شريف حمدان
04 / 09 / 2010, 34 : 10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)راوي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بين الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل
مقدمة
شهرة عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن أبي النجود وتلميذه حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)تملأ الآفاق اليوم ، فعاصم صاحب القراءة التي يقرأ بها المسلمون القرآن في معظم البلدان اليوم ، وحفص هو صاحب الرواية عنه ، لكن المرء يعجب مما ورد في كتب رجال الحديث من وصف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بأنه ضعيف ، متروك الحديث ، وصار ذلك الوصف من المسلمات لدى معظم من كتب عن حفص ، وحاول بعض العلماء التخفيف من أثر ذلك الوصف بالقول : " إن العالم قد يكون إماماً في فن مقصراً في فنون " ، ولا عجب بناء على ذلك أن يتقن حفص القرآن ويُجَوِّدَهُ ، ولا يتقن الحديث (1).
ولو أن الأمر توقف عند وصف حفص بعدم إتقان الحديث لكان مقبولاً ، لكنه تجاوز ذلك إلى الطعن في عدالته ، واتهامه بالكذب عند بعض العلماء. وكيف يكون المرء مؤتمناً على القرآن ، متهماً في الحديث ؟ إنه أمر أشبه بالجمع بين النقيضين !
وكنت أتتبع الروايات المتعلقة بهذه القضية وأقاويل العلماء فيها ، في محاولة لتفسيرها على نحو يخفف من أثرها (2) ، حتى لا تكون وسيلة للطعن في قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القرآن الكريم ، وقد انكشفت لي جوانب جديدة حول هذه القضية جعلتني أعود إلى دراستها وعرض نتيجة ما توصلت إليه حولها على المهتمين بالموضوع ، وهي نتيجة أحسب أنها تَسُرُّ حملة القرآن ، والمهتمين بدراسة القراءات ، إن شاء الله تعالى ، وأرجو أن تبعث السرور في نفوس المتخصصين بدراسة الحديث أيضاً ، والحق أحق أن يتبع ، والحكمة ضالة المؤمن . وتتلخص تلك النتيجة في أن تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في الحديث انبنى على وَهْمٍ وقع فيه بعض كبار علماء الحديث الأوائل ، وانتشر عند مَن جاء بعدهم ، وأُضيف إليه ، حتى صار كأنه حقيقة مسلمة لا تقبل النقاش .
وسوف أعرض عناصر الموضوع الأساسية على نحو مختصر من خلال بحث الفقرات الآتية :
(1) ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ .
(2) أشهر أقاويل المُجَرِّحِين .
(3) أقوال المُوَثِّقِين .
(4) مناقشة واستنتاج .
أولاً : ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ
لعل من المفيد للقارئ الاطلاع على ترجمة ملخصة لحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، قبل عرض فقرات الموضوع المتعلقة بتوثيقه وتجريحه ، وسوف أقتصر على إيراد نصين لترجمته يمثلان وجهتي نظر متقابلتين لكل من علماء القراءة وعلماء الحديث ، الأول من كتاب غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري الذي حاول إبراز النقاط المضيئة في شخصية حفص ، والثاني من كتاب الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ، الذي جمع فيه من أقوال التجريح التي يمكن أن تُخْرِجَ حفصاً - لو صحت - من الدين !
قال ابن الجزري : " حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن المغيرة ، أبو عمر الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الغاضري البزَّاز ، ويعرف بحُفَيْص ، أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وكان ربيبه ابن زوجته ، وُلِدَ سنة تسعين ، قال الداني : وهو الذي أخذ قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)على الناس تلاوة ، ونزل بغداد فأقرأ بها ، وجاور بمكة فأقرأ أيضاً بها ، وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)رواية أبي عمر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وقال أبو هشام الرفاعي : كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وقال الذهبي : أما القراءة فثقة ثَبْتٌ ضابط لها ، بخلاف حاله في الحديث ، قلت : يشير إلى أنه تُكُلِّمَ فيه من جهة الحديث ، قال ابن المنادي : قرأ على عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)مراراً ، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)... توفي سنة ثمانين ومئة على الصحيح ، وقيل بين الثمانين والتسعين ... "(3) .
وقال ابن الجوزي : " حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن المغيرة الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ البزَّاز ، وهو صاحب عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، ويقال له الغاضري، وهو حفص بن أبي داود ، كوفي ، حدَّث عن سماك بن حرب ، وليث ، وعاصم بن بهدلة ، وعلقمة بن مرثد ، قال : يحيى : ضعيف ، وقال مرَّة : ليس بثقة ، وقال مرة : كذَّاب . وقال أحمد ومسلم والنسائي : متروك الحديث . وقال البخاري : تركوه ، وقال السعدي: قد فُرِغَ منه منذ دهر ، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : كذَّاب متروك يَضَعُ الحديث ، وقال ابن حبان : كان يَقْلِبُ الأسانيد ويرفعُ المراسيل ، وقال أبو زرعة والدارقطني : ضعيف "(4).
ثانياً : أشهر أقاويل المُجَرِّحين :
قال ابن كثير : " إنَّ أول مَن تصدَّى للكلام على الرواة شعبة بن الحجاج ، وتبعه يحيى بن سعيد القطَّان ، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وعمرو بن الفلاس ، وغيرهم "(5).
ويكاد معظم الأقاويل في تجريح حفص القارئ يستند إلى ما قاله هؤلاء العلماء الأعلام الذين ذكرهم ابن كثير، وسوف أعرض ما نُقِلَ عن شعبة ويحيى بن معين خاصة ، لأن اللاحقين اعتمدوا على أقوالهما، أما الإمام أحمد فإنه وَثَّقَ حفصاً في ثلاث روايات وضَعَّفَهُ في أخرى ، وسوف أعرض أقواله عند الكلام على المُوَثِّقين .
(1) شعبة بن الحجاج الواسطي ، نزيل البصرة ( ت 160 هـ ) :
نقل محمد بن سعد البصري نزيل بغداد ، كاتب الواقدي ، ( ت 230 هـ ) وأحمد بن حنبل البغدادي ( ت 241 هـ ) عن يحيى بن سعيد القطان البصري ( ت 168 هـ ) رواية عن شعبة بن الحجاج تتعلق بحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المِنْقَرِيِّ البصري ، لكنها نُسبت بعد ذلك إلى حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ الكوفي الأصل ، راوية عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html).
ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات مَن نزل البصرة مِن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ومَن كان بها بعدهم من التابعين وأهل العلم والفقه ، وذكر في الطبقة الرابعة منهم:" حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)مولى لبني مِنْقَر ، ويكنى أبا الحسن، وكان أعلمهم بقول الحسن ، قال يحيى بن سعيد ، قال شعبة : أخذ مني حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كتاباً فلم يَرُدَّهُ عليَّ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها "(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :" حدثني أبي، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : عطاء بن أبي ميمون مات بعد الطاعون ، وكان يرى القَدَرَ ، وحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قبل الطاعون بقليل ، فأخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كتاباً فلم يَرُدَّهُ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(7).
ولا يخفى على القارئ أن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المذكور في قول شعبة هو المنقري ، وليس حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)راوي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، لكن بعض العلماء نقل هذا القول في ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بعد ذلك، وصار دليلاً على ضعفه في الحديث ، ولعل الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو أقدم من وقع في هذا الوَهْمِ ، في ما اطلعت عليه من المصادر، وذلك في كتاب الضعفاء الصغير ، حيث قال :"حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)أبو عمر ، عن علقمة بن مرثد ، تركوه ، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، قال يحيى : أخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص كتاباً فلم يرده ، قال وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(8).
