مشاهدة النسخة كاملة : شرح بلوغ المرام من أدلة الاحكام
طويلب علم مبتدئ
03 / 03 / 2013, 54 : 05 PM
http://www.ahlussunah.org/images/maraam/main.gif
تأليف الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله المتوفى سنة 852 للهجرة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى ءاله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد.
يعتبر كتاب "بلوغ المرام من أدلة الأحكام" للحافظ أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني من أنفس ما صنف في أحاديث الأحكام، فقد اختار أحاديثه من أمهات كتب السنة النبوية الشريفة.
الفرق بينه وبين عمدة الأحكام أن بلوغ المرام أحاديث أحكام من الكتب الستة بينما عمدة الأحكام من مسلم والبخاري
متن بلوغ المرام من أدلة الأحكام
حمل من هنا (http://www.saaid.net/book/22.zip)
أهم شروحه (سبل السلام) للصنعاني
ما يميز هذا الشرح
منهج العلامة الصنعاني في كتابه: يذكر ترجمة مختصرة للراوي الأعلى للحديث، ثم يبين مفردات الحديث مبينا مبهمها، ضابطا للألفاظ ضبطا لغويا، ثم يذكر الفوائد الفقهية في الحديث، ثم يبين طرفا من تراجم من أخرج الحديث مبينا درجة الحديث من الصحة أو الضعف.
حمل من هنا (http://www.almeshkat.net/books/archive/books/s-s.zip)
هذه اول حلقة لنا وهي التعرف بهذا الكتاب
وسوف ننطلق ان شاء الله بشرح اول حديث منه في الحلقة القادمة .
سوف احاول ان اجمع كل شروح الصوتية لاهل العلم او الكتابية
والله ولي التوفيق
ابو قاسم الكبيسي
03 / 03 / 2013, 59 : 06 PM
جزاكـــَ اللهُ خيـــرًا
شريف حمدان
03 / 03 / 2013, 05 : 08 PM
http://up.ahlalalm.info/photo1/g1K33816.gif
طويلب علم مبتدئ
04 / 03 / 2013, 36 : 10 AM
هذه مقدمة للشيخ صالح ال الشيخ وهي مهمة يجب ان نسمعها قبل ان نبدئ في الشرح
01.mp3 (http://up.ahlalalm.info/dldmhq82390.mp3.html)
مهاودي سليمان
04 / 03 / 2013, 01 : 03 PM
ماشاء الله اخي الفاضل الله يبارك فيك وجزاك الله خيرا
ابراهيم عبدالله
04 / 03 / 2013, 29 : 04 PM
جارى التحميل اعزكم الله
رفعـت
04 / 03 / 2013, 02 : 08 PM
شكرا لكم أخى الفاضل
ابوالخير
04 / 03 / 2013, 10 : 08 PM
الله يفتح عليك ياعم طويلب
ابا احمد
04 / 03 / 2013, 22 : 10 PM
بارك الله فيكم اخى ******
نفع بك الاسلام والمسلمين
وجعل ما طرحته في ميزان حسناتك
ان شاء الله
طويلب علم مبتدئ
04 / 03 / 2013, 22 : 11 PM
ترجمة الحافظ ابن حجر رحمه الله هو أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) , وكنيته أبو الفضل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) , ويلقب بـشهاب الدين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157)، وقد ولد رحمه الله بـمصر سنة سبعمائة وثلاث وسبعين للهجرة، وتوفي سنة ثمانمائة واثنتين وخمسين للهجرة .
وهذا الإمام يلقب بشيخ الإسلام, فهو من الذين حازوا على هذا اللقب الجليل الذي لا يطلق إلا على الندرة من العلماء, كشيخ الإسلام ابن قدامة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000886&spid=157) وشيخ الإسلام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) وأمثالهم, وذلك لجهوده العظيمة في خدمة السنة النبوية, والحديث عن هذه الجهود أمر يطول.
ومن جهوده العلمية: جهوده في التدريس, فقد كان يتصدر مجالس التدريس للطلاب, فيقرءون عليه ويشرح ويقرر ويبين.
ومن جهوده العلمية: جهوده في الإفتاء, فقد كانت ترد عليه السؤالات من مصر وغيرها من أنحاء العالم الإسلامي, فيقوم بكتابة الأجوبة عليها وإرسالها إلى أصحابها.
إلى غير ذلك من جهوده العلمية الجبارة الفذة التي لا يكاد يضارعه فيها أحد.
