة إلي عمل جميل يرضيه، ثم أحدث الناس عن جميله وكرمه فيسارعون إلي الالتجاء إليه، فتتسع دائرة الحمد وتنزل النعم على الناس .. فيمرون بنفس ما حدث لي فتتسع دائرة الشكر والحمد..
والحمد لله تعطينا المزيد من النعم مصداقاً لقوله تبارك وتعالى:
{وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد "7" } (سورة إبراهيم)
وهكذا نعرف أن الشكر على النعمة يعطينا مزيداً من النعمة .. فنشكر عليها فتعطينا المزيد، وهكذا يظل الحمد دائماً والنعمة دائمة.
إننا لو استعرضنا حياتنا كلها .. نجد أن كل حركة فيها تقتضي الحمد، عندما ننام ويأخذ الله سبحانه وتعالى أرواحنا، ثم يردها إلينا عندما نستيقظ، فإن هذا يوجب الحمد، فالله سبحانه وتعالى يقول:
{الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلي أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "42" } (سورة الزمر)
وهكذا فإن مجرد أن نستيقظ من النوم، ليرد الله علينا أرواحنا يستوجب الحمد، فإذا قمنا من الفراش فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطانا القدرة على الحركة والنهوض، ولولا عطاؤه ما استطعنا أن نقوم .. وهذا يستوجب الحمد..
فإذا تناولنا إفطارنا، فالله هو الذي هيأ لنا من فضله هذا الطعام، فإذا نزلنا إلي الطريق يسر الله لنا ما ينقلنا إلي مقر أعمالنا، وإذا تحدثنا مع الناس فالله سبحانه وتعالى هو الذي أعطى ألسنتنا القدرة على النطق بما وهبه الله لنا من قدرة على التعبير والبيان، وهذا يستوجب الحمد.
وإذا عدنا إلي بيوتنا، فالله سخر لنا زوجاتنا ورزقنا بأولادنا، وهذا يستوجب الحمد.
إذن: فكل حركة في حياة في الدنيا من الإنسان تستوجب الحمد، ولهذا لابد أن يكون الإنسان حامداً دائماً، بل إن الإنسان يجب أن يحمد الله على أي مكروه أصابه؛ لأن الشيء الذي يعتبره شراً يكون عين الخير، فالله تعالى يقول:
{.. فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً "19"} (سورة النساء)
إن من البشر من إذا تحدثت عنه قدر ما استطعت لن توفيه حقه وتعرف له قدره كأنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، فماذا إذا كان الحديث عن الله جل وعلا؟
سوف يتحدث المتحدثون عن الحق تبارك وتعالى حتى تقوم الساعة، ومع ذلك فسوق يظلون في إطار قوله تعالى:
{ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز "74" } (سورة الحج)
وقوله تعالى:
{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون "67" } (سورة الزمر).

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 38 : 07 PM
الرحمن - الرحيم

(الرحمن) اسم مشتق من الفعل (رحم)، والرحمة في اللغة هي الرقة والتعطف والشفقة، وتراحم القوم أي رحم بعضهم بعضا والرحم القرابة.
الرحمن اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مشتق من الرحمن وهو اسم مختص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره، فقد قال عز وجل: (قل ادعو الله أو أدعو الرحمن) معادلا بذلك اسمه الرحمن بلفظ الجلالة الذي لا يشاركه فيه أحد، ورحمن على وزن فعلان وهي صيغة مبالغة تدل على الكثرة والزيادة في الصفة.
و(الرحيم) .. اسم مشتق أيضا من الفعل رحم .. والرحمن الرحيم من صيغ المبالغة .. يقال راحم ورحمن ورحيم .. فإذا قيل راحم فهذا يعني أن فيه صفة الرحمة .. وإذا قيل رحمن تكون مبالغة في الصفة، وإذا قيل رحيم فهي أيضا مبالغة في الصفة، والله سبحانه وتعالى رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.
ولا يظن أحد أن صفات الله سبحانه وتعالى تتأرجح بين القوة والضعف، وإياك أن تفهم أن الله تأتيه الصفة مرة قليلة ومرة كثيرة، بل هي صفات الكمال المطلق .. ولكن الذي يتغير هو متعلقات هذه الصفات. اقر قول الحق تبارك وتعالى:
{إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ} (سورة النساء ـ40)
هذه الآية الكريمة .. نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى ثم تأتي الآية ونلاحظ هنا استخدام صيغة المبالغة (ظلام) .. أي شديد الظلم. ويظن البعض أن قول الحق سبحانه وتعالى: (ليس بظلام) لا تنفي الظلم ولكنها تنفي المبالغة في الظلم. نقول لهؤلاء: أنكم لم تفهموا المعنى الصحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا. فالآية الأولى نفت الظلم عن الحق تبارك وتعالى ولو مثقال ذرة بالنسبة للعبد.
والآية الثانية لم تقل للعبد ولكنها قالت للعبيد .. والعبيد هم كل خلق الله .. فلو أصاب كل واحد منهم أقل من ذرة من الظلم مع هذه الأعداد الهائلة، فإن الظلم يكون كثيرا جدا، ولو أنه قليل في كميته؛ لأن عدد من سيصاب به هائل. ولذلك فإن الآية الأولى نفت الظلم عن الله سبحانه وتعالى، والآية الثانية نفت عنه الظلم أيضا .. ولكن صيغة المبالغة استخدمت لكثرة عدد الذين تنطبق عليهم الآية الكريمة.
نأتي بعد ذلك إلي (رحمن ورحيم).
رحمن في الدنيا لكثرة عدد الذين تشملهم رحمته فيها، فرحمة الله في الدنيا تشمل المؤمن والعاصي والكافر .. يعطيهم الله مقومات حياتهم ولا يؤاخذهم بذنوبهم، يرزق من آمن به ومن لم يؤمن به، ويعفو عن كثير. إذن عدد الذين تشملهم رحمة الله في الدنيا هم كل خلق الله بصر النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم، ولكن في الآخرة الأمر مختلف، فالله رحيم بالمؤمنين فقط .. فالكفار والمشركون مطرودون من رحمة الله. إذن الذين تشملهم رحمة الله في الآخرة أقل عددا من الذين تشملهم رحمته في الدنيا .. فمن أين تأتي المبالغة؟
تأتي المبالغة في العطاء وفي الخلود في العطاء .. فنعم الله في الآخرة اكبر كثيرا منها في الدنيا .. المبالغة هنا بكثرة النعم وخلودها .. فكأن المبالغة في الدنيا بعمومية العطاء، والمبالغة في الآخرة بخصوصية العطاء وكثرة النعم والخلود فيها. والرحمة الإلهية تشمل ثناياها العديد من الصفات، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أنه الغفار .. الوهاب .. الرزاق .. الشكور .. الكريم .. الواجد .. التواب .. العفو .. الهادي. ورحمة الحق جل وعلا تغمر المخلوقات جميعا منذ أن خلقها وإلي أن نقف بين يديه، فيدخلها جنته أو يذيقها عذابه. وإذا تأملنا الكون المحيط بنا تجلت لنا رحمة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة ..
فالحق تبارك وتعالى كان رحيما بنا حين خلقنا من العدم المطلق، ودون أن يكون لنا سابقة وجود، ودون أن نطلب منه ذلك، وكيف نطلب ولم نكن ساعتئذ شيئا مذكورا كما قال جل وعلا:
{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "1"} (سورة الإنسان)
وكان رحيما بنا حين أعد لنا هذا الكون الفسيح، موفرا لنا كل مقومات الحياة من قبل أن نظر في مرآة الوجود. فالشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض، وهذا البعد الثابت يضمن لنا قدرا ثابتا من الحرارة .. لا يزيد فتقتلنا الحرارة، ولا ينقص فتقتلنا البرودة، والهواء يحيط بنا ويحوي الأوكسجين اللازم لعملية التنفس وأكسدة المواد الغذائية كي تنطلق الطاقة التي تكفل للجسم القيام بوظائفه، والماء الذي يمثل معظم مساحة الكرة الأرضية بما له من وظائف غير محصورة في جسم الإنسان، هذا فضلا عن استخدامه في الطهارة التي تقي الإنسان شر الأمراض والآفات.
ومن رحمته عز وجل أنه جعل في الهواء من الخاصية ما يمكنه من حمل الطيور الطبيعية والصناعية وهي الطائرات التي ابتكرها الإنسان في العصر الحديث! وجعل في الماء من الخاصية ما يمكنه من حمل السفن العملاقة التي تحمل الناس بأمتعتهم مئات بل آلافا من الأميال إلي أماكن لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس أو غير بالغيها أبدا. فالحق جل وعلا كان يعلم أزلا أن الأرض سوف تعمر بنسل آدم وسيصبح من الضروري أن تستجد وسائل مواصلات أكثر قوة وسرعة تسهل عليه التنقل عبر المسافات المتباعدة، فلولا الطائرات والسفن ما كان الإنسان ليصل إلي الأمريكتين أو إلي قارة أستراليا مثلا .. وما كان التعامل بين دول العالم ليصل إلي ما وصل إليه.
.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 39 : 07 PM
إن مرحلة إعداد الكون لم تكن مصورة فقط على توفير مقومات الحياة البدائية التي عاشها الإنسان في بدء الخليقة .. بل إن الحق جل وعلا قد وضع في الكون عناصر ومواد، وهو يعلم أن استخدامها سيحين بعد آلاف أو ملايين من السنين حينما يزحف العمران على سطح الكرة الأرضية. خذ على سبيل المثال عنصر البترول الذي يمثل أهم مصادر الطاقة والذي تستخدمه الطائرات والسيارات والماكينات المختلفة في دورتها الحركية.
انظر إلي سائر العناصر التي استخدمها الإنسان في صناعة المبتكرات الحديثة .. هل وجدت هذه العناصر في باطن الأرض بمحض الصدفة .. إنه الجهل بعينه أن نتصور كما تصور الشيوعيون أنها موجودة بالصدفة المحضة .. لأن الحقيقة التي قررها القرآن الكريم ويقبلها العقل وتطمئن لها الفطرة السليمة .. هي أن الله تبارك وتعالى هو الذي خلق هذه العناصر، فقد قال جل وعلا:
{الله خلق كل شيء وهو على كل شيء وكيل "62"} (سورة الزمر)
وبعد أن خلقها ادخرها في باطن الأرض حتى يمكن الإنسان من الاستفادة بها في وقت الحاجة إليها .. وحتى يستطيع بنو آدم التواؤم مع الظروف الجديدة والمتمثلة في زيادة أعدادهم وانتشارهم عبر جميع بقاع الكرة الأرضية. وإذا تساءلنا: هل كان الإنسان ليستطيع أن ينتقل بين أماكن بينها آلاف الأميال لولا وسائل المواصلات الحديثة؟ وهل كان يستطيع الاتصال بأبناء جنسه المقيمين بالأقطار المختلفة لولا أجهزة الاتصال السلكية واللاسلكية؟
بالطبع ما كان الإنسان ليستطيع ذلك لولا وسائل المواصلات وأجهزة الاتصال .. وما كان أيضا ليستطيع أن يتوصل إلي هذه الاختراعات المبتكرة لولا وجود هذه العناصر التي تدخل في تكوينها .. والتي أعدها الله جل وعلا برحمته سلفا وادخرها في باطن الأرض حتى يحين وقت استخدامها. وبعد أن أعد لنا عز وجل هذا الكون، أعد لنا في بطون أمهاتنا رحما رحيما بنا يأتينا فيه الرزق .. بلا حول ولا قوة .. رزقا منه تبارك وتعالى بلا تعب ولا مقابل .. ويقول عز وجل في الحديث القدسي:
(أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته).
ومن رحمته جل وعلا أنه ينبت لنا من الأرض الجدباء طعاما نأكله وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{فانظر إلي أثار رحمت الله كيف يحيى الأرض بعد موتها} (سورة الروم ـ 50)
ومن رحمته أنه جعل لنا الليل سكنا لنجد فيه الراحة والسكينة بعد عناء العمل، وجعل لنا النهار للسعي والعمل واكتساب القوت فقال عز وجل:
{ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبغوا من فضله} (سورة القصص ـ 73)
ومن رحمته أنه أرسل الرسل بالرسالات السماوية إلي الناس كافة ليخرجهم من الظلمات إلي النور، وأرسل رسوله محمدا عليه افضل الصلاة وأتم التسليم خاتم الأنبياء والمرسلين بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين، فيقول تعالى:
{وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون "155"} (سورة الأنعام)
ويقول سبحانه:
{أوعجبتم أن جاءكم من ربكم على رجلٍ منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون "63"} (سورة الأعراف)
ويقول عز وجل:
{وإذا قرأ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون "204"} (سورة الأعراف)
فالقرآن الكريم الذي أنزل على خاتم النبيين والمرسلين هو الرحمة العظمى التي جاد بها الله عز وجل على بني آدم، فمنهم من قبلها ومنهم من أعرض. القرآن الكريم هو الذي أخرج المؤمنين من ظلمات الجهل إلي نور الإيمان، ونقلهم من العقائد الواهية التي بنيت على الوهم والظن إلي عقيدة قويمة بنيت على اليقين الذي لا يقبل الشك. فمن آمن بالقرآن الكريم واتبع أوامره وانتهى عن نواهيه كان له نورا وشفاء ورحمة، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} (سورة النحل ـ 89)
ويقول سبحانه:
{وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} (سورة الإسراء ـ 82)
ويقول تبارك وتعالى:
{ولقد جئناهم بكتاب فضلناه على علمٍ هدىً ورحمةً لقومٍ يؤمنون "52"} (سورة الأعراف)
ويقول الحق سبحانه:
{تلك آيات الكتاب الحكيم "2" هدىً ورحمةً للمحسنين "3"} (سورة لقمان)
ويقول جل جلاله:
{فقد جاءكم بينة من ربكم وهدىً ورحمةً} (سورة الأنعام ـ 157)
ومن رحمته جل وعلا أنه بين لنا موجبات رحمته، وعرفنا السبيل إلي استجلابها، فقال تعالى:
{إن رحمت الله قريب من المحسنين} (سورة الأعراف ـ 56)
فأوضح بذلك أن رحمته تبارك وتعالى تكون قريبا من عباده المؤمنين به، الطائعين له .. فهؤلاء يتغمدهم برحمته .. فينجيهم من كروب الدنيا ويبعثهم يوم القيامة .. يوم الفزع الأكبر .. آمنين. ألم ينج الله عز وجل هودا عليه السلام من قوم عاد بعد أن كفروا بما جاءهم من عقيدة التوحيد واتهموه بالسفاهة وكادوا يفتكون به وبمن اتبعه من المؤمنين؟ وفي ذلك يقول عز وجل:
{فأنجيناه والذين معه برحمةٍ منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين "72"} (سورة الأعراف)
وصالح عيه السلام حين أمر قومه ألا يقربوا الناقة وأن يذروها تأكل في أرض الله ولا يمسوها بسوء فعقروها فأصابتهم الصيحة ونجى الله صالحا ومن آمن معه، وفي ذلك يقول جل وعلا:
{فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز "66"} (سورة هود)
كما قال عز وجل عن شعيب عليه السلام:
{ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمةٍ منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين "94"} (سورة هود)
ولعلنا لا ننسى في هذا المدار أهل الكهف وكيف أن الله تبارك وتعالى قد جعلهم عبرة ودليلا على أن الإيمان القويم المصحوب بالصدق في القول والعمل يست*** رحمة الله لتغمر المؤمن به الملتزم بطاعته ولتجعل له الصعب سهلا. إن قصة أهل الكهف .. هي قصة كل قوم يفرون من الطغاة الذين يحاولون حملهم قسراً على الكفر بالله .. فيفروا بدينهم .. لقد اختبأ الفتية في كهف. إن الله سبحانه وتعالى يصفهم في كتابه الكريم بقوله:
{إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدىً} (سورة الكهف ـ من الآية 13)
.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 39 : 07 PM
وبهذه الصفة علمنا أن أهل الكهف .. لم يكونوا من الشيوخ الضعفاء أو مجموعة من النساء .. إنما هم فتية .. أي فيهم شباب وفتوة، وأنهم آمنوا بربهم .. أي أنهم فتية مؤمنون بالله .. وأن الله سبحانه وتعالى ـ لما آمنوا به ـ زادهم إيمانا وهدى من عنده .. فالله جل جلاله يزيد المؤمن إيمانا .. ويعينه على الطريق مادام إيمانه صحيحا وقويا .. مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى:
{والذين اهتدوا زادهم هدىً وآتاهم تقواهم "17"} (سورة محمد)
إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أنه يعين المؤمن على طريق الإيمان فيزيده من فضله. هؤلاء الفتية خافوا على دينهم وخافوا على عقيدتهم من أن يجبرهم حكامهم على عبادة غير الله .. ففروا بدينهم إلي كهف في الجبل .. يختبئون فيه من الطغاة الكفرة .. والكهف مكان ضيق .. لا يستطيع الإنسان أن يمضي فيها إلا وقتا قصيرا .. واقرأ قول الحق جل وعلا:
{وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلي الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً "16"} (سورة الكهف)
الحق سبحانه وتعالى يريد منا أن نعلم .. أن هذا الكهف الضيق الذي ـ بكفرنا البشري وتفكيرنا المادي ـ نظن أنه سيضيق عليهم مكانا بمساحته الصغيرة .. وزمانا بأنه لا أحداث فيه .. هذا الكهف إن ضاق عليهم مساحة، فلن يضيق عليهم أنعاما .. فرحمة الله سبحانه وتعالى ستجعل هذا المكان الضيق يبدو رحبا واسعا .. فلا يحسون بضيق المكان والزمن يتوقف فيه فلا يحسون بضيق الزمان .. بل تأتي رحمة الله لتحيط بهم.
إن هذا يلفتنا إلي أن كل من يفر بدينه .. إلي مكان غير الذي يقيم فيها، ومهما كان هذا المكان ضيقا فإن الله برحمته يجعله واسعا رحبا. فإن كان هذا المكان فيه ضيق في الرزق .. فتح الله للمستمسك بدينه من أبواب الرزق ما يجعله أغنى الأغنياء. وإذا كان هذا المكان يضيق بالغرباء .. أي لا يرحب فيه بغريب .. وضع الله من رحمته في قلوب سكان هذا المكان ما يجعلهم أشد الناس ترحيبا به. وإن كان هذا المكان ضيقا بمن فيه أي مزدحما أوجد الله له مكانا متسعا يعيش فيه.
لقد غمر الله أهل الكهف برحمته مكافأة لهم على الفرار بدينهم .. فلم يجعلهم يفكرون في أنهم مضطهدون حتى لا يعيشوا في قلق ورعب من أن يلحق بهم الطغاة الكفرة، أو يكتشفوا مخبأهم، كما أزال من حياتهم هم البحث عن الطعام والشراب؛ لأن عملية البحث كانت ستعرضهم لظروف قاسية كل يوم .. هي أن يخرج أحدهم من الكهف ليأتي لهم بطعام وشراب، وهو يتلفت حوله خوفا من أن يراه أحد أعوان الطغاة، فيرشدهم إلي الكهف .. أو أن يتتبعه أحد فيكشف سرهم .. لذلك ألقى عليهم (أمنه نعاسا) أي ألقى عليهم النوم في الكهف .. فلا يشعر بهم أحد، ولا يشعرون بالوقت .. ولا يحتاجون إلي طعام وشراب.
وهكذا نجاهم الله برحمته من كل ضيق دنيوي .. فلا هم أحسوا بضيق المكان، ولا أحسوا بملل الزمان، ولا أحسوا بقلق توقع الخطر، ولا أحسوا بضيق حياتهم .. بل الله تبارك وتعالى برحمته المطلقة اذهب الضيق تماما .. وكانت هناك آيات بقدرة الله تولتهم بعنايته ورحمته. ونبي الله أيوب عليه السلام حين اشتد عليه البلاء فالتزم الصبر ولم يخرج عن حدود الإيمان القويم فغمره الله برحمته ورفع عنه البلاء وأعاده إلي حال أحسن من حاله قبل البلاء.
وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين "83" فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين "84"} (سورة الأنبياء)
ويقول جل وعلا عن إدريس وإسماعيل وذا الكفل عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة وأتم التسليم:
{وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين "85" وأدخلناهم في رحمتنا إنهم من الصالحين "86"} (سورة الأنبياء)
ورحمة الله لا تقتصر على المؤمنين الطائعين فقط بل تمتد لتشمل ذريتهم من بعدهم تكريما لهم وسكينة لأنفسهم .. وقد رأينا ذلك في قصة العبد الصالح والجدار والتي قال عنها المولى عز وجل:
{وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً "82"} (سورة الكهف)
إن الآيات القرآنية الكريمة التي جعلت الإيمان بالله تبارك وتعالى وطاعته سببا لاستجلاب رحمته عديدة .. فقد قال جل وعلا:
{وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون "132"} (سورة آل عمران)
وقال جل شأنه:
{يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين "109"} (سورة المؤمنون)
وقال سبحانه وتعالى:
{فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون} (سورة الحجرات ـ 10)
ولعل في سيرة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم خير دليل على العلاقة الوطيدة بين إيمان العبد ودخوله في رحمة الله. فنبينا عليه الصلاة والسلام لا يضاهي في كمال إيمانه وشدة طاعته والتزامه. ولذلك كان صلى الله عليه وسلم مشمولا برعاية الله ورحمته في كل لمحة ونفس منذ أن شرف الوجود بمولده وإلي أن لقى ربه عز وجل .. ألم تشمله الرحمة الإلهية في الغار إذ أوشك أن يعثر عليه كفار قريش؟ وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "40"} (سورة التوبة)
ألم تشمله الرحمة حين التف الكفار حول داره يريدون قتله والخلاص من رسالته .. فأعمى الله عيونهم عنه وخرج آمنا مطمئنا إلي حيث غايته، وفي ذلك يقول الحق جل وعلا:
{وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون "9"} (سورة يس)
كم من المعارك الضارية خاضها المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو على رأس أصحابه، وكم من محاولة غادرة ماكرة حاكها الكفار والمشركون للخلاص منه ومن رسالته .. ولكن هيهات .. هيهات أن يتحقق ما ينشدون. فالحق سبحانه وتعالى رحمة بالبشرية جمعاء شمل نبيه بعنايته ورحمته وشمل الرسالة برعايته وحمايته، حتى يخرج الناس من الظلمات إلي النور وقد قال جل وعلا:
{ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون} (سورة التوبة ـ9)
وقال سبحانه:
{والله متم نوره ولو كره الكافرون} (سورة الصف ـ8)
ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشمولا برحمة الله فحسب .. بل كان هو نفسه رحمة تمشي على الأرض .. ومن يتتبع رسالته وما أحدثته في تاريخ العالم من تغيير سيدرك على الفور أنه رحمة من الله للناس كافة وهذه الرحمة قد غمرت من آمن به ومن لم يؤمن وأن اختلفت في القدر والكيف. وقد قال تعالى:
{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "107"} (سورة الأنبياء)
ومن رحمة المولى تبارك وتعالى أنه كتب على نفسه الرحمة كما ذكر في قوله تعالى:
{كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلي يوم القيامة لا ريب فيه} (سورة الأنعام ـ12)
.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 40 : 07 PM
وكما قال سبحانه:
{فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة} (سورة الأنعام ـ 54)
وهذه الكتابة لا تنفي أن الرحمة صفة أصلية له .. متعلقة بذاته .. ولكي نفهم ذلك ينبغي أن ندرك أن صفات الله عز وجل لا ترغمه على أن يتصرف وفقا لها .. بمعنى أنه عز وجل رحيم، والرحمة صفة أصليه له، متعلقة بذاته .. ولكننا نرى أحيانا أنه ـ سبحانه ـ يعامل بعض مخلوقاته بلا رحمة؛ لأنه إن شاء ذلك فعل .. فهو سبحانه وتعالى لا يحكم على نفسه معاملة خلقه بمنتهى الرحمة .. فكان الفرض منه وعليه، ورحمة الله قد وسعت كل شيء، فشملت المؤمن والكافر، المطيع والعاصي، الحيوان والنبات، بل وشملت الجماد أيضا .. وقد قال جل وعلا:
{قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعك كل شيء} (سورة الأعراف ـ 156)
وقال تعالى:
{ربنا وسعت كل شيء رحمته وعلماً} (سورة غافر ـ 7)
ولعلك تشعر بالرحمة الفياضة إذا تأملت قطة ترضع صغيرتها. أو أسدا يداعب شبله في معركة لا يلحق الصغير منها أذى .. إنها رحمة الله التي لم تترك صغيرة ولا كبيرة في الكون إلا غمرتها. وقد قلنا مرارا إن الله عز وجل رحمن الدنيا ورحيم الآخرة .. فرحمانيته في الدنيا شملت جميع خلقه .. المؤمن والكافر والطائع والعاصي .. بينما يختلف الأمر في الآخرة، إذ أن رحمته ستشمل المؤمن فقط .. فكما شملتهم في الدنيا باسمه (الرحمن) فإنه سوف يشملهم في الآخرة باسمه (الرحيم) فيغفر لهم خطاياهم ويرحمهم ويدخلهم جنته برحمته، وفي ذلك يقول جل وعلا:
{أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم} (سورة التوبة ـ 71)
ويقول سبحانه:
{فأما الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه} (سورة النساء ـ 175)
ويقول وقوله الحق:
{سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم} (سورة التوبة ـ 99)
وإذا تتبعنا اسمه عز وجل (الرحمن) في الآيات القرآنية التي ورد فيها وكذلك إذا تتبعنا اسمه (الرحيم) لتأكد لدينا أنه رحمن الدنيا ورحيم الآخرة. خذ على سبيل المثال قوله تعالى:
{يا أبت لا تبعد الشيطان أن الشيطان كان للرحمن عصياً "44" يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً "45"} (سورة مريم)
لقد ورد اسم (الرحمن) في الآيتين السابقتين ولم يرد اسم الرحيم .. وذلك لأن رحمانية الله في الدنيا شملت جميع خلقه. ولو لم تشملهم جميعا لما أمهل الله عز وجل الشيطان إلي يوم القيامة، ولما أمهل آزر رغم أنه متمسك بشركه وكفره .. وتأمل أيضا قوله تعالى:
{لتتلوا عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن} (سورة الرعد ـ 30)
فعلى الرغم من كفر الكافرين، وضلال الضالين .. تجد أن الحق جل وعلا يشملهم برحمانيته فيمهلهم ويمد لهم في الوقت لعلهم يذكرون أو يخشون. وبينما تدل الآيات التي ورد فيها اسم الرحمن على شمول الرحمانية لجميع المخلوقات في الدنيا، نجد أن اسم (الرحيم) لا يرد في الغالب إلا مع المؤمنين الطائعين أو التائبين النادمين ويتجلى ذلك في قوله تعالى:
{فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم} (سورة البقرة ـ 160)
وقوله سبحانه:
{أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى:
{فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192"} (سورة البقرة)
ومن كمال رحمته جل وعلا أنه لا يأخذ الكافر والمشرك والعاصي بذنوبهم على الفور .. بل يمد لهم ويمهلهم لعلهم يرجعون. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمىً فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً "45"} (سورة فاطر)
يأخذ الجميع ثم يتغمد عباده برحمته .. فيقيهم عذاب ناره، ويسكنهم فسيح جناته. وإن كانت رحمة الله عز وجل عامة شاملة في الدنيا كما أوضحنا .. فهذا لا ينفي أن المؤمن يختص منها بنصيب متميز. فالرحمن بالكفار والعصاة تتجلى في إبقاء الله لهم وإمهالهم إلي أن يحين أجلهم .. ويتجلى أيضا في أن الله تبارك وتعالى لا يرحمهم من نعمه. أما رحمة الله بالمؤمن .. فهي الحياة الكريمة الهادئة المستقرة في الدنيا والآخرة .. إنها الحياة التي ينعم المؤمن فيها برضاه عن نفسه وعن خالقه وعن حياته .. وحتى ولو ابتلى أشد البلاء .. في صحته أو ماله أو أهله .. وماذا يبغي الإنسان منا أكثر من ذلك؟
وانطلاقا من هذه الحقيقة اختص تبارك وتعالى أمة التوحيد الصحيح الكامل .. أمة المصطفى عليه افضل الصلاة وأتم التسليم برحمات لا تحصى منها بل من أهمها القرآن الكريم .. الرحمة العظمى .. تلك الرحمة العامة التي قبلوها دون غيرهم من أمم الكفر والشرك .. فغمرتهم دون سواهم .. هذه الرحمة التي تتجلى في القلوب فلا يشعر بها إلا من قبلها .. ويعمي عنها من رفضها وردها فلا يلمس لها أثرا في نفسه ولا في غيره.
ومن هذه الرحمات أيضا أن الحق تبارك وتعالى جعل لأمة محمد في قلب نبيهم رأفة ورحمة بهم .. ولقد كان لرحمته صلى الله عليه وسلم بصحابته والتابعين ما لها من الآثار والنعم .. تلك النعم التي لم تنقطع منا بعثته وإلي وقتنا هذا. فحسبه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه على المسلمين أن من لا يرحم لا يرحم .. وأن مثلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .. وقد قال جل وعلا:
{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم "128"} (سورة التوبة)
ومن هذه الرحمات أيضا أنه عز وجل جعل في قلوبهم رأفة ورحمة فيما بينهم مما أشاع الود والترابط بينهم .. وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{وجعلنا في قلوب الذين أتبعوه رأفةً ورحمةً} (سورة الحديد ـ 27)
ويقول سبحانه أيضا:
{محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم} (سورة الفتح ـ 29)
ومن هذه الرحمات أنه جل وعلا يسر عليهم الحساب حتى يجتازوا الاختبار ويؤدوا الأمانة التي حملوها باختيارهم .. فينتهوا إلي النعيم الأبدي الذي لا يعتريه شقاء ولا كرب ولا ملل .. فمن جاء منهم بالحسنة ضاعفها له إلي عشرة أمثالها .. وإلي سبعمائة ضعف .. ويضاعف فوق ذلك لمن يشاء .. ومن أتى بالسيئة فلا يجزي إلا بها، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون "160"} (سورة الأنعام)
كما قال سبحانه:
{من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزعٍ يومئذٍ آمنون "89"} (سورة النمل)

{ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً إن الله غفور شكور "23"} (سورة الشورى)
وقال تبارك وتعالى:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةٍ مائة حبةٍ والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"} (سورة البقرة).
.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 41 : 07 PM
وقد جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هو هم بحسنة فعملها، كتبها الله له عشر حسنات، إلي سبعمائة ضعف، إلي أضعاف كثيرة، ومن هم بسيئة فلم يعملها، كتبها الله له حسنة كاملة، فإن هو هم بها فعملها، كتبها الله سيئة واحدة
وفضلا عن ذلك فإنه تبارك وتعالى قد فتح أمامهم باب التوبة والمغفرة على مصراعيه .. حتى إذا ما أذنبوا فندموا فاستغفروا فرجعوا إليه غفر لهم ذنوبهم وتغمدهم برحمته وفي ذلك يقول جل وعلا:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53"} (سورة الزمر)
ويقول سبحانه وتعالى:
{فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم "192"} (سورة البقرة)
ويقول جل وعلا:
{إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم "89"} (سورة آل عمران)
ويقول سبحانه:
{أنه من عمل منكم سوءا بجهلةٍ ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم} (سورة الأنعام ـ 54)
ومن رحمته بهم أيضا أنه فتح أمامهم أبواب الخيرات .. لترجح كفة حسناتهم فينتهوا إلي حيث النعيم الأبدي .. إلي حيث صفاء النفوس المؤمنة صفاء لا يعكره كدر .. ونعيم لا يشوبه انقطاع أو يقطعه ملل. لقد نوع المولى عز وجل لهذه الأمة مصادر الحسنات .. ما بين صلاة وصيام وحج .. وفرض على نفسه أن يكافئ المحسن ولو على ذرة من الخير عملها في وقت من الأوقات، وفي ذلك يقول جل وعلا:
{فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7"} (سورة الزلزلة)
فالابتسامة في وجه أخيك صدقة .. وإماطة الأذى عن الطريق صدقة .. الكلمة الطيبة صدقة .. اللقمة يضعها المرء في فم امرأته له بها صدقة. أي رحمة بعد ذلك وأي تخفيف؟. إنه سبحانه وتعالى يتلمس لنا أسباب النجاة والفوز بالجنة، ويهيئ لنا من أبواب الخير ما يحول بيننا وبين جهنم والعياذ بالله .. فما علينا إلا أن نسلك الطريق وأن نغتنم هذه التيسيرات فنتقي النار ولو بشق تمرة.
إن كل شيء في الكون رحمة من الله سبحانه وتعالى بخلقه حتى لو تبدي للناظرين أنه عناء وشقاء .. الشياطين .. الحيوانات المفترسة .. الثعابين .. العقارب .. الفجائع التي تصيب الإنسان في الأهل والأحباب .. في الصحة والمال .. كل هذا من رحمة الله بخلقه. فمن حكمته تبارك وتعالى ورحمته أنه أوجد للإنسان أعداء متعددين يلاحقونه دوما .. حتى إذا ما ضاق بهم ذرعا .. وعجز عن مقاومتهم .. لجأ إلي خالقه .. ليكون له طوق النجاة .. ولو أنه عز وجل لم يفعل ذلك لما ذكر الإنسان ربه إلا قليلا.
وهكذا يتجلى لنا أن الرحمة قد تكمن في جوف النقمة .. ولاشك أن كل ما يقرب الإنسان من خالقه هو الخير بعينه والرحمة بعينها وأن تجلي للسطحيين أنه نقمة ليس لوجودها مبرر. والمؤمن يجب أن يدعو الله دائما أن يتغمده برحمته في الدنيا والآخرة .. فالدعاء لاستجلاب الرحمة من خصال المؤمنين الصادقين المتقين الذين يخشون الله عز وجل ويخشون عذابه لأنهم على يقين أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق .. ولنقرأ قوله تعالى:
{لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسين أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "286"} (سورة البقرة)
وقوله تعالى:
{قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالحٍ فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين "46" قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني اكن من الخاسرين "47"} (سورة هود)
وقوله تعالى:
{أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم} (سورة البقرة ـ 218)
وقوله تعالى:
{ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً} (سورة آل عمران ـ 8)
وقوله تعالى:
{ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين} (سورة المؤمنون ـ 109)
ولا يظن المؤمن أنه آمن بمحض مشيئته .. ولا يظن الطائع أنه أطاع بخالص قدرته وإرادته؛ لأن الانتقال من الكفر إلي الإيمان، ومن المعصية إلي الطاعة يكون برحمة الله وتوفيقه واتل قوله تعالى:
{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً} (سورة النور ـ 21)
ورحمة الله عز وجل مطلقة كسائر صفاته، ولقد أشار الحق تبارك وتعالى إلي ذلك في العديد من الآيات القرآنية .. فقال جل وعلا:
{قال عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء} (سورة الأعراف ـ 156)
وقال سبحانه:
{قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين "92"} (سورة يوسف)
إنه عز وجل ارحم الراحمين وخير الراحمين، ورحمته وسعت كل شيء .. فهي الرحمة المطلقة التي غمرت كل المخلوقات وغمرت كل البشرية بما فيها من عناصر الكفر بالله والشرك به والمعصية له والجحود بأنعمه. ومن العجيب أن هذه العناصر الكافرة والمشركة والمعصية تحاول هباء أن تشكك في طلاقة الرحمة .. فيقولون: كيف تكون رحمة الله مطلقة رغم أنه سيدخل بعضا من خلقه جهنم ويذيقهم أشد العذاب؟. محاولين بذلك أن يتلمسوا لأنفسهم مخرجا إذ ما اكتشفوا بعد الموت أن الله عز وجل حق، وإذا ما اكتشفوا زيف عقائدهم التي أصروا عليها في الدنيا.
وقد بينا في غير موضع سذاجة فكرهم وسطحية عقولهم، وجهلهم بمفهوم الكمال الإلهي .. ونكرر ما ذكرنا من قبل في هذه الجزئية الهامة حتى يعلم من لم يعلم، ويتثبت من علم. لقد قلنا ردا عليهم: أن هذا فهم قاصر .. إذ أن رحمة الله قد شملت جميع مخلوقاته منذ أن خلقهم من العدم المطلق وتكفل بتوفير مقومات الحياة لهم من هواء وماء وطعام إلي غير ذلك مما لا نستطيع حصره، وفي مقابل ذلك طلب منهم عبادته وطاعته بما هو ميسور لهم من العبادات، وهذه العبادة ليست إلا القيام ببعض الأعمال وامتناع عن بعض .. علما بأن الالتزام بالفعل والامتناع يكفل لهم حياة كريمة هادئة ويحقق لهم الأمن والأمان وسعادة الدنيا والآخرة، فإذا أطاعوا الله فيما أمر به ونهى عنه فستشملهم رحمته في الآخرة كما شملتهم في الدنيا.
وأما من عصى ولم يعبد الله بما يتناسب مع نعمه عليه فقد أسقط عن نفسه موجبات الرحمة في الآخرة، واستحق أن يعامله الحق عز وجل بمقتضى عدله المطلق الذي يقتضي معاملة كل إنسان وفقا لعمله في الدنيا. ولو ساوى الله بين عباده في الحساب وأدخل الجميع فسيح جناته لأصبح ظالما لعباده الصالحين الطائعين .. فعدله عز وجل يقتضي أن يكون رحمن الدنيا فتشمل رحمته في الدنيا جميع خلقه، وأن يكون رحيم الآخرة فتشمل رحمته في الآخرة عباده الصالحين الطائعين، بل إن تعذيب النفوس الشريرة التي دأبت على المعصية قد يكون رحمة من الله سبحانه وتعالى لتطهير هذه النفوس من شرها وعنادها، فإذا أدخلها الجنة بعد ذلك دخلت طاهرة بما يتناسب مع قداسة الجنة وقداسة أهلها.
إن الله تبارك وتعالى واحد أحد متعدد الصفات، ولكل صفة مجال للعمل، فصفة الرحمة لها موجبات، وصفة الانتقام لها موجبات، فإذا تحققت موجبات الرحمة حلت الرحمة حيث تحققت موجباتها .. وإذا تحققت موجبات الانتقام الإلهي .. حل الانتقام حيث تحققت موجباته .. ولا تعارض بين هذا وذاك.
وأنه لمن الجهل المتعمد بالكمال الإلهي أن ينتقي الإنسان من الصفات الإلهية ما يوافق هواه فيتشبث بها، بينما يغفل ويتناسى سائر الصفات وكأنها ليست من صفات الله عز وجل.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله لما قضى الخلق كتب عنده فوق عرشه: "إن رحمتي سبقت غضبي"
وفي رواية "تغلب غضبي" أي غلبت بكثرة آثارها .. بدليل أن قسط الخلق من الرحمن اكبر من قسطهم من العذاب، لنيلهم إياها بلا استحقاق، فقلم التكليف مرفوع عنهم إلي البلوغ، وعقوبة العصيان غير معجلة، وحتى مع العصيان فإن الله يرزقهم ويقبل توبتهم. إن الحق جلا وعلا رحمن رحيم في نفس الوقت الذي هو فيه شديد الانتقام وشديد العذاب، ولا تعارض البتة لمن يفهم المسألة على وجهها الصحيح. فسبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم .. الرحيم الذي ينزل إلي السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول:
أنا الملك.
من ذا الذي يدعوني فاستجب له؟
من ذا الذي يسألني فأعطيه؟
من ذا الذي يستغفرني فاغفر له؟

المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=2&Page=5)

فلا يزال كذلك حتى يضئ الفجر.
فتبارك ربنا الملك الحق .. الرحمن الرحيم.

