زياد محمد حميدان
24 / 07 / 2011, 30 : 04 AM
النداء الثامن:] محبطات ثواب الإنفاق[
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [{البقرة 264}
قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [حثَّ الحق سبحانه في النداء السابق على الإنفاق في سبيل الله،ويعود السياق إلى الإنفاق بعد أن بيَّن الحق عظم ثواب النفقة بقوله:] مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [فالصدقة تضاعف سبعمئة ضعف،وقد تضاعف إلى ألف وأربعمئة ضعف،وختم الآية بقوله والله واسع عليم ،يدل على أنه يمكن أن تضاعف إلى أكثر من ذلك.وذلك حسب حال المنفق والمنفق عليه.
وبيَِّن الحق سبحانه جزاء المخلصين في صدقاتهم،الذين لا يريدون من صدقاتهم إلا وجه الله U ورضوانه،والذين وصف الله تعالى إنفاقهم بقوله:] لَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[. ثمَّ يرشد الحق سبحانه إلى آداب الصدقة،بأن يراعي المتصدق حال الفقير،فكونه محتاجاً لا يعني أنه تجرّد عن إنسانيته،ونحن نعلم أنَّ الغنى والفقر كلاهما ابتلاء من الله سبحانه،وفي ذلك يقول الحق سبحانه:] فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( (الفجر15-16 )
قوله تعالى:] لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [ يخبر الحق سبحانه أنّ المنَّ والأذى الذي يتبع الصدقة يحبط أجرها كما يبطل الرياء الأجر،والمنّ تذكير المحتاج بالنعمة على وجه يؤذيه مثل أن يقول له:ألم أعطك في يوم كذا أو كم مّرة أعطيتك وكم مرّة ساعدتك.وإن هذا تقريع يؤذي الرجل ويمسه في كرامته وبالتالي تزيد نقمته على المعطي بل وربّما على المجتمع بأسره وقد يدفعه ذلك إلى ارتكاب الجريمة حتى يتخلّّّص من مثل هذا الأذى،وقد يكون الإيذاء أبلغ إذا ذكر ما قدّمه للمحتاج أمام من يكره أن يطلّع على ذلك فيجتمع عليه أذى المنّ وأذى شماتة العدو.وهذا يؤدي إلى توهين عرى الأخوة والمحبة في المجتمع.
وفي هذا النداء الرباني وعيد شديد للمنَّان بأن نفقته هذه لا ثواب فيها بل ستكون حسرة عليه.وقد وردت الأحاديث الصحيحة في كون الأذى والمنّ من الكبائر.أخرج النسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:]عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ[[1] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn1).وعن أبي ذر t:] عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ :ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ r ثَلَاثَ مِرَات قَالَ أَبُو ذَرٍّ t :خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ[[2] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn2).
وقال ابن زيد:(لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه،تريد وجه الله فلا تسلم عليه)[3] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn3).وقالت امرأة لابن زيد:(يا أبا أسامة دلَّني على رجل يخرج في سبيل الله حقاً،فإنهم إنما يخرجون يأكلون الفواكه،فإنَّ عندي أسهما وجعبة.فقال:لا بارك الله في أسهمك وجعبتك،فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم)[4] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn4).
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل إخفاء الصدقة فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي r قال:]صدقة السِّر تطفئ غضب الرَّب)[5] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn5).وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله بظل عرشه:…]وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ[[6] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn6).(وكان حسان بن أبي سنان يشتري أهل بيت الرجل وعياله،ثم يعتقهم جميعا،ولا يتعرَّف عليهم ولا يخبرهم من هو)[7] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn7).
والعرب تقول لمن يمنّ يد سوداء،ولمن يعطي من غير مسألة يد بيضاء،ولمن يعطي عن مسألة يد خضراء.
قوله تعالى:] كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [شبَّه الحق سبحانه بطلان أجر الصدقة لأجل المنِّ والأذى،بمن يبطل ثواب عمله بالرياء,والرياء أن تعمل العمل ليراك الناس،ولا تريد به وجه الله تعالى،ويضاده الإخلاص،وما كان كذلك فهو غير مقبول،لأنه يشترط للعمل حتى يكون مقبولا أن يكون بنية خالصة لله،خاليا من الأغراض،وأن يكون موافقا للشرع.فالآية تدلُّ على أن الرياء والمنّ والأذى تحبط الأجر والثواب.