هذا بعض ما يمكن أن يقال عن ترجمة هذا الإمام, ولم أرد أن أطيل الكلام عن ترجمته فيما زاد عن ذلك؛ لأن بإمكان كل طالب أن يرجع إلى بعض المصادر التي سبقت الإشارة إلى شيء منها, أو إلى مقدمات كتبه رحمه الله, فيجد فيها ترجمة موسعة حافلة كافية.
إنما ذكرت ما سبق لتنشيط الهمم إلى التشبه بهؤلاء الرجال, جرياً على قول الشاعر: فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالرجال فلاح
طويلب علم مبتدئ
06 / 03 / 2013, 08 : 01 PM
(باب: المياه)، وسنبدأ بالحديث الأول والثاني إن شاء الله. بسم الله الرحمن الرحيم.. [عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في البحر: ( هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )].
وهذا الحديث له قصة، وهي: ( أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ).
علاقة هذا الحديث بكتاب الطهارة فهي واضحة في قوله عليه الصلاة والسلام: ( هو الطهور ماؤه ).
وفيه دليل على أن ماء البحر طهور، فهل يحتاج هذا الأمر إلى تقرير، أو بصورة أخرى: هل يوجد خلاف في هذه المسألة؟ الجواب: إن جماهير أهل العلم من الصحابة والتابعين والسلف والخلف مطبقون على طهورية ماء البحر, وجواز استعماله في جميع الطهارات، إلا أن الإمام ابن رشد (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004737&spid=157) في كتاب بداية المجتهد قال: وذُكر في هذه المسألة خلاف للصدر الأول, ويعني بالصدر الأول الصحابة.
لفائدة الثانية: أن من الأحاديث ما لا يصلح لأن يستشهد به وذلك إذا كان في إسناد الحديث راو متروك، والمتروك هو: من ترك العلماء روايته؛ إما لكذبه أو لاتهامه أو لغير ذلك.
فإذا كان في إسناد الحديث راو متروك فهذا الإسناد لا يعبأ به, ولو جاء الحديث من عشر طرق أو أكثر في كل طريق منها راوٍ متروك ما ازداد الحديث بهذه الطرق قوة، أما لو كان في الإسناد راو ضعيف -ضعيف الحفظ- لكنه ليس كذاباً ولا متهماً بالكذب فيتقوى الحديث بكثرة طرقه.
هذا فيما يتعلق بثبوت الحديث، وبذلك تبين لكم أن الحديث ثابت بلا شك، بل ثبت بأقل من ذلك.
ننتقل بعد هذا إلى الكلام في متن الحديث ومعناه، ففيما يتعلق بسبب الحديث: أن رجلاً قال: يا رسول الله! من هذا الرجل؟ هذا الرجل ورد اسمه في عدة روايات, منها: رواية البيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) والدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) والطبراني (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000292&spid=157)، واسمه عبد (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157) أو عبيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157) أو عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157) أو عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157)، ويكنى بـأبي زمعة البلوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157)، وكان ملاحاً، ولذلك ذكر الإمام ابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) في كتابه الذي ألفه في الصحابة وسماه معرفة الصحابة، وكذلك الإمام السمعاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001442&spid=157) في كتاب الأنساب سموه: العركي، والواقع أن العركي ليس اسماً لهذا الصحابي, وإنما هو وصف له، فكل من كان ملاحاً يسمى العركي، وهذا السائل ملاح؛ ولذلك سمي بالعركي.
ذكر ذلك أبو موسى المديني (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006014&spid=157) رحمه الله.
إذاً: هو عبد أبو زمعة البلوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157)، ولا يمنع أن يصغر فيسمى عبيداً (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157) , أو يضاف فيقال: عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157) أو عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006020&spid=157)، والخلاف في اسمه يسير؛ لأنه لا يترتب عليه كبير غناء، وإن كان ما دامت معرفته ميسورة فلا بأس بها.
قال: ( يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء, فإن توضأنا به عطشنا, أفنتوضأ بماء البحر؟ )، وفي هذا الحديث فوائد عديدة: أولاً: هذه صيغة السؤال, ومنها يؤخذ فائدة في طريقة الاستفتاء، وهي: أن السائل أو المستفتي ينبغي له أن يفصل في السؤال, ويذكر كل ما يتعلق به مما يغلب على ظنه أن له تأثيراً في الحكم؛ ولذلك ذكر هذا الرجل الحال ووصفها أبلغ وصف، فذكر أنهم يركبون البحر، وكأن هذا لحاجتهم في السفر والذهاب والإياب للتجارة, أو لحمل الناس من ساحل إلى آخر، وأنهم يحملون معهم شيئاً من الماء، فلو توضئوا بهذا الماء لعطشوا ولم يجدوا ما يشربونه, فهم حينئذٍ مضطرون إلى أن يتوضئوا بماء البحر، أو أن يحملوا معهم شيئاً من التراب ليتيمموا به، فمهد للسؤال بهذه الأشياء التي ربما ظن أن لها تأثيراً في الحكم, ( أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه الحل ميتته ).