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 42 : 07 PM
الملك

ملك الشيء أي حازه وانفرد باستعماله والانتفاع به أو التصرف فيه. والاسم مالك .. وأملكه الشيء أو ملكه الشيء أي جعله ملكا له .. وتملك الشيء أي امتلكه. (والملك) بفتح الميم واللام هو واحد الملائكة، وهو جنس من خلق الله تعالى نوراني لطيف كجبريل وعزرائيل. أما (الملك) بفتح الميم وكسر اللام فهو اسم من أسماء الله الحسنى .. وهو يعني ذو الملك وصاحب التصرف فيما يملك بجميع الوجوه ما علمناه منها وما لم نعلم. حين يملك الإنسان شيئا يقال له مالك .. ولكن ملكه محدود بحدود ما ملكه من أشياء. وقد يستخدم الاسم (ملك) مع الإنسان .. ولكن يلاحظ أنه يأتي دائما مضافا .. كأن نقول ملك بلجيكا أي ولي السلطة ببلجيكا.
هذا عن ملك الإنسان .. أما عن ملك الحق جل وعلا فإن الأمر يختلف، لأنه سبحانه وتعالى ليس مالكا فحسب .. بل هو الملك .. الذي يملك الأشياء ويملك من ملكها. إذا امتلك إنسان قطعة أرض فإنه يصير مالكا .. أما الحق جل وعلا فهو الملك لأنه الملك هذا الإنسان ويملك قطعة الأرض ما بحكم كونه الخالق لهما وللكون بأكمله. إن من يشتري شيئا يصير مالكا له .. فمن باب أولى أن ملكية الخالق لما خلق أجلى وأوضح.
وملك الله تبارك وتعالى لكونه يتضمن مفهوم الملكية البسيطة والمستقى من ملكية الناس لبعض متاع الدنيا ويزيد عليه بوجوه أخرى .. فملكية الإنسان ملكية رمزية، أما ملكية الله جل وعلا فهي ملكية حقيقية. إن لحق تبارك وتعالى يملك مخلوقاته ولا يشاركه في هذه الملكية أحد وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:
{ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض} (سورة البقرة ـ 107)
ويقول عز وجل:
{ولله ملك السماوات والأرض والله على كل شيء قدير} (سورة آل عمران ـ 189)
ويقول تبارك وتعالى:
{ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير} (سورة المائدة ـ 18)
ويقول سبحانه:
{ولله ملك السماوات والأرض وما فيهن} (سورة المائدة ـ 120)
ولقد كلف الله رسله عليهم افضل الصلاة والتسليم بإخبار الناس بهذه الملكية .. وبالفعل كان الرسل جميعا يدعون الناس إلي الإيمان بملكية الحق تبارك وتعالى لكونه، كما يدعونهم إلي الإيمان بعقيدة التوحيد الخالص، ولقد كلف الله نبينا عليه افضل الصلاة وأتم التسليم بأن يخبر الناس بأنه جل وعلا هو الملك الذي له ملك السماوات والأرض .. فقال جل وعلا:
{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون "158"} (سورة الأعراف)
ومن آثار ملكه عز وجل لكونه أنه يملك استبدال هذا الكون أو بعض منه بخلق جديد .. وفي ذلك يقول جل وعلا:
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17"} (سورة فاطر)
كما يملك أيضا أن يضيف إلي كونه ما ليس فيه كما قال جل وعلا:
{الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1"} (سورة فاطر)
ومن هذه الآثار أيضا أنه تبارك وتعالى يحيي ويميت من يشاء حين يشاء ولا يشاركه في ذلك أحد .. وقد رأينا ذلك الذي حاج إبراهيم في ربه .. هذا الرجل الذي آتاه الله ملكا، فتخيل بجهله أنه يملك الأحياء والإماتة فظن أنه إذا حكم على إنسان بالموت ثم عفا عنه فقد أحياه .. وإذا نفذ فيه الحم فقد أماته.
كان يملك سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يقول له: إن عفوك عن هذا الإنسان بعد أن حكمت عليه بالموت ليس إحياء، لأن الإحياء يكون من العدم أو يكون من الموت، وأنت لم تفعل هذا ولا ذاك، وإن افترضنا جدلا أنك عفوت عنه بعد أن حكمت عليه بالموت، فإنك بذلك لا تكون قد أحييته .. وإنما أبقيت على حياته والتي كانت له قبل أن تحكم عليه أو تعفو عنه .. أما عن ادعائك بأنك نفذت الحكم فإنك تكون بذلك قد أمته، فإن ذلك فهم مغلوط؛ لأنك في حقيقة الأمر نفذت إرادة الله بموته، ولم تمته بإرادتك وقدرتك.
ولكن سيدنا إبراهيم لم يلجأ إلي كل هذا الجدل، لأن حجج قهر الكافرين المجادلين بالباطل لا تحصى، لكنه اختار حجة يسيرة لم يملك هذا الرجل لها دفعا ولا ردا .. وفي ذلك يقول جل وعلا:
{ألم تر إلي الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذا قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين "258"} (سورة البقرة)
ومنها أنه سبحانه وتعالى يعلم عن كونه كل شيء .. يعلم كل صغيرة وكبيرة وفي ذلك يقول جل وعلا:
{وسع ربي كل شيء علماً أفلا تتذكرون} (سورة الأنعام ـ 80)
ويقول سبحانه:
{وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} (سورة فاطر ـ 11)
ويقول عز وجل:
{ذلك لتعلموا أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض} (سورة المائدة ـ 97)
ويقول الحق تبارك وتعالى:
{قال ربي يعلم القول في السماء والأرض} (سورة الأنبياء ـ 4)
ويقول عز من قائل:
{قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض} (سورة الفرقان ـ 6)

.../...

أبو عادل
06 / 01 / 2010, 43 : 07 PM
ومن آثار ملكه أيضا أن كل ما يستجد في الكون، وهو الغيب بالنسبة لنا يستجد بإرادته وبعلمه .. وفي ذلك يقول سبحانه:
{قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة} (سورة الزمر ـ 46)
ويقول سبحانه وتعالى:
{ثم تردون إلي عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون} (سورة الجمعة ـ 8)
ولم يقف علمه عند هذه الدرجة فحسب، بل أنه يعلم ما يجول بخواطر البشر، وما تنطوي عليه صدورهم، وفي ذلك يقول جل وعلا:
{ويعلم ما تخفون وما تعلنون} (سورة النمل ـ 25)
ويقول سبحانه:
{وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون "69"} (سورة غافر ـ 16)
ومن هذه الآثار أيضا أن مآل كل شيء إليه .. فكما كانت البداية منه فإن النهاية تكون لديه .. كما قال عز وجل:
{له ملك السماوات والأرض وإلي الله ترجع الأمور "5"} (سورة الحديد)
وأنه مالك يوم الدين .. كما قال سبحانه وتعالى:
{الحمد لله رب العالمين "2" الرحمن الرحيم "3" مالك يوم الدين "4"} (سورة الفاتحة)
وكما قال عز وجل:
{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} (سورة غافر ـ 16)
وأنه سبحانه وتعالى منفرد بالملك، بلا شريك ينازعه في ملكه وربوبيته وألوهيته في الدنيا والآخرة .. كما قال جل وعلا:
{وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك} (سورة الإسراء ـ 111)
وإذا كان الحق تبارك وتعالى هو الملك في الدنيا والآخرة، فهو ـ إذن ـ وحده وبلا شريك الذي يملك النفع والضر، وفي ذلك يقول عز وجل:
{قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضراً ولا نفعاً} (سورة المائدة ـ 76)
ويقول سبحانه:
{قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار} (سورة يونس ـ 31)
ويقول المولى تبارك وتعالى:
{ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً} (سورة النحل ـ 73)
ويقول الحق سبحانه:
{قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً} (سورة الفتح ـ 11)
ويقول ربنا تبارك وتعالى:
{فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً} (سورة الإسراء ـ 56)
ويقول وقوله الحق:
{ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً} (سورة الفرقان ـ 3)
وإذا فهمنا ذلك فإنه ينبغي علينا أن ننصرف إليه وحده بالدعاء في كل صغيرة وكبيرة، لأن الدعاء لغيره دعاء لمن لا يملك شرا ولا نفعا .. بل إن جميع السبل التي يلجأ إليها الإنسان لتحقيق أغراضه ومصالحه كالرشوة والوساطة وغيرها كلها أسباب بيد الله. وينبغي أن نفهم جيدا أن الأسباب لا تحقق ما لا يريد الله تحقيقه، وإذا صادف أن تحققت مصلحة بأحد هذه السبل، فإنها تكون قد تحققت لأن إرادة الله قد شاءت لها أن تتحقق فالإرادة الإلهية تحرك الأسباب، بينما لا تملك الأسباب أن تؤثر في الإرادة أو تحقق ما يخالفها. والحق تبارك وتعالى يحثنا على أن نتوجه إليه سبحانه بالدعاء ودون أن نشرك معه غيره مع الثقة أن كل شيء منه .. فيقول جل شأنه:
{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير "26"} (سورة آل عمران)
ولقد أدرك نبي الله سليمان عليه السلام هذه الحقيقة .. فدعا الله وحده أن يهبه ملكا لا ينبغي لأحد من بعده .. فاستجاب الحق تبارك وتعالى لدعوته وسخر له كل عناصر الكون .. وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:
{قل رب اغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "35" فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب "36" والشياطين كل بناءٍ وغواصٍ "37" وآخرين مقرنين في الأصفاد "38" هذا عطاؤنا فأمنن أو أمسك بغير حسابٍ "39" وإن له عندنا لزلفى وحسن مآبٍ "40"} (سورة ص)
إنه سبحانه وتعالى الملك .. الآمر الناهي في ملكه .. المعز المذل .. الذي يقلب شئون عباده ويصرفها كيف يشاء .. والإقرار له جل وعلا بالملك في الدنيا والآخرة والانفراد بهذا الملك فرض على المسلم. وقد التزم المصطفى صلى الله عليه وسلم بهذا الفرض .. فكأن عليه افضل الصلاة وأتم التسليم يقول دوما صباحا ومساء: "أمسينا وأمسى الملك لله. وفي الصباح يقول أصبحنا وأصبح الملك لله".
وكان يقول: "الحمد لله ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها ومن شر ما فيها، اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهم وسوء الكبر وفتنة الدنيا وعذاب القبر". والملك من الناس هو الذي يستغنى عن كل شيء سوى الله، وتلك رتبة الأنبياء عليهم السلام، وقد قال أحد المريدين لشيخه: أوصني .. فقال له: كن ملكا في الدنيا وملكا في الآخرة.
فقال: وكيف؟
قال الشيخ: اقطع طمعك وشهوتك عن الدنيا تكن ملكا في الدنيا والآخرة، فإن الملك في الحرية والاستغناء.

المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=3&Page=2)

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 06 : 06 PM
السلام.


(سلم) من الآفات ونحوها أي برئ .. و(أسلم) أي انقاد، وتطلق أيضا على من يعتنق الإسلام .. وأسلم أمره لله أي فوضه فيه، وسالم زيد أي صالحه .. وسلم بالأمر أي رضي به .. وسلم على القوم أي حياهم بتحية الإسلام.
و(الإسلام) هو الخضوع والرضا بالمسلم به.
وتطلق أيضا على الدين الذي نزله الله عز وجل على نبيه محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم. و(السم) أي الصلح وقد يراد بها الإسلام. و(السلام) اسم من أسماء الله الحسنى، وهو يعني في اللغة البراءة من العيوب والنقائص .. ويشمل في ثناياه معاني متعددة كالسكينة والأمان والاستقرار والهدوء. وابن القيم ـ رحمه الله ـ لله حول هذا الاسم من الأسماء الحسنى قول مأثور جاء فيه ما يأتي:
"الله جل وعلا أحق بهذا الاسم من كل مسمى به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه". "فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق (أي المخلوق له) سلام بالإضافة، فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام من أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم اكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله".
"فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمى والمماثلة، والسلام من الشريك". "ولذلك إذا نظرت إلي أفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاما مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلي تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقا وعدلا، وغناه سلام من الحاجة إلي غيره بوجه ما، بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني من كل ما سواه، وملكه سلام من مشارك له فيها، بل هو الله الذي لا إله إلا هو، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره، بل هو محض جوده وإحسانه وكرمه. وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه سلام من أن يكون ظلما، أو تشفيا، أو غلظة، أو قسوة، بل هو محض حكمته وعدله ووضعه الأشياء مواضعها، وهو ما يستحق عليه الحمد والثناء كما يستحق على إحسانه، وثوابه، ونعمه، بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضا لحكمته ولعزته، فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله، وحكمته، وعزته، فهو سلام مما يتوهم أعداؤه الجاهلون به من خلاف حكمته".
"وقضاؤه وقدره سلام من العبث والجور والظلم، ومن توهم وقوعه على خلاف الحكمة البالغة". "وشرعه ودينه سلام من التناقص والاختلاف والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته ـ أي شرعه ودينه مطابق لحكمته عز وجل ـ بل شرعه كله حكمه، وحرمة، ومصلحة، وعدل، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معارضة أو لحاجة إلي المعطي، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق، بل عطاؤه إحسان محض لا لمعارضة ولا لحاجة، ومنعه عدل محض وحكمة لا يشوبه بخل ولا عجز".
"واستواؤه وعلوه على عرش سلام من أن يكون محتاجا إلي ما يحمله أو يستوي عليه، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه، فهو الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا حاجة إلي عرش ولا غيره ولا إحاطة شيء به سبحانه وتعالى، بل كان سبحانه ولا عرش ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلي عرش ولا غيره بوجه ما".
"ونزوله كل ليلة إلي سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه، وسلام مما يضاد غناه. وكماله سلام من كل ما يتوهم معطل أو مشبه، وسلام من أن يصير تحت شيء أو محصورا في شيء، تعالى الله ربنا عن كل ما يضاد كماله". "وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق، بل هي موالاة رحمة، وخير، وإحسان، وبر كما قال عز وجل:
{وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل} (سورة الإسراء ـ 111)
"فلم ينف أن يكون له ولي مطلقا بل نفى أن يكون له ولي من الذل.
"وكذلك محبته لمحبته وأوليائه سلام من عوارض محبة المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له أو انتفاع بقربه، وسلام مما يتقوله المعطلون فيها.
"وكذلك ما أضافه إلي نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل".
"فتأمل كيف تضمن اسم السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى. وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان".
هذا ما جاء في حديث ابن القيم عن اسم الحق جل وعلا (السلام). ولقد ذكرنا مرارا أن المتأمل لكون الله عز وجل لابد أن يلمس لكل صفة من صفات الحق تبارك وتعالى أثارا لا تحصى. والسلام اسم من الأسماء الحسنى التي تمثل صفة من صفاته عز وجل، فإذا تأملت الكون ستجد أن السلام كامن في كل بقعة من بقاعه، فالكون يسير وفقا لنظام محكم وثابت لا يعتريه خلل ولا عطب .. الأرض التي نعيش عليها تدور بسرعة كبيرة حول نفسها .. وتدور في نفس الوقت حول الشمس بما يترتب على ذلك من تعاقب الليل والنهار وتعاقب فصول السنة.
ورغم هاتين الحركتين تجد أن الكون سلام من الأعطاب وسلام من الاضطرابات .. الشمس تحافظ على بعد ثابت من الأرض لا تتجاوزه بالنقص أو بالزيادة .. فلو اقتربت الشمس من الأرض لاحترقت كل الكائنات الحية .. ولو بعدت لتجمدت كل الكائنات من البرودة. الكواكب التي تدور في فلكها حول الشمس منها ما يمثل أضعاف أضعاف الكرة الأرضية من حيث الحجم والوزن .. فماذا لو خرجت إحدى هذه الكواكب عن مدارها فصدم الكرة الأرضية؟. لا شك أنه سيصيب الأرض بدمار شامل .. وهب أن الأرض فقدت جاذبيتها للأجسام التي تعلوها؟
ألن تتطاير تلك الأجسام إلي الفضاء الخارجي بلا ضابط ولا رابط وماذا لو ضعفت القشرة الأرضية أو تفككت؟ ألن تسقط الكائنات الحية ضحايا للزلازل والبراكين؟. إن الموجودات الكونية جميعها تؤدي عملها بلا توقف وبلا أعطال أو خلل، فالكون كله في سلام وأمان وسكينة واستقرار، وان كان الحق جل وعلا يصيبنا ببعض الكوارث الطبيعة بين الحين والآخر، فإنها إصابة مقصودة ولحكمة إلهية. فقد قلنا من قبل أن الحق تبارك وتعالى يريد بهذه الكوارث أن يجعلنا نذكره ونلجأ إليه لنطلب منه العون والنجاة.
ويلاحظ أن هذه الكوارث تأتي في الغالب حين يكون هناك إعراض من الغالبية العظمى من الناس .. فتأتي الكارثة ليفيق الجميع من الغفوة، ويتذكر بعد النسيان. وقد تكون هذه الكوارث غضبا من الله عز وجل على من حلت بهم لتجعلهم عبرة للمؤمنين. وقد تكون تذكرة لنا بنعمة السلام الدائم الذي نعيش فيه ليل نهار دون أن نلتفت إليها فنقدم من الحمد والشكر لله ما يكافئها. وقد غمرت صفة السلام الكون بعد بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقبل الرسالة المحمدية كان الناس يعيشون في الجاهلية الأولى، وكانوا جميعا يفتقدون الأمن والسلام بسبب أعمالهم. لقد كانوا يرتكبون كل المعاصي والجرائم بلا وزاع من دين أو ضمير: شرب الخمر .. السرقة .. الزنا .. خيانة الأمانة .. الكذب .. النميمة .. الغيبة .. الربا وغيرها من المعاصي التي ت*** معها التناحر والحروب.

.../...

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 06 : 06 PM
وحتى الأديان السابقة لم تقض على حالة الفوضى التي عاشتها البشرية قبل الإسلام .. فالدولة الرومانية كانت تعتنق المسيحية ورغم ذلك لم تختلف طبيعة الحياة فيها عنها لدى القبائل الوثنية. وقد قرأنا عن الحروب الطاحنة التي كانت تشنها هذه الإمبراطورية لكي تغزو سائر الدول وتضمها تحت رايتها .. فلما جاء الإسلام بعقيدته القويمة وعباداته ومعاملاته حل السلام الحقيقي بين الناس وانحدرت نسبة الجرائم لتوشك على الانعدام في بعض الدول الإسلامية. وقد انتقلت الحضارة الإسلامية إلي دول أوربا لتنقلها من ظلمات الجهل إلي نور العلم .. وهذه حقائق يرصدها التاريخ الأوروبي نفسه وليست مجرد افتراء بدافع الإحساس بالنقص كما يدعي البعض.
بمجيء الإسلام اجتمع السلام الكوني مع السلام بين الناس فصار الكون كله سلاما في سلام .. ولا ينقض هذه الحقيقة وجود بعض الخلافات والحروب بين بعض الدول، فالنزاعات والحرب سنن كونية .. وإنما الفيصل في الأمر هو حجم هذه الخلافات والحروب وما ينجم عنها من إخلال بالسلام الكوني. والإسلام سمي بهذا الاسم لما فيه من إسلام الوجه لله سبحانه وتعالى والخضوع له وطاعته .. ولما فيه من نشر السلام بين الناس. إن العبادات في الإسلام بما فيها من تذكرة دائمة للإنسان بخالقه ولما فيها من تدريب على ضبط النفس وقمع الأهواء وبما يتخللها من إرشادات ونصائح كخطبة الجمعة وكالاستماع إلي تلاوة القرآن الكريم في الصلاة وخارج الصلاة .. كل هذه المعاني الكامنة في العبادات الإسلامية تهذب النفس البشرية وتجعل الإنسان في سلام داخلي مع نفسه ومع خالقه ومع الكون المحيط به وتجعله في سلام مع غيره من الناس.
والإسلام قد نظم أيضا القواعد التي تحكم المعاملات بين الناس .. هذه القواعد تغطي جميع صور التعاملات .. وبها من القواعد العامة ما يكفي لاستنباط قواعد تفصيلية لكل ما يستجد من وجوه التعامل. ونذكر من هذه التعاملات البيوع، السلم، الشفعة، الإجارة، الكفالة، الوكالة، الحرث والمزارعة، الاستقراض وأداء الديون، الرهن، العتق، الهبة، الوصية وغير ذلك كثير.
وتتسم هذه القواعد بتحقيق العدل بين الناس والتوازن بين مصالحهم المتعارضة، مما يؤدي إلي القضاء على أسباب المشاكل بين الناس على مستوى الأفراد والدول .. فيقيهم شر الحروب الطاحنة وينشر بينهم السلام والود والأمان.
وفضلا عن ذلك. وضع الإسلام عقوبات معينة لكل من يرتكب جريمة من الجرائم كالقتل والزنا والسرقة وشرب الخمر وغيرها من الجرائم المخلة بالأمن والسلام بين الناس .. فمن يرتكب أيا من هذه الجرائم يعاقب بالعقوبة المحددة لها فتكون رادعة له ولكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة. إنه نظام محكم شيده الإسلام والسلام إلا من سلم المسلمون من لسانه ويده، وكيف يوصف به من لم يسلم هو من نفسه؟
ويقول سفيان بن عيينة رضي الله عنه: أوحش ما تكون الخلق، ثلاثة مواطن: يوم يولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه، أو يوم يموت فيرى قوما لم يكون عاينهم، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. قال: فأكرم الله فيها يحيى فخص بالسلام فقال:
{وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً "15"} (سورة مريم ـ 15)
كأنه أشار إلي أن الله عز وجل سلم يحيى عليه السلام من شر هذه المواطن الثلاثة وآمنه من خوفها. فعلى هذا إذا سلم المسلم على المسلم فقال: "السلام عليكم" فكأنه يعلمه بالسلامة من ناحيته ويؤمنه من شره وغائلته، كأنه يقول له: أنا مسلم لك غير حرب، وولي غير عدو. وقد أراد الحق سبحانه أن يكون الإسلام خاتما للأديان السابقة فقال:
{وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}
وقال سبحانه:
{فمن يريد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام} (سورة الأنعام ـ 125)
والسلام نعمة من الله يكافئ بها رسله وعباده الصالحين .. كما قال جل وعلا:
{ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام فما لبث أن جاء بعجلٍ حنيذٍ "69"} (سورة هود)
وكما قال عز وجل:
{وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حياً "15"} (سورة مريم)
وكما قال سبحانه:
{وتركنا عليه في الآخرين "78" سلام على نوح في العالمين "79"} (سورة الصافات)
وكما قال قوله الحق:
{وتركنا عليه في الآخرين "108" سلام على إبراهيم "109"} (سورة الصافات)
وكما قال ربنا تبارك وتعالى:
{وتركنا عليهما في الآخرين "119" سلام على موسى وهارون "120"} (سورة الصافات)
وكما قال سبحانه:
{وتركنا عليه في الآخرين "129" سلام على آل ياسين "130"} (سورة الصافات)
وكما قال سبحانه:
{وسلام على المرسلين "181" والحمد لله رب العالمين "182"} (سورة الصافات)
وكما قال عز وجل:
{قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69"} (سورة الأنبياء)
ولقد شاءت إرادة الحق جل وعلا ألا تكون الدنيا في سلام كامل؛ لأنه لم يرد للدنيا أن تكون دار قرار .. ولكن الأمر يختلف في الآخرة حين يكافئ الله عز وجل عباده المؤمنين الطائعين بالجنة .. فقد شاء تبارك وتعالى أن تكون الجنة دار القرار .. دار النعيم الأبدي الذي لا يقطعه مثقال ذرة من شقاء .. دار السلام الكامل. فإذا كنا قد عانينا في الدنيا من الأمراض المختلفة فإننا سننعم في دار السلام ـ إن شاء لنا المولى بالنجاة من النار ـ بصحة دائمة لا يقطعها مرض حيث لا حكمة ولا مسوغ له حينئذ .. وإذا كنا قد تناحرنا وتحاربنا في الدنيا على متاع من متاعها فإننا سننعم في دار السلام بود لا يقطعه حسد أو حقد أو غل أو ضغينة .. ومن أين تأتينا هذه الآفات القلبية وليس في الجنة إنسان ينقصه شيء .. إن أقل أهل الجنة درجات سيكون لهم فيها ما تشتهي الأنفس وهم فيها خالدون.
حين يلقي المؤمنون ربهم سيحييهم بتحية السلام .. كما قال عز وجل:
{تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجراً كريماً "44"} (سورة الأحزاب)
وسوف تحييهم الملائكة بتحية السلام .. كما قال سبحانه:
{جنات عدنٍ يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزي الله المتقين "31" الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون"32"} (سورة النحل)
وكما قال عز وجل:
{وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (سورة الزمر ـ 73)
وكما قال ربنا:
{وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيدٍ "31" هذا ما توعدون لكل أوابٍ حفيظٍ "32" من خشى الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب "33" ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود "34" لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد "35"} (سورة ق)
وبعد أن يدخلوا الجنة سيكون السلام تحيتهم الدائمة من الحق جل وعلا في ذلك يقول عز وجل:
{خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام} (سورة إبراهيم ـ 23)
اللهم أخرجنا من الدنيا بسلام .. وابعثنا يوم القيامة آمنين في سلام واجعلنا من الخالدين في دارك .. دار السلام.
المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=5&Page=2)

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 07 : 06 PM
المؤمن.

التصديق .. وأمن بكسر الميم أي اطمأن ولم يخف. والإيمان وصف يوصف به الإنسان .. يقال آمن فلان أو فلان مؤمن .. والإيمان بمعناه الشرعي يعني أن يؤمن الإنسان بكل ما دعانا الله عز وجل للإيمان به. وآمن بالله أي اعتقده حقيقة .. فآمن بوجوده وبصفاته التي وصف بها نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه عليه افضل الصلاة وأتم التسليم. وقد دعانا الله إلي الإيمان بملائكته .. أي بوجودهم وبصفاتهم التي بينها لنا .. ودعانا إلي الإيمان بالكتب السماوية التي أنزلها .. والإيمان بالرسل الذين أرسلهم بكتبه عز وجل .. وفي ذلك يقول جل وعلا:
{آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير "285"} (سورة البقرة)
إن الآية السابقة أوضحت أن حصر ما ينبغي أن يؤمن به الإنسان ليس بالأمر اليسير .. ذلك لأن الإنسان مكلف أن يؤمن بكل ما أنزله الله عز وجل على رسوله محمد عليه افضل الصلاة وأتم التسليم .. أي مطالب أن يؤمن بالقرآن الكريم كلا وتفصيلا .. فيؤمن بأنه كتاب من عند الله عز وجل ويؤمن بصحة ما جاء فيه. وأن يؤمن بما جاء في السنة النبوية الشريفة هذا عن معنى الإيمان حين يتعلق بالإنسان.
فما المقصود (بالمؤمن) حين يكون اسما ووصفا للحق تبارك وتعالى؟
المؤمن كوصف من أوصاف الله عز وجل له معان متعددة .. منها أنه تبارك وتعالى مؤمن بكل ما دعانا إلي الإيمان به .. فهو مؤمن أنه موجود .. ومؤمن بأنه موصوف بصفات الكمال المطلق، ومؤمن بأنه واحد أحد، ومؤمن أنه لا إله سواه، حيث قال جل وعلا:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "18"} (سورة آل عمران)
وسمى أيضا بهذا الاسم لأنه يؤمن عباده من كل خوف .. كما قال سبحانه:
{لإيلاف قريش "1" إلفهم رحلة الشتاء والصيف "2" فليعبدوا رب هذا البيت "3" الذي أطعمهم من جوعٍ وآمنهم من خوف "4"} (سورة قريش)
وقال سبحانه أيضا:
{وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون "55"} (سورة النور)
وقال عز وجل:
{وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام "35"} (سورة إبراهيم)
فاستجاب الله عز وجل لدعوة أبي الأنبياء كما أخبرنا في كتابه العزيز فقال:
{إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدىً للعالمين "96" فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين "97"} (سورة آل عمران)
وهو لا يؤمن عباده من مخاوف الدنيا فحسب، بل يؤمنهم من عذاب جهنم، ويبعثهم يوم القيامة من الفزع آمنين، وذلك بدعوته عز وجل لهم للإيمان به والالتزام بطاعته .. ولقد كرر سبحانه الدعوة إلي الإيمان في كتابه العزيز فقال جل وعلا:
{ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم "179"} (سورة آل عمران)
وقال عز من قائل:
{يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليماً حكيماً "170"} (سورة النساء)
وقال سبحانه:
{قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون "158"} (سورة الأعراف)
وإذا استجاب الإنسان لهذه الدعوة إلي الإيمان والدعوة إلي النجاة يكون جزاؤه الأمن يوم الفزع الأكبر .. كما قال عز وجل:
{من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزعٍ يؤمئذ آمنون "89"} (سورة النمل)
وقال سبحانه:
{وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون "81" الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون "82"} (سورة الأنعام)
وينعم عليهم بنعمة الأمن الدائم في جنات الخلد .. كما قال تعالى:
{يدعون فيها بكل فاكهةٍ آمنين "55" لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم "56"} (سورة الدخان)
ويقول الإمام الغزالي: إن حظ العبد من هذا الوصف أن يؤمن الخلق كلهم جانبه، بل يرجو كل خائف الاعتضاد به في رفع الهلاك عن نفسه في دينه ودنياه،
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه
وأحق العباد باسم المؤمن من كان سببا لأمن الناس من عذاب الله بالهداية إلي طريق الله والإرشاد إلي سبيل النجاة. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهبنا إيمانا صادقا كإيمانه عز وجل بوجوده وبوحدانيته وكمال صفاته .. وندعوه أن يهبنا الأمن في الدنيا، ويبعثنا يوم القيامة من الفزع آمنين فهو عز وجل كما وصف نفسه قائلا:
{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"} (سورة الحشر).
المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=6)

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 07 : 06 PM
أي أن قدرة الله فوق قدرتهم، وكما قال سبحانه عن قدرته في الخلق:
{والسماء بنيناها بأييدٍ وإنا لموسعون "47"} (سورة الذاريات)
إن كمال قدرة الله أحكم خلق السماء، والحق سبحانه مقدس ومنزه عن أن يتصور المخلوق كلمة (يد) بالنسبة له. ونحن نقول: الله قال ذلك فيجب أن نأخذها كما قال، لأنه سبحانه أعلم بذاته ونفسه، ونحيلها إلي كونه تعالى ليس له شبيه أو نظير. والعلماء قالوا عن الكرسي: أنه ما يعتمد عليه، فهل المقصود علمه؟ نعم. وهل المقصود سلطانه وقدرته؟ نعم، لأن كلمة (كرسي) توحي بالجلوس فوقه، والإنسان لا يجلس إلا إذا استتب له الأمر ولذلك يسمونه (كرسي الملك) لأن الأمر الذي يحتاج إلي قيام وحركة لا يجعلك تجلس على الكرسي، فعندما تقعد على الكرسي، فمعنى ذلك أن الأمر قد استتب، إذن فهو بالنسبة لله السلطان، والغلبة والقهر، والقدرة.
أو نقول: مادام قال: (وسع كرسيه السماوات والأرض) فالقصد دخول السماوات والأرض في وسعه واحتماله .. ونحن نعلم أن السماوات والأرض وما فيهن كائنات كبيرة بالنسبة لنا .. فعندما يقول الحق عز وجل: أن الكرسي قد وسعها .. نفهم من ذلك أن الكرسي أعظم من السماوات والأرض أي دخل في وسعه السماوات والأرض،
ولذلك يقول أبو ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي فقال: يا أبا ذر: ما السماوات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة. وان فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة
والبشرية بكل ما وصلت له من إنجازات علمية قد وصلت إلي القمر فقط وهو مجرد ضاحية من ضواحي الأرض، ومفصول عنا بمسافة تقاس بالثواني الضوئية. ولقد تعودنا في حياتنا أن نستخدم وحدات الميل والكيلومتر لقياس الأطوال والأبعاد الكبيرة، لكننا اكتشفنا أن هذه الوحدات ليست ذات نفع في قياس أبعاد النجوم، فالشمس مثلا تبعد عن الأرض ثلاثة وتسعين مليون من الأميال، لذلك وضع علماء الفلك وحدة ملائمة لقياس أبعاد النجوم وهي ما نسميه بالنسبة الضوئية .. ونحن نذهل عندما نعرف أن بعض النجوم يصل ضوؤها إلينا في خمسين سنة ضوئية، كل ذلك ونحن لم نصل بعد إلي السماء الدنيا، فما بالنا ببقية السماوات؟
إذن فحدود ملك الله فوق تصورنا .. لذلك نتساءل أي عظمة هي عظمة كرسي ذي الجلال والإكرام؟ الحق عز وجل يقول: (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما) ومعنى أده الشيء .. أي أثقله. وحتى نفهم ذلك هب أن إنسانا يستطيع أن يحمل عشرة كيلو جرامات، فإن زدنا هذا الحمل إلي عشرين من الكيلو جرامات فإن الحمل يثقل عليه، ويجعل عموده الفقري معوجا حتى يستطيع أن يقاوم الثقل، فإن زدنا الحمل أكثر فقد يقع الرجل على الأرض من فرط زيادة الوزن!
إذن فمعنى (ولا يؤوده حفظهما) أي أنه لا يثقل على الله حفظ السماوات والأرض .. إن السماء والأرض وهما فوق اتساع رؤية البشر، قد وسعهما الكرسي الرباني. وقال بعض المفسرين: إذا كان الكرسي لا يثقل عليه حفظ السماوات والأرض فما بالنا بصاحب الكرسي؟ هاهو ذا الحق سبحانه وتعالى يطمئننا فيقول:
{إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41" } (سورة فاطر)
إنه الحق وحده تبارك وتعالى الذي يحفظ السماوات والأرض في توازن عجيب ومذهل، ولئن قدر لهما أن تزولا .. فلن يحفظهما أحد بعد الله، أي لا يستطيع أحد إمساكهما، فهما قائمتان بقدرة الواحد القهار، وإذا أراد الله أن تزولا فلا يستطيع أحد أن يمسكهما ويمنعهما من الزوال. وقد بدأ الحق جل وعلا آية الكرسي بإثبات بعض الصفات له وهي الحي .. القيوم .. وكونه تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم .. ويستلزم قيوميته أو قيامه سبحانه وتعالى بذاته وإقامته لغيره .. ويستلزم أن يكون له الملك حتى يتصرف في ملكه كيف يشاء. ويحدثنا تبارك وتعالى عن هذا الحفظ وهذه الرعاية الدائمة فيقول:
{ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين "16" كل شيطانٍ رجيمٍ "17" إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين "18" } (سورة الحجر)
ويحدثنا عز وجل عن حفظه لبني آدم فيقول:
{وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظةً حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون "61" ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين "62" قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعاً وخفيةً لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين "63" قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون "64"} (سورة الأنعام)
ومن مظاهر هيمنة الحق عز وجل على ملكه أنه يملك أن يزيد فيه أو ينقص منه ما يشاء ويعطينا عز وجل مثال على ذلك في قوله تعالى:
{الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1"} (سورة فاطر)
والكون ليس أزليا أبديا كما يعتقد بعض الملحدين .. فلا جدال في كونه مخلوق له بداية لم يكن موجودا قبلها، واستمراريته على هذا النحو من الثبات والانتظام ترجع إلي رعاية وحفظ الله له، وحين تشاء إرادته عز وجل لهذا العالم أن ينتهي .. سينتهي وسيختل النظام، وهذا ما سيحدث يوم القيامة، كما صوره الحق في العديد من الآيات القرآنية فقال سبحانه:
{إذا زلزلت الأرض زلزالها "1" وأخرجت الأرض أثقالها "2" وقال الإنسان ما لها "3" يومئذٍ تحدث أخبارها "4" بأن ربك أوحى لها "5" يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم "6" فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يره "7" ومن يعمل مثقال ذرةٍ شراً يره "8"} (سورة الزلزلة)
وقال عز وجل:
{إذا السماء انشقت "1" وأذنت لربها وحقت "2" وإذا الأرض مدت "3" وألقت ما فيها وتخلت "4" وأذنت لربها وحقت "5" يا أيها الإنسان إنك كادح إلي ربك كدحاً فملاقيه "6"} (سورة الانشقاق)
وكما قال سبحانه:
{القارعة "1" ما القارعة "2" وما أدراك ما القارعة "3" يوم يكون الناس كالفراش المبثوث "4" وتكون الجبال كالعهن المنفوش "5" فأما من ثقلت موازينه "6" فهو في عيشة راضيةٍ "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"} (سورة القارعة)
جميع الآيات السابقة تصف لنا هول القيامة، ونفهم منها أن هذا الثبات وهذا النظام الدقيق المحكم الذي ظن الملحدون أنه أزلي أبدي سوف يتحطم وينقلب رأسا على عقب، وساعتها سيدرك الجميع أن الكون كان يسير بأمر الله ورعايته وحفظه، وأنه حين شاء له النهاية .. كانت النهاية. وينبغي ألا ننسى أن هيمنة الحق جل وعلا تمتد لتشمل قلوب عباده، ويوم القيامة خير دليل على ذلك .. فالناس في هذا اليوم قسمان:
قسم تبلغ قلوبهم الحناجر من شدة الخوف والرعب .. وقسم من الفزع يومئذ آمنون .. فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. وليس أدل على ذلك من أن الموقف يوم القيامة موحد على الجميع ولكن المشاعر شتى .. فندعوه سبحانه وتعالى أن يهيمن على قلوبنا يوم الفزع الأكبر ويهبنا الثبات والسكينة والطمأنينة .. فهو عز وجل كما وصف نفسه:
{هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون "23"} (سورة الحشر).

المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=7&Page=2)

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 08 : 06 PM
العزيز

عز أي قوي وسلم من الذل .. وعز فلان على فلان أي كرم عليه، وعز على كذا أي شق على .. وعز فلانا أي غلبه وقهره .. وأعزه أي جعله قويا عزيزا. والعزيز اسم من أسماء الله الحسنى ويعني الغالب الذي لا يهزم، وهو اسم يضم ثناياه العديد من الصفات: كالقوة والغلبة والقدرة على كل شيء والقيومية. وهذه العزة تتجلى في العديد من الآيات القرآنية الكريمة منها قوله تعالى:
{الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقٍ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع صلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز "40"} (سورة الحج)
فالحق تبارك وتعالى بعزه قوته يحول دون تهدم المساجد والصوامع والبيع .. وبعزة قوته ينصر من يشاء من عباده، ولا يعوقه عن هذا النصر عائق؛ لأنه سبحانه العزيز بقوته التي لا تدانيها قوة. ومن هذه الآيات أيضا قوله تعالى:
{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73" ما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز "74"} (سورة الحج)
فبعد أن لفتنا الحق جل وعلا إلي عجز وضعف الآلهة الباطلة والتي لا تستطيع مجتمعة أن تخلق ذبابة .. بل أنهم لا يستطيعون استرداد ما سلبه الذباب منهم، ويلفتنا في نفس الوقت إلي قوته وعزته، فهو سبحانه وتعالى قادر على ما يعجز عنه غيره. ويلاحظ من التقابل في هذه الآية الكريمة أن الضعف قرين المذلة والقوة قرينة العز. فضعف هذه الآلهة الزائفة بما يترتب عليه من عجز وذل وانكسار يلفتنا إلي استحالة كونها آلهة.
في حين نجد العكس بالنسبة لله عز وجل، فقوته وقدرته على إنفاذ إرادته بما يترتب على ذلك من عزته تبارك وتعالى يلفتنا إلي حقيقة ألوهيته، والحق تبارك وتعالى ختم الآية السابقة بقوله تعالى: (وما قدروا الله حق قدره إن الله لقوي عزيز) .. فإذا عجز من في الأرض جميعا على خلق ذبابة ولو اجتمعوا لذلك، فهذا يلفتنا إلي قوة الله عز وجل وقدرته اللامحدودة. إنه تبارك وتعالى قد خلق هذا الذباب الذي عجزنا عن خلقه رغم ضآلته، وخلقه بكلمة (كن) دون عناء أو إعياء، وإذا كنا لا نستطيع أن نستنقذ ما سلبه الذباب منا فهو جل وعلا قادر على ذلك. فالقوة الإلهية اللانهائية والقدرة اللانهائية تستوجب العزة للذات الإلهية، فالحق جل وعلا لا يضعف فينكسر ولا يذل لقوي يعينه أو يعجز فينكسر، أو يذل إلي قادر ينجز له ما عجز عنه. ولقد قرن الحق تبارك وتعالى صفة القوة بصفة العزة في آيات أخرى متعددة، منها قوله تعالى:
{لقد أرسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز "25"} (سورة الحديد)
وقوله تعالى:
{كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز "21"} (سورة المجادلة)
إنه تبارك وتعالى عزيز بقوته فلا يهزم ولا يغلب، بل هو الغالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وهو عزيز بقدرته فلا يعجزه شيء، وكيف يعجز والعجز ذلة وانكسار وهو سبحانه العزيز؟ وإذا كانت العزة تعني القوة والغلبة .. فإن ذلك لا يعني أن عزة قوته تبارك وتعالى مبنية على الظلم، أو أن عزة غلبته مبنية على القهر؛ لأنه جل وعلا منزه عن الظلم ومنزه عن القهر .. ولذلك أشار عز وجل إلي أن عزته موصوفة بالعلم فقال:
{إن ربك يقضي بينهم بحكمه وهو العزيز العليم "78"} (سورة النحل)
وقال جل شأنه:
{والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العلم "38"} (سورة يس)
ووصفها تبارك وتعالى بالحكمة حتى لا يظن أحد أنها عزة بطش أو ظلم أو قهر أو استكبار فقال تعالى:
{ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم "220" } (سورة البقرة)
وقال جل وعلا:
{وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} (سورة آل عمران ـ 126)
وقال سبحانه:
{ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم "63"} (سورة الأنفال)
وموصوفة بالرحمة كما في قوله تعالى:
{وتوكل على العزيز الرحيم "217" الذي يراك حين تقوم "218"} (سورة الشعراء)
كما قال سبحانه:
{إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم "42"} (سورة الدخان)
وموصوفة بالمغفرة كما في قوله تعالى:
{رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار "66"} (سورة ص)
وكما قال سبحانه:
{كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار} (سورة الزمر ـ 5)
فتبارك ربنا الملك الحق العزيز بقوته، العزيز بقدرته، العزيز بقيوميته وغناه عمن سواه .. فندعوه جل وعلا أن يهبنا من عزته عزا في الدنيا والآخرة .. وندعوه كما علمنا في قوله تعالى:
{واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم} (سورة الممتحنة ـ 5).

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 09 : 06 PM
المتكبر.

(كبر) بفتح الكاف وكسر الباء أي أسن أو تقدم في العمر. و(كبر) بفتح الكاف وضم الباء أي عظم وتعالى. والكبر أو الكبرياء تعني العظمة أو العلو والرفعة. والمتكبر كوصف للعبد صفة ذميمة، ولكنها صفة من صفات المدح الواجبة للكمال الإلهي المطلق. فالعبد الذي يتكبر أي يتعاظم إنما يتكبر ويتعاظم على غيره من العباد، وهذا تكبر بلا مقتضى وبلا سند، فالناس سواسية كأسنان المشط مهما اختلفت درجاتهم، فاختلاف الدرجات والرتب لا يخرج أحدا عن كونه إنسانا، وكلنا في هذا الوصف سواء، وهو اختلاف لا يجعل أحدنا أعظم من أخيه، لأنه اختلاف لا فضل لنا فيه، إذ مرجعه إلي إرادة الله عز وجل وحكمته التي ذكرها في قوله تعالى:
{أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعضٍ درجاتٍ ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمت ربك خير مما يجمعون "32"} (سورة الزخرف)
إن الآية الكريمة صريحة في أن الله عز وجل رفع بعضنا فوق بعض درجات، فلا فضل لنا إذن في ذلك، وإن قال أحد: إنما أوتيته على علم عندي أو عمل قمت به فإننا نقول له إن علمك وعملك أيضا هبة من الله عز وجل، وقد أراد سبحانه بهذا التفاوت أن يجعل كلا منا مسخرا للآخر.
ولا يظن أحد أن هذا التفاوت يتنافى مع العدل الإلهي، ومن يظن ذلك فإننا نقول له: إنك فهمت الآية فهما خاطئا؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يقسم عباده قسمين .. قسم مسخر، وقسم مسخر، بل جعل كلا منا مسخر ومسخر في آن واحد، فالذي يعمل في تسليك المجاري ودورات المياه مسخر للطبيب والمهندس وغيرهما، وفي نفس الوقت فإن الطبيب والمهندس وغيرهما مسخرون لخدمة عامل المجاري .. بل إن ما يبذله عامل المجاري في عمله وما يلاقيه من عناء لا يمثل مثقال ذرة مما عاناه الطبيب أو المهندس من الكد والعناء طوال سنوات الدراسة وتحصيل العلم الذي يمكنه من أداء الخدمة التي يؤديها لهذا العامل. فالكل إذن مسخر ومسخر وفقا لمعنى الآية السابق، ومن أسباب التفضيل أيضا قوله تعالى:
{هو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم "165"} (سورة الأنعام)
وهذه حكمة أخرى لتفاوت الدرجات ألا وهي الابتلاء، فالغني مثلا يبتلى فيما أوتي من سعة الرزق .. هل سيخرج زكاة ماله ويؤتي الصدقات أم يكنز الأموال؟ والفقير يبتلى هل سيصبر على ضيق ذات اليد .. أم يعترض ويسخط؟ وهكذا الشأن في سائر النعم والنقم!! فإذا كان التفاوت بين العباد حادثا بإرادة الله عز وجل ولحكمته، وليس لنا فيه فضل، فإنه لا يصح أن يتصور أحدنا أنه أعظم أو اكبر من أخيه، ومن يتصور ذلك فهو متكبر، والتكبر في حقه صفة ذميمة، لأنه أراد أن يصف نفسه بما ليس لها، فمهما أوتي الإنسان من زينة الدنيا فهو إنسان وهو عبد الله عز وجل، ولن تخرجه ممتلكاته عن هذا الوصف، وقد أوضح لنا الحق جل وعلا موقفه من المستكبرين من خلقه وأوضح لنا جزاءهم يوم القيامة فقال سبحانه:
{إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين "60"} (سورة غافر)
وقال عز وجل:
{والذين كذبوا بآيتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون "36"} (سورة الأعراف)
وقال الحق سبحانه:
{إن الذين كذبوا بآيتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين "40"} (سورة الأعراف)
وقد مدح الله عز وجل عباده الذين لا يستكبرون عن عبادته في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:
{إنما يؤمن بآيتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون "15"} (سورة السجدة)
أما (المتكبر) كاسم من أسماء الله عز وجل وصفة من صفاته، فإنه من مقتضيات الكمال الإلهي المطلق، وهو لا يعني أن الحق تبارك وتعالى يتكبر على عباده كما يفهم السطحيون، وإنما يعني أنه جل وعلا عظيم بذاته ومتعالي فوق عباده بحكم كونه الخالق الموصوف بصفات الكمال المطلق وبحكم كونهم المخلوقين من العدم والقائمين به عز وجل ولا قيام لهم بدونه.
والحديث عن الصفات الإلهية دون فهم معناها يوقع في الخطأ الجسيم والضلال المبين، وقد سمعنا من قبل مقولة أحد المستشرقين: أنه في الوقت الذي تصف فيه عقيدتنا السمحاء الخالق بالتواضع المطلق فإن الإسلام يصفه بالكبرياء المطلق، وهذا القول إن دل على شيء فإنما يدل على جهله بمفهوم الصفات الإلهية في الإسلام، فمفهومه للتكبر والتواضع بالنسبة لله عز وجل كمفهومه للتواضع والتكبر بين الناس، وشتان بين هذا وذاك.
إن العلاقة بيننا وبين الله عز وجل فيما يتعلق بالتكبر والتواضع هي أن الحق تبارك وتعالى هو (المتكبر) أي العظيم بذاته والمتعالي بذاته ونحن (المتواضعون) له، فإذا أردنا أن نتكبر على بعضنا البعض أو عليه عز وجل فقد خرجنا على مقتضى التواضع الذي هو صفة لصيقة بنا وهذا محرم شرعا، وقد قال جل وعلا في الحديث القدسي:
(العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما ألقيته في النار)
بينما التواضع في حق الله عز وجل خروج على مقتضى العظمة الذاتية والعلو الذاتي له جل وعلا، وهو تكلف غير جائز على الله تبارك وتعالى، وإذا قال زيد من الناس أنه يعامل الناس بتواضع فإنه في حقيقة الأمر متكبر؛ لأنه يشعر في دخيلة نفسه أنه افضل منهم وأعظم منهم ومع ذلك فهو يعاملهم بتواضع، وإن جاز أن يوصف إنسان بأنه متواضع فإنه لا يجوز أن يوصف الله عز وجل بهذا الوصف لأن التواضع في اللغة من الضعة وهي الدنو، والدنو يليق بالمخلوق ولكنه لا يليق بالخالق عز وجل المتصف بصفات الكمال المطلق.
والكبرياء الإلهي عصمة من الانقياد لأحد، إذا كيف ينقاد الحق عز وجل لغيره وهو المتكبر المتعالي عن صفات الخلق ولا يعلوه متكبر. فسبحان المتكبر بربويته، المتكبر على الطغاة من خلقه الذي تذل له المخلوقات ولا يذل سبحانه لأحد، والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين، وإنما سمة العبيد الخشوع والتذلل. وسبحان الذي جعل التواضع سمة من سمات خلقه، بينما الكبرياء صفة من صفات كماله، لصيقة بذاته، قديمة قدمه، وسبحان الذي قال عن نفسه وقوله الحق:
(هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون)
كما قال سبحانه:
{وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "37"} (سورة الجاثية).

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 10 : 06 PM
الخالق.




خلق الله العالم أي أوجده من العدم، والخالق بالألف واللام لا تطلق إلا على الحق عز وجل، فيجوز أن يطلق على الإنسان وصف (خالق) ولا حرج، بينما لا يجوز أن يوصف أن يسمى (الخالق) ويؤخذ ذلك من قوله تعالى:
{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طينٍ "12" ثم جعلناه نطفةً في قرار مكين "13" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله احسن الخالقين "14"} (سورة المؤمنون)
فدل قوله تعالى (فتبارك الله احسن الخالقين) على أنه عز وجل أطلق على الإنسان وصف خالق وذلك مع الأخذ في الاعتبار أن خلق الإنسان هو خلق معدوم من موجود، بينما خلق الله هو خلق موجود من معدوم. خذ على سبيل المثال: السيارة تجد أن الإنسان يخلقها من مواد موجودة في الكون كالمعدن وخلافه، ولو لم تكن هذه المواد موجودة لما استطاع الإنسان أن يخلق أو يصنع سيارة.
أما بالنسبة للحق جل وعلا فإن الأمر مختلف .. إذ أنه يخلق الشيء من العدم المطلق .. والعدم المطلق هو اللا شيئية .. فهو تبارك وتعالى يخلق الشيء دون أن يكون له سابقة وجود على الإطلاق، ولقد أكد عز وجل على مسألة الخلق من العدم المطلق في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:
{قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً "9"} (سورة مريم)
وقوله تعالى:
{هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً "1"} (سورة الإنسان)
أي أن الإنسان لم يكن له وجود قبل أن يخلقه الله عز وجل. وقوله تعالى:
{إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} (سورة يونس ـ 4)
وقوله تعالى:
{قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده} (سورة يونس ـ 34)
وقوله تعالى:
{كما بدأنا أول خلقٍ نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين "104"} (سورة الأنبياء)
والحق سبحانه وتعالى لم يؤكد حقيقة الخلق من العدم فحسب، وإنما أكد حقيقة أخرى ألا وهي أن كل شيء عدا الله عز وجل مخلوق له خاضع لأمره، ولا استثناء في هذه القاعدة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى:
{وخلق كل شيء فقدره تقديراً "2"} (سورة الفرقان)
وقوله تعالى:
{قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار "16"} (سورة الرعد)
وقوله تعالى:
{الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل "62"} (سورة الزمر)
وقوله جل وعلا:
{ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه} (سورة غافر ـ 62)
وقوله عز وجل:
{ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو} (سورة الأنعام ـ 102)
فالمولى عز وجل نظرا لخطورة هذه المسألة أراد أن يغلق الباب في وجه المبتدعين .. فلم يكتف بالإجمال الوارد في الآيات السابقة .. وإنما فصل هذه الآية بآيات أخرى ليؤكد أن كل شيء مخلوق ويؤكد أنه خالق كل شيء من هذه الآيات قوله تعالى:
{هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} (سورة البقرة ـ 49)
وقوله تعالى:
{الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} (سورة الأنعام ـ 1)
وقوله سبحانه:
{وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر} (سورة الأنبياء ـ 33)
وقوله عز وجل:
{الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ} (سورة الفرقان ـ 59)
وقول الحق:
{الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4"} (سورة الرحمن)
وقوله سبحانه:
{وخلق الجان من مارج من نارٍ "15"} (سورة الرحمن)
وصفة الخلق من العدم لدى الله عز وجل ليست معجزة واحدة فحسب بل معجزات متعددة متداخلة ولا يمكن لاجتهاد العقل أن يحصرها، فإحداث الشيء من اللا شيء إعجاز يعجز العقل عن تصوره، وخلق كائن حي يدرك ذاته ويدرك الكون المحيط به ويدرك خالقه إعجاز آخر، وقد لفتنا جل وعلا إلي إعجاز استحداث الكائنات الروحية ولفتنا أيضا إلي أنه وحده القادر على هذه الكائنات فقال جل وعلا:
{يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب "73"} (سورة الحج).


.../...

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 11 : 06 PM
لقد خلق الإنسان السيارة والقطار الطائرة والصاروخ والقمر الصناعي والتلفاز والمذياع وغير ذلك كثير، ولكن البشرية جمعاء لن تستطيع خلق ذبابة ولو اجتمعت في صعيد واحد، والسبب هو أن الذبابة كائن روحي تدب فيه الحياة بنفخة من الله عز وجل لا يملكها سواه .. إنها سر من أسراره جل وعلا: ومن معجزات الخلق أيضا أنه بين الكاف والنون، فالحق سبحانه وتعالى إذا أراد أن يخلق شيئا فإنما يقول له كن فيكون دون أدنى جهد أو إعياء، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون "59"} (سورة آل عمران)
حينما أدعى اليهود أن الله استراح بعد أن خلق الخليقة رد عليهم الحق عز وجل يقول:
{ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيامٍ وما مسنا من لغوبٍ "38"} (سورة ق)
أي إعجاز هذا؟ كلمة واحدة من الله عز وجل كفيلة باستحداث المخلوق دون جهد ودون عناء. كيف للإنسان أن يتصور الحجم الحقيقي لهذه القدرة وهذا الإعجاز؟ ومن معجزات الخلق أيضا أن الحق تبارك وتعالى يخلق ما يشاء، فإذا أراد أن يخلق شيئا لن يحول دون هذا الخلق حائل. وقد أكد جل وعلا هذه الحقيقة بقول تعالى:
{قال كذلك الله يخلق ما يشاء} (سورة آل عمران ـ 47)
وقوله تعالى:
{يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير "17" } (سورة المائدة)
والخلق الإلهي ليس خلقا عشوائيا .. بل هو خلق محكم مبني على علم إلهي مطلق، فإذا تأملت الكون وما به من تكامل وتناسق بين المخلوقات علمت مدى القدرة الإلهية على الخلق والإبداع. انظر إلي أي مخلوق من مخلوقات الله عز وجل على حدة .. يهيأ لك أنه كائن مستقل بذاته منفصل عما حوله، ولكن دقق النظر تجد أن هذا المخلوق ليس مستقلا عن الكون بل هو جزء من كل. فالإنسان مثلا لا يمكن أن يتصور وجوده بدون الهواء الذين يحيط به في كل مكان على سطح الكرة الأرضية، أو الماء الذي وفره له الله عز وجل، أو الطعام الذي تنبته له الأرض بإذنه.
وبهذه النظرة يبدو الإنسان وكأنه ترس في ساعة الكون لا انفصال ولا وجود لأحدهما بدون الآخر، فالحق سبحانه وتعالى خلق المخلوقات الحية وخلق لها مقومات الحياة في إبداع، وعلم لا يدانيه علم، وحسن لا يدانيه حسن، وفي ذلك يقول تبارك وتعالى:
{الذين احسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طينٍ "7"} (سورة السجدة)
فإذا كان الحق سبحانه وتعالى قد خلق الكون بهذا الإبداع وهذا الإحكام فهل يمكن أن نتصور أنه خلق بلا غاية وبلا هدف، وأن المسألة أرحام تدفع وقبور تبلع كما قال الدهريون:
{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} (سورة الجاثية ـ 24)
وكما قالوا:
{وقالوا إذا ضللنا في الأرض آنا لفي خلقٍ جديد} (سورة السجدة ـ 10)
فيرد الحق تبارك وتعالى على هؤلاء الدهريين قائلا:
{وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق} (سورة الحجر ـ 85)
وكما قال سبحانه:
{وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين "16"} (سورة الأنبياء)
وكما قال عز وجل:
{أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون "115"} (سورة المؤمنون)
فالخلق إذن ليس عبثا وليس زوالا وفناء، وإنما لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، وفي ذلك يقول جل وعلا في الحديث القدسي:
(كنت كنزا مخفيا فأردت أن اعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني).
ويقول في محكم التنزيل:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون "56"} (سورة الذاريات)
فقد شاءت حكمة المولى أن يخلق الكون ويخلق الإنسان، ويجعل الحياة الدنيا دارا للاختبار والآخرة دار للجزاء والقرار .. هل سيشكر الإنسان على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى أم سيكفر ويشرك ويجحد؟ فالخلق إذن لغاية والبعث حقيقة لا مراء فيها، وفي ذلك يقول جل شأنه:
{يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنا خلقناكم من ترابٍ ثم من نطفةٍ ثم من علقةٍ ثم من مضغةٍ مخلقةٍ لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلي أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج "5"} (سورة الحج)
والمسألة لا تقف عند حد قدرته سبحانه وتعالى على البعث، بل هو قادر على تغيير الجنس البشري بأكمله بمخلوقات أخرى، وما ذلك عليه بعزيز وفي ذلك يقول جل وعلا:
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" إن يشاء يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17"} (سورة فاطر)
فإذا كان الحق جل وعلا هو الخالق المحدث المبدع .. فإنه إذن وحده المستحق للعبادة والمستحق للشكر، وعبادة غيره ظلم للنفس وحياد عن الحق، وفي ذلك يقول جل شأنه:
{والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون "20" } (سورة النحل)
ويقول سبحانه:
{واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون} (سورة الفرقان ـ 3)
والمولى تبارك وتعالى يحثنا على التأمل في مخلوقاته .. لما في ذلك من حث على الإيمان بوجوده والإيمان بكمال صفاته ورسله وكتبه واليوم الآخر، وفي ذلك يقول جل شأنه:
{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماءٍ فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابةٍ وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقومٍ يعقلون "164"} (سورة البقرة)
يقول سبحانه:
{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا بطلاً سبحانك فقنا عذاب النار "191"} (سورة آل عمران)
والأسماء الحسنى بما تعطيه من أوصاف قديمة قدم الله عز وجل .. فهو جل شأنه (الخالق) قبل أن يخلق الخلق، ولو لم يكن المولى عز وجل موصوفا بهذا الوصف منذ الأزل لما استطاع أن يخلق، أنه تبارك وتعالى يخلق ما يشاء في الوقت الذي يشاء وفي ذلك يقول جل وعلا:
{الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلاً أولى أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع يزيد الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير "1"} (سورة فاطر)
مهما تحدث المتحدثون عن هذا الاسم وغيره من الأسماء الحسنى ومن خلال ما كشف الله لهم في كتابه وسنة نبيه فإنهم لن يستكشفوا جلال أسمائه عز وجل وأسرار صفاته، فإذا كنا نعجز عن الإلمام بما كشفه لنا الله تبارك وتعالى فماذا عن المحجوب الذي لم نتهيأ بعد لاستقباله والذي احتفظ به جل وعلا في علمه؟ إن الخالق هو المبدع للخلق، والمخترع له على غير مثال .. ندعوه عز وجل أن يعلمنا من علمه الفياض:
{ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54"} (سورة الأعراف).

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 11 : 06 PM
البارئ.

(برؤ) بضم الراء أي خلا من العيب أو التهمة، و(برأ) من العيب أو التهمة أي قضى ببراءته منه، والاسم (برئ) كما في قوله تعالى:
{ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً "112"} (سورة النساء)
و(البراء) مرادف لبرئ ومنه قوله تعالى:
{وإذا قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون "26"} (سورة الزخرف)
و(أبرأ) فلانا من حق له عليه أي خلصه منه.
و(برئ) المريض أي شفى من مرضه.
و(برأ) الله الشيء أي خلقه صالحا ومناسبا للمهمة والغاية التي ابتغاها من خلقه، ومنه بريت القلم أي جعلته صالحا للكتابة، وبريت السهم أي جعلته مناسبا وصالحا للإصابة .. والاسم (بارئ).
و(البارئ) اسم من أسماء الله الحسنى، فإذا قلنا خلق الله عز وجل الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق، وإذا قلنا برئ الله الإنسان فمعنى ذلك أنه استحدثه وأوجده من العدم المطلق في خلقة تناسب المهمة والغاية التي خلق من أجلها. فالخالق قد يخلق الشيء مناسبا أو غير مناسب، أما البارئ فلا يخلق الشيء إلا مناسبا للغاية التي أرادها من خلقه ويؤخذ ذلك من قوله تعالى:
{لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويمٍ "4" ثم رددناه أسفل سافلين "5"} (سورة التين)
فلو كان فعل الخلق يشير إلي درجة الخلق من الحسن أو القبح لما أضاف المولى عز وجل عبارة في احسن تقويم، ولو كان اسم الله عز وجل (البارئ) مرادفا مرادفة تامة لاسمه (الخالق) لما قال تبارك وتعالى:
{هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم "24"} (سورة الحشر)
وإذا تأملنا الكون المحيط بنا سنلاحظ أن الله عز وجل قد خلق كل شيء صالحا لمهمته مناسبا للغاية من خلقه ومتوائما مع المحيط الذي وضع فيه. فالإنسان خلق ليكون خليفة الله عز وجل على الأرض وليكون عارفا بالله عابدا له متأملا في ملكوته لذلك برأه في خلقه تناسب جلال الغاية فبرأه أي خلقه في احسن تقويم .. أي احسن خلقه، فجعله احسن المخلوقات من حيث التركيب ومن حيث الشكل، مألوفا من سائر الكائنات الحية، معظم الكائنات في علاقة ود وتراحم مع الإنسان .. الحصان .. الجمل .. الحمار .. الكلب .. القط .. الطيور حتى الجن يرانا هو وقبيله من حيث لا نراهم كما قال المولى عز وجل:
{يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما سوءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون "27"} (سورة النساء)
فالشياطين يروننا لأننا مقبولون مألوفون لهم شكلا بينما لا نرى نحن الشياطين لأن أشكالهم غير مألوفة ولا مقبولة لدينا. ولقد صرح المولى عز وجل بخلافة الإنسان على الأرض فقال سبحانه:
{وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفةً قالوا تجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون "30"} (سورة البقرة)
فالإنسان بصريح الآية السابقة خليفة الله عز وجل على الأرض .. خلق ليكون عارفاً بالله عابداً له، لذا برأه مناسبا لهذه الغاية بأن ميزه بالعقل، والعقل كما نعلم هو مستقر ومستودع وسائل الإدراك .. إليه ترجع قدرة الإنسان على السمع والبصر والشم واللمس، وهو الذي يحوي الذاكرة مخزن المعلومات، وهو المسئول عن عملية التفكير والتي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات.
وليس ذلك فحسب بل جعل الله للإنسان وسيلة للتعبير والبيان عما يجول بخاطره .. فخلق له لسانا مبينا ينطق الحروف بمخارجها، والحرف أساس الكلمة، والكلمة وسيلة التعبير عن المعنى الكامن في عقل الإنسان، والمولى عز وجل قد علم آدم كل الكلمات كما جاء في قوله تعالى:
{وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "31" } (سورة البقرة)
وقال سبحانه أيضا:
{الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4"} (سورة الرحمن)
وإذا تأملنا سائر الكائنات والتي خلقت مسخرة للإنسان، سنجد أن المولى عز وجل قد برأ كل كائن ـ أي خلقه مناسبا لمهمته ـ، فالناقة والحمار لديهما من القوة ما يمكنهما من حمل الإنسان وأثقاله إلي الأماكن المتباعدة. والحصان أوتى قدرا من السرعة ليتمكن به الإنسان من قطع المسافات البعيدة في أزمنة قصيرة. والبقر أوتى لحما كثيرا ليمد الإنسان بالغذاء الذي يحتاج إليه من البروتين وغيره من المواد الغذائية، وأجرى الله من بطونه لبنا نقيا سائغا للشاربين كما قال جل وعلا:
{وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرثٍ ودمٍ لبناً خالصاً سائغاً للشاربين "66"} (سورة النحل)
حتى المخلوقات التي يظن البعض أن وجودها يمثل شرا محضا للإنسان .. تجد المناسبة بينها وبين مهمتها في الكون واضحة جلية، فهي من جهة تملك إيذاء الإنسان، إذ منها ما هو مفترس، ومنها ما قد يقتل الإنسان بسمه، وهذا الإيذاء ليس مقصودا بذاته وإنما قصد به إحاطة الإنسان بقدر من الأعداء لا يملك أن يتصدى لهم إلا بمعونة الله عز وجل .. فيلجأ إليه بالعبادة والدعاء إذا تمكن منه أحد هؤلاء الأعداء.
ذلك أن الإنسان يكون أقرب ما يكون من ربه عز وجل في حالات الحاجة كالمرض والشيخوخة والظلمة وغير ذلك من دواعي الحاجة والضيق والخوف وفي ذلك يقول جل وعلا:
{وإذا مس الإنسان الضر دعا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلي ضرٍ مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون "12"} (سورة يونس)
وقوله تعالى:
{فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم خولناه نعمةً منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون "49" } (سورة الزمر)
ومن جهة أخرى فإن الإنسان ينتفع بهذه المخلوقات .. فمنها ما ينتفع بجلده ومنها ما يفرز سموما تستخدم في صناعة الأدوية والعقاقير، كما قال شوقي رحمه الله في مدح الرسول عليه افضل السلام وأتم التسليم:
الحرب في حق لديك شريعة
ومن السموم الناقعات دواء
وإذا تأملنا المخترعات التي توصل إليها الإنسان واستطاع أن يخرجها إلي حيز الوجود .. سنجد أن الإنسان لم يخلقها من العدم المطلق بل صنعها من مواد سابقة لها في الوجود، والإنسان لم يعط هذه المواد الخصائص الملازمة لها والتي كانت أساس هذا الاختراع أو ذاك. خذ على سبيل المثال التلفاز والمذياع تجد أن نظرية عملهما تقوم على تحويل الصوت أو الصورة إلي موجات كهربائية لها تردد أو ذبذبات الصوت .. هذه الموجات تنتقل عبر الهواء أو الأثير، ثم يتم استقبالها بواسطة أجهزة استقبال، ثم يتم تحويل هذه الموجات الكهربائية إلي صوت أو صورة مرة أخرى من خلال التلفاز أو المذياع.
وهنا نتساءل: هل الإنسان هو الذي جعل الهواء قادرا على نقل الموجات اللاسلكية؟. لاشك أن الله عز وجل هو الذي (برأ) الهواء أي خلقه بما له من خصائص ليناسب المهمة والغاية التي ابتغاها من خلقه .. فهو الذي جعل في الأوكسجين اللازم لتنفس الإنسان وثاني أكسيد الكربون اللازم لتنفس النبات، وجعل فيه من الخاصية ما يمكنه من نقل الموجات الكهربائية واللاسلكية، فهو جل وعلا يعلم بعلمه الأزلي وأراد بمشيته أن يمكن الإنسان في يوم من الأيام من اختراع أجهزة لنقل الصوت والصورة .. هذا اليوم الذي سيزداد فيه أهل الأرض وتتباعد بينهم المسافات فيستلزم الأمر وسائل للتعارف وتبادل العلوم .. فهو جل وعلا القائل:
{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير "13"} (سورة الحجرات)
وهو سبحانه المتكفل بأن يظل هذا التعارف قائما لا يحول دونه بحار أو محيطات أو جبال أو تلال، وهذا ما حققته الأجهزة الحديثة للاتصالات والتي اخترعت من مواد لها خصائص معينة، هذه الخصائص ـ كما قلنا ـ لازمتها منذ أن خلقها الله عز وجل. تأمل أيضا وسائل النقل .. تجد أن الله عز وجل قد خلق المعدن الذي استخدمه الإنسان في تصنيع هذه الوسائل .. وهو سبحانه الذي خلق البترول بما له من خاصية الاشتعال وتوليد الطاقة، وأودعه في باطن الأرض حين يحين ميعاد استخراجه واستخدامه. كل شيء في الكون .. برأه الله عز وجل أي خلقه مناسبا وصالحا للمهمة والغاية التي خلق لها، فندعوه جل وعلا كما برأنا أن يبرئنا من العيوب والخطايا وأن يبعثنا يوم القيامة من الفزع آمنين.

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 13 : 06 PM
المصور.

(صور) الشيء أي جعل له شكلا معلوما .. ويطلق هذا الفعل على من يقوم بعمل تمثال مجسم للشيء .. أو يرسمه على الورق .. أو يلتقط له صورة بآلة تصوير .. والاسم (مصور).
و(المصور) بأل التعريف اسم من أسماء الله الحسنى.
و(صور) الله عز وجل الأشياء أي جعل لكل منها شكلا معلوما، وإذا تأملت الكون المحيط بلك تجد أن المولى عز وجل قد جعل لكل نوع من المخلوقات شكلا يميزه عن غيره من الأنواع، فالإنسان يختلف عن الجمل ويختلف عن القرد وهكذا. كما أنه جل وعلا قد جعل لكل فرد داخل النوع الواحد صورة تميزه عن غيره من أفراد نوعه، فإذا نظرت إلي زيد من الناس فإنك تعرفه بمجرد النظر إلي وجهه، وهذه من معجزات التصوير الإلهي، فرغم أن تركيب الوجه لا يختلف من إنسان إلي آخر .. إذ يتكون من العينين والأنف والأذنين والفم، إلا أنه تبارك وتعالى يصور من هذه التركيبة عددا لا نهاية له من الوجوه.
ورغم أن يد الإنسان تتكون من خمسة أصابع لها نفس التركيب إلا أن كل إنسان له يد تختلف في الشكل عن أيدي غيره من البشر، فالحق سبحانه وتعالى يصور من التركيبة الواحدة عددا لا نهائيا من الأشكال. ومن نعم الله عز وجل على الإنسان أنه اختصه بحسن الصورة وجعله اجمل المخلوقات شكلا فجعله منتصب القامة سوى الأعضاء حسنها، وفي ذلك يقول جل وعلا:
الإنسان على صورة الله ومثاله .. يكون المولى تبارك وتعالى له فم وهنا نتسائل:
ما وظيفة هذا الفم بالنسبة لله عز شأنه؟
فإذا قلنا أنه يأكل فقد نسبنا له نقصا لا يتناسب مع كماله المطلق لأنه تبارك وتعالى غني عن الطعام والشراب، إذ كيف يأكل ويشرب وهو (القيوم) القائم بنفسه قياما مطلقا والمقيم لغيره من المخلوقات التي خلقها؟
بل كيف يأكل ويشرب وقد كان جل وعلا موجودا من قبل ولم يكن هناك كون ولم يكن هناك طعام ولا شراب .. إن الطعام والشراب من مخلوقاته جل وعلا فهل يليق بالخالق أن يحتاج إلي مخلوقاته لكي يظل ويبقى على قيد الحياة. وإذا قلنا إن الله عز وجل لا يأكل بهذا الفم .. فهل يتكون جل شأنه من أعضاء التبول والتبرز وغيرهما من الأعضاء البشرية. ومن جهة أخرى وكما قلنا من قبل لو كان الإنسان على صورة الله ومثاله إذن فهو جل شأنه مركب من أجزاء، والأجزاء مكونة من المادة .. وهنا نسأل: كيف يتكون الله عز وجل من المادة وقد كان تبارك وتعالى منذ الأزل ولم تكن هناك مادة قبل خلق الكون، بل كيف يتكون من المادة وهي مخلوق من مخلوقاته عز وجل، فهل يليق بالخالق جل شأنه أن يحل في مخلوق وكيف يكون مركبا، والمركب يحتاج إلي من يسبقه في الوجود ويركب له أجزاؤه في حين أن الحق تبارك وتعالى أزلي بلا بداية ولم يسبقه أحد في الوجود.
إذن الاعتقاد بأن الله عز وجل قد خلق الإنسان على صورته ومثاله هو اعتقاد فاسد باطل، والنصوص الواردة في هذا الشأن صريحة ولا يمكن تأويلها لتؤدي معاني أخرى، وهي نصوص باطلة بأي وجه من وجوه التأويل.
{وصوركم فاحسن صوركم وزقكم من الطيبات} (سورة غافر ـ 64)
ويقول سبحانه أيضا:
{ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} (سورة الأعراف ـ 11)
والتصوير يبدأ من الرحم كما قال المولى عز وجل:
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم "6" } (سورة آل عمران)
وقد ورد عن النبي عليه افضل الصلاة وأتم التسليم أنه قال: (إذا مر النطفة اثنتان وأربعين ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك)
وفي مجال الحديث عن التصوير الإلهي أود أن أشير ـ كما أشرت قبلا ـ إلي قضية بالغة الخطورة ألا وهي أن بعض العقائد تزعم أن الله عز وجل قد خلق الإنسان على صورته ومثاله .. أي أن الإنسان قد خلق على صورة الله عز وجل.
وهذا اعتقاد فاسد واضح البطلان لأن الإنسان وإن كان مخلوقا على احسن صورة إلا أنه مخلوق، وقد شاءت الإرادة الإلهية أن يكون به نقائص معينة سوف تزال عنه إن قدر له أن يحظى بالجنة، وهذه النقائص وإن اعتبرها البعض أنها ليست نقائص إذا نسبت إلي الإنسان، فإنها لا محالة نقائص إذا نسبت إلي الله عز وجل. المولى تبارك وتعالى خلق للإنسان فم لمضغ به الطعام، فإذا قلنا إن والتفسير؛ لأنه لا تشابه ألبته بين الله عز وجل والإنسان في وجه من الوجوه.
حتى الاشتراك بين الله عز وجل والإنسان في بعض الصفات كالسمع والبصر والقدرة هو اشتراك لفظي أو مجازي، لأن الصفة لدى الإنسان ما هي إلا مظهر من مظاهر الصفة لدى الحق تبارك وتعالى .. فعلى سبيل المثال قدرة الإنسان ليست إلا وهبة ومنحة من قدرة الله جل شأنه. هذا التشابه اللفظي أو المجازي لا يجعل الإنسان يرقى بأي حال من الأحوال إلي أن يكون على صورة الله ومثاله، وذلك أيا كان المعنى المستفاد من نصوص المماثلة بين الله والإنسان.
أما عن حديث خلق آدم الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ـ في صحيح مسلم ـ أنه قال: "خلق الله عز وجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك به، فإنها تحيتك وتحية ذريتك قال: السلام عليكم، فقال: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه (ورحمة الله) قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينقص بعده حتى الآن"
وهنا نبادر فنقول: أن الضمير الوارد في كلمة (صورته) عائد على آدم، وعبارة طوله ستون ذراعا جاءت توضيحا لهذه الصورة .. أي صورة آدم .. يضاف إلي ذلك ما عرف عن الشريعة الإسلامية من أنها تميزت عن سائر الشرائع السماوية وغير السماوية بأنها تنزه الله عز وجل عن أن يكون له شبيه أو نظير أو ند أو مماثل، نذكر من ذلك قول الحق تبارك وتعالى:
{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "11"} (سورة الشورى)
يضاف إلي ذلك أن حديث خلق آدم قد ورد برواية في صحيح البخاري بدون عبارة (على صورته) .. أي خلق الله آدم طوله ستون ذراعا إلي آخر الحديث. فتبارك ربنا الملك الحق الذي صورنا على غير مثال سبق وفي احسن تقويم دون أن نرقى إلي مماثلته أو مشابهته.

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 14 : 06 PM
الغفار.

غفر في اللغة أي غطى وستر، وغفر الله لفلان أي ستره وعفا عنه، و(الغفار) اسم من أسماء الله الحسنى، وقد عبر الحق جل وعلا عن صفة المغفرة لديه بالعديد من المشتقات منها الفعل الماضي (غفر) كما في قوله تعالى:
{قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له} (سورة القصص ـ 16)
ومنها المضارع (يغفر) كما في قوله تعالى:
{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} (سورة آل عمران ـ 31)
ومنها صيغة المبالغة (الغفور) كما في قوله تعالى:
{ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم "27"} (سورة التوبة)
ومنها صيغة المبالغة (الغفار) وهو اسم من أسماء الله الحسنى كما في قوله تعالى:
{رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار "66"} (سورة ص)
ومنها المضاف والمضاف إليه (غافر الذنب) كما في قوله تعالى:
{غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول} (سورة غافر ـ 3)
ومنها أيضا المضاف والمضاف إليه (خير الغافرين) كما في قوله تعالى:
{فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين} (سورة الأعراف ـ 155)
ومنها المضاف والمضاف إليه (ذو المغفرة) كما في قوله تعالى:
{وإن ربك لذو مغفرةٍ للناس على ظلمهم} (سورة الرعد ـ 6)
ومنها المضاف والمضاف إليه (أهل المغفرة) كما في قوله تعالى:
{وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة "56"} (سورة المدثر)
والحق تبارك وتعالى قد أكد لنا هذه الصفة وطلاقتها بتكرار المشتقات سالفة الذكر، فلو رجعت إلي كتابه العزيز وأردت حصر هذه المشتقات لشق عليك ذلك. ومن رحمة الحق عز وجل وحكمته أنه يغفر الذنوب، ولو أنه جل شأنه أغلق باب التوبة في وجه المذنب لتمادى في ذنوبه وترتب على ذلك هلاكه وهلاك المجتمع بأسره دنيا وآخرة. وغفران الذنب للمذنب لا يتعارض مع العدالة الإلهية والتي كما قلنا من قبل تقتضي محاسبة كل إنسان وفقا لعمله. والعلة في ذلك أنه ليس هناك إنسان معصوم من الخطأ وارتكاب المعاصي والذنوب، وهذا يجعل المغفرة رحمة بالبشرية جمعاء لا بطائفة دون أخرى.
والحق سبحانه وتعالى قد أوضح لنا أنه لا ذنب يعظم عن مغفرته، وتتجلى هذه القاعدة في قوله تعالى:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53"} (سورة الزمر)
فكلمة (جميعا) أفادت العموم والشمول، فمهما عظم الذنب .. أي ذنب فإن مغفرة الله عز وجل أعلى وأعظم .. وهذه القاعدة لا تتعارض مع الآيات التالية:
{إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيداً "167" إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً "168" إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً "169"} (سورة النساء)
وقوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيداً "136" إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا "137"} (سورة النساء)
ويتجلى عدم التعارض بين القاعدة العامة وبين الآيات التي ذكرناها في قوله تعالى:
{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيماً "66"} (سورة النساء)
وقوله تعالى:
{الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصداقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم "79" استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين "80"} (سورة التوبة)
فالقاعدة إذن أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعا مادام الإنسان في إطار الإيمان الصحيح به جل وعلا، فإذا كفر بوجود الله عز وجل أو أشرك به فقد خرج عن إطار الإيمان. ومن الثابت أنه ليس بعد الكفر أو الشرك ذنب، فأعمال الكافر والمشرك ليست محل نظر؛ لأن أعماله الصالحة ليست لوجه الله عز وجل فلا يستحق عنها ثوابا، وأعماله الطالحة سينال عقابه عنها في إطار العقاب الأعظم على الذنب الأعظم وهو الكفر أو الشرك، وفي ذلك يقول جل وعلا:
{ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} (سورة البقرة ـ 217)
ولكن ينبغي أن نلاحظ أن حرمان الكافر والمشرك من المغفرة مرتبط باستمرارية كفره وشركه، فإذا رجع عن كفره أو شركه، فالحق سبحانه وتعالى يغفر له، وفي ذلك يقول جل شأنه:
{قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنت الأولين "38"} (سورة الأنفال).
.../...

