أبو عادل
25 / 03 / 2010, 08 : 02 PM
http://img185.imageshack.us/img185/359/mnwa12li6.gif (http://img185.imageshack.us/img185/359/mnwa12li6.gif)
تخريج حديث الشهداء الخمسة عن أبي هريرة http://www.way2jannah.com/vb/images/sm/eek.gif
الحمد لله رب العالمين ... ولا عدوان إلا علي الظالمين ..
وبعد :
فهذا تخريج أحد الأحاديث النبوية الشريفة والتى قضت بذكر خمسة أنواع من الشهادة الحكمية ..
وهو أشهرها حديث أبي هريرة http://www.way2jannah.com/vb/images/sm/eek.gif ..
خرجته بفضل الله تعالى تخريجاً تفصيلياً .. ثم علقت عليه بشيء يسير من بطون كتب الشراح ..
نسأل الله تعالي التوفيق ::
عن أبي هريرة http://www.way2jannah.com/vb/images/sm/eek.gif أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " الشهداء خمسه : المبطون ، والمطعون ، والغريق ، وصاحب الهدم ، والشهيد في سبيل الله .....
التخريج :
حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ ( 1/131 ) ، ومن طريقه أخرجه البخاري في الصحيح (3/1041 ) ، و( 1/233 ) ، ومسلم بن الحجاج في الصحيح ( 3/1521 )، والترمذي في الجامع ( 3/377 ) ، وأحمد في المسند ( 2/324 )، و(2/533)، وابن حبان في الصحيح ( 7/460 ) ، والنسائي في السنن الكبري (4/363 )، والبيهقي في شعب الإيمان ( 7/169 )، وغيرهم من طرق عن :
مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة .. به مرفوعاً :
وقد وقع عند بعضهم وهو في غالب الروايات : الحديث مطولاً بلفظ " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له ثم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وقال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " ،
وقد روي الحديث من أوجه أخر كثيرة عن أبي هريرة رضي الله تعالي عنها ، وقعت في الصحيحن وغيرهما ، وفي بعضها روي الحديث مختصراً ، وهذا اللفظ أتمها من حديث أبي هريرة ،
وقد حدث في بعض الأحاديث قلب ففي بعضها قال المبطون ، والمطعون ، وفي بعضها ، المطعون والمبطون ، وجاء في بعض روايات الحديث المطعون ، وفي بعضها المطعون بالبطن ، وهذا من قبيل العلل التي لا تقدح في الحديث :
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 22/11 ) " هذه ثلاثة أحاديث في واحد كذلك يرويها جماعة من أصحاب مالك وكذا هي محفوظة عن أبي هريرة أحدها حديث الذي نزع غصن الشوك عن الطريق ، والثاني حديث الشهداء والثالث قوله لو يعلم الناس ما في النداء إلى آخر الحديث " ،
وفي قوله الشهداء خمسه ما يوهم بأن درجة الشهادة إنما هي مقصورة علي هؤلاء الخمسة دون غيرهم فيكون ظاهرة التعارض بينه وبين باقي الأحاديث التي جائت بالزيادة علي ذلك كقوله الشهداء سبعة ، وهذا خطأ وليس مقصود هذا الحديث الحصر ،
قال الحافظ في ابن حجر في الفتح ( 6/43 ) " والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة " ، انتهي ،
وقال الزرقاني في الشرح ( 1/385 ) " من ذلك فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين " ، انتهي ، وسوف تأتي تلك الخصال التي أشار إليها في طيات تلك الرسالة إن شاء الله تعالي ،
وقال المصنف في كتابه الديباج علي صحيح مسلم ( 4/508 ) " الشهداء خمسة : هم أكثر من ذلك وقد جمعتهم في كراسة فبلغوا ثلاثين وأشرت إليهم في شرح الموطأ قال القرطبي ولا تناقض ففي وقت أوحي إليه أنهم خمسة وفي وقت آخر أوحي إليه أنهم أكثر قلت وورد في أثر أن الشهادة خصوصية لهذه الأمة ولم يكن في الأمم السابقة شهيد إلا القتيل في سبيل الله خاصة " ، انتهي ،
وقد عني بكراسته هذه تلك الرسالة التي نحن بصدد تحقيقها وشرحها ، وشرحه للموطأ هوالمسمي بتنوير الحوالك شرح موطأ مالك ،
وقال المناوي في فيض القدير ( 4/179 ) " الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا وإلا فقد عد جميع الشهداء التي وردت في أخبار فبلغت نحو الثلاثين " ،
وفي تسمية الشهيد بالشهيد ومعني ذلك قال النضر بن شميل " سمي بذلك لأنه حي بالحق أرواحهم شاهدة أي حاضرة ،
وقال ابن الدفع لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة وقيل لشهوده عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة ، وقيل لأنه يشهد له بالأمان من النار وقيل لأن عليه شاهدا بكونه شهيداً وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل وقيل لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة وقيل لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم وقيل لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه وقيل لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره وقيل لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة وقيل لأن عليه علامة شاهدة أي حاضرة بأنه قد نجا وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه " انتهي . حكاه الحافظ في الفتح ،
وفي التفرقه بين شهيد الحرب ومن تجري عليه أحكام الشهاده مما ذكر في هذا الحديث وغيره قال الحافظ ابن حجرفي الفتح ( 6/44 ) " ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان شهيد الدنيا وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مدبر مخلصا وشهيد الآخرة وهو من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا " ،
وقوله صلي الله عليه وسلم : المبطون : المبطون هو الذي يقتله داء بالبطن ، مستوطن أوعارض ،
قال المناوي في فيض القدير " المبطون : الذي يموت بداء بطنة " ،
وقال النووي في شرح مسلم ( 13/62 ) " وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الاسهال قال القاضى وقيل هو الذى به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا " ، انتهي ،
قال السيوطي " وهذا الأخير – أي الذي يموت بداء بطنه مطلقاً – هو الذي رجحه القرطبي وجزم به " ،
قلت : ويشهد له حديث رواه خالد بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة وفيه " ومن مات من بطن فهو شهيد " ، وكذا في رواية لحديث أبي هريرة وقع فيها " المطعون بالبطن " ، وتحمل علي أن كل ما يقع من طعن أي وباء بالبطن يقتل يكون صاحبه شهيداً ، وربما حملت علي أن من أصابه الطاعون ببطنه ، وهذا كله إن كانت محفوظه ،
وقال الحافظ ابن حجر في الفتج ( 10/168 ) " المراد بالمبطون من اشتكى بطنه لافراط الاسهال وأسباب ذلك متعددة " ،
وقال ابن عبد البر في التمهيد ( 19207 ) " وأما المبطون فقيل فيه المحبور وقيل فيه صاحب الاسهال " ،
وقال ابن قتيبة في الغريب ( 1/317 ) " بطن : فهومبطون إذا اشتكي بطنه " ،
وقال صاحب لسان العرب ( 13/54 ) " مبطون إذا اشتكي بطنه " ،
وقال الزرقاني ( 1/385 ) " المبطون : الميت بمرض البطن أو الإستسقاء أو الإسهال " ،
وقال السيوطي في شرحه علي سنن النسائي ( 4/15 ) " قيل أراد هنا النفاس وهو أظهر " ، وليس هوبالأظهر كما سبق ذكره، بل الأظهر أنه ما يصيب البطن عامة فيقتل وهو ما رجحه القرطبي ،
وقال الطحاوي في حاشيته علي مراقي الفلاح " من مات بالبطن، واختلف فيه هل المراد الاستسقاء، أو الإسهال قولان، ولا مانع من الشمول " ،
وقد ورد في من مات بالبطن فضيله أخري وهي أنه لا يعذب في قبرة ، أخرج ذلك البيهقي في الشعب ( 7/171 ) أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ومحمد بن موسى قالا نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن اسحاق الصنعاني نا هاشم بن القاسم نا شعبة عن جامع بن شداد قال سمعت عبدالله بن يسار قال كنت جالسا مع سليمان بن مرد وخالد بن عرفطة فذكروا رجلا توفي بالبطن فقال أحدهما للآخر ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله بطنه لم يعذب في قبره قال بلى"انتهي .
