طويلب علم مبتدئ
25 / 02 / 2010, 10 : 10 AM
جلاء العينين عن النزول بالركبتين للمحدث عبد الله السعد
السنة أن ينزل المُـصلي علي رُكبَتيْه وليس على يَديْه، والدليل على هذا، ما رواه أهل ((السُـنن)) من حديث شريك بن عبدالله القاضي عن عاصم بن كُـليْـب عن أبيه عن وائل بن حُجر قال: "رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا سجد وضع ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه"(1).
وهذا الحديث بهذا الإسناد، وإن كان فيه ضعفاً لأن فيه شريك بن عبدالله القاضي، إلا أنه جاء بأكثر من إسناد، فجاء بثلاثة أسانيد من حديث وائل بن حُجْـر(2)، وجميع هذه الأسانيد فيها ضعفٌ ولا يصح منها شئ، لكن بعضها يُـقوّي البعض الآخر.
ويُـؤيّد هذا ما ثبت في ((مُصنف)) ابن أبي شيبة من حديث إبراهيم النخعي عن الأسود: "أن عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه) نزل على ركبتيه"(3)، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين"(4)، ولم يثبت عن واحد من الصحابة أنه خالف في ذلك.
وأما ما جاء عند ابن خُزيمة من حديث الدَرَاوردِي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر [موقوفاً]: "أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه"(5). فأقول: هذا الحديث باطل بهذا المتن، والصواب ما رواه أصحاب أيوب وأصحاب نافع عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا سجد أحدكم فليضع يَدَيْه"(6) وليس فيه أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ينزل على يديه.
وأما المتن السابق فمعلول بل باطل، لأن الدراوردي (رحمه الله) وإن كان صدوقاً، إلا أنّه حدّّث عن أيوب، وقد تُكلِـمَ فيه عن أيوب، تكلم فيه الإمام أحمد والنسائي وقالوا: يروي المنكرات عن أيوب، وهذه الرواية من جُملة مُنكراته، وقد خَالف الثـقات أيضاً من أصحاب أيوب وأصحاب نافع، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا سجد أحدكم فليضع يَدَيْه"(7)، وليس فيه قبل ركبتيه، وإنما قال: "فليضع يده" وبالفعل لا بُـدَّ من وضع اليدين في السجود.
وأمّا الحديث الذي رواه أصحاب ((السنن)) من حديث الدراوردي عن محمد بن عبدالله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هُريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل رُكبتيه"(8).
فهذا الحديث باطل ومَـلِيءٌ بالعلل إسناداً ومتناً، وقد ضعفه كبار الحفاظ، وعلى رأسهم:
1ــ البُخَـاري، قال: "محمد بن عبدالله بن الحسن لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا"(9).
2ــ حَمْزة الكِنَانِـي ـ وهو من كبار الحُـفـاظ المَصريين ـ قال: "هذا حديث مُـنكر"(10).
3ــ الخطابي صاحب ((معالم السنن)) قال: "حديث وائل بن حُجر أصح مــــن حديث أبي هُريرة"(11).
4ــ أبو جعفر الطحاوي صاحب ((مُـشكل الآثار)) و((شرح معني الآثار)) فقد قوّى حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة في النزول على اليدين(12).
5ــ الحافظ بن رجب الحنبلي فقد ضعّـف حديث أبي هُريرة في شرحه لصحيح البخاري المُـسمى بـ(( فتح الباري))(13).
6ــ الإمام الشافعي، لأنه ذهب إلى حديث وائل بن حُجر، قال ثم يكن أول ما يضع الأرض منه ركبتيه ثم يديه ...))(14).
7ــ الإمام أحمد، ويُحكى عنه روايتان في المسألة:
الرواية الأولى: النزول على الركبتـيـن، وهــذه صحــيحة عــنه في ((مسائله))(15).