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 14 : 06 PM
القهار.

القهر في اللغة هو السيطرة والغلبة .. والاسم (قاهر)، والقهار اسم على وزن صيغة المبالغة (فعال) وهو اسم من أسماء الله الحسنى وهو يعني أنه لا شيء في الكون يخرج عن سيطرته وغلبته .. كل شيء خاضع لأمره في حركته وفي سكونه، ولا يمكن لمخلوق أن يخرج عن هذه السيطرة الإلهية بحال من الأحوال. وعن هذا القهر الإلهي يقول الحق عز وجل:
{إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحدٍ من بعده إنه كان حليماً غفوراً "41"} (سورة فاطر)
ولا يتصور أحد أن الإمساك المشار إليه في هذه الآية الكريمة هو إمساك باليد وما إلي ذلك من التصورات المادية .. بل هو إمساك بالقهر والغلبة .. إمساك الكلمة (كن فيكون) .. وهذا الثبات الكوني لا ينحل إلا بالكلمة أيضا ولذلك يقول جل وعلا:
{حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وأزينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقومٍ يتفكرون} (سورة يونس ـ 24)
والكون بكل ما يحتويه يدل على صفة القهر لدى الله عز وجل .. فإذا نظرت نظرة عابرة إلي الكون وجدت أن كل مخلوق يسير وفقا للغاية التي أرادها الله من خلقه .. انظر إلي الشمس والقمر .. الليل والنهار، تجد أنها كما أخبرنا الله عز وجل:
{والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم "38" والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم "39" لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلكٍ يسبحون "40"} (سورة يس)
فالشمس تجري لمستقر لها في فلك خاص بها .. والقمر في فلكه الخاص .. وليس للشمس أن تقترب من مداره ولا للقمر أن يقترب من مدارها .. كل منهما يسير في الخط المرسوم ولا يخرج عنه، مما يحول دون التصادم بينهما .. وهذا الأمر ينطبق على حركة الأفلاك جميعا وليس الشمس والقمر فحسب .. ولكن الله عز وجل حين يضرب الأمثال يضربها بما هو واضح للعيان، وكذلك الليل والنهار يتعاقبان بانتظام .. فلا يأتي النهار قبل ميعاده أو يحل الظلام قبل أوانه وفي ذلك يقول جل وعلا:
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين "54"} (سورة الأعراف)
كل شيء مسخر وخاضع للقهر الإلهي المطلق، حتى أعمال العباد، فمن كفر أو أشرك أو عصى فإنه لم يخرج عن إطار هذا القهر، وفي ذلك يقول جل وعلا:
{ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين "99"} (سورة هود)
فالحق سبحانه وتعالى قادر على هدايتنا جميعا، ويستطيع أن يقهرنا على الإيمان، ولكنه لم يشأ ذلك وشاء أن يمنحنا الاختيار. ويخضعنا للاختبار. فالمسلم يختبر في افعل ولا تفعل، وغير المسلم يختبر هل سيقدر الله حق قدره فيبحث عن طريق الهداية والحق أم يعرض ويتناسى، وحتى يكون الاختبار حقيقيا فتح الله عز وجل المجال أمام المعاصي ليعصي والكافر ليكفر والمشرك ليشرك .. فالكل إذن في ظلال دائرة القهر .. والكل لم يخرج عن الإرادة الإلهية. ومن الآيات القرآنية التي أثارت جدلا في هذه القضية قول الحق عز وجل:
{والله خلقكم وما تعملون "96"} (سورة الصافات)
إذ أراد البعض أن يجعلها دليلا على أن الإنسان يسير سيرا مطلقا في ظل القهر الإلهي .. ويكون بذلك مجبرا في كل أفعاله، بزعم أن أعمالنا مخلوقة كما أشارت الآية الكريمة .. والحقيقة أن هذا فهم خاطئ، ونوضح معنى هذه الآية بمثال .. هب أن إنسانا قفز إلي منزل وقتل صاحبه وسرق ما به من مال .. فهل هذا يعني أن الله عز وجل هو الذي خلق فعل القتل الذي قام به هذا الشخص وفعل السرقة الذي آتاه .. بالقطع كلا .. لأن الذي خلقه الله عز وجل هو إمكانية القيامة بفعل معين وليس فعلا محددا بذاته.
إن الله عز وجل الذي أعطاك يدا تبطش بها ورجلا تسير عليها قد جعل في إمكانك أن تقتل أو تسرق، كما جعل في إمكانك أن تصلي وتتصدق، فإذا قتلت إنسانا بيدك وقيل: إن الله هو الذي خلق هذا القتل فإن هذا يعني أنه جلا وعلا قد جعل في إمكانية يدك أن تقتل، وليس معنى ذلك أنه هو الذي دفعك وقهرك على قتل من قتلت. كذلك إذا صليت فإن الله عز وجل هو الذي خلق فعلك للصلاة بمعنى أنه جعل في إمكان بدنك أن يؤدي الصلاة، وليس معنى ذلك أنه قهرك على أدائها.
إن كل عمل يؤديه العباد مخلوق، بمعنى أن الله عز وجل هو الذي أعطى العباد إمكانية القيام به، وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله في كتابه القيم (إحياء علوم الدين): (إن انفراد الله سبحانه وتعالى باختراع حركات العباد لا يخرجها عن كونها مقدورة للعباد على سبيل الاكتساب). وعلى هذا النحو يمكن فهم قوله تعالى:
{وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين "29"} (سورة التكوير).
.../...

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 15 : 06 PM
فلولا أن الله عز وجل قد جعل في إمكان الإنسان أن يكفر لما استطاع أن يكفر، ولو لم يجعل في إمكانه أن يعصي لما استطاع أن يعصي كشأن الملائكة. وبهذا المعنى فإن مشيئة الإنسان لم تخرج عن مشيئة الله عز وجل، وعمل الإنسان لم يخر عن القهر الإلهي. ومن الآيات التي أوحت للبعض بأن الإنسان مقهور على أعماله قوله تعالى:
{ما أصاب من مصيبةٍ في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها وإن ذلك على الله يسير "22"} (سورة الحديد)
فقالوا: إن قوله جل وعلا: (في كتاب من قبل أن نبرأها) يعني من جهة أن هذه المصيبة من خلق الله، كما يعني أنها مكتوبة من قبل أن تقع. ونقول ردا عليهم: إنه فيما يتعلق بكون هذه المصيبة مخلوقة فقد أوضحنا هذا المعنى في شرح قوله تعالى: (والله خلقكم وما تعملون)، وفيما يتعلق بكونها مكتوبة قبل أن تحدث فهذا صحيح .. ولكن نبادر فنقول: إن هذه الكتابة قد بنيت على علم الغيب الذي ينفرد به الله عز وجل. فالحق تبارك وتعالى عالم بالأحداث قبل أن تقع .. فإذا كتبها وحدثت بعد ذلك فإن هذا لا يعني أننا ننفذ ما كتبه الله علينا قهرا.
ولتوضيح ذلك، هب أن شخصا قام بتسجيل حلقة علمية أو دينية على شريط فيديو، فهل يمكن أن نقول إن هذا الشخص كان له تأثير على مجريات هذه الحلقة، هذا مع الأخذ في الاعتبار الفرق الشاسع بين المثال السابق وحقيقة الكتابة الإلهية؛ لأن الله عز وجل ليس منقطع الصلة بأعمال العباد .. فهو الذي يزيد الذين اهتدوا هدى .. وهو الذي يمد الطغاة في طغيانهم يعمهون، هذا فضلا عن أن هناك أحداثا تقع بالإرادة المطلقة له عز وجل، بمعنى أنه قدرها وكتبها لتحدث .. أي ليست الكتابة المبنية على كشفه عز وجل للغيب المستور. ومن هذه الأحداث .. الميلاد والموت .. الصحة والمرض .. الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وخلافه.
ومن الخطأ الجسيم أن يزعم إنسان أن الله عز وجل قد كتب عليه مقدما أنه من أهل النار أو من أهل الجنة، وأنه مهما فعل لن يغير المكتوب؛ لأنه وكما ذكرنا من قبل أن هذه الكتابة لم تفرض علينا أعمالنا .. بل إن الله عز وجل قد كشف الغيب المستور وشاهد الأعمال قبل أن تقع فسجلها بعلمه للغيب، وليس على الإنسان أن يشغل باله بهذه المسألة ويجب أن يضع في ذهنه قول الله عز وجل:
{يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب "39"} (سورة الرعد)
وأؤكد على هذه الجزئية لأنني كثيرا ما أسمع شخصا يقول: ما فائدة الأعمال الصالحة إذا كان الله عز وجل قد كتب علي من البداية أنني من أهل النار؟ .. وهذا الكلام محض هراء، ونقول لقائله: ومن الذي أدراك ما الذي كتبه الله لك؟ .. ولماذا افترضت أنك من المدرجين مع أهل النار وليس مع أهل الجنة؟
إن فكرة المصير المحتوم مسبقا إلي الجنة أو إلي النار فكرة خاطئة، ومادمت أنك على قيد الحياة فتؤمن أن مصيرك لم يتحدد بعد، ولو كان العلم الإلهي المسبق بالأحداث بهذا المعنى الخاطئ الذي يفهمه هذا الشخص لما قال المولى عز وجل:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي} (سورة البقرة ـ 186)
إذ ما معنى أن يستجيب الله عز وجل للدعاء والمصير محتوم ومعلوم؟ ولماذا قال أيضا في الحديث القدسي:
(يا ابن آدم أنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) فما ما معنى أن نستغفر على الذنوب والمصير محتوم ومعلوم؟
إنه لا تعارض مطلقا بين القهر الإلهي المطلق وبين الاختيار البشري .. وندعو الله عز وجل أن يفتح بصائرنا لنفهم هذه الأمور على وجهها الصحيح. ومن القضايا التي أود أن أتحدث عنها أيضا هي قول البعض بأن الأحداث التي تقع بالإرادة المطلقة لله عز وجل كالميلاد والموت .. الصحة والمرض، قد يكون لها تأثير على اختيار الإنسان، وضربوا مثلا لذلك بمن يولد على غير الإسلام ومن يموت شابا قبل أن يصل إلي مرحلة الشيخوخة والتي دائما ما يعود فيها الإنسان إلي خالقه.
ولهؤلاء نقول: إن العدل الإلهي المطلق لا تفوته أشياء قد استوقفت عدلكم المحدث، فعدلكم نفحة من العدل الإلهي ونقول لهم: إن هذه الأشياء مأخوذة في الاعتبار في الدنيا والآخرة .. وليس أدل على ذلك من أن الكافر أو المشرك إذا رجع عن كفره أو شركه فإن الله عز وجل يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهذه منحة ليست في يد المسلم .. كما أنها مأخوذة في الاعتبار يوم القيامة، والحق سبحانه وتعالى يقول:
{إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً "40"} (سورة النساء)
واسم الله (القهار) قد ورد مقترنا باسمه (الواحد) في العديد من الآيات القرآنية منها قوله تعالى:
{قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار} (سورة الرعد ـ 16)
وقوله تعالى:
{قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار "65"} (سورة ص)
وهو جل شأنه القهار منذ الأزل إلي الأبد .. وسوف ينادي يوم القيامة ويرد على نفسه قائلا:
{لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} (سورة غافر ـ 16).

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 16 : 06 PM
الوهاب.


وهب فلانا شيئا أي أعطاه إياه بلا عوض أو مقابل، والاسم (واهب) و(وهوب) و(هاب) .. والهبة أي المعطية بلا مقابل. و(الوهاب) اسم من أسماء الله الحسنى على وزن صيغة المبالغة (فعال) والله تبارك وتعالى هو الوهاب بحق إذ هو الذي يهب ما يملك، كما أنه هو الذي يعطي بلا مقابل ولا ينتظر الرد .. أما هبة المخلوق فهي هبة مجازية لأنه يهب ما هو موهوب له من الله عز وجل، كما أن هبة المخلوق قلما تكون بلا مقابل، فإن لم يكن الوهاب يبغي من هبته مقابلا دنيويا فإنه لا محالة يبغي جزاء الآخرة.
والحق سبحانه وتعالى لا ينال من عطائه للعباد أي مقابل على الإطلاق .. وإن قيل إنه جاء شأنه يبغي من هذا العطاء أن يعبد مصداقا لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) فإننا نقول: إن هذه العبادة التي تعبدنا بها ليست مقابلا لعطاياه جل وعلا لأنه الغني عما سواه على الإطلاق، ولا حاجة به لغيره في وجوده ولا في بقائه وفي ذلك يقول عز وجل:
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15" إن يشأ يذهبكم ويأت بخلقٍ جديدٍ "16" وما ذلك على الله بعزيزٍ "17"} (سورة فاطر)
ويقول في الحديث القدسي:
(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعها فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا شري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك ما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
فالعبادة ما هي إلا مجموعة من الالتزامات تدخل في إطار (افعل ولا تفعل) الغرض منها الارتقاء الروحي والبدني بالإنسان الرقي الذي يتناسب مع كونه خليفة الله في أرضه. تأمل عبادة الصلاة في الإسلام سوف تدرك على الفور الحكمة في فرضها على العباد .. انظر إلي المصلى الذي يواظب على صلاته تجده دائما نظيف البدن والمظهر مضيء الوجه، دائم الصلة بالله، كثير الذكر قليل الذنب حسن الحديث مأمون الجانب، هادئ الطبع قلما يخرج عن هدوئه ووقاره .. لأن صلاته تفكه من أسر الشيطان، وهذه السمات مجرد أمثلة لا حصر لها.
كذلك عبادة الصوم .. شرعها الله عز وجل ليتذكر الإنسان نعم الله عليه والتي يفقد الإحساس بها حينما يألفها مع التكرار، وليشعر بما يعانيه الفقير الذي لا يملك قوت يومه، ولترتقي النفس البشرية فوق الغرائز الحيوانية .. فلا يصبح إشباع الغريزة لدى الإنسان غاية كما هو الشأن لدى سائر الحيوانات، وتأخذ الغريزة بذلك موضعها الصحيح .. الطعام ليمد الإنسان بالطاقة اللازمة لاستمراره وبقائه .. والغريزة الجنسية من أجل الإنجاب وإعمار الأرض، وبذلك لا نجد بيننا ذلك الذي يتصور أن الحياة قد جعلت للطعام والشراب ومعاشرة النساء كما هو الحال في الدول التي يزعم أنها متقدمة.
إن عبادة الحج قصد بها الله عز وجل أن يلتقي المسلمون من مختلف الشعوب والأجناس حول غاية واحدة، ويتبادلون الرأي حول أمور الدنيا والآخرة. الزكاة شرعت لإعادة توزيع الدخل بانتقال جزء منه من الأغنياء إلي الفقراء لإعانتهم على المعيشة بما يمنع التحاسد والبغضاء، ويمنع انتشار الجرائم في المجتمع. كذلك الأمر بالفضائل المختلفة كالصدق والحياء والكلمة الطيبة وإماطة الأذى عن الطريق والابتسامة في وجه أخيك وغيرها، والنهي عن الرذائل كالكذب والنفاق والرياء والحسد والحقد والغيبة والنميمة وغيرها .. الأوامر والنواهي على وجه العموم إنما شرعت لمصلحة الإنسان وليس إذلالا ومنا من الله عز وجل على العباد.
والحق سبحانه وتعالى هو الوهاب أزلا وأبدا .. فحين خلقنا عز وجل من العدم كان ذلك هبة منه جل وعلا .. فبدن الإنسان هبة .. وعقله هبة .. وسمعه هبة .. وبصره هبة .. وقلبه هبة. الكون بكل ما يحوي من مخلوقات هبة منه عز وجل للإنسان .. فالهواء الذي نتنفسه هبة .. الماء الذي نشربه هبة .. والطعام الذي تخرجه لنا الأرض هبة .. والدواب التي تحملنا إلي الأماكن المتباعدة هبة .. الشمس التي تمدنا بالدفء والضوء هبة .. القمر الذي نسير على أشعته ليلا هبة منه تبارك وتعالى.
الرسالات السماوية التي يرسلها ليهدينا بها إلي سواء السبيل هبة منه جل وعلا .. الهداية والانتقال من الكفر إلي الإيمان هبة منه، وفي ذلك يقول جل شأنه:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم "21"} (سورة النور)
الزوج هبة من الله عز وجل لزوجته، والزوجة هبة لزوجها، والأطفال هبة للوالدين وفي ذلك يقول جل وعلا:
{لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور "49" أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير "50"} (سورة الشورى)
فعطاء الله عز وجل هبة، ومنعه هبة، وقد قلنا من قبل إن النعمة قد تكمن في جوف النقمة، والنقمة قد تكمن في جوف النعمة، ولا يعلم أين الخير من الشر سوى الله عز وجل علام الغيوب. ويجب على الإنسان أن يعتقد اعتقاد جازما بأن كل شيء هبة من الله تبارك وتعالى حتى تلك الأشياء التي نظن أننا نكتسبها بالأسباب .. ولو ظن الإنسان أن ما به من نعمة من كسبه وعمله ونسى فضل الله عليه فإنه لا محالة سيفقد هذه النعمة .. وقد رأينا ماذا فعل الله عز وجل بقارون حينما أدعى أن ما به من نعمة قد جاءته بعلمه وعمله.
ومن الواضح من القصة أن قارون قد ارتكب عدة معاص اجتمعت معا. فحق عليه العذاب، فهو فضلا عن ادعائه بأن النعم قد آلت إليه بعلمه وعمله، لم يكن يبتغي فيما أوتي الدار الآخرة، وكان يبغي الفساد في الأرض، وكان يخرج على الناس في زينته المبالغ فيها والتي كانت تسبب للفقراء من الناس إيذاء نفسيا وتشعرهم بالإحباط والقنوط والسخط على ما هم فيه من ضيق ذات اليد. ورسل الله عليهم جميعا افضل الصلاة وأتم التسليم كانوا يدركون جيدا أن كل شيء موهوب من الله، لذلك كانوا في دعائهم يستخدمون الفعل (هب) دون غيره من أفعال الدعاء .. ومن هذه الأدعية التي وردت في القرآن الكريم قوله تعالى:
{الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق} (سورة إبراهيم ـ 39)
وقوله سبحانه:
{هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذريةً طيبة} (سورة آل عمران ـ 38)
وقوله الحق:
{رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين "83"} (سورة الشعراء)
والإنسان يجب أن يلجأ في كل طلب إلي الله عز وجل لأنه وحده هو الوهاب الذي يعطي بلا مقابل، كما أنه هو وحده الذي يملك خزائن كل شيء، حتى تلك الأشياء التي نظن أنها بيد فلان من الناس .. وقد قلنا من قبل إن الإرادة الإلهية تسخر الأسباب، بينما الأسباب لا تملك أن تغير هذه الإرادة. والمولى عز وجل كما أخبر عن نفسه قال:
{أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب "9"} (سورة ص).

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 17 : 06 PM
الرزاق.


من أسماء الله الحسنى الرزاق، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{إن الله هو الرزاق "58"} (سورة الذاريات)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق"
ورزق الله نعمة منه لا تحصى.
أولاً: رزق الخلائق جميعاً بكافرهم ومؤمنهم وكل ما في الكون حرصاً عليه وما فيه، منه وإليه، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها "6"} (سورة هود)
وهذا عطاء الربوبية؛ لأن الله استدعى الكون إلي الوجود، وإلي ما يحتاج إليه في الخلود.
أما الرزق الثاني: فهو عطاء الألوهية للمختارين من عباده، وليس الرزق هو المال، فحلاوة اللسان رزق، والقبول رزق، وخفة الظل رزق، والستر رزق، والرضا بقضاء الله رزق. ومثال القبول نجد نجارين متجاورين مكاناً وزماناً وبضاعة، وتجد قبولاً في أحدهما وإعراضاً عن الآخر، ولا تسأل عن الحكمة في ذلك فهذه أرزاق. ونجد فتاتين إحداهن سوداء، والأخرى بيضاء، ونجد قبولاً في السوداء لأن كلاً منهما له رزقه، ورزق السوداء مقدم، لأن أمره جاء وقته، أما الأخرى فرزقها بميلاد يولد في حينه، وهذا تقدير العزيز العليم.
يقول الله سبحانه وتعالى:
{إن الذين قالوا ربنا ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة .. "30"} (سورة فصلت)
والأرزاق لها غذاء، وغذاء القلوب ذكر الله، وبالذكر يحصل غناها ويزول فقرها، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{ألا بذكر الله تطمئن القلوب "28"} (سورة الرعد)
ورزق النفس بالسكينة والطمأنينة، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{يا أيتها النفس المطمئنة "27" ارجعي إلي ربك راضية مرضية "28"} (سورة الفجر)
ورزق السمع البيان والتبيين والتثبت، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا .. "6"} (سورة الحجرات)
ورزق العقل التفكير، يقول الحق:
{ويتفكرون في خلق السماوات والأرض .. "191"} (سورة آل عمران)
ورزق الأدب اتباع منهج الله، واتباع سنة رسوله. ورزق اليوم الحلال من الطيبات، بدليل قوله تعالى:
{ورزقناهم من الطيبات "70" } (سورة الإسراء)
ولكي تدوم الأرزاق، وتدوم النعم فاذكر الله كثيراً بقدر ما أعطيت من نعم. يقول الحق سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله كثيراً "41" وسبحوه بكرة وأصيلاً "42" هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلي النور وكان بالمؤمنين رحيماً "43"} (سورة الأحزاب)
أي: اسألهم يا محمد هذا السؤال، ولا يسأل هذا السؤال إلا من يثق أن الجواب سيكون بما يحقق مراد السائل. لنفرض أن أنباً قال: إن أبي لم يعد يحضر لي ما أريد، وجاء الأب وعلم ما قاله الابن فسأله: م الذي جاءك بهذا الثوب الجديد؟ وهذا الحذاء الجديد؟ وهذا القلم الجديد؟ يسأل الأب هنا ليعرف من الذي جاء بهذه الأشياء؟ طبعاً لا.
لأن الأب هو الذي جاء بها، فكيف يسأل عمن أحضرها، مع أنه هو الذي جاء بها، وهل يريد فعلاً أن يعرف من أحضرها؟ طبعاً لا!! إنما هو يعرف أن ابنه لن يجد جواباً، إلا أن يقول: أنت الذي أحضرت هذا وهذا. وهذا ما يريده الأب بأن يشهد الابن على نفسه بأنه لم يهمه. كذلك هذه الأسئلة التي ساقها الله سبحانه وتعالى يريد بها اعترافاً، وليس جواباً من المسئول، فيقول تعالى:
{قل من يرزقكم من السماء والأرض "31"} (سورة يونس)
والرزق ما ينتفع به، والانتفاع الأول هو ضروريات الحياة. والثاني هو كمالياتها. والرزق هو أصل استمرار الحياة، فإن توقف توقفت. الله سبحانه وتعالى طلب من محمد صلى الله عليه وسلم أن يسأل، ولم يطلب منه أن يجيب، بل طلب أن يجيب الكفار. الحق سبحانه وتعالى يقول:
{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172"} (سورة البقرة)
فالرزق خلقه الله أولاً، وأعطاه لبعض خلقه ثانياً، وجعله ليخدم الذين أعطاهم الله هذا الرزق، ويعطوا منه لمن ضيق عليه فيه. فالله خلق الرزق، وأعطاه لبعض خلقه، وهذا البعض ينتفع به، ويخرج منه المحتاجين، فالله تعالى خير الرازقين؛ لأنه خلق الرزق وأعطاه لك، فأنت تعطي من رزق الله الذي أعطاه لك. ولذلك كره العلماء أن يسمى إنسان رازقاً، وإن كان ربنا قال عن نفسه:
{خير الرازقين "114"} (سورة المائدة)
فلا رازق إلا الله. ولذلك تجد إنساناً يعمل بواباً أو فراشاً أو ساعياً عند أحد أصحاب العمارات أو الشركات، فإذا حدث خلاف بينهما وفصله صاحب العمل. تجد العامل الضعيف المحتاج يصرخ في وجهه ويقول: ربنا هو الرازق، إياك أن تفتكر نفسك أنك ترزق أحداً، وينصرف وهو يعلم يقيناً أن رزقه على الله، مع أنه كان يأخذ أجره منه. ولكن هذا العامل نظر إلي الرازق الأول سبحانه وتعالى الذي يرزق من يشاء بغير حساب، ولأن الذين هاجروا في سبيل الله رزقهم حسن، فالله وعدهم أن يدخلهم مدخلاً يرضونه.
إن الأرزاق التي أوجدها الله في الكون تنقسم إلي قسمين: رزق يمكن الانتفاع مباشرة به، ورزق هو سبب لما انتفع به مباشرة. فالإنسان، يأكل رغيف الخبز، ويشرب كوب الماء، ويكتسي بالثوب، ويسكن البيت، وينير المصباح، كل ذلك رزق مباشر، ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر، فإذا امتلك إنسان جبلاً من الذهب وهو جائع فماذا يصنع به؟ إن رغيف الخبز في هذه الحالة أنفع للإنسان من جبل الذهب، إن رغيف العيش رزق مباشر.
إن النقود والذهب يشتري بها الإنسان هذا الشيء وغيره، ولكن النقود لا تغني عن الخبز والماء. وبعد أن وضع الله للإنسان قدرة أن يستغل المال في شراء كل شيء، فإن هناك بعضاً من الأوقات يجعل فيها الله هذا المال لا يشتري أي شيء، ولا يساوي أي شيء، وذلك حتى يعرف البشر أن المال ليس غاية، ولا يصلح أن يكون غاية، بل هو وسيلة، وإن فقد المال وسيلته وأصبح غاية فلابد أن يفسد الكون. إن علة فساد الكون كله في القدر المشترك هو أن المال أصبح غاية ولم يعد وسيلة.

عطاء الربوبية
إن الحق رحيم بعباده، ولكنه لا يختص برزق المؤمنين، فهو سبحانه العادل الكامل لا يترك غير المؤمنين دون أن يقيموا أود الحياة، وأن يحافظوا على حياتهم بأن يأكلوا مما في الأرض حلالاً طيباً. إن الحق سبحانه هو رب كل الناس، وهو الذي خلق كل الناس؛ لذلك فبحب الخالق لصنعته من الخلق يدعوهم إلي أكل الحلال والطيب؛ ليصون الحق سبحانه صنعتهن وهم الخلق أجمعون. المؤمن منهم والكافر.
إن الحق سبحانه رب ومرب، ويجب لصنعته أن تكون في احسن حال، حتى ولو لم يؤمن بعض الناس، إن الدعوة لأكل الحلال والطيب هي صيانة للإنسان من الشيء الضار. وهنا نأتي لموقف يتخذه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن يكذبوا قضية الدين، وقضية التحريم، لعل ذلك التكذيب ينجيهم من اللوم الفطري الذي توجهه النفس لصاحبها أن يخرج عن منهج الله. ولعل ذلك التكذيب ينجيهم من عذاب تصور الجحيم الذي يعرفون أنه بانتظارهم يوم القيامة. إنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله؛ لذلك يقولون الكذب ويسألون أسئلة تدل على عدم الفهم.
إن الواحد منهم يقول: مادام لحم الخنزير حراماً، فلماذا خلقه الله؟ ومادام هناك شيء تخرجه الأرض فلماذا يحرم الدين بعض المأكولات ولا يحرم البعض الآخر؟ إنهم يعتقدون أن كل مخلوق في الأرض له مهمته.
إن الزمن يلفتهم ـ وهم غير مؤمنين ـ إلي أن يمسكوا ـ على سبيل المثال ـ الثعابين والحيات ليستخلصوا منها السموم، ويأخذوا من هذه السموم دواءً ليقتلوا به ميكروبات تفتك بالإنسان. وقيل: إن الكافر منهم كان يتساءل بنبرة تعالٍ على الخالق قائلاً: لماذا خلق هذا الثعبان في الكون وما فائدته؟ ما لزوم خلق الثعابين؟ إن الحق سبحانه وتعالى يجعل الإنسان محتاجاً إلي الثعابين ليأخذها، ويحتال عليها ليأخذ منها السموم لمصلحة من؟ لمصلحة الإنسان. إن الثعبان ليس مخلوقاً من أجل أن نأكله، ولكنه مخلوق لنستخلص منه العلاج، لكن موقف المؤمن بالله يختلف عن موقف المنكر للإيمان، إن المؤمن إذا رأى شيئاً محرماً فعليه الالتزام بتكليف الإيمان .. إن على المؤمن أن يأخذ بأسباب الله التي خلقها في الكون، ليستكشف مهمة كل مخلوق في الكون.

.../...

أبو عادل
16 / 01 / 2010, 18 : 06 PM
إن كل شيء أو كائن إنما هو مخلوق لمهمة يؤديها في الكون، إن الخالق قد حرم على العباد أن يقتلوا أنفسهم بالسموم، ولكن الحق سبحانه أباح استخدام هذه السموم في التخلص من الآفات والميكروبات التي قد تفتك بالإنسان. إن على المؤمن أن يعرف أنه يجهل الكثير من قضية الكون، بدليل أنه يكتشف فيها سراً جديداً كل يوم. ولأضرب لكم مثالاً مر بي، وقد يمر بأي واحد منكم، إنني لا أنسى هذا المشهد الذي رأيته في أحد مراكز الأحياء المائية.
لقد رأيتهم يحضرون نوعاً من السمك، لا يزيد طوله على عقلة الإصبع، ولا يكبر، ولا يأكله أحد. وله مهمة واحدة هي تنقية الماء من أي عوالق أو شوائب، ويعيش هذا السمك في الأماكن التي لا ينقي الإنسان فيها الماء، فإذا رمى أحد في هذا الماء أي مخلفات، فهذا النوع من السمك يتجمع على الفور ليأكل هذه المخلفات وينقي الماء منها؛ لأن الخالق القيوم قد خلقه لهذه المهمة؛ لذلك لا يكبر هذا النوع من السمك حتى لا يطمع فيه أحد ويأكله. إنه ترتيب دقيق من الحي القيوم.
ولننظر إلي الذباب ـ على سبيل المثال ـ إن الذباب لا ينشأ إلا في الأماكن القذرة والخطر من الذباب إنما يأتي من أنه ينقل الميكروبات من الأماكن القذرة إلي الإنسان؛ لهذا نجد الدين الحنيف يأمرنا بالنظافة لا في البدن فقط، ولكن لابد لنا أن نحتفظ بأماكن حياتنا نظيفة. فإذا أراد إنسان أو مجتمع أن تقل فيه خطورة الذباب فلابد من الامتثال لأمر الإيمان بالنظافة، ونظافة الجسد والملابس والمكان.
إذن: فكل خلق في الوجود مرتب ترتيباً دقيقاً، إن ترتيب الخالق الرزاق المربي. ومادام الخالق قد خلق الإنسان ورزقه، لذلك فعلى الإنسان طاعة نداء الحق، إن الحق سبحانه ينادي خلقه مطالباً إياهم أن يفتحوا أعينهم ليروا أن كل مخلوق مهما صغر له مهمة في الوجود. إن على الإنسان أن يتسامى في بحثه، ليدرك بعضاً من مهام غيره من المخلوقات، والذين يختصون الخالق الأكرم بالعبادة هم القدوة لغيرهم من الناس. لذلك يقول الحق سبحانه لهم:
{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون "172"} (سورة البقرة)

عطاء الألوهية
قال تعالى:
{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله احسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "38"} (سورة النور)
ولنا أن نسأل: ما الرزق؟
الرزق عند القوم هو ما به ينتفعون، فكل شيء ينتفع به الإنسان يسمى رزقاً، لكن لنا أن نفرق بين الرزق الحرام والرزق الحلال؛ لأن الحرام منفعته عاجلة وضرورة حتمية، أما الحلال فقد يكون منفعة قليلة في نظر البعض، ولكنها كثيرة الخير ودائمة التجدد. والناس قد يقصرون كلمة الرزق على شيء واحد يشغل بالهم دائماً، وهو المال. لهؤلاء نقول: لا، إن الرزق هو ما به يتم الانتفاع، فالعلم رزق، والخلق رزق، والعبادة رزق، ولنا أن نتأمل قول الحق سبحانه:
{والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون "71"} (سورة النحل)
إن التفاوت في الرزق أمر أراده الله حتى يستطرق الرزق بألوانه المختلفة بين العباد، فإذا تميز واحد برزق في أمر ما، فإنه يرد بعضاً منه على الناس؛ لذلك فالرزق هو كل ما يتم الانتفاع به.
وعندما يقول الحق سبحانه وتعالى:
{والله يرزق من يشاء بغير حساب "38"} (سورة النور)
فلنا أن نتفهم معنى "بغير حساب" إن الحساب يقتضي محاسباً ومحاسباً عليه، ولأن الحق سبحانه هو الوهاب فقد يرزق الإنسان لا على قدر سعيه، ولكن أكثر مما يتخيل الإنسان. إن الحق سبحانه حين يرزق فلا توجد سلطة أعلى منه تقول له: لماذا أعطيت؟ إن الحق سبحانه يعطي بطلاقة قدرته، وقد يعطي الله الكافر حتى يتعجب المؤمن. لكن لماذا لا يحسب المؤمن عطاء الله له من الحسنات المضاعفة، ومن الأمان النفسي، إن الإنسان حين يقرأ
{والله يرزق من يشاء بغير حساب "38"} (سورة النور)
فعليه أن يعرف أن الحساب واقع من الله على الغير لماذا؟ لأن قول الحق سبحانه واضح ومحدد. ويقول الحق سبحانه وتعالى:
{ما عندكم ينفذ وما عند الله باقٍ ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون "96" من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فنحيينه حياة طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن مما كانوا يعملون "97"} (سورة النحل)
إن ما يملكه الإنسان مهما بلغ من الثراء محدود ومعدود، أما ما يملكه الحق الرحمن فهو غير محدود أو معدود، وعندما يعرف الإنسان ذلك فإنه يلزم الآداب، ذلك أن الذين يعبدون لهم أجرهم بأفضل مما عملوا، وليس هذا الأمر في الآخرة فقط، ولكن في الدنيا أيضاً. إن الحياة تكون مباركة بالقناعة والرزق الحلال، ثم يذهب الإنسان في الآخرة إلي حسن المآب. إذن: فليلزم كل إنسان أدبه، إن رأي غيره قد رزقه الله أكثر منه؛ لأنه لا يعلم حكمة الله في ذلك، إن علينا أن نعرف أن الرزق هو امتحان وليس وسيلة تكريم أو إهانة للإنسان، إن الإنسان قد يقف في الذي تحدث عنه القرآن الكريم:
{فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن "15" وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن "16"} (سورة الفجر)
لا، إن الكرم ليس في زيادة الرزق، ولكن في اجتياز الإنسان لامتحان هام هو حسن استخدام الرزق، وقلة الرزق ليست إهانة للإنسان، ولكن هي أيضاً اختبار. فالإكرام الإلهي لا يكون إلا إذا وفق الإنسان في أداء حق النعمة، والتقدير في الرزق لا يكون إهانة إلا إذا لم يوفق الإنسان في أداء حق النعمة.

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 50 : 05 PM
الحكم


قال تعالى:
{أفغير الله ابتغي حكماً .. "114"} (سورة الأنعام)
هو الشاهد، وهو الحاكم، وهو المنفذ، ولذلك فهو سبحانه:
{خير الحاكمين "87"} (سورة الأعراف)
لأنه جل جلاله لا يحتاج لشاهد قد يخطئ أو يقول زوراً، بل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، ولا يعلم جانباً من القضية، وتغيب عنه جوانب أخرى. لذلك فحكمه الحق والعدل، ولا يعطي جل جلاله الحكم لسلطة تنفيذية قد تنفذ أو لا تنفذ، بل هو سبحانه الذي ينفذ ولا يوجد شيء يعجزه، كأن يهرب المذنب، ويختلف في مكان لا يعرفه أحد، بل لا يوجد شيء في كونه، إلا وهو سبحانه وتعالى يعلم مكانه، الله سبحانه ليس له هوى، وهو يجير ولا يجار عليه.
إذن: فالله سبحانه وتعالى خير الحاكمين، وقوله سبحانه وتعالى:
{خير الحاكمين "87"} (سورة الأعراف)
دليل على أن هناك من سيحكم في الدنيا من البشر، وهذا أمر نعرفه جميعاً، والله سبحانه وتعالى خيرهم. ويقول تعالى:
{والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب "41"} (سورة الرعد)
والحكم معناه الحاكم الذي لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقيل في معنى الحكم: هو الذي حكم على القلوب بالرضا، وعلى النفوس بالانقياد والطاعة، وقيل في معناه: هو الذي يفصل بين الحق والباطل، والبار والفاجر، ويبين لكل نفس ما عملت من خير وشر.
وسبحانه القائل في كتابه الكريم:
{فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين "87"} (سورة الأعراف)
وقد ذكر الحكم مرة واحدة في الذكر الحكيم:
{أفغير الله ابتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً .. "114"} (سورة الأنعام).
المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=25)

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 51 : 05 PM
العدل.

قال تعالى:
{وتمت كلمت ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلمته .. "115"} (سورة الأنعام)
سبحان الله الحكم العدل، والعدل هو في اللغة مصدر أقيم مقام الاسم للزيادة، أي: البالغ في العدل، أي: الذي لا يظلم أحداً، والعدل مأخوذ من الاعتدال وهو الاستواء، ويقع صفة للحكم والحاكم معاً، فيقال: حاكم عدل، وحكم عدل. وسبحان الكريم العفو ذي العدل. الذي قد ملأ كل شيء عدله. ثم لنتدبر هذه الآية الكريمة من سورة النحل:
{وضرب الله مثلاً رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه أينما يوجهه لا يأت بخيرٍ هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم "76"} (سورة النحل).

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 53 : 05 PM
اللطيف - الخبير.