وقوله صلي الله عليه وسلم المطعون : هو الذي يموت بمرض الطاعون ، قال ابن الأثير في النهاية ( 3/172 ) " والطاعُون " الطَّعن : القتلُ بالرّماح والطاعُونُ : المرضُ العامُّ والوَباء الذي يَفْسد له الهواءُ فتفسُدُ به الأمْزِجَة والأبْدان " ،
وقال الزرقاني في الشرح ( 1/385 ) " المطعون الميت بالطاعون وهو غدة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق " ،
وقال النووي في شرح مسلم ( 13/62 ) " أما المطعون فهو الذي يموت في الطاعون كما في الروايه الأخري الطاعون شهادة لكل مسلم " ،
وقال ابن القيم في الطب النبوي ( 29 ) " الطاعون من حيث اللغة نوع من الوباء قبله صاحب الصحاح وهو عند أهل الطب ورم ردىء قتال يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا يتجاوزالمقدار في ذلك ويصير ما حوله في الكثر أسود أو أخضر أو أكمد ويؤول أمره إلى التقرح سريعا وفي الأكثر يحدث في ثلاث مواضع في الإبط وخلف الأذن والأرنبة وفي اللحوم الرخوة ، وفي أثر عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط قال الأطباء إذا وقع الخراج في اللحوم الرخوة والمغابن وخلف الأذن والأرنبة وكان من جنس فاسد سمي يسمى طاعونا وسببه دم ردىء مائل إلى العفونة والفساد مستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويغير ما يليه وربما رشح دما وصديدا ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القىء والخفقان والغشى وهذا الإسم وإن كان يعم كل ورم يؤدى الى القلب كيفية رديئة حتى يصير لذلك قتالا فإنه يختص به الحادث في اللحم الغددي لأنه لرداءته لا يقبله من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع وأردؤه ما حدث في الإبط وخلف الأذن لقربهما من الأعضاء التي هي أرأس وأسلمه الأحمر ثم الأصفر والذي إلى السواد فلا يفلت منه أحد "انتهي.
قال " والطاعون يعبر به عن ثلاثة أمور أحدها هذا الأثر الظاهر وهو الذي ذكره الأطباء والثاني الموت الحادث عنه وهو المراد بالحديث الصحيح في قوله الطاعون شهادة لكل مسلم والثالث السبب الفاعل لهذا الداء " ،
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 10/180 ) " والطاعون بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون هذا كلام الجوهري وقال الخليل الطاعون الوباء وقال صاحب النهاية الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان وقال أبو بكر بن العربي الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله وقال أبو الوليد الباجي هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة وقال الداودي الطاعون حبة تخرج من الأرقاع وفي كل طي من الجسد والصحيح أنه الوباء وقال عياض أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا " ،
قال " والحاصل أن حقيقته ورم ينشأ عن هيجان الدم أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء " انتهي.
وأما أصل الطاعون فقد روي أنه رجز أرسل علي طائفة ففي الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل وعلى من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارامنه " ،
وروي أنه وخز الأعداء من الجن ، وروي أنه دعوة النبي :
وفي فضل موت الطاعون خاصه أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي بردة بن قيس رضي الله تعالى عنه أخي أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص وسوف يأتي ذكر هذا الحديث، والنبي صلي الله عليه وسلم وهو الرحيم بأمته إن كان يدعو لهم بذلك فهذا مما يبن فضل من يهلك بالطاعون ، كما أن في إقرانه له بالطعن وهو القتل فسبيل الله ما هو أحري لبيان ذلك إن صح هذا الحديث بلفظ الدعاء، والله أعلم .
وقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم من الدخول علي الطاعون إذا وقع ببلد ما أوالخروج عنها إذا وقع بها :
قال ابن القيم " وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه كمال التحرز منه فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعريضا للبلاء وموافاة له في محل سلطانه وإعانة الإنسان على نفسه وهذا مخالف للشرع والعقل بل تجنبه الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه مغنيان أحدهما حمل النفوس على الثقة بالله والتوكل عليه والصبر علىأقضيته والرضا بها " ،
وقال الحافظ في الفتح ( 10/89 ) " ومنها ما تقدم أن الخارج يقول لو أقمت لأصبت والمقيم يقول لو خرجت لسلمت فيقع في اللو المنهي عنه والله أعلم وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في قوله فلا تقدموا عليه فيه منع معارضة متضمن الحكمة بالقدر وهو من مادة قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وفي قوله فلا تخرجوا فرارا منه إشارة إلى الوقوف مع المقدور والرضا به قال وأيضا فالبلاء إذا نزل إنما يقصد به أهل البقعة لا البقعة نفسها فمن أراد الله إنزال البلاء به فهو وعشرون به ولا محالة فأينما توجه يدركه فأرشده الشارع إلى عدم النصب " ،
وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الذي يترجح عندي في الجمع بينهما أن في الإقدام عليه تعريض النفس للبلاء ولعلها لا تصبر عليه وربما كان فيه ضرب من الدعوى لمقام الصبر أو التوكل فمنع ذلك حذرا من اغترار النفس ودعواها ما لا تثبت عليه ثم الاختبار وأما الفرار فقد يكون داخلا في التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة بما قدر عليه فأمرنا الشارع بترك التكلف في الحالتين ومن هذه المادة قوله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا فأمر بترك التمني لما فيه من التعرض للبلاء وخوف اغترار النفس إذ لا يؤمن غدرها عند الوقوع ثم أمرهم بالصبر عند الوقوع تسليما لأمر الله تعالى " ،
وقال البعض أن الطاعون هو الطعن عامة ، وهوكناية عن كثرة الهرج والفتن ،
قال ابن الأثير " والطاعُونُ المرضُ العامُّ والوَباء الذي يَفْسد له الهواءُ فتفسُدُ به الأمْزِجَة والأبْدان أرادَ أنَّ الغالِب على فَناء الأمَّة بالفِتَن التي تًسْفَك فيها الدِّماءُ ".
