أبو عادل
09 / 09 / 2010, 22 : 05 PM
مسألة : ترك صلاة الظهر لمن صلى العيد في اجتماع يوم العيد مع يوم الجمعة
فإنه قد حدث في أوساط بعض الشباب التنازع في هذه المسألة
واختلف العلماء فيمن صلى العيد ممن تجب عليه صلاة الجمعة ، ولم يصل الجمعة هل تجزئ العيد عن الظهر أم تبقى الظهر واجبة في ذمته مع أتفاقهم على أنه يسقط وجوب الجمعة عن من شهد صلاة العيد, على قولين.
القول الأول
لا تسقط الظهر أبداً, سواء قلنا أن الرخصة خاص لأهل لعوالي أو أنه عام لمن صلى العيد, وبه قال علماء الأمصار. قال ابن عبد البر في الإستذكار(2/385): "وقد روي في هذا الباب عن ابن الزبير وعطاءٍ قول منكر أنكره فقهاء الأمصار ولم يقل به أحد منهم."اهـ وقال الصنعاني في سبل السلام(2/84): "بل في قول عطاء إنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه." اهـ
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
1) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ. ووجه الدلالة أن الاية ذكرت فيه على ختلاف في تفسيره الصلوات الخمسة, فدل أن الظهر أصل في كل يوم وتبقى بالتالي الذمة مشغولة بالظهر على الأصل إلا أن يجيء الدليل آخر ينقل ذلك الأصل
2) حديث الإسراء, الذي دل أن الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء هو الظهر, وما عدا ذلك بدل منه.
3) ترخيص الجمعة لا يسقط الظهر قياساً على المريض, لأن للمريض رخصة على ترك الجمعة, ولايسقط هذا الترخيص وجوب الظهر عليه. والعلة الجامعة بينهما هو الرخصة
4) صلى رسول الله صلى علية وسلم الظهر والعصر في عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة, ولم يصل الجمعة, فدل ذلك أن الأصل هو الظهر, فمتى سقط الجمعة لعذر أو لغير عذر نبقى على الأصل, وهو وجوب الظهر.
وأصل هذه المسألة أنهم اختلفو, هل الجمعة بدل من الظهر أم لا؟ على ثلاثة أقوال
1) أن الظهر أصل, والجمعة بدل عن الظهر. ورد على هذا القول أن البدل لا يفعل إلا عند تعذر المبدل, والجمعة يتعين فعلها مع إمكان الظهر, فيجاب أن الجمعة بدل من الظهر في المشروعية, وأن الظهر بدل من الجمعة في الفعل, بحيث إذا تعذر الجمعة وجب الظهر, وهذا هو التحقيق واختارها القرافي في الذخيرة (2/156)
2) أن الجمعة أصل, وأن الذي افترضه الله على عباده في يوم الجمعة هو صلاة الجمعة. ورد بأنه إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً . وظاهر كلام الشوكاني في النيل يخالف الإجماع, حيث قال(6/427): "فإيجاب صلاة الظهر على من تركها لعذر أو لغير عذر محتاج إلى دليل, ولا دليل يصلح التمسك به على ذلك فيما أعلم."اهـ وهذا باطل مخالف الإجماع, إذ من تركها وجب عليه الظهر إجماعاً, سواء تركها لعذر أو لغير عذر.
3) أن الواجب الظهر, ولا تجب الجمعة, وإنما يجب إسقاط الظهر بالجمعة, ورد بأن هذا كلام غير معقول, فإن الواجب لا يجوز تركه وهذا يجب تركه, والجمع بينهما متناقض.
القول الثاني
يسقط الظهر مع الجمعة عمن صلى العيد, ولا يصلي إلا العصر, وهذا القول مروي عن ابن الزبير وعطاء واختارها الشوكاني وغيره من بعض علماء المتأخرين والمعاصرين. واستدل أصحاب هذا القول أثر ابن الزبير وله حكم الرفع وأثر علي وحديث أبي هريرة.
أثر ابن الزبير
أثر ابن الزبير فيه إختلاف واضطراب كثير, بيانه مما يلي:
روى هذا الأثر عن ابن الزبير ثلاثة:
1) وهب بن كيسان
2) عطاء بن أبي رباح
3) أبي الزبير المكي
وهب بن كيسان روى عنه إثنان:
1) عبد الحميد بن جعفر
2) هشام بن عروة
رواية عبد الحميد بن جعفر رواه النسائي في المجتبى(1594) قال: أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا يحيى قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال: حدثني وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فأخّر الخروج حتى تعالى النهار, ثم خرج فخطب فأطال الخطبة ثمّ نزل فصلى, ولم يصل للناس يومئذٍ الجمعة, فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة.
