زياد محمد حميدان
13 / 09 / 2011, 33 : 03 AM
النداء الثالث والستون:] حكم الطلاق قبل الدخول [
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [{الأحزاب 49}.
يبين الحق سبحانه للمؤمنين حكما خاصا من أحكام الطلاق،وهو طلاق المرأة قبل الدخول،وما يتعلق بهذا الطلاق،من عدَّة ومتعة،وقد بيَّن سبحانه في سورة البقرة عدَّة المدخول بها،وسيأتي مزيد من تفصيل ذلك في سورة الطلاق،فالمرأة المطلَّقة قبل الدخول،لها نصف المهر المسمى إجماعا،ولا عدَّة عليها للآية.وأما متعة الطلاق فخلاف بين الفقهاء،فمنهم من قال لا متعة لها إذا كان المهر مسمى،ومنهم من قال لها المتعة على كل حال.
وقد شرع الإسلام المهر تكريما للمرأة وتطييبا لخاطرها،وتعبيرا عن محبة الزوج لها،حيث يبذل لها جزءا من ماله التي اكتسبه بكدِّه.وليس ثمنا لسلعة اشتراها ،فهو يتحكم في المرأة تبعا لذلك.والزواج جهد مشترك بين الزوجين،لبناء أسرة سعيدة نافعة للمجتمع.ولكن قد لا تتحقق المصلحة من هذه الشركة،وتتنافر النفوس ولا توفق لحمل هذه الرسالة السامية،فشرع الطلاق ،لتبحث المرأة عن فرصة أخرى والرجل كذلك.وفي حالتنا هذه شرع للمرأة نصف المهر المسمى،وفي ذلك يقول الفخر الرازي:(هذا إرشاد إلى أعلى درجات المكرمات،ليعلم منها ما دونها،وبيانه هو أن المرأة إذا طلقت قبل المسيس،لم يحصل بينهما تأكد العهد،ولذا قال تعالى في حق الممسوسة:(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:21) وإذ أمر الله بالتمتع والإحسان مع من لا مودة بينه وبينها ،فما ظنك بمن حصلت المودة بالنسبة إليها بالإفضاء ،أو تأكدها بحصول الولد بينهما)[1] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn1).
والطلاق قد يقع قبل الدخول إذا رأى أحد العاقدين،استحالة قيام الحياة الزوجية،فله ذلك قبل أن تبدأ الحياة الزوجية،التي أساسها الحب والمودة والرحمة،فنفوس البشر قد تتفق وقد تختلف.والحق يريد للحياة الزوجية أن تدوم،ولذا اشترط في عقد الزواج التأبيد،وحرم زواج المتعة المؤقت.
قوله تعالى:] إِذَا نَكَحْتُمُ [ لفظ النكاح من ألفاظ الزواج الصريحة ،ويطلق ويراد به العقد كما في هذا النداء،والمعتبر في الزواج العقد،وإنما سمي العقد نكاحا ،كما قال القرطبي:
لملابسته له من حيث أنه طريق له)[2] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn2).
قوله تعالى:] الْمُؤْمِنَاتِ [ خرج الوصف مخرج الغالب،وإلا فالكتابية لها الحكم نفسه،وإنما خصَّ المؤمنات بالذكر ،لأن المؤمن ينبغي أن ينكح المؤمنة،فإنها أشدُّ تحصينا لدينه[3] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn3).وينبغي للزوج أن يختار ذات الدين،قال r :]تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ[4] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn4)[.فبدينها تعرف للزوج حقه،وتربي أولادها على الدين الحنيف،وتحفظ غيبة زوجها في نفسها وماله.وحضَّ على التخيُّر خوفا من تسلل الصفات الرديئة من طريق الوراثة،قال r :] أنظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس[[5] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn5).فالاختيار الصحيح ينتج أسرة صالحة بإذن الله تعالى.فلا يسعى الزوجان وراء شهوة عابرة،ولا مصلحة مؤقتة.
وهنا يجدر أن نشير إلى مفهوم خاطيء عند الناس،إذن يعتبرون ذات الدين ،من تصلي وتلبس الحجاب وكفى،فهذا جزء من الدين،وإنما صاحبة الدين من لديها الاستعداد لتحليل الحلال ،وتحريم الحرام.فلا بد أن يجتمع في الزوجين عند الاختيار الدين والخلق.