الرواية الثانية: أنه كان ينزل على يديه، ذكرها بعض الحنابلة(16)، لكن لا تصح عنه ولم نقف عليها صحيحة، بل الذي صَحّ عن الإمام أحمد ترجيح النزول على الركبتين.
8ــ أبو داود السِجسْتَـاني صاحب ((السنن))، فقد دلّ كلامه على تقوية حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة، نعم؛ ذكر كِلا الحديثين، لكنه بَوّب على حديث وائل بن حُجر حيث قال: "باب: كيف يضع رُكبتيه قبل يَدَيْه"(17).
10 ــ ابن حِبان البُسْتي صاحب ((الصحيح)) حيث بَوّب في ((صحيحه)) على حديث وائل بن حُجر فقال: "ذِكْر ما يُسْـتحبُّ للمُصلي وضع الركبتين على الأرض عند السجود قبل الكفين"(18).
فكلام هؤلاء الحُفاظ يدل على أنهم يُرجِّحُون حديث وائل على حديث أبي هُريرة، وحديث أبي هُريرة ـ كما ذكرتُ ـ باطل سنداً ومتناً.
بَيَانُ بُطْلانِ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَداً وَمَتَنَاً:
فأقول: هذا الحديث باطل سنداً ومتناً.
أما بُطلان إسناده فمن وُجوه:
الأول: فيه محمد بن عبدالله ن الحسن، وإن كان ـ رحمه الله ـ مشهور النسب والشرف والجلالة، إلا أنه ليس مشهوراً بحمل العلم، ولا أعرف له من الحديث إلا القليل، ولم يشتهر إلا بهذا الحديث، وإن وثقه النسائي رحمه الله، ولكنه في الحقيقة فيه جهالة من حيث حمل العلم.
وقد جاء عند ابن سعد في ((الطبقات))(19) أنه كان مُعتزلاً للناس وبعيداً عنهم، كما قال أبوه عبد الله بن الحسن ـ عندما سأله بعض خلفاء بني أمية وأبو جعفر المنصورـ قال: كان مشغولاً بالصيد ومُعتزلاً للناس، و كان جالساً في البادية.
فالصواب أنه غير مشهور بحمل العلم.
الثاني : أنه قد تفرّدَ بهذا الحديث عن أبي الزناد، وأبو الزناد من الحفاظ الثقات والمشاهير، وروى عنه كِبار الحفاظ في زمانه، كالإمام مالك وشُعَيْب بن أبي حمزة، وغيرهم.
فكَيْفَ يَتَفرّد مُحَمّد بن عبدالله ابن الحسن ـ وهو ليس مَشْهُوراً بحَمْـل العِلم ـ عن هذا الرجل المشهور؟
وهذا يعتبر علة ً عند أهل الحديث، ويُفيد هذا في حَدِّ ذاتهِ نكارة الإسناد، ولذلك حمزة الكناني حكم على هذا الحديث بأنه حديث مُــنْـكر.
الثالث: ما ذكره الإمام البخاري، من أنه لم يَذكر سَمَاعاً من أبي الزناد.
وما قيل بأنه عاصره، فأقول بالفعل قد عاصره، لكن الصواب عند أهل الحديث أنه لا يُكتفى بالمعاصرة، بل لا بُـدَّ من ثبوت السماع، كما ذهب إلى هذا علي بن المديني وأحمد والبخاري وجمهور أهل العلم، كما ذكر ذلك الحافظ بن رجب في (( شرح العلل))(20).
فالصواب أنه لم يسمع من أبي الزناد.
الثالث: ـ وهي من أقوى العلل ـ أن هذا الحديث قد رواه أبو القاسم السُـرّقسْطِي في ((غريب الحديث))(21) من طريق بكير بن عبدالله الأشج عنّ عن أبي مُرّة عن أبي هُريرة [موقوفاً]: "لا يبركنّ أحدكم بُروك الجمل الشارد"، وهذا الإسناد أصحّ بكثير من الإسناد السابق، وهذا لفظه وليس فيه التعرّض لنزول اليدين قبل الركبتين، فهذا الإسناد قد خالف الإسناد السابق وأوقف هذا الأثر على أبي هُريرة، فهذه أربع علل ٍفي الإسناد.