وفي أخصية الطاعون بذلك والتفرقه بين الموت به والموت في الجهاد : قال البيضاوي " من مات بالطاعون أو بوجع البطن ملحق بمن قتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما يناله من الكرامة ، بسبب ما كابدة من الشدة ، لا في جملة الأحكام والفضائل " .
وقوله صلي الله عليه وسلم الغريق : الغريق هو الذي يموت في الماء غرقاً ، قال المناوي في فيض القدير الغريق بالياء أي الذي يموت في الماء " ،
قال النووي في شرح مسلم ( 13/62 ) " والغريق هو الذي يموت غرقاً في الماء" ،
وقال ابن الأثير في النهاية ( 3/361 ) " غرق : فيه الحرق شهيد والغرق شهيد ، الغرق بكسر الراء الذي يموت بالغرق وقيل هوالذي غلبة الماء وهو الغرق فإذا غرق فهو غريق "،
وقال في لسان العرب ( 10/284 ) " و الغَرَق فـي الأَصل: دخول الـماء فـي سَمَّيِ الأَنف حتـى تمتلـىء مَنافذُه فـيَهلك، والشَّرَق فـي الفم حتـى يُغَص به لكثرته يقال: غَرِقَ فـي الـماءِ وشَرِقَ، إِذا غمره الـماء فملأَ مَنافذَه حتـى يموت " ،
وقد يطلق الغرق علي ما هو أعم من ذلك :
قال في لسان العرب ايضاً " الغَرَقُ، بفتـح الراء: الـمصدر. وفـي حديث وحشيّ: أَنه مات غَرِقاً فـي الـخمر، أَي متناهياً فـي شربها والإِكثار منه، مستعار من الغَرَقِ. وفـي حديث علـي وذكر مسجد الكوفة: فـي زاويته فار التَّنُّور وفـيه هلك يَغُوثُ ويَعُوقُ وهو الغارُوق؛ هو فاعول من الغَرَق، لأَن الغَرَق فـي زمان نوح، علـيه السلام، كان منه. وفـي حديث أَنس: و غُرَقاً فـيه دُبَّاء؛ قال ابن الأَثـير: هكذا جاء فـي رواية، والـمعروف ومَرَقاً، و الغُرَق الـمَرَق وفـي التنزيل: أَخَرَقْتَها لتُغْرِقَ أَهلها و الغَرِقُ: الذي غلبه الدَّيْن ورجل غَرِقٌ فـي الدَّين والبَلْوَى، وغَرِيق، وقد غَرِقَ فـيه، وهو مثل بذلك والـمُغْرَقُ:الذي قد أَغرقه قوم فطردوه وهو هارب عَجْلان والتَّغْرِيق:القتل " ،
وإنما المقصود في هذا الحديث هو الغرق في الماء ، لأن بعض الأحاديث جائت مصرحه بذلك ، كقوله صلي الله عليه وسلم و" والغريق في البحر شهيد ، والله تعالي أعلم ،
ويروي في فضل الغرق خاصه عن أم حرام مرفوعاً المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين " ،
وعن كعب الأحبار أنه قال " أفضل الشهداء الغريق له أجر شهيدين وإنه يكتب له من الأجر من حين يركبه حتى يرسى كأجر رجل ضربت في الله عنقه فهو يتشحط في دمه " ،
غير أنه من شروط هذا النوع من الشهادة أن لا يجعل نفسه عرضه لذلك كأن يكثر من ركوب البحر دون حاجه ،
قال مجاهد " لا يركب البحر إلا حاج ، أو معتمر ، أو غاز " ،
وقال ابن عبد البر " وأكثر أهل العلم يجيزون ركوب البحر في طلب الحلال إذا تعذر البر وركب البحر في حين يغلب عليه فيه السكون وفي كل ما اباحه الله ولم يحظره على حديث ام حرام ، وغيره إلا أنهم يكرهون ركوبه في الاستغزار من طلب الدنيا والاستكثار من جمع المال وبالله التوفيق " ،
وقوله صلي الله عليه وسلم : صاحب الهدم : أي الذي يموت تحت هدم قد سقط عليه ،
قال الزرقاني في الشرح ( 1/385 ) " وصاحب الهدم بفتح السكون : الميت تحته" ،
وقال في النهاية " الهدم بالتحريك البناء المهدوم فعل بمعنى المفعول وبالسكون الفعل نفسه " ،
وقال في تحفة الأحوزي ( 4/146 ) " وصاحب الهدم بفتح الدال أي الذي يموت تحت الهدم " ،
وفي هذا النوع وما هو مثله من الموت ، فإنه مما يجب التحرز منه كما هو الحال في الطاعون ، وإلا فإن الإهمال فيه بحيث يريد الشخص أن يصاب به فيقع شهيداً ، فهو من باب قتل النفس والله أعلم.
قال الحافظ السيوطي في الديباج ( 4/508 ) " وصاحب الهدم هو من يموت تحته قال القرطبي وهذا والذي قبله إذا لم يغدرا بنفسيهما ولم يهملا التحرز فإن فرطا في التحرز حتى أصابهما ذلك فهما عاصيان " ،
قال المناوي في فيض القدير ( 4/179 ) " وصاحب الهدم بكسر الدال أي الذي يموت تحت الهدم وبفتحها ما انهدم ومن رواه بسكونها فهو اسم الفعل ويجوز أن ينسب القتل إلى الفعل لكن الحقيقة أن ما انهدم هو الذي يقتل الذي مات تحت الهدم " ،
وقال ابن عبد البر في التمهيد ( 19/207 ) " وأما الذي يموت تحت الهدم فأعرف من أن يفسر " ،
أي أن معناه في كون من هدم عليه بناء بغير قصد منه ولا تعمد منه كأن يسكن تحته ، هو ممن تجري عليه أحكام الشهاده في الأخره ، والله أعلم .
