أبوفاطمه
31 / 05 / 2011, 43 : 11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
مـقــدمـةٌ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فهذه كُليماتٌ بسيطةٌ في بيان آدابٍ ينبغي لطالب العلم المُجِيدِ أن يراعيَها حين يتمثل الوقوف والابتداءات في تلاواته، فإن التأدب بها عزيز، وضبطَ التلاوة على مِنهاجِها مطلب لطيفٌ، قلَّ الانتباه له، فقد جرت العادة من كثير من القراء والأئمة اليوم بتلاوة الوقوف الجديدة التي باشرتها أسماعهم أو أبصارهم، إما حكاية ورواية مباشِرَةً أو بواسطةٍ، وأخذ الأمر شكل الانبساط لا الحيطة، وأصبح أسهل ما يقال أن فلاناً وقف هذا الوقف، أو سمعه فلانٌ عن بعض المشايخ، أو قرأه في كتاب ما!
وقد رأيت الاستيثاق في معرفه الوقفِ وتخريجاته على مراد الله تعالى من كتابه المنزل أمراً له أهميته، ينبغي أن يُلقَّنَه طلابُ العلم في مبدإ الأمر حتى يكون أحدهم حال تلاوة وقف ما محيطاً بمعناهُ المترتِّبِ عليه، وكيفيةِ الابتداء بعده، وما هي الإشكالات التي تَرِدُ على الوقف وكيف يَرُدُّها، وكم من قارئ سألتُه عن معنى وقف وقفه فلم يَحِرْ جواباً، وأعاد قِيلَةَ المُتلجلجِ المُتهرِّبِ، فدعاني ذلك إلى تسطير بعض الآداب التي أنُدُبُ القارئ إلى رعايتها في باب الوقف والابتداء، ليكون أداؤه منضبطاً بضوابط الشريعة الغراء التي ما تركت باب فتنةٍ أو خلل إلا سدَّته ونَبَّهَتْ عليه، والله جل وعلا يقول الحق وهو يهدي السبيل، ولا أزال أنتظر زيادة بالنقد البناء من إخواني المطالعين، ولا عدمتُ فوائدكم ودعواتكم، ولا أبرئ نفسي من الخطل أو التجاوز، وإخواني أهل السداد والتوجيه، وما أريد إلا الإصلاح، والله الموفق والهادي سواء السبيل.
ينبغي التثبت في نقلِ الوقوفِ وحكايتها من جهتين:
الأولـــى:
جِهَةِ المُقَلَّـدِ المَحْكِيِّ عَنْهُ الوَقْفُ (قارئاً أو مُقرئاً كان أو كاتباً):
وذلك أنه ليسَ كلُّ أحدٍ يُؤخَذُ عنه الوقفُ، وإنما يُؤخَذُ من أهلِ العلمِ أو مِمَّنْ أَخََذَ عنهُم، فقد يُنقلُ عَنْ مَنْ يُظَنُّ بهمُ العِلْمُ وليسو أهْلَهُ، فيقعُ الخطأُ في كتابِ الله. وقد ورد في الحديث الشريف عن الرجل يتقولُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كذباً أن يتبوء مقعده من النار، فكيفَ بالقرآن الكريم وهو كلامُ الله المنزلُ، أفلا يكون الوعيدُ فيه أشد! والوعيد واردٌ لمن وقف وقفاً أعطى معنىً لا يوافق مراد الله في كلامه المنزل، عياذاً بالله تعالى من تَنَكُّبِ صراطه!
الثـانيــة:
جِهَةِ النَّاقِلِ الذي يُقَلِّـدُ ويَحْكِي وَقْفَ غَيْرِهِ:
فَإنَّهُ قَدْ يَهِمُ أو يُخَلِّطُ في نَقْلِهِ، ولِذا مُدِحَ السَّامعونَ المُبَلِّغُونَ كما سمعوا؛ على وجه الدقة والأمانة، لا يَلْحَقُ أدَاءَهُمْ لَبْسٌ ولا خَلْطٌ، لَكِنَّ الأرفَعَ مِنْ ذَلكَ أَنْ يَفْهَمَ المُبَلِّغُ مع الحفظِ، فإنَّ ذلك أدعى لعدم الوهم في النقل.
