صقر الاسلام
07 / 02 / 2010, 16 : 12 AM
أعضاء ملتقانا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور غانم قدري الحمد أحد اعلام الامة الاسلامية والذي له اسهامات كبيرة ومؤثرة في علوم القرآن الكريم وفي فن التجويد .. قام بكتابة مذكراته الرائعة على حلقات تم وضعها في ملتقى اهل التفسير بالحاح من المشرف العام الدكتورعبدالرحمن بن معاضة الشهري الاستاذ المساعد بجامعة الملك سعود ورغبة منا في نشر مذكرات الدكتور غانم ليتم اطلاع اكبر عدد من الاعضاء فلقد طلب مني الاخ الفاضل فارس ان اقوم بوضعها هنا في ملتقى اهل العلم مع عدم اغفال ذكر مصدر هذه المذكرات الى اهلها حيث تم نشرها بصفة حصرية على ملتقى اهل التفسير ومن قام بوضعها هو الدكتور غانم قدري بنفسه وهو مما اعطى لهذه المذكرات الكثير من الوهج والابداع والتسلسل في الاحداث ولقد قام بوضع مقدمة هذه المذكرات الدكتور عبدالرحمن الشهري .. وسوف نقوم بوضعها تباعا ان شاء الله مبتدئين بسم الله ...
ذكريات غانم قدري الحمد
يوميات
الرحلةُ إلى مِصْرَ لدراسةِ الماجستير
الحلقة الأولى
تقديم
بقلم الدكتور عبد الرحمن الشهري
المشرف العام على ملتقى أهل التفسير ، والأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود
عرفتُ الدكتور غانم قدوري الحمد لأول مرة من خلال كتابه (رسم المصحف : دراسة لغوية تاريخية) عندما اشتريته عام 1414هـ(1994م) من أحد معارض الكتب في مدينة الرياض، وقد انتفعت بذلك الكتاب كثيراً. وأخذت بعدها أتتبع ما أجده من مؤلفات وتحقيقات له في المكتبات أو معارض الكتب. وفي السنوات العشر الأخيرة بدأت تنشر دار عمار في الأردن كتباً جديدة له، مثل كتابه (أبحاث في علوم القرآن) و تحقيقه لكتاب أبي عمرو الداني (التحديد في الإتقان والتجويد) وكتاب القرطبي (الموضح في علم التجويد) وغيرها من البحوث والتحقيقات .
وقد دفعني ذلك عام 1419هـ لكتابة مقالة عن جهود الدكتور غانم قدوري الحمد في علم التجويد ودراساته التجديدية فيه، على أن أقوم بنشرها في إحدى المجلات، غير أني لم أبعث بها لأي مجلة حينها، وبقيت محفوظةً على جهازي حتى أَسستُ (ملتقى أهل التفسير) أواخر عام 1423هـ ، فكانتْ هذه المقالةُ مِن أولِ ما نشرتهُ على صفحات الملتقى.
وقد اطلع على هذه المقالة محررو مجلة الفرقان الأردنية وهي مجلة تعنى بالشؤون القرآنية، فنشروها في العدد رقم (44) عام 1426هـ ، ورأيتُ العدد فيما بعدُ فإذا فيه صورة للدكتور غانم وضعها القائمون على المجلة. وقد اطلع الدكتور غانم على المقالة في المجلة ودفعه ذلك للاشتراك في ملتقى أهل التفسير، وراسلني حينها، ثم توثقت العلاقة بيننا بعد ذلك من خلال المكاتبات والمشاركات في ملتقى أهل التفسير طيلة السنوات السبع الماضية.
والمطالع لمؤلفات الدكتور غانم قدوري الحمد يلمس فيها الجدية العلمية، وحسن العرض، ومتانة المعلومة، كما يلمس الأدب الجم في تناول المسائل وعرضها ومناقشة المخالفين، وهو أدب رائع افتقدناه كثيراً في الآونة الأخيرة، وهو أدبٌ رائعٌ ثمينٌ ، ومِنْ أجودِ مَن يستحقُّ أنْ يُنسَج فيه على منواله الإمامُ محمد بن إدريس الشافعي في (الرسالة) و(الأم) وغيرها من مؤلفاته الرصينة، وقد زادت مؤلفات الدكتور غانم الحمد حتى الآن عن خمسين عملاً علمياً ما بين تأليف وتحقيقٍ تصبُّ كلُّها في خدمة علوم القرآن الكريم ولغته وتجويده وصوتياته، كما تتصل باللغة العربية بسبب لا يبعد عن خدمة القرآن الكريم .
والدكتور غانم قدوري الحمد ولد في تكريت سنة 1370هـ (1950م)، ودرس في المدارس الحكومية، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة الموصل وتخرج في قسم اللغة العربية سنة 1391هـ (1971م)، ثم التحق بدراسة الماجستير في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 1393هـ(1973م) . وهو في هذه اليوميات والذكريات يحكي لنا طرفاً من أخباره وقصته منذ اتخذ القرار بالسفر من مدينته التي عاش بها وهي مدينة بيجي العراقية ، إلى القاهرة بمصر لمواصلة دراسته العليا . وكيف انتقل من تلك المدينة العراقية الهادئة إلى القاهرة بأجوائها المليئة بالنشاط والحيوية .