قلت: وهذه الرواية لم يعللها النسائي. ولم يُذكر في هذه الرواية أنه لم يصل الظهر وإنما ذكر أنه لم يصل للناس يومئذٍ الجمعة وفي هذه الرواية أربعة مخالفات:
1. تأخير الخروج حتى تعالى النهار.
وهي تخالف السنة الثابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فعن عبد الله بسرـ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى, فأنكر إبطاء الإمام وقال: إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح. رواه البخاري (2/588) (فتح) تعليقاً مجزوماً به وأبو داود(1135) وابن ماجة(1317) والحاكم(1/434) برقم(1092) والبيهقي(3/282) والفريابي في أحكام العيدين(35) والحافظ موصولاً في تغليق التعليق(2/375). وقال الألباني في الإرواء(3/101): "وقد عزاه إليه "أي أحمد" الحافظ في الفتح ولم أره في مسنده".اهـ من رواية يزيد بن خمير الرحبي عنه. فال الحاكم: صحيح على شرط البخاري. وقال النووي كما في نصب الراية(2/211): صحيح على شرط مسلم. وقال الألباني في الإرواء(3/101): "هذا هو الصواب أنه على شرط مسلم وحده, وإن ابن خمير هذا إنما روى له البخاري تعليقاً."اهـ
وحديث ابن بسر هذا يدل على مشروعية التعجيل لصلاة العيد وكراهية تأخيرها.
2. الخطبة قبل الصلاة
وهذا يخالف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يصلون العيدين قبل الخطبة. رواه البخاري(963,979) ومسلم(888)
• عن ابن عباس قال: شهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ,وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم, فكلهم كانو يصلون قبل الخطبة ثم يخطب. رواه البخاري(962) ومسلم(884) مطولاً
• عن أبي سعيد الخذري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى, فأول شيءٍ يبدأ به الصلاة, ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفم فيعظهم, ويوصيهم, ويأمرهم, فإن كان يريد أن يقطع بعثاً قطعه أو يأمر بشيء أمر به, ثم ينصرف. قال أبو سعيد: فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان ـ وهو أمير المدينة ـ في أضحى أو فطر, فلما أتينا الملى إذا منبر باه كثير بن صلت, فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل الصلاة فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة, فقلت له: غيّرتم والله, فقال: أبا سعيد قد ذهب ما تعلم, فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم. فقال : إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة. رواه البخاري(956) ومسلم(889)
• عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا, نصلي ثم نرجع فننحر, فمن فعل ذلك فقد أصاب السنة ومن نحر قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله, ليس من النسك في شيء فقال رجل من الأنصار يقال له أبو بردة بن نيار: يا رسول الله ذبحت وعندي جذعة خير من مسنة. فقال: اجعله مكانه ولن توفى أو تجزى عن أحد بعدك. رواه البخاري(965) اللفظ له ومسلم(1961)
• عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى. فبدأ بالصلاة قبل الخطبة. ثم خطب الناس....... الحديث. رواه البخاري(978) ومسلم(885)
• عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم كانت تركز قدامه الحربة قدامه يومالفطر والنحر ثم يصلي. رواه البخاري(972)
• عن عبد الله بن السائب قال: شهدت مع رسول الله صلى عليه وسلم العيد, فلما قضى الصلاة قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس, ومن أحب أن يذهب فليذهب. رواه أبو داود(1155) والنسائي(1573) وابن ماجه(1290) وابن خزيمة(2/358) والبيهقي(3/301) والحاكم(1/434) والدارقطني(2/50) والطحاوي في المشكل(3740) من طريق الفضل بن موسى السيباني ثنا ابن جريج عن عطاء به
• عن أنس بن مالك قال: كانت الصلاة في العيدين قبل الخطبة. رواه ابن شيبة في مصنفه(2/76) وعبد بن حميد كما في المطالب العالية(5/165) وصححه صاحب التحقيق.
