أبو عادل
09 / 10 / 2010, 41 : 11 AM
http://img828.imageshack.us/img828/3271/081209115534zynq.gif
نسب جهينة (1) :
لا خلاف بين نسّابة العرب - فيما أعلم - على انحدار القبيلة العربية الكبيرة « جهينة » من قضاعة؛ فأُمهات الكتبَ التي يُعَوِّلُ عليها؛ والتي تيسر لنا الرجوع إليها تُوشك أن تُجْمِعَ على سَنَدٍ نَسَبِيٍّ واحدٍ ينتهي بِقُضَاعَة؛ فقدْ ذكرتْ هذه المصادر أنَّ جهينة هو ابن زيد بن لَيْثٍ بن سود ابن أَسْلُم بن الحاف (في بعضها: الحافي) بن قضاعة (2) .
وأدخل ابن عبد البر (3) تعديلاً على سلسلة هذا النسب بزيادة ونقصان؛ فقد أورد عن نسب جهينة : « وأما ولدها - يُشِيرُ إلى قضاعة - فإن قضاعة ولد الحاف بن قضاعة ؛ وولد الحاف رجُلين: عمران بن الحاف ؛ وعمرو بن الحاف . هذا ما لم يُختلف فيه؛ ومنهما تشعبت بطون قضاعة ..... ومن ولد عمرو بن الحاف بن قضاعة (بَلِيٍّ).... وجُهينة بن زيد بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة »(4) . فأنت ترى أن صاحب هذا النص حذف جَدَّ جهينة (ليث) ، ووسط بين أسلم ـ الذي هو ابن الحاف في الرواية الأولى ـ اسماً آخر هو عمرو الذي جعله ابناً لـ (الحاف).
كما أن السمعاني - وإن اتفق مع أصحاب الرواية الأولى على سلسلة نسب جُهَيْنَةَ - خالفهم حين جعل جهينة هو زيد بن ليث؛ وذلك حين يقول: (الجُهَنِيُّ.... هذه النسبة إلى جُهَيْنَة ؛ وهي قبيلة من قضاعة ؛ واسمه زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة (5) . غير أنَ الإتفاق تامٌ بين هؤلاء وأولئك على الارتقاء بالنسب الجُهني إلى قضاعة .
أما قضاعة نفسه ففي نسبة اختلاف كبير بين نسابة العرب؛ فمنهم من وصله بعدنان - وله في ذلك حججه. ومنهم من ارتقى به إلى قحطان ، وهو عندي الأرجح(6) ؛ ومن شواهد رجحانه ـ على سبيل المثال - حديث عقبة بن عامر الجهني الذي رواه (جرير بن حازم عن أبي لهيعة ، عن معروف بن سويد عن أبي عشانة المعافري عن عقبة بن عامر الجهنيّ في حديث ذكره قال: قلتُ يا رسول اللّه : أما نَحْنُ من مَعَدّ ؟؛ قال: « لا ». قلت: مَن نحن ؟ قال: « أنتم قضاعة بن مالك بن حمير »(7) . يقول ابن عبد البر ـ تعقيباً على ذلك - : « فعلى هذا قضاعة في اليمن في حمير في سبأ ؛ ولا يختلفون أن جهينة بن زيد بن أسود بن أسلُم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة قبيل عُقبة بن عامر الجهني . قال الشرقيُّ : فإن يكن رسولُ اللّه قال: فقد صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (8) .
على أن دراسة نَسب قضاعة بالتفصيل؛ وتتبع تقلباتها على مدار التاريخ الإسلامي منذ القدم وحتى الخلافة العباسية؛ تبعاً لمصالحها الاقتصادية المتمثلة في العطاء؛ الذي كان يُرَاعى في توزيعه قرب نسب القبيلة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وأحياناً تبعاً لأهواء وأغراضٍ سياسية تتمثل في مواقف الخلفاء الأمويين من القيسية والقحطانية(9) ؛ وما إلى ذلك من الدواعي؛ - هذه الدراسة تخرج عن طبيعة هذا البحث -؛ ولذا نكتفي فيها بهذه الإشارة السريعة .