قوله تعالى:] ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [التعبير بثم يفيد الترتيب مع التراخي،أي أن الطلاق لا بدَّ أن يقع النكاح.وبوَّب لذلك البخاري: بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا[ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:( جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ )[6] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn6).وعند ابن ماجه قال r :] لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ[.[7] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn7)
قوله تعالى:] مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [هذا من الأدب القرآني الجمّ،إذ يعبر الحق عن معاشرة الأزواج بالمسِّ،ومن الهدي النبوي كذلك ما ورد في الصحيح ،عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:] أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ r عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ ،قَالَ خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا.قَالَتْ:كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟قَالَ:تَطَهَّرِي بِهَا.قَالَتْ:كَيْفَ؟ قَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي. فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ[[8] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn8).فسبح النبي r تعجبا من عدم فهمها لمراده وهو ظاهر،والسيدة عائشة كذلك لم تصرح لها أن المراد الفرج،وفي فتح الباري في شرح الحديث:(وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات،وفي الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة).
فينبغي الترفع عن الفاحش من القول،فالمؤمن عفُّ اللسان،ألفاظه منتقاة بما يناسب الذوق الرفيع.
لكن في مجالات الخصومة وإقامة الحدود،ينبغي التحقق بما يحفظ الحقَّ ويدرأ الحدَّ ،ففي قصة ماعز t عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:] لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ r قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ ،أَوْ نَظَرْتَ. قَالَ:لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ:أَنِكْتَهَا لَا يَكْنِي. قَالَ :فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ[[9] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn9).
قوله تعالى:] فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [ ليس على المطلقة قبل الدخول عدّة،
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( ذا في الرجل. يتزوج المرأة ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه لا عدة عليها تتزوج من شاءت)[10] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn10).قال ابن كثير:( هذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت)[11] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn11).
قوله تعالى:] فَمَتِّعُوهُنَّ [ المتعة :ما يعطى للمطلقة لتنتفع به،مدَّة عدتها[12] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn12).وتكون المتعة على حسب حال الزوج،قال تعالى:(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:236).
اختلف أهل العلم في المتعة ،هل تجب في كل حال،فرض لها مهر أم لا؟أم أن المتعة لمن لم يفرض لها مهر؟.
ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنه لا متعة لها فقال:( إن كان سمي لها صداقا فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمي لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل)[13] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn13).وذهب ابن عمر وسعيد بن المسيّب إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية التي في البقرة[14] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn14).وعلى ذلك فلا متعة لها إذا فرض لها المهر.
ومن التابعين من قال بالمتعة على كل حال،قال الحسن :(لكل مطلقة متاع دخل أم لم يدخل بها،فرض أم لم يفرض لها)[15] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn15).
قوله تعالى:] وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [ قال قتادة:(طلاقها طاهرا من غير جماع)[16] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn16).وقال القرطبي:(سنَّة غير بدعة)[17] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn17).وقال الرازي:( الجمال في التسريح،أن لا يطالبها بما آتاها)[18] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn18).ويجمع ذلك كله أن يكون الفراق بالحسنى،من غير ضرر ولا ضرار.
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif1) التفسير الكبير 25/175
2) الجامع لأحكام القرآن 14/203
3) التفسير الكبير 25/175
4) صحيح البخاري،كتاب النكاح،باب الأكفاء في الدين 5/1958 رقم 4802
5) الفردوس بمأثور الخطاب 1/436
6) صحيح البخاري،كتاب الطلاق،باب لا طلاق قبل النكاح 5/2017 .
7) سنن أبن ماجه، كتاب الطلاق،باب لا طلاق قبل النكاح 2/515 رقم 2048
8) صحيح البخاري،كتاب الحيض،باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من الحيض 1/119 رقم 308
9) صحيح البخاري،كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة،باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت6/2502 رقم 6438
10) جامع البيان 10/308 والدر المنثور 5/391
11) تفسير القرآن العظيم 3/657
12) المفردات 461
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif13) جامع البيان 10/308 والدر المنثور 5/391 وانظر الجامع لأحكام القرآن 14/204
14) انظر جامع البيان 10/308
15) الدر المنثور 5/392
16) زاد المسير 6/402
17) الجامع لأحكام القرآن 14/205
18) التفسير الكبير 25/175
] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [{الأحزاب 49}.