• أثر عمر رواه البخاري(5571) أن أبا عبيد مولى ابن أزهر شهد العيد يوم الضحى مع عمر بن الخطاب, فصلى ثبل الخطبة ثم خطب الناس.... الحديث
وابن عباس أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له فقال: إنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر وإنما الخطبة بعد الصلاة. أخرجه البخاري(959) ومسلم(886). وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه(2/76) وعبد الرزاق(3/277) برقم(5628) بلفظ: أن ابن الزبير سأل ابن عباس قال: كيف أصنع في هذا اليوم يوم عيد وكان الذي بينهما حسن فقال: لا تؤذن ولا تقم وصل قبل الخطبة, فلما ساء الذي بينهما أذن وأقام وخطب قبل الصلاة.اهـ قلت: وهذا يدل أن ابن الزبير اجتهد في ذلك, وأنه لا يتابع عليه, فكيف يتابع ما هو مناقض الأصول.
3. إطالة الخطبة
وهذا يخالف السنة الثابة عن رسول الله صلى عليه وسلم.
• عن عمار بن يسار رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه. رواه مسلم(869)
• عن جابر بن سمرة قال: كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكانت صلاته قصداً وخطبته قصداً. رواه مسلم(866)
4. عدم إمامة للناس يومئذٍ الجمعة
فإن ابن الزبير كان أميراً آنذاك, والسنة أن يقيم الإمام الجمعة ليشهدها من شاء شهودها. عن أبي هريرة عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان, فمن شاء أجزأه من الجمعة, وإنّا مجمِّعون. رواه أبو داود(1073) وابن ماجه(1311)والحاكم(1/425ـ426) وابن الجارود(302) والبيهقي(3/318) والخطيب في التاريخ(3/344)
ورواية عبد الحميد أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة(2/91) من طريق أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر والحاكم في المستدرك(1097)(1/435) من طريق أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد وابن خزيمة(1465)(3/359) من طريق بندار و إبراهيم الدورقي عن يحي عن عبد الحميد بن جعفر ومن طريق أحمد بت عبده عن سليم ابن أخضر عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري من بني عوف بن ثعلبة قال حدثني وهب بن كيسان قال: شهدت ابن الزبير بمكة وهو أمير فوافق يوم فطر أو أضحى يوم الجمعة, فأخر الخروج حتى ارتفع النهار, فخرج وصعد المنبر فخطب وأطال ثم صلى ركعتين, ولم يصل الجمعة, فعاب عليه ناس من بني امية بن عبد الشمس, فبلغ ذلك ابن عباس فقال: أصاب ابن الزبير السنة وبلغ ابن الزبير, فقال: رأيت عمر بن الخطاب رضى الله عنه اذا اجتمع عيدان صنع مثل هذا.اهـ واللفظ لأحمد بن عبدة.
وهذه الرواية لم يذكر أنه لم يصل الظهر وإنما ذكر أنه لم يصل الجمعة, وفيه زيادة وهو أن ذلك فعل أيضاً عمر. وقد وجه ابن خزيمة قول ابن عباس توجيهاً جيداً, فقال عقبه: "قول ابن عباس: أصاب ابن الزبير السنة, يحتمل أن يكون أراد سنة أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي. ولا أخال أنه أراد به أصاب السنة في تقديمه الخطبة قبل الصلاة العيد, لأن هذا الفعل خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وأبي بكر وعمر وإنما أراد تركه أن يجمع بهم بعدما قد صلى بهم صلاة العيد فقط. دون تقديم الخطبة قبل صلاة العيد."أهـ قلت: فغاية ما هناك أنه ترك الجمعة, فمن أين أنه ترك الظهر؟ مع ما في إسناده إضطراب, فقد روي ابن عبد البر في التمهيد(10/274) من طريق أبو قلابة قال حدثنا عبد الله بن حمران قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال أخبرني أبي عن وهب بن كيسان قال : اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير فصلى العيد ولم يخرج إلى الجمعة قال: ذكرت ذلك لابن عباس فقال: ما أماط عن سنة نبيه, فذكرت ذلك لابن الزبير فقال: هكذا صنع بنا عمر.اهـ فروى عبد الحميد هنا عن أبيه وهو جعفر بن عبد الله بن الحكم وهو ثقة كما في التقريب. لم يذكر فيه إطالة الخطبة.