جهينة في شبه جزيرة العرب :
1 ـ في تهامة اليمن :
يستفاد مما ذكره ابن هشام والطبريُّ وياقوت أن أقدم موطنٍ لجهينة كان في تهامة اليمن ؛ فقد جاء في «السيرة» لابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق - في معرض حديثه عن نسب قضاعة - قوله: (فولد معد بن عدنان أربعة نَفَرٍ: نزار بن معد ؛ وقضاعة بن معد ؛... فأما قضاعة فتيامنتْ إلى حمير بن سبأ .... قال ابن هشام : فقالت اليمن : وقضاعة بن مالك بن حِمْيَر (10) . وقد أراد ابن هشام - فيما هو ظاهر - أن يدعم رأيه القائل بأنَّ قضاعة من عدنان ؛ وأن نسبتها إلى حِمْيَرَ إنما هو وَهْمٌ نشأ بسبب سكناها في ديار حِمْيَر اليمانية.
وإذا كان ابن هشام لم يذكر، في هذا النص، تهامة اليمن أو جهينة بلفظ صريح فإن الإمام الطبريَّ قد أوضح ذلك على نحوٍ مُبِين؛ وذلك حين قال: ( ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يُؤرخون من خروج سعدٍ ونَهْدٍ وجُهَيْنَة بني زيد من تهامة ؛ حتى مات كعب بن لُؤَيّ ؛ فأرخوا من موت كعب بن لُؤَيٍّ إلى الفِيْل؛ فكان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة (11) . فقد أفادنا هذا النص - زيادة على التصريح بِسُكْنا جهينة في تهامة - قِدَمَ جُهَيْنَة في هذه الديار؛ قِدماً يعودُ بها إلى زمانٍ سابقٍ لميلاد المسيح عليه السلام .
أما ياقوت فقد جاء في حديثه عن كلمة (شَبَّ) قوله: (ذو الشب شقٍّ في أعلى جبل جُهينة باليمن ؛ يُستخرج من أرضه الشبُّ المشهور) (12). وبَيَّن في موضع آخر مراده من (اليمن) الوارد في هذا النص - فيما أظن - فقال (13) : (وقال أبو المنذر في «كتاب الأفراق » : وظعنت قضاعة كلها من غور تهامة بعدما كان من حرب بني نزار لهم؛ وإجلائهم إيَّاهم؛ وساروا منجدين) (14) .
وتهامة - فيما هو معلوم - تشمل أراضي السهل الساحليّ الضَّيِّق الممتد من شبه جزيرة سيناءَ شمالاً إلى أطراف اليمن جنوباً؛ وفيها مُدُن نَجْران ومكة المكرمة وجدة وصنعاء (15) وغيرها؛ وهي - لهذا - تنقسم إلى تهامة اليمن وتهامة الحجاز ، وقد رَجَّحنا في الصحائف الماضية أن تهامة الواردة في النصوص هي تهامة اليمن لاقترانها كثيراً بكلمة اليمن وحِمْيَر؛ ولقرائن أُخرى غيرها .
على أن ابن خلدون يرى أن أقدم موطن لقضاعة - وفيهم جهينة على ما مرّ - إنما كان نَجْران ؛ إلى أن غلبهم عليها بنو الحارث بن كعب من الأزد ؛ فساروا إلى الحجاز ؛ ودخلوا في قبائل معدّ ؛ ومن ثم نُسبوا إليه غلطاً (16) .
من هذه النصوص نستنتج أن نشأة جهينة الأُولى كانت - على الأشهر، وفي أغلب الظن - في تهامة بمعناها الواسع الذي يشمل أوطان نزار بن مَعَدٍّ ، حتى قرب مكة المكرمة في الشمال ولا يتجاوزه، كما يشمل أرض سبأ في اليمن . وهكذا بَقِيْتْ جهينةُ ـ فيما يبدو ـ تَحْتَلُّ رقعةً واسعة في شبه جزيرة العرب ؛ تمتد من مواطن سبأ في مأرب ؛ حتى مواطن نزارٍ بن معد قرب مكة ؛ ومما يُؤَيِّد هذا القول ما رواه ياقوت (17) من انتشار ديار جهينة قديماً في أرض أُدَيْم التي تلي جبل السراة متوسطة تهامة واليمن .
.../...