وسوف تجدُ أيها القارئ في هذه المذكرات ما يدلُّك على حرص الدكتور غانم الحمد على وقته، وحسن استثماره في القراءة والاطلاع والاستعداد للدراسة والبحث بعزيمةٍ واجتهادٍ، وكيف تغلَّبَ على عقباتِ الغُربةِ وطلبِ العلمِ بالصَّبرِ والجدِّ والمواصلة، حتى أثمر ذلك أجملَ العواقب له شخصياً وللعلم الذي خدمه بعد ذلك.
وإنِّي لأجدها فرصةً سانحةً لإخواني طلابَ العلم الذين ما يزالون في بداية الطريق أن يستفيدوا من هذه المذكرات في الصبر والجلد على القراءة والبحث والتنقيب، واغتنام فرصة الشباب والمال والدَّعةِ في الاستزادة من العلم، وعدم الركون إلى اللهو وتضييع الأوقات الثمينة .
لقد دعوتُ الدكتور غانم الحمد إلى نشر مذكراته ليقيني بأنه سيفيد منها كثير من أمثالي ممن سيقرؤها، وقد تحقق ما كنت أرجوه بعد قراءتي لجزء من هذه المذكرات، وآمل أن تجد بقيةُ الأجزاءِ طريقها للنشر، والذي يعرف كتابات الدكتور غانم ومنهجيته العلمية الهادئة الرزينة يتوقُ إلى التعرف على هذه الشخصيةِ العلمية عن كثبٍ للإفادة من العوامل المؤثرة في تكوينه العلمي وصبغه بهذه الصبغة المتزنة في بحثها وكتابتها، وأرجو أن يجد طالبو المعرفة في هذه الذكريات شيئاً مما يتوقون له.
وقد لمستُ من خلال قراءتي لهذه المذكرات حرص الدكتور على الوقت، وحسن استثماره لوقته في القراءة والبحث مع ضيق ذات اليد وما أفضت إليه من صعوبات، كما لمستُ حسن خلقه ومراعاته لمشاعر الآخرين، ومبالغته في الاستعداد لكل الأمور. ولا شك أن من يملك مثل هذه الصفات فسوف ينجح في حياته، ويظفر بمطلوبه.
واليومَ بعد ما يقارب الأربعين عاماً من بدء تدوين هذه الذكريات قد تحقق من الإنجازات العلمية للدكتور غانم الحمد ما دفعنا في مركز تفسير دفعاً إلى أن نقول له باسم المتخصصين في الدراسات القرآنية : شكراً جزيلاً، وذلك في الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة في المدينة المنورة يوم الإثنين 23/10/1430هـ تقديراً لجهوده العلمية المتواصلة في خدمة البحث العلمي في حقل الدراسات القرآنية وما يتصل بها، ولو كان مركز تفسير يملك قدرةً على منحه جائزةً عالميةً ماديَّة لفعلنا، ولكنْ حسبه منَّا أنَّنا نحنُ الشريحةُ المستهدفة من بحوثه وكتبه قد أحببناه وانتفعنا بكتبه أيما انتفاع وأحببنا أنْ نعبر له عن شكرنا وتقديرنا العميق لجهوده ومؤلفاته، ولعل صدق حبنا وعميق تقديرنا يفي بتقصيرنا في تكريمه، وهذا من النجاح الذي حققه في الدنيا، وللآخرة خيرٌ وأبقى بإذن الله، والله لا يضيع أجر المحسنين.
اللهم اغفر لعبدك غانم قدوري الحمد، واجزه عنا وعن العلم خير ما جزيت به عبادَك الصالحين العاملين .
د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود
المشرف العام على ملتقى أهل التفسير
11/1/1431هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن حياة الإنسان تمضي بلا توقف ، وقد لا يجد الإنسان فرصة للالتفات إلى الوراء لتأمل ما مر به من أحداث ، ومراجعة ما قام به من أعمال ، وقد تأتي تلك الفرصة لكن الذاكرة لا تسعفه بكثير من تفاصيل ما مر به ، فيستأنف مسيرته في ظل متطلبات الحياة المتتابعة ، حتى تحين ساعة مغادرته هذه الحياة ، فَتُطْوَى الصحف ، وتَنْدَرِسُ الآثار ، ويُفْضِي الإنسان إلى ما قَدَّمَ من عمل ، قد سُجِّلَ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
فإن أُتِيحَتْ للإنسان فرصة لتدوين بعض ما يمر به من أحداث أو يراه من مشاهد فإن مراجعة تلك المدونات قد تكون مبعث سلوة أو مصدر عبرة للإنسان إذا عاد إليها ، لاسيما إذا تقادم عليها الزمن ، وانمحى كثير من تفاصيلها من الذاكرة ، وقد يجد فيها الآخرون مثل ما يجد كاتبها إذا عاد إليها ، وقد يجدون فيها أشياء تجتذبهم لم تكن في حسبان كاتبها .