واستقرت هذه الرواية في ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ بعد ذلك ، ولم يتنبه المؤلفون إلى أنها رواية بصرية تخص أحد رواة الحديث من البصريين ، كيف لا وقد اعتمدها شيخ المحدثين البخاري ، معتمداً على روايته عن الإمام أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن شعبة بن الحجاج ، ولا يكاد يجد المتتبع للموضوع سبباً لتضعيف حفص القارئ غير هذه الرواية(9)، وصار كثير من المؤلفين في الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)يذكرون تضعيف حفص القارئ من غير ذكر العلة ، على نحو ما مر في النص المنقول عن ابن الجوزي ، باعتبار أن تضعيفه أمر ثابت قرَّره كبار علماء الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، ولم يدركوا أن ذلك التضعيف انبنى على أساس غير صحيح .
(2) يحيى بن معين ، أبو زكريا البغدادي ( ت233هـ) :
يبدو أن يحيى بن معين لم يكن يعرف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الكوفي معرفة شخصية ، وليس هناك ما يؤكد أنهما التقيا في بغداد أو في غيرها من المدن، واعتمد يحيى في الحكم على حفص القارئ على قول أيوب بن المتوكل البصري القارئ (ت200هـ) فيه ، فقد نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :" قال ابو زكريا ، يعني يحيى بن معين : زعم أيوب بن المتوكل قال : أبو عمر البزاز أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر بن عياش ، وأبو بكر أوثق من أبي عمر . قال أبو زكريا : وكان أيوب بن المتوكل بصرياً من القراء ، سمعته يقول ذلك"(10).
ونقل بعض المؤلفين في الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قول أيوب بن المتوكل السابق الذي رواه عنه يحيى بن معين منسوباً إلى ابن معين نفسه مع تغيير فيه أدى إلى وصف حفص بأنه ليس ثقة ، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل عن الليث بن عبيد أنه قال :" سمعت يحيى بن معين يقول : أبو عمر البزاز صاحب القراءة ليس بثقة ، هو أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر بن عياش ، وأبو بكر أوثق منه"(11).
وجاء في كتاب تاريخ ابن معين من رواية عثمان بن سعيد الدارمي (ت280هـ) :" وسألته عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الكوفي : كيف حديثه ؟ فقال : ليس بثقة "(12) . وجاء في بعض الروايات عن يحيى بن معين أنه قال : ليس بشيء(13)، وصارت العبارة في رواية أخرى :"كان حفص كذَّاباً"، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل ، عن الساجي ، عن أحمد بن محمد البغدادي، قال سمعت يحيى بن معين يقول : كان حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وكان حفص أقرأ من أبي بكر ، وكان أبو بكر صدوقاً، وكان حفص كذَّاباً"(14). وانتهى الأمر عند ابن الجوزي إلى القول :" قال يحيى : ضعيف ، وقال مرة : ليس بثقة ، وقال مرة : كذاب "(15).
ويترجح لدي أن ذلك كله قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)غير دقيقة لقول أيوب بن المتوكل في حفص القارئ ، سواء كانت تلك القراءة من يحيى بن معين نفسه أو من الرواة عنه ، وعَزَّزَ تلك القراءة غير الدقيقة لقول أيوب ما كان قد انتشر من القول بتضعيفه نتيجة لنسبة كلمة شعبة بن الحجاج في حفص المنقري إليه ، لكن ابن الجزري نقل قول ابن معين على نحو آخر ، قال :" وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)رواية أبي عمر حفص بن سليمان"(16).
والخلاصة هي :
أن علماء الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)نسبوا حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ إلى الضعف في الحديث ، مستندين إلى قول شعبة : إنه كان يستعير كتب الناس فينسخها ، ولا يردها . وإلى قول أيوب : أبو بكر أوثق من أبي عمر . وكلا الأمرين لا يصلح أن يكون علة لتضعيفه ، أما الأول فقد بان أنه وَهْمٌ ، وأما الثاني فإن قول أيوب يمكن أن يعني أن حفصاً ثقة لكن شعبة أوثق منه . وسوف أعود لمناقشة ذلك بعد عرض أقوال الموثقين لحفص .
ثالثاً : أقوال المُوَثِّقين :
لا تخلو كتب التراجم وكتب الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أقوال في توثيق حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، لكنها قليلة ، غطَّت عليها أقاويل المجرحين ، ولعل ما ذهب إليه العلماء من " أن تقديم الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)على التعديل مُتَعَيِّنٌ"(17) قد حجب ما ورد من أقوال في توثيقه . وما ورد من أقوال في توثيقه على قلتها تدل على أن حفصاً كان موضع ثقة من علماء عرفوه أو أخذوا عنه . ومن العلماء الذين وثقوه :
(1) وكيع بن الجراح ، الكوفي (ت 196هـ) :
نقلت مجموعة من كتب الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عن أبي عمرو الداني الأندلسي (ت 444هـ) قوله في حفص القارئ:" مات قريباً من سنة تسعين ومئة ، قال : وقال وكيع : كان ثقـة "(18). وللداني كتاب في طبقات القراء ، لعله ذكر قول وكيع فيه .
وقول وكيع هذا مهم جداً في توثيق حفص لسببين : الأول : كونه من الكوفة ، وأهل الكوفة أعرف بعلمائهم ، والثاني : كونه معاصراً لحفص ، وما رَاءٍ كمَنْ سَمِعَ !
(2) سعد بن محمد بن الحسن العوفي ، تلميذ حفص :
انتقل حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ من الكوفة إلى بغداد ، ولعل ذلك حصل في منتصف القرن الثاني الهجري أو بعده بقليل ، وكان له من العمر قريباً من ستين سنة ، ونزل في الجانب الشرقي منها ، ونقل الخطيب البغدادي عن ابن مجاهد (ت 324هـ) قوله:"حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي ، حدثنا حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وكان ينزل سُوَيْقَةَ نصر، لو رأيته لَقَرَّتْ عَيْنُكَ به علماً وفهماً "(19).
وسعد بن محمد العوفي هذا أحد تلامذة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في بغداد ، وأخذ عنه قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، قال ابن مجاهد في كتابه السبعة :" حدثني محمد بن سعد العوفي ، عن أبيه ، عن حفص ، عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html): أنه كان لاينقص نحو ( هزواً ) و(كفواً)، ويقول : أكره أن تذهب مني عشر حسنات بحرف أدَعُهُ إذا هَمَزْتُهُ "(20) .
(3) الإمام أحمد بن حنبل (ت241 هـ) :
ذكر الخطيب البغدادي أربع روايات منقولة عن الإمام أحمد ، في ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ ، ثلاث منها فيها توثيق ، ورواية فيها تضعيف ، والروايات المُوَثَّقَةُ له هي قوله:
أ- هو صالح (21).
ب- ما كان بحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ بأس (22).
ج- عن حنبل، قال سألته ، يعني أباه، عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ ، فقال هو صالح (23)، وقوله : ( أباه ) يعني عمه أحمد بن حنبل .
أما الرواية التي ورد فيها تضعيف لحفص فقال فيها عنه وأبو عمر البزاز متروك الحديث (24).
ونقل ابن أبي حاتم رواية التضعيف على هذا النحو :" أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، في ما كتب إليَّ ، قال سمعت أبي يقول : حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، يعني أبا عمر القارئ ، متروك الحديث"(25).
ويبدو لي أن عبارة ( يعني أبا عمر القارئ ) مما أضافه ابن أبي حاتم إلى الرواية ، حتى لا ينصرف الذهن إلى حفص آخر ، ولكن من المحتمل أن يكون ابن أبي حاتم قد وَهِمَ في إضافة هذه العبارة ، كما وَهِمَ في نسبة قول شعبة في استعارة حفص للكتب إلى حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في الموضع نفسه(26) ، فقد يكون المقصود بذلك حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري .
(4) عُبيد بن الصبَّاح الكوفي ثم البغدادي ، تلميذ حفص :
نقل الذهبي عن أحمد بن سهل الأشناني (ت307هـ)أنه قال :" قرأت على عبيد بن الصباح ، وكان من الورعين المتقين ، قال قرأت القرآن كله على حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، ليس بيني وبينه أحد"(27). ويدل قول عبيد هذا على افتخاره بأخذه القراءة عن حفص مباشرة ، ولو كان حفص بالصورة التي تصورها كتب الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من كونه متروك الحديث ، كذاباً ، لما كان لقوله معنى ، لاسيما أن تلميذه أحمد بن سهل وصفه بأنه كان من الورعين المتقين .
(5) الفضل بن يحيى الأنباري ، تلميذ حفص :
ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنه أخذ رواية أبي عمر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، عن أبيه ، وقال أبوه :" أقرأني عمي أحمد بن بشار بن الحسن الأنباري ، عن الفضل بن يحيى الأنباري ، عن أبي عمر ، عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html). قال أبي : قال لي عمي: كان الفضل قد أقام بمكة مجاوراً حتى أخذ القراءة عن أبي عمر"(28).
ونقل ابن الجزري عن الفضل أنه قال :" قرأت على حفص وكتب لي القراءة من أول القرآن إلى آخره بخطه"(29)، وفي قول الفضل هذا من الفخر والاعتزاز ما يدل على ثقته بشيخه أبي عمر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ .
رابعاً : مناقشة واستنتاج :
إن ما تقدم من بيان لأقاويل المُجَرِّحِينَ لحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وأقوال المُعَدِّلِينَ له، يقتضي إعادة النظر في الموضوع كله ، في ضوء الحقائق التي تكشفت من خلال البحث ، وعلى النحو الآتي :
(1) إن تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في الحديث يحتاج إلى مراجعة ، بل قد يحتاج إلى تعديل وتصحيح ، وذلك بتغليب أقوال المعدِّلين له، لأن التعديل يُقبل من غير ذكر سببه ، على الصحيح المشهور ، ولا يُقبل الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)إلا مُبَيَّن السبب(30).
وقد اتضح أن سبب تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ الرئيس هو قول شعبة بن الحجاج ، وقد بان أن شعبة كان يعني حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري البصري ، ويؤكد ذلك أن ابن سعد نقل عن شعبة أن حفصاً المنقري كانت لديه كتب استفاد منها أخو زوجته أشعث بن عبد الملك في معرفة مسائل الحسن ، لأن حفصاً هذا كان أعلمهم بقول الحسن (31).
ولا يخفى أن تضعيف يحيى بن معين لحفص القارئ كان مبنيا ًعلى فهم غير دقيق لقول أيوب بن المتوكل ، على نحو ما بيَّنت من قبل . وبناء على ذلك ينبغي أن يعتمد قول الإمام أحمد بن حنبل في توثيق حفص القارئ ، ويحمل ما ورد من تضعيف على حفص آخر ، لأن وجود عدد من الأشخاص يحملون اسم حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قد أوقع بعض العلماء في الخلط بينهم ، على نحو ما سنوضح بعد قليل .
أما أقوال علماء الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الذين جاءوا بعد الجيل الأول من طبقة شعبة ويحيى بن معين والإمام أحمد والبخاري ، فإنهم كانوا ينقلون ما قاله هؤلاء الأعلام ، على ما فيه من أوهام وخلط ، وقد يتصرفون في العبارة بما يزيد من شدة النقد والتجريح لحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، وغَطَّتْ أقاويل التجريح أقوال التوثيق حتى نُسِيَتْ تقريباً ، على نحو ما لاحظنا في النص الذي نقلناه عن ابن الجوزي من قبل .
(2) ذكرت كتب التراجم عدة أشخاص من رواة الحديث باسم حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، عاشوا في القرن الثاني ، ذكر البخاري منهم في كتابه التاريخ الكبير أربعة ، هم :(32)
أ . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)البصري المنقري ، عن الحسن .
ب . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأزدي ، روى عنه خليد بن حسان .
ج . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، سمع معاوية بن قرة عن حذيفة ، مرسل ...
د . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)أبو عمر القارئ ...
وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لا سيما بين حفص المنقري البصري ، وحفص الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الكوفي ،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري ، وحمله على حفص الكوفي . ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما ، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، وقال :" مات حفص قبل الطاعون ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة "(33). وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومئة على الصحيح ، وقيل بين الثمانين والتسعين ، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [ عبد الواحد بن عمر ت 349هـ ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين و مئة ، فذاك حفص المنقري بصري ، من أقران أيوب السختياني ، قديم الوفاة ، فكأنه تصحف عليهم ، والله أعلم "(34).
وقد يعثر المتتبع على أمثلة أخرى من الخلط بين هؤلاء ، فقد نقل الهيثمي حديثاً قال عنه :" رواه الطبراني في الكبير ، وفيه حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري ، وهو متروك ، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه ، والصحيح أنه ضعفه ، والله أعلم ، وذكره ابن حبان في الثقات "(35).
ويثير هذا النص أكثر من إشكال ، منها أن الطبراني ذكر في الإسناد " حدثنا حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، عن قيس بن مسلم "(36) ، والذي يروي عن قيس بن مسلم هو حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، وقد تكون كلمة ( المقرئ ) تصحفت إلى (المنقري)، لكن الإشارة إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات يؤكد أن المقصود هو ( المنقري)(37)، ويكاد الهيثمي ينفرد بالنص على تضعيف حفص المنقري .
ولعل في ما قاله ابن حبان عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ ما يشير إلى ذلك الخلط ايضاً ، ونصه :" كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ، ويرويها سماع (كذا) "(38)، فلا شك في أن الذي يأخذ كتب الناس هو المنقري ، أما الذي يرفع المراسيل فقد يكون حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأزدي، فقد وصفه ابن حبان بأنه:" يروي المراسيل "(39)، ولعل كلمة (يروي) تصحفت عن كلمة( يرفع ) .
وكان أبو زرعة ( عبيد الله بن عبد الكريم ت 264هـ ) قد تخوَّف من الخلط بينهما ، فقال البرذعي :" وقال لي أبو زرعة : ليس هذا من حديث حفص ، أخاف أن يكون أراد حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري"(40) .
وإذا كان الأمر بهذه الصورة فإن تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ به حاجة إلى المراجعة ، لأن كثيراً مما رُمِيَ به يرجع إلى البصريين المُسَمَّيْنَ باسمه ، لكن تتابع الأقوال في تجريحه قد حجب الأقوال التي توثقه ، لا بل إن الأمر وصل إلى حد تغيير مفهوم قول أيوب بن المتوكل الذي أثبت فيه أن حفصاً أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر شعبة ، فقال ابن أبي حاتم :" قلت ما حاله في الحروف ؟ قال : أبو بكر بن عياش أثبت منه "(41). ومما يؤكد عدم دقة هذا التعبير قول أبي هشام الرفاعي (ت248هـ) :" كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم"(42)، وقل ابن المنادي (ت 336هـ) :" وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها على عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)"(43) ، ولعل ابن المنادي يشير إلى قول أيوب بن المتوكل الذي نقلناه من قبل : " أبو عمر أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر بن عياش " .
(3) ذكر المزي في ( تهذيب الكمال ) سبعة وعشرين شيخاً روى عنهم الحديث حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ (44) ، وقد تتبعتهم في (تقريب التهذيب) لابن حجر فوجدته يصف خمسة عشر منهم بـ( ثقة ) ، وعشرة منهم بـ (صدوق ) ، وواحد بـ ( لا بأس به ) ، وواحد وصفه بمجهول ، وهو كثير بن زاذان ، الذي سأل عثمان بن سعيد الدارمي يحيى بن معين عنه ، فقال :" قلت يروي ( أي حفص القارئ ) عن كثير بن زاذان من هو ؟ قال : لا أعرفه"(45)، لكن ابن حجر ذكره في التهذيب وقال : كثير بن زاذان النخعي الكوفي ، وذكر جماعةً من الرواة الذين رووا عنه سوى حفص ، وذكر نقلاً عن الخطيب البغدادي أنه كان مؤذن النخع (46).