بَيَانُ بُطلانِ مَـتْـنِهِ:
وأما العِلة التي في المتن فهي ـكما تقدّم في الرواية السابقةـ أنّ هذا الحديث قد جاء بإسناد صحيح موقوفاً على أبي هُريرة، وليس بهذا اللفظ، وإنما بلفظ: "لا يبركنّ أحدكم بُروك البعير الشارد" وبُروك البعير الشارد إنما يكون مُسْـتعجلا ً، وهذا يُؤدّي إلى عدم الاطمئنان في الصلاة، والمطلوب الطمأنينة وأن ينزل الإنسان شيئاً فشيئاً، وذلك عندما ينزل على رُكبتيه ثم يديه ، فتبين من ذلك بُطلان هذا الحديث.
وقد يتعجب بعض الأخوان فيقولوا:
كيْف حَـكمْتَ عليه بالبُطلان وقد قوّاهُ بعض أهل العلم بالحديث، كالحَازمي ـرحمه اللهـ في كتابه ((الناسخ والمنسوخ))(22)، وهو من أهل العلم بالحديث، وكذلك الحافظ بن حَجَر فقد قوى هذا الحديث(23)، وهو من أهل العلم بالحديث ؟
فأقول: أن من تقدَّم من أهل قد ردّوا هذا الحديث، مثـل البخاري وحمزة الكناني وابن رجب، وفيما نقِـلَ عن الشافعي وأحمد وغيرهم فإن كلامهم يُـفِـيد ضَعْـف هذا الحديث وإن لم يُصرّحوا، ولذلك الخطابي وأبو جعفر الطحاوي قوّوا حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة، وهو الصواب.
الخُـلاصَة:
أن السنة في النزول على الرُكبتين ثابت من ثلاث أدلة:
الأول: أن حديث وائل بن حُجر أقوى من حديث أبي هُريرة في المسألة، وحديث وائل وإن كان فيه ضعفاً إلى أن الدليلَ الثاني يشهدُ له.
الثاني: أنه لم يَـثبُت عن أحدٍ من الصحابة أنه جاء عنه شيء في هذه المسألة، إلا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه كان ينزل على رُكبتيه، ولم يخالف أحداً من الصحابة أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه).
الثالث: أن هذا قول أكثر أهل العلم، وهذا ليس بدليل، لكن يُسْـتأنسُ به، فإلى هذا ذهب بعض التابعين.
من ذلك ما جاء من حديث حَجّاج بن أرْطاة عن أبي إسحاق السَبيعي قال: "كان أصحاب عبدالله إذا انحطوا للسجود وقعت رُكبهم قبل أيديهم"(24).
وثبت عند الطحاوي عن إبراهيم النخعي قال: "حُفظ عن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه كانت ركبتاه تقعان قبل يديه))(25).
وكذلك ذهب إلى هذا الإمام الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود وابن حبان وجُـلّ أصحاب الحديث، خلافاً لما قاله بن أبي داود: أن أكثر أهل الحديث على النزول على اليدين، والصواب أن أكثر أهل الحديث على النزول على الرُكبتين.
وكيفما نزل، على ركبتيه أو على يديه فأمر في ذلك واسع، كما شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الصلاة فكلاهما جائزة باتفاق أهل العلم، إن شاء يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه، وصلاته صحيحة باتفاق العلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل"(26).
ولكن الصواب ـ كما تقدّم ـ هو النزول على الرُكبتين، والله تعالى أعلم.
انتهى ما أملاه فضيلة الشيخ المُحدّث: عبدالله بن عبدالرحمن السعد.