نسب جهينة (1) :
لا خلاف بين نسّابة العرب - فيما أعلم - على انحدار القبيلة العربية الكبيرة « جهينة » من قضاعة؛ فأُمهات الكتبَ التي يُعَوِّلُ عليها؛ والتي تيسر لنا الرجوع إليها تُوشك أن تُجْمِعَ على سَنَدٍ نَسَبِيٍّ واحدٍ ينتهي بِقُضَاعَة؛ فقدْ ذكرتْ هذه المصادر أنَّ جهينة هو ابن زيد بن لَيْثٍ بن سود ابن أَسْلُم بن الحاف (في بعضها: الحافي) بن قضاعة (2) .
وأدخل ابن عبد البر (3) تعديلاً على سلسلة هذا النسب بزيادة ونقصان؛ فقد أورد عن نسب جهينة : « وأما ولدها - يُشِيرُ إلى قضاعة - فإن قضاعة ولد الحاف بن قضاعة ؛ وولد الحاف رجُلين: عمران بن الحاف ؛ وعمرو بن الحاف . هذا ما لم يُختلف فيه؛ ومنهما تشعبت بطون قضاعة ..... ومن ولد عمرو بن الحاف بن قضاعة (بَلِيٍّ).... وجُهينة بن زيد بن سود بن أسلم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة »(4) . فأنت ترى أن صاحب هذا النص حذف جَدَّ جهينة (ليث) ، ووسط بين أسلم ـ الذي هو ابن الحاف في الرواية الأولى ـ اسماً آخر هو عمرو الذي جعله ابناً لـ (الحاف).
كما أن السمعاني - وإن اتفق مع أصحاب الرواية الأولى على سلسلة نسب جُهَيْنَةَ - خالفهم حين جعل جهينة هو زيد بن ليث؛ وذلك حين يقول: (الجُهَنِيُّ.... هذه النسبة إلى جُهَيْنَة ؛ وهي قبيلة من قضاعة ؛ واسمه زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة (5) . غير أنَ الإتفاق تامٌ بين هؤلاء وأولئك على الارتقاء بالنسب الجُهني إلى قضاعة .
أما قضاعة نفسه ففي نسبة اختلاف كبير بين نسابة العرب؛ فمنهم من وصله بعدنان - وله في ذلك حججه. ومنهم من ارتقى به إلى قحطان ، وهو عندي الأرجح(6) ؛ ومن شواهد رجحانه ـ على سبيل المثال - حديث عقبة بن عامر الجهني الذي رواه (جرير بن حازم عن أبي لهيعة ، عن معروف بن سويد عن أبي عشانة المعافري عن عقبة بن عامر الجهنيّ في حديث ذكره قال: قلتُ يا رسول اللّه : أما نَحْنُ من مَعَدّ ؟؛ قال: « لا ». قلت: مَن نحن ؟ قال: « أنتم قضاعة بن مالك بن حمير »(7) . يقول ابن عبد البر ـ تعقيباً على ذلك - : « فعلى هذا قضاعة في اليمن في حمير في سبأ ؛ ولا يختلفون أن جهينة بن زيد بن أسود بن أسلُم بن عمرو بن الحاف بن قضاعة قبيل عُقبة بن عامر الجهني . قال الشرقيُّ : فإن يكن رسولُ اللّه قال: فقد صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (8) .
على أن دراسة نَسب قضاعة بالتفصيل؛ وتتبع تقلباتها على مدار التاريخ الإسلامي منذ القدم وحتى الخلافة العباسية؛ تبعاً لمصالحها الاقتصادية المتمثلة في العطاء؛ الذي كان يُرَاعى في توزيعه قرب نسب القبيلة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم؛ وأحياناً تبعاً لأهواء وأغراضٍ سياسية تتمثل في مواقف الخلفاء الأمويين من القيسية والقحطانية(9) ؛ وما إلى ذلك من الدواعي؛ - هذه الدراسة تخرج عن طبيعة هذا البحث -؛ ولذا نكتفي فيها بهذه الإشارة السريعة .