قوله تعالى:] وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [ أي غاب عن المرائي أن الله تعالى مطَّلع على سرِّه وعلانيته،وأنه مجازى على عمله،فإنه وإن أظهر للناس أنه أنفق لا يريد جزاء ولا شكورا،وهو في سرِّه إنما ينفق ليقال عنه كريم وسخي،وليتحدث الناس عنه أنه صاحب البر والإحسان،ونسي أنه سيحاسب غداً على عمله،وأن الله تعالى مطلع على نيته وقصده،ولذلك نفى الله تعالى عنه صفة الإيمان بالله،لأنه لم يؤمن بصفتي العلم والبصر،ونفى عنه الإيمان باليوم الآخر،لأنه غاب عنه أنه يحاسب على أعماله حيث سيصبح ما أنفق حسرة عليه.قال تعالى:] فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [{الأنفال 36}وقد بين ****** المصطفى r جزاء المرائي بنفقته،وانه أحد الثلاثة الذين يقضى عليهم يوم القيامة:]... وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار [[8] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn8).
قوله تعالى] فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً[ الصفا والصفوان :الحجر الأملس،والوابل:المطر الشديد،وصلدا:ليس عليه شيء.هذا تصوير دقيق يقرِّب إلى ذهن المرائي حصيلة عمله الذي راآى الناس به،فأرضه خبيثة لا تصلح للزراعة،ثمَّ هذا الذي يبدو للناس تربة خصبة،إذا بها عند الابتلاء والاختبار تتلاشى،وهكذا المظاهر الخادعة ينكشف زيفها،انكشاف الصخرة التي يعلوها قليل التراب،فالمرائي يأتي يوم القيامة بآمال عظام سرعان ما تتبدد كتبدد هذا التراب القليل بالوابل،فعند ذلك يدعو ثبورا،ويصلى سعيرا،وأخبر الحق سبحانه أنه لا يستفيد من ذلك العمل،ولا ينتفعون من ذلك العمل إلا كانتفاع الظمآن بالسراب.
قوله تعالى:] وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [ لا يسددهم لإصابة الحقِّ في نفقاتهم،لقصدهم السيء الذي طلبوا فيه مدح الناس ورضاهم،والمراد بالكفر كفر النعمة،إذ وضعوها في غير موضعها،وضيعوها بفساد النية.
وقد يكون كفر نفاق ،إذ أظهروا الصلاح وأبطنوا غير ذلك،كمثل الحجر الأملس يعلوه التراب القليل ،وهو تشبيه لمن يعدم ما يرجو.
ومما يحزن له ما نشاهد ممن يزدري الفقير،ويعطون ما نزر من أموالهم بتعالٍٍ وتكبر على الفقير،وربما ضاقوا به ذرعاً،فنهروهم وآذوهم وقد نهى الحق سبحانه عن ذلك: ] وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [{الضحى10}.فلا ينبغي للمسؤول أن يضيق صدره بالسائل الذي ربما ألحَّ في مسألته لفرط حاجته،وكما قيل :صاحب الحاجة أرعن.فإن أردت أن تعطيه فبرفق ورحمة،وإلا فردَّه بالكلمة الطيبة والدعاء له.
ولو يعلم الناس حقيقة الإنفاق وثوابه عند الله تعالى،لجاءوا إلى الفقير ورجوه أن يقبل صدقتهم،وعاملوه بغاية البر والإحسان،لأن الفقير صندوق ادخار ليوم القيامة،وما ينفق في الملاذِّّ والملاهي يذهب ومصداق ذلك ما حكته السيدة رضي الله عنها:] أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ r مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا[[9] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn9). وأما ما يبقى حقيقة ما بينه ****** المصطفى r فيما رواه أبو هريرة t
] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ [[10] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn10).
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif1) سنن النسائي ،كتاب الأشربة،باب الرواية في المدمنين في الخمر 8/721 رقم 5688
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif2) صحيح مسلم،كتاب الإيمان،باب بيان تغليظ تحريم الإسبال والمن بالعطية 2/296 رقم 289
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif3) الجامع لأحكام القرآن 3/309
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif4) الدر المنثور 1/600 والجامع لأحكام القرآن 3/309
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif5) المعجم الكبير للطبراني 19/421 رقم1018
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif6) صحيح البخاري،كتاب الزكاة،باب الصدقة باليمين 2/517 رقم 1357
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif7) زاد المسير 1/318
8) صحيح مسلم،كتاب الجهاد،باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 13/52 رقم 4900
9) سنن الترمذي،باب صفة يوم القيامة والرقائق والورع،باب منه 8/290 رقم 2475
10) صحيح مسلم ،كتاب الزهد والرقائق،باب الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر 18/295 رقم 7348
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [{البقرة 264}
قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [حثَّ الحق سبحانه في النداء السابق على الإنفاق في سبيل الله،ويعود السياق إلى الإنفاق بعد أن بيَّن الحق عظم ثواب النفقة بقوله:] مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [فالصدقة تضاعف سبعمئة ضعف،وقد تضاعف إلى ألف وأربعمئة ضعف،وختم الآية بقوله والله واسع عليم ،يدل على أنه يمكن أن تضاعف إلى أكثر من ذلك.وذلك حسب حال المنفق والمنفق عليه.