يبين الحق سبحانه للمؤمنين حكما خاصا من أحكام الطلاق،وهو طلاق المرأة قبل الدخول،وما يتعلق بهذا الطلاق،من عدَّة ومتعة،وقد بيَّن سبحانه في سورة البقرة عدَّة المدخول بها،وسيأتي مزيد من تفصيل ذلك في سورة الطلاق،فالمرأة المطلَّقة قبل الدخول،لها نصف المهر المسمى إجماعا،ولا عدَّة عليها للآية.وأما متعة الطلاق فخلاف بين الفقهاء،فمنهم من قال لا متعة لها إذا كان المهر مسمى،ومنهم من قال لها المتعة على كل حال.
وقد شرع الإسلام المهر تكريما للمرأة وتطييبا لخاطرها،وتعبيرا عن محبة الزوج لها،حيث يبذل لها جزءا من ماله التي اكتسبه بكدِّه.وليس ثمنا لسلعة اشتراها ،فهو يتحكم في المرأة تبعا لذلك.والزواج جهد مشترك بين الزوجين،لبناء أسرة سعيدة نافعة للمجتمع.ولكن قد لا تتحقق المصلحة من هذه الشركة،وتتنافر النفوس ولا توفق لحمل هذه الرسالة السامية،فشرع الطلاق ،لتبحث المرأة عن فرصة أخرى والرجل كذلك.وفي حالتنا هذه شرع للمرأة نصف المهر المسمى،وفي ذلك يقول الفخر الرازي:(هذا إرشاد إلى أعلى درجات المكرمات،ليعلم منها ما دونها،وبيانه هو أن المرأة إذا طلقت قبل المسيس،لم يحصل بينهما تأكد العهد،ولذا قال تعالى في حق الممسوسة:(وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء:21) وإذ أمر الله بالتمتع والإحسان مع من لا مودة بينه وبينها ،فما ظنك بمن حصلت المودة بالنسبة إليها بالإفضاء ،أو تأكدها بحصول الولد بينهما)[1] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn1).
والطلاق قد يقع قبل الدخول إذا رأى أحد العاقدين،استحالة قيام الحياة الزوجية،فله ذلك قبل أن تبدأ الحياة الزوجية،التي أساسها الحب والمودة والرحمة،فنفوس البشر قد تتفق وقد تختلف.والحق يريد للحياة الزوجية أن تدوم،ولذا اشترط في عقد الزواج التأبيد،وحرم زواج المتعة المؤقت.
قوله تعالى:] إِذَا نَكَحْتُمُ [ لفظ النكاح من ألفاظ الزواج الصريحة ،ويطلق ويراد به العقد كما في هذا النداء،والمعتبر في الزواج العقد،وإنما سمي العقد نكاحا ،كما قال القرطبي:
لملابسته له من حيث أنه طريق له)[2] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn2).
قوله تعالى:] الْمُؤْمِنَاتِ [ خرج الوصف مخرج الغالب،وإلا فالكتابية لها الحكم نفسه،وإنما خصَّ المؤمنات بالذكر ،لأن المؤمن ينبغي أن ينكح المؤمنة،فإنها أشدُّ تحصينا لدينه[3] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn3).وينبغي للزوج أن يختار ذات الدين،قال r :]تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ[4] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn4)[.فبدينها تعرف للزوج حقه،وتربي أولادها على الدين الحنيف،وتحفظ غيبة زوجها في نفسها وماله.وحضَّ على التخيُّر خوفا من تسلل الصفات الرديئة من طريق الوراثة،قال r :] أنظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس[[5] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn5).فالاختيار الصحيح ينتج أسرة صالحة بإذن الله تعالى.فلا يسعى الزوجان وراء شهوة عابرة،ولا مصلحة مؤقتة.
وهنا يجدر أن نشير إلى مفهوم خاطيء عند الناس،إذن يعتبرون ذات الدين ،من تصلي وتلبس الحجاب وكفى،فهذا جزء من الدين،وإنما صاحبة الدين من لديها الاستعداد لتحليل الحلال ،وتحريم الحرام.فلا بد أن يجتمع في الزوجين عند الاختيار الدين والخلق.