وقوله صلي الله عليه وسلم : الشهيد في سبيل الله : هو المقتول في سبيل الله في الجهاد ، فكأنه عبر عنه في هذا الحديث بمجرد القتل العمد ، وتقديره المقتول في سبيل الله شهيد ،
قال المناوي في فيض القدير ( 4/179 ) " الشهيد أي القتيل في سبيل الله أخره لأنه من باب الترقي من الشهيد الحكمي إلى الحقيقي لا بالشهيد في سبيل الله مع قوله الشهداء خمسة مشكل لاستلزامه حمل الشيء على نفسه فكأنه قال الشهيد شهيد لأنا نقول هو من باب أنا أبو النجم وشعري شعري أو معنى الشهيد القتيل كما قررته " ،
وفي الفتح ( 6/44 ) " قال الطيبي يلزم منه حمل الشيء على نفسه لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له وأجاب بأنه من باب قول الشاعر أنا أبو النجم وشعرى شعرى ويحتمل أن يكون المراد بالشهيد في سبيل الله المقتول فكأنه قال والمقتول فعبر عنه بالشهيد ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله ويجوز أن يكون لفظ الشهيد مكررا في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال والتقدير الشهداء خمسة الشهيد كذا والشهيد كذا إلى آخره " ،
وهذا النوع من الشهادة هو أفضل هذه الأنواع علي الإطلاق ، وهو ما له حكم الشهادة في الدنيا والأخره فالشهيد في سبيل الله لا يغسل مثلاً ، وباقي الأنواع الأخري ممن له حكم اللشهادة لا تجري عليه هذه الأحكام التي تجري علي الشهيد في سبيل الله ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالي عنهما قال قال رجل يا رسول الله أي الجهاد أفضل قال من عقر جواده وأهرق دمه ،
ويشترط فيه النيه الصادقه ، والإقبال ، فكفي به فتنه ، كما في الحديث أن بريق السيوف علي رؤوسهم فتنة ،
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 1/237 ) " وإذا كان من هرق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك الصفة فهو مفضول وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب من يسمعه يقول من قتل في سبيل الله فهو شهيد ويقول لهم قولوا من قتل في سبيل الله فهو في الجنة قال أبو عمر لأن شرط الشهادة شديد فمن ذلك إلا يغل ولا يجبن وإن يقتل مدبر وأن يباشر الشريك وينفق الكريمة ونحو هذا كما قال معاذ والله أعلم " ،
قال " وروينا في هذا المعنى عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال لا تغل ولا تخف غلولا ولا تؤذ جارا ولا رفيقا ولا ذميا ولا تسب إماما ولا تفر من الزحف يعني ولك الشهادة أن قتلت " ،
مسألة :
قال ابن عبد البر " واختلفوا أيضا في شهيد البحر أهو أفضل أم شهيد البر فقال قوم شهيد البر أفضل واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الشهداء من عقر جواده وأهرق دمه وقال آخرون شهيد البحر أفضل والغزو في البحر أفضل واحتجوا بحديث منقطع الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يدرك الغزو معي فليغز في البحر فإن غزاة في البحر أفضل من غزوتين في البر وإن شهيد البحر له أجر شهيدي البر وإن أفضل الشهداء عند الله يوم القيامة اصحاب الوكوف قالوا يا رسول الله وما أصحاب الوكوف قال قوم تكفا بهم مراكبهم في سبيل الله وعن عبد الله بن عمرو أنه قال غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر ذكره ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث عن يحيى ابن سعيد عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال غزوة في البحر أفضل من عشر في البر والمائد فيه كالمتشحط في دمه وعن عبد الله بن عمرو أيضا أنه قال لأن أغزو في البحر غزوة أحب إلي من أن انفق قنطارا متقبلا في سبيل الله وإسناده ليس به بأس ذكره ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن يحيى بن ميمون عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو بن العاص .انتهي.
وفضل الشهيد في سبيل الله ، إنما هومعلوم والأحاديث فيه مستفاضه ، لا تبلغها كراريس منفرده لها ، وقد قال الله عزوجل عن المجاهدين في سبيله :
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154) سورة البقرة ، وقال تعالي :
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ،فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ( 169/170 ) سورة آل عمران ،
وقال تعالى " {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (74) سورة النساء ، .
وغيرها من الايات التي جائت بفضل القتال في سبيل الله، والله أعلم.
منقول للاستفادة.
http://www.maktoobblog.com/userFiles/p/a/panoramamarocegypte/images/47179426.gif
تخريج حديث الشهداء الخمسة عن أبي هريرة http://www.way2jannah.com/vb/images/sm/eek.gif
الحمد لله رب العالمين ... ولا عدوان إلا علي الظالمين ..
وبعد :
فهذا تخريج أحد الأحاديث النبوية الشريفة والتى قضت بذكر خمسة أنواع من الشهادة الحكمية ..
وهو أشهرها حديث أبي هريرة http://www.way2jannah.com/vb/images/sm/eek.gif ..
خرجته بفضل الله تعالى تخريجاً تفصيلياً .. ثم علقت عليه بشيء يسير من بطون كتب الشراح ..
نسأل الله تعالي التوفيق ::
عن أبي هريرة http://www.way2jannah.com/vb/images/sm/eek.gif أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " الشهداء خمسه : المبطون ، والمطعون ، والغريق ، وصاحب الهدم ، والشهيد في سبيل الله .....