وذكر المزي خمسة وثلاثين راوياً أخذوا عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ، وقد تتبعت ما قاله فيهم ابن حجر في تقريب التهذيب ، وابن أبي حاتم في الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، فوجدت أن معظمهم موصوف بأنه ( ثقة ) أو (صدوق) .
وإذا نظرنا إلى حال شيوخ حفص القارئ وحال معظم تلامذته من حيث وصفهم بالثقة والصدق فإن من المناسب أن يكون حفصٌ كما وصفه وكيع بأنه : ثقة ، أو كما وصفه الإمام أحمد بأنه : صالح ، وأن نَعُدَّ كل ما وُصِفَ به من ألفاظ التجريح من باب الوهم والخلط الذي كان سببه نسبة القول بأخذ كتب الناس ونسخها إليه ، وعدم الدقة في فهم قول أيوب بن المتوكل : إن أبا بكر شعبة أوثق منه .
(4) لعل مما يُعَزِّزُ هذه النتيجة أن تُعْقَدَ دراسة لمرويات حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ من الأحاديث ، ومروياتِ مَن يشاركه في الاسم ، ويُدْرَسَ حال رجالها ، وتُوَازَنَ بمرويات غيرهم من المحدثين ، للتحقق مما ورد عند ابن حبان من أن حفصاً كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، أو نحو ذلك مما نسبه إليه بعض العلماء بعد أن صنفوه في الضعفاء والمتروكين ، وأرجو أن أتمكن من القيام بمثل هذه الدراسة في المستقبل ، أو يقوم بها غيري ممن هو أكثر معرفة مني بعلم الحديث .
(5) والخلاصة التي يمكن ننتهي إليها من العرض السابق ونختم بها هي القول : إن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كان إماماً في القراءة ، ضابطاً لها ، أفنى عمره في تعليمها ، بدءاً ببلدته الكوفة التي نشأ فيها ، ومروراً ببغداد التي صارت عاصمة الخلافة ، وانتهاء بمكة المكرمة مجاوراً بيت الله الحرام فيها ، وهو في أثناء ذلك أبدى اهتماماً برواية الحديث النبوي الشريف ، لكنه لم يتفرغ له تفرغه للقراءة ، ومن غير أن يتخصص فيه ، لكن ذلك لا يقلل من شأنه أو يكون سبباً للطعن في عدالته (47)، بعد أن اتضح أن تضعيفه في الحديث كان نتيجة البناء على وَهْمٍ وقع فيه بعض العلماء المتقدمين ، ويكفيه فخراً أن القرآن الكريم يُتْلَى اليوم بالقراءة التي رواها عن شيخه عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن أبي النجود في معظم بلدان المسلمين ، ونرجو أن ينال من الثواب ما هو أهل له ، وما هو جدير به ، شهدنا بما علمنا ، ولا نزكي على الله أحداً .
-------
المراجع :
(1) ينظر: الذهبي : سير أعلام النبلاء 5/560 ، وميزان الاعتدال 2/ 319.
(2) ينظر : كتابي : محاضرات في علوم القرآن ص 155 هامش 5 .
(3) غاية النهاية 1/254 – 255 .
(4) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(5) الباعث الحثيث ص 137 .
(6) الطبقات الكبرى 7/256 .
(7) العلل ومعرفة الرجال 2/503 .
(8) كتاب الضعفاء الصغير ص 32 .
(9) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ، وابن أبي حاتم : الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)1/140 و3/320 ، و المزي : تهذيب الكمال 7/15 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 320 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(10) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345.
(11) الكامل في الضعفاء 2/380 .
(12) تاريخ ابن معين ص 97 ، وينظر : ابن حبان : كتاب المجروحين 1/255 ، وابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/380، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/ 186 ، والمزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(13) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(14) الكامل 2/380 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/15، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(15) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(16) غاية النهاية 1/254 .
(17) ينظر : ابن الجوزي : كتاب الضعفاء والمتروكين 1/7 ، والسيوطي : تدريب الراوي 1/ 204 .
(18) ينظر : علم الدين السخاوي : جمال القراء 2/466 ، والمزي : تهذيب الكمال 7/15 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 321 ، والهيثمي : مجمع الزوائد 10/163 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(19) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر :المزي : تهذيب الكمال 7/12، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(20) كتاب السبعة ص 159 ، وينظر : ابن الجزري : غاية النهاية 2/142 .
(21) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(22) تنظر : المصادر المذكورة في الهامش السابق .
(23) تاريخ بغداد 8/186 .
(24) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 .
(25) الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/173 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(26) ينظر : الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/173 .
(27) معرفة القراء الكبار 1/249 .
(28) إيضاح الوقف والابتداء 1/113 .
(29) غاية النهاية 2/11 .
(30) ينظر : السيوطي : تدريب الراوي 1/202 .
(31) ينظر : الطبقات الكبرى 7/276 .
(32) التاريخ الكبير 2/363 ، وينظر : ابن أبي حاتم : الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/ 173-174 .
(33) الفهرست ص 31 .
(34) غاية النهاية 1/255 .
(35) مجمع الزوائد 1/328 .
(36) المعجم الكبير 12/209 .
(37) ابن حبان : الثقات 6/195 .
(38) كتاب المجروحين 1/255 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(39) الثقات 6/197 .
(40) سؤالات البرذعي ص 8 .
(41) الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/174 .
(42) الذهبي : معرفة القراء 1/141 ، وابن الجزري : غاية النهاية 1/254 .
(43) المصدران السابقان .
(44) تهذيب الكمال 7/11- 12 .
(45) ينظر : ابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/ 380 ، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/168 .
(46) تهذيب التهذيب 8/369 .
(47) نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/186) أن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش (ت 283هـ) قال : " حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كذَّاب ، متروك ، يضع الحديث " . ولا يخفى على القارئ أن ابن خراش قد أتى بألفاظ في تجريح حفص لم يأت بها أحد من قبله ، وهي تطعن في عدالته وتنسبه إلى الكذب ووضع الحديث . وهذا أمر لا يوجد ما يشير إليه في أقوال المعاصرين لحفص أو يدل عليه . ولعل من المناسب أن نذكر هنا أن ابن خراش هذا كان رافضياً يطعن على الشيخين ، فما بالك بمن هو دونهما ( ينظر : السيوطي : طبقات الحفاظ ص 297 ) .
منقول للشيخ غانم قدوري الحمد
حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)راوي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بين الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل
مقدمة
شهرة عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن أبي النجود وتلميذه حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)تملأ الآفاق اليوم ، فعاصم صاحب القراءة التي يقرأ بها المسلمون القرآن في معظم البلدان اليوم ، وحفص هو صاحب الرواية عنه ، لكن المرء يعجب مما ورد في كتب رجال الحديث من وصف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بأنه ضعيف ، متروك الحديث ، وصار ذلك الوصف من المسلمات لدى معظم من كتب عن حفص ، وحاول بعض العلماء التخفيف من أثر ذلك الوصف بالقول : " إن العالم قد يكون إماماً في فن مقصراً في فنون " ، ولا عجب بناء على ذلك أن يتقن حفص القرآن ويُجَوِّدَهُ ، ولا يتقن الحديث (1).