وحبذا من يتقفى أثرَ العلماء بالتدوينِ والكتابة، فإنه أعلى في الضبطِ لعموم البلاء بضعفِ الذَّاكرة في أيامنا.
في بيان أصلين عظيمين مترابطين عند مباشرة الوقوف:
فإذا تَثَبَّتَ الناقلُ للوقوفِ من نقله، ووعى معنى الوقفِ وفائدتَه، واستوعبَ إشكالاته وعرف كيف تُحل، فينبغي له بعد ذلك أن يراعي أصلين مهمين في الباب حين يباشر تلاوة القرآن الكريم بهذه الوقوف:
الأصل الأول:
حسن اختيار الزمان والمكان المناسبين عند مباشرة الوقوف غير المألوفة.
فقد روى البخاري في صحيحه: بَاب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لا يَفْهَمُوا، قال: وَقَالَ عَلِيٌّ: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)[1]، قال ابن حجرٍ عليه رحمة الله معلقاً عليه في الفتح: وَزَادَ آدَمُ بْن أَبِي إِيَاس فِي كِتَاب الْعِلْم لَهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن دَاوُدَ عَنْ مَعْرُوف فِي آخِره "وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ"، أَيْ: يَشْتَبِه عَلَيْهِمْ فَهْمه، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَج، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِه لا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَر عِنْد الْعَامَّة[2].
وَمِثْله ما رواه مسلمُ في صحيحه قال: وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: (مَا أَنْتَ مُحَدِّثًا قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغهُ عُقُولهمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَة) رَوَاهُ مُسْلِم[3]. قال النوويِّ في شرحه على مسلمٍ: وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ[4].
وفيه نقاط:
o الحذر من إثارة بدعة أو فتنة نائمة!
o مراعاةُ القراءة في مَحْفَلٍ به جمعٌ من أهل العلمِ يَظنُّ العاميُّ وطالبُ العلمِ المبتدئُ أن القارئ لو شذ بوقفه زجره من حضر من أهل العلم، فيكون سكوتهم عند العوام إقراراً، فالغالب إذا ورد الوقف الغريب فلم يرده الحاضرون من أهل العلم أن يسكت العامة لسكوتهم على أنه رضىً به.
o عند إمامة الصلاة في المكتوبة والتراويح وغيرها: فإنَّ لَفْتَ انتباهِ المأمومينَ بالوقوف غير المألوفة لهم مما يأخذهم عن السهو في الصلاة ويدفعهم إلى التفكر في مراد الله من كلامه، بشرط عدم الإغراب كما سبق!
والأصل الثاني:
في وجوب بيان ما قد يشكل على السامع من الوقوف والابتداءات.
فإذا اضطر إلى وقفٍ فيه غرابةٌ فيما يَظُنُّ، أو خرج عن مألوف السامعين، فينبغي له أن يبين مراده من الوقف من باب قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المعروف "على رِسْلِكَ إنَّهَا صَفِيَّةُ"، قال ابن بطال في شرحه على البخاري: ففى قول النبى صلى الله عليه وسلم (إنها صفية) السُّنَّةُ الحسنةُ لأمته أن يتمثلوا فعله ذلك فى البعد عن التُّهَمِ ومواقف الرِّيَبِ[5].
وقال النووي في شرحه على مسلم: وَفِيهِ اسْتِحْبَاب التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ ظَنّ النَّاس فِي الإِنْسَان، وَطَلَبِ السَّلامَةِ وَالاعْتِذَارِ بِالأَعْذَارِ الصَّحِيحَة، وَأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَا قَدْ يُنْكَر ظَاهِره مِمَّا هُوَ حَقٌّ وَقَدْ يَخْفَى، أَنْ يُبَيِّن حَاله لِيَدْفَع ظَنَّ السُّوء[6].
وقال المُنَاوِيُّ في فيض القدير: وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب[7].
بل ربما كان الأرجحُ في بعضِ الأحوالِ تركُ ما لم يألفْهُ الناسُ من الوقوفِ، كما قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: مَنْ أتى شيئاً مما يظنُّه الناس شبهةً لِعِلمِهِ بأنَّه حلالٌ في نفس الأمر، فلا حَرَج عليه من الله في ذلك، لكن إذا خشيَ مِنْ طعنِ الناسِ عليه بذلك، كان تركُها حينئذٍ استبراءً لعرضه، فيكون حسناً[8].