التخريج :
حديث صحيح
أخرجه مالك في الموطأ ( 1/131 ) ، ومن طريقه أخرجه البخاري في الصحيح (3/1041 ) ، و( 1/233 ) ، ومسلم بن الحجاج في الصحيح ( 3/1521 )، والترمذي في الجامع ( 3/377 ) ، وأحمد في المسند ( 2/324 )، و(2/533)، وابن حبان في الصحيح ( 7/460 ) ، والنسائي في السنن الكبري (4/363 )، والبيهقي في شعب الإيمان ( 7/169 )، وغيرهم من طرق عن :
مالك بن أنس عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة .. به مرفوعاً :
وقد وقع عند بعضهم وهو في غالب الروايات : الحديث مطولاً بلفظ " بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له ثم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله وقال لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا عليه ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا " ،
وقد روي الحديث من أوجه أخر كثيرة عن أبي هريرة رضي الله تعالي عنها ، وقعت في الصحيحن وغيرهما ، وفي بعضها روي الحديث مختصراً ، وهذا اللفظ أتمها من حديث أبي هريرة ،
وقد حدث في بعض الأحاديث قلب ففي بعضها قال المبطون ، والمطعون ، وفي بعضها ، المطعون والمبطون ، وجاء في بعض روايات الحديث المطعون ، وفي بعضها المطعون بالبطن ، وهذا من قبيل العلل التي لا تقدح في الحديث :
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 22/11 ) " هذه ثلاثة أحاديث في واحد كذلك يرويها جماعة من أصحاب مالك وكذا هي محفوظة عن أبي هريرة أحدها حديث الذي نزع غصن الشوك عن الطريق ، والثاني حديث الشهداء والثالث قوله لو يعلم الناس ما في النداء إلى آخر الحديث " ،
وفي قوله الشهداء خمسه ما يوهم بأن درجة الشهادة إنما هي مقصورة علي هؤلاء الخمسة دون غيرهم فيكون ظاهرة التعارض بينه وبين باقي الأحاديث التي جائت بالزيادة علي ذلك كقوله الشهداء سبعة ، وهذا خطأ وليس مقصود هذا الحديث الحصر ،
قال الحافظ في ابن حجر في الفتح ( 6/43 ) " والذي يظهر أنه صلى الله عليه وسلم أعلم بالأقل ثم أعلم زيادة على ذلك فذكرها في وقت آخر ولم يقصد الحصر في شيء من ذلك وقد اجتمع لنا من الطرق الجيدة أكثر من عشرين خصلة فإن مجموع ما قدمته مما اشتملت عليه الأحاديث التي ذكرتها أربع عشرة خصلة " ، انتهي ،
وقال الزرقاني في الشرح ( 1/385 ) " من ذلك فلا تنافي بين سبعة وخمسة ولا بين ما ورد من نحو عشرين خصلة شهادة بطرق جيدة وتبلغ بطرق فيها ضعف أزيد من ثلاثين " ، انتهي ، وسوف تأتي تلك الخصال التي أشار إليها في طيات تلك الرسالة إن شاء الله تعالي ،
وقال المصنف في كتابه الديباج علي صحيح مسلم ( 4/508 ) " الشهداء خمسة : هم أكثر من ذلك وقد جمعتهم في كراسة فبلغوا ثلاثين وأشرت إليهم في شرح الموطأ قال القرطبي ولا تناقض ففي وقت أوحي إليه أنهم خمسة وفي وقت آخر أوحي إليه أنهم أكثر قلت وورد في أثر أن الشهادة خصوصية لهذه الأمة ولم يكن في الأمم السابقة شهيد إلا القتيل في سبيل الله خاصة " ، انتهي ،
وقد عني بكراسته هذه تلك الرسالة التي نحن بصدد تحقيقها وشرحها ، وشرحه للموطأ هوالمسمي بتنوير الحوالك شرح موطأ مالك ،
وقال المناوي في فيض القدير ( 4/179 ) " الحصر إضافي باعتبار المذكور هنا وإلا فقد عد جميع الشهداء التي وردت في أخبار فبلغت نحو الثلاثين " ،
وفي تسمية الشهيد بالشهيد ومعني ذلك قال النضر بن شميل " سمي بذلك لأنه حي بالحق أرواحهم شاهدة أي حاضرة ،
وقال ابن الدفع لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة وقيل لشهوده عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة ، وقيل لأنه يشهد له بالأمان من النار وقيل لأن عليه شاهدا بكونه شهيداً وقيل لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة وقيل لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل وقيل لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة وقيل لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع لهم وقيل لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه وقيل لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره وقيل لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ودار الآخرة وقيل لأن عليه علامة شاهدة أي حاضرة بأنه قد نجا وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله وبعضها يعم غيره وبعضها قد ينازع فيه " انتهي . حكاه الحافظ في الفتح ،
وفي التفرقه بين شهيد الحرب ومن تجري عليه أحكام الشهاده مما ذكر في هذا الحديث وغيره قال الحافظ ابن حجرفي الفتح ( 6/44 ) " ويتحصل مما ذكر في هذه الأحاديث أن الشهداء قسمان شهيد الدنيا وشهيد الآخرة وهو من يقتل في حرب الكفار مدبر مخلصا وشهيد الآخرة وهو من ذكر بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ولا تجري عليهم أحكامهم في الدنيا " ،
وقوله صلي الله عليه وسلم : المبطون : المبطون هو الذي يقتله داء بالبطن ، مستوطن أوعارض ،
قال المناوي في فيض القدير " المبطون : الذي يموت بداء بطنة " ،
وقال النووي في شرح مسلم ( 13/62 ) " وأما المبطون فهو صاحب داء البطن وهو الاسهال قال القاضى وقيل هو الذى به الاستسقاء وانتفاخ البطن وقيل هو الذى تشتكى بطنه وقيل هو الذى يموت بداء بطنه مطلقا " ، انتهي ،
قال السيوطي " وهذا الأخير – أي الذي يموت بداء بطنه مطلقاً – هو الذي رجحه القرطبي وجزم به " ،
قلت : ويشهد له حديث رواه خالد بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة وفيه " ومن مات من بطن فهو شهيد " ، وكذا في رواية لحديث أبي هريرة وقع فيها " المطعون بالبطن " ، وتحمل علي أن كل ما يقع من طعن أي وباء بالبطن يقتل يكون صاحبه شهيداً ، وربما حملت علي أن من أصابه الطاعون ببطنه ، وهذا كله إن كانت محفوظه ،
وقال الحافظ ابن حجر في الفتج ( 10/168 ) " المراد بالمبطون من اشتكى بطنه لافراط الاسهال وأسباب ذلك متعددة " ،
وقال ابن عبد البر في التمهيد ( 19207 ) " وأما المبطون فقيل فيه المحبور وقيل فيه صاحب الاسهال " ،
وقال ابن قتيبة في الغريب ( 1/317 ) " بطن : فهومبطون إذا اشتكي بطنه " ،
وقال صاحب لسان العرب ( 13/54 ) " مبطون إذا اشتكي بطنه " ،
وقال الزرقاني ( 1/385 ) " المبطون : الميت بمرض البطن أو الإستسقاء أو الإسهال " ،
وقال السيوطي في شرحه علي سنن النسائي ( 4/15 ) " قيل أراد هنا النفاس وهو أظهر " ، وليس هوبالأظهر كما سبق ذكره، بل الأظهر أنه ما يصيب البطن عامة فيقتل وهو ما رجحه القرطبي ،
وقال الطحاوي في حاشيته علي مراقي الفلاح " من مات بالبطن، واختلف فيه هل المراد الاستسقاء، أو الإسهال قولان، ولا مانع من الشمول " ،
وقد ورد في من مات بالبطن فضيله أخري وهي أنه لا يعذب في قبرة ، أخرج ذلك البيهقي في الشعب ( 7/171 ) أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ومحمد بن موسى قالا نا أبو العباس محمد بن يعقوب نا محمد بن اسحاق الصنعاني نا هاشم بن القاسم نا شعبة عن جامع بن شداد قال سمعت عبدالله بن يسار قال كنت جالسا مع سليمان بن مرد وخالد بن عرفطة فذكروا رجلا توفي بالبطن فقال أحدهما للآخر ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من قتله بطنه لم يعذب في قبره قال بلى"انتهي .