ولو أن الأمر توقف عند وصف حفص بعدم إتقان الحديث لكان مقبولاً ، لكنه تجاوز ذلك إلى الطعن في عدالته ، واتهامه بالكذب عند بعض العلماء. وكيف يكون المرء مؤتمناً على القرآن ، متهماً في الحديث ؟ إنه أمر أشبه بالجمع بين النقيضين !
وكنت أتتبع الروايات المتعلقة بهذه القضية وأقاويل العلماء فيها ، في محاولة لتفسيرها على نحو يخفف من أثرها (2) ، حتى لا تكون وسيلة للطعن في قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القرآن الكريم ، وقد انكشفت لي جوانب جديدة حول هذه القضية جعلتني أعود إلى دراستها وعرض نتيجة ما توصلت إليه حولها على المهتمين بالموضوع ، وهي نتيجة أحسب أنها تَسُرُّ حملة القرآن ، والمهتمين بدراسة القراءات ، إن شاء الله تعالى ، وأرجو أن تبعث السرور في نفوس المتخصصين بدراسة الحديث أيضاً ، والحق أحق أن يتبع ، والحكمة ضالة المؤمن . وتتلخص تلك النتيجة في أن تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في الحديث انبنى على وَهْمٍ وقع فيه بعض كبار علماء الحديث الأوائل ، وانتشر عند مَن جاء بعدهم ، وأُضيف إليه ، حتى صار كأنه حقيقة مسلمة لا تقبل النقاش .
وسوف أعرض عناصر الموضوع الأساسية على نحو مختصر من خلال بحث الفقرات الآتية :
(1) ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ .
(2) أشهر أقاويل المُجَرِّحِين .
(3) أقوال المُوَثِّقِين .
(4) مناقشة واستنتاج .
أولاً : ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ
لعل من المفيد للقارئ الاطلاع على ترجمة ملخصة لحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، قبل عرض فقرات الموضوع المتعلقة بتوثيقه وتجريحه ، وسوف أقتصر على إيراد نصين لترجمته يمثلان وجهتي نظر متقابلتين لكل من علماء القراءة وعلماء الحديث ، الأول من كتاب غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري الذي حاول إبراز النقاط المضيئة في شخصية حفص ، والثاني من كتاب الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي ، الذي جمع فيه من أقوال التجريح التي يمكن أن تُخْرِجَ حفصاً - لو صحت - من الدين !
قال ابن الجزري : " حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن المغيرة ، أبو عمر الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الغاضري البزَّاز ، ويعرف بحُفَيْص ، أخذ القراءة عرضاً وتلقيناً عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وكان ربيبه ابن زوجته ، وُلِدَ سنة تسعين ، قال الداني : وهو الذي أخذ قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)على الناس تلاوة ، ونزل بغداد فأقرأ بها ، وجاور بمكة فأقرأ أيضاً بها ، وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)رواية أبي عمر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وقال أبو هشام الرفاعي : كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وقال الذهبي : أما القراءة فثقة ثَبْتٌ ضابط لها ، بخلاف حاله في الحديث ، قلت : يشير إلى أنه تُكُلِّمَ فيه من جهة الحديث ، قال ابن المنادي : قرأ على عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)مراراً ، وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ على عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)... توفي سنة ثمانين ومئة على الصحيح ، وقيل بين الثمانين والتسعين ... "(3) .
وقال ابن الجوزي : " حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن المغيرة الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ البزَّاز ، وهو صاحب عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، ويقال له الغاضري، وهو حفص بن أبي داود ، كوفي ، حدَّث عن سماك بن حرب ، وليث ، وعاصم بن بهدلة ، وعلقمة بن مرثد ، قال : يحيى : ضعيف ، وقال مرَّة : ليس بثقة ، وقال مرة : كذَّاب . وقال أحمد ومسلم والنسائي : متروك الحديث . وقال البخاري : تركوه ، وقال السعدي: قد فُرِغَ منه منذ دهر ، وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش : كذَّاب متروك يَضَعُ الحديث ، وقال ابن حبان : كان يَقْلِبُ الأسانيد ويرفعُ المراسيل ، وقال أبو زرعة والدارقطني : ضعيف "(4).
ثانياً : أشهر أقاويل المُجَرِّحين :
قال ابن كثير : " إنَّ أول مَن تصدَّى للكلام على الرواة شعبة بن الحجاج ، وتبعه يحيى بن سعيد القطَّان ، ثم تلامذته: أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وعمرو بن الفلاس ، وغيرهم "(5).
ويكاد معظم الأقاويل في تجريح حفص القارئ يستند إلى ما قاله هؤلاء العلماء الأعلام الذين ذكرهم ابن كثير، وسوف أعرض ما نُقِلَ عن شعبة ويحيى بن معين خاصة ، لأن اللاحقين اعتمدوا على أقوالهما، أما الإمام أحمد فإنه وَثَّقَ حفصاً في ثلاث روايات وضَعَّفَهُ في أخرى ، وسوف أعرض أقواله عند الكلام على المُوَثِّقين .
(1) شعبة بن الحجاج الواسطي ، نزيل البصرة ( ت 160 هـ ) :
نقل محمد بن سعد البصري نزيل بغداد ، كاتب الواقدي ، ( ت 230 هـ ) وأحمد بن حنبل البغدادي ( ت 241 هـ ) عن يحيى بن سعيد القطان البصري ( ت 168 هـ ) رواية عن شعبة بن الحجاج تتعلق بحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المِنْقَرِيِّ البصري ، لكنها نُسبت بعد ذلك إلى حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ الكوفي الأصل ، راوية عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html).
ذكر ابن سعد في كتاب الطبقات مَن نزل البصرة مِن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –ومَن كان بها بعدهم من التابعين وأهل العلم والفقه ، وذكر في الطبقة الرابعة منهم:" حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)مولى لبني مِنْقَر ، ويكنى أبا الحسن، وكان أعلمهم بقول الحسن ، قال يحيى بن سعيد ، قال شعبة : أخذ مني حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كتاباً فلم يَرُدَّهُ عليَّ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها "(6).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل :" حدثني أبي، قال سمعت يحيى بن سعيد يقول : عطاء بن أبي ميمون مات بعد الطاعون ، وكان يرى القَدَرَ ، وحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قبل الطاعون بقليل ، فأخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كتاباً فلم يَرُدَّهُ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(7).
ولا يخفى على القارئ أن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المذكور في قول شعبة هو المنقري ، وليس حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)راوي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، لكن بعض العلماء نقل هذا القول في ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بعد ذلك، وصار دليلاً على ضعفه في الحديث ، ولعل الإمام محمد بن إسماعيل البخاري هو أقدم من وقع في هذا الوَهْمِ ، في ما اطلعت عليه من المصادر، وذلك في كتاب الضعفاء الصغير ، حيث قال :"حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)أبو عمر ، عن علقمة بن مرثد ، تركوه ، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى ، قال يحيى : أخبرني شعبة قال : أخذ مني حفص كتاباً فلم يرده ، قال وكان يأخذ كتب الناس فينسخها"(8).
واستقرت هذه الرواية في ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ بعد ذلك ، ولم يتنبه المؤلفون إلى أنها رواية بصرية تخص أحد رواة الحديث من البصريين ، كيف لا وقد اعتمدها شيخ المحدثين البخاري ، معتمداً على روايته عن الإمام أحمد بن حنبل ، عن يحيى بن سعيد القطان ، عن شعبة بن الحجاج ، ولا يكاد يجد المتتبع للموضوع سبباً لتضعيف حفص القارئ غير هذه الرواية(9)، وصار كثير من المؤلفين في الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)يذكرون تضعيف حفص القارئ من غير ذكر العلة ، على نحو ما مر في النص المنقول عن ابن الجوزي ، باعتبار أن تضعيفه أمر ثابت قرَّره كبار علماء الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، ولم يدركوا أن ذلك التضعيف انبنى على أساس غير صحيح .