لكنَّ حالَ القارئ له اعتبارٌ في التلاوة بالوقوف المُغرِبةِ، فإن تلاوة من اشتهر بالإجادة والضبط والتحرير ليست كتلاوةِ مغمورٍ وإن كان مجيداً ضابطاً محرراً، فقد جرت السنة الكونية أن يُذعن الناس للأول ويتقولوا على الآخر. فلابد من مراعاة القارئ لحالِه، ثم حال مستمعيه.والمحصلة من هذه المسئلة أن أموراً أربعةً تُراعَى عند تمثل وقف ما:
· حالُ القارئِ
· ثُمَّ المُستمِع
· في الزمانِ
· والمكانِ
ثم إنه ببيانه لمعنى وقفه إنما ينشر العلم ويعطي من حضر من طلاب العلم حجةَ هذا الوقف ومعناه، فيكون المعنى عند تلاوتها بهذا الوقف مفهوماً، ولَرُبَمَا وجد من يضيئ له إشكالاً يَرِدُ على معنى وقفه فينتفع!
هذا والله أعلى وأعلم وأحكم، وصلى الله على ****** البشير النذير وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح البخاري - (ج 1 / ص 217)
[2] فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 203)
[3] صحيح مسلم - (ج 1 / ص 21)
[4] شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 7)
[5] شرح ابن بطال - (ج 7 / ص 205)
[6] شرح النووي على مسلم (ج 7 / ص 311)
[7] فيض القدير/ المناوي (ج 2 / ص 454)
[8] جامع العلوم والحكم/ ابن رجب الحنبلي (ج 8 / ص 17)
مـقــدمـةٌ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فهذه كُليماتٌ بسيطةٌ في بيان آدابٍ ينبغي لطالب العلم المُجِيدِ أن يراعيَها حين يتمثل الوقوف والابتداءات في تلاواته، فإن التأدب بها عزيز، وضبطَ التلاوة على مِنهاجِها مطلب لطيفٌ، قلَّ الانتباه له، فقد جرت العادة من كثير من القراء والأئمة اليوم بتلاوة الوقوف الجديدة التي باشرتها أسماعهم أو أبصارهم، إما حكاية ورواية مباشِرَةً أو بواسطةٍ، وأخذ الأمر شكل الانبساط لا الحيطة، وأصبح أسهل ما يقال أن فلاناً وقف هذا الوقف، أو سمعه فلانٌ عن بعض المشايخ، أو قرأه في كتاب ما!
وقد رأيت الاستيثاق في معرفه الوقفِ وتخريجاته على مراد الله تعالى من كتابه المنزل أمراً له أهميته، ينبغي أن يُلقَّنَه طلابُ العلم في مبدإ الأمر حتى يكون أحدهم حال تلاوة وقف ما محيطاً بمعناهُ المترتِّبِ عليه، وكيفيةِ الابتداء بعده، وما هي الإشكالات التي تَرِدُ على الوقف وكيف يَرُدُّها، وكم من قارئ سألتُه عن معنى وقف وقفه فلم يَحِرْ جواباً، وأعاد قِيلَةَ المُتلجلجِ المُتهرِّبِ، فدعاني ذلك إلى تسطير بعض الآداب التي أنُدُبُ القارئ إلى رعايتها في باب الوقف والابتداء، ليكون أداؤه منضبطاً بضوابط الشريعة الغراء التي ما تركت باب فتنةٍ أو خلل إلا سدَّته ونَبَّهَتْ عليه، والله جل وعلا يقول الحق وهو يهدي السبيل، ولا أزال أنتظر زيادة بالنقد البناء من إخواني المطالعين، ولا عدمتُ فوائدكم ودعواتكم، ولا أبرئ نفسي من الخطل أو التجاوز، وإخواني أهل السداد والتوجيه، وما أريد إلا الإصلاح، والله الموفق والهادي سواء السبيل.