وقوله صلي الله عليه وسلم المطعون : هو الذي يموت بمرض الطاعون ، قال ابن الأثير في النهاية ( 3/172 ) " والطاعُون " الطَّعن : القتلُ بالرّماح والطاعُونُ : المرضُ العامُّ والوَباء الذي يَفْسد له الهواءُ فتفسُدُ به الأمْزِجَة والأبْدان " ،
وقال الزرقاني في الشرح ( 1/385 ) " المطعون الميت بالطاعون وهو غدة كغدة البعير يخرج في الآباط والمراق " ،
وقال النووي في شرح مسلم ( 13/62 ) " أما المطعون فهو الذي يموت في الطاعون كما في الروايه الأخري الطاعون شهادة لكل مسلم " ،
وقال ابن القيم في الطب النبوي ( 29 ) " الطاعون من حيث اللغة نوع من الوباء قبله صاحب الصحاح وهو عند أهل الطب ورم ردىء قتال يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا يتجاوزالمقدار في ذلك ويصير ما حوله في الكثر أسود أو أخضر أو أكمد ويؤول أمره إلى التقرح سريعا وفي الأكثر يحدث في ثلاث مواضع في الإبط وخلف الأذن والأرنبة وفي اللحوم الرخوة ، وفي أثر عن عائشة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كغدة البعير يخرج في المراق والإبط قال الأطباء إذا وقع الخراج في اللحوم الرخوة والمغابن وخلف الأذن والأرنبة وكان من جنس فاسد سمي يسمى طاعونا وسببه دم ردىء مائل إلى العفونة والفساد مستحيل إلى جوهر سمي يفسد العضو ويغير ما يليه وربما رشح دما وصديدا ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة فيحدث القىء والخفقان والغشى وهذا الإسم وإن كان يعم كل ورم يؤدى الى القلب كيفية رديئة حتى يصير لذلك قتالا فإنه يختص به الحادث في اللحم الغددي لأنه لرداءته لا يقبله من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع وأردؤه ما حدث في الإبط وخلف الأذن لقربهما من الأعضاء التي هي أرأس وأسلمه الأحمر ثم الأصفر والذي إلى السواد فلا يفلت منه أحد "انتهي.
قال " والطاعون يعبر به عن ثلاثة أمور أحدها هذا الأثر الظاهر وهو الذي ذكره الأطباء والثاني الموت الحادث عنه وهو المراد بالحديث الصحيح في قوله الطاعون شهادة لكل مسلم والثالث السبب الفاعل لهذا الداء " ،
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح ( 10/180 ) " والطاعون بوزن فاعول من الطعن عدلوا به عن أصله ووضعوه دالا على الموت العام كالوباء ويقال طعن فهو مطعون وطعين إذا أصابه الطاعون وإذا أصابه الطعن بالرمح فهو مطعون هذا كلام الجوهري وقال الخليل الطاعون الوباء وقال صاحب النهاية الطاعون المرض العام الذي يفسد له الهواء وتفسد به الأمزجة والأبدان وقال أبو بكر بن العربي الطاعون الوجع الغالب الذي يطفئ الروح كالذبحة سمي بذلك لعموم مصابه وسرعة قتله وقال أبو الوليد الباجي هو مرض يعم الكثير من الناس في جهة من الجهات بخلاف المعتاد من أمراض الناس ويكون مرضهم واحدا بخلاف بقية الأوقات فتكون الأمراض مختلفة وقال الداودي الطاعون حبة تخرج من الأرقاع وفي كل طي من الجسد والصحيح أنه الوباء وقال عياض أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد والوباء عموم الأمراض فسميت طاعونا لشبهها بها في الهلاك وإلا فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعونا " ،
قال " والحاصل أن حقيقته ورم ينشأ عن هيجان الدم أو انصباب الدم إلى عضو فيفسده ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء " انتهي.
وأما أصل الطاعون فقد روي أنه رجز أرسل علي طائفة ففي الصحيحين عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه سمعه يسأل أسامة بن زيد ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطاعون فقال أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاعون رجز أرسل على طائفة من بني إسرائيل وعلى من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارامنه " ،
وروي أنه وخز الأعداء من الجن ، وروي أنه دعوة النبي :
وفي فضل موت الطاعون خاصه أخرج الحاكم في المستدرك عن أبي بردة بن قيس رضي الله تعالى عنه أخي أبي موسى رضي الله تعالى عنه أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال اللهم اجعل فناء أمتي قتلا في سبيلك بالطعن والطاعون قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في التلخيص وسوف يأتي ذكر هذا الحديث، والنبي صلي الله عليه وسلم وهو الرحيم بأمته إن كان يدعو لهم بذلك فهذا مما يبن فضل من يهلك بالطاعون ، كما أن في إقرانه له بالطعن وهو القتل فسبيل الله ما هو أحري لبيان ذلك إن صح هذا الحديث بلفظ الدعاء، والله أعلم .
