الفهد
15 / 02 / 2010, 11 : 04 PM
أترضاه لنفسك ؟
سلطان بن حبيب الخلافي
كان محمد بن واسع يبيع حماراً له ، فقال له رجل : أترضاه لي ؟
قال : لورضيته لم أبعه [1] .
هذه الحادثة قمة في المعاملة التي تكون بين الإخوان وخاصة الدعاة إلى الله -
سبحانه وتعالى- ، وهذه إشارة من - محمد بن واسع - إلى أنه لا يرض لأخيه إلا
ما يرض لنفسه وكذا المعاملة ، فبعض الناس يحب أن يعامله الناس بأحسن الأخلاق
وأجلها ، وأن يتلطفوا معه في المعاملة وأن يضعوه في مكانه اللائق به ، وفي
المقابل تجده لا يهتم في معاملته لإخوانه بالحسنى كما يهتم في أن تكون معاملة غيره
له على أحسن حال وأفضل مقال .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : ( إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود
أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم ) [2] . ولقد جاء معنى ما أشرنا إليه من عنوان هذا
المقال في حديث عن النبي في أن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، روى
البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :
» لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه « [3] .
فالمتأمل في هذا الحديث ، يجده قاعدة عظيمة تنبع من خلالها كثير من
الأخلاق ، ولذلك كان كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من جوامع الكلم .
إن من يعامل لناس على أساس أن يحب لهم ما يحب لنفسه تماماً فإنه
سيعاملهم حتماً بكل خلق رفيع ، لأن هذا هو ما يجب أن يعامله الناس به إذ يحبه
لنفسه . ومن هنا يجد نفسه مثلاً مدفوعاً إلى الصبر على أخيه المسلم كلما دعت
ظروف التعامل إلى الصبر ، لأنه يحب من الناس أن يصبروا عليه ، كلما بدر منه
ما لا يقبله الناس إلا بصبر .
ويجد المسلم نفسه مدفوعاً إلى العفو والصفح والمسامحة والإغضاء عن
الهفوات والسيئات ، كلما وجد من إخوانه ما يسوءه من تصرفاتهم معه ، لأنه يحب
من الناس أن يعاملوه بالصفح والعفو والمسامحة والإغضاء عن الهفوات والسيئات ،
كلما بدر منه من تصرفات تسوء إخوانه [4] . وكذلك أنواع المعاملة من ستر
العيوب والنصح سراً وكره الغيبة فهو يحب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به .
ارتباط الحديث بالإيمان :
فالإيمان لا يبلغ حقيقته ونهايته وكماله إلا بعد أن يتحقق مثل هذا الحديث في
المسلم ، فالإيمان قد ينتفي لانتفاء بعض أركانه وواجباته [5] .
ففي رواية خرّجها الإمام أحمد -رحمه الله- : » لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان
حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير « [6] . وهي تدل على أن العبد لا يبلغ
حقيقة الإيمان وحلاوته ولذته حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الأخلاق والمعاملة
الحسنة .
تطبيق هذا الحديث يدخل الجنة ويزحزح عن النار :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » من أحب أن يزحزح عن النار
ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله عز وجل ويأتي إلى الناس الذي يحب
أن يؤتى إليه « [6 ] . فحري بالمسلم الداعية إلى الله أن يستنفره مثل هذا الحديث
لأن تكون معاملته حسنة مع إخوانه كما يحب ذلك منهم .
الأسباب التي تمنع من هذا الخلق :
أولاً : الحسد :
يقول ابن رجب -رحمه الله- : وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر
من الغش والغل والحسد [7] . فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في
خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد عنهم ، ورحم
الله ابن عباس -رضي الله عنهما- حيث يقول : إني لأمر على الآية من كتاب الله
فأود أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم منها [8] .
وقال الشافعي : وددت أن الناس تعلموا هذا الدين ولم ينسب إلي منه
شيء [9] . فالحاسد تجده يحب أن يعامله الناس بأحسن المعاملات فيريد منهم خلقاً
رفيعاً ، وتذللاً ، وانبساطاً وعدم تتبع لزلاته على الرغم من أنه قد أشهر سيف
المعاملة السيئة ، والتكبر ، والأنانية ، وأخذ بعد فترة يكتب ويدون زلات
إخوانه .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكنَّ عين السخط تبدي المساويا .
والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من
الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء . والحاسد ليس يحسدك على عيب فيك ،
ولا على خيانة ظهرت منك ، ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضد الرضا بالقضاء .
قال العتبي :
أفكر ما ذنبي إليك فلا أرى لنفسي جرماً ، غير أنك حاسدُ [10]
فنعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد .
ثانياً : الكبر :
قال تعالى :
] تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً [ [11] .
فبطر الحق وغمط الناس واحتقارهم وازدراؤهم يجعل المسلم يعامل إخوانه
المعاملة السيئة مما يدعو إلى المعاملة بالمثل .
( فمن تواضع لله رفعه ) وهذا من سنن الله في عباده ، كما أن من استكبر
وتعالى على خلق الله أذله الله . فالمستكبر يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه ، فيعيش
وحده في جوه النفسي المتعاظم ، ولا يحب أن يفوقه أحد ، وربما يكون ترفعه إلى
مكانة ليس هو في الحقيقة أهلاً لها .
وأخيراً إن الناقد البصير قد يجد في واقع الدعاة إلى الله -عز وجل- وما
يحدث بينهم من الهجران والقطيعة والمعاملة التي لا تليق بأمثالهم - ولعل مرجع
ذلك إلى عدم التدبر لمثل هذه الأحاديث النبوية التربوية التي تجعل القلوب صافية ،
والمحبة وافرة ، وتجد التعاون بين الدعاة إلى الله -عز وجل- على أحسن حال .
________________________
(1) جامع العلوم والحكم ص 112 .
(2) المرجع السابق ص 115 .
(3) فتح الباري 1/ 156 .
(4) الأخلاق الإسلامية عبد الغني الميداني ج 1 .
(5) جامع العلوم والحكم ص 111 .
(6) انظر جامع العلوم .
(7) رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
(8) جامع العلوم والحكم ص 113 .
(9) جامع العلوم والحكم ص 115 .
(10) روضة العقلاء .
(11) القصص 83 .
(( مجلة البيان ـ العدد [ 46 ] صــ 45 جمادى الآخرة 1412 ـ ديسمبر 1991 ))
سلطان بن حبيب الخلافي
كان محمد بن واسع يبيع حماراً له ، فقال له رجل : أترضاه لي ؟
قال : لورضيته لم أبعه [1] .
هذه الحادثة قمة في المعاملة التي تكون بين الإخوان وخاصة الدعاة إلى الله -
سبحانه وتعالى- ، وهذه إشارة من - محمد بن واسع - إلى أنه لا يرض لأخيه إلا
ما يرض لنفسه وكذا المعاملة ، فبعض الناس يحب أن يعامله الناس بأحسن الأخلاق
وأجلها ، وأن يتلطفوا معه في المعاملة وأن يضعوه في مكانه اللائق به ، وفي
المقابل تجده لا يهتم في معاملته لإخوانه بالحسنى كما يهتم في أن تكون معاملة غيره
له على أحسن حال وأفضل مقال .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : ( إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود
أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم ) [2] . ولقد جاء معنى ما أشرنا إليه من عنوان هذا
المقال في حديث عن النبي في أن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، روى
البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :
» لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه « [3] .
فالمتأمل في هذا الحديث ، يجده قاعدة عظيمة تنبع من خلالها كثير من
الأخلاق ، ولذلك كان كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من جوامع الكلم .
إن من يعامل لناس على أساس أن يحب لهم ما يحب لنفسه تماماً فإنه
سيعاملهم حتماً بكل خلق رفيع ، لأن هذا هو ما يجب أن يعامله الناس به إذ يحبه
لنفسه . ومن هنا يجد نفسه مثلاً مدفوعاً إلى الصبر على أخيه المسلم كلما دعت
ظروف التعامل إلى الصبر ، لأنه يحب من الناس أن يصبروا عليه ، كلما بدر منه
ما لا يقبله الناس إلا بصبر .
ويجد المسلم نفسه مدفوعاً إلى العفو والصفح والمسامحة والإغضاء عن
الهفوات والسيئات ، كلما وجد من إخوانه ما يسوءه من تصرفاتهم معه ، لأنه يحب
من الناس أن يعاملوه بالصفح والعفو والمسامحة والإغضاء عن الهفوات والسيئات ،
كلما بدر منه من تصرفات تسوء إخوانه [4] . وكذلك أنواع المعاملة من ستر
العيوب والنصح سراً وكره الغيبة فهو يحب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به .