قال ابن عبد البر في التمهيد(10/274): هذا الحديث اضطرب في إسناده.أهـ
ترجمة عبد الحميد بن جعفر
هو من رجال مسلم والأربعة. قال أحمد ثقة ليس به بأس, سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان سفيان يضعفه من أجل القدر. وقال الدوري عن ابن معين: ثقة ليس به بأس كان يحيى بن سعيد يضعفه, قلت ليحيى. فقد روي عنه. قال: فقد روى عنه. قال: روى عنه, وكان يضعفه, قلت: ما تقول أنت فيه, قال: ليس بحديثه بأس وهو صالح. قال عثمان الدارمي عن ابن معين: ثقة وقال ابن المديني عن يحيى بن سعيد: كان سفيان يحمل عليه وما أدري ما كان شأنه وشأنه وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وهو ممن يكتب حديثه. ذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن حبان بعد سبر أحاديثه: ربما أخطأ. وقال الساجي: ثقة صدوق ضعفه الثوري لذلك. وقال النسائي في الضعفاء: ليس بقوي. ولخص ابن حجر كلام العلماء بتلخيص جيد فقال في التقريب(3756): صدوق رمي بالقدر, وربما وهم.أهـ فالأصل في حديثه الحسن إلا إذا وهم أو خالف. وقد خالف هنا هشام بن عروة.
رواية هشام بن عروة رواه ابن أبي شيبة(2/92) قال: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان في يوم فخرج ابن الزبير فصلى العيد بعد ما ارتفع النهار ثم دخل فلم يخرج حتى صلى العصر قال هشام: فذكرت ذلك لنافع أو ذُكر ذلك لإبن عمر فلم ينكره.اهـ والإسناد صحيح. فرواية هشام فيه:
• صلى العيد بعد ما ارتفع النهار
• ولم يخرج حتى صلى العصر
• ولم يذكر أنه ذُكر لإبن عباس فضلاً أنه قال أصاب السنة
وهذا خلاف ما ذكر عبد الحميد بن جعفر, فإن قيل: هذا الخلاف لا يقتضي الرد, لأنه يحتمل أنه ذُكر لابن عباس وذُكر أيضاً لابن عمر, فروى كل واحد منهما أحد القصتين, فلا يقتضي الرد. قلنا: عبد الحميد بن جعفر نفسه إضطرب, فمرة قال عن وهب ومرة قال عن أبي,وربما وهم وقد يكون هذا من أوهامه وهشام أوثق من عبد الحميد, وهو من أهل البيت ابن الزبير صاحب القصة. فالأولى أن نأخذ رواية لا مطعن فيه من الرواية فيه مطعن. وقد طَعن رواية عبد الحميد, ابن حزن في المحلى(3/302)فقال:"إذا اجتمع عيد ويوم الجمعة صلى للعيد ثم للجمعة ولا بد ولا يصح أثر بخلاف ذلك لأن في روايته إسرائل وعبد الحميد بن جعفر وليسا بالقويين."أهـ وعلى كل الحال فهذان روايتان لا يدل محل النزاع, إذ غاية ما فيه أنه لم يجمِّع بهم.
عطاء ابن أبي رباح روى عنه ثلاثة:
1. الأعمش
2. ابن جريج
3. منصور
رواية الأعمش رواه أبو داود(1071) من طريق أسباط عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح قال: صلى بنا ابن الزبير في يوم جمعة أوّل النهار, ثم رحنا إلى الجمعة, فلم يخرج إلينا, فصلينا وحداناً, وكان ابن عباس بالطائف, فلما قدم ذكرنا ذلك له, فقال: أصاب السنة.أهـ وهذه الرواية فيه أنهم صلو وحداناً, فدل ذلك أنهم صلوا الظهر لما لم يخرج لهم ابن الزبير, ولا يقال إن مراده صلوا الجمعة وحداناً فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً. وفيه أيضاً أن قول ابن عباس أصاب السنة يعني بذلك ترخيص الجمعة لا ترخيص الظهر والجمعة معاً, لأن الظاهر أنهم قد ذكرو له أنهم صلو وحداناً, والجواب معاد السؤال.