قال تعالى:
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14"} (سورة الملك)
ولنعطي مثلاً من حياتنا، فهذه الأمثال ضربت لتقريب الأفهام، وإيضاح المراد للناس، فنحن نعرف أن الكرسي قد تم صنعه من خشب (زان) أو (أرو) أو (موجنة)، وأن المسمار الذي يربط الجزء بالجزء إما أنه مسمار صلب أو غير ذلك، وكذلك يعلم صانع الكرسي أي صنف من الغراء استعمل في لصق أجزاء الكرسي، وكذلك مواد الدهان التي تم دهن الكرسي بها.
إن قول الحق سبحانه:
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14"} (سورة الملك)
هو قول لا يحتاج إلي جدال، ولذلك نجد الصانع النجار الذي يرغب أن تكون صنعته واضحة يقول للمشتري: سوف أصنع لك الكرسي من خشب، وعليك أن تمر يومياً لترى مراحل صنعه. ويبدأ صناعة الكرسي مرحلة مرحلة تحت إشراف الزبون، وكذلك يعرف البدوي كيف يتكون الرحل، وكذلك يعرف العربي كيف يتكون الفسطاط. والحق سبحانه جاء بما يدحض أي جدال، وبدون الدخول في أية مهاترات أو مناقشات لها مقدمات ونتائج. يقول الحق سبحانه:
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14"} (سورة الملك)
إنه أمر سهل للخالق، ولذلك أتعجب كيف أدخل هؤلاء العلماء هذه المسألة في متاهة فلسفية، ولا يدخل فيها إلا صاحب القلب الكبير، ولذلك نجد أن هؤلاء الذين قالوا إن القرآن ذكر بشر جعلوا في عقولهم كالذي يملك قطعة من فضة يدسها ويدفنها في الرمال يم يدعو الآخرين للبحث معه عن قطعة الفضة. ولذلك نجد العلماء الذين ناقشوا هذه المسألة جزاهم الله، قالوا:
لنهـاية إقدام العقـول عقــال
وأكثر سعـي العالمين ضلال
ولم نستفد من بحثنا طوال عمرنا
سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وأنا أريد أن اعرف: ماذا قدمت الفلسفة النظرية للدنيا من خير؟ لقد انفصلت عنها الفلسفة المادية ودخلت المعمل، وأخرجوا لنا الابتكارات التي انتفع بها الخلق، فماذا فعلت الفلسفة النظرية؟ لا شيء. إننا نقول: الإسلام جاء بالعقيدة الفطرية، ومعنى العقيدة الفطرية أن الناس فيها سواء، فالأدلة العقلية تقتضي الوضوح لمن تعلم ولمن لم يتعلم. إن الفلاسفة قالوا بأدلة الغاية، وأدلة العناية، وأدلة القصد.
ولكن البدوي الذي سار في الصحراء وجد أثراً، ووجد الرمل عليه أثر قدم، فقال: إن الأثر يدل على المسير. أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير؟ إنه لم يدخل في فلسفة أو متاهة، إن الفلاسفة يدخلون مع بعضهم في متاهات عقلية. وتأتي للبدوي البسيط فيحلها في جملة واحدة، وعندما يسأل واحد من الناس واحداً من أهل الأشراف: ألا تشتاق إلي الله؟ فيقول هذا الواحد من أهل الأشراف: أنت تشتاق لغائب، ومتى غاب الله حتى يشتاق إليه؟
ونحن مع حسن الظن بهم نجد أن كل واحد منهم يقول: الله خالق كل شيء. فنقول له: أنت صحيح قد تعصبت لصفة القدرة وطلاقتها في الحق، وجاء الثاني وقال ولكن الله عادل، ولا يمكن أن يخلق في الكافر كفره، ثم يعذبه عليه، إنه تعصب لصفة العدل. إن كلاً منهما ذاهب إلي صفة واحدة من صفات الحق، وهما الاثنان يتناسيان أن هذه الصفات إنما تذهب إلي ذات واحدة، لذلك فهو قادر وعادل معاً، فلا هذه تفلت منه ولا تلك. ونقول لمن يقول: إن الله خالق كل شيء، وخالق كل فعل، ما هو الفعل؟
إن الفعل هو توجيه جارحة لإحداث حدث، فالذي يمسح وجهه بيديه قد وجه يده لوجهه حتى يمسح وجهه، هذا الفعل من يفعله؟ لا يفعل ذلك صاحب الفعل. ودليلنا على ذلك عندما نرى الإنسان الآلي نضغط على كذا زر ليتحقق هذا الفعل، إن الإنسان الآلي حتى يتحرك حركة واحدة لابد من ضغط وتحريك عدد آخر من القوى. لكن الإنسان حتى يمسح وجهه بيديه اكتفى بأنه مجرد أن أراد مسح الوجه باليد، وبالنظر إلي جرافات التراب يلفتنا إلي أن سائق جرافة التراب يحرك عدداً من الأذرع الحديدية حتى يحرك الجرافة إلي أسفل، ثم حركة أخرى ليفتح أسنان كباشة التراب، وحركة تقبض أسنان كباشة التراب، وحركة أخرى ترفع التراب.
والواحد منا بمجرد رغبته في أن يمسح وجهه، فهو يمسح الوجه ولا يعرف أي العضلات تحركت، فمن الذي فعل كل ذلك؟ إنه الله فيا من تتعصب لصفة القدرة أن الله هو الذي فعل، والذي يحدث من العبد هو توجيه الطاقة التي تنفعل بالله إلي غير مراد الله، فيصير العبد عاصياً، أو يوجهها إلي مراد الله فيكون طائعاً، ويكون للعبد الكسب فقط. فالذي يقتل واحداً هو لم يقتل لأنه لم يقل له: كن قتيلاً، فيكون قتيلاً، ولكن القاتل يأتي بسكين أو سيف أو مسدس، ويرتكب فعل القتل، إن أداة القتل هي التي قامت بالفعل، والقاتل إنما أخذ الآلة الصالحة لفعل ما. فيا من تريد العدل، إن الله إن عذب على معصية، فذلك لأن الإنسان إن استعمل أداة مخلوقة للفعل ولعدمه، فجعلها تؤدي فعلاً، والله هو الفاعل لكل شيء.
قال تعالى:
{إنه بما يعملون خبير "111"} (سورة هود)
وهذا دليل على العلم الدقيق، فالإنسان حين تأتيه مشكلة يقول: اذهبوا إلي العالم الفلاني، فإنه خبير بها؛ ولذلك فسيعطيكم احسن الحلول، أو تقول: اعرضوها على الخبير، فالعالم قد يعلم إجمالاً، أما الخبير فهو المتخصص يعرفها بدقة وبكل تفاصيلها. ولذلك تجد دائماً في القرآن الكريم قوله تعالى:
{وهو اللطيف الخبير "14"} (سورة الملك)
وقوله سبحانه:
{إن الله لطيف خبير "63"} (سورة الحج)
لأنك قد تكون خبيراً بواقع الأشياء، فأنت تعرف مثلاً أن المجرم الفلاني مختبئ في الجبل، ولكنك لا تستطيع أن تدخل إلي الجبل؛ لأن فيه مسالك دقيقة لا تعرفها. إذن: فالخبرة ليست كافية وإنك تريد لطفاً ودقة لكي تنفذ إلي الأماكن التي تضمن لك أن تحقق ما نريد، فأنت تعرف أن هذا الشقي مختبئ في هذا المكان، ولكن كيف تصل إليه، فهذا شيء فيه لطف، وفيه خبرة.
إن الحق سبحانه وتعالى حين يشرع لا يشرع عن خلاء، ولكنه خبير بكل ما يصلح النفس الإنسانية، ولا يعتقد أحد أنه خلقنا ثم هدانا إلي الإيمان ليخذلنا في نظام الحياة. إنه خلقنا وأعطانا المنهج لنكون نموذجاً ليرى الناس جميعاً أن الذي يحيا في رحاب المنهج تدين له الدنيا:
{إن الله كان بما تعملون خبيراً "94"} (سورة النساء)
إنه سبحانه وتعالى خبير بما فعل، وكأن الحق سبحانه يقول: إياك أن تستر بلباقتك شيئاً وتخلع عليه شيئاً غير حقيقي؛ لأن الذي تطلب جزاءه، وهو الرقيب عليك والحسيب، يعلم المسألة من أولها إلي آخرها.
المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=27)

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 54 : 05 PM
الحليم.

قال تعالى:
{والله غني حليم "263"} (سورة البقرة)
ويقول تعالى:
{والله غفور حليم "225"} (سورة البقرة)
هو صاحب الصفح والأناة، الذي لا يحبس أنعامه وأفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ذلك بأنه تعالى هو الصفوح مع القدرة، المتأني الذي لا يعجل بالعقوبة. ويقول الحق سبحانه:
{كلا نمد هؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً "20"} (سورة الإسراء)
وقال تعالى:
{ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلي أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون "61"} (سورة النحل)
فهناك عطاء الربوبية لكل مخلوق، أما عطاء الألوهية فهو لمن اتقى. وكيف يعجل من لا يخاف الموت، قال تعالى:
{يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا لا تنفذون إلا بسلطان "33"} (سورة الرحمن)
هذا الدعاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به القرب من الله: "لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحانه، وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين"
وسبحان الله الحليم الذي يمهل العاصي، فإن تاب قبل توبته، وإن أصر أخر العقاب عنه لعلمه تعالى، أنه لا يخرج من ملكه.
وهذا دعاء اللجوء: "يا من عصمت المعصومين، ويا من حفظت المحفوظين، ويا من أصلحت الصالحين، إن عصمتني تجدني معصوماً، وإن أهملتني تجدني مخذولاً، ناصيتي بيدك، يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
وقد ذكر الحليم سبحانه إحدى عشرة مرة في الكتاب العربي الكريم، فهو غفور حليم، وهو حليم غفور، وهو عليم حليم، وهو غني حليم، وهو تعالى شكور حليم.
المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=28)

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 54 : 05 PM
العظيم.

الحق سبحانه وتعالى يقول:
{أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء .. "185"} (سورة الأعراف)
يريد الله سبحانه وتعالى أن يلفت الكفار إلي أن في ملكوته أشياء كثيرة تدل على عظمته وقدرته، فإذا كان في السماء والأرض أشياء كبيرة الحجم تستطيع أن تراها بسهولة، فهناك من خلق الله أشياء دقيقة جداً لا تدرك بالعين، ومع ذلك فيها الحكمة العليا للخلق. وكلما دقت الصنعة كان ذلك محتاجاً إلي صانع ماهر وتكنولوجيا متقدمة، مثلاً ساعة (بج بن) ضخمة جداً عندما صنعت كانت شبه إعجاز، فلما تقدم الزمن وجدنا ساعة في حجم فص الخاتم تؤدي نفس مهمة ساعة بج بن.
إذن: فعظمة الخلق ليست في الحجم الكبير فقط، ولكنها في الأشياء التي تستطيع أن تدركها بعينك، مثلاً الميكروبات والجراثيم غاية في الدقة، ومع ذلك ففي هذا الحيز الصغير الذي يحتله كل مقومات حياتك. الناموسة الصغيرة تأتي وتمتص الدم جاهزاً منك، ولها خرطوم كالشعرة، أو أدق من الشعر، ومع ذلك يخترق الجسم بدقة وكفاءة أكثر من الإبرة الصلبة الكبيرة. والميكروبات الصغيرة تخترق جلدك، وتنفذ إلي الدم وتحدث بينها وبين كرات الدم البيضاء معركة يمرض لها الجسم كله، وترتفع درجة حرارته، ويحس الإنسان بالألم.
كيف استطاع هذا الميكروب الذي هو غاية في الدقة أن يفعل كل هذه الأشياء في هذا الجسم الضخم؟ (جسم الإنسان) فيجعله عاجزاً عن الحركة، وعن التفكير، وعن تناول الطعام وعن أشياء كثيرة؟ الله سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا إلي أن هذا الملك الظاهر ليس هو الدليل الوحيد على قدرة الله وعظمته، ولكن كل شيء خلقه الله فيه عظمة الخلق، وربما فيه آلات استشعارية تعينه على الحياة لا يقوى صاحب العقل عليها.
وكم اكتشافات علمية في أشياء لا نراها كالأشعة تحت الحمراء التي تحدد بدقة مكان الشيء اكتشفت من أداة الاستشعار في الحيات والثعابين، تلك الأداة التي لا تعتمد على النظر في تحديد المسافات بينها وبين الفريسة أو بينها وبين العوائق، ولكنها تعتمد على أشعة كونية غير مرئية. وقد استخدمت هذه الأشعة في كثير من آلات القتال لتحديد مكان مواقع العدو بدقة، وكذلك أشعة الليزر التي اكتشفت في رحلات الفضاء أخيراً، لها دقة فائقة في تحديد أشياء دقيقة.
بل إن الحيوانات تحس بالزلازل قبل الإنسان، بل إن الحمير التي يصفها الإنسان بالغباء لها أداة استشعار تجعلها تحس بالزلازل قبل أن تقع وتهرب من منطقة الخطر. والبحث في عالم الفضاء وعالم الحيوان وعالم البحار يعطينا اكتشافات يذهل لها العقل، هذه عظمة الخلق فيما لا نرى ولا نحس ولا نعرف، إلا أن يكشف الله لنا بعض أسرار ملكوت هذا الكون، فنعرف أسراره.
إذن: فكل شيء خلقه الله فيه عظمة، وفيه قدرة، وكل ما خلق الله من بداية ما يقال له شيء فيه إعجاز الخلق. الشمس شيء، والقمر شيء، والنجوم شيء، وأنت شيء، والميكروبات شيء. إذن: فقوله تعالى:
{وما خلق الله من شيء "185"} (سورة الأعراف)
تي: من بداية ما يقال له شيء. ولقد ضربنا مثلاً لذلك عندما تقول ما معي من مال، قد تكون معك قروش قليلة، ولكنها لا تسمى مالاً، ولكنك إذا قلت: ما معي من مال أي من بداية ما يقال له مال أي: ليس معك ولو قرشاً واحداً. والله سبحانه وتعالى يريد أن يلفت الكفار إلي الآيات الكونية مما يرونه وما لا يرونه. فلماذا خاطبهم الله بما لا يرونه؟
لأن القرآن أزلي يخاطب الناس إلي يوم القيامة، وسيكشف الله من عمله إلي خلقه جيلاً بعد جيل ما خفي من أسرار الكون، فكلما قرأوا هذه الآية جيلاً بعد جيل أحسوا بعظمة الله وقدرته لا في المشاهد من الآيات فقط، ولكن فيما كان مخفياً عنهم ثم كشف لهم.

المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=29)

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 55 : 05 PM
الغفور.

كل فعل من الحق سبحانه وتعالى إنما يتجرد من ملابسات الزمان ومن ملابسات المكان، فإن كنا نقرأ على سبيل المثال:
{وكان الله غفوراً رحيماً "96"} (سورة النساء)
فليس معنى ذلك أن مغفرة الله ورحمته هي فعل ماض، ولكن لنقل كان الله غفوراً رحيماً، ولا يزال غفوراً رحيماً، إنه سبحانه وتعالى غفور رحيم قبل أن يوجد من يغفر له ويرحمه. ومن باب أولى أن يكون غفوراً رحيماً، بعد أن يوجد من يستحق المغفرة والرحمة. إن الحق سبحانه وتعالى منزه عن أن تعتريه الأحداث فيتغير، إن الزمن مخلوق من الله، فلا تقل متى أو أين لأنهما به وجدا. والحق سبحانه يأتي بالماضي لأنه متحقق الوقوع، وإذا قال الله عن شيء إنه سيحدث فلابد أن يحدث، لأنه كان إذا أسندت إلي الله أفادت الاستمرارية، فهو رب الزمان والمكان والحياة.
قال تعالى:
{ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193"} (سورة آل عمران)
إن أول شيء هو درء المفسدة؛ لأن الصالحين من الناس يتهمون أنفسهم بالتقصير دائماً، لذلك قالوا:
{ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193"} (سورة آل عمران)
وهنا عندما ننظر إلي معطيات القرآن نجد أن (الذنب شيء) (والسيئة) شيء آخر، إن الذنب يحتاج إلي غفران، والسيئة تحتاج إلي تكفير. وعندما ننظر إلي التكفير فإننا نجد على سبيل المثال (كفارة اليمين) كفارة اليمين تكون واجبة إذا ما أقسم المؤمن يميناً، وحنث فيه، وهذا التكفير مقابل للحنث في اليمين.
إن الأشياء التي تتعلق بالمعصية بين العبد وربه هي الذنب، والسيئة هي الأمر الذي يخالف منهج الله مع عباد الله، لأنك حين تفعل المعصية في أمر بينك وبين الله لم نسئ إلي الله، فمن أنت أيها الإنسان من منزلة الله .. ؟ ولكنك بالمعصية تذنب، والذنب تأتي بعده العقوبة، لكن مخالفة منهج الله مع عباد الله تكون سيئة، لأنك بها تكون قد أسأت؛ لذلك المؤمنون قالوا:
{ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193"} (سورة آل عمران)
من الذي هداهم إلي هذا، وإلي معرفة أن هناك فرقاً بين الذنب والسيئة، لأن الذنب يحتاج إلي غفران، والسيئة تحتاج إلي تكفير، حيث يكون التكفير مقابلاً لأن فيه عطاء أنه الرسول حامل الرسالة من الله.
ولذلك جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، إذ رأوه يضحك، فقال له سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ما يضحكك يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي حقي من هذا. فقال: لم يعد عنده حسنة فقال العبد: فاطرح عليه من سيئاتي. فقال: أبشرك "أن ليست لك سيئات" نعم نظر فوجد قصوراً وأشياء ينبهر لها العقل فقال العبد: لمن هذه يا رب؟ فقال الحق: لمن يدفع الثمن. فقال العبد: وما ثمنها؟ قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه. قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك. قال: يا رب فإني عفوت عنه. قال سبحانه وتعالى: فخذ بيد أخيك فأدخله إلي الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله تعالى يصلح بين المسلمين. هذا هو معنى التكفير أن تتحمل لذلك
نقول في الدعاء: "اللهم ما كان لك منها فاغفره لي، وما كان لعبادك فتحمله عني".
أي: أن العبد يطلب أن يراضي الحق عباده من عنده، وما عنده لا ينفذ أبداً، إن العباد المؤمنين يقولون:
{ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا .. "193"} (سورة آل عمران)
أي: اختم لنا سبحانك هذا الختام مع الأبرار. قال تعالى:
{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم "53"} (سورة الزمر)
وفي هذه الآية بلاغ من الله إلي رسوله الكريم أن يبلغ العباد الذين اكثروا على أنفسهم من المعاصي لا ييأسوا من رحمة خالقهم. والخالق العظيم وحده هو العظيم أيضاً في مغفرته ورحمته، وهكذا كان غفران الحق لكل معصية يعترف بها الإنسان، لأن الإقرار بالذنب إدراك ووعي بأنه ذنب ولله المغفرة. ويقول الحق سبحانه أيضاً في محكم كتابه:
{إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً "116"} (سورة النساء)
إن الحق سبحانه يوضح لنا أن الذنوب يغفرها الله، ولكن لا يغفر أن يرد أحد الأمر على صاحب الأمر.

المصدر. (http://www.nourallah.com/asmaa.asp?NameID=30)

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 56 : 05 PM
الشكور.

الإنسان حين يريد أن يثني على شخص لابد أن يقيمه لتكون قيمة الثناء مناسبة مع قدر المثنى عليه، فإذا انتقل هذا إلي الله سبحانه وتعالى فلابد أن نعرف كل صفات الكمال في الله حتى نستطيع أن نعطيه حق قدره. وصفات الكمال في الله لا تتناهى، ولا يمكن أن تحصى، وهذا أول عجز، أما العجز الثاني فهو أنني لو عرفت بعض الصفات فهل أستطيع أن أعطي على قدرها؟ لا أستطيع.
ولذلك فمن رحمة الله علينا أنه تحمل عنا صيغة الثناء عليه، حتى لا يوقعنا في حرج، فنحن لا نستطيع أن نحيط بصافات الكمال لله، وحتى لو أحطنا بصفة واحدة لا نستطيع أن نأتي بالعبارات التي تليق بها. وإذا حاولنا فستتفاوت القدرات بين أديب يستطيع أن ينمق العبارات وبين إنسان لم ينل قدراً من التعليم لا يستطيع أن يقول شيئاً. هنا ستتفاوت العبارات حسب تفاوت الناس في قدراتهم، ولكن عدل الله أبى إلا أن يساوي بين عباده جميعاً في الثناء عليه، فقال جل جلاله إذا أردت أن تثني علي فقل "الحمد لله". وهكذا ساوى الله برحمته بين الناس في معرفة صيغة الثناء عليه، وجعلها صيغة من كلمتين فقط "الحمد لله" صيغة سهلة يقدر عليها الجميع، صيغة ميسرة.
فالبشر يمدح بشراً في قصائد وصفحات كثيرة، ولكن الله يريد منا أن نقول "الحمد لله". فالحمد له شموله في كل ما يريده الله، فالحمد للإيجاد، والحمد للإمداد، والحمد على البقاء الأبدي، أما الشكر فغالباً ما يأتي عن النعم، وفي الاعتراف بالنعم وذكر المنعم. الله سبحانه وتعالى تحمل عن خلقه أن يعلمهم صيغة الحمد له، فلا قدرات هذا الخلق تؤهلهم للوصول إلي كمال صفات الله ولا وجود الصيغة المناسبة لحمد هذا الكمال.
ولقد أراحنا الله بذلك من إرهاق وتعب كبير، لأنه لو كان الإنسان سيحاول بأي أسلوب أن يحمد الله فلن يستطيع أن يحمده بالحمد المناسب له،
ولقد كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: "سبحانك لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك"
والرسول مشروع لأمته ولمن سيأتي بعده، ومن هنا فهو يعلمهم من طرق الحمد لله والثناء على الله ما تستطيعه عقولهم البشرية، فيقول: لا أحصي ثناء عليك، أي: إنني عاجز عن أن أقدم لك الثناء والحمد اللذين تستحقهما ذات الكمال في صفاتك.
ومهما حاولت أن أحصي، أو أن أدرك فأنا كبشر عاجز، ولذلك أمام هذا العجز سيأخذ ما أثنيت به على نفسك، أي ما طلب الله سبحانه وتعالى منا أن نحمده به، وهي الحمد لله. فكأن الحق سبحانه قد أعطانا العذر في عدم الثناء عليه كما يجب؛ لأننا عاجزون، وفي نفس الوقت علمنا أن نحمده أو نثني عليه بكلمتين اثنتين هما "الحمد لله"، فساوى في ذلك بين كل عبيده القادر منهم في العلم وغير القادر، لأنه أعطانا المنهج في هذا الكون الذي نستطيع أن نعبده به، والذي يحقق لنا السيادة في الأرض، ويحقق لنا فوق هذا كله الحياة الطيبة الآمنة في الكون.
والله سبحانه وتعالى يقول في سورة الرحمن:
{الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3"} (سورة الرحمن)
ولقد ثار جدل كثير حول هذه الآيات، إذ كيف يعلم الله سبحانه وتعالى القرآن قبل أن يخلق الإنسان، ولمن يعلمه؟ خلق الإنسان آية من آيات الله سبحانه وتعالى، فالإنسان من تراب، وهذه الحفنة من تراب مستها قدرة الله، فصارت بشراً، وهذا البشر صنع كل الحضارات والآيات التي نراها ونشهدها في الكون بقدرة من الله سبحانه وتعالى، ولكن الله وضع المنهج أولاً ثم خلق البشر.
وذلك أنه لكي يعيش الإنسان في الأرض فيجب أن يكون هناك منهج من الله يهديه، وليبين له الطريق السليم للحياة في "افعل" و"لا تفعل"، وإلا فكيف سيباشر الإنسان مهمته في الكون دون أن يكون له منهج. وهذه هي سنة الحياة وقوانينها، فأنت قبل أن تنشئ مدرسة مثلاً لابد أن تضع المنهج الذي سيدرسه التلاميذ، ثم بعد ذلك تنشئ المدرسة وتطلب من التلاميذ أن يلتحقوا بها، ولكن تصور معي كيف يمكن أن يكون الحال إذا أنشأ إنسان مدرسة بدون منهج؟ وماذا سيفعل التلاميذ؟ وماذا سيدرسون؟
وحين تنشئ مدينة جديدة لابد أن تضع المنهج الذي ستنشئ عليه المدينة أولاً، وهذا المنهج هو الرسومات والتخطيط الذي تضعه للمدينة، ثم بعد ذلك بعد أن يكتمل التخطيط، وتكتمل الصورة عندك تأتي بالمهندسين وتعطيهم هذه الرسومات ليبنوا لك المدينة. وأنت لو جمعت مجموعة من المهندسين، وطلبت منهم أن ينشئوا مدينة دون تخطيط سابق وانطلقوا، هذا يعمل يميناً، وهذا يعمل يساراً لكانت فوضى ما بعدها فوضى، ولنشأت المدينة غاية في السوء، وربما لم يستطع أحد أن يسكنها. وهكذا كل شيء نريد أن نعمله، لابد أولاً من الخطة للعمل، لابد من تحديد المنهج الذي سيتم على أساسه العمل، وبدون تحديد لهذا المنهج لا يتم العمل أبداً، ولا يصح، ومن هنا فهمنا أنه لا يتم خلق الإنسان بدون منهج أبداً، وإلا فسيعم الفساد في الأرض.

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 56 : 05 PM
المقيت.

قال تعالى:
{وكان الله على كل شيء مقيتاً "85"} (سورة النساء)
هو الذي يعطي الأقوات، وقيل في معنى المقيت: أي خالق الأقوات البدنية والروحانية، وموصلها إلي الأرواح والأشباح. وصلى الله على سيدنا محمد الذي جعل من القوت ذكر الحي الذي لا يموت.
قال عليه الصلاة والسلام: "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني"
وقال الأزهري أن "المقيت" هو المقتدر بلغة قريش. فيكون قوله تعالى:
{وكان الله على كل شيء مقيتاً "85"} (سورة النساء)
{وكان الله على كل شيء مقتدراً "45"} (سورة الكهف)
أي: مطلقاً قادراً.
وفي ذلك تنبيه لكل العباد: إياكم أن يظن أحدكم أن هناك شيئاً مهما صغر سوف يفلت من حساب الله، فلا في الحسنة سيفلت شيء، ولا في السيئة سيضيع شيء. إن كلمة "مقيتاً" أخذت من العلماء أبحاثاً مستفيضة فقال عالم في معناها: إن الحق شهيد. وقال الآخر: إن الحق حسيب. وقال ثالث: إن مقيت معناها مانح القوت. ورابع قال: إنه حفيظ. وخامس قال: إنه رقيب. ونقول لهم جميعاً: لا داعي للخلاف في هذه المسألة. فهناك فرق بين تفسير اللفظ بلازم من لوازمه، وقد يكون متعدد اللوازم، ويصبح كل ذهاب إلي معنى من اللوازم، فهو صحيح، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون من مادة الكلمة ذاتها.
{وكان الله على كل شيء مقيتاً "85"} (سورة النساء)
و "مقيت" من "قاته" أي: أعطاه القوت، و "مقوت" أي: أعطاه القوت. ولماذا يعطيهم القوت؟ ليحافظ على حياتهم، فهل مقيت بمعنى أنه يعطيهم ما يحفظ حياتهم، ومعناها أيضاً المحافظ عليهم. فهو الحفيظ. وبما أنه يعطي القوت ليظل الإنسان حياً فهو مشاهد له، لا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة، وبما أنه يعطي القوت للإنسان على قدر حاجته، فهو حسيب. وبما أنه يرقب كل سلوك للإنسان فهو يجازيه. إذن: كلها تدخل في مادة واحدة، لذلك لا يجب أن نقول: اختلف العلماء في هذا المعنى، ولكن لنقل: إن كل عالم لاحظ لحظاً في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي: لاحظ مراقبته لعباده دائماً فهو شهيد، ولا يعطي واحداً قوتاً إلا إذا كان قائماً وهو حسيب.
إنه سبحانه يقيت الإنسان فقط، ولكن يقيت كل خلقه، فهل يقيت الحيوان فيوصي الحيوان أن يأكل صنفاً معيناً من الطعام، ولا يأكل الصنف الآخر. إذن: فإذا رأينا العلماء ينظرون إلي "مقيت" من زاوية مختلفة، فهم جميعاً على صواب سواء من جعلها من القوت أو الحفظ أو القدرة أو المشاهدة أو من الحساب، وكل واحد إنما نظر إلي لازم من لوازم كلمة "مقيت".
{وكان الله على كل شيء مقيتاً "85"} (سورة النساء)
فهو سبحانه يقيت كل شيء فهو يقيت الإنسان والحيوان والنبات والجماد، ونحن نجد علماء النبات يشرحون ذلك، فنحن على سبيل المثال نزرع النبات، فجذور النبات تمتص العناصر الغذائية من الأرض. وقبل أن يصبح للنبات جذور فهو يأخذ غذاءه من فلقتي الحب التي تضم غذاء النبات إلي أن ينبت له جذر، وبعد أن يكبر جذر النبات، فإن الفلقتين تصيران إلي ورقتين، فهو على كل شيء مقيت. ويقول العلماء من بعد ذلك: إن الغذاء قد امتصه النبات بخاصية الأنابيب الشعرية، ما معنى الأنابيب الشعرية؟
إن النبات يمتص الغذاء من التربة بواسطة الجذور الرفيعة التي تمتص الماء المذاب فيه عناصر الغذاء، وفتحة الأنبوبة في الأنابيب الشعرية لا تسع إلا مقدار الشعرة، وعندما توضع في الإناء فإن السائل يصعد فيها ويرتفع الماء عند مستوى الحوض. وعندما تتوازى ضغوط الهواء على مستويات الماء، فالماء لا يصعد، وعندما يأتي بماء ملون نضعه في الإناء والأنابيب الشعرية، فالسائل الملون يصعد إلي الأنابيب الشعرية، ولا توجد أنبوبة تأخذ مادة مختلفة من السائل، بل كل الأنابيب تأخذ المادة نفسها، لكن شعيرات النبات تأخذ من الأرض الشيء الصالح لها، وتترك الشيء غير الصالح.
ويقول عنه العلماء: إن ذلك هو الانتخاب الطبيعي، ومعنى الانتخاب هو الاختيار. والاختيار يقتضي عقلاً يفكر ويرجح. والنبات لا عقل له، لذلك كان يجب أن يقولوا إنه الانتخاب الإلهي. فالطبيعة لا عقل لها، ولكن يديرها حكيم له مطلق العلم والحكمة والقيومية، والحق سبحانه يقول عن ذلك:
{يسقي بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون "4"} (سورة الرعد)
فالفلفل يأخذ المادة المناسبة الحريفية، والقصب يأخذ المادة التي تصنع حلاوته، والرمان يأخذ المادة الحمضية، فهذا هو الانتخاب الإلهي:
{وكان الله على كل شيء مقيتاً "85"} (سورة النساء)
وساعة تسمع "كان الله" فإياك أن تسمع لـ"كان" ملحظاً في الزمن، فعندما نقول بالنسبة للبشر: "كان زيد غنياً" فزيد من الأغنياء، قد يكون ثراؤه قد ذهب. لكن عندما نقول "كان الله". فإننا نقول "كان الله ومازال" لأن الذي كان ويتغير هو من تدركه الأغيار، ولكن الحق سبحانه هو الذي يغير ولا يتغير، فهو موجود منذ الأزل وإلي الأزل، إنه سبحانه قال لنا عن الشفاعة، وأمرنا أن يعدد الواحد منا مواهبه على الغير حتى تتساند قدرات المجتمع، إنه سبحانه مربب الفائدة للعبد المؤمن ويرببها للجميع.

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 57 : 05 PM
الكريم.

قال تعالى:
{فإن ربي غني كريم "40" } (سورة النمل)
قال أهل اللغة في معنى الكريم: إنه النفاح، نسأله تعالى أن ينفحنا نفحة خير، إنه على كل شيء قدير. ويقال: أكرمه الله، وكرمه الله، وأكرم نفسه بالتقوى، وأكرمها عن المعاصي، وهو يتكرم عن الشوائن، وإن أجل المكارم اجتناب المحارم. ويقال: هو كريمة قومه، وفي الحديث: "إن أتاكم كريم قوم فأكرموه". وقد يتحمل المسلم بهذه الصفة وبالسخاء.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا لشجرة العنب الكرم، فإن الكرم هو الرجل المسلم"
وقال عليه الصلاة والسلام: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد عن النار، والبخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، قريب من النار"
قال الغني الكريم:
{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها .. "160"} (سورة الأنعام)
وإليكم هذا الوعد الكريم من الله:
{مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبةٍ .. "261"} (سورة البقرة)
تلك هي الحدود الدنيا من الأجور الكريمة، ولكن باب الله مفتوح، ومع الإخلاص لله سبحانه تضاعف الأجور أضعافاً كثيرة.
{والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"} (سورة البقرة)
وقد تصل الزيادة، وهذا الأجر الكبير إلي أن يكون بغير حساب.
{إنما يوفي الصابرون أجرهم بغير حساب "10"} (سورة الزمر)
{من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "40"} (سورة غافر)
فأي حساب هذا!! وأي أجر عظيم!! إلا أن يكون من لدن الكريم الحق. بل إنا لنطمع من "كريم العفو" ما هو أكثر من ذلك، والحمد لله كثيراً على هذا الوعد الكريم، وعد الله:
{إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً "70"} (سورة الفرقان)
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأخبار عن كرم عفو الله تعالى ما هو أبلغ من ذلك .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجل يؤتي فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فيعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا، أو عملت يوم كذا وكذا، فيقول: نعم، لا يستطيع أن ينكر وهو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه. قال: فيقال: فإن لك مكان كل سيئة حسنة. قال فيقول: رب قد عملت أشياء ما أراها هاهنا. قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه". رواه مسلم في صحيح
وقد ذكر الكريم المطلق الذي لا يضيع من لاذ به والتجأ إليه .. مرتين في القرآن الكريم:
{ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم "40"} (سورة النمل)
{يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم "6"} (سورة الانفطار)
وأي شيء خدعك وجرأك على عصيانه، سبحانه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "غره جهله" وقيل "غره حمقه" وقيل "غره شيطانه"
ونقول: غرتنا ستورك المرخاة، وإنا نغتر في كرم الكريم، وعفو الرحيم، ونعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وسبحان الله الكريم الأكرم، كريم العفو، وهو أكرم الأكرمين.

أبو عادل
21 / 01 / 2010, 58 : 05 PM
الحفيظ.



قال تعالى:
{إن ربي على كل شيء حفيظ "57"} (سورة هود)
هو الحفيظ، وهو الحافظ، والحفظ معناه صون الشيء من الزوال، فسبحان الله الذي يحفظ السماوات والأرض وما فيهما لتبقى مدة بقائهما فلا تزولان، ولا تختلان.
قال الله عز وجل:
{ولا يئوده حفظهما .. "255" } (سورة البقرة)
وقال جل وعلا:
{وحفظاً من كل شيطان ماردٍ "7"} (سورة الصافات)
أي: حفظناها حفظاً. وهو الذي يحفظ عباده من المهالك، ويقيهم مصارع الشر.
قال الله عز وجل:
{له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله .. "11"} (سورة الرعد)
أي: بأمره، هو الذي يحفظ على الخلق أعمالهم، ويحصي عليهم أقوالهم، ويعلم نياتهم وما تكن صدورهم، فلا تغيب عنه غائبة، ولا تختفي عليه خافية. وهو الذي يحفظ أولياءه فيعصمهم عن مواقعة الذنوب، ويحرسهم من مكائد الشيطان ليسلموا من شره وفتنته. فالحق سبحانه وتعالى أنزل الكتاب، وصرف فيه من الوعيد، وله الملك الحق، فلابد أن يضمن للخلق أن يصلهم الكتاب كما أنزله دون تحريف أو تغيير، ولذلك قال سبحانه:
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"} (سورة الحجر)
فالله الذي نزل القرآن هو الذي سيتولى حفظهه، لأن البشر جربوا في حفظ مناهج السماء، فلم يكونوا أمناء لأنهم غيروا في الكتب المقدسة، فكتموا بعضها ونسوا بعضها وحرفوا البعض الآخر. ليس ذلك فقط بل جاءوا بأشياء من عندهم وقالوا: هذا من عند الله، فهم ليسوا مأمونين، لآن الحفظ للمنهج كان موكولاً إلي البشر تكليفاً، والتكليف عرضة لأن يطاع أو يعصى.
وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{إنا أنزلنا التوراة فيها هدىً ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء .. "44"} (سورة المائدة)
ومعنى استحفظوا ـ استحفظ أي طلبت منه أن يحفظ، وهذا أمر تكليف، والأمر التكليفي كما نعلم عرضة لأن يطاع أو يعصى، وقد عصى هنا نسياناً وكتماناً وتحريفاً وزيادة. ولذلك، فالحق سبحاه بعد أن جرب البشر في حفظ منهجه، ولم يحفظوه أخبرهم أنهم غير مأمونين على حفظ كتابه، وتولى حفظ القرآن بنفسه؛ لأن القرآن هو الكتاب الشامل والخاتم الذي ليس عليه استدراك، وهو الذي أخبرنا أن هناك تحريفاً يحدث للكتب السابقة، ولأنه لن يأتي بعده كتاب آخر فلابد أن يضمن الحق سبحانه وتعالى حفظه وسلامته حتى يظل قائماً على الناس إلي يوم القيامة.
والقرآن الكريم كما عرفنا هو الكتاب الوحيد الموثق، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ المصحف على جبريل في شهر رمضان مرة، وفي آخر عام من حياته قرأه مرتين على جبريل، وذلك حتى يأتي الترتيب المصحفي إلينا موثقاً من قبل الرحمن. إن ميزة القرآن الكريم أنه الكتاب السماوي الوحيد الموثق. تقرؤه الآن وأنت مطمئن تمام الاطمئنان، أي أنه كما نزل من عند الله ميزة لا تجدها في أي كتاب آخر:
{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"} (سورة الحجر)
لقد اختبر الله البشر من قبل في الحفاظ على منهجه، لكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن الدين الإسلامي قد جاء ديناً عاماً لكل البشرية. لذلك وثقة الله وحفظه، وكل يوم يعطي الله من العلامات ما يؤكد أن القرآن الكريم مكتمل ومحفوظ كما نزل من عند الله، وهاهو ذا أحد المستشرقين يؤكد في كتاب له أن كل آية من القرآن هي دقيقة في ضبطها، كما تلاها رسول الله محمد.
ومثال ذلك أحد الاكتشافات الحاسب الإلكتروني "الكمبيوتر" عندما حاول أحد الباحثين من الشباب المسلمين بالولايات المتحدة، أن يحصر عدد حروف القاف في سورة "ق" فوجد أن عدد القافات ينقسم على عدد حروف البسملة "حروف بسم الله الرحمن الرحيم" هي تسعة عشر حرفاً، وعدد حروف القاف في سورة "ق" ينقسم على عدد حروف البسملة. وهكذا نملك الدليل على أن من يحوم حول كتاب ربه يفيض الله عليه بعض أسراره، وإلا فلماذا ينتبه مثل هذا الشاب المؤمن إلي أن الله عندما تكلم عن "قوم لوط" تكلم عنهم في كل مواضع ذكرهم بالقرآن، فأتى بكلمة "قوم لوط".
وهكذا نرى أن أول حرف في هذه الجملة هو "ق" لكن في سورة "ق" والتي تمتلئ بحروف القاف، وعندما تأتي سيرة قوم لوط في هذه السورة فإن القرآن يقول عنهم:
{وإخوان لوط "13"} (سورة ق)
{كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود "12" وعاد وفرعون إخوان لوط "13" وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد "14"} (سورة ق)
يأتي ذكر قوم لوط في كل القرآن بـ"قوم لوط" إلا في هذه السورة التي تتميز بعدد كثير من حرف القاف، فيأتي ذكر قوم لوط بـ"إخوان لوط"، ويتتبع الشاب المؤمن أنه لو جاءت سيرة لوط وقومه في هذه السورة بـ"قوم لوط" بدلاً من إخوان لوط لما قلبت حروف القاف بهذه السورة أن تنقسم على تسعة عشر، وهو عدد حروف "بسم الله الرحمن الرحيم".
وهكذا يتبين لنا أن القرآن بشكل مادي مضبوط ضبطاً محكماً، ولو تأملنا آيات الربا فسوف نجد أن كل آيات الربا في القرآن مكتوبة كلمة "ربا" كالآتي "ربوا". مكتوبة كلها بحرف الواو إلا في آية واحدة مكتوبة بالألف:
{وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون "39"} (سورة الروم)
ولو تأملنا كلمة "تبارك" نجدها مرة مكتوبة بالألف، ومرات بدون ألف. إذن: القرآن منزل بوضع يتأكد في كل عصر، بدليل مادي على أنه باق لنا كما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام من عند الله بنفس ما جاء به من كلمات وحروف وكتابة ورسم، إن المعايير التي توجد بالقرآن وصلت إلينا كما أرادها الله منطقاً وكتابة، ولا اختلاف في آياته.
وهكذا ننظر إلي حروف المباني التوقيفية التي بدأ بها القرآن بعض السور إلا أنها جاءت من عند الله. هكذا ننطقها كما نطقها الرسول حتى تكون على ألسنتنا دليل إعجاز، كما جاءت على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. والذي يدل الإنسان على أن أسماء الحروف شيء مختلف عن مسميات الحروف، وهو ما قاله أحد الشعراء:
لقد كنت أرجو أن تكون مواصلى
فسقيتني بالبعد فاتحة الرعد
وعندما نرى فاتحة سورة الرعد سوف نجدها "ألف ـ لام ـ ميم ـ راء". هكذا ننطقها كأسماء الحروف، أما إذا نطقناها كمسميات للحروف فسوف نقرؤها "المر" من المرارة، وحين ننظر هذه النظرة في المتشابه من السور فإننا نعلم أن لله أسراراً في هذه الحروف، والمفسرون والعلماء دائماً عندما يتناولون هذه الحروف بالتحليل أو الشرح فيقولون فيها "الله أعلم بمراده". ذلك أنه يكفي القرآن أنه يبين لنا بالإعجاز أحكام الشريعة واضحة جلية، واستبقى الله لنفسه في القرآن ما يعجز به خلقه إلي يوم الدين، وذلك في المتشابه من القرآن، والقرآن الكريم يقول في ذلك:
{والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا .. "7"} (سورة آل عمران)
وللعلماء اجتهادات كثيرة أقربها إلي القبول هو ما أشرنا إليه أنها من تمام التحدي والإعجاز. وهذا الاسم له من الأسرار ما يوحي بالإحاطة والشمول.