وبيَِّن الحق سبحانه جزاء المخلصين في صدقاتهم،الذين لا يريدون من صدقاتهم إلا وجه الله U ورضوانه،والذين وصف الله تعالى إنفاقهم بقوله:] لَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنّاً وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[. ثمَّ يرشد الحق سبحانه إلى آداب الصدقة،بأن يراعي المتصدق حال الفقير،فكونه محتاجاً لا يعني أنه تجرّد عن إنسانيته،ونحن نعلم أنَّ الغنى والفقر كلاهما ابتلاء من الله سبحانه،وفي ذلك يقول الحق سبحانه:] فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ( (الفجر15-16 )
قوله تعالى:] لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [ يخبر الحق سبحانه أنّ المنَّ والأذى الذي يتبع الصدقة يحبط أجرها كما يبطل الرياء الأجر،والمنّ تذكير المحتاج بالنعمة على وجه يؤذيه مثل أن يقول له:ألم أعطك في يوم كذا أو كم مّرة أعطيتك وكم مرّة ساعدتك.وإن هذا تقريع يؤذي الرجل ويمسه في كرامته وبالتالي تزيد نقمته على المعطي بل وربّما على المجتمع بأسره وقد يدفعه ذلك إلى ارتكاب الجريمة حتى يتخلّّّص من مثل هذا الأذى،وقد يكون الإيذاء أبلغ إذا ذكر ما قدّمه للمحتاج أمام من يكره أن يطلّع على ذلك فيجتمع عليه أذى المنّ وأذى شماتة العدو.وهذا يؤدي إلى توهين عرى الأخوة والمحبة في المجتمع.
وفي هذا النداء الرباني وعيد شديد للمنَّان بأن نفقته هذه لا ثواب فيها بل ستكون حسرة عليه.وقد وردت الأحاديث الصحيحة في كون الأذى والمنّ من الكبائر.أخرج النسائي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:]عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ[[1] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn1).وعن أبي ذر t:] عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ :ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ r ثَلَاثَ مِرَات قَالَ أَبُو ذَرٍّ t :خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ[[2] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn2).
وقال ابن زيد:(لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه،تريد وجه الله فلا تسلم عليه)[3] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn3).وقالت امرأة لابن زيد:(يا أبا أسامة دلَّني على رجل يخرج في سبيل الله حقاً،فإنهم إنما يخرجون يأكلون الفواكه،فإنَّ عندي أسهما وجعبة.فقال:لا بارك الله في أسهمك وجعبتك،فقد آذيتيهم قبل أن تعطيهم)[4] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn4).
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل إخفاء الصدقة فعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي r قال:]صدقة السِّر تطفئ غضب الرَّب)[5] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn5).وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله بظل عرشه:…]وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ[[6] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn6).(وكان حسان بن أبي سنان يشتري أهل بيت الرجل وعياله،ثم يعتقهم جميعا،ولا يتعرَّف عليهم ولا يخبرهم من هو)[7] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn7).
والعرب تقول لمن يمنّ يد سوداء،ولمن يعطي من غير مسألة يد بيضاء،ولمن يعطي عن مسألة يد خضراء.
قوله تعالى:] كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [شبَّه الحق سبحانه بطلان أجر الصدقة لأجل المنِّ والأذى،بمن يبطل ثواب عمله بالرياء,والرياء أن تعمل العمل ليراك الناس،ولا تريد به وجه الله تعالى،ويضاده الإخلاص،وما كان كذلك فهو غير مقبول،لأنه يشترط للعمل حتى يكون مقبولا أن يكون بنية خالصة لله،خاليا من الأغراض،وأن يكون موافقا للشرع.فالآية تدلُّ على أن الرياء والمنّ والأذى تحبط الأجر والثواب.