ابن جريج وقد اختلف عليه, فروى عنه إثان
1. أبوعاصم النبيل الضحاك ابن مخلد وعنه إثنان
• يحيى بن خلف
• عمرو ابن علي الفلاس
2. عبد الرزاق الصنعاني
رواية يحيى بن خلف عن أبو عاصم عن ابن جريج رواه أبو داود(1072) قال ابن جريج: قال عطاء: اجتمع يوم جمعة ويوم فطر على عهد ابن الزبير فقال: عيدان اجتمعا في يوم واحد, فجمّعهما جميعاً, فصلاهما ركعتين بكرةً لم يزد عليهما حتى صلى العصر.اهـ
ولم يذكر هذه الرواية أنه ذكر ذلك " أي ترك الظهر" لابن عباس. وظاهره من فهم عطاء, لأنه لما لم يخرج, فهم من ذلك أنه لم يزد على ركعتي العيد حتى صلى العصر.
رواية عمرو ابن علي عن أبو عاصم عن ابن جريج رواه الفريابي في أحكام العيدين(140) قال ابن جريج: عن عطاء ، قال : اجتمع يوم فطر ويوم جمعة زمن ابن الزبير فصلى ركعتين ، فذكر ذلك لابن عباس فقال : أصاب. أهـ
ولم يذكر "السنة" ولم يذكر أنه لم يزد عليهما حتى صلى العصر, وإنما صلى ركعتي العيد. وغاية ما فيه أنه أصاب ترك الجمعة لا الظهر.
رواية عبد الرزاق عن ابن جريج رواه هو في مصنفه(5725)(3/303) قال ابن جريج: قال عطاء: إن اجتمع يوم الجمعة ويوم العيد في يوم واحد فليجمعهما, فليصل ركعتين قط, حيث يصلي صلاة الفطر, ثم هي هي حتى العصر, ثم أخبرني عند ذلك قال: اجتمع يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمان ابن الزبير فقال ابن الزبير: عيدان اجتمعا في يوم واحد, فجمعهما جميعاً بجعلهما واحداً وصلى يوم الجمعة ركعتين بكرةً صلاة الفطر ثم لم يزد عليها حتى صلى العصر, قال: فأما الفقهاء فلم يقولو في ذلك وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه, قال: ولقد أنكرت أنا ذلك عليه, وصليت الظهريومئذٍ, قال: حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا كذلك صُلِّيا واحدة وذكر ذلك عن محمد ابن علي بن حسين أخبر أنهما كانا يجمعان إذا اجتمعا قالا إنه وجده في كتاب لعلي, زعم.أهــ
هذه الرواية لم يذكر فيه أنه ذُكر ذلك لابن عباس.
والذي يظهر والعلم عند الله أن ابن جريج أخطأ في لفظ الأثر. لهذا تكلم الأئمة في رواية ابن جريج عن عطاء لأن ابن جريج معروف بالتدليس خصوصاً عن عطاء وفقد نقل ابن رجب في شرح علل الترمذي(1/376) عن الإمام أحمد أنه قال: كل شيء قال ابن جريج: قال عطاء أو عن عطاء فإنه لم يسمعه.أهـ وجميع روايات ابن جريج الذي تقدم استخدم صيغة قال, وعن. أما قول الشيخ الألباني في صحيح أبي داود(4/238 برقم982)قال: "وهذا إسناد صحيح, رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم, وابن جريج ـ اسمه عبد الملك بن عبد العزيز ـ وإن كان مدلساً, فقد روى ابن أبي خيثمة بإسناد صحيح عنه أنه قال: إذا قلت: قال عطاء, فأنا سمعته منه وإن لم أقل: سمعت."أهـ فظاهره يخالف نقل ابن رجب الذي سبق آنفاً. ونقل ابن حجر في تهذيب التهذيب (3/476ـ478) عن الإمام أحمد أنه قال: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأُخبرت جاء بمناكير. ونقل عن الدارقطني أنه قال: شر التدليس ابن جريج, فإنه قبيح التدليس, لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح. فالظاهر أن قول ابن جريج في الأثر "ثم لم يزد عليهما حتى صلى العصر" وقوله"ثم هي هي حتى صلى العصر" من أوهام ابن جريج. ومع أن جميع هذه الروايات متخالفة, فمن المستبعد أن يستدل إسقاط فرض بأثر مضطربة, ولم يضبط الرواة حقيقة الواقع. قال ابن عبد البر في التمهيد(1/270) " ليس في حديث ابن الزبير بيان أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة، وأي الأمرين كان، فإنّ ذلك أمر متروك مهجور، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر، فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول"
رواية منصور عن عطاء رواه ابن أبي شيبة(2/92) قال: حدثنا هشيم وهو ابن بشير عن منصور عن عطاء قال" اجتمع عيدان في عهد ابن الزبير فصلى بهم العيد ثم صلى بهم الجمعة صلاة الظهر أربعاً."اهـ هشيم رمي بالتدليس, ومع ذلك روى متناً منكرا, لأن الثقات عن عطاء روو خلاف ذلك.