وكنتُ في سِنِيِّ حياتي الأولى في الجامعة أميل إلى كتابة يوميات بدأتْ بتسجيل أحوال الطقس ، وما ينزل من مطر ، أو يمر من موجات البرد أو الحر ، أو تسجيل رحلاتي من بلدتنا (بيجي) إلى مدينة الموصل للدراسة في جامعة الموصل والعودة إليها ، أو ذكر رحلة ترفيهية قمت بها مع مجموعة من الأصحاب إلى الجبل أو النهر ، أو تدوين خبر وفاة قريب ، أو نحو ذلك من أمور عامة أو خاصة ، وكانت هذه اليوميات لا تتجاوز بضع كلمات أُدَوِّنَها في مفكرة صغيرة من الحجم الصغير الذي يوضع في الجيب ، وأقْدَمُ مفكرة أحتفظ بها اليوم تعود إلى سنة (1968م = 1387-1388هـ) ، وهي تضم أيام الفصل الثاني من السنة الدراسية الأولى ، والفصل الأول من السنة الدراسية الثانية في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الموصل ، وقد مضى على تدوينها أربعون سنة ! كما أحتفظ بمفكرة سنة (1970م = 1389-1390هـ) ، وهي من الحجم الصغير لكن صفحاتها تبدو ممتلئة وموضوعاتها متنوعة .
ويبدو أن صفحات المفكرة الصغيرة لم تعد تتسع لما كنت أرغب بتدوينه في تلك اليوميات ، فاقتنيت المفكرة الكبيرة ، بدءاً من سنة 1972م ، وكانت المفكرات الصغيرة عرضة للضياع ، فلم يبق منها إلا اثنتان ، أما المفكرات الكبيرة فإنها بقيت كلها ، وبعضها أكثر صفحاتها مكتوبة ، وبعضها أكثر صفحاتها بيضاء ، وأكبر قدر أحتفظ به من يوميات الأيام الخالية هو ما كتبته بين سنة 1972م وسنة 1976م ، والسبب في ذلك هو أني عشت أكثر تلك الأيام وحيداً بعيداً عن الأهل ، والوحدة والغربة من أكثر ما يثير العواطف ويبعث الأشجان ، وقد يلجأ الإنسان إلى التعبير عن ذلك من خلال الكتابة ، أما في الأيام التي عشتها بين الأهل في دعة ، ثم في أسرتي التي تكونت سنة 1977م في ظل صخب الأطفال أو هموم متطلبات البيت فإني لم أكتب في هذه الأيام إلا القليل من اليوميات ، اللهم إلا في أيام الحروب التي حدثت في العراق ، خاصة بعد سنة 1991م ، فإنها كانت مثيرة لكتابة يوميات تلك الأيام العصيبة .
وكنت أرجع إلى تلك اليوميات في بعض ساعات الفراغ ، وأقرأ فيها ، وأستعيد بعض ذكريات تلك الأيام وأتأملها ، فتثير الشجن حيناً ، وتبعث الدهشة حيناً ، فأحمد الله تعالى على توفيقه ، وأشكره على جميل ستره ، ولم تحدثني نفسي بنشر تلك اليوميات ، لكن بعض المحبين الذين يعرفون بعض أخبارها كانوا يُزَيِّنُونَ لي إظهار بعضها ، ولم أُقْدِمْ على ذلك لشعوري أنها لا تستحق عناء طباعتها ونشرها وإشغال القراء بها ، وكنت قد أشرت إليها في آخر قائمة أعمالي المخطوطة التي أوردها أخي الفاضل الأستاذ عمار الخطيب في الترجمة المختصرة التي نشرها في ملتقى أهل التفسير في صيف سنة 2009م.
ويبدو أن تلك الإشارة لفتت نظر بعض الإخوة الذين قرؤوا الترجمة ، وكان الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري ، المشرف على ملتقى أهل التفسير ، أكثر الإخوة رغبة في إظهار تلك اليوميات ، وتوقع أن يكون فيها ما يمتع القارئ ويستهويه ، وأبدى استعداده للمساعدة في تهيئتها للنشر ، وقد يسر الله تنضيدها بالحاسبة ، وآمل أن يتحقق فيها ذلك الظن الحسن ، إن شاء الله.
ويتجاوز عدد المفكرات التي تضم تلك اليوميات خمس عشرة مفكرة ، مع بعض الكراسات الأخرى ، وهي بين كبيرة الحجم ومتوسطته ، وتتفاوت في ما هو مكتوب فيها ، فبعضها أكثر كتابة من بعض ، وقد لا يكون إخراج نسخة متسلسلة تاريخياً منها هو الصيغة المثلى لنشرها ، وقد يكون تصنيفها في موضوعات متجانسة أكثر ملاءمة لذلك ، ووجدت أنه يمكن إخراجها في عدة أجزاء حسب هذه الصيغة ، أهمها :
(1) الرحلة في البحث عن الطريق: (يوميات سنة 1972 حتى نهاية النصف الأول من سنة 1973م) ، وهي يوميات تحكي الأيام التي قضيتها بعد تخرجي من الكلية أبحث عن عمل مناسب للعيش ، وتقلبت فيها بين الجندية ، والبحث عن الوظيفة ، والعمل في شركة ، وانتهت بالسفر إلى مصر للدراسة .