الموضوع منقول
تنبيه المسالة فيها خلاف بين اهل العلم
السنة أن ينزل المُـصلي علي رُكبَتيْه وليس على يَديْه، والدليل على هذا، ما رواه أهل ((السُـنن)) من حديث شريك بن عبدالله القاضي عن عاصم بن كُـليْـب عن أبيه عن وائل بن حُجر قال: "رأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا سجد وضع ركبتيه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه"(1).
وهذا الحديث بهذا الإسناد، وإن كان فيه ضعفاً لأن فيه شريك بن عبدالله القاضي، إلا أنه جاء بأكثر من إسناد، فجاء بثلاثة أسانيد من حديث وائل بن حُجْـر(2)، وجميع هذه الأسانيد فيها ضعفٌ ولا يصح منها شئ، لكن بعضها يُـقوّي البعض الآخر.
ويُـؤيّد هذا ما ثبت في ((مُصنف)) ابن أبي شيبة من حديث إبراهيم النخعي عن الأسود: "أن عمر ابن الخطاب (رضي الله عنه) نزل على ركبتيه"(3)، وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين"(4)، ولم يثبت عن واحد من الصحابة أنه خالف في ذلك.
وأما ما جاء عند ابن خُزيمة من حديث الدَرَاوردِي عن أيوب عن نافع عن ابن عمر [موقوفاً]: "أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه"(5). فأقول: هذا الحديث باطل بهذا المتن، والصواب ما رواه أصحاب أيوب وأصحاب نافع عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا سجد أحدكم فليضع يَدَيْه"(6) وليس فيه أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) كان ينزل على يديه.
وأما المتن السابق فمعلول بل باطل، لأن الدراوردي (رحمه الله) وإن كان صدوقاً، إلا أنّه حدّّث عن أيوب، وقد تُكلِـمَ فيه عن أيوب، تكلم فيه الإمام أحمد والنسائي وقالوا: يروي المنكرات عن أيوب، وهذه الرواية من جُملة مُنكراته، وقد خَالف الثـقات أيضاً من أصحاب أيوب وأصحاب نافع، عن ابن عمر أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، فإذا سجد أحدكم فليضع يَدَيْه"(7)، وليس فيه قبل ركبتيه، وإنما قال: "فليضع يده" وبالفعل لا بُـدَّ من وضع اليدين في السجود.
وأمّا الحديث الذي رواه أصحاب ((السنن)) من حديث الدراوردي عن محمد بن عبدالله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هُريرة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل رُكبتيه"(8).
فهذا الحديث باطل ومَـلِيءٌ بالعلل إسناداً ومتناً، وقد ضعفه كبار الحفاظ، وعلى رأسهم:
1ــ البُخَـاري، قال: "محمد بن عبدالله بن الحسن لا يتابع عليه، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا"(9).
2ــ حَمْزة الكِنَانِـي ـ وهو من كبار الحُـفـاظ المَصريين ـ قال: "هذا حديث مُـنكر"(10).
3ــ الخطابي صاحب ((معالم السنن)) قال: "حديث وائل بن حُجر أصح مــــن حديث أبي هُريرة"(11).
4ــ أبو جعفر الطحاوي صاحب ((مُـشكل الآثار)) و((شرح معني الآثار)) فقد قوّى حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة في النزول على اليدين(12).
5ــ الحافظ بن رجب الحنبلي فقد ضعّـف حديث أبي هُريرة في شرحه لصحيح البخاري المُـسمى بـ(( فتح الباري))(13).
6ــ الإمام الشافعي، لأنه ذهب إلى حديث وائل بن حُجر، قال ثم يكن أول ما يضع الأرض منه ركبتيه ثم يديه ...))(14).
7ــ الإمام أحمد، ويُحكى عنه روايتان في المسألة:
الرواية الأولى: النزول على الركبتـيـن، وهــذه صحــيحة عــنه في ((مسائله))(15).
الرواية الثانية: أنه كان ينزل على يديه، ذكرها بعض الحنابلة(16)، لكن لا تصح عنه ولم نقف عليها صحيحة، بل الذي صَحّ عن الإمام أحمد ترجيح النزول على الركبتين.