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 16 : 08 PM
الحسيب.

قال تعالى:
{وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل "173"} (سورة آل عمران)
الحسب من الحسب الذي هو الاكتفاء، فيكون معناه الكافي سبحانه ولنتدبر الآيتين:
{وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله .. "62"} (سورة الأنفال)
{ومن يتوكل على الله فهو حسبه .. "3"} (سورة الطلاق)
ويكون الحسيب من الحساب، فيكون معناه المحاسب، ولنتعلم هذه الآيات:
{وإن كان مثقال حبةٍ من خردل أتينا لها وكفى بنا حاسبين "47"} (سورة الأنبياء)
{ثم ردوا إلي الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين "62"} (سورة الأنعام)
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". ويطلق الحسبان على النظام والتدبير والحكمة في الكون وعوالمه، ويقول الحق سبحانه:
{الرحمن "1" علم القرآن "2" خلق الإنسان "3" علمه البيان "4" الشمس والقمر بحسبان "5"} (سورة الرحمن)
ويطلق الحسب أيضاً على النسب. وقال تعالى:
{وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيباً "86"} (سورة النساء)
إن المسألة هنا تخرج من دائرة حساب البشر بعضهم البعض، إن الواحد منهم من المسلمين عندما يحيا بتحية، فالحق سبحانه قد طلب من كل مسلم أن يرد التحية، ولا تنتهي المسألة عند ذلك، ولكن لابد أن يكون لها حساب عند الله. فالحق سبحانه وتعالى عندما يرى خلقه المؤمنين به يتكارمون، فهو يضعها في الحساب، فالحساب لا ينتهي عند أن يرد المؤمن التحية أن يؤدي خيراً منها، ولكن هناك جزاء آخر في الجزاء الأعلى عند مليك مقتدر.
إن المؤمن له أن يفتخر بعمله، وأن يخشع في ذات الوقت، ويشكر الله الذي وفقه إلي أداء هذا العمل، لذلك فلا يجب أن يكون الإنسان المؤمن عظامياً، أي: يستمد الفخر مما صنعه الأجداد من مجد غابر بينما الحاضر خرب.
والشاعر العربي يقول:
لا ينفع الحسب الموروث من قدم
إلا ذوي همه غاروا على الحسب
العود من مثمرٍ إن لم يلد ثمراً
عوده مهما سما أصلاً من الحطب
إن الحق سبحانه يريد أن ينبه المؤمن إلي ضرورة أداء العمل الذي يمكن أن يفخر به. وينسب الفضل لله، إن المؤمن عليه أن يعرف أن مجد آبائه انتهى به، ولذلك يجب على المؤمن أن يكون عمله فخراً للآباء بأنهم أنجبوه. والتاريخ يحفظ لنا في هذا المجال ما رواه الرواة عن أبي الصقر الشيباني، وقال في نفسه هذا الشعر:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم
كلا لعمري ولكن منه شيبان
وكم أبٍ قد علا بابـن ذي شـرف
كما علت برسول الله عدنان
إن المؤمن عليه أن يعمل العمل الذي يفخر به، وأن ينسبه إلي الخالق الأكرم الذي يعطي المدد ليكون الإنسان ذا أثر في الوجود، لقد أراد الإسلام أن يضع نهاية للفخر بالآباء أو بأداء الأعمال التي يثيب عليها الحق، كإطعام الطعام أو حمل البقايا من الأماكن المقدسة، أو أداء الدية عن الفقير الذي دفعته الظروف أن يكون قاتلاً، وحتى لا تستمر التارات وسفك الدماء. وهذا هو المعنى الذي يصل إلينا من قول الحق سبحانه:
{فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً .. "200"} (سورة البقرة)
إن ذكر الله هو الذي يعطي المدد والمعونة ليكون المؤمنون أهلاً لقيادة حركة الحياة في الأرض، يوطنون فيها الأمن والسلام والرحمة والعدل.

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 17 : 08 PM
الجليل.

قال تعالى:
{تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام "78"} (سورة الرحمن)
والجليل اسم من الجلال والعظمة، ومعناه منصرف إلي جلال القدر وعظم الشأن، ومعناه المستحق للأمر والنهي، ومن حق البارئ جل ثناؤه على من أبدعه أن يكون أمره عليه نافذاً، وطاعته له لازمة، وهو الذي يصغر دونه كل جليل، ويتضع معه كل رفيع. وفي اللغة: ج ل ل، وجلال الله عظمته. ويقال فعلته من جلالك أي من أجلك. وجل "يجل" بالكسر "جلاله" أي عظم قدره، فهو جليل و"أجله" في المرتبة.
فسبحان الجامع لجميع صفات الجلال، ذو الجلال والإكرام، وسبحان الذي جل قدره في قلوب العارفين المخلصين. وأمام جلال الله تخشع القلوب، وتسجد الجباه، وتسكن النفوس، وتستقر الحياة، فهو صاحب الجلال المقرون بالكرم. ومن هذا المنطلق تسير الحياة وفق كرمه وجلاله. فيقول الحق سبحانه:
{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً "70"} (سورة الإسراء).

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 18 : 08 PM
الرقيب.

قال تعالى:
{واتقوا الله الذي تسألون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً "1" } (سورة النساء)
وهو الرقيب القريب، الذي لا يخفى عليه شيء، من أفعال العباد.
قال تعالى:
{فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم .. "117"} (سورة المائدة)
{وكان الله على كل شيء رقيباً "52"} (سورة الأحزاب)
{ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "16"} (سورة ق)
إننا نعرف معنى كلمة "اتقوا" تعني أن يجعل الإنسان بينه وبين غضب ربه وقاية، بإنفاذ أوامر الطاعة، أما قول الحق سبحانه:
{إن الله كان عليكم رقيباً "1"} (سورة النساء)
فنحن نسمع كلمة "مرقب" أي مكان يحتاج إلي حراسة، فنجد أن به أكثر من مبنى عال في كشك، يعلو فوق سور، ويجلس فيه الحارس، أي: أن الحارس في مرقبه يكون أعلى من أي إنسان في المبنى الذي يحتاج للحراسة.
إذن: فقوله الحق:
{إن الله كان عليكم رقيباً "1"} (سورة النساء)
أي: أنه يرقب كل شيء، فالإنسان العادي قد ينظر من غير قصد، لكن الرقيب أعلى من كل خلقه، وهو رقيب أي هو ناظر عن قصد أن ينظر وفي المستوى البشري. ولله المثل الأعلى نقول: فلان يراقب فلاناً، أي يراه ويتعقبه عن قصد، أي: أين يذهب والإنسان يراقبه أحد يراه الناس في جيئته، لكن المكلف بالمراقبة ينظر ويتتبع عن قصد، فكأن حركات العبد مرصودة من قبل الخالق جل وعلا. إن الله ليس بصيراً فقط ولكنه رقيب أيضاً. وتختلف دائرة العبد المحدودة عن قدرة الله اللامحدودة، فالإنسان قد يبصر ما لا غاية له في إبصاره، فهو يمر على كثير من الأشياء فيبصرها، ولكن الإنسان قد يرقب ما في باله أن يرقبه، والحق سبحانه بطلاقة قدرته رقيب علينا. وعن ذلك يقول الحق سبحانه في موقع آخر بالقرآن:
{إن ربك لبالمرصاد "14"} (سورة الفجر).

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 19 : 08 PM
المجيب.
قال تعالى:
{إن ربي قريب مجيب "61"} (سورة هود)
هو القريب المجيب، الذي يجيب دعوة الداعي إذا دعاه، ونسأله تعالى أن نستجيب له بطاعته، سبحانه، وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم .. "24"} (سورة الأنفال)
وقال تعالى:
{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله .. "61"} (سورة الشورى)
{للذين استجابوا لربهم الحسنى .. "18"} (سورة الرعد)
{هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب "61"} (سورة هود)
ثم لنقرأ خمس كلمات من النور:
{ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون "75"} (سورة الصافات)
الله سبحانه وتعالى حين تتجه إليه فبمجرد أن ترفع يدك إلي السماء وتصيح يا رب يعلم ماذا تطلب، ويجيبك دون أن تسأل، لماذا؟ لأنه يعلم، وقد قيل: إن إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار. جاء جبريل وسأله: هل تريد شيئاً؟ فقال: منك أنت فلا، أما من الله .. فالله يعلم بحالي ولذلك هو غني عن السؤال. هذه هي عزة الاتجاه إلي الله، فنبي الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ حين جاءه جبريل، وهو من أقرب الملائكة إلي الله، إن لم يكن أقربهم جميعاً. جاء جبريل لإبراهيم .. وإبراهيم ملقى في النار، والنار تشتعل حوله، والناس واقفون ينتظرون إحراق إبراهيم.
وفي هذه اللحظة الحاسمة التي تدخل الخوف والهلع إلي أقوى القلوب .. لم يشعر إبراهيم عليه السلام أنه في حاجة إلا إلي الله سبحانه وتعالى، ولم يطلب من جبريل عليه السلام أن يبلغ الله شيئاً. لماذا؟ لأن الله سبحانه وتعالى ليس محتاجاً إلي سؤال، بل هو يعلم بما في داخل النفس، وما يخفيه الإنسان ولا يبوح به لأحد. ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
{فإنه يعلم السر وأخفى "7" } (سورة طه)
وتتعجب أنت من هذه الآية الكريمة، أيوجد ما هو أخفى من السر؟ نقول لك: نعم، لماذا؟ لأن السر يكون بين اثنين: أحدهما يسره للآخر أي: يلقيه إليه أو يحدثه عنه، أو يكلمه فيه، ولا ثالث بينهما. هذا هو السر، ولكن الذي هو أخفى من السر هو ما في داخل النفس لا تبوح به لأحد، فهناك أشياء تعرفها أنت ويعرفها أقرب الناس إليك، هذا هو السر، سرك بينك وبين زوجتك، أو بينك وبين أخلص أصدقائك.
إما ما هو أخفى من السر فهو ما تخفيه عن زوجتك أو بينك وبين أخلص أصدقائك ويبقى في صدرك حبيساً لا يعرفه أحد، فكأن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لنا: إن علمه لا يصل إلي السر فقط الذي بين اثنين لا يعرفه ثالث، ولكن علم الله يصل إلي ما تخفيه الصدور ولا يبوح به. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى غني عن السؤال، وإذا لم يقل العبد ولم يبح له، ولكنه نزع إلي السماء قائلاً: يا رب فالله يعلم، والله يجيب.
فسؤال الله يقيك الذلة، وهذا يستوجب الحمد، وسؤال الله يعطيك ما تطلب وزيادة، لأنك إذا سألت شخصاً ما مثلاً قد لا يعطيك المال كله، حتى ولو كان يملكه ويملك أضعافه، فإنه قد يشح عليك ويحس أنك تقتطع من ماله. أما الله سبحانه وتعالى فإنه يعطيك كل ما تطلب ويزيد، لأنه يملك خزائن الأرض، وأنه مهما أعطاك ووهبك فإنك لن تنقص من ملكه شيئاً، وهذه نعمة أخرى تستوجب الشكر، فالبشر يعطي بحساب، والله يعطي بلا حساب.
وأنت إذا سألت بشراً فقد يعطيك أو يمنعك، ولكنه إن أعطاك أو منعك هو في هذه الحالة متضرر متأفف قد تذهب مرة لتسأله فيعطيك، ثم تذهب مرة أخرى فيهرب منك، أو يطلب من خادمه أو أهل بيته أن يقولوا لك: إنه غير موجود. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يضجر منك أبداً مهما سألت، فإنه يطلب منك أن تسأله ويقول لك "ادعوني" ويقول لك إنني قريب منك أسمع دعاءك، ويقول الله سبحانه وتعالى:
{ادعوني أستجب لكم .. "60"} (سورة غافر)
فأنت حين تسأل الله، تسأل من لا ينهرك إذا سألته، ولا يهرب منك إذا دعوته، ولا يصيبه السأم أو الضجر مهما دعوت ومهما سألت، فهو دائماً المجيب، ومن كمال الله وصفاته سبحانه وتعالى أنه مجيب للدعاء، وهذا يستوجب الحمد وأن تقول: الحمد لله. والإجابة تحتاج إلي الاستجابة، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة البقرة)
والإجابة تعطي للداعي جهراً وسراً وصمتاً وخاطراً فهو عالم السر وأخفى. ويقول الحق جل وعلاه:
{واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال .. "205"} (سورة الأعراف)
وقال تعالى:
{أمن يجيب المضطر إذا دعاه .. "62"} (سورة النمل)
ومعنى المضطر، أي الذي استنفذ كل أسباب الدنيا، فهو حينئذ يفزع إلي الله سبحانه وتعالى أن يمده بمدد من عنده بعد أن استنفد الأسباب، وهذه النقطة يجب أن نقف عندها، لأن بعض الناس يسألون: لماذا لا يجيب الله دعاءهم؟ ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى قال:
{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون "186"} (سورة البقرة)
ثم يضيف القائل: لقد دعوت الله فلم يستجب لي. نقول له: إن الله سبحانه وتعالى يأمرك أولاً أن تأخذ بالأسباب، ولكنك حين تتخلى عن أسباب تحركك في الحياة، ثم تطلب من الله فإنه لا يجيبك، لأنك لم تأخذ بأسباب الحياة أولاً. لذلك فأنت لست مضطراً، أي: أنك لم تستنفذ الأسباب. فإذا كنت جالساً في حجرة مثلاً، وفي الحجرة القريبة منك مائدة طعام، ثم تقول: أبي إنني جائع فأمدني بالطعام، فإن الله سبحانه وتعالى لا يجيبك. لماذا؟
لأنك لو سرت قليلاً واستعملت قدميك اللتين أعطاهما الله لك لوصلت إلي الطعام، أي: أنك لو أخذت بأسباب الدنيا لوصلت إلي ما تريد. وأنت لو جلست في منزلك ولم تخرج إلي عملك وتقول: يا رب أعطني مالاً ما أعطاك، لماذا؟ لأنك لم تأخذ بالأسباب ولم تذهب إلي السوق لتتاجر مثلاً أو إلي عمل لتعمله، تجد فيه رزقك.
فأنت في هذه الحالة لست مضطراً حتى يمدك الله سبحانه وتعالى بالعون، ولكنك تتكاسل لا تريد أن تبذل جهداً لذلك، قال عمر بن الخطاب: "لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ثم يقول: اللهم ارزقني. فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة". وكأن قول عمر بن الخطاب معناه أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وأنه لو كان سبحانه وتعالى قد ألزم نفسه بإجابة الدعاء لما قال:
{أمن يجيب المضطر إذا دعاه .. "62"} (سورة النمل)
أي: أننا يجب أن نأخذ بالأسباب أولاً، فإذا عجزت الأسباب اتجه إلي السماء، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي العمل وإلي السعي في سبيل الرزق، وإلي أن يكسب الإنسان رزقه من عرقه وجعل السعي في سبيل الرزق جهاداً في سبيل الله، وأنت أمامك الأسباب، يد الله ممدودة لك بالأسباب، ثم تطلب من الذات أن تعينك.

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 19 : 08 PM
الواسع.

قال تعالى:
{ربنا وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7"} (سورة غافر)
هو الواسع الرحمة، قال تعالى:
{ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156"} (سورة الأعراف)
وهو الواسع العلم، المحيط علمه بكل شيء. وقد ذكر الواسع العليم سبع مرات في الكتاب العظيم:
{فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم "115" } (سورة البقرة)
{والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم "247"} (سورة البقرة)
{والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"} (سورة البقرة)
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم "268"} (سورة البقرة)
{قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "73"} (سورة آل عمران)
{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "54"} (سورة المائدة)
{إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم "32"} (سورة النور)
وسبحان الواسع المغفرة، قال تعالى:
{الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "32"} (سورة النجم)
وسبحان الواسع الحكيم، قال تعالى:
{وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً "130"} (سورة النساء)
وقد ذكر الواسع، سبحانه وتعالى، تسع مرات في الكتاب الحكيم. هذا الاسم: هو الفرج والإفراج، له ظلال على كل الحياة، لأن رحمته وسعت كل شيء، ومادامت الرحمة وسعت كل شيء فلا نجد مظلوماً ولا محروماً ولا مغبوناً، وإنما نجد أملاً وباباً مفتوحاً وتفريجاً وانشراحاً للصدر، واستقراراً للفؤاد وسكينة للنفس.
فالمذنب يجد عنده المغفرة. والكافر يجد في رحابه الرزق. والمؤمن يرى من العطاءات والإشراقات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والمريض يجد من رحمته الشفاء. والفقير يجد من كرمه الأرزاق. والكل على الباب والباب مفتوح لا يغلق، لأنه القائل:
{وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7"} (سورة غافر).

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 20 : 08 PM
الحكيم.



قال تعالى:
{يؤتي الحكمة من يشاء .. "269" } (سورة البقرة)
هو ذو الحكمة البالغة، وكمال العلم، وإحسان العمل، وقيل: إن الحكمة هي العلم مع العمل والعدل، وقيل: إن الحكمة مجموعة معانٍ من العدل والتنظيم والتقويم والعلم. "والحكيم" صيغة تعظيم لذي الحكمة، فيكون معنى الحكيم العظيم في حكمته، وأن الحكمة تطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان لتلجمه حتى يتحكم فيه راكبه، ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد، يحتاج إلي ترويض وقطعة الحديد التي توضع في فمه تعلمه كيف يكون محكوماً من صاحبه.
وكان الحصان معروفاً من الجزيرة العربية، وكان رمزاً للسرعة والخفة، وكأن إطلاق صفة "الحكيم" على الخالق إنما ليحكم المخلوقات، ويلجمها من السفه، والسفه كما نعرف هو أن نضع الشيء دون دراية، وهكذا تكون الحكمة أن يوضح مجالاً لكل حركة لتنسجم مع غيرها، فيصير الكون محكوماً بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهكذا يكون الحق تبارك وتعالى هو الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده، ومن ذلك ولدت الحكمة في عموم حركة الحياة، فالحكمة في النمو أن نضع الكلمة في مكانها وبإعرابها، والحكمة في الفقه أن نستنبط الحكم الصحيح، والحكمة في الشعر أن نزن الكلمات على التفاعيل، والحكمة في الطب أن نعرف تشخيص المرض والدواء المناسب له.
والحكمة في الهندسة أن نصمم المستشفى لاحتياج المريض والطبيب وأجهزة العلاج، وأماكن إجراء الجراحة، و توزيع الإضاءة، وضبط درجات الحرارة، ومعرفة وضع المصعد ومخازن الأدوية، وأماكن إعداد الطعام، ثم أماكن النقاهة، ثم أماكن العلاج الخارجي، وهذا التصميم للمستشفى يختلف بحكمة عن تصميم منزل للسكنى وتنظيم بناء عمارة للسكنى يستوجب حكمة في توزيع الشقق وراحة السكان جميعاً. وحكمة بناء منزل يختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان عمل، والحكمة ضد التلفيق، فإعداد مكان لعمل ولوظيفة محددة يختلف عن أخذ مكان للسكن على سبيل المثال، وتلحق فيه ديواناً حكومياً، هنا يفتقد المبنى حكمته، ويصبح تلفيقاً ممسوخاً.
هكذا نعرف أن الكون كله مخلوق من قبل عليم حكيم، ووصف الخالق بأنه "حكيم" يدلنا أيضاً على أنه علم آدم الأسماء ولم يعلم الملائكة، أن الخالق أعطى لكل خلق من العلم على قدر حاجة الخالق، فليس من طبيعة الملائكة أن يعرفوا، فهم لم يستخلفهم الله في الأرض، ولكنهم موجودون من أجل مهمة أخرى، أما الإنسان فقد علمه الله الأسماء، ومنح الإنسان الطاقة ليعمل بالعقل والجهد ليستكشف في آيات الكون على قدر حاجته، ولكنا نسمع قول الرحمن في سورة الأعلى:
{سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3"} (سورة الأعلى)
وقال تعالى:
{والله عليم حكيم "15"} (سورة التوبة)
وعليم أي: يعلم كل متطلبات الأحكام، وحكيم أي: لكل أمر عنده حكمة، فحكم القتال له حكمة، وحكم التوبة له حكمة، القتال حتى لا يتجبر الكفار على المؤمنين، والتوبة لمنع طغيان الكفار في الشر، لأن مشروعية التوبة هي رحمة من الحق سبحانه وتعالى بخلقه. ولو أن الله لم يشرع التوبة لكان الذي يرتكب المعصية يقول: إنه مادامت لا توجد توبة، ومادام مصيري إلي النار فلآخذ من الدنيا ما أستطيع، وبذلك ينطلق في الظلم والفساد والإفساد، لأن مصيره واحد، عمل صالحاً أو أفسد، مادامت لا توجد توبة.
ولكن تشريع التوبة يجعل الظالم لا يمضي في الظلم، بل يضع في نفسه الأمل في أن الله يتوب عليه، ويغفر له، فيتجه إلي العمل الصالح عله يكفر عما ارتكبه من المعاصي، وفي هذا حماية للمؤمنين من شره. وحماية للناس من انتشار الظلم والفساد. والحق سبحانه وتعالى حين يعاقب يعاقب عن حكمة، وحين يقبل التوبة يقبل عن حكمة.
قال تعالى:
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم "6"} (سورة آل عمران)
والتصوير في الرحم هو إيجاد للمادة التي سيوجد منها الإنسان على هيئة خاصة، هذه الهيئة تختلف من إنسان لإنسان آخر، إنها تختلف في النوعية ذكورة أو أنوثة، وتختلف في كل من الذكورة والأنوثة، وتختلف في الألوان من الأبيض إلي الأسمر، من الطول إلي القصر، إن الأشكال التي يوجد عليها الخلق تختلف.
قال تعالى:
{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعاملين "22" } (سورة الروم)
إن الاختلاف في الألسنة والألوان وفي كل هذه الأشكال المتعددة تدل على أن المسألة ليست مصنعاً يصنع قالباً، ويقوم المصنع بصب القوالب، إلا أن لكل مخلوق قدرة ذاتية، إن المصمم من البشر قد يصنع نموذجاً لكوب، ويصنع له قالباً، وينتج المصنع نماذج متكررة من هذا الكوب، وهذا دليل عجز في إيجاد قالب لكل كوب. أما الحق سبحانه وتعالى فهو يخلق كل إنسان بقالبه، وكل إنسان بشكل ولون، وهذه هي آيات الله التي تدل على طلاقة قدرته. إن قدرة الله لا تحتاج إلي علاج، أي: أنها لا تحتاج إلي صناعة قالب أولى ليصب فيه مادته؛ لأنه الحق الذي يقول:
{بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون "117"} (سورة البقرة)
إن الأب والأم قد يتحدان في اللون، ولكن الابن ينشأ بلون مختلف، ويخلق الله معظم الناس خلقاً سوياً، ويخلق قلة من الناس خلقاً غير سوي، فقد يولد طفل أعمى أو مصاب بعاهة ما، أو بإصبع زائدة أو إصبعين. وهذا الشذوذ أراده الله في الخلق ليلفتنا الحق إلي حسن وجمال خلقه، لأن من يرى ـ وهو الإنسان السليم ـ إنساناً آخر معوقاً عن الحركة فإنه يحمد الله على كمال خلقه، وحينما يرى إنسان له في كل يد خمس أصابع إنساناً آخر له إصبع زائد تعوق حركة يده، فهذا الإنسان يعرف حكمة وجود الأصابع الخمس، فعندما جاءت إصبع زائدة لم تنفع، بل إنها أضرب بحركة باقي أصابعه.
فلا يثبت الجمال إلا وجود القبح، فالإنسان الذي له سبع أصابع في يد واحدة يضع الطب أمام مهمة يجند لها نفسه، حتى يستطيع الطب أن يستأصل الزائدة عن حاجة الإنسان الطبيعي. ولو خلق الله الإنسان بثلاث أصابع لما استطاع ذلك الإنسان أن يتحكم في استعمال الأشياء الدقيقة. إن الإنسان العادي في حركته اليومية لا يدرك جمال استواء خلقه إلا إذا رأى فرداً من أفراد الشذوذ، وكما قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه يلفت الناس الساهين عن نعم الله عليهم لرتابتها فيهم بفقدها في غيرهم، فساعة أن يرى مبصر مكفوفاً يسير بعكاز فيفطن إلي نعمة البصر، التي وهبها الله له، وقد يلمس الإنسان عيوبه تحدثاً بنعمة الله.
إن الشذوذ في الخلق هو نماذج إيضاحية تلفت الناس إلي نعم الله التي أنعم الله عليهم بها. والحق جل وعلا لا يغفل عن صاحب العاهة أو العجز فيعوضه سواء بالعبقرية أو غيرها، فإن كان أعمى جعل الله له من العبقرية ما يهزم الإنسان السليم، فتيمورلنك الأعرج صار قائداً يهزم البلاد الكثيرة، لقد أعطاه الله من الموهبة، ما يعوض به العرج، وحين نجد العبقريات فإننا نجد بعضها من الشواذ، لماذا؟ لأن الله يهب صاحب العاهة همه يحاول بها أن يعوض شيئاً فقده في مجال آخر.
إذن: فالحق سبحانه حين يبلغنا:
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .. "6"} (سورة آل عمران)
وكل تصوير له حكمة؛ لذلك فلا تأخذ كل خلق مفصولاً عن حكمته، ولكن خذ كل خلق الله مع حكمته؛ لأن الذي يجعلك تحكم بقبح أمر ما، هو أنك تفصل الخلق عن حكمته، فالتلميذ الذي يرسب لا يجب أن يظن أن هذا الرسوب مفصول عن حكمة الرسوب. إن الرسوب معناه لفت الانتباه إلي ضرورة احترام الدرس، لأن التلميذ إن نجح مع اللعب، فكل تلميذ سوف يلعب وسيقال فلان لعب ونجح، ولن يلتفت أحد إلي قيمة تحصيل العلم.
إذن: فنحن يجب أن نأخذ كل أمر ومعه حكمة الله فيه، وكذلك لا نأخذ أمر عقوبة ما وهي منفصلة عن الجريمة، إن كل عقوبة إنما ترتبط بجريمتها. فساعة أن نرى إنساناً محكوماً عليه بالإعدام فلا تأخذك الرأفة به؛ لأن العقوبة إنما جاءت على جريمة قتل سابقة. إن استحضار الجريمة في الذهن هو الذي يجعل العقوبة تساوي الجريمة. فالمقتول قد قتل ظلماً والمجرم يتم إعدامه قصاصاً وعدالة. ويقول الحق سبحانه بعد الحديث عن التصوير في الأرحام كيف يشاء:
{لا إله إلا هو .. "6"} (سورة آل عمران)
ومعناها هنا أنه الحق الذي سيصور وهو ضامن أن ما يصوره يكون على الصورة التي يريدها، وهو الخالق الأكرم فلا إله قادر على أن يستدرك على ما خلق، ويعيد تصوير المخلوق في الرحم، إنه الحق سبحانه وتعالى:
{العزيز الحكيم "6"} (سورة آل عمران)
أنه إله واحد لا يغلبه أحد على أمره، وما يريده يكون، وما يريده الله يكون دائما بحكمة أنه عزيز لا يغلب على أمره، وكل أمره إنما يكون لحكمة ما، إنه تنبيه للخلق، ألا يفصلوا الحدث عن حكمته، فإذا أخذ العبد الحدث بحكمته فهذا عين الجمال. إن الله الذي يصور في الأرحام كيف يشاء لا يترك المادة المخلوقة وحدها، إنما يخلق لها القيم، وذلك حتى تنسجم حركة الوجود مع بعضها.

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 21 : 08 PM
الودود.


قال تعالى:
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "96"} (سورة مريم)
الودود هو الود وهو الحب، وسبحان المحب للمؤمنين، وهو المحبوب لهم ومحبة الله لعباده، ورحمته إياهم، ومحبة المؤمنين لله تعالى: طاعته، وطاعة الله رحمة من الله، والله نور السماوات والأرض، فمن أصابه من ذلك النور فقد سبق له من الله الهدى، وما أحب المؤمن لله، وما أحبه لله!! وقيل في معنى "الودود": إن عباده الصالحين يودونه ويحبونه، لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاته وغفرانه تعالى.
وكلتا الصفتين مدح، لأنه جل ذكره، إذا أحب عباده المطيعين فهو فضل منه، وإذا أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه. وهنا مكان هذا الدعاء الجميل:
"يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعال لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني". وقد ذكر الودود سبحانه، مرتين في القرآن الكريم:
{واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود "90"} (سورة هود)
{وهو الغفور الودود "14"} (سورة البروج).

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 22 : 08 PM
المجيد.

قال تعالى:
{إنه حميد مجيد "73" } (سورة هود)
المجيد هو ذو الشرف التام الكامل، المفيض على العباد بالمجد والعطايا، والمجد هو الشرف العظيم الرفيع القدر، والمجيد في اللغة هو الذي عظم كرمه. وقيل في معنى "المجيد" سبحانه: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه. وقيل: البالغ المنتهي في الكرم. وقد ذكر "المجيد" تعالى مرة واحدة في القرآن المجيد في قوله تعالى:
{رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد "73"} (سورة هود)
فهو المجيد في إيجاده، والمجيد في امتداده، والمجيد على الصالحين من عباده، فمجد الإيجاد أنه أوجد الكون واستخلفك فيه، ومجد الإمداد، أنه أمد الكل لعطاء الكل، فأعطى للكافر من مدده كما أعطى المؤمن من فضله.

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 23 : 08 PM
الواسع.



قال تعالى:
{ربنا وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7"} (سورة غافر)
هو الواسع الرحمة، قال تعالى:
{ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "156"} (سورة الأعراف)
وهو الواسع العلم، المحيط علمه بكل شيء. وقد ذكر الواسع العليم سبع مرات في الكتاب العظيم:
{فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم "115" } (سورة البقرة)
{والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم "247"} (سورة البقرة)
{والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم "261"} (سورة البقرة)
{والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم "268"} (سورة البقرة)
{قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "73"} (سورة آل عمران)
{ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم "54"} (سورة المائدة)
{إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم "32"} (سورة النور)
وسبحان الواسع المغفرة، قال تعالى:
{الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى "32"} (سورة النجم)
وسبحان الواسع الحكيم، قال تعالى:
{وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته وكان الله واسعاً حكيماً "130"} (سورة النساء)
وقد ذكر الواسع، سبحانه وتعالى، تسع مرات في الكتاب الحكيم. هذا الاسم: هو الفرج والإفراج، له ظلال على كل الحياة، لأن رحمته وسعت كل شيء، ومادامت الرحمة وسعت كل شيء فلا نجد مظلوماً ولا محروماً ولا مغبوناً، وإنما نجد أملاً وباباً مفتوحاً وتفريجاً وانشراحاً للصدر، واستقراراً للفؤاد وسكينة للنفس.
فالمذنب يجد عنده المغفرة. والكافر يجد في رحابه الرزق. والمؤمن يرى من العطاءات والإشراقات ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. والمريض يجد من رحمته الشفاء. والفقير يجد من كرمه الأرزاق. والكل على الباب والباب مفتوح لا يغلق، لأنه القائل:
{وسعت كل شيءٍ رحمة وعلماً .. "7"} (سورة غافر).

أبو عادل
23 / 01 / 2010, 23 : 08 PM
الحكيم.


