زياد محمد حميدان
15 / 09 / 2011, 55 : 11 PM
النداء التاسع والستون: ] وجوب طاعة الله تعالى ورسوله r والتحذير من إبطال العمل[.
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [{محمد 33}.
لمَّا بيَّن الحق سبحانه حال الكفَّار المعاندين الصَّادين عن سبيل الله،بيَّن منهاج المؤمنين الذي ينبغي أن يسيروا عليه،وهو طاعة الله تعالى،واقتفاء النبي r ،وفي ذلك سعادة الدارين.
وقد رتَّب الحق الجزاء الأوفى للمطيع:] وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [{النساء 13}
وقال Y :] وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [{الأحزاب 71}.
قوله تعالى:] وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ اختلف في مبطلات الأعمال على أقوال:
الأول:بالذنوب والمعاصي،قال قتادة:( من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيء فليفعل، ولا قوة إلا بالله فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها)[1] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn1).وعن أبي العالية قال:كان أصحاب رسول الله r يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت ]أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ فخافوا أن يبطل الذنب العمل)[2] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn2).
الثاني: بالرياء والسمعة، قال r :] إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ .قَالَ كَذَبْتَ ،وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ ،فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ ،وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ ،فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ .قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ ،فَقَدْ قِيلَ ،ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ،فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ :فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا، إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ .قَالَ :كَذَبْتَ ،وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ ،فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ
عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار[[3] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn3).فهؤلاء النفر أرادوا بعمله الرياء والسمعة ،فحصلوا مبتغاهم في الدنيا،فليس لهم في الآخرة النار،(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (النور:39) .و لأن الله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك،فما قصد به غير الله فليس بمقبول عنده.
الثالث:المنّ،وهذا مأخوذ من قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [{البقرة 264}.وقد تقدم البحث في هذه الآية في النداء الثامن.
ونعرض في هذا المقام لمسألة هل يجب إتمام المندوب بالشروع فيه؟.
الجمهور:قالوا بعدم وجوب إتمام النفل بعد الشروع فيه،إلا الحج والعمرة،لأن نيَّة نفله كنيَّة فرضه،ففارق سائر المندوبات[4] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn4).واستثنى المالكية سبع مسائل من المندوبات التي يجب إتمامها وهي،الصلاة والصوم والحج والعمرة،والاعتكاف والطواف والدخول خلف الإمام[5] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn5).وهناك رواية عن الإمام أحمد باستثناء الصلاة،لأنها ذات إحرام وإحلال كالحج ،ورواية بوجوب إتمام صوم التطوع،ولزوم القضاء إن أفطر[6] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn6).
واستدل الجمهور بجملة من الآثار منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت:} قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ قَالَتْ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ r قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا قَالَ: مَا هُوَ قُلْتُ حَيْسٌ قَالَ هَاتِيهِ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا {[7] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn7).قال النووي في شرح الحديث:(تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه،والأكل في اثناء النهار.ويبطل الصوم لأنه نفل،فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء،وكذا في الدوام،وممن قال به جماعة من الصحابة وأحمد وآخرون،لكنهم كلهم والشافعي معهم متفقون على استحباب إتمامه).
وعن أم هانىء رضي الله عنها:} أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَى بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ { قال الترمذي:}أمير أو أمين على الشك{[8] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn8).
جاء في شرح الحديث توجيه الأمرين:(أمين نفسه:أنه إذا كان أمين نفسه ،فله أن يتصرف في أمانة نفسه على ما يشاء. وأما أمير نفسه:أمير لنفسه بعد دخوله في الصوم،إن شاء صام أي أتمَّ صومه،وإن شاء أفطر لعذر أو لغيره)[9] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn9) .
ومن جهة العقل،لأن المندوب يجوز تركه[10] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn10).
الحنفية:قالوا يجب إتمام المندوب بالشروع فيه،واستدلوا بقوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [{محمد 33}.وجه الاستدلال،أن ما أداه صار لله فوجب صيانته،ولا سبيل إليه ،إلا بلزوم الباقي،فالترجيح المؤدى أولى من العكس،لأن العبادة مما يحتاط فيها[11] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn11).
لكن الجمهور لم يسلموا للحنفية استدلالهم بالآية الكريمة،لأن المقصود،لا تبطلوا أعمالكم بالردة بدليل الآية قبلها،أو لا تبطلوها بالرياء،كما ذكر أهل العلم[12] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn12). ويؤيد ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسير الآية:(ثم أمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم،في الدنيا والآخرة،ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال،ولهذا قال تعالى:(ولا تبطلوا أعمالكم) أي بالردة)[13] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn13).
والحنفية بدورهم لم يسلِّموا لهذا الاعتراض على استدلالهم وقالوا:(بأن هذا تخصيص للنهي عن مطلق الإبطال بلا مخصص،فإن الإبطال كما يكون بالأشياء المذكورة،يكون بالإفساد أيضا،وليس مقصودهم الحصر في هذا الإبطال،بل نقل ما هو أهم)[14] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn14).