8ــ أبو داود السِجسْتَـاني صاحب ((السنن))، فقد دلّ كلامه على تقوية حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة، نعم؛ ذكر كِلا الحديثين، لكنه بَوّب على حديث وائل بن حُجر حيث قال: "باب: كيف يضع رُكبتيه قبل يَدَيْه"(17).
10 ــ ابن حِبان البُسْتي صاحب ((الصحيح)) حيث بَوّب في ((صحيحه)) على حديث وائل بن حُجر فقال: "ذِكْر ما يُسْـتحبُّ للمُصلي وضع الركبتين على الأرض عند السجود قبل الكفين"(18).
فكلام هؤلاء الحُفاظ يدل على أنهم يُرجِّحُون حديث وائل على حديث أبي هُريرة، وحديث أبي هُريرة ـ كما ذكرتُ ـ باطل سنداً ومتناً.
بَيَانُ بُطْلانِ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَداً وَمَتَنَاً:
فأقول: هذا الحديث باطل سنداً ومتناً.
أما بُطلان إسناده فمن وُجوه:
الأول: فيه محمد بن عبدالله ن الحسن، وإن كان ـ رحمه الله ـ مشهور النسب والشرف والجلالة، إلا أنه ليس مشهوراً بحمل العلم، ولا أعرف له من الحديث إلا القليل، ولم يشتهر إلا بهذا الحديث، وإن وثقه النسائي رحمه الله، ولكنه في الحقيقة فيه جهالة من حيث حمل العلم.
وقد جاء عند ابن سعد في ((الطبقات))(19) أنه كان مُعتزلاً للناس وبعيداً عنهم، كما قال أبوه عبد الله بن الحسن ـ عندما سأله بعض خلفاء بني أمية وأبو جعفر المنصورـ قال: كان مشغولاً بالصيد ومُعتزلاً للناس، و كان جالساً في البادية.
فالصواب أنه غير مشهور بحمل العلم.
الثاني : أنه قد تفرّدَ بهذا الحديث عن أبي الزناد، وأبو الزناد من الحفاظ الثقات والمشاهير، وروى عنه كِبار الحفاظ في زمانه، كالإمام مالك وشُعَيْب بن أبي حمزة، وغيرهم.
فكَيْفَ يَتَفرّد مُحَمّد بن عبدالله ابن الحسن ـ وهو ليس مَشْهُوراً بحَمْـل العِلم ـ عن هذا الرجل المشهور؟
وهذا يعتبر علة ً عند أهل الحديث، ويُفيد هذا في حَدِّ ذاتهِ نكارة الإسناد، ولذلك حمزة الكناني حكم على هذا الحديث بأنه حديث مُــنْـكر.
الثالث: ما ذكره الإمام البخاري، من أنه لم يَذكر سَمَاعاً من أبي الزناد.
وما قيل بأنه عاصره، فأقول بالفعل قد عاصره، لكن الصواب عند أهل الحديث أنه لا يُكتفى بالمعاصرة، بل لا بُـدَّ من ثبوت السماع، كما ذهب إلى هذا علي بن المديني وأحمد والبخاري وجمهور أهل العلم، كما ذكر ذلك الحافظ بن رجب في (( شرح العلل))(20).
فالصواب أنه لم يسمع من أبي الزناد.
الثالث: ـ وهي من أقوى العلل ـ أن هذا الحديث قد رواه أبو القاسم السُـرّقسْطِي في ((غريب الحديث))(21) من طريق بكير بن عبدالله الأشج عنّ عن أبي مُرّة عن أبي هُريرة [موقوفاً]: "لا يبركنّ أحدكم بُروك الجمل الشارد"، وهذا الإسناد أصحّ بكثير من الإسناد السابق، وهذا لفظه وليس فيه التعرّض لنزول اليدين قبل الركبتين، فهذا الإسناد قد خالف الإسناد السابق وأوقف هذا الأثر على أبي هُريرة، فهذه أربع علل ٍفي الإسناد.