قال تعالى:
{يؤتي الحكمة من يشاء .. "269" } (سورة البقرة)
هو ذو الحكمة البالغة، وكمال العلم، وإحسان العمل، وقيل: إن الحكمة هي العلم مع العمل والعدل، وقيل: إن الحكمة مجموعة معانٍ من العدل والتنظيم والتقويم والعلم. "والحكيم" صيغة تعظيم لذي الحكمة، فيكون معنى الحكيم العظيم في حكمته، وأن الحكمة تطلق في الأصل على قطعة الحديد التي توضع في فم الحصان لتلجمه حتى يتحكم فيه راكبه، ذلك أن الحصان حيوان مدلل شارد، يحتاج إلي ترويض وقطعة الحديد التي توضع في فمه تعلمه كيف يكون محكوماً من صاحبه.
وكان الحصان معروفاً من الجزيرة العربية، وكان رمزاً للسرعة والخفة، وكأن إطلاق صفة "الحكيم" على الخالق إنما ليحكم المخلوقات، ويلجمها من السفه، والسفه كما نعرف هو أن نضع الشيء دون دراية، وهكذا تكون الحكمة أن يوضح مجالاً لكل حركة لتنسجم مع غيرها، فيصير الكون محكوماً بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وهكذا يكون الحق تبارك وتعالى هو الحكيم العليم الذي يضع لكل كائن إطاره وحدوده، ومن ذلك ولدت الحكمة في عموم حركة الحياة، فالحكمة في النمو أن نضع الكلمة في مكانها وبإعرابها، والحكمة في الفقه أن نستنبط الحكم الصحيح، والحكمة في الشعر أن نزن الكلمات على التفاعيل، والحكمة في الطب أن نعرف تشخيص المرض والدواء المناسب له.
والحكمة في الهندسة أن نصمم المستشفى لاحتياج المريض والطبيب وأجهزة العلاج، وأماكن إجراء الجراحة، و توزيع الإضاءة، وضبط درجات الحرارة، ومعرفة وضع المصعد ومخازن الأدوية، وأماكن إعداد الطعام، ثم أماكن النقاهة، ثم أماكن العلاج الخارجي، وهذا التصميم للمستشفى يختلف بحكمة عن تصميم منزل للسكنى وتنظيم بناء عمارة للسكنى يستوجب حكمة في توزيع الشقق وراحة السكان جميعاً. وحكمة بناء منزل يختلف عن حكمة بناء قصر أو مكان عمل، والحكمة ضد التلفيق، فإعداد مكان لعمل ولوظيفة محددة يختلف عن أخذ مكان للسكن على سبيل المثال، وتلحق فيه ديواناً حكومياً، هنا يفتقد المبنى حكمته، ويصبح تلفيقاً ممسوخاً.
هكذا نعرف أن الكون كله مخلوق من قبل عليم حكيم، ووصف الخالق بأنه "حكيم" يدلنا أيضاً على أنه علم آدم الأسماء ولم يعلم الملائكة، أن الخالق أعطى لكل خلق من العلم على قدر حاجة الخالق، فليس من طبيعة الملائكة أن يعرفوا، فهم لم يستخلفهم الله في الأرض، ولكنهم موجودون من أجل مهمة أخرى، أما الإنسان فقد علمه الله الأسماء، ومنح الإنسان الطاقة ليعمل بالعقل والجهد ليستكشف في آيات الكون على قدر حاجته، ولكنا نسمع قول الرحمن في سورة الأعلى:
{سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3"} (سورة الأعلى)
وقال تعالى:
{والله عليم حكيم "15"} (سورة التوبة)
وعليم أي: يعلم كل متطلبات الأحكام، وحكيم أي: لكل أمر عنده حكمة، فحكم القتال له حكمة، وحكم التوبة له حكمة، القتال حتى لا يتجبر الكفار على المؤمنين، والتوبة لمنع طغيان الكفار في الشر، لأن مشروعية التوبة هي رحمة من الحق سبحانه وتعالى بخلقه. ولو أن الله لم يشرع التوبة لكان الذي يرتكب المعصية يقول: إنه مادامت لا توجد توبة، ومادام مصيري إلي النار فلآخذ من الدنيا ما أستطيع، وبذلك ينطلق في الظلم والفساد والإفساد، لأن مصيره واحد، عمل صالحاً أو أفسد، مادامت لا توجد توبة.
ولكن تشريع التوبة يجعل الظالم لا يمضي في الظلم، بل يضع في نفسه الأمل في أن الله يتوب عليه، ويغفر له، فيتجه إلي العمل الصالح عله يكفر عما ارتكبه من المعاصي، وفي هذا حماية للمؤمنين من شره. وحماية للناس من انتشار الظلم والفساد. والحق سبحانه وتعالى حين يعاقب يعاقب عن حكمة، وحين يقبل التوبة يقبل عن حكمة.
قال تعالى:
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم "6"} (سورة آل عمران)
والتصوير في الرحم هو إيجاد للمادة التي سيوجد منها الإنسان على هيئة خاصة، هذه الهيئة تختلف من إنسان لإنسان آخر، إنها تختلف في النوعية ذكورة أو أنوثة، وتختلف في كل من الذكورة والأنوثة، وتختلف في الألوان من الأبيض إلي الأسمر، من الطول إلي القصر، إن الأشكال التي يوجد عليها الخلق تختلف.
قال تعالى:
{ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعاملين "22" } (سورة الروم)
إن الاختلاف في الألسنة والألوان وفي كل هذه الأشكال المتعددة تدل على أن المسألة ليست مصنعاً يصنع قالباً، ويقوم المصنع بصب القوالب، إلا أن لكل مخلوق قدرة ذاتية، إن المصمم من البشر قد يصنع نموذجاً لكوب، ويصنع له قالباً، وينتج المصنع نماذج متكررة من هذا الكوب، وهذا دليل عجز في إيجاد قالب لكل كوب. أما الحق سبحانه وتعالى فهو يخلق كل إنسان بقالبه، وكل إنسان بشكل ولون، وهذه هي آيات الله التي تدل على طلاقة قدرته. إن قدرة الله لا تحتاج إلي علاج، أي: أنها لا تحتاج إلي صناعة قالب أولى ليصب فيه مادته؛ لأنه الحق الذي يقول:
{بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون "117"} (سورة البقرة)
إن الأب والأم قد يتحدان في اللون، ولكن الابن ينشأ بلون مختلف، ويخلق الله معظم الناس خلقاً سوياً، ويخلق قلة من الناس خلقاً غير سوي، فقد يولد طفل أعمى أو مصاب بعاهة ما، أو بإصبع زائدة أو إصبعين. وهذا الشذوذ أراده الله في الخلق ليلفتنا الحق إلي حسن وجمال خلقه، لأن من يرى ـ وهو الإنسان السليم ـ إنساناً آخر معوقاً عن الحركة فإنه يحمد الله على كمال خلقه، وحينما يرى إنسان له في كل يد خمس أصابع إنساناً آخر له إصبع زائد تعوق حركة يده، فهذا الإنسان يعرف حكمة وجود الأصابع الخمس، فعندما جاءت إصبع زائدة لم تنفع، بل إنها أضرب بحركة باقي أصابعه.
فلا يثبت الجمال إلا وجود القبح، فالإنسان الذي له سبع أصابع في يد واحدة يضع الطب أمام مهمة يجند لها نفسه، حتى يستطيع الطب أن يستأصل الزائدة عن حاجة الإنسان الطبيعي. ولو خلق الله الإنسان بثلاث أصابع لما استطاع ذلك الإنسان أن يتحكم في استعمال الأشياء الدقيقة. إن الإنسان العادي في حركته اليومية لا يدرك جمال استواء خلقه إلا إذا رأى فرداً من أفراد الشذوذ، وكما قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه يلفت الناس الساهين عن نعم الله عليهم لرتابتها فيهم بفقدها في غيرهم، فساعة أن يرى مبصر مكفوفاً يسير بعكاز فيفطن إلي نعمة البصر، التي وهبها الله له، وقد يلمس الإنسان عيوبه تحدثاً بنعمة الله.
إن الشذوذ في الخلق هو نماذج إيضاحية تلفت الناس إلي نعم الله التي أنعم الله عليهم بها. والحق جل وعلا لا يغفل عن صاحب العاهة أو العجز فيعوضه سواء بالعبقرية أو غيرها، فإن كان أعمى جعل الله له من العبقرية ما يهزم الإنسان السليم، فتيمورلنك الأعرج صار قائداً يهزم البلاد الكثيرة، لقد أعطاه الله من الموهبة، ما يعوض به العرج، وحين نجد العبقريات فإننا نجد بعضها من الشواذ، لماذا؟ لأن الله يهب صاحب العاهة همه يحاول بها أن يعوض شيئاً فقده في مجال آخر.
إذن: فالحق سبحانه حين يبلغنا:
{هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء .. "6"} (سورة آل عمران)
وكل تصوير له حكمة؛ لذلك فلا تأخذ كل خلق مفصولاً عن حكمته، ولكن خذ كل خلق الله مع حكمته؛ لأن الذي يجعلك تحكم بقبح أمر ما، هو أنك تفصل الخلق عن حكمته، فالتلميذ الذي يرسب لا يجب أن يظن أن هذا الرسوب مفصول عن حكمة الرسوب. إن الرسوب معناه لفت الانتباه إلي ضرورة احترام الدرس، لأن التلميذ إن نجح مع اللعب، فكل تلميذ سوف يلعب وسيقال فلان لعب ونجح، ولن يلتفت أحد إلي قيمة تحصيل العلم.
إذن: فنحن يجب أن نأخذ كل أمر ومعه حكمة الله فيه، وكذلك لا نأخذ أمر عقوبة ما وهي منفصلة عن الجريمة، إن كل عقوبة إنما ترتبط بجريمتها. فساعة أن نرى إنساناً محكوماً عليه بالإعدام فلا تأخذك الرأفة به؛ لأن العقوبة إنما جاءت على جريمة قتل سابقة. إن استحضار الجريمة في الذهن هو الذي يجعل العقوبة تساوي الجريمة. فالمقتول قد قتل ظلماً والمجرم يتم إعدامه قصاصاً وعدالة. ويقول الحق سبحانه بعد الحديث عن التصوير في الأرحام كيف يشاء:
{لا إله إلا هو .. "6"} (سورة آل عمران)
ومعناها هنا أنه الحق الذي سيصور وهو ضامن أن ما يصوره يكون على الصورة التي يريدها، وهو الخالق الأكرم فلا إله قادر على أن يستدرك على ما خلق، ويعيد تصوير المخلوق في الرحم، إنه الحق سبحانه وتعالى:
{العزيز الحكيم "6"} (سورة آل عمران)
أنه إله واحد لا يغلبه أحد على أمره، وما يريده يكون، وما يريده الله يكون دائما بحكمة أنه عزيز لا يغلب على أمره، وكل أمره إنما يكون لحكمة ما، إنه تنبيه للخلق، ألا يفصلوا الحدث عن حكمته، فإذا أخذ العبد الحدث بحكمته فهذا عين الجمال. إن الله الذي يصور في الأرحام كيف يشاء لا يترك المادة المخلوقة وحدها، إنما يخلق لها القيم، وذلك حتى تنسجم حركة الوجود مع بعضها.

شريف حمدان
28 / 01 / 2010, 31 : 12 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا أخي الفاضل على المجهود الرائع
جعله الله في ميزان حسناتكم إن شاء الله
بارك الله فيكم...وجعل الجنة مثواكم....

أبو عادل
30 / 01 / 2010, 46 : 08 PM
الودود.


قال تعالى:
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا "96"} (سورة مريم)
الودود هو الود وهو الحب، وسبحان المحب للمؤمنين، وهو المحبوب لهم ومحبة الله لعباده، ورحمته إياهم، ومحبة المؤمنين لله تعالى: طاعته، وطاعة الله رحمة من الله، والله نور السماوات والأرض، فمن أصابه من ذلك النور فقد سبق له من الله الهدى، وما أحب المؤمن لله، وما أحبه لله!! وقيل في معنى "الودود": إن عباده الصالحين يودونه ويحبونه، لما عرفوا من كماله في ذاته وصفاته وغفرانه تعالى.
وكلتا الصفتين مدح، لأنه جل ذكره، إذا أحب عباده المطيعين فهو فضل منه، وإذا أحبه عباده العارفون فلما تقرر عندهم من كريم إحسانه. وهنا مكان هذا الدعاء الجميل:
"يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعال لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وبرحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني". وقد ذكر الودود سبحانه، مرتين في القرآن الكريم:
{واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود "90"} (سورة هود)
{وهو الغفور الودود "14"} (سورة البروج).

أبو عادل
30 / 01 / 2010, 46 : 08 PM
المجيد.


قال تعالى:
{إنه حميد مجيد "73" } (سورة هود)
المجيد هو ذو الشرف التام الكامل، المفيض على العباد بالمجد والعطايا، والمجد هو الشرف العظيم الرفيع القدر، والمجيد في اللغة هو الذي عظم كرمه. وقيل في معنى "المجيد" سبحانه: هو الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه. وقيل: البالغ المنتهي في الكرم. وقد ذكر "المجيد" تعالى مرة واحدة في القرآن المجيد في قوله تعالى:
{رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد "73"} (سورة هود)
فهو المجيد في إيجاده، والمجيد في امتداده، والمجيد على الصالحين من عباده، فمجد الإيجاد أنه أوجد الكون واستخلفك فيه، ومجد الإمداد، أنه أمد الكل لعطاء الكل، فأعطى للكافر من مدده كما أعطى المؤمن من فضله.

أبو عادل
30 / 01 / 2010, 47 : 08 PM
الباعث.


قال تعالى:
{لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم "164"} (سورة آل عمران)
هو الله باعث النبيين مبشرين ومنذرين، والحمد لله الذي بعث في الأميين رسولاً منهم، يتلو عليهم آياته، محمد رسول الله خير مبعوث. وهو باعث الموتى، قال تعالى:
{وإن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور "7" } (سورة الحج)
ومن معاني الباعث: مثير الساكن، باعث الهمم، وباعث ما في عالم الغيب.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلي فراشه، وضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم قال: "اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك"
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الاستيقاظ: "الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور"
وهذا الاسم العظيم "الباعث" غير وارد بصيغة الاسم في القرآن الكريم، ثم لنقرأ هذه الآية الكريمة:
{ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً "79"} (سورة الإسراء)
وقال تعالى:
{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28" } (سورة البقرة)
تجئ تلك الآية الكريمة بعد أن أوضح الحق سبحانه لنا أن أي خروج عن المهمة التي أرادها الله للإنسان هو خسران للحياة، وعندما نتأمل قول الحق:
{كيف تكفرون بالله .. "28"} (سورة البقرة)
فإننا نرى أن "كيف" تستعمل لمعرفة الحال، كأن يقول واحد "كيف حال محمد؟" فيقول آخر: إنه مسافر، وهكذا تعرف أن "كيف" تستخدم هنا للاستفهام عن حال الإنسان بعد أن يعرف أن الله هو خالق الكون، وأن العهد موثق بين العبد والرب على الإيمان، وأن الله ضرب لنا الأمثال ليزيد إيمان المؤمنين، ويضل من امتلأ قلبه بالضلال، وكأن الحق سبحانه حين يطرح على العباد هذا التساؤل فإنها تحمل التعجب واللوم لمن يكفر بالله.
لقد طرح لنا الحق سبحانه من قبل كيف أخذ العهد الموثق من ذرية آدم على الإيمان به، وأن الحياة صفقة يربحها المؤمن ويخسرها الكافر أو المنافق، هذه الآية تتضمن أدلة على وجود الله السابقة لذلك، فإن الخالق الأكرم يأتي بهذه الآية ليوضح الدليل القاطع الحاسم على وجوده، فيقول الحق سبحانه دليلاً على عظمته وبديع صنعه:
{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون "28"} (سورة البقرة)
وكأن الله بذلك يصعد الجدل في القرآن بين الآيات الحقة، والبراهين القاطعة، وبين بهت إدعاء الكافرين والمنافقين. إن أحداً لا يستطيع أن يجادل في أنه مخلوق من تراب، إن أحداً لا يستطيع أن يجادل في أن هناك خالقاً، ذلك أن أحداً لم يدع أنه الخالق. وعندما يخبرنا الله البراهين أنه "الخالق"، فلنا أن نتأمل تلك البراهين، فإننا نعرف أن الدليل المؤكد أن إخبار الرسول لنا بأن الله هو الخالق، وهو الذي خلق الإنسان من تراب، وكان قبل ذلك مجرد عدم، وأن الخالق الأكرم وهبنا الحياة.
لكن الكافرين قد يثيرون الجدل، لذلك جاء الأمر المشهدي وهو "الموت" الذي لا يعرف الإنسان ميعاداً له، ولا أين يحدث ذلك، فإن أي ملحد أو مدع أن لتفكيره قدرة مطلقة على إدارة حركة الحياة. أي إنسان من هذا النوع عليه أن يستمع لهذه الآية، ويرى تطبيقها في الوجود قضية الموت، وقبل أن يدخل أي إنسان في حركة الحياة والإفساد فيها، عليه أن يرقب قضية الموت. فإذا كان الميلاد قوساً تبدأ بعدها حركة الوجود في الحياة، فإن القوس الأخيرة في حياة الإنسان هو الموت.
فما بال بعضنا يريد أن يتدخل في حركة الحياة، فينسبها إلي ضلال الإنكار، ولذلك فإن للإنسان أن يتعجب من فعل الإنسان، عندما توصل الإنسان إلي التدخل لإسعاد بعض البشر الذين لا ينجبون، بأن وضعوا العلم في خدمة إنجاب الأطفال عن طريق الأنابيب. فلنا أن نعرف أن عملية التلقيح عن طريق الأنابيب لم تكن لتصلح، لولا أن خضع الإنسان لإرادة الله، فوضع البويضة المأخوذة من المرأة بواسطة الحيوان المنوي للرجل، فإن الخضوع للإنسان هو بإعادة البويضة خلال عدد محدود من الساعات في رحم المرأة المأخوذ منها البويضة. وذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يخلق رحماً أو "وسطاً" صالحاً لحماية الجنين أثناء مراحل نموه كالرحم، قد يكون في ذلك انتصار علمي في حدود إلغاء فشل المرأة في الإنجاب لانسداد قناة التوصيل للبويضة أو للحيوان المنوي.
لكن هذا الانتصار ظل معلقاً على ضرورة أن يكون الرحم واحداً؛ لأن الانسجام والوظيفة التي خلقها الله للرحم تظل فوق طاقة البشر. وعندما يجئ القرآن الكريم ليؤكد أن الإنسان مخلوق من تراب، فقد ثبت في العصر الحديث أن مكونات الجسم البشري هي نفس عناصر الأرض. ويقول الحق تبارك وتعالى ليذكر البشرية والعقل البشري الذي قد تنتابه الشكوك في البعث مرة أخرى بعد الموت:
{يا أيها الناس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلي أجل مسمى ثم نخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلي أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيجٍ "5"} (سورة الحج)
إن الحق تبارك وتعالى بالآية الكريمة ما ينفي الشك عن العقل الإنساني، هذا الشك الذي قد يصيب بعض العقول من أن البعث آت لا ريب فيه، فيقول الحق إن الإنسان مخلوق من تراب وهذا أصله، ثم جعل الله للإنسان قدرة على التزاوج فيأتي من صلب الرجل حيوان منوي يتزاوج مع بويضة، ثم تصير البويضة والحيوان المنوي مضغة من دم متجمدة، ثم تتحول إلي قطعة من اللحم التي تحمل ملامح الإنسان. وقد تنزف المرأة الجنين قبل تمام نموه، وقد يتم الجنين ويخرج إلي الحياة، هذا أمر معلق بإرادة الله، وبعد ذلك يصل الإنسان إلي الحياة طفلاً، ويبلغ برعاية الأم ولبنها إلي درجة من النضج، وينتج له الترابط الأسري درجة من النمو في المجتمع ويبلغ الطفل الرشد.
وخلال رحلة العمر قد يموت الإنسان طفلاً أو شاباً أو يبلغ الكبر حتى ينسى كل ما فعله في الحياة، ولنا أن نعرف أن العلم قد أثبت أن الذاكرة لا تضمحل إلا في قليل نادر من حالات المرض العقلي، أو في الشيخوخة الشديدة، فإن الإنسان ينسى في هذه الشيخوخة الشديدة كل ما عرف. وهذه قدرة الحق تبارك وتعالى، تلك القدرة التي تتجلى في أن البعث أمر في مشيئة الله، تلك المشيئة التي تتجلى في نزول الماء على الأرض القاحلة فتدب فيها الحياة، وينتفع طينها بالماء، وتخرج أصناف النباتات، تلك النباتات التي تمتلك أيضاً قدرة التزاوج لتعطي الثمار التي يبتهج بها الإنسان. وعن مرحلة الإنسان كسلالة من طين نجد الآيات الواضحة التي تصف لنا هذا الغيب الذي لم نشهده، ولكنا نحس بصدقه في حياتنا، ويتأكد لنا عند رؤيتنا للموت.
ويقول الحق تبارك وتعالى:
{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين "12" ثم جعلناه نطفة في قرارٍ مكين "13" ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين "14" ثم إنكم بعد ذلك لميتون "15" ثم إنكم يوم القيامة تبعثون "16"} (سورة المؤمنون)
إن الدعوة موجهة من قبل الحق تبارك وتعالى لعباده ليتأملوا كيفية الخلق أن عناصر الإنسان هي نفس عناصر الطين الذي خلق منه آدم، ومن سلالته كان البشر، كل إنسان أصله نطفة من حيوان منوي، وبويضة يتحدان معاً في الرحم، هذا المكان الحصين الأمين الذي خلقه من عظام حوض المرأة، ليكون مكاناً صالحاً لحمل الإنسان تسعة أشهر. ويحدث هذا الخلق على مراحل، فمن نطفة إلي علقة أي بويضة مخصبة بالحيوان المنوي إلي مضغة من دم، ومن هذه المضغة يتم خلق العظام، ومن ذلك يتم خلق اللحم البشري بالنمو داخل الرحم، ثم ينفخ فيه الله الروح، ثم يخرج إلي الحياة إنساناً جميل الطلعة حسن الاستقبال، وبعد الحياة هناك الموت، ثم البعث للحساب في يوم القيامة.

أبو عادل
30 / 01 / 2010, 48 : 08 PM
الشهيد.


قال تعالى:
{قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم .. "43"} (سورة الرعد)
هو الشهيد العليم بظواهر الأشياء، وهو الخبير العليم ببواطن الأشياء، وقيل: الشهيد مبالغة في الشاهد، والشهادة ترجع إلي العلم مع الحضور. وهو الذي كرم الإنسان بنعمة المشاهدة، فرأي من آيات الله ما أفعم القلوب بالشهادة، شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى:
{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون "19"} (سورة الأنعام)
وقد ذكر "الشهيد" سبحانه تسع عشرة مرة في القرآن العظيم. والله شهيد على ما تعملون، والله على كل شيء شهيد، ثم الله شهيد على ما يفعلون، وأن الله على كل شيء شهيد، وأنه على كل شيء شهيد، وكفى بالله شهيداً.
قال تعالى:
{لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً "166" } (سورة النساء)
فإذا كان أهل الكتاب لا يشهدون بما أنزل الله إلي رسوله صلى الله عليه وسلم ويذكرون ما في كتبهم من البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم كرسول خاتم، فإن الله يشهد وكفى بالله شهيداً. إن الحق سبحانه وتعالى قد أنزل القرآن بعلمه، وهو الذي لا تخفي عليه خافية، وهو سبحانه الذي خلق كل الخلق، وهو الذي يعلم جيداً ما يصلح للبشر من قوانين. وقد قلنا: إننا في أعرافنا البشرية أن الذي يصنع الصنعة، هو الذي يضع قانون صيانتها لتؤدي مهمتها كما ينبغي، كذلك الله هو الذي خلق ذلك الإنسان، وهو الذي يضع قانون صيانة بـ"افعل" ولا "تفعل".
ولذلك يقول الحق سبحانه:
{ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير "14"} (سورة الملك)
إن الواحد منا يذهب بساعته إلي عامل إصلاح الساعات فيكشف عليها، ويقرر ما فيها من فساد، فما بالنا بخالق الإنسان؟ إن العبث الذي يوجد في هذا العالم أن الناس قد استقبلوا خلق الله لهم، ولم يدع أحد أنه خلق نفسه أو خلق غيره، ومع ذلك يحاول البشر أن يقننوا قوانين صيانة للإنسان خارجة عن منهج الله. نقول لهؤلاء: دعوا خالق الإنسان يضع لكم قانون صيانة الإنسان بـ"افعل" و"لا تفعل"، وإن أردتم أن تشرعوا فلتشرعوا في ضوء منهج الله، وإن حدث أي عطب في الإنسان فترده إلي قانون صيانة الصانع الأول، وهو القرآن.
إن الذي يسبب المتاعب للبشرية إنما ينبع من أن الإنسان يتناسى في بعض الأحيان أنه من صنعة الله، ويحاول أن يضع لنفسه قانون صيانة، بعيداً عن منهج الله، والذي يزيل متاعب الإنسانية هو أن تعود إلي قانون صيانتها، الذي وضعه لها الحق تبارك وتعالى، فذكر في كتابه الكريم:
{لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيداً "166"} (سورة النساء)
إن الملائكة تشهد لأنها نالت شرف أن يكون المبلغ لرسول الله منهم وهو جبريل عليه السلام، وهم أيضاً الذين يحسبون حسابات العمل الصالح أو الفاسد للإنسان، وهم ثالثاً الذين حملوا اللوح المحفوظ، وهم يعرفون الكثير:
{وكفى بالله شهيداً "166"} (سورة النساء)
لماذا لم يقل الله هنا: وكفى بالله وبالملائكة شهوداً؟ إن الحق سبحانه وتعالى لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً لشهادة الناس، صحيح أن الملائكة تشهد، ولكن الله لا يأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً للشهادة. ونحن لا نأخذ شهادة الملائكة تعزيزاً لشهادة الله، وإلا لكانت الملائكة أوثق عندنا من الله، إن الحق يؤرخ شهادة الناس وشهادة الملائكة لكنك يا رسول الله نكفيك بشهادة الله.
ويقول الحق سبحانه وتعالى:
{شهد الله أنه لا إله إلا هو .. "18"} (سورة آل عمران)
هذه قضية أطلقها الحق سبحانه، وهي شهادة من الحق سبحانه وتعالى لنفسه شهد الله أنه لا إله إلا هو، وكفى بالله شهيداً. لماذا؟ لأنها شهادة الذات العلية للذات العلية.
{شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "18"} (سورة آل عمران)
لقد شاهدت الملائكة المشهد، وشهد أولو العلم بأنه لا إله إلا هو، لأنهم يأخذون من الأدلة ما يثبت صدق الملائكة، ويؤكد صدق الله، فإذا ما نظرنا نظرة أخرى نجد أنها كلمة أطلقها الله على نفسه،وقال "لا إله إلا الله"، وجعلها كلمة التوحيد. والأمر غاية في اليسر والسهولة والبساطة، إن الله لم يشأ أن يجعل دليل الإيمان بالقوة العليا دليلاً فلسفياً لا يستطيع أن يصل إليه إلا أهل الثقافات العالية، لأن الإيمان مطلوب من الجميع، ويراعي في ذلك راعي الشاة. كالفيلسوف يتساوى فيه كناس الشارع مع الطبيب مع الأستاذ الكبير.
لذلك جعل الله قضية الإيمان في مستوى العقول البشرية جميعها. إن الأدلة في منتهى البساطة. قال الله: أنا شهدت أنه لا إله إلا أنا. وهو ما نقوله نحن المؤمنون. فإما والعياذ بالله غير صدق. فلو كان الأمر غير صادق، فإن هو الإله الذي سمع ذلك التحدي، وأخذ الله منه ذلك الكون، وقال: "أنا وحدي خالق الكون"؟ إننا لم نسمع رداً على الله ولا معارضاً له إن كان هناك من درى بذلك أو لم يجرؤ على الرد فهو لا يصلح أن يكون إلهاً.
إذن: فالقضية لله؛ لأن أحداً لا يجرؤ على أن يدعي على غير ذلك، فلم يظهر مدع ينشر دعوى أخرى، إذن: فلا إله إلا الله هو قضية حق. وعندما ينظر إلي هذه القضية بالعقل والمنطق فإننا لا نجد إلهاً إلا هو؛ لأنه لو كان هناك إله آخر لأبلغنا عن نفسه، فإن لم يكن فأين هو الذي يدعي ذلك؟ وقد قلنا من قبل: إن الدعوى حين تدعي، ولا يوجد معارض فإنها تثبت لصاحبها إلي أن يوجد المعارض، وأضرب هذا المثل، ولله المثل الأعلى وننزهه سبحانه وتعالى عن المثل.
أقول: لنفترض أننا عشرة من الناس قد اجتمعنا في غرفة ثم انصرفنا، ووجد صاحب البيت حافظة نقود، وجاء واحد من الذين كانوا حضوراً وبه لهفة التساؤل عن حافظة نقوده التي ضاعت منه، وجئ ببقية العشرة الذين كانوا حضوراً، ولم يدع أحد أن حافظة النقود التي عثر عليها صاحب البيت تخصه، وهنا يثبت للجميع أن حافظة النقود هي لصاحبها الذي قال فقدها.

أبو عادل
30 / 01 / 2010, 49 : 08 PM
العلي.



قال تعالى:
{فالحكم لله العلي الكبير "12"} (سورة غافر)
{وهو العلي العظيم "4"} (سورة الشورى)
{وهو العلي الكبير "23"} (سورة سبأ)
{إنه علي حكيم "51"} (سورة الشورى)
هو العالي علو الجلال والكمال، قال الحليمي من العارفين بالله في معنى العلى:
"إنه الذي ليس فوقه فيما يجب له من معالي الجلال أحد، ولا معه من يكون العلو مشتركاً بينه وبينه، ولكنه العلي بإطلاق". عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتح دعاء قط إلا استفتح "بسبحان الأعلى الوهاب". يتجلى الله في علاه في مرئيات الإدراك، وفي خواطر الوجدان، وفي إبداع الصفة، وفي أسرار الغيب، فالأرض تضم أجناساً متعددة، وهي كالآتي:
الجماد: هو الساكن ظاهراً كتربة الأرض، أو المعادن، هذا هو الجنس الأول.
والجنس الثاني: هو النبات الذي يختلف عن الجماد، بأن الله وضع فيه خاصية النمو والحس.
والجنس الثالث: هو الحيوان الذي يتميز عن النبات بالحس والحركة.
والجنس الرابع: هو الإنسان الذي يتميز عن الحيوان بخاصية جديدة مضافة للنمو والحس والحركة، وهي الاختيار.
وكل الأجناس التي نراها في الكون لا تخرج عن هذه الأجناس: جماد ـ نبات ـ حيوان ـ إنسان، وكل الأجناس منضبطة انضباطاً قسرياً قهرياً، لا رأي لأحد فيه إلا الإنسان، ففيه جزء من السلوك قسري قهري كسير الدورة الدموية والتنفس وحركة الهضم وغير ذلك من الأمور التي لا دخل لإرادة الإنسان بها، كل الأجناس لها نظام قسري مضبوط على مهمة كل جنس، والسيادة في كل الأجناس للإنسان. يأتي الإنسان بعناصر الجماد فتتفاعل ولا تعصي، ويضع الإنسان البذور في الأرض، فتتحرك البذرة بالخواص التي خلقها الله لتمتص الغذاء المناسب لها من الأرض سواء كان أملاحاً أو عناصر غذائية مع الماء وينمو النبات حسب نوعه، ويتغذى حسب نوعه واحتياجه، وينمو ليصبح ثماراً للإنسان.
ولنا أن نندهش من قدرة الخالق الأعظم الذي خلق في النبات خاصة امتصاص الغذاء الصالح له من الأرض بواسطة الجذور التي يسميها العلماء "خاصية الأنابيب الشعرية". إذا قارنا النبات وهو يمتص غذاءه بهذه الخاصية وبين التطبيق التجريبي في معامل العلماء عن "خاصية الأنابيب الشعرية" فلسوف نجد اختلافاً واضحاً بين تنفيذ النبات لخاصية امتصاص الغذاء بالأنابيب الشعرية وبين خاصية امتصاص الأنابيب الشعرية في المعامل العلمية.
إن الخالق الأكرم خص النبات بجذور تملك قدرة امتصاص الغذاء المناسب لكل نبات على حدة، بينما أنابيب المعامل العلمية تمتص ما يوضع لها من سوائل أي سوائل. إن الأنابيب الشعرية في المعامل لا تملك ما يسميه العلماء "خاصية الانتخاب الغذائي" التي يملكها النبات، وخاصية الانتخاب الغذائي موجودة في كل نبات، يختار منها المواد الغذائية المناسبة له من التربة. وهكذا نتعرف على أن خاصية الانتخاب الغذائي في النبات تقتضي وعياً أن كل نبات يعرف تمييز الغذاء المناسب له تماماً من عناصر تربة الأرض. ولنا أن نسأل: من الذي هدى النبات إلي أن يختار المواد الغذائية التي تناسبه؟ إنه الله الأعز الأكرم، هو الذي "قدر فهدى"، والحق سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم:
{سبح اسم ربك الأعلى "1" الذي خلق فسوى "2" والذي قدر فهدى "3" والذي أخرج المرعى "4" فجعله غثاء أحوى "5"} (سورة الأعلى)
إن الإنسان عندما يتدبر أمر النبات تتجلى له آيات الله الباهرة التي جعلت لكل نبات غريزة غذائية يمتص بها الصالح له من مواد الأرض. فالقصب يختار ما يناسبه من مواد، والفلفل يختار له ما يناسبه من مواد الأرض، والمانجو تختار ما يناسبها، وكذلك التين والتمر. كل نبات يمتلك غريزة خاصة به يحقق بها خاصية "الانتخاب الغذائي" وكل نبات كما هو حال كل كائن قدر له الله السبب الذي يوجد من أجله، ومنحه هداية إمكانات النمو المناسبة له، وهذه أحد أسرار عظمة الخالق الأعز الأكرم.

يتبع...

أبو عادل
09 / 02 / 2010, 42 : 04 PM
الوكيل.

قال تعالى:
{وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً "81"} (سورة النساء)
هو الوكيل الكافي لمن توكل عليه، القائم بأمور العباد، وهو الذي من استغنى به أغناه عما سواه، وهو المتصرف في الأمور حسب إرادته، وهو سبحانه الموكول إليه تدبير أمر كل شيء. وقد ذكر "الوكيل" ثلاث عشرة مرة في الكتاب الحكيم:
وهو على كل شيء وكيل ـ والله على ما نقول وكيل ـ وكفى بالله وكيلاً ـ وكفى بربك وكيلاً ـ وتوكل على الله ـ وكفى بالله وكيلاً ـ رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً ـ وعلى الله فليتوكل المتوكلون ـ فإذا عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين. قال تعالى:
{وهو على كل شيء وكيل "102"} (سورة الأنعام)
ما معنى وكيل؟ معناها أنه يقوم بأمور نيابة عنه، هذا معنى وكيل، ولكن الله لم يقل: وكيل لك، ولكنه قال: وكيل عليك. فالوكيل لك ينفذ أوامرك، والوكيل عليك هو الوصي عليك يقول: لك ما تفعل. ولذلك يدعو الإنسان أحياناً بالشر فلا يجيب الله، لماذا؟ لأنه وكيل عليك يبعد عنك الشر، ولذلك إذا دعوت دعوة فلم تستجب فاعلم أن الله قد وقاك بعد الاستجابة شراً، أما إذا كانت الدعوة فيها خير فيستجب لها الله.
وقوله تعالى:
{وهو على كل شيء .. "102"} (سورة الأنعام)
معناها أنه على كل شيء يحدث أي ما يدخل في اختيارك، وما لا يدخل الشيء المختار. قد يكون فيه شر، فماذا عن الشيء الذي لا اختيار فيه، يعطي هذا الشيء قانون صيانته الذي يجعله يؤدي عمله على الوجه الأكمل، بحيث إن كل شيء مقهور يؤدي عمله بكفاءة وكمال دون تدخل منك لأن الله وكيل عليه. ولذلك فهو يؤدي مهمته في الكون على الوجه الأكمل، فالشمس مثلاً لا تستطيع أن تقترب من الأرض فتحرقها أو تبتعد عنها فتحولها إلي جبال من الثلج، ولكن لها قانون يجعلها تؤدي مهمتها على الوجه الأكمل، دون أن يتدخل الإنسان، والله وكيل على ذلك كله. فإذا شاء أن يجعلها لا تؤدي مهمتها فعل، كما قال للنار:
{كوني برداً وسلاماً على إبراهيم "69"} (سورة الأنبياء)
فلم تحرق، وذلك حتى لا يقال: إن الأشياء تعمل بالأسباب وحدها، بل الله وكيل عليها حين يريدها أن تفعل فعلت، وحين يريد ألا تفعل يقول لها: لا تفعل، فتتوقف عن الفعل. والوكيل هو الذي يتولى أمرك، وأنت إذا جعلت واحداً يتولى أمرك فأنت تشهد أنك عاجز عن هذا الأمر، وأن الذي توكله أحكم منك وأقوى، فإذا كانت الأغيار تستولى على الناس، فالغني يصبح فقيراً، والفقير يصبح غنياً، والقوي يصير ضعيفاً، والصحيح يصير مريضاً. وهكذا فالإنسان ابن أغيار، فأنت حين توكل الإنسان فهو غير مضمون، لأنه ابن أغيار. فضلاً عن أنه قد يموت في أي لحظة، فإن كنت حصيفاً فوكل الذي لا تناله الأغيار، ولا يأتيه الموت أبداً. ولذلك ربنا سبحانه حين يعلم خلقه أن يكونوا على وعي وإدراك يقول لهم:
{وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده .. "58"} (سورة الفرقان)
ومادام الأمر كذلك، فإياك أن تتخذ من دون الله وكيلاً، ولو كان هذا الوكيل هو الواسطة بينك وبين ربك، كالأنبياء لأن الأنبياء لا يأتونك بشيء من عندهم، ولكن من عند الله، لأن الله لو أمسك عنهم الوحي لما وجدوا ما يبلغونه للناس.

أبو عادل
09 / 02 / 2010, 43 : 04 PM
القوي.

قال تعالى:
{إن ربك هو القوي العزيز "66"} (سورة هود)
هو الخلاق العليم، ذو القوة المتين، والقوة لله جميعاً، ولا قوة إلا بالله، ولا حول ولا قوة إلا بالله. قال تعالى:
{فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون "15"} (سورة فصلت)
وقد ذكر "القوى" سبحانه تسع مرات في القرآن الكريم، فهو تعالى قوي شديد العقاب. ومادام الإنسان قد آمن بأن العبادة لله وحده والاستعانة بقوة الله جل شأنه، مادام هذا الإيمان قد استقر في القلب وظهر في السلوك، فلابد أن تقف قوة الخالق بجانب العبد المؤمن لينتصر على خصوم الإيمان يقول الحق:
{إياك نعبد وإياك نستعين "5"} (سورة الفاتحة)
وهنا يجب أن نضيف حقيقة، يجب ألا تغيب عن الأذهان. إن على المؤمن ألا يعتقد أن هناك مخلوقاً من مخلوقات الله قادراً على أن يقف معانداً بالفطرة لقوة الله، إنما يقف الخلق المعاندون بعضهم لبعض في صراع لا دخل للإيمان فيه، لذلك فإننا نجد قوياً يهزم ضعيفاً، لكن إذا التحم الضعيف المؤمن بالله وبمنهج الله مع خصم معاند فإن خصمه لن يكون على نفس درجة إيمانه، وحتى ولو كان الخصم قوياً، ولسوف يكون الانتصار للضعيف المؤمن الملتحم بالله وبقوة الله على الذي تخيلنا أنه قوي، لكن قوته مجردة من الإيمان.
ولنأخذ من هجرة الرسول الكريم درساً، لقد غادر الرسول الكريم مكة ومعه صديقه أبو بكر في رحلة إلي المدينة ليوفر على المؤمنين هذا العذاب الذي كانوا يتعرضون له من قبل الكفار في قريش، ودخل الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر إلي غار يحتميان فيه من الكفار الذين خرجوا للبحث عن محمد رسول الله، وكلنا نعرف قول أبي بكر الصديق لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذه اللحظة "لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا".
ولذلك كان رد الرسول الكريم على صديقه أبي بكر واضحاً مانعاً يبعث على الاطمئنان، لقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "فما بالك باثنين الله ثالثهما"
والقرآن الكريم يؤكد هذا القول الواضح بتلك الآية الكريمة:
{إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم "40"} (سورة التوبة)
إن هذا القول الفصل يوضح لنا أن الإيمان المطلق بالله وبأنه مالك كل الأسباب قادر بقوته أن يبعث الطمأنينة والسكينة في قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر، والله القوي القادر، وقد خطف من الكفار القدرة على إبصار محمد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والصديق أبي بكر الصديق لحظة تواجدهما في الغار، لوجدنا أن المتغير الأساسي هو أن كليهما في معية الحق سبحانه وتعالى. ومادامت معية الحق هي المسيطرة، فلابد أن يتحقق قوله تبارك وتعالى:
{لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير "103"} (سورة الأنعام)
لذلك لم يكن بإمكان أحد من كفار قريش أن يرى محمداً الرسول الكريم وصاحبه أبا بكر الصديق أثناء تواجدهما بالغار. ومن هذه الحكاية نستفيد ما يلي:
إن أي صراع يحدث بين إنسان وآخر قد يكون أحدهما قوياً أو يكونان متساويين في القوة، فإن الغلبة والانتصار سيكونان للأقوى. أما إذا قام صراع بين إنسان وآخر، أحدهما ملتحم بالإيمان بالله، فالغلبة للإنسان المؤمن مادام قد آمن بالله. ولن ينتصر عليه أحد إلا إذا شرد بعيداً عن جانب الله. ولقد ضربت مثلاً على ذلك لتقريب المسألة من الذهن العادي ولأوضح بشكل قاطع تلك المسألة العقدية، ولله من قبل ومن بعد المثل الأعلى. قلت: لنفترض أن رجلاً له غلام صغير، ووقف الرجل ليتحدث إلي صديق له فشرد الغلام الصغير بعيداً عن أبيه ليلعب في الشارع، وتصدى لهذا الغلام الصغير أطفال اكبر منه في القوة والعمر، فلمن يلجأ الغلام؟
لابد أنه سيلجأ إلي أبيه، وفي اللحظة التي يلجأ الغلام لأبيه، يصاب الأولاد الأكبر منه بالخوف؛ لأن للطفل أباً قوياً، وأن الوالد قادر على حماية ابنه، يحدث ذلك من أب وابن كليهما مخلوق من مخلوقات الله، فما بالنا بالخلق الكامل المطلق لكل الوجود؟ ماذا يحدث عندما يحتمي صاحب حق ضعيف بالخالق الأعلى؟ ما بالنا بإنسان بذل كل ما في طاقته لتحقيق هدف في حدود منهج الله. فتكاثر عليه أهل الكذب بالله، فاستنجد هذا الإنسان المؤمن بالحي القيوم الذي لا تغفل له عين، ولا تحد قدراته قدرة أو قوة. إن الحماية هنا لن تكون حماية أب لابنه، ولكنها حماية خالق أعظم لمخلوق مؤمن، لذلك فعندما يقف عبد مؤمن ملتحم بقوة وربوبية الله، فلابد أن يهزم العبد الفارغ من ربوبية الله، ولابد أن ينطبق قوله تعالى:
{أليس الله بكافٍ عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هادٍ "36"} (سورة الزمر)
بهذا المنطلق الإيماني بأن الله حق وغيب، وأنه حاضر لا تدركه الأبصار، وأنه قوي بلا نهاية، بهذا المنطق الإيماني كان محمد الرسول الكريم يواجه قريشاً بكفارها وجهلها وجاهليتها، لقد اختاروا الضلال، واختار الرسول الكريم أن يهديهم إلي التقوى، ولذلك انتصر النبي الملتحم بقوة الحق الأعلى.

أبو عادل
09 / 02 / 2010, 43 : 04 PM
المتين.


قال تعالى:
{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58"} (سورة الذاريات)
هو الله الرزاق ذو القوة المتين، وهو الذي لا تتناقص قوته. عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى "المتين" يقول "الشديد". وفي اللغة يقال: هو متين القوي، ومن المجاز يقال: رأي متين. واسمه تعالى "المتين" يدل على القوة والقدرة والله سبحانه متم قدره، وبالغ أمره. وقد ذكر "المتين" سبحانه، مرة واحدة في الكتاب المبين في قوله تعالى:
{إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين "58"} (سورة الذاريات)
وعندما تتجمع القوة مع القدرة ومع التقدير يكون التوازن العادل بإحسان، فكونه هو الخالق لكل شيء بقدر. وهو القادر على تنفيذ القدر مع تقدير للأمور فتكون القوة من شديد القوى المحكمة. التي لا تعرف التناقض، فقد تكون القوة وتنقصها حكمة التقدير، فيكون الإخلال في المسير، ولكن الله سبحانه وتعالى صاحب القوة ـ وهو شديد القوى حتى تعتدل الموازين في دنيا الأغيار، ويوم يقوم الأشهاد.