وقد حذر النبي صلي الله عليه وسلم من الدخول علي الطاعون إذا وقع ببلد ما أوالخروج عنها إذا وقع بها :
قال ابن القيم " وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم للأمة في نهيه عن الدخول إلى الأرض التي هو بها ونهيه عن الخروج منها بعد وقوعه كمال التحرز منه فإن في الدخول في الأرض التي هو بها تعريضا للبلاء وموافاة له في محل سلطانه وإعانة الإنسان على نفسه وهذا مخالف للشرع والعقل بل تجنبه الدخول إلى أرضه من باب الحمية التي أرشد الله سبحانه إليها وهي حمية عن الأمكنة والأهوية المؤذية وأما نهيه عن الخروج من بلده ففيه مغنيان أحدهما حمل النفوس على الثقة بالله والتوكل عليه والصبر علىأقضيته والرضا بها " ،
وقال الحافظ في الفتح ( 10/89 ) " ومنها ما تقدم أن الخارج يقول لو أقمت لأصبت والمقيم يقول لو خرجت لسلمت فيقع في اللو المنهي عنه والله أعلم وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة في قوله فلا تقدموا عليه فيه منع معارضة متضمن الحكمة بالقدر وهو من مادة قوله تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وفي قوله فلا تخرجوا فرارا منه إشارة إلى الوقوف مع المقدور والرضا به قال وأيضا فالبلاء إذا نزل إنما يقصد به أهل البقعة لا البقعة نفسها فمن أراد الله إنزال البلاء به فهو وعشرون به ولا محالة فأينما توجه يدركه فأرشده الشارع إلى عدم النصب " ،
وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد الذي يترجح عندي في الجمع بينهما أن في الإقدام عليه تعريض النفس للبلاء ولعلها لا تصبر عليه وربما كان فيه ضرب من الدعوى لمقام الصبر أو التوكل فمنع ذلك حذرا من اغترار النفس ودعواها ما لا تثبت عليه ثم الاختبار وأما الفرار فقد يكون داخلا في التوغل في الأسباب بصورة من يحاول النجاة بما قدر عليه فأمرنا الشارع بترك التكلف في الحالتين ومن هذه المادة قوله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو وإذا لقيتموهم فاصبروا فأمر بترك التمني لما فيه من التعرض للبلاء وخوف اغترار النفس إذ لا يؤمن غدرها عند الوقوع ثم أمرهم بالصبر عند الوقوع تسليما لأمر الله تعالى " ،
وقال البعض أن الطاعون هو الطعن عامة ، وهوكناية عن كثرة الهرج والفتن ،
قال ابن الأثير " والطاعُونُ المرضُ العامُّ والوَباء الذي يَفْسد له الهواءُ فتفسُدُ به الأمْزِجَة والأبْدان أرادَ أنَّ الغالِب على فَناء الأمَّة بالفِتَن التي تًسْفَك فيها الدِّماءُ ".
وفي أخصية الطاعون بذلك والتفرقه بين الموت به والموت في الجهاد : قال البيضاوي " من مات بالطاعون أو بوجع البطن ملحق بمن قتل في سبيل الله لمشاركته إياه في بعض ما يناله من الكرامة ، بسبب ما كابدة من الشدة ، لا في جملة الأحكام والفضائل " .
وقوله صلي الله عليه وسلم الغريق : الغريق هو الذي يموت في الماء غرقاً ، قال المناوي في فيض القدير الغريق بالياء أي الذي يموت في الماء " ،
قال النووي في شرح مسلم ( 13/62 ) " والغريق هو الذي يموت غرقاً في الماء" ،
وقال ابن الأثير في النهاية ( 3/361 ) " غرق : فيه الحرق شهيد والغرق شهيد ، الغرق بكسر الراء الذي يموت بالغرق وقيل هوالذي غلبة الماء وهو الغرق فإذا غرق فهو غريق "،
وقال في لسان العرب ( 10/284 ) " و الغَرَق فـي الأَصل: دخول الـماء فـي سَمَّيِ الأَنف حتـى تمتلـىء مَنافذُه فـيَهلك، والشَّرَق فـي الفم حتـى يُغَص به لكثرته يقال: غَرِقَ فـي الـماءِ وشَرِقَ، إِذا غمره الـماء فملأَ مَنافذَه حتـى يموت " ،
وقد يطلق الغرق علي ما هو أعم من ذلك :
قال في لسان العرب ايضاً " الغَرَقُ، بفتـح الراء: الـمصدر. وفـي حديث وحشيّ: أَنه مات غَرِقاً فـي الـخمر، أَي متناهياً فـي شربها والإِكثار منه، مستعار من الغَرَقِ. وفـي حديث علـي وذكر مسجد الكوفة: فـي زاويته فار التَّنُّور وفـيه هلك يَغُوثُ ويَعُوقُ وهو الغارُوق؛ هو فاعول من الغَرَق، لأَن الغَرَق فـي زمان نوح، علـيه السلام، كان منه. وفـي حديث أَنس: و غُرَقاً فـيه دُبَّاء؛ قال ابن الأَثـير: هكذا جاء فـي رواية، والـمعروف ومَرَقاً، و الغُرَق الـمَرَق وفـي التنزيل: أَخَرَقْتَها لتُغْرِقَ أَهلها و الغَرِقُ: الذي غلبه الدَّيْن ورجل غَرِقٌ فـي الدَّين والبَلْوَى، وغَرِيق، وقد غَرِقَ فـيه، وهو مثل بذلك والـمُغْرَقُ:الذي قد أَغرقه قوم فطردوه وهو هارب عَجْلان والتَّغْرِيق:القتل " ،
وإنما المقصود في هذا الحديث هو الغرق في الماء ، لأن بعض الأحاديث جائت مصرحه بذلك ، كقوله صلي الله عليه وسلم و" والغريق في البحر شهيد ، والله تعالي أعلم ،
ويروي في فضل الغرق خاصه عن أم حرام مرفوعاً المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد والغرق له أجر شهيدين " ،
وعن كعب الأحبار أنه قال " أفضل الشهداء الغريق له أجر شهيدين وإنه يكتب له من الأجر من حين يركبه حتى يرسى كأجر رجل ضربت في الله عنقه فهو يتشحط في دمه " ،
غير أنه من شروط هذا النوع من الشهادة أن لا يجعل نفسه عرضه لذلك كأن يكثر من ركوب البحر دون حاجه ،
قال مجاهد " لا يركب البحر إلا حاج ، أو معتمر ، أو غاز " ،
وقال ابن عبد البر " وأكثر أهل العلم يجيزون ركوب البحر في طلب الحلال إذا تعذر البر وركب البحر في حين يغلب عليه فيه السكون وفي كل ما اباحه الله ولم يحظره على حديث ام حرام ، وغيره إلا أنهم يكرهون ركوبه في الاستغزار من طلب الدنيا والاستكثار من جمع المال وبالله التوفيق " ،
وقوله صلي الله عليه وسلم : صاحب الهدم : أي الذي يموت تحت هدم قد سقط عليه ،
قال الزرقاني في الشرح ( 1/385 ) " وصاحب الهدم بفتح السكون : الميت تحته" ،
وقال في النهاية " الهدم بالتحريك البناء المهدوم فعل بمعنى المفعول وبالسكون الفعل نفسه " ،
وقال في تحفة الأحوزي ( 4/146 ) " وصاحب الهدم بفتح الدال أي الذي يموت تحت الهدم " ،
وفي هذا النوع وما هو مثله من الموت ، فإنه مما يجب التحرز منه كما هو الحال في الطاعون ، وإلا فإن الإهمال فيه بحيث يريد الشخص أن يصاب به فيقع شهيداً ، فهو من باب قتل النفس والله أعلم.