(2) الرحلة إلى مصر لدراسة الماجستير ( يوميات النصف الثاني من سنة 1973م حتى آخر سنة 1976م ) ، وهي تحكي قصة سفري إلى القاهرة لدراسة الماجستير في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، وقد أقمت في القاهرة إقامة متواصلة طيلة ثلاث سنوات ، تخللتها زيارة الأهل في العراق في صيف سنة 1974م ، وقد تكللت تلك الرحلة بالحصول على شهادة الماجستير ، والعودة إلى العراق ، والحصول على وظيفة في كلية الشريعة بجامعة بغداد ، والحمد لله.
(3) يوميات على هامش الحرب ، وهي اليوميات التي كتبتها في أثناء أيام الحرب التي وقعت سنة 1973 بين العرب وإسرائيل ، والحرب التي جرت بين العراق وأمريكا في سنة 1991م ، وفي سنة 2003 ، وانتهت باحتلال العراق ، يَسَّرَ الله تحريره من المحتلين .
(4) مذكرات أسير ، وهي تحكي قصة ما حصل لي في أثناء اختطافي مع مجموعة من الأصدقاء سنة 1983م ، واعتقالي سنة 2003م.
(5) يوميات متفرقة ، لم تدخل في المجموعات السابقة ، وهي من سنوات شتى ، وموضوعاتها مختلفة .
(6) مجموعة رسائل شخصية ، فقد كنت أكتب مسودة الرسائل التي أرسلها في المفكرات التي أكتب فيها اليوميات ، قبل أن أكتبها في الورقة المبيضة التي أرسلها بالبريد لإخواني أو أقاربي أو أساتذتي أو أصدقائي ، وذلك قبل أن يظهر البريد الإلكتروني في السنوات الأخيرة ، وقد لا يكون مناسباً نشر هذه الرسائل ، لأن أكثر موضوعاتها شخصية ، ليست ذات قيمة أو أهمية للقارئ .
وبين يديك أخي القارئ المجموعة الثانية من اليوميات ، وهي تحكي قصة رحلتي للدراسة إلى مصر ، وتحكي قصة تأليف كتاب ( رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية ) وهو رسالة الماجستير التي تقدمت بها إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، وقد أبقيت تلك اليوميات على نحو ما كُتِبَتْ في المفكرات ، سوى أني أضفت إليها عناوين فرعية لكل يومية ، وقد يكون فيها ما يحتاج إلى مراجعة في الصياغة أو وضوح في الفكرة ، لكني أبقيتها على حالها لتكون معبرة بصدق عن حالي في تلك الأيام ، كما عشتها ، وكما كتبتها يوماً بيوم ، فقد اعتدت أن أكتب تلك المذكرات يومياً في الليل قبل النوم ، ولعل بعضها كُتِبَ في اليوم التالي ، لكن معظمها كتب في اليوم نفسه ، فهي يوميات وليست مذكرات ، وإن كانت تحمل في طياتها أعز الذكريات(1).
وحتى لا أخفي على القارئ شيئاً من أمر هذه اليوميات فإني لا أجد حرجاً من القول بأني قد حجبت بعض يوميات الرحلة ، وهي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، أو تزيد قليلاً ، دفعاً للحرج عني أو عن غيري ، وإن كانت تحكي أحداثاً وقعت ، أو تعبر عن مشاعر حقيقة حصلت ، لكني إذا كنت قد وجدت مسوغاً لتسجيلها حين وقعت فإني لا أجد مسوغاً لنشرها اليوم ، وهي مسجلة في صحائف أعمال من تعنيهم ، والله يغفر لنا ولهم .
وكتبتُ تعليقات موجزة على بعض المواضع في هذه اليوميات ، إذا وجدت ذلك يساعد القارئ على الوقوف على المراد فيها . ولا يخفى على القارئ أنه قد مضى على كتابة هذه اليوميات أكثر من خمس وثلاثين سنة ، تبدلت فيها الأحوال، وتغيرت فيها العوائد ، وتبدلت فيها المواقف ، فليس من الضروري أن يكون ما جاء في هذه اليوميات يعبر عن قناعتي اليوم كما عبر عنها في ذلك الوقت ، وأعتذر إلى من قد يجد فيها ما لا يرتاح إليه ، وأستغفر الله إن كنت قد جانبت الصواب في بعض ما كتبت ، ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .
وأود في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الجزيل والدعاء بالخير للأخ الأستاذ عمار الخطيب الذي أشار إلى هذه اليوميات ، ثم قرأها بعد طباعتها ، وللأخ الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري الذي شَجَّعَ على إخراجها ونشرها ، وتفضل بكتابة تقديم لها ، فاجعل اللهم لهما نصيباً من خيرها وأجرها ، واجعل تبعة ما فيها من تقصير على كاتبها ، واغفر اللهم لي ولوالدي – رحمهما الله - ولأخي المهندس سفر – رحمه الله - الذي كانت له الأيادي البيضاء عليَّ في توفير أسباب الرحلة المادية والمعنوية ، إنك أنت الغفور الرحيم .