ينبغي التثبت في نقلِ الوقوفِ وحكايتها من جهتين:
الأولـــى:
جِهَةِ المُقَلَّـدِ المَحْكِيِّ عَنْهُ الوَقْفُ (قارئاً أو مُقرئاً كان أو كاتباً):
وذلك أنه ليسَ كلُّ أحدٍ يُؤخَذُ عنه الوقفُ، وإنما يُؤخَذُ من أهلِ العلمِ أو مِمَّنْ أَخََذَ عنهُم، فقد يُنقلُ عَنْ مَنْ يُظَنُّ بهمُ العِلْمُ وليسو أهْلَهُ، فيقعُ الخطأُ في كتابِ الله. وقد ورد في الحديث الشريف عن الرجل يتقولُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم كذباً أن يتبوء مقعده من النار، فكيفَ بالقرآن الكريم وهو كلامُ الله المنزلُ، أفلا يكون الوعيدُ فيه أشد! والوعيد واردٌ لمن وقف وقفاً أعطى معنىً لا يوافق مراد الله في كلامه المنزل، عياذاً بالله تعالى من تَنَكُّبِ صراطه!
الثـانيــة:
جِهَةِ النَّاقِلِ الذي يُقَلِّـدُ ويَحْكِي وَقْفَ غَيْرِهِ:
فَإنَّهُ قَدْ يَهِمُ أو يُخَلِّطُ في نَقْلِهِ، ولِذا مُدِحَ السَّامعونَ المُبَلِّغُونَ كما سمعوا؛ على وجه الدقة والأمانة، لا يَلْحَقُ أدَاءَهُمْ لَبْسٌ ولا خَلْطٌ، لَكِنَّ الأرفَعَ مِنْ ذَلكَ أَنْ يَفْهَمَ المُبَلِّغُ مع الحفظِ، فإنَّ ذلك أدعى لعدم الوهم في النقل.
وحبذا من يتقفى أثرَ العلماء بالتدوينِ والكتابة، فإنه أعلى في الضبطِ لعموم البلاء بضعفِ الذَّاكرة في أيامنا.
في بيان أصلين عظيمين مترابطين عند مباشرة الوقوف:
فإذا تَثَبَّتَ الناقلُ للوقوفِ من نقله، ووعى معنى الوقفِ وفائدتَه، واستوعبَ إشكالاته وعرف كيف تُحل، فينبغي له بعد ذلك أن يراعي أصلين مهمين في الباب حين يباشر تلاوة القرآن الكريم بهذه الوقوف:
الأصل الأول:
حسن اختيار الزمان والمكان المناسبين عند مباشرة الوقوف غير المألوفة.
فقد روى البخاري في صحيحه: بَاب مَنْ خَصَّ بِالْعِلْمِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ كَرَاهِيَةَ أَنْ لا يَفْهَمُوا، قال: وَقَالَ عَلِيٌّ: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)[1]، قال ابن حجرٍ عليه رحمة الله معلقاً عليه في الفتح: وَزَادَ آدَمُ بْن أَبِي إِيَاس فِي كِتَاب الْعِلْم لَهُ عَنْ عَبْد اللَّه بْن دَاوُدَ عَنْ مَعْرُوف فِي آخِره "وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ"، أَيْ: يَشْتَبِه عَلَيْهِمْ فَهْمه، وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَج، وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُتَشَابِه لا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَر عِنْد الْعَامَّة[2].
وَمِثْله ما رواه مسلمُ في صحيحه قال: وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: (مَا أَنْتَ مُحَدِّثًا قَوْمًا حَدِيثًا لا تَبْلُغهُ عُقُولهمْ إِلا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَة) رَوَاهُ مُسْلِم[3]. قال النوويِّ في شرحه على مسلمٍ: وحَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ يَسْلَمُ رَجُلٌ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلا يَكُونُ إِمَامًا أَبَدًا وَهُوَ يُحَدِّثُ بِكُلِّ مَا سَمِعَ[4].