قوله تعالى:] ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [التعبير بثم يفيد الترتيب مع التراخي،أي أن الطلاق لا بدَّ أن يقع النكاح.وبوَّب لذلك البخاري: بَاب لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا[ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما:( جَعَلَ اللَّهُ الطَّلَاقَ بَعْدَ النِّكَاحِ )[6] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn6).وعند ابن ماجه قال r :] لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ[.[7] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn7)
قوله تعالى:] مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [هذا من الأدب القرآني الجمّ،إذ يعبر الحق عن معاشرة الأزواج بالمسِّ،ومن الهدي النبوي كذلك ما ورد في الصحيح ،عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها:] أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ r عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ ،قَالَ خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا.قَالَتْ:كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟قَالَ:تَطَهَّرِي بِهَا.قَالَتْ:كَيْفَ؟ قَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي. فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ[[8] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn8).فسبح النبي r تعجبا من عدم فهمها لمراده وهو ظاهر،والسيدة عائشة كذلك لم تصرح لها أن المراد الفرج،وفي فتح الباري في شرح الحديث:(وفيه استحباب الكنايات فيما يتعلق بالعورات،وفي الاكتفاء بالتعريض والإشارة في الأمور المستهجنة).
فينبغي الترفع عن الفاحش من القول،فالمؤمن عفُّ اللسان،ألفاظه منتقاة بما يناسب الذوق الرفيع.
لكن في مجالات الخصومة وإقامة الحدود،ينبغي التحقق بما يحفظ الحقَّ ويدرأ الحدَّ ،ففي قصة ماعز t عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:] لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ r قَالَ لَهُ: لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ ،أَوْ نَظَرْتَ. قَالَ:لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.قَالَ:أَنِكْتَهَا لَا يَكْنِي. قَالَ :فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ[[9] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn9).
قوله تعالى:] فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [ ليس على المطلقة قبل الدخول عدّة،
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:( ذا في الرجل. يتزوج المرأة ثم يطلقها من قبل أن يمسها، فإذا طلقها واحدة بانت منه لا عدة عليها تتزوج من شاءت)[10] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn10).قال ابن كثير:( هذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن المرأة إذا طلقت قبل الدخول بها لا عدة عليها فتذهب فتتزوج في فورها من شاءت)[11] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn11).
قوله تعالى:] فَمَتِّعُوهُنَّ [ المتعة :ما يعطى للمطلقة لتنتفع به،مدَّة عدتها[12] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn12).وتكون المتعة على حسب حال الزوج،قال تعالى:(لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ) (البقرة:236).
اختلف أهل العلم في المتعة ،هل تجب في كل حال،فرض لها مهر أم لا؟أم أن المتعة لمن لم يفرض لها مهر؟.
ذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى أنه لا متعة لها فقال:( إن كان سمي لها صداقا فليس لها إلا النصف، وإن لم يكن سمي لها صداقا متعها على قدر عسره ويسره، وهو السراح الجميل)[13] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn13).وذهب ابن عمر وسعيد بن المسيّب إلى أن هذه الآية منسوخة بالآية التي في البقرة[14] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn14).وعلى ذلك فلا متعة لها إذا فرض لها المهر.
ومن التابعين من قال بالمتعة على كل حال،قال الحسن :(لكل مطلقة متاع دخل أم لم يدخل بها،فرض أم لم يفرض لها)[15] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn15).
قوله تعالى:] وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً [ قال قتادة:(طلاقها طاهرا من غير جماع)[16] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn16).وقال القرطبي:(سنَّة غير بدعة)[17] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn17).وقال الرازي:( الجمال في التسريح،أن لا يطالبها بما آتاها)[18] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn18).ويجمع ذلك كله أن يكون الفراق بالحسنى،من غير ضرر ولا ضرار.
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif1) التفسير الكبير 25/175
2) الجامع لأحكام القرآن 14/203
3) التفسير الكبير 25/175
4) صحيح البخاري،كتاب النكاح،باب الأكفاء في الدين 5/1958 رقم 4802
5) الفردوس بمأثور الخطاب 1/436
6) صحيح البخاري،كتاب الطلاق،باب لا طلاق قبل النكاح 5/2017 .
7) سنن أبن ماجه، كتاب الطلاق،باب لا طلاق قبل النكاح 2/515 رقم 2048
8) صحيح البخاري،كتاب الحيض،باب دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من الحيض 1/119 رقم 308
9) صحيح البخاري،كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة،باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت6/2502 رقم 6438
10) جامع البيان 10/308 والدر المنثور 5/391
11) تفسير القرآن العظيم 3/657
12) المفردات 461
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif13) جامع البيان 10/308 والدر المنثور 5/391 وانظر الجامع لأحكام القرآن 14/204
14) انظر جامع البيان 10/308
15) الدر المنثور 5/392
16) زاد المسير 6/402
17) الجامع لأحكام القرآن 14/205
18) التفسير الكبير 25/175