وها هنا سؤال: لم يجب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بقوله: نعم.
وهو الذي أوتي جوامع الكلم، بل أجابه بجواب آخر، فقال: ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ).
فلماذا عدل النبي صلى الله عليه وسلم عن الجواب بنعم إلى هذا الجواب؟ لماذا عدل صلى الله عليه وسلم؟ نعم يا أخي! الحكمة الأولى: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو قال له: (نعم) لربما فُهم من ذلك أن جواز الوضوء بماء البحر خاص بحالة الضرورة التي سأل عنها السائل, أنه يركب البحر وليس معه إلا ماء قليل، فلو توضأ به لعطش، فلا يكون عاماً في حالة الضرورة وغيرها.
فلما قال: ( هو الطهور ماؤه ) دل على أن جواز الوضوء بماء البحر عام في حالة الضرورة وفي غيرها.
الحكمة أو الفائدة الثانية: حتى يكون الحكم مقروناً بعلته، فعلة جواز الوضوء بماء البحر هي الطهورية, حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أومأ إليها حين وصف ماء البحر بأنه طهور، فقرن الحكم مع علته, فعلم من ذلك أن كل ماء طهور يجوز الوضوء به, ولا يستثنى من ذلك شيء أبداً على الإطلاق، فكل ماء طهور يجوز لك أن تتوضأ به ولو لم تكن مضطراً.
الفائدة الثالثة: أنه أراد أن يبين أن استعمال ماء البحر عام في الوضوء وفي غيره من الطهارات؛ لأن السؤال: ( أفنتوضأ )، فلو قال: نعم لربما ظن البعض أن هذا خاص بالوضوء, لكن الغسل مسكوت عنه، فلما قال: ( هو الطهور ماؤه ) دل على أن ماء البحر يمكن استعماله في الوضوء وفي غيره من الطهارات.
هذه ثلاث حكم أو أسرار؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هو الطهور ماؤه ).
ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( الحل ميتته ).
ومعنى: ( الحل ميتته ) أي: أن ميتة البحر حلال أكلها، والمقصود بميتة البحر: الحيوانات البحرية التي لا تعيش إلا في البحر، أما حيوانات البر لو ماتت في البحر فهل تكون حلالاً؟ لا.
إنما المقصود ما لا يعيش إلا في البحر من الحيوانات كالسمك وغيره.
وها هنا زاد النبي صلى الله عليه وسلم على السؤال، فالسؤال كان عن موضوع الوضوء، فأجابه بما يتعلق بالوضوء, ثم زاده أمراً قد يكون أجنبياً بعض الشيء عن موضوع السؤال، فقال: ( الحل ميتته ).
فلماذا أضاف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الفائدة للسائل؟ أضاف عليه الصلاة والسلام هذه الفائدة لأن هذا الرجل كان مظنة أن تخفى عليه، أو يخفى عليه حكمها؛ وذلك لأنه سأل عن ماء البحر، مع أن من المعلوم أن الأصل في المياه كلها الطهارة، فما دام خفي عليه حكم ماء البحر مع أن الأصل في المياه الطهارة، فمن باب أولى أن يخفى عليه حكم ميتة البحر, مع أن الأصل في الميتة التحريم, فالميتة محرمة، وميتة البحر مستثناة من ذلك.
إذاً: من خفي عليه حكم استعمال ماء البحر فمن باب أولى أن يخفى عليه حكم ميتة البحر.
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فهو يركب البحر, وحاجته ماسة إلى معرفة حكم ميتته, فزاده النبي صلى الله عليه وسلم بذكر هذه الفائدة المتعلقة بالبحر.
ونأخذ من هذا فائدة ذكرها عدد من أهل العلم رحمهم الله، وهي: أنه يجوز للعالم أن يفتي السائل بأكثر مما سأله، بل ينبغي له ذلك إن ظن بالسائل حاجة إلى هذه الزيادة؛ ولذلك بوب الإمام البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) رحمه الله في صحيحه في آخر باب من كتاب العلم قال -رحمه الله-: باب من أجاب السائل بأكثر مما سأله، ومن المعلوم عند العلماء أن الإمام البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) رحمه الله يتفنن في التراجم ويدقق ويذكر فيها فوائد فقهية عميقة، وهذا نموذج لها، فهو عقد هذه الترجمة ثم ساق حديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ( يا رسول الله! ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا يلبس القميص, ولا العمامة, ولا السراويل, ولا البرانس, ولا ثوباً مسه زعفران أو ورس، ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما حتى يكونا تحت الكعبين ).
البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) رحمه الله ساق هذا الحديث ووضع له هذه الترجمة.
إذاً: المفتي قد يجيب بطريقة أخرى غير ما سأل السائل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد أن يعدد الثياب التي يلبسها المحرم لطال به المقام ولم يستوفها، لكن الأشياء الممنوعة محصورة، فذكرها حتى يعلم أن ما عداها يجوز لبسه، لكن لا زلنا نسأل من أين أخذ البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) الفائدة من الحديث؟ الجواب: من قوله: ( ومن لم يجد إزاراً فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما ).
فهل ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رحمه الله أو غيره سأل عمن لم يجد؟ كلا.
بل الذي ورد في السؤال: ما يلبس المحرم من الثياب؟ وكان يكفي في الإجابة أن يقال: لا يلبس كذا ولا كذا، إنما هو صلى الله عليه وسلم أضاف فائدة جديدة في حالة من لم يجد إزاراً، وفي حالة من لم يجد نعلين.
ونجد أن علماء الأصول رحمهم الله يقولون: يجب أن يكون الجواب مطابقاً للسؤال.
وهذا صحيح لكن ليس معنى مطابقة الجواب للسؤال ألا يزيد عليه، وإنما المعنى أن يكون الجواب متضمناً وشاملاً للأمر المسئول عنه، فلا يكون الجواب أجنبياً عن السؤال، أو جواباً عن سؤال آخر، وهذا معلوم أن الجواب يجب أن يكون مطابقاً للسؤال، لكن وجود زيادة في الجواب على ما سأل عليه السائل لا تعارض التطابق، بل من أدب الفتيا أن يذكر المفتي إذا كان هناك مظنة توهم أو حاجة إليها عند السائل.
من شرح الشيخ سلمان فهد العودة
طويلب علم مبتدئ
08 / 03 / 2013, 05 : 09 PM
إطلاق حكم عام على الماء، وأن الماء طهور لا ينجسه شيء، وفي هذين الحديثين مسائل فقهية مهمة في مسألة طهورية الماء مع اختلاف الأقوال والآراء فيها.
شرح حديث: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)
علاقة حديث: (هو الطهور ماؤه..) بكتاب الطهارة http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow3.gif الأحاديث التي لا تصلح للاستشهاد بها http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow3.gif ذكر سبب الحديث واسم السائل عن حكم ماء البحر http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow3.gif فوائد الحديث http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow3.gif الفرق بين المتابع والشاهد http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow3.gif تخريج الحديث http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow3.gif
شرح حديث: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء)
ننتقل إلى الحديث الثاني وهو حديث أبي سعيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000072&spid=157) رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ).
وهذا الحديث له أيضاً سبب، وسببه هو أن أبا سعيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000072&spid=157) رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله! أتتوضأ من بئر بضاعة، وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن الماء طهور لا ينجسه شيء ).
حكم التبرك بما وجد من آثار النبي صلى الله عليه وسلم في العصر الحاضر
المسألة الثانية: أنه يوجد في هذا العصر أشياء يقولون: إنها من آثار النبي صلى الله عليه وسلم، ففي تركيا مثلاً وفي غيرها متاحف, يوجد في المتحف شعرة أو شعرات موضوعة خلف زجاج وبعناية كبيرة، ويوجد كذلك نعال، ويوجد بردة معتنى بها غاية الاعتناء، وهم يقولون: هذه شعرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه نعاله، وهذه بردته.
فأين الإسناد الذي يؤكد ذلك ويثبته؟ من الصعب جداً أن يثبتوا لنا بالدليل المادي أن هذه الشعرة هي من رأس المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن هذه البردة بردته، وأن هذا النعل نعله، بل الغالب أن مثل هذه الأشياء لا تبقى هذه القرون الطويلة بل تندرس وتزول، ولعل من حكمة الله عز وجل أنها لم تبق هذه الأشياء ولم تثبت؛ لأنها لو بقيت وثبتت لربما كانت سبباً في مزيد من الفتنة لبعض الناس, ولهذا كان من حكمة الله عز وجل أن أخفى على الناس بعض المواضع الشريفة التي قد يفتتن بها العوام، مثلاً: الشجرة التي بايع تحتها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, لما جاءوا في العام القادم يبحثون عنها لم يجدوها, واختلفوا فيها، حكمة لله حتى لا يفتتن الناس بها، ولما علم عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000002&spid