(2) يحيى بن معين ، أبو زكريا البغدادي ( ت233هـ) :
يبدو أن يحيى بن معين لم يكن يعرف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الكوفي معرفة شخصية ، وليس هناك ما يؤكد أنهما التقيا في بغداد أو في غيرها من المدن، واعتمد يحيى في الحكم على حفص القارئ على قول أيوب بن المتوكل البصري القارئ (ت200هـ) فيه ، فقد نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد :" قال ابو زكريا ، يعني يحيى بن معين : زعم أيوب بن المتوكل قال : أبو عمر البزاز أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر بن عياش ، وأبو بكر أوثق من أبي عمر . قال أبو زكريا : وكان أيوب بن المتوكل بصرياً من القراء ، سمعته يقول ذلك"(10).
ونقل بعض المؤلفين في الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قول أيوب بن المتوكل السابق الذي رواه عنه يحيى بن معين منسوباً إلى ابن معين نفسه مع تغيير فيه أدى إلى وصف حفص بأنه ليس ثقة ، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل عن الليث بن عبيد أنه قال :" سمعت يحيى بن معين يقول : أبو عمر البزاز صاحب القراءة ليس بثقة ، هو أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر بن عياش ، وأبو بكر أوثق منه"(11).
وجاء في كتاب تاريخ ابن معين من رواية عثمان بن سعيد الدارمي (ت280هـ) :" وسألته عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الكوفي : كيف حديثه ؟ فقال : ليس بثقة "(12) . وجاء في بعض الروايات عن يحيى بن معين أنه قال : ليس بشيء(13)، وصارت العبارة في رواية أخرى :"كان حفص كذَّاباً"، فقد نقل ابن عدي في كتابه الكامل ، عن الساجي ، عن أحمد بن محمد البغدادي، قال سمعت يحيى بن معين يقول : كان حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وكان حفص أقرأ من أبي بكر ، وكان أبو بكر صدوقاً، وكان حفص كذَّاباً"(14). وانتهى الأمر عند ابن الجوزي إلى القول :" قال يحيى : ضعيف ، وقال مرة : ليس بثقة ، وقال مرة : كذاب "(15).
ويترجح لدي أن ذلك كله قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)غير دقيقة لقول أيوب بن المتوكل في حفص القارئ ، سواء كانت تلك القراءة من يحيى بن معين نفسه أو من الرواة عنه ، وعَزَّزَ تلك القراءة غير الدقيقة لقول أيوب ما كان قد انتشر من القول بتضعيفه نتيجة لنسبة كلمة شعبة بن الحجاج في حفص المنقري إليه ، لكن ابن الجزري نقل قول ابن معين على نحو آخر ، قال :" وقال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)رواية أبي عمر حفص بن سليمان"(16).
والخلاصة هي :
أن علماء الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)نسبوا حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ إلى الضعف في الحديث ، مستندين إلى قول شعبة : إنه كان يستعير كتب الناس فينسخها ، ولا يردها . وإلى قول أيوب : أبو بكر أوثق من أبي عمر . وكلا الأمرين لا يصلح أن يكون علة لتضعيفه ، أما الأول فقد بان أنه وَهْمٌ ، وأما الثاني فإن قول أيوب يمكن أن يعني أن حفصاً ثقة لكن شعبة أوثق منه . وسوف أعود لمناقشة ذلك بعد عرض أقوال الموثقين لحفص .
ثالثاً : أقوال المُوَثِّقين :
لا تخلو كتب التراجم وكتب الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أقوال في توثيق حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، لكنها قليلة ، غطَّت عليها أقاويل المجرحين ، ولعل ما ذهب إليه العلماء من " أن تقديم الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)على التعديل مُتَعَيِّنٌ"(17) قد حجب ما ورد من أقوال في توثيقه . وما ورد من أقوال في توثيقه على قلتها تدل على أن حفصاً كان موضع ثقة من علماء عرفوه أو أخذوا عنه . ومن العلماء الذين وثقوه :
(1) وكيع بن الجراح ، الكوفي (ت 196هـ) :
نقلت مجموعة من كتب الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عن أبي عمرو الداني الأندلسي (ت 444هـ) قوله في حفص القارئ:" مات قريباً من سنة تسعين ومئة ، قال : وقال وكيع : كان ثقـة "(18). وللداني كتاب في طبقات القراء ، لعله ذكر قول وكيع فيه .
وقول وكيع هذا مهم جداً في توثيق حفص لسببين : الأول : كونه من الكوفة ، وأهل الكوفة أعرف بعلمائهم ، والثاني : كونه معاصراً لحفص ، وما رَاءٍ كمَنْ سَمِعَ !
(2) سعد بن محمد بن الحسن العوفي ، تلميذ حفص :
انتقل حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ من الكوفة إلى بغداد ، ولعل ذلك حصل في منتصف القرن الثاني الهجري أو بعده بقليل ، وكان له من العمر قريباً من ستين سنة ، ونزل في الجانب الشرقي منها ، ونقل الخطيب البغدادي عن ابن مجاهد (ت 324هـ) قوله:"حدثنا محمد بن سعد العوفي ، حدثنا أبي ، حدثنا حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وكان ينزل سُوَيْقَةَ نصر، لو رأيته لَقَرَّتْ عَيْنُكَ به علماً وفهماً "(19).
وسعد بن محمد العوفي هذا أحد تلامذة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في بغداد ، وأخذ عنه قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، قال ابن مجاهد في كتابه السبعة :" حدثني محمد بن سعد العوفي ، عن أبيه ، عن حفص ، عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html): أنه كان لاينقص نحو ( هزواً ) و(كفواً)، ويقول : أكره أن تذهب مني عشر حسنات بحرف أدَعُهُ إذا هَمَزْتُهُ "(20) .
(3) الإمام أحمد بن حنبل (ت241 هـ) :
ذكر الخطيب البغدادي أربع روايات منقولة عن الإمام أحمد ، في ترجمة حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ ، ثلاث منها فيها توثيق ، ورواية فيها تضعيف ، والروايات المُوَثَّقَةُ له هي قوله:
أ- هو صالح (21).
ب- ما كان بحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ بأس (22).
ج- عن حنبل، قال سألته ، يعني أباه، عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ ، فقال هو صالح (23)، وقوله : ( أباه ) يعني عمه أحمد بن حنبل .
أما الرواية التي ورد فيها تضعيف لحفص فقال فيها عنه وأبو عمر البزاز متروك الحديث (24).
ونقل ابن أبي حاتم رواية التضعيف على هذا النحو :" أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل ، في ما كتب إليَّ ، قال سمعت أبي يقول : حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، يعني أبا عمر القارئ ، متروك الحديث"(25).
ويبدو لي أن عبارة ( يعني أبا عمر القارئ ) مما أضافه ابن أبي حاتم إلى الرواية ، حتى لا ينصرف الذهن إلى حفص آخر ، ولكن من المحتمل أن يكون ابن أبي حاتم قد وَهِمَ في إضافة هذه العبارة ، كما وَهِمَ في نسبة قول شعبة في استعارة حفص للكتب إلى حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في الموضع نفسه(26) ، فقد يكون المقصود بذلك حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري .
(4) عُبيد بن الصبَّاح الكوفي ثم البغدادي ، تلميذ حفص :
نقل الذهبي عن أحمد بن سهل الأشناني (ت307هـ)أنه قال :" قرأت على عبيد بن الصباح ، وكان من الورعين المتقين ، قال قرأت القرآن كله على حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، ليس بيني وبينه أحد"(27). ويدل قول عبيد هذا على افتخاره بأخذه القراءة عن حفص مباشرة ، ولو كان حفص بالصورة التي تصورها كتب الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من كونه متروك الحديث ، كذاباً ، لما كان لقوله معنى ، لاسيما أن تلميذه أحمد بن سهل وصفه بأنه كان من الورعين المتقين .