أبو عادل
09 / 02 / 2010, 44 : 04 PM
الولي.


قال تعالى:
{إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "62"} (سورة يونس)
كلمة ولي أي من يليك، أي: من هو قريب منك، ومادام قريباً منك فهو أول من تفزع إليه حين تصادفك عقبة أو مصيبة، ومادمت قريباً منه فهو ينصرني ويفيض علي. فإذا قربت من عالم يعطيني علماً، وإذا قربت من قوي يرفع عني ما لا أستطيع حمله، وإذا قربت من غني يعطني إذا احتجت، فالولي يعني القريب والناصر، والله سبحانه وتعالى هو الولي، تقترب منه فيقترب منك، وتبتعد عنه فيبتعد عنك. وهو الولي للناس كل الناس، لأنه قد يواليك أحد ولا يوالي الآخرين، وهو الولي الذي قربه من خلق لا يبعده عن خلق، لأن الولي قد يكون قريباً من إنسان بعيداً عن الآخر، ولكن الله جل جلاله لا يشغله شيء، فهو قريب منك، وقريب من كل خلقه.
والله هو الولي الحق لأنه قد يواليك من يطمع في مالك، ويواليك من يطمع في قوتك، ويواليك من يريد أن يستغل نفوذك، ولكن الله سبحانه وتعالى غني عنا جميعاً، وعما في أيدينا، ولذلك فهو ولي لا يأخذ منا ولكن يعطينا الحق جل جلاله يقول:
{إلا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "62"} (سورة يونس)
وهكذا بين لنا أن هؤلاء أولياء لمن؟ لله جل جلاله أي: المقربين من الله، فهذه ولاية من الخلق لله، وهناك ولاية من الله للخلق، وذلك في قوله تبارك وتعالى:
{والله ولي الذين آمنوا .. "257"} (سورة البقرة)
أي: الله قريب من المؤمنين، فمرة يقترب الخلق من الله، ومرة الله سبحانه وتعالى هو الذي يقترب منهم. أي: مرة تكون الولاية من المؤمنين لله، ومرة تكون الولاية من الله للمؤمنين، أيهما تأتي أولاً؟ نقول: إن لله سبحانه وتعالى طلاقة القدرة في كونه، يرى خصلة من خير في عبد من عباده، فيكرمه أولاً، فيصبح طائعاً مخلصاً ثانياً. لذلك فإن كل عاص تاب، وكل إنسان كان بعيداً عن المنهج ودخل فيه لابد أن فيه خصلة خير أحبها الله فهداه بها، مثل الرجل الذي نزل إلي البئر في يوم شديد الحر ليسقي كلباً يعاني من شدة العطش. لماذا فعل هذا؟ طمعاً في ثواب الله؛ لأنه لا يمكن أن ينافق كلباً، ولكنه أراد أن يفعل خيراً لوجه الله فأحبه الله فغفر له.
الإنسان المؤمن إذا أقبل على عمل فإنه يبدؤه مستعيناً بالله سبحانه وتعالى، ثم يأخذ بالأسباب. هب أن إنساناً مؤمناً ذاهباً لشراء صفقة أو لبيع شيء، أول الأشياء أنه يعد الإعداد المادي الدنيوي أخذاً بالأسباب، فإذا كان مشترياً أعد المال، وإذا كان بائعاً أعد السلعة. المهم أنه يعد كل ما هو لازم للصفقة من سلعة وعقود وما شابه ذلك، ثم يبدأ متوكلاً على الله، إن أصاب فهو خير، وإن أخفق فهو خير، إن أصاب فإنه يعلم أن الله سبحانه وتعالى قد وفقه، وكيف لا وقد استعان بسم الله ورعاه في كل شيء، فإذا جاء التوفيق من الله وهو خير أمده الله به، وإن لم يأت التوفيق من الله ولم تتم الصفقة فلابد أن الله رأى فيها شراً فأبعدها عنه. وهناك أشياء كثيرة ظاهرها الخير وحقيقتها غير ذلك.
كذلك الله سبحانه وتعالى ـ ولله المثل الأعلى ـ مع عبده المؤمن، هناك إنسان الرزق الكبير يفسده، ويدفعه إلي طريق المعصية والهلاك، فإذا منع الله سبحانه وتعالى عنه فيض الرزق، كان ذلك رحمة به لا ضرر له. وهناك إنسان قلة الرزق تجعله يتجه إلي الجريمة والمعصية والهلاك، فإذا فتح الله عليه في الرزق كان ذلك منجاة له من النار، كلا الشخصين يريد الرزق، وكلا الشخصين مؤمن، لكن الله سبحانه وتعالى وهو يحب عباده المؤمنين يعطي أحدهما ويمنع عن الآخر، وفي العطاء رحمة، وفي المنع رحمة، والإنسان المؤمن يمضي في الحياة وفي قلبه هذا الشعور.
وهو يعلم يقيناً أن الله يحب عباده المؤمنين، وهو يعلم يقيناً أن الله ينصر الذين آمنوا، وهو يعلم يقينا أن الله ولي الذين آمنوا في الحياة الدنيا والآخرة، وهو يعلم مالا نعم، فإذا كان لم يوفقه في شيء فمعنى ذلك أنه دفع عنها شراً. ولذلك فإن الإنسان المؤمن يقول: الحمد لله دائماً إذا أعطى، وإذا منع، ويكون راضياً إذا أعطى، وإذا لم يعط، لأنه يحس أن الخير في الاثنين وينطبق عليه قول الله تعالى:
{لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم .. "23"} (سورة الحديد)
فتنشأ النفس المؤمنة بعيدة عن القلق، عن الإحباط عن كل ما يمزق النفس البشرية ويهدمها، ويدفعها إلي الجنون والانتحار. أما الكافر فيمضي في الحياة، والله ليس في باله، فهو يعبد الأسباب وحدها، ويعتقد أن الأسباب تعطي بلا مسبب، وأنه هو بذاته يستطيع أن يحقق ما يريد أو كما يحلو لبعض الناس أن يقول يستطيع أن يصنع قدره، ومقاييس الخير والشر عنده هي مقاييسه هو تماماً.
كذلك الطفل أو الشاب الذي يعتقد أن المطواة أو المسدس هو خير له، لأنه يحميه من أذى الناس، ليمضي غير المؤمن وليس في قلبه الله، فيأخذ بالأسباب، ويضع نفسه حكماً أعلى على أمور الحياة. وعندما يصطدم بأن شيئاً مما أراده لم يتحقق أو بأنه فشل في تحقيق شيء يحس أنه ضاع، وأنه انتهى، وأنه سيواجه مصيراً أسود، وتضطرب نفسه وتتمزق، فإما أن يهرب من واقع أليم بالانتحار، وإما أن يعجز عقله عن التفكير فيصاب بالجنون. وهكذا رغم رغد الحياة المادية وما تقدمه له مما لا يحصل عليه إنسان آخر في دولة متخلفة، فإنه يحس بعدم الاستقرار، يحس بأن غيره غير آمن، وقد يبقى طوال الليل في فراشه لا ينام، لأن شيئاً قد حدث أراد الله له به خيراً، وهو لا يعلم.
وهكذا تختلف الحياة بين المؤمن والكافر، فالمؤمن مطمئن إلي قضاء الله، وأن فيه الخير أعطى أو منع، ولذلك فهو يعيش حياة طيبة لا انفعال فيها، ولا جنون، ولا انتحار، والكافر ينسب الفعل لذاته، ولذلك فهو يعيش حياة تعسة فقدرات الكون التي هي اكبر من قدراته تخيفه، إحساس رهيب بعدم الأمن والأمان. ولو أنه دخل على العمل باسم من سخر له الكون لا بذات قوته لكان ذلك طريقاً إلي سكينة النفس وطيب العيش والحياة الطيبة المطمئنة، ذلك أن الله سبحانه وتعالى يطلق أشياء في الكون حتى لا تؤمن أنت. إن امتلكته هو ملك لك ويستطيع الله سبحانه وتعالى أن يذهبه عنك، فالله سبحانه وتعالى يستطيع أن يعطي وأن يأخذ، وأن يجعل الكون ينفعل أو لا ينفعل، ولكنك أنت لا تستطيع، هذا هو الفرق بين الحق وبين الخلق.
قال تعالى:
{إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين "196"} (سورة الأعراف)
فهو المتكفل بأمور العباد كلها، وهو الذي يتولى الصالحين من عباده، الناصر لمن أطاعه، وذلك بأن الله هو الذي نصر أولياءه، وقهر أعداءه، وقيل: الولي هو الذي أحب أولياءه، ونصرهم على أنفسهم باجتناب المعاصي، وقيل: هو المتولي لأمر عباده المختصين بإحسانه. وقد ذكر "الولي" تعالى ثلاث عشرة مرة في الكتاب المبين.

أبو عادل
09 / 02 / 2010, 45 : 04 PM
المتعال.


قال تعالى:
{عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال "9"} (سورة الرعد)
هو البالغ في العلو، المتعالي بوجوب وجوده، رفيع الدرجات ذو العرش، وقيل المتعال: معناه المرتفع في كبريائه وعظمته، وعلا مجده عن كل ما يدرك، أو يفهم من أوصاف خلقه. فكل من أسمائه المجيد والعلي والعظيم والكبير والمتعالي، يدخل في الذي يليه بمعناه طردا أو عكساً، فهو العظيم في مجده، والمجيد في عظمته، والعظيم المجيد العلي في كبريائه، وهو تعالى المتعالي في ذلك كله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس العبد عبد تخيل واختال، ونسى الكبير المتعالي"
وقد ذكر "المتعال" سبحانه مرة واحدة في الكتاب العظيم في الآية التاسعة من سورة الرعد:
{عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال "9"} (سورة الرعد)
والمتعالي هو فوق كل فوق، وفوق كل إبداع، وفوق كل خلق، والمتعالي في أمره، فأمره فيه مصلحة العباد، والمتعالي في أمره، فأمره فيه مصلحة العباد، والمتعالي في نهيه لمنع الفساد، والمتعالي في خلقه تبارك الله احسن الخالقين. المتعالي في رزقه، يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وقدر فيها أقواتها .. "10"} (سورة فصلت)
وقال تعالى:
{ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً "70"} (سورة الإسراء)
والمتعالي هو الرفيع في ذاته، الرفيع في صفاته، الرفيع في عطائه، الرفيع في كبريائه وعظمته. والمتعالي يسقط أمامه كل كبير، ويتلاشى أمامه كل عظيم، ويتناهى عنده كل ملك؛ لأنه ملك الملوك ومالك الملكوت، وهي الحي الذي لا يموت، فهو الكبير لا كبير سواه، وهو العظيم لا عظيم معه، والمتعالي هو المقام الذي لا يليق إلا بذاته، فليس هناك متعال يوصف بهذا الاسم؛ لأنه لا وجود له على الحقيقة سواه.
إذن: المرجع إليه في حركات الكون السارية في الوجود، وحياة الحياة المتحركة في الكون المكنون. ولم نسمع في تراثنا القديم أن إنساناً سمى المتعالي، فهو اسم محفوظ باسم الله؛ لأنه يعلم المنظور والمخفي من عالم الشهادة وعالم الغيب، ولا يظهر الغيب إلا بتوقيت.

أبو عادل
19 / 02 / 2010, 08 : 12 PM
البر


قال تعالى:
{إنه هو البر الرحيم "28"} (سورة الطور)
هو العطوف على عباده بلطفه. الذي من على السائلين بحسن عطائه، وعلى العابدين بجميل جزائه، وهو الذي منه كل مبرة وإحسان. والبر بفتح الباء معناه: فاعل البر، أي: الإحسان، وهي كلمة جامعة لكل صفات الخير، وهو من أسماء الله تعالى. وفي اللغة "البر" هو الاتساع كما يرى المفسرون واللغويون أن البر هو الصلة والخير والاتساع في الإحسان والصدقة، ويجوز أن يكون معنى البر الكثير الطاعة، وجمعه أبرار، ومن المجاز (فلان يبر ربه) أي: يطيعه.
وفي هذا يكون البر اسماً جامعاً للطاعات وأعمال الخير المقربة إلي الله، أو اسماً جامعاً لرضي الخصال، ولكل فعل مرضي. وطاعة الله سبحانه هي عبادته تعالى، وبر الوالدين، والتوسع في الإحسان إليهما، فالجنة تحت أقدام الأمهات. والبار من يصدر عنه البر والطاعة، وجمعه بررة، قال تعالى:
{بأيدي سفرةٍ "15" كرامٍ بررةٍ "16"} (سورة عبس)
وأولى بالإنسان أن يكون مشتغلاً بأعمال البر، واستباق الخيرات، وأن لا يضمر الشر، ولا يؤذي أحداً، فإن البر، هو الذي لا يؤذي. ولذا قيل: "البر شيء هين، وجه طلق، وكلام لين".
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "البر لا يبلي، والذنب لا ينسى، والديان لا ينام ـ كما تزرع تحصد ـ وكما تدين تدان"
ورضاء الرب في رضاء الوالدين، فلا أقل من البر بهما، وشدة الإحسان إليهما، وبالقول الكريم، والدعاء لهما.
وسبحان ربي الحنان المنان الذي من على المؤمنين:
{إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة .. "164"}(سورة آل عمران)
وهو الذي من على المؤمنين، بأن جعلهم من أهل اليمين. وهو الذي ألهمهم القيام بصالح الأعمال، وهو الذي رزقهم القبول؛ وقبول احسن ما عملوا، وهو الذي يتجاوز عن سيئاتهم:
{ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون "35"} (سورة الزمر)
فيا له من بر من ذي المن والكرم .. البر الرحيم. وقد ذكر "البر الرحيم" مرة واحدة في سورة الطور من القرآن الكريم في الآية "28":
{إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم "28"} (سورة الطور)
قال تعالى:
{ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرها ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين "15"} (سورة الأحقاف)
وقال تعالى:
{أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون "16"} (سورة الأحقاف)
وقال تعالى:
{قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين "26" فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم "27" إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم "28"} (سورة .

أبو عادل
28 / 02 / 2010, 32 : 08 PM
الغني.


قال الله تعالى:
{وأنه هو أغنى وأقنى "48"} (سورة النجم)
وقال تعالى:
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلي الله والله هو الغني الحميد "15"} (سورة فاطر)
فهو تعالى (الغني) الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه لكماله وكمال صفاته، ولا يتطرق إليها نقص بوجه من الوجوه، ولا يمكن أن يكون إلا غنياً، فإن غناه من لوازم ذاته، كما لا يكون إلا محسناً جواداً براً رحيماً كريماً، والمخلوقات بأسرها لا تستغني عنه في حال من أحوالها، فهي مفتقرة إليه في إيجادها، وفي بقائها، وفي كل ما تحتاجه أو تضطر إليه. ومن سعة غناه أن خزائن السماوات والأرض، والرحمة بيده، وأن جوده على خلقه متواصل في جميع اللحظات والأوقات، وأن بيده سحاء الليل والنهار وخيره على الخلق مدرار.
ومن كمال غناه وكرمه أنه يأمر عباده بدعائه، ويعدهم بإجابة دعواتهم وإسعافهم بجميع مراداتهم ويؤتيهم من فضله ما سألوه، وما لم يسألوه. ومن كمال غناه أنه لو اجتمع أول الخلق وأخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلاً منهم ما سأله. وما بلغت أمانيه، ما نقص من ملكه ذرة. ومن كمال غناه وسعة عطاياه ما يبسطه على أهل دار كرامته من النعيم، واللذات المتتابعات والخيرات المتواصلات، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. ومن كمال غناه أنه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ولا شريكاً في الملك، ولا ولياً من الذل، فهو الغني في ذاته وأوصافه وأفعاله، المغني لجميع مخلوقاته.
والخلاصة أن الله الغني الذي له الغنى التام المطلق من كل الوجوه، وهو المغني جميع خلقه غني عاماً، والمغني لخواص خلقه، بما أفاض على قلوبهم من المعارف الربانية، والحقائق الإيمانية، والإشراقات النورانية. والحق سبحانه حين يقول:
{والله غني حليم "263"} (سورة البقرة)
ففي ذلك بيان للقادر بأن الباب الذي حرم به الفقير إنما حرمت أنت نفسك أيها القادر من أجر الله. إنك أيها القادر حين تحرم فقيراً، فأنت المحروم لأن الله غني عنك. إن الحق سبحانه يقول:
{هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم "38"} (سورة محمد)
إن الله غني بقدرته المطلقة، غني وقادر أن يستبدل بالقوم البخلاء، قوماً يسخون بما أفاء الله عليهم من رزق في سبيل الله، إن الذي يمسك عن العطاء، إنما منع عن نفسه باب رحمة، وهناك أناس مهيئون لأن يفتح الله لهم باب هذه الرحمة.
يقول الحق سبحانه:
{رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار "37" ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب "38"} (سورة النور).

أبو عادل
09 / 03 / 2010, 38 : 05 PM
المغني

قال الله تعالى:
{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ "48"} (سورة يونس)
هو يعطي الغني والكفاية لمن شاء من عباده على ما اقتضته حكمته سبحانه، وسبقت به مشيئته، فهو الذي يعطي السائلين سؤالهم. قال تعالى:
{وَآَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ "34"} (سورة إبراهيم)
والمغني الحق هو الذي لا حاجة له إلي أحد من الخلق أصلاً. ومن عرف أن الله تعالى هو الغني .. استغنى بالاعتماد عليه، قال تعالى:
{وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى "8"} (سورة الضحى){يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ"28"} (سورة التوبة){يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ"15"} (سورة فاطر)
هو المستغني عن كل ما سواه، والمفتقر إليه كل ما عداه، فلا يحتاج إلي شيء: لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله.

أبو عادل
12 / 03 / 2010, 33 : 07 PM
المانع.

قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لم منعت"
هو الذي يمنع البلاء حفظاً وعناية، ويمنع العطاء عمن يشاء ابتلاء وحماية، وهو الذي يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن يحب. وهذا الاسم لم يرد في القرآن الكريم، لكنه مجمع عليه، فقد ذكر في كل منن رواية الوليد، ورواية زهير في الحديث النبوي الشريف،
وجاء في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول دبر كل صلاة مكتوبة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"
وسبحان الذي يرد أسباب الهلاك والنقصان في الأديان والأبدان بما يخالفه من أسباب الحفظ، ومن فهم معنى (الحفيظ) فهم معنى (المانع). والمنع إرادة الحفظ، وقد يكون الحفظ إرادة المنع. وكل حافظ مانع، وليس كل مانع حافظاً، إلا إذا كان مانعاً مطلقاً لجميع الأسباب المهلكة. يقول الحق سبحانه وتعالى:
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"107"} (سورة يونس)
ويقول الإمام العارف في حكمة له: ذل البلاء خير من عزة النعماء: لأنك في ذلك البلوى تذكره وتلجأ إليه وعند عز النعمة قد تطغى، فإن ذكرته عند البلوى رفعها عنك، وإن شكرته عند النعمة زادك، بدليل قول تعالى:
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ "7"} (سورة إبراهيم).

أبو عادل
20 / 03 / 2010, 56 : 07 PM
الضار ـ النافع

قال تعالى:
{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ.."49"} (سورة يونس){قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ.."188"} (سورة الأعراف)
هو الذي يصيب من يشاء من عباده برحمته، وهو الذي يملك الضر والنفع وهو على كل شيء قدير، وقد يكون من الضر نفع، أو نوع من أنواع العلاج للذين هم بربهم لا يشركون. يقول الله سبحانه وتعالى:
{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ "53"} (سورة النحل){ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ "54"} (سورة النحل) .
{وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ "33"} (سورة الروم)
وهو الذي يبده أسباب كل شيء مسخرات بأمره، وليس بضارهم شيئاً إلا بإذن الله، واكبر دليل على ذلك قصة إبراهيم عليه السلام.
أولاً: بأن السكين لا تقطع بنفسها في ولده إسماعيل.
ثانياً: بأن النار لا تحرق بنفسها، بل كانت برداً وسلاماً على إبراهيم بأمر الله، اللهم إنا لا نسألك رد القضاء، بل نسألك اللطف فيه، في الدنيا ويوم القيامة.
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ "185"} (سورة آل عمران){قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ "188"} (سورة الأعراف){قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ "49"} (سورة يونس)
الحمد لله الذي لا يضر مع أسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم. تحصنت بذي العزة والجبروت، واعتصمت برب الملكوت، وتوكلت على الحي الذي لا يموت، اصرف عنا الأذى، إنك على كل شيء قدير.

أبو عادل
25 / 03 / 2010, 41 : 05 PM
النور

قال تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.. "35"} (سورة النور)
هو الذي نور قلوب الصادقين بتوحيده، وهو الذي نور السماوات والأرض بما خلق فيهما من الأنوار. قال ابن عباس: (النور) الهادي الرشيد، الذي يرشده بهدايته ن يشاء فيبين له الحق ويلهمه اتباعه. وقال الحليمي: هو الهادي لا يعلم العابد إلا ما علمهم، ولا يدركون إلا ما يسرهم إدراكه، فالحواس والعقل فطرته، وخلقه وعطيته. وقيل "النور" الظاهر الذي ظهر كل الظهور، فإن الظاهر في ذاته المظهر لغيره سمى نوراً، فهو مظهر لكل شيء، ولكل موجود بإخراجه من العدم إلي الوجود.
وقيل: هو الذي منه النور، والعرب تسمي من منه الشيء باسم ذلك الشيء.
وقيل: هو خالق الأنوار.
سأل ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم: "هل رأيت ربك ليلة أسرى بك؟ قال: "نور أني أراه". وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء بالغدو، عند ظهور أول النهار، وهو صلاة الفجر:
"اللهم اجعل لي نوراً في قلبي، ونوراً في قبري نوراً في سمعي، ونوراً في بصري، ونوراً في شعري، ونوراً في بشري، ونوراً في لحمي، ونوراً في دمي، ونوراً في عظامي، ونوراً من بين يدي، ونوراً من خلفي، ونوراً من يميني، ونوراً من شمالي، ونوراً من فوقي، ونوراً من تحتي، اللهم زدني نوراً واعطني نوراً، واجل لي نوراً"
ولنتدبر آية النور من سورة النور. قال تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "35"} (سورة النور)
وقد قال ابن عباس رضي الله عنه قوله:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. "35"} (سورة النور)
يقول سبحانه وتعالى: هادي أهل السماوات والأرض مثل نوره: مثل هداه في قلب المؤمن، كما يكاد الزيت الصافي "كذلك" يضيء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته النار، ازداد ضوء، كذلك يكون قلب المؤمن يعمل الهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا أتاه العلم، ازداد هدى على هدى، ونوراً على نور، وما يعلم تأويله إلا الله .. ومن يجعل الله له نوراً فما له من نور.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله أناساً، ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله. قالوا: أخبرنا بهم يا رسول الله. قال: هم قوم تحابوا بروح الله، على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس
وقرأ هذه الآية:
{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ "62"} (سورة يونس).

المصدر. (http://www.nourallah.com/allah-names.asp?النور=0&c=2&articleid=6029)

أبو عادل
27 / 03 / 2010, 26 : 05 PM
الهادي.

قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا "31"} (سورة الفرقان)
هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهو الذي هدى ما خلق لما أراد منه في دينه ودنياه، وجميع أمره. وهو المرشد لعباده، وهو الذي دل المؤمنين إلي الدين الحق، وهو الذي يهدي القلوب إلي معرفته، والنفوس إلي طاعته، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، وإن الهادي هو الله. وقد
ورد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت "عائشة" رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة إذا قام من الليل؟ قالت:
"كان إذا قام من الليل افتتح الصلاة بـ"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من يشاء إلي صراط مستقيم"
وقد ذكر "الهادي" سبحانه بلفظ الاسم مرتين في القرآن الكريم:
{وإن الله لهاد الذين آمنوا إلي صراط مستقيم "54"} (سورة الحج)
"اللهم إنا نسألك أن تهدينا إلي الصراط المستقيم"
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا "31"} (سورة الفرقان)
يقول الحق سبحانه:
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. "43"} (سورة الأعراف)
لأن الله لو لم ينزل منهجاً لما استقامت حركة حياتنا، ولما وصلنا إلي الجنة، ولذلك فنحن نحمد الله على أنه شرع لن ما جعلنا نصل إلي هذا النعيم، ويقول الحق جل جلاله:
{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. "43"} (سورة الأعراف)
تحدثنا عنها فقلنا: إن الهداية هي أقصر الطرق الموصلة إلي الغاية، وأن لله هداية ودلالة ومعونة، وهو أن يدلنا على الطريق المستقيم، أي دلنا على أقصر الطرق التي توصلنا للنعيم، وهناك هداية معونة، وهي أن يعين الله من أمن به على طريق الإيمان. والهداية من الله وحده، لأن البشر أنفسهم لا يعرفون الغاية التي خلقوا من أجلها، والذي يدلهم على هذا الطريق هو الله سبحانه وتعالى، وكل شيء في هذا الكون مصنوع لغاية.
إذن: فالذين يشرعون لأنفسهم أو لغيرهم ضالون، بدليل أن التشريعات البشرية تتغير وتتبدل كل يوم، لماذا؟ لأن الإنسان علمه محدود، فساعة شرع عرف أشياء وغابت عنه أشياء، ولكن إذا شرع الله فلا يغيب عنه شيء. إذن: فقول الحق سبحانه وتعالى:
{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. "43"} (سورة الأعراف)
معناها أننا ما كنا نعرف الطريق إلي الجنة لولا أن هدانا الله إليه وبينه لنا، كيف؟
{لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ .. "43"} (سورة الأعراف)
لأن الله لا يخاطب أحداً مباشرة. إذن: فلابد من رسل ليبينوا لنا الطريق. وأنت إذا كنت ذاهباً إلي طريق تسأل عنه، فيقول لك إنسان: تأخذ الاتجاه الفلاني، وتستريح في المكان الفلاني إلي آخره، فإذا وجدت الطريق كما قال لك نقول: صدق الرجل وقال حقاً والرسل الذين أرسلهم الله لنا بالمنهج دلونا على الطريق، وعندما مشينا فيه قادنا إلي الجنة، وهم قد قالوا لنا حقاً ولم يكذبوا علينا.
يقول الحق سبحانه:
{ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "86"} (سورة آل عمران)
إننا نرى هذا التعجب الجميل، فالحق سبحانه يقول (قولوا لنا كيف نهدي قوماً كفروا بعد الإيمان) ولو لم يكونوا قد أعلنوا الإيمان من قبل لقلنا: إنهم لم يذوقوا حلاوة الإيمان، لكن الذي آمن وذاق حلاوة الإيمان، ما الذي جعله يذهب إلي الكفر ثانية بعد أن أدرك حلاوة الإيمان؟ إنه التمرد المركب، فلو لم يكن قد آمن من قبل لقلنا: إنه لم يذق من قبل حلاوة الإيمان.
وقد يقول قائل: مادام الله لم يهدهم فما ذنبهم؟ نقول لمثل هذا القائل: إنك يجب أن تتذكر ما نكرره دائما لتتضح القضية في الذهن؛ لأنها قضية شائكة خاصة عند غير الملتزمين، الذين يقول الواحد منهم "إن الله لم يرد هدايتي، فماذا افعل أنا؟".

المصدر. (http://www.nourallah.com/allah-names.asp?الهادي=0&c=2&articleid=6030)

أبو عادل
02 / 04 / 2010, 39 : 05 PM
الهادي.

قال تعالى:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا "31"} (سورة الفرقان)
هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وهو الذي هدى ما خلق لما أراد منه في دينه ودنياه، وجميع أمره. وهو المرشد لعباده، وهو الذي دل المؤمنين إلي الدين الحق، وهو الذي يهدي القلوب إلي معرفته، والنفوس إلي طاعته، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، وإن الهادي هو الله. وقد
ورد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت "عائشة" رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة إذا قام من الليل؟ قالت:
"كان إذا قام من الليل افتتح الصلاة بـ"اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من يشاء إلي صراط مستقيم"
وقد ذكر "الهادي" سبحانه بلفظ الاسم مرتين في القرآن الكريم:
{وإن الله لهاد الذين آمنوا إلي صراط مستقيم "54"} (سورة الحج)
"اللهم إنا نسألك أن تهدينا إلي الصراط المستقيم"
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا "31"} (سورة الفرقان)
يقول الحق سبحانه:
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. "43"} (سورة الأعراف)
لأن الله لو لم ينزل منهجاً لما استقامت حركة حياتنا، ولما وصلنا إلي الجنة، ولذلك فنحن نحمد الله على أنه شرع لن ما جعلنا نصل إلي هذا النعيم، ويقول الحق جل جلاله:
{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. "43"} (سورة الأعراف)
تحدثنا عنها فقلنا: إن الهداية هي أقصر الطرق الموصلة إلي الغاية، وأن لله هداية ودلالة ومعونة، وهو أن يدلنا على الطريق المستقيم، أي دلنا على أقصر الطرق التي توصلنا للنعيم، وهناك هداية معونة، وهي أن يعين الله من أمن به على طريق الإيمان. والهداية من الله وحده، لأن البشر أنفسهم لا يعرفون الغاية التي خلقوا من أجلها، والذي يدلهم على هذا الطريق هو الله سبحانه وتعالى، وكل شيء في هذا الكون مصنوع لغاية.
إذن: فالذين يشرعون لأنفسهم أو لغيرهم ضالون، بدليل أن التشريعات البشرية تتغير وتتبدل كل يوم، لماذا؟ لأن الإنسان علمه محدود، فساعة شرع عرف أشياء وغابت عنه أشياء، ولكن إذا شرع الله فلا يغيب عنه شيء. إذن: فقول الحق سبحانه وتعالى:
{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ .. "43"} (سورة الأعراف)
معناها أننا ما كنا نعرف الطريق إلي الجنة لولا أن هدانا الله إليه وبينه لنا، كيف؟
{لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ .. "43"} (سورة الأعراف)
لأن الله لا يخاطب أحداً مباشرة. إذن: فلابد من رسل ليبينوا لنا الطريق. وأنت إذا كنت ذاهباً إلي طريق تسأل عنه، فيقول لك إنسان: تأخذ الاتجاه الفلاني، وتستريح في المكان الفلاني إلي آخره، فإذا وجدت الطريق كما قال لك نقول: صدق الرجل وقال حقاً والرسل الذين أرسلهم الله لنا بالمنهج دلونا على الطريق، وعندما مشينا فيه قادنا إلي الجنة، وهم قد قالوا لنا حقاً ولم يكذبوا علينا.
يقول الحق سبحانه:
{ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "86"} (سورة آل عمران)
إننا نرى هذا التعجب الجميل، فالحق سبحانه يقول (قولوا لنا كيف نهدي قوماً كفروا بعد الإيمان) ولو لم يكونوا قد أعلنوا الإيمان من قبل لقلنا: إنهم لم يذوقوا حلاوة الإيمان، لكن الذي آمن وذاق حلاوة الإيمان، ما الذي جعله يذهب إلي الكفر ثانية بعد أن أدرك حلاوة الإيمان؟ إنه التمرد المركب، فلو لم يكن قد آمن من قبل لقلنا: إنه لم يذق من قبل حلاوة الإيمان.
وقد يقول قائل: مادام الله لم يهدهم فما ذنبهم؟ نقول لمثل هذا القائل: إنك يجب أن تتذكر ما نكرره دائما لتتضح القضية في الذهن؛ لأنها قضية شائكة خاصة عند غير الملتزمين، الذين يقول الواحد منهم "إن الله لم يرد هدايتي، فماذا افعل أنا؟".

المصدر. (http://www.nourallah.com/allah-names.asp?الهادي=0&c=2&articleid=6030)

أبو عادل
10 / 04 / 2010, 48 : 12 PM
البديع.
قال تعالى:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ "101"} (سورة الأنعام)
هو الخالق البديع في ذاته، ولا يماثله أحد في صفاته، ولا في حكم من أحكامه، أو أمر من أوامره. فهو البديع المطلق الذي أبدع الخلق من غير مثال سبق، وهو الذي أظهر عجائب صنعته وغرائب حكمته، يقال: هذا شيء بديع إذا كان عديم المثل، وفي اللغة "بادع" أي: أبدع الشيء، والله بديع السماوات والأرض أي "مبتدعها"، وشيء "بدع" بكسر أي مبتدع، ومنه قوله تعالى:
{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ "9" } (سورة الأحقاف)
أي: ما أنا بأول رسول جاء بالتوحيد، وذلك بأن البدع والبديع هو الذي لم يسبق له مثيل. عندما نتأمل عظمة الحق سبحانه نجد أنه يخلق كل خلقه بلا تماثل، فمنذ أن خلق الله آدم وحواء وإلي أن تقوم الساعة لن نجد إنساناً يشبه إنساناً آخر، لا في الشكل ولا في المضمون، وذلك دليل على طلاقة القدرة وسعة القوالب عند الحق. إن الله يجمعنا في المعنى العام بأن يكون كل منا إنساناً، لكن هل رأى أحد إنساناً يتشابه مع إنسان آخر، ولو في بصمة اليد؟
إذن: فعندما يعلمنا الحق سبحانه أنه بديع السماوات والأرض، وأن كل شيء له خاضع، فلنا أن نقول بخشوع الإيمان: سبحان الله مالك الملك الخالق الأكرم. ويبرز لنا الحق سبحانه طلاقة قدرته في قوله الكريم:
{ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)"} (سورة الروم)
إن الحق سبحانه منزه عن أن يكون له مثيل، ذلك أنه وحده له الحمد من كل الوجود، هو الذي يخرج من الكائن الحي أشياء لا حياة فيها، ويحيى الأرض بالنبات بعد جفافها، وخلق الإنسان من تراب، وجعل من التراب بشراً متفرقين في الأرض يعملون في الكون الموهوب لهم من الله. ومن دلائل عظمته أنه خلق للإنسان أزواجاً من نوع الإنسان، وإن اختلف الذكر عن الأنثى، يتزوج الذكر الأنثى، وتتزوج الأنثى الذكر، على أساس من المودة والتراحم.
وفي ذلك دلائل لقوم يتأملون بالفكر بديع صنع الله في خلق السماوات والأرض، واختلاف ألوان البشر، وتباين ألسنتهم، وفي ذلك من الدلائل ما ينتفع به أهل العلم والفهم، إن من طلاقة قدرة الحق في إيجاد البشر أنهم مختلفون على كثرتهم التي لا تعد ولا تحصى، منذ خلق الله آدم إلي قيام الساعة، فلو جمعنا الناس جميعاً فلن نجد واحداً يطابق الآخر في أصله أو صورته، إنها دقة الحكمة في الإبراز في صور متعددة، تعطي القدرة. وبعد أن يموت الإنسان، وتتفرق العناصر في التراب يذهب كل عنصر إلي نظيره، ثم يأتي البعث ليجمعنا إنها دقة الحكمة والإبراز والإيجاد بهذا القدر من الاختلاف.
يقول الحق:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ "117"} (سورة البقرة)
إنها دقة حكمته في بديع صنعه لهذا الكون: يقول الحق:
{بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"101"} (سورة الأنعام)
وقال في آياته:
{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "57"} (سورة غافر)
أي: إذا كنت ترى في نفسك عجائب كثيرة من خلق الله، وإذا كان العلم التشريحي، أو علم وظائف الأعضاء يعطينا كل يوم سراً في جسد الإنسان نتعجب له، فخلق السماوات والأرض أعجب من ذلك؛ لأنه أول إيجاد من عدم، وإيجاد بديع.
أي: أنه من غير مثال سبقه، أي: أنه في معظم الأشياء يجب أن يوضع ماكيت أولاً، وتكون هناك مقاسات وقياسات وتعديلات إلي آخره، ولكن الخلق تم بكلمة (كن) في عملية غاية في الدقة، خلقت كلها في وقت واحد، والأرض كما نعرف كوكب من كواكب الشمس. وكانوا قديماً يقولون: إن توابع الشمس سبعة، وخدع في ذلك كثير من المفكرين، فقالوا: إنها السماوات السبع، ثم بعد ذلك اكتشفت كواكب جديدة، حتى أصبح عددها الآن عشرة، وهذه كلها زينة السماء الدنيا، وفي السماء ملايين المجموعات الشمسية، وكلما تقدم العلم رأينا أشياء لم نكن نراها، خلق بديع في مسافات هائلة. لذلك قال الحق:
{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ "47"} (سورة الذاريات)
وهذا الكون المعجز خلقه الله بقدرته الذاتية الفائقة.

أبو عادل
25 / 04 / 2010, 52 : 06 PM
الرشيد

قال تعالى:
{إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا "10"} (سورة الكهف)
هو ربي الرشيد المرشد، ملهم الرشد لأهل طاعته، وهو الذي أرشد الخلائق إلي هدايته، ذو الحبل الشديد والأمر الرشيد. قال الحليمي رحمه الله: "الرشيد" هو المرشد سبحانه ومعناه: الدال على المصالح والصالح والداعي إليهما، وهذا من قوله تعالى:
{وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا "10"} (سورة الكهف)
وقال عز وجل:
{وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا "17"} (سورة الكهف)
فإن مهيء الرشد مرشدا أي هاد، والرشد هو الصلاح، وهو الاستقامة، وهو خلاف الغي والضلال.
ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسألك رحمة من عندك، تهدي بها قلبي، وتجمع بها شملي، وتلم بها شعثي وترد بها الفتن عني، وتصلح بها ديني، وتحفظ بها غايتي، وترفع بها شاهدي، وتزكي بها عملي، وتبيض بها وجهي، وتلهمني بها رشدي، وتعصمني بها من كل سوء"
إلي أن يقول صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء:
"اللهم هذا الدعاء، وعليك الإجابة، وهذا الجهد عليك. وعليك التكلان. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ذي الحبل الشديد، والأمر الرشيد.

أبو عادل
25 / 04 / 2010, 54 : 06 PM
الصبـور

قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "200"} (سورة آل عمران)
هو الصبور الذي يملي ويمهل، وينظر ولا يعجل ولا يعاجل، ولا يسارع إلي الفعل قبل أوانه، وينزل الأمر بقدر معلوم، ولا يؤخره عن أجله. وربما كان معنى الصبور هو الذي يسقط العقوبة بعد وجوبها .. وقد يطلق على من يؤخرها، فيكون كالحليم الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه. وقد يكون معناه: ملهم الصبر لجميع خلقه. وفي اللغة: الصبر حبس النفس عن الجزع، وبابه ضرب، قال تعالى:
{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا .. "28"} (سورة الكهف)
"واصبر نفسك" أي: احبسها: يقال: صبره أي حبسه،
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم في رجل أمسك رجلاً وقلته آخر قال: "اقتلوا القاتل، واصبروا الصابر"
أي: احبسوا الذي حبسه للموت حتى يموت. ويقال: هو صبير القوم. للذي يصبر لهم، ومعهم في أمورهم، وهو صبور ومصطبر ومتصبر. ويقال: استصبر الشيء إذا اشتد، ويقال: اصطبرت منه أي: اقتصصت وفي حديث عثمان: "هذه يدي لعمار فليصطبر" وأصبرني القاضي: أقصني.
والحديث "سدرة المنتهى صبر الجنة" أي: أعلاها. ولنتدبر القرآن الكريم في آياته:
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ "103" وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ "104" ) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ "105"} (سورة هود).