بَيَانُ بُطلانِ مَـتْـنِهِ:
وأما العِلة التي في المتن فهي ـكما تقدّم في الرواية السابقةـ أنّ هذا الحديث قد جاء بإسناد صحيح موقوفاً على أبي هُريرة، وليس بهذا اللفظ، وإنما بلفظ: "لا يبركنّ أحدكم بُروك البعير الشارد" وبُروك البعير الشارد إنما يكون مُسْـتعجلا ً، وهذا يُؤدّي إلى عدم الاطمئنان في الصلاة، والمطلوب الطمأنينة وأن ينزل الإنسان شيئاً فشيئاً، وذلك عندما ينزل على رُكبتيه ثم يديه ، فتبين من ذلك بُطلان هذا الحديث.
وقد يتعجب بعض الأخوان فيقولوا:
كيْف حَـكمْتَ عليه بالبُطلان وقد قوّاهُ بعض أهل العلم بالحديث، كالحَازمي ـرحمه اللهـ في كتابه ((الناسخ والمنسوخ))(22)، وهو من أهل العلم بالحديث، وكذلك الحافظ بن حَجَر فقد قوى هذا الحديث(23)، وهو من أهل العلم بالحديث ؟
فأقول: أن من تقدَّم من أهل قد ردّوا هذا الحديث، مثـل البخاري وحمزة الكناني وابن رجب، وفيما نقِـلَ عن الشافعي وأحمد وغيرهم فإن كلامهم يُـفِـيد ضَعْـف هذا الحديث وإن لم يُصرّحوا، ولذلك الخطابي وأبو جعفر الطحاوي قوّوا حديث وائل بن حُجر على حديث أبي هُريرة، وهو الصواب.
الخُـلاصَة:
أن السنة في النزول على الرُكبتين ثابت من ثلاث أدلة:
الأول: أن حديث وائل بن حُجر أقوى من حديث أبي هُريرة في المسألة، وحديث وائل وإن كان فيه ضعفاً إلى أن الدليلَ الثاني يشهدُ له.
الثاني: أنه لم يَـثبُت عن أحدٍ من الصحابة أنه جاء عنه شيء في هذه المسألة، إلا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه كان ينزل على رُكبتيه، ولم يخالف أحداً من الصحابة أمير المؤمنين عمر (رضي الله عنه).
الثالث: أن هذا قول أكثر أهل العلم، وهذا ليس بدليل، لكن يُسْـتأنسُ به، فإلى هذا ذهب بعض التابعين.
من ذلك ما جاء من حديث حَجّاج بن أرْطاة عن أبي إسحاق السَبيعي قال: "كان أصحاب عبدالله إذا انحطوا للسجود وقعت رُكبهم قبل أيديهم"(24).
وثبت عند الطحاوي عن إبراهيم النخعي قال: "حُفظ عن عبدالله بن مسعود (رضي الله عنه) أنه كانت ركبتاه تقعان قبل يديه))(25).
وكذلك ذهب إلى هذا الإمام الشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وأبو داود وابن حبان وجُـلّ أصحاب الحديث، خلافاً لما قاله بن أبي داود: أن أكثر أهل الحديث على النزول على اليدين، والصواب أن أكثر أهل الحديث على النزول على الرُكبتين.
وكيفما نزل، على ركبتيه أو على يديه فأمر في ذلك واسع، كما شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما الصلاة فكلاهما جائزة باتفاق أهل العلم، إن شاء يضع ركبتيه قبل يديه، وإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه، وصلاته صحيحة باتفاق العلماء، ولكن تنازعوا في الأفضل"(26).
ولكن الصواب ـ كما تقدّم ـ هو النزول على الرُكبتين، والله تعالى أعلم.
انتهى ما أملاه فضيلة الشيخ المُحدّث: عبدالله بن عبدالرحمن السعد.
الموضوع منقول
تنبيه المسالة فيها خلاف بين اهل العلم