غانم قدوري الحمد
تكريت - الجمعة
5/10/1430هـ
25/9/2009م
يتبع الحلقة الاولى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور غانم قدري الحمد أحد اعلام الامة الاسلامية والذي له اسهامات كبيرة ومؤثرة في علوم القرآن الكريم وفي فن التجويد .. قام بكتابة مذكراته الرائعة على حلقات تم وضعها في ملتقى اهل التفسير بالحاح من المشرف العام الدكتورعبدالرحمن بن معاضة الشهري الاستاذ المساعد بجامعة الملك سعود ورغبة منا في نشر مذكرات الدكتور غانم ليتم اطلاع اكبر عدد من الاعضاء فلقد طلب مني الاخ الفاضل فارس ان اقوم بوضعها هنا في ملتقى اهل العلم مع عدم اغفال ذكر مصدر هذه المذكرات الى اهلها حيث تم نشرها بصفة حصرية على ملتقى اهل التفسير ومن قام بوضعها هو الدكتور غانم قدري بنفسه وهو مما اعطى لهذه المذكرات الكثير من الوهج والابداع والتسلسل في الاحداث ولقد قام بوضع مقدمة هذه المذكرات الدكتور عبدالرحمن الشهري .. وسوف نقوم بوضعها تباعا ان شاء الله مبتدئين بسم الله ...
ذكريات غانم قدري الحمد
يوميات
الرحلةُ إلى مِصْرَ لدراسةِ الماجستير
الحلقة الأولى
تقديم
بقلم الدكتور عبد الرحمن الشهري
المشرف العام على ملتقى أهل التفسير ، والأستاذ المساعد في جامعة الملك سعود
عرفتُ الدكتور غانم قدوري الحمد لأول مرة من خلال كتابه (رسم المصحف : دراسة لغوية تاريخية) عندما اشتريته عام 1414هـ(1994م) من أحد معارض الكتب في مدينة الرياض، وقد انتفعت بذلك الكتاب كثيراً. وأخذت بعدها أتتبع ما أجده من مؤلفات وتحقيقات له في المكتبات أو معارض الكتب. وفي السنوات العشر الأخيرة بدأت تنشر دار عمار في الأردن كتباً جديدة له، مثل كتابه (أبحاث في علوم القرآن) و تحقيقه لكتاب أبي عمرو الداني (التحديد في الإتقان والتجويد) وكتاب القرطبي (الموضح في علم التجويد) وغيرها من البحوث والتحقيقات .
وقد دفعني ذلك عام 1419هـ لكتابة مقالة عن جهود الدكتور غانم قدوري الحمد في علم التجويد ودراساته التجديدية فيه، على أن أقوم بنشرها في إحدى المجلات، غير أني لم أبعث بها لأي مجلة حينها، وبقيت محفوظةً على جهازي حتى أَسستُ (ملتقى أهل التفسير) أواخر عام 1423هـ ، فكانتْ هذه المقالةُ مِن أولِ ما نشرتهُ على صفحات الملتقى.
وقد اطلع على هذه المقالة محررو مجلة الفرقان الأردنية وهي مجلة تعنى بالشؤون القرآنية، فنشروها في العدد رقم (44) عام 1426هـ ، ورأيتُ العدد فيما بعدُ فإذا فيه صورة للدكتور غانم وضعها القائمون على المجلة. وقد اطلع الدكتور غانم على المقالة في المجلة ودفعه ذلك للاشتراك في ملتقى أهل التفسير، وراسلني حينها، ثم توثقت العلاقة بيننا بعد ذلك من خلال المكاتبات والمشاركات في ملتقى أهل التفسير طيلة السنوات السبع الماضية.
والمطالع لمؤلفات الدكتور غانم قدوري الحمد يلمس فيها الجدية العلمية، وحسن العرض، ومتانة المعلومة، كما يلمس الأدب الجم في تناول المسائل وعرضها ومناقشة المخالفين، وهو أدب رائع افتقدناه كثيراً في الآونة الأخيرة، وهو أدبٌ رائعٌ ثمينٌ ، ومِنْ أجودِ مَن يستحقُّ أنْ يُنسَج فيه على منواله الإمامُ محمد بن إدريس الشافعي في (الرسالة) و(الأم) وغيرها من مؤلفاته الرصينة، وقد زادت مؤلفات الدكتور غانم الحمد حتى الآن عن خمسين عملاً علمياً ما بين تأليف وتحقيقٍ تصبُّ كلُّها في خدمة علوم القرآن الكريم ولغته وتجويده وصوتياته، كما تتصل باللغة العربية بسبب لا يبعد عن خدمة القرآن الكريم .
والدكتور غانم قدوري الحمد ولد في تكريت سنة 1370هـ (1950م)، ودرس في المدارس الحكومية، ثم التحق بكلية الآداب بجامعة الموصل وتخرج في قسم اللغة العربية سنة 1391هـ (1971م)، ثم التحق بدراسة الماجستير في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة سنة 1393هـ(1973م) . وهو في هذه اليوميات والذكريات يحكي لنا طرفاً من أخباره وقصته منذ اتخذ القرار بالسفر من مدينته التي عاش بها وهي مدينة بيجي العراقية ، إلى القاهرة بمصر لمواصلة دراسته العليا . وكيف انتقل من تلك المدينة العراقية الهادئة إلى القاهرة بأجوائها المليئة بالنشاط والحيوية .