واستدلوا كذلك بالقياس على النذر،لأن الوفاء بالنذر واجب صيانة لإيجابه عبادة لله تعالى بالقول،فلأن يجب بالشروع والتسليم أولى[15] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn15).
والذي يظهر أن الشروع في النافلة ،لا يوجبها.وذلك لصحة حديث السيدة عائشة رضي الله عنها،وصراحة دلالته على المطلوب،وكذلك حديث أم هانىء رضي الله عنها ،فيستحب إكمال العبادة خروجا من الخلاف،وتقدم نقل النووي عن الجمهور استحباب إتمام النافلة.
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif1) جامع البيان 11/326 والدر المنثور 6/54
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif2) الدر المنثور 6/54 وتفسير القرآن العظيم 4/231 وانظر الجامع لأحكام القرآن 16/255
3) صحيح مسلم،كتاب الإمارة،باب من قاتل للرياء والسمعة 13/52 رقم 4900
4) انظر شرح المحلي على جمع الجوامع 1/94 وشرح الكوكب المنير 1/410
5) انظر هذه المسائل نشر البنود 1/40
6) انظر شرح الكوكب المنير 1/410
7) صحيح مسلم،كتاب الصيام،باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال 8/275 رقم 2707
8) سنن الترمذي،كتاب الصوم،باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع 3/268 رقم 731
9) انظر تحفة الأحوذي ، للمباركفوري 3/341
10) انظر شرح المحلي 1/91
11) التوضيح 2/125 وانظر فواتح الرحموت 1/115
12) انظر شرح الكوكب المنير 1/408
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif13) تفسير القرآن العظيم 4/231 وانظر نشر البنود 1/39
14) فواتح الرحموت 1/115
15) انظر فواتح الرحموت 1/116 والتلويح والتوضيح 2/125 والمغني في أصول الفقه 86
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [{محمد 33}.
لمَّا بيَّن الحق سبحانه حال الكفَّار المعاندين الصَّادين عن سبيل الله،بيَّن منهاج المؤمنين الذي ينبغي أن يسيروا عليه،وهو طاعة الله تعالى،واقتفاء النبي r ،وفي ذلك سعادة الدارين.
وقد رتَّب الحق الجزاء الأوفى للمطيع:] وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [{النساء 13}
وقال Y :] وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [{الأحزاب 71}.
قوله تعالى:] وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ اختلف في مبطلات الأعمال على أقوال:
الأول:بالذنوب والمعاصي،قال قتادة:( من استطاع منكم أن لا يبطل عملا صالحا عمله بعمل سيء فليفعل، ولا قوة إلا بالله فإن الخير ينسخ الشر، وإن الشر ينسخ الخير، وإن ملاك الأعمال خواتيمها)[1] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn1).وعن أبي العالية قال:كان أصحاب رسول الله r يرون أنه لا يضر مع لا إله إلا الله ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل حتى نزلت ]أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ فخافوا أن يبطل الذنب العمل)[2] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn2).
الثاني: بالرياء والسمعة، قال r :] إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا. قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ .قَالَ كَذَبْتَ ،وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ ،فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ ،وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِيَ بِهِ ،فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ .قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ ،فَقَدْ قِيلَ ،ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ ،فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ :فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا، إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ .قَالَ :كَذَبْتَ ،وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ ،فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ
عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّار[[3] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn3).فهؤلاء النفر أرادوا بعمله الرياء والسمعة ،فحصلوا مبتغاهم في الدنيا،فليس لهم في الآخرة النار،(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (النور:39) .و لأن الله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك،فما قصد به غير الله فليس بمقبول عنده.
الثالث:المنّ،وهذا مأخوذ من قوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ [{البقرة 264}.وقد تقدم البحث في هذه الآية في النداء الثامن.
ونعرض في هذا المقام لمسألة هل يجب إتمام المندوب بالشروع فيه؟.
الجمهور:قالوا بعدم وجوب إتمام النفل بعد الشروع فيه،إلا الحج والعمرة،لأن نيَّة نفله كنيَّة فرضه،ففارق سائر المندوبات[4] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn4).واستثنى المالكية سبع مسائل من المندوبات التي يجب إتمامها وهي،الصلاة والصوم والحج والعمرة،والاعتكاف والطواف والدخول خلف الإمام[5] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn5).وهناك رواية عن الإمام أحمد باستثناء الصلاة،لأنها ذات إحرام وإحلال كالحج ،ورواية بوجوب إتمام صوم التطوع،ولزوم القضاء إن أفطر[6] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn6).