ارتباط الحديث بالإيمان :
فالإيمان لا يبلغ حقيقته ونهايته وكماله إلا بعد أن يتحقق مثل هذا الحديث في
المسلم ، فالإيمان قد ينتفي لانتفاء بعض أركانه وواجباته [5] .
ففي رواية خرّجها الإمام أحمد -رحمه الله- : » لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان
حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير « [6] . وهي تدل على أن العبد لا يبلغ
حقيقة الإيمان وحلاوته ولذته حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الأخلاق والمعاملة
الحسنة .
تطبيق هذا الحديث يدخل الجنة ويزحزح عن النار :
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » من أحب أن يزحزح عن النار
ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله عز وجل ويأتي إلى الناس الذي يحب
أن يؤتى إليه « [6 ] . فحري بالمسلم الداعية إلى الله أن يستنفره مثل هذا الحديث
لأن تكون معاملته حسنة مع إخوانه كما يحب ذلك منهم .
الأسباب التي تمنع من هذا الخلق :
أولاً : الحسد :
يقول ابن رجب -رحمه الله- : وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر
من الغش والغل والحسد [7] . فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في
خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد عنهم ، ورحم
الله ابن عباس -رضي الله عنهما- حيث يقول : إني لأمر على الآية من كتاب الله
فأود أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم منها [8] .
وقال الشافعي : وددت أن الناس تعلموا هذا الدين ولم ينسب إلي منه
شيء [9] . فالحاسد تجده يحب أن يعامله الناس بأحسن المعاملات فيريد منهم خلقاً
رفيعاً ، وتذللاً ، وانبساطاً وعدم تتبع لزلاته على الرغم من أنه قد أشهر سيف
المعاملة السيئة ، والتكبر ، والأنانية ، وأخذ بعد فترة يكتب ويدون زلات
إخوانه .
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكنَّ عين السخط تبدي المساويا .
والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من
الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء . والحاسد ليس يحسدك على عيب فيك ،
ولا على خيانة ظهرت منك ، ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضد الرضا بالقضاء .
قال العتبي :
أفكر ما ذنبي إليك فلا أرى لنفسي جرماً ، غير أنك حاسدُ [10]
فنعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد .
ثانياً : الكبر :
قال تعالى :
] تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً [ [11] .
فبطر الحق وغمط الناس واحتقارهم وازدراؤهم يجعل المسلم يعامل إخوانه
المعاملة السيئة مما يدعو إلى المعاملة بالمثل .
( فمن تواضع لله رفعه ) وهذا من سنن الله في عباده ، كما أن من استكبر
وتعالى على خلق الله أذله الله . فالمستكبر يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه ، فيعيش
وحده في جوه النفسي المتعاظم ، ولا يحب أن يفوقه أحد ، وربما يكون ترفعه إلى
مكانة ليس هو في الحقيقة أهلاً لها .
وأخيراً إن الناقد البصير قد يجد في واقع الدعاة إلى الله -عز وجل- وما
يحدث بينهم من الهجران والقطيعة والمعاملة التي لا تليق بأمثالهم - ولعل مرجع
ذلك إلى عدم التدبر لمثل هذه الأحاديث النبوية التربوية التي تجعل القلوب صافية ،
والمحبة وافرة ، وتجد التعاون بين الدعاة إلى الله -عز وجل- على أحسن حال .
________________________
(1) جامع العلوم والحكم ص 112 .
(2) المرجع السابق ص 115 .
(3) فتح الباري 1/ 156 .
(4) الأخلاق الإسلامية عبد الغني الميداني ج 1 .
(5) جامع العلوم والحكم ص 111 .
(6) انظر جامع العلوم .
(7) رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
(8) جامع العلوم والحكم ص 113 .
(9) جامع العلوم والحكم ص 115 .
(10) روضة العقلاء .
(11) القصص 83 .
(( مجلة البيان ـ العدد [ 46 ] صــ 45 جمادى الآخرة 1412 ـ ديسمبر 1991 ))