وسوف تجدُ أيها القارئ في هذه المذكرات ما يدلُّك على حرص الدكتور غانم الحمد على وقته، وحسن استثماره في القراءة والاطلاع والاستعداد للدراسة والبحث بعزيمةٍ واجتهادٍ، وكيف تغلَّبَ على عقباتِ الغُربةِ وطلبِ العلمِ بالصَّبرِ والجدِّ والمواصلة، حتى أثمر ذلك أجملَ العواقب له شخصياً وللعلم الذي خدمه بعد ذلك.
وإنِّي لأجدها فرصةً سانحةً لإخواني طلابَ العلم الذين ما يزالون في بداية الطريق أن يستفيدوا من هذه المذكرات في الصبر والجلد على القراءة والبحث والتنقيب، واغتنام فرصة الشباب والمال والدَّعةِ في الاستزادة من العلم، وعدم الركون إلى اللهو وتضييع الأوقات الثمينة .
لقد دعوتُ الدكتور غانم الحمد إلى نشر مذكراته ليقيني بأنه سيفيد منها كثير من أمثالي ممن سيقرؤها، وقد تحقق ما كنت أرجوه بعد قراءتي لجزء من هذه المذكرات، وآمل أن تجد بقيةُ الأجزاءِ طريقها للنشر، والذي يعرف كتابات الدكتور غانم ومنهجيته العلمية الهادئة الرزينة يتوقُ إلى التعرف على هذه الشخصيةِ العلمية عن كثبٍ للإفادة من العوامل المؤثرة في تكوينه العلمي وصبغه بهذه الصبغة المتزنة في بحثها وكتابتها، وأرجو أن يجد طالبو المعرفة في هذه الذكريات شيئاً مما يتوقون له.
وقد لمستُ من خلال قراءتي لهذه المذكرات حرص الدكتور على الوقت، وحسن استثماره لوقته في القراءة والبحث مع ضيق ذات اليد وما أفضت إليه من صعوبات، كما لمستُ حسن خلقه ومراعاته لمشاعر الآخرين، ومبالغته في الاستعداد لكل الأمور. ولا شك أن من يملك مثل هذه الصفات فسوف ينجح في حياته، ويظفر بمطلوبه.
واليومَ بعد ما يقارب الأربعين عاماً من بدء تدوين هذه الذكريات قد تحقق من الإنجازات العلمية للدكتور غانم الحمد ما دفعنا في مركز تفسير دفعاً إلى أن نقول له باسم المتخصصين في الدراسات القرآنية : شكراً جزيلاً، وذلك في الحفل الذي أقيم بهذه المناسبة في المدينة المنورة يوم الإثنين 23/10/1430هـ تقديراً لجهوده العلمية المتواصلة في خدمة البحث العلمي في حقل الدراسات القرآنية وما يتصل بها، ولو كان مركز تفسير يملك قدرةً على منحه جائزةً عالميةً ماديَّة لفعلنا، ولكنْ حسبه منَّا أنَّنا نحنُ الشريحةُ المستهدفة من بحوثه وكتبه قد أحببناه وانتفعنا بكتبه أيما انتفاع وأحببنا أنْ نعبر له عن شكرنا وتقديرنا العميق لجهوده ومؤلفاته، ولعل صدق حبنا وعميق تقديرنا يفي بتقصيرنا في تكريمه، وهذا من النجاح الذي حققه في الدنيا، وللآخرة خيرٌ وأبقى بإذن الله، والله لا يضيع أجر المحسنين.
اللهم اغفر لعبدك غانم قدوري الحمد، واجزه عنا وعن العلم خير ما جزيت به عبادَك الصالحين العاملين .
د. عبد الرحمن بن معاضة الشهري
الأستاذ المساعد بجامعة الملك سعود
المشرف العام على ملتقى أهل التفسير
11/1/1431هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد
فإن حياة الإنسان تمضي بلا توقف ، وقد لا يجد الإنسان فرصة للالتفات إلى الوراء لتأمل ما مر به من أحداث ، ومراجعة ما قام به من أعمال ، وقد تأتي تلك الفرصة لكن الذاكرة لا تسعفه بكثير من تفاصيل ما مر به ، فيستأنف مسيرته في ظل متطلبات الحياة المتتابعة ، حتى تحين ساعة مغادرته هذه الحياة ، فَتُطْوَى الصحف ، وتَنْدَرِسُ الآثار ، ويُفْضِي الإنسان إلى ما قَدَّمَ من عمل ، قد سُجِّلَ في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
فإن أُتِيحَتْ للإنسان فرصة لتدوين بعض ما يمر به من أحداث أو يراه من مشاهد فإن مراجعة تلك المدونات قد تكون مبعث سلوة أو مصدر عبرة للإنسان إذا عاد إليها ، لاسيما إذا تقادم عليها الزمن ، وانمحى كثير من تفاصيلها من الذاكرة ، وقد يجد فيها الآخرون مثل ما يجد كاتبها إذا عاد إليها ، وقد يجدون فيها أشياء تجتذبهم لم تكن في حسبان كاتبها .