قال الحافظ السيوطي في الديباج ( 4/508 ) " وصاحب الهدم هو من يموت تحته قال القرطبي وهذا والذي قبله إذا لم يغدرا بنفسيهما ولم يهملا التحرز فإن فرطا في التحرز حتى أصابهما ذلك فهما عاصيان " ،
قال المناوي في فيض القدير ( 4/179 ) " وصاحب الهدم بكسر الدال أي الذي يموت تحت الهدم وبفتحها ما انهدم ومن رواه بسكونها فهو اسم الفعل ويجوز أن ينسب القتل إلى الفعل لكن الحقيقة أن ما انهدم هو الذي يقتل الذي مات تحت الهدم " ،
وقال ابن عبد البر في التمهيد ( 19/207 ) " وأما الذي يموت تحت الهدم فأعرف من أن يفسر " ،
أي أن معناه في كون من هدم عليه بناء بغير قصد منه ولا تعمد منه كأن يسكن تحته ، هو ممن تجري عليه أحكام الشهاده في الأخره ، والله أعلم .
وقوله صلي الله عليه وسلم : الشهيد في سبيل الله : هو المقتول في سبيل الله في الجهاد ، فكأنه عبر عنه في هذا الحديث بمجرد القتل العمد ، وتقديره المقتول في سبيل الله شهيد ،
قال المناوي في فيض القدير ( 4/179 ) " الشهيد أي القتيل في سبيل الله أخره لأنه من باب الترقي من الشهيد الحكمي إلى الحقيقي لا بالشهيد في سبيل الله مع قوله الشهداء خمسة مشكل لاستلزامه حمل الشيء على نفسه فكأنه قال الشهيد شهيد لأنا نقول هو من باب أنا أبو النجم وشعري شعري أو معنى الشهيد القتيل كما قررته " ،
وفي الفتح ( 6/44 ) " قال الطيبي يلزم منه حمل الشيء على نفسه لأن قوله خمسة خبر للمبتدأ والمعدود بعده بيان له وأجاب بأنه من باب قول الشاعر أنا أبو النجم وشعرى شعرى ويحتمل أن يكون المراد بالشهيد في سبيل الله المقتول فكأنه قال والمقتول فعبر عنه بالشهيد ويؤيده قوله في رواية جابر بن عتيك الشهداء سبعة سوى القتيل في سبيل الله ويجوز أن يكون لفظ الشهيد مكررا في كل واحد منها فيكون من التفصيل بعد الإجمال والتقدير الشهداء خمسة الشهيد كذا والشهيد كذا إلى آخره " ،
وهذا النوع من الشهادة هو أفضل هذه الأنواع علي الإطلاق ، وهو ما له حكم الشهادة في الدنيا والأخره فالشهيد في سبيل الله لا يغسل مثلاً ، وباقي الأنواع الأخري ممن له حكم اللشهادة لا تجري عليه هذه الأحكام التي تجري علي الشهيد في سبيل الله ، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالي عنهما قال قال رجل يا رسول الله أي الجهاد أفضل قال من عقر جواده وأهرق دمه ،
ويشترط فيه النيه الصادقه ، والإقبال ، فكفي به فتنه ، كما في الحديث أن بريق السيوف علي رؤوسهم فتنة ،
قال ابن عبد البر في التمهيد ( 1/237 ) " وإذا كان من هرق دمه وعقر جواده أفضل الشهداء علم أنه من لم يكن بتلك الصفة فهو مفضول وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب من يسمعه يقول من قتل في سبيل الله فهو شهيد ويقول لهم قولوا من قتل في سبيل الله فهو في الجنة قال أبو عمر لأن شرط الشهادة شديد فمن ذلك إلا يغل ولا يجبن وإن يقتل مدبر وأن يباشر الشريك وينفق الكريمة ونحو هذا كما قال معاذ والله أعلم " ،
قال " وروينا في هذا المعنى عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أنه قال لا تغل ولا تخف غلولا ولا تؤذ جارا ولا رفيقا ولا ذميا ولا تسب إماما ولا تفر من الزحف يعني ولك الشهادة أن قتلت " ،
مسألة :
قال ابن عبد البر " واختلفوا أيضا في شهيد البحر أهو أفضل أم شهيد البر فقال قوم شهيد البر أفضل واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم أفضل الشهداء من عقر جواده وأهرق دمه وقال آخرون شهيد البحر أفضل والغزو في البحر أفضل واحتجوا بحديث منقطع الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يدرك الغزو معي فليغز في البحر فإن غزاة في البحر أفضل من غزوتين في البر وإن شهيد البحر له أجر شهيدي البر وإن أفضل الشهداء عند الله يوم القيامة اصحاب الوكوف قالوا يا رسول الله وما أصحاب الوكوف قال قوم تكفا بهم مراكبهم في سبيل الله وعن عبد الله بن عمرو أنه قال غزوة في البحر أفضل من عشر غزوات في البر ذكره ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحرث عن يحيى ابن سعيد عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال غزوة في البحر أفضل من عشر في البر والمائد فيه كالمتشحط في دمه وعن عبد الله بن عمرو أيضا أنه قال لأن أغزو في البحر غزوة أحب إلي من أن انفق قنطارا متقبلا في سبيل الله وإسناده ليس به بأس ذكره ابن وهب عن عمرو بن الحرث عن يحيى بن ميمون عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو بن العاص .انتهي.
وفضل الشهيد في سبيل الله ، إنما هومعلوم والأحاديث فيه مستفاضه ، لا تبلغها كراريس منفرده لها ، وقد قال الله عزوجل عن المجاهدين في سبيله :
{وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ} (154) سورة البقرة ، وقال تعالي :
{وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ،فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} ( 169/170 ) سورة آل عمران ،
وقال تعالى " {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} (74) سورة النساء ، .
وغيرها من الايات التي جائت بفضل القتال في سبيل الله، والله أعلم.
منقول للاستفادة.
http://www.maktoobblog.com/userFiles/p/a/panoramamarocegypte/images/47179426.gif