واستدل الجمهور بجملة من الآثار منها:
عن عائشة رضي الله عنها قالت:} قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ يَا عَائِشَةُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ قَالَ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ قَالَتْ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ r قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَتْ لَنَا هَدِيَّةٌ أَوْ جَاءَنَا زَوْرٌ وَقَدْ خَبَأْتُ لَكَ شَيْئًا قَالَ: مَا هُوَ قُلْتُ حَيْسٌ قَالَ هَاتِيهِ فَجِئْتُ بِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ قَالَ قَدْ كُنْتُ أَصْبَحْتُ صَائِمًا {[7] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn7).قال النووي في شرح الحديث:(تصريح بالدلالة لمذهب الشافعي وموافقيه في أن صوم النافلة يجوز قطعه،والأكل في اثناء النهار.ويبطل الصوم لأنه نفل،فهو إلى خيرة الإنسان في الابتداء،وكذا في الدوام،وممن قال به جماعة من الصحابة وأحمد وآخرون،لكنهم كلهم والشافعي معهم متفقون على استحباب إتمامه).
وعن أم هانىء رضي الله عنها:} أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهَا فَدَعَى بِشَرَابٍ فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَهَا فَشَرِبَتْ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا إِنِّي كُنْتُ صَائِمَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِينُ نَفْسِهِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ { قال الترمذي:}أمير أو أمين على الشك{[8] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn8).
جاء في شرح الحديث توجيه الأمرين:(أمين نفسه:أنه إذا كان أمين نفسه ،فله أن يتصرف في أمانة نفسه على ما يشاء. وأما أمير نفسه:أمير لنفسه بعد دخوله في الصوم،إن شاء صام أي أتمَّ صومه،وإن شاء أفطر لعذر أو لغيره)[9] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn9) .
ومن جهة العقل،لأن المندوب يجوز تركه[10] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn10).
الحنفية:قالوا يجب إتمام المندوب بالشروع فيه،واستدلوا بقوله تعالى:] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [{محمد 33}.وجه الاستدلال،أن ما أداه صار لله فوجب صيانته،ولا سبيل إليه ،إلا بلزوم الباقي،فالترجيح المؤدى أولى من العكس،لأن العبادة مما يحتاط فيها[11] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn11).
لكن الجمهور لم يسلموا للحنفية استدلالهم بالآية الكريمة،لأن المقصود،لا تبطلوا أعمالكم بالردة بدليل الآية قبلها،أو لا تبطلوها بالرياء،كما ذكر أهل العلم[12] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn12). ويؤيد ذلك ما ذكره ابن كثير في تفسير الآية:(ثم أمر الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله التي هي سعادتهم،في الدنيا والآخرة،ونهاهم عن الارتداد الذي هو مبطل للأعمال،ولهذا قال تعالى:(ولا تبطلوا أعمالكم) أي بالردة)[13] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn13).
والحنفية بدورهم لم يسلِّموا لهذا الاعتراض على استدلالهم وقالوا:(بأن هذا تخصيص للنهي عن مطلق الإبطال بلا مخصص،فإن الإبطال كما يكون بالأشياء المذكورة،يكون بالإفساد أيضا،وليس مقصودهم الحصر في هذا الإبطال،بل نقل ما هو أهم)[14] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn14).
واستدلوا كذلك بالقياس على النذر،لأن الوفاء بالنذر واجب صيانة لإيجابه عبادة لله تعالى بالقول،فلأن يجب بالشروع والتسليم أولى[15] (http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/fckeditor.html?InstanceName=detail&Toolbar=Default#_ftn15).
والذي يظهر أن الشروع في النافلة ،لا يوجبها.وذلك لصحة حديث السيدة عائشة رضي الله عنها،وصراحة دلالته على المطلوب،وكذلك حديث أم هانىء رضي الله عنها ،فيستحب إكمال العبادة خروجا من الخلاف،وتقدم نقل النووي عن الجمهور استحباب إتمام النافلة.
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif1) جامع البيان 11/326 والدر المنثور 6/54
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif2) الدر المنثور 6/54 وتفسير القرآن العظيم 4/231 وانظر الجامع لأحكام القرآن 16/255
3) صحيح مسلم،كتاب الإمارة،باب من قاتل للرياء والسمعة 13/52 رقم 4900
4) انظر شرح المحلي على جمع الجوامع 1/94 وشرح الكوكب المنير 1/410
5) انظر هذه المسائل نشر البنود 1/40
6) انظر شرح الكوكب المنير 1/410
7) صحيح مسلم،كتاب الصيام،باب جواز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال 8/275 رقم 2707
8) سنن الترمذي،كتاب الصوم،باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع 3/268 رقم 731
9) انظر تحفة الأحوذي ، للمباركفوري 3/341
10) انظر شرح المحلي 1/91
11) التوضيح 2/125 وانظر فواتح الرحموت 1/115
12) انظر شرح الكوكب المنير 1/408
http://www.alhodaway.com/fckeditor/editor/images/spacer.gif13) تفسير القرآن العظيم 4/231 وانظر نشر البنود 1/39
14) فواتح الرحموت 1/115
15) انظر فواتح الرحموت 1/116 والتلويح والتوضيح 2/125 والمغني في أصول الفقه 86