وكنتُ في سِنِيِّ حياتي الأولى في الجامعة أميل إلى كتابة يوميات بدأتْ بتسجيل أحوال الطقس ، وما ينزل من مطر ، أو يمر من موجات البرد أو الحر ، أو تسجيل رحلاتي من بلدتنا (بيجي) إلى مدينة الموصل للدراسة في جامعة الموصل والعودة إليها ، أو ذكر رحلة ترفيهية قمت بها مع مجموعة من الأصحاب إلى الجبل أو النهر ، أو تدوين خبر وفاة قريب ، أو نحو ذلك من أمور عامة أو خاصة ، وكانت هذه اليوميات لا تتجاوز بضع كلمات أُدَوِّنَها في مفكرة صغيرة من الحجم الصغير الذي يوضع في الجيب ، وأقْدَمُ مفكرة أحتفظ بها اليوم تعود إلى سنة (1968م = 1387-1388هـ) ، وهي تضم أيام الفصل الثاني من السنة الدراسية الأولى ، والفصل الأول من السنة الدراسية الثانية في قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة الموصل ، وقد مضى على تدوينها أربعون سنة ! كما أحتفظ بمفكرة سنة (1970م = 1389-1390هـ) ، وهي من الحجم الصغير لكن صفحاتها تبدو ممتلئة وموضوعاتها متنوعة .
ويبدو أن صفحات المفكرة الصغيرة لم تعد تتسع لما كنت أرغب بتدوينه في تلك اليوميات ، فاقتنيت المفكرة الكبيرة ، بدءاً من سنة 1972م ، وكانت المفكرات الصغيرة عرضة للضياع ، فلم يبق منها إلا اثنتان ، أما المفكرات الكبيرة فإنها بقيت كلها ، وبعضها أكثر صفحاتها مكتوبة ، وبعضها أكثر صفحاتها بيضاء ، وأكبر قدر أحتفظ به من يوميات الأيام الخالية هو ما كتبته بين سنة 1972م وسنة 1976م ، والسبب في ذلك هو أني عشت أكثر تلك الأيام وحيداً بعيداً عن الأهل ، والوحدة والغربة من أكثر ما يثير العواطف ويبعث الأشجان ، وقد يلجأ الإنسان إلى التعبير عن ذلك من خلال الكتابة ، أما في الأيام التي عشتها بين الأهل في دعة ، ثم في أسرتي التي تكونت سنة 1977م في ظل صخب الأطفال أو هموم متطلبات البيت فإني لم أكتب في هذه الأيام إلا القليل من اليوميات ، اللهم إلا في أيام الحروب التي حدثت في العراق ، خاصة بعد سنة 1991م ، فإنها كانت مثيرة لكتابة يوميات تلك الأيام العصيبة .
وكنت أرجع إلى تلك اليوميات في بعض ساعات الفراغ ، وأقرأ فيها ، وأستعيد بعض ذكريات تلك الأيام وأتأملها ، فتثير الشجن حيناً ، وتبعث الدهشة حيناً ، فأحمد الله تعالى على توفيقه ، وأشكره على جميل ستره ، ولم تحدثني نفسي بنشر تلك اليوميات ، لكن بعض المحبين الذين يعرفون بعض أخبارها كانوا يُزَيِّنُونَ لي إظهار بعضها ، ولم أُقْدِمْ على ذلك لشعوري أنها لا تستحق عناء طباعتها ونشرها وإشغال القراء بها ، وكنت قد أشرت إليها في آخر قائمة أعمالي المخطوطة التي أوردها أخي الفاضل الأستاذ عمار الخطيب في الترجمة المختصرة التي نشرها في ملتقى أهل التفسير في صيف سنة 2009م.
ويبدو أن تلك الإشارة لفتت نظر بعض الإخوة الذين قرؤوا الترجمة ، وكان الأخ الدكتور عبد الرحمن الشهري ، المشرف على ملتقى أهل التفسير ، أكثر الإخوة رغبة في إظهار تلك اليوميات ، وتوقع أن يكون فيها ما يمتع القارئ ويستهويه ، وأبدى استعداده للمساعدة في تهيئتها للنشر ، وقد يسر الله تنضيدها بالحاسبة ، وآمل أن يتحقق فيها ذلك الظن الحسن ، إن شاء الله.
ويتجاوز عدد المفكرات التي تضم تلك اليوميات خمس عشرة مفكرة ، مع بعض الكراسات الأخرى ، وهي بين كبيرة الحجم ومتوسطته ، وتتفاوت في ما هو مكتوب فيها ، فبعضها أكثر كتابة من بعض ، وقد لا يكون إخراج نسخة متسلسلة تاريخياً منها هو الصيغة المثلى لنشرها ، وقد يكون تصنيفها في موضوعات متجانسة أكثر ملاءمة لذلك ، ووجدت أنه يمكن إخراجها في عدة أجزاء حسب هذه الصيغة ، أهمها :
(1) الرحلة في البحث عن الطريق: (يوميات سنة 1972 حتى نهاية النصف الأول من سنة 1973م) ، وهي يوميات تحكي الأيام التي قضيتها بعد تخرجي من الكلية أبحث عن عمل مناسب للعيش ، وتقلبت فيها بين الجندية ، والبحث عن الوظيفة ، والعمل في شركة ، وانتهت بالسفر إلى مصر للدراسة .