وفيه نقاط:
o الحذر من إثارة بدعة أو فتنة نائمة!
o مراعاةُ القراءة في مَحْفَلٍ به جمعٌ من أهل العلمِ يَظنُّ العاميُّ وطالبُ العلمِ المبتدئُ أن القارئ لو شذ بوقفه زجره من حضر من أهل العلم، فيكون سكوتهم عند العوام إقراراً، فالغالب إذا ورد الوقف الغريب فلم يرده الحاضرون من أهل العلم أن يسكت العامة لسكوتهم على أنه رضىً به.
o عند إمامة الصلاة في المكتوبة والتراويح وغيرها: فإنَّ لَفْتَ انتباهِ المأمومينَ بالوقوف غير المألوفة لهم مما يأخذهم عن السهو في الصلاة ويدفعهم إلى التفكر في مراد الله من كلامه، بشرط عدم الإغراب كما سبق!
والأصل الثاني:
في وجوب بيان ما قد يشكل على السامع من الوقوف والابتداءات.
فإذا اضطر إلى وقفٍ فيه غرابةٌ فيما يَظُنُّ، أو خرج عن مألوف السامعين، فينبغي له أن يبين مراده من الوقف من باب قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح المعروف "على رِسْلِكَ إنَّهَا صَفِيَّةُ"، قال ابن بطال في شرحه على البخاري: ففى قول النبى صلى الله عليه وسلم (إنها صفية) السُّنَّةُ الحسنةُ لأمته أن يتمثلوا فعله ذلك فى البعد عن التُّهَمِ ومواقف الرِّيَبِ[5].
وقال النووي في شرحه على مسلم: وَفِيهِ اسْتِحْبَاب التَّحَرُّز مِنْ التَّعَرُّض لِسُوءِ ظَنّ النَّاس فِي الإِنْسَان، وَطَلَبِ السَّلامَةِ وَالاعْتِذَارِ بِالأَعْذَارِ الصَّحِيحَة، وَأَنَّهُ مَتَى فَعَلَ مَا قَدْ يُنْكَر ظَاهِره مِمَّا هُوَ حَقٌّ وَقَدْ يَخْفَى، أَنْ يُبَيِّن حَاله لِيَدْفَع ظَنَّ السُّوء[6].
وقال المُنَاوِيُّ في فيض القدير: وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب[7].
بل ربما كان الأرجحُ في بعضِ الأحوالِ تركُ ما لم يألفْهُ الناسُ من الوقوفِ، كما قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم: مَنْ أتى شيئاً مما يظنُّه الناس شبهةً لِعِلمِهِ بأنَّه حلالٌ في نفس الأمر، فلا حَرَج عليه من الله في ذلك، لكن إذا خشيَ مِنْ طعنِ الناسِ عليه بذلك، كان تركُها حينئذٍ استبراءً لعرضه، فيكون حسناً[8].
لكنَّ حالَ القارئ له اعتبارٌ في التلاوة بالوقوف المُغرِبةِ، فإن تلاوة من اشتهر بالإجادة والضبط والتحرير ليست كتلاوةِ مغمورٍ وإن كان مجيداً ضابطاً محرراً، فقد جرت السنة الكونية أن يُذعن الناس للأول ويتقولوا على الآخر. فلابد من مراعاة القارئ لحالِه، ثم حال مستمعيه.والمحصلة من هذه المسئلة أن أموراً أربعةً تُراعَى عند تمثل وقف ما:
· حالُ القارئِ
· ثُمَّ المُستمِع
· في الزمانِ
· والمكانِ
ثم إنه ببيانه لمعنى وقفه إنما ينشر العلم ويعطي من حضر من طلاب العلم حجةَ هذا الوقف ومعناه، فيكون المعنى عند تلاوتها بهذا الوقف مفهوماً، ولَرُبَمَا وجد من يضيئ له إشكالاً يَرِدُ على معنى وقفه فينتفع!
هذا والله أعلى وأعلم وأحكم، وصلى الله على ****** البشير النذير وسلم تسليماً، والحمد لله رب العالمين.
[1] صحيح البخاري - (ج 1 / ص 217)
[2] فتح الباري لابن حجر - (ج 1 / ص 203)
[3] صحيح مسلم - (ج 1 / ص 21)
[4] شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 7)
[5] شرح ابن بطال - (ج 7 / ص 205)
[6] شرح النووي على مسلم (ج 7 / ص 311)
[7] فيض القدير/ المناوي (ج 2 / ص 454)
[8] جامع العلوم والحكم/ ابن رجب الحنبلي (ج 8 / ص 17)