رواية أبو الزبير
رواه عبد الرزاق(5726)(3/303ـ304) عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير في جمع ابن الزبير بينهما يوم جمع بينهما, قال سمعنا ذلك أن ابن عباس قال: أصاب, عيدان اجتمعا في يوم واحد.اهـ وفي هذه الرواية قول ابن عباس "أصاب" ولم يذكر "السنة".
تلخيص ما سبق
هذه هي الروايات عن ابن الزبير. أولاً رواية وهب بن كيسان وفيه مخالفات ظاهره, وقد يكون رواية هشام عن وهب أرجح من روية عبد الحميد عن وهب. ثانياً رواية أبي الزبير المكي وليس فيه "السنة" وإنما فيه "أصاب". ثالثاً رواية عطاء, فرواية الأعمش عن عطاء بن أبي رباح, فيه أنه لم يخرج إليهم وليس فيه أنه لم يصل الظهر, وفيه أنه ذكر لابن عباس وقال "أصاب السنة". ورواية أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء فيه أنه صلى ركعتين بكرة ولم يزد عليها, ولم يذكر أنه ذُكر لابن عباس, ورواية عمرو بن علي عن ابن جريج ففيه "أصاب" ولم يذكر السنة. ورواية عبد الرزاق عن ابن جريج ففيه أنه لم يزد على ركعتي العيد حتى العصر. فالأثر اضطرابه ظاهر. ولذلك قال ابن عبد البر في التمهيد(10/274) "هذا حديث اضطرب في إسناده" وقال أيضاً في الإستذكار(2/385) "أما فعل ابن الزبير وما نقله عطاء من ذلك وأفتى به على أنه اختلف عنه, فلا وجه فيه عند جماعة الفقهاء, وهو عندهم خطأ إن كان على ظاهره, لأن الفرض من صلاة الجمعة لا يسقط بإقامة السنة في العيد عند أحد من أهل العلم."
ولو سلمنا جدلاً أن أثر ابن الزبير محفوظ, فيحتمل أن الذي صلى كانت جمعتاً, وهو احتمال قوي جداً, ومع الإحتمال يسقط الإستدلال, ويأيده تقديمه الخطبة على الصلاة, إذ لا يخفى على مثل ابن الزبير أن السنة في العيد تقديم الصلاة, ثم أيضاً لا يقال أن ابن الزبير خالف السنة عمداً لما ساء الذي بينه وبين ابن عباس, ولكن إنما صلى الجمعة في ذلك الوقت على مذهب من يقول أن وقت صلاة العيد ووقت الجمعة واحد. قال ابن عبد البر في الإسنذكار(2/385) " وقد روى فيه قوم أنّ صلاته التي صلاها لجماعةٍ ضحى يوم العيد نوى بها صلاة الجمعة على مذهب من رأى انّ وقت صلاة العيد ووقت الجمعة واحد." وقال مجد الدين أبو بركات الحراني في المنتقى(307) " إنما وجه هذا أنه رأى تقدمة الجمعة قبل الزوال فقدمها, واجتزأ بها عن العيد." وقال الخطابي في معالم السنن(1/212):"أما صنع ابن الزبير فإنه لا يجوز عندي أن يحمل إلا على مذهب من يرى تقديم الجمعة قبل الزوال, وقد روى ذلك عن ابن مسعود وروى ابن عباس أنه بلغه فعل ابن الزبير فقال: أصاب السنة.وقال عطاء: كل عيد حين يمتد الضحى: الجمعة. وحكى إسحاق بن منصور عن أحمد بن حنبل أنه قيل له: الجمعة قبل الزوال أو بعده؟ قال: إن صليت قبل الزوال فلا أعيبه, وكذلك قال إسحاق, فعلى هذا يُشبه أن يكون ابن الزبير صلى الركعتين على أنهما جمعة وجعل اليد في معنى التنع لها." أهـ ويحتمل أنه صلى الظهر في بيته, ويكون رواية عطاء خطأً. قال ابن عبد البر في الإستذكار(2/385) "وتأول آخرون أنه لم يخرج إليهم, لأنه صلاها في أهله ظهراً أربعاً."