(5) الفضل بن يحيى الأنباري ، تلميذ حفص :
ذكر أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري أنه أخذ رواية أبي عمر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، عن أبيه ، وقال أبوه :" أقرأني عمي أحمد بن بشار بن الحسن الأنباري ، عن الفضل بن يحيى الأنباري ، عن أبي عمر ، عن عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html). قال أبي : قال لي عمي: كان الفضل قد أقام بمكة مجاوراً حتى أخذ القراءة عن أبي عمر"(28).
ونقل ابن الجزري عن الفضل أنه قال :" قرأت على حفص وكتب لي القراءة من أول القرآن إلى آخره بخطه"(29)، وفي قول الفضل هذا من الفخر والاعتزاز ما يدل على ثقته بشيخه أبي عمر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ .
رابعاً : مناقشة واستنتاج :
إن ما تقدم من بيان لأقاويل المُجَرِّحِينَ لحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، وأقوال المُعَدِّلِينَ له، يقتضي إعادة النظر في الموضوع كله ، في ضوء الحقائق التي تكشفت من خلال البحث ، وعلى النحو الآتي :
(1) إن تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ في الحديث يحتاج إلى مراجعة ، بل قد يحتاج إلى تعديل وتصحيح ، وذلك بتغليب أقوال المعدِّلين له، لأن التعديل يُقبل من غير ذكر سببه ، على الصحيح المشهور ، ولا يُقبل الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)إلا مُبَيَّن السبب(30).
وقد اتضح أن سبب تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ الرئيس هو قول شعبة بن الحجاج ، وقد بان أن شعبة كان يعني حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري البصري ، ويؤكد ذلك أن ابن سعد نقل عن شعبة أن حفصاً المنقري كانت لديه كتب استفاد منها أخو زوجته أشعث بن عبد الملك في معرفة مسائل الحسن ، لأن حفصاً هذا كان أعلمهم بقول الحسن (31).
ولا يخفى أن تضعيف يحيى بن معين لحفص القارئ كان مبنيا ًعلى فهم غير دقيق لقول أيوب بن المتوكل ، على نحو ما بيَّنت من قبل . وبناء على ذلك ينبغي أن يعتمد قول الإمام أحمد بن حنبل في توثيق حفص القارئ ، ويحمل ما ورد من تضعيف على حفص آخر ، لأن وجود عدد من الأشخاص يحملون اسم حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)قد أوقع بعض العلماء في الخلط بينهم ، على نحو ما سنوضح بعد قليل .
أما أقوال علماء الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الذين جاءوا بعد الجيل الأول من طبقة شعبة ويحيى بن معين والإمام أحمد والبخاري ، فإنهم كانوا ينقلون ما قاله هؤلاء الأعلام ، على ما فيه من أوهام وخلط ، وقد يتصرفون في العبارة بما يزيد من شدة النقد والتجريح لحفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، وغَطَّتْ أقاويل التجريح أقوال التوثيق حتى نُسِيَتْ تقريباً ، على نحو ما لاحظنا في النص الذي نقلناه عن ابن الجوزي من قبل .
(2) ذكرت كتب التراجم عدة أشخاص من رواة الحديث باسم حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، عاشوا في القرن الثاني ، ذكر البخاري منهم في كتابه التاريخ الكبير أربعة ، هم :(32)
أ . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)البصري المنقري ، عن الحسن .
ب . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأزدي ، روى عنه خليد بن حسان .
ج . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، سمع معاوية بن قرة عن حذيفة ، مرسل ...
د . حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)أبو عمر القارئ ...
وقد وقع خلط بين هؤلاء الرواة للحديث، لا سيما بين حفص المنقري البصري ، وحفص الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الكوفي ،على نحو ما ذكرنا من نسبة قول شعبة في حفص البصري ، وحمله على حفص الكوفي . ووقع مثل هذا الخلط بينهما في تاريخ وفاتهما ، على نحو ما فعل ابن النديم حين ذكر حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، وقال :" مات حفص قبل الطاعون ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين ومئة "(33). وقد نبَّه ابن الجزري إلى ذلك فقال في وفاة حفص القارئ:" تُوُفِّيَ سنة ثمانين ومئة على الصحيح ، وقيل بين الثمانين والتسعين ، فأما ما ذكره أبو طاهر بن أبي هاشم [ عبد الواحد بن عمر ت 349هـ ] وغيره من أنه توفي قبل الطاعون بقليل ، وكان الطاعون سنة إحدى وثلاثين و مئة ، فذاك حفص المنقري بصري ، من أقران أيوب السختياني ، قديم الوفاة ، فكأنه تصحف عليهم ، والله أعلم "(34).
وقد يعثر المتتبع على أمثلة أخرى من الخلط بين هؤلاء ، فقد نقل الهيثمي حديثاً قال عنه :" رواه الطبراني في الكبير ، وفيه حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري ، وهو متروك ، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه ، والصحيح أنه ضعفه ، والله أعلم ، وذكره ابن حبان في الثقات "(35).
ويثير هذا النص أكثر من إشكال ، منها أن الطبراني ذكر في الإسناد " حدثنا حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، عن قيس بن مسلم "(36) ، والذي يروي عن قيس بن مسلم هو حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ ، وقد تكون كلمة ( المقرئ ) تصحفت إلى (المنقري)، لكن الإشارة إلى أن ابن حبان ذكره في الثقات يؤكد أن المقصود هو ( المنقري)(37)، ويكاد الهيثمي ينفرد بالنص على تضعيف حفص المنقري .
ولعل في ما قاله ابن حبان عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المقرئ ما يشير إلى ذلك الخلط ايضاً ، ونصه :" كان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل ، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ، ويرويها سماع (كذا) "(38)، فلا شك في أن الذي يأخذ كتب الناس هو المنقري ، أما الذي يرفع المراسيل فقد يكون حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأزدي، فقد وصفه ابن حبان بأنه:" يروي المراسيل "(39)، ولعل كلمة (يروي) تصحفت عن كلمة( يرفع ) .
وكان أبو زرعة ( عبيد الله بن عبد الكريم ت 264هـ ) قد تخوَّف من الخلط بينهما ، فقال البرذعي :" وقال لي أبو زرعة : ليس هذا من حديث حفص ، أخاف أن يكون أراد حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)المنقري"(40) .
وإذا كان الأمر بهذه الصورة فإن تضعيف حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ به حاجة إلى المراجعة ، لأن كثيراً مما رُمِيَ به يرجع إلى البصريين المُسَمَّيْنَ باسمه ، لكن تتابع الأقوال في تجريحه قد حجب الأقوال التي توثقه ، لا بل إن الأمر وصل إلى حد تغيير مفهوم قول أيوب بن المتوكل الذي أثبت فيه أن حفصاً أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر شعبة ، فقال ابن أبي حاتم :" قلت ما حاله في الحروف ؟ قال : أبو بكر بن عياش أثبت منه "(41). ومما يؤكد عدم دقة هذا التعبير قول أبي هشام الرفاعي (ت248هـ) :" كان حفص أعلمهم بقراءة عاصم"(42)، وقل ابن المنادي (ت 336هـ) :" وكان الأولون يعدونه في الحفظ فوق أبي بكر بن عياش ، ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها على عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)"(43) ، ولعل ابن المنادي يشير إلى قول أيوب بن المتوكل الذي نقلناه من قبل : " أبو عمر أصح قراءة (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)من أبي بكر بن عياش " .