قوله تعالى:] وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [ أي غاب عن المرائي أن الله تعالى مطَّلع على سرِّه وعلانيته،وأنه مجازى على عمله،فإنه وإن أظهر للناس أنه أنفق لا يريد جزاء ولا شكورا،وهو في سرِّه إنما ينفق ليقال عنه كريم وسخي،وليتحدث الناس عنه أنه صاحب البر والإحسان،ونسي أنه سيحاسب غداً على عمله،وأن الله تعالى مطلع على نيته وقصده،ولذلك نفى الله تعالى عنه صفة الإيمان بالله،لأنه لم يؤمن بصفتي العلم والبصر،ونفى عنه الإيمان باليوم الآخر،لأنه غاب عنه أنه يحاسب على أعماله حيث سيصبح ما أنفق حسرة عليه.قال تعالى:] فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [{الأنفال 36}وقد بين ****** المصطفى r جزاء المرائي بنفقته،وانه أحد الثلاثة الذين يقضى عليهم يوم القيامة:]... وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار [[8] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn8).
قوله تعالى] فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً[ الصفا والصفوان :الحجر الأملس،والوابل:المطر الشديد،وصلدا:ليس عليه شيء.هذا تصوير دقيق يقرِّب إلى ذهن المرائي حصيلة عمله الذي راآى الناس به،فأرضه خبيثة لا تصلح للزراعة،ثمَّ هذا الذي يبدو للناس تربة خصبة،إذا بها عند الابتلاء والاختبار تتلاشى،وهكذا المظاهر الخادعة ينكشف زيفها،انكشاف الصخرة التي يعلوها قليل التراب،فالمرائي يأتي يوم القيامة بآمال عظام سرعان ما تتبدد كتبدد هذا التراب القليل بالوابل،فعند ذلك يدعو ثبورا،ويصلى سعيرا،وأخبر الحق سبحانه أنه لا يستفيد من ذلك العمل،ولا ينتفعون من ذلك العمل إلا كانتفاع الظمآن بالسراب.
قوله تعالى:] وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [ لا يسددهم لإصابة الحقِّ في نفقاتهم،لقصدهم السيء الذي طلبوا فيه مدح الناس ورضاهم،والمراد بالكفر كفر النعمة،إذ وضعوها في غير موضعها،وضيعوها بفساد النية.
وقد يكون كفر نفاق ،إذ أظهروا الصلاح وأبطنوا غير ذلك،كمثل الحجر الأملس يعلوه التراب القليل ،وهو تشبيه لمن يعدم ما يرجو.
ومما يحزن له ما نشاهد ممن يزدري الفقير،ويعطون ما نزر من أموالهم بتعالٍٍ وتكبر على الفقير،وربما ضاقوا به ذرعاً،فنهروهم وآذوهم وقد نهى الحق سبحانه عن ذلك: ] وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ [{الضحى10}.فلا ينبغي للمسؤول أن يضيق صدره بالسائل الذي ربما ألحَّ في مسألته لفرط حاجته،وكما قيل :صاحب الحاجة أرعن.فإن أردت أن تعطيه فبرفق ورحمة،وإلا فردَّه بالكلمة الطيبة والدعاء له.
ولو يعلم الناس حقيقة الإنفاق وثوابه عند الله تعالى،لجاءوا إلى الفقير ورجوه أن يقبل صدقتهم،وعاملوه بغاية البر والإحسان،لأن الفقير صندوق ادخار ليوم القيامة،وما ينفق في الملاذِّّ والملاهي يذهب ومصداق ذلك ما حكته السيدة رضي الله عنها:] أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ r مَا بَقِيَ مِنْهَا قَالَتْ مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا[[9] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn9). وأما ما يبقى حقيقة ما بينه ****** المصطفى r فيما رواه أبو هريرة t
] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ [[10] (http://alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn10).
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif1) سنن النسائي ،كتاب الأشربة،باب الرواية في المدمنين في الخمر 8/721 رقم 5688
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif2) صحيح مسلم،كتاب الإيمان،باب بيان تغليظ تحريم الإسبال والمن بالعطية 2/296 رقم 289
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif3) الجامع لأحكام القرآن 3/309
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif4) الدر المنثور 1/600 والجامع لأحكام القرآن 3/309
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif5) المعجم الكبير للطبراني 19/421 رقم1018
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif6) صحيح البخاري،كتاب الزكاة،باب الصدقة باليمين 2/517 رقم 1357
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif7) زاد المسير 1/318
8) صحيح مسلم،كتاب الجهاد،باب من قاتل للرياء والسمعة استحق النار 13/52 رقم 4900
9) سنن الترمذي،باب صفة يوم القيامة والرقائق والورع،باب منه 8/290 رقم 2475
10) صحيح مسلم ،كتاب الزهد والرقائق،باب الدنيا سجن المؤمن وجنَّة الكافر 18/295 رقم 7348