(2) الرحلة إلى مصر لدراسة الماجستير ( يوميات النصف الثاني من سنة 1973م حتى آخر سنة 1976م ) ، وهي تحكي قصة سفري إلى القاهرة لدراسة الماجستير في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، وقد أقمت في القاهرة إقامة متواصلة طيلة ثلاث سنوات ، تخللتها زيارة الأهل في العراق في صيف سنة 1974م ، وقد تكللت تلك الرحلة بالحصول على شهادة الماجستير ، والعودة إلى العراق ، والحصول على وظيفة في كلية الشريعة بجامعة بغداد ، والحمد لله.
(3) يوميات على هامش الحرب ، وهي اليوميات التي كتبتها في أثناء أيام الحرب التي وقعت سنة 1973 بين العرب وإسرائيل ، والحرب التي جرت بين العراق وأمريكا في سنة 1991م ، وفي سنة 2003 ، وانتهت باحتلال العراق ، يَسَّرَ الله تحريره من المحتلين .
(4) مذكرات أسير ، وهي تحكي قصة ما حصل لي في أثناء اختطافي مع مجموعة من الأصدقاء سنة 1983م ، واعتقالي سنة 2003م.
(5) يوميات متفرقة ، لم تدخل في المجموعات السابقة ، وهي من سنوات شتى ، وموضوعاتها مختلفة .
(6) مجموعة رسائل شخصية ، فقد كنت أكتب مسودة الرسائل التي أرسلها في المفكرات التي أكتب فيها اليوميات ، قبل أن أكتبها في الورقة المبيضة التي أرسلها بالبريد لإخواني أو أقاربي أو أساتذتي أو أصدقائي ، وذلك قبل أن يظهر البريد الإلكتروني في السنوات الأخيرة ، وقد لا يكون مناسباً نشر هذه الرسائل ، لأن أكثر موضوعاتها شخصية ، ليست ذات قيمة أو أهمية للقارئ .
وبين يديك أخي القارئ المجموعة الثانية من اليوميات ، وهي تحكي قصة رحلتي للدراسة إلى مصر ، وتحكي قصة تأليف كتاب ( رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية ) وهو رسالة الماجستير التي تقدمت بها إلى كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ، وقد أبقيت تلك اليوميات على نحو ما كُتِبَتْ في المفكرات ، سوى أني أضفت إليها عناوين فرعية لكل يومية ، وقد يكون فيها ما يحتاج إلى مراجعة في الصياغة أو وضوح في الفكرة ، لكني أبقيتها على حالها لتكون معبرة بصدق عن حالي في تلك الأيام ، كما عشتها ، وكما كتبتها يوماً بيوم ، فقد اعتدت أن أكتب تلك المذكرات يومياً في الليل قبل النوم ، ولعل بعضها كُتِبَ في اليوم التالي ، لكن معظمها كتب في اليوم نفسه ، فهي يوميات وليست مذكرات ، وإن كانت تحمل في طياتها أعز الذكريات(1).
وحتى لا أخفي على القارئ شيئاً من أمر هذه اليوميات فإني لا أجد حرجاً من القول بأني قد حجبت بعض يوميات الرحلة ، وهي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ، أو تزيد قليلاً ، دفعاً للحرج عني أو عن غيري ، وإن كانت تحكي أحداثاً وقعت ، أو تعبر عن مشاعر حقيقة حصلت ، لكني إذا كنت قد وجدت مسوغاً لتسجيلها حين وقعت فإني لا أجد مسوغاً لنشرها اليوم ، وهي مسجلة في صحائف أعمال من تعنيهم ، والله يغفر لنا ولهم .
وكتبتُ تعليقات موجزة على بعض المواضع في هذه اليوميات ، إذا وجدت ذلك يساعد القارئ على الوقوف على المراد فيها . ولا يخفى على القارئ أنه قد مضى على كتابة هذه اليوميات أكثر من خمس وثلاثين سنة ، تبدلت فيها الأحوال، وتغيرت فيها العوائد ، وتبدلت فيها المواقف ، فليس من الضروري أن يكون ما جاء في هذه اليوميات يعبر عن قناعتي اليوم كما عبر عنها في ذلك الوقت ، وأعتذر إلى من قد يجد فيها ما لا يرتاح إليه ، وأستغفر الله إن كنت قد جانبت الصواب في بعض ما كتبت ، ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) .
وأود في هذا المقام أن أتوجه بالشكر الجزيل والدعاء بالخير للأخ الأستاذ عمار الخطيب الذي أشار إلى هذه اليوميات ، ثم قرأها بعد طباعتها ، وللأخ الدكتور عبد الرحمن بن معاضة الشهري الذي شَجَّعَ على إخراجها ونشرها ، وتفضل بكتابة تقديم لها ، فاجعل اللهم لهما نصيباً من خيرها وأجرها ، واجعل تبعة ما فيها من تقصير على كاتبها ، واغفر اللهم لي ولوالدي – رحمهما الله - ولأخي المهندس سفر – رحمه الله - الذي كانت له الأيادي البيضاء عليَّ في توفير أسباب الرحلة المادية والمعنوية ، إنك أنت الغفور الرحيم .
غانم قدوري الحمد
تكريت - الجمعة
5/10/1430هـ
25/9/2009م
يتبع الحلقة الاولى