جهينة في شبه جزيرة العرب :
1 ـ في تهامة اليمن :
يستفاد مما ذكره ابن هشام والطبريُّ وياقوت أن أقدم موطنٍ لجهينة كان في تهامة اليمن ؛ فقد جاء في «السيرة» لابن هشام نقلاً عن ابن إسحاق - في معرض حديثه عن نسب قضاعة - قوله: (فولد معد بن عدنان أربعة نَفَرٍ: نزار بن معد ؛ وقضاعة بن معد ؛... فأما قضاعة فتيامنتْ إلى حمير بن سبأ .... قال ابن هشام : فقالت اليمن : وقضاعة بن مالك بن حِمْيَر (10) . وقد أراد ابن هشام - فيما هو ظاهر - أن يدعم رأيه القائل بأنَّ قضاعة من عدنان ؛ وأن نسبتها إلى حِمْيَرَ إنما هو وَهْمٌ نشأ بسبب سكناها في ديار حِمْيَر اليمانية.
وإذا كان ابن هشام لم يذكر، في هذا النص، تهامة اليمن أو جهينة بلفظ صريح فإن الإمام الطبريَّ قد أوضح ذلك على نحوٍ مُبِين؛ وذلك حين قال: ( ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يُؤرخون من خروج سعدٍ ونَهْدٍ وجُهَيْنَة بني زيد من تهامة ؛ حتى مات كعب بن لُؤَيّ ؛ فأرخوا من موت كعب بن لُؤَيٍّ إلى الفِيْل؛ فكان التاريخ من الفيل حتى أرخ عمر بن الخطاب من الهجرة (11) . فقد أفادنا هذا النص - زيادة على التصريح بِسُكْنا جهينة في تهامة - قِدَمَ جُهَيْنَة في هذه الديار؛ قِدماً يعودُ بها إلى زمانٍ سابقٍ لميلاد المسيح عليه السلام .
أما ياقوت فقد جاء في حديثه عن كلمة (شَبَّ) قوله: (ذو الشب شقٍّ في أعلى جبل جُهينة باليمن ؛ يُستخرج من أرضه الشبُّ المشهور) (12). وبَيَّن في موضع آخر مراده من (اليمن) الوارد في هذا النص - فيما أظن - فقال (13) : (وقال أبو المنذر في «كتاب الأفراق » : وظعنت قضاعة كلها من غور تهامة بعدما كان من حرب بني نزار لهم؛ وإجلائهم إيَّاهم؛ وساروا منجدين) (14) .
وتهامة - فيما هو معلوم - تشمل أراضي السهل الساحليّ الضَّيِّق الممتد من شبه جزيرة سيناءَ شمالاً إلى أطراف اليمن جنوباً؛ وفيها مُدُن نَجْران ومكة المكرمة وجدة وصنعاء (15) وغيرها؛ وهي - لهذا - تنقسم إلى تهامة اليمن وتهامة الحجاز ، وقد رَجَّحنا في الصحائف الماضية أن تهامة الواردة في النصوص هي تهامة اليمن لاقترانها كثيراً بكلمة اليمن وحِمْيَر؛ ولقرائن أُخرى غيرها .
على أن ابن خلدون يرى أن أقدم موطن لقضاعة - وفيهم جهينة على ما مرّ - إنما كان نَجْران ؛ إلى أن غلبهم عليها بنو الحارث بن كعب من الأزد ؛ فساروا إلى الحجاز ؛ ودخلوا في قبائل معدّ ؛ ومن ثم نُسبوا إليه غلطاً (16) .
من هذه النصوص نستنتج أن نشأة جهينة الأُولى كانت - على الأشهر، وفي أغلب الظن - في تهامة بمعناها الواسع الذي يشمل أوطان نزار بن مَعَدٍّ ، حتى قرب مكة المكرمة في الشمال ولا يتجاوزه، كما يشمل أرض سبأ في اليمن . وهكذا بَقِيْتْ جهينةُ ـ فيما يبدو ـ تَحْتَلُّ رقعةً واسعة في شبه جزيرة العرب ؛ تمتد من مواطن سبأ في مأرب ؛ حتى مواطن نزارٍ بن معد قرب مكة ؛ ومما يُؤَيِّد هذا القول ما رواه ياقوت (17) من انتشار ديار جهينة قديماً في أرض أُدَيْم التي تلي جبل السراة متوسطة تهامة واليمن .
.../...