(3) ذكر المزي في ( تهذيب الكمال ) سبعة وعشرين شيخاً روى عنهم الحديث حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ (44) ، وقد تتبعتهم في (تقريب التهذيب) لابن حجر فوجدته يصف خمسة عشر منهم بـ( ثقة ) ، وعشرة منهم بـ (صدوق ) ، وواحد بـ ( لا بأس به ) ، وواحد وصفه بمجهول ، وهو كثير بن زاذان ، الذي سأل عثمان بن سعيد الدارمي يحيى بن معين عنه ، فقال :" قلت يروي ( أي حفص القارئ ) عن كثير بن زاذان من هو ؟ قال : لا أعرفه"(45)، لكن ابن حجر ذكره في التهذيب وقال : كثير بن زاذان النخعي الكوفي ، وذكر جماعةً من الرواة الذين رووا عنه سوى حفص ، وذكر نقلاً عن الخطيب البغدادي أنه كان مؤذن النخع (46).
وذكر المزي خمسة وثلاثين راوياً أخذوا عن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ، وقد تتبعت ما قاله فيهم ابن حجر في تقريب التهذيب ، وابن أبي حاتم في الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)، فوجدت أن معظمهم موصوف بأنه ( ثقة ) أو (صدوق) .
وإذا نظرنا إلى حال شيوخ حفص القارئ وحال معظم تلامذته من حيث وصفهم بالثقة والصدق فإن من المناسب أن يكون حفصٌ كما وصفه وكيع بأنه : ثقة ، أو كما وصفه الإمام أحمد بأنه : صالح ، وأن نَعُدَّ كل ما وُصِفَ به من ألفاظ التجريح من باب الوهم والخلط الذي كان سببه نسبة القول بأخذ كتب الناس ونسخها إليه ، وعدم الدقة في فهم قول أيوب بن المتوكل : إن أبا بكر شعبة أوثق منه .
(4) لعل مما يُعَزِّزُ هذه النتيجة أن تُعْقَدَ دراسة لمرويات حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)القارئ من الأحاديث ، ومروياتِ مَن يشاركه في الاسم ، ويُدْرَسَ حال رجالها ، وتُوَازَنَ بمرويات غيرهم من المحدثين ، للتحقق مما ورد عند ابن حبان من أن حفصاً كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل ، أو نحو ذلك مما نسبه إليه بعض العلماء بعد أن صنفوه في الضعفاء والمتروكين ، وأرجو أن أتمكن من القيام بمثل هذه الدراسة في المستقبل ، أو يقوم بها غيري ممن هو أكثر معرفة مني بعلم الحديث .
(5) والخلاصة التي يمكن ننتهي إليها من العرض السابق ونختم بها هي القول : إن حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)الأسدي (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كان إماماً في القراءة ، ضابطاً لها ، أفنى عمره في تعليمها ، بدءاً ببلدته الكوفة التي نشأ فيها ، ومروراً ببغداد التي صارت عاصمة الخلافة ، وانتهاء بمكة المكرمة مجاوراً بيت الله الحرام فيها ، وهو في أثناء ذلك أبدى اهتماماً برواية الحديث النبوي الشريف ، لكنه لم يتفرغ له تفرغه للقراءة ، ومن غير أن يتخصص فيه ، لكن ذلك لا يقلل من شأنه أو يكون سبباً للطعن في عدالته (47)، بعد أن اتضح أن تضعيفه في الحديث كان نتيجة البناء على وَهْمٍ وقع فيه بعض العلماء المتقدمين ، ويكفيه فخراً أن القرآن الكريم يُتْلَى اليوم بالقراءة التي رواها عن شيخه عاصم (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)بن أبي النجود في معظم بلدان المسلمين ، ونرجو أن ينال من الثواب ما هو أهل له ، وما هو جدير به ، شهدنا بما علمنا ، ولا نزكي على الله أحداً .
-------
المراجع :
(1) ينظر: الذهبي : سير أعلام النبلاء 5/560 ، وميزان الاعتدال 2/ 319.
(2) ينظر : كتابي : محاضرات في علوم القرآن ص 155 هامش 5 .
(3) غاية النهاية 1/254 – 255 .
(4) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(5) الباعث الحثيث ص 137 .
(6) الطبقات الكبرى 7/256 .
(7) العلل ومعرفة الرجال 2/503 .
(8) كتاب الضعفاء الصغير ص 32 .
(9) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ، وابن أبي حاتم : الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)1/140 و3/320 ، و المزي : تهذيب الكمال 7/15 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 320 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(10) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345.
(11) الكامل في الضعفاء 2/380 .
(12) تاريخ ابن معين ص 97 ، وينظر : ابن حبان : كتاب المجروحين 1/255 ، وابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/380، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/ 186 ، والمزي : تهذيب الكمال 7/13 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(13) ينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(14) الكامل 2/380 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/15، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(15) كتاب الضعفاء والمتروكين 1/221 .
(16) غاية النهاية 1/254 .
(17) ينظر : ابن الجوزي : كتاب الضعفاء والمتروكين 1/7 ، والسيوطي : تدريب الراوي 1/ 204 .
(18) ينظر : علم الدين السخاوي : جمال القراء 2/466 ، والمزي : تهذيب الكمال 7/15 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/ 321 ، والهيثمي : مجمع الزوائد 10/163 ، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/ 345 .
(19) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر :المزي : تهذيب الكمال 7/12، وابن حجر : تهذيب التهذيب 2/345 .
(20) كتاب السبعة ص 159 ، وينظر : ابن الجزري : غاية النهاية 2/142 .
(21) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : المزي : تهذيب الكمال 7/13 ، والذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(22) تنظر : المصادر المذكورة في الهامش السابق .
(23) تاريخ بغداد 8/186 .
(24) تاريخ بغداد 8/186 ، وينظر : العقيلي : كتاب الضعفاء 1/270 .
(25) الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/173 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(26) ينظر : الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/173 .
(27) معرفة القراء الكبار 1/249 .
(28) إيضاح الوقف والابتداء 1/113 .
(29) غاية النهاية 2/11 .
(30) ينظر : السيوطي : تدريب الراوي 1/202 .
(31) ينظر : الطبقات الكبرى 7/276 .
(32) التاريخ الكبير 2/363 ، وينظر : ابن أبي حاتم : الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/ 173-174 .
(33) الفهرست ص 31 .
(34) غاية النهاية 1/255 .
(35) مجمع الزوائد 1/328 .
(36) المعجم الكبير 12/209 .
(37) ابن حبان : الثقات 6/195 .
(38) كتاب المجروحين 1/255 ، وينظر : الذهبي : ميزان الاعتدال 2/320 .
(39) الثقات 6/197 .
(40) سؤالات البرذعي ص 8 .
(41) الجرح (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)والتعديل (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)3/174 .
(42) الذهبي : معرفة القراء 1/141 ، وابن الجزري : غاية النهاية 1/254 .
(43) المصدران السابقان .
(44) تهذيب الكمال 7/11- 12 .
(45) ينظر : ابن عدي : الكامل في الضعفاء 2/ 380 ، والخطيب البغدادي : تاريخ بغداد 8/168 .
(46) تهذيب التهذيب 8/369 .
(47) نقل الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (8/186) أن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش (ت 283هـ) قال : " حفص بن سليمان (http://www.maroc-quran.com/vb/t15388.html)كذَّاب ، متروك ، يضع الحديث " . ولا يخفى على القارئ أن ابن خراش قد أتى بألفاظ في تجريح حفص لم يأت بها أحد من قبله ، وهي تطعن في عدالته وتنسبه إلى الكذب ووضع الحديث . وهذا أمر لا يوجد ما يشير إليه في أقوال المعاصرين لحفص أو يدل عليه . ولعل من المناسب أن نذكر هنا أن ابن خراش هذا كان رافضياً يطعن على الشيخين ، فما بالك بمن هو دونهما ( ينظر : السيوطي : طبقات الحفاظ ص 297 ) .
منقول للشيخ غانم قدوري الحمد