يقول أيضاً في التمهيد(10/277ـ278) " إذا احملت هذه الأثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه لأن الله عز وجل يقول: "إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" ولم يخص الله ورسوله يوم عيد من غيره , من وجه تجب حجته, فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث, ولم يخرجا البخاري ولا مسلم بن الحجاج منها حديثاً واحداً وحسبك بذلك ضعفاً لها ."أهـ
يقول أيضاً في الإستذكار(2/385)"وقد روي في هذا الباب عن ابن الزبير, وعطاء قول منكر أنكره فقهاء الأمصار ولم يقل به أحد منهم"أهـ
واستدل أصحاب هذا القول أيضاً بأثر علي.رواه عبد الرزاق في المصنف(3/305) (5731) عن الثوري عن عبد الله عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: اجتمع عيدان في يوم فقال: من أراد أن يجمع فليجمع, ومن أراد أن يجلس فليجلس. قال سفيان: يعني يجلس في بيته .أهـ وقال أصحاب هذا القول أنه لم يأمر الناس أن يصلو الظهر وإنما أمرهم ان يجلسو في البيت, فيجاب أن هذا الدليل حجة عليكم لا لكم, وذلك أن علي نفسه صلى الجمعة. ففي مصنف عبد الرزاق(5730) عن ابن جريج قال أخبرني جعفر بن محمد أنهما اجتمعا وعلي بالكوفة, فصلى ثم صلى الجمعة, وقال حين ضلى الفطر: من كان هاهنا فقد أذنّا له, كأنه لمن حوله, يريد الجمعة .اهـ فدل ذلك أنه أراد بقوله "ومن أراد أن يجلس فليجلس" هو الترخّص في التخلف عن الاجتماع للصلاة وحضور الخطبة الجمعة, لا أن يجلس في بيته ولا يصلي الطهر.
واستدلو أيضاً بحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى عليه وسلم أنه قال: قد اجتمع في يومكم هذا عيدان, فمن شاء أجزأه من الجمعة, وإنّا مجمِّعون. رواه أبو داود(1073) وابن ماجه(1311) والحاكم(1/425ـ426) وابن الجارود(302) والبيهقي(3/318)والخطيب في التاريخ(3/344) كلهم من طريق بقية قال ثنا شعبة عن المغيرة الضبي عن عبد العزيز ابن رافع عن ابي صالح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. ووجه الدلالة أن قوله " أجزأه" يدل أنه قد برأت ذمته عن الجمعة وأجزأت عنه الجمعة, فهو كالأداء, فلا يطالب عنه الظهر,ومع أن الأصل في ذلك اليوم الجمعة, فلا شيء عليه إلا العصر. فيجاب أن الإستدلال فرع عن التصحيح, وقد أُعل هذا الحديث بالإرسال, أعله أبو زوعة , والدارقطني وابن عبد البر , وهو الصواب. ولو سلمنا أن الحديث صحيح, فالإجزاء هو كفاية العبادة أي كونها كافية في سقوط الطلب والخروج عن العهدة كما قال في المراقي
كفاية العبادة الإجزاء وهي أن يسقط الاقتضاء
فيقتضي ذلك أن رسول الله لما صلى العيد أجزءت عنه الجمعة وخرج عن عهدة الطلب, فكأنه أدّى الجمعة, ولماذا صلى رسول الله الجمعة وقد أجزأت عنه؟ فدل ذلك أن الإجزاء المقصود به في الحديث هي الترخص في التخلف عن الإجتماع مرة ثانية للجمعة لا الجمعة, ولما كانت الجماعة شرطٌ للجمعة بالإجماع تعين أن يصلى الظهر. يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوي(24/211) " وأيضاً فإنه إذا صلى العيد حصل مقصود الإجتماع ثم هو يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة, فتكون الظهر في وقتها, والعيد يحصل مقصود الجمعة, وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم وتكدير لمقصود عيدهم." اهـ
فتحصل من هذ: الظهر هو الأصل والجمعة بدل منه, ووجوب الظهر على من أخذ الرخصة.
وآخيراً فلا ينبغي لمسلم أن يسقط فرض ثابتة في الكتاب والسنة بححج واهية, وأثر منكر ظاهر النكارة.
هذا آخر ما أردت جمعه, اللهم أرنا الحق حقا, وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلا, وارزقنا اجتنابه. وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيرا الى يوم الدين.
عبد العزيز كرعد الصومالي
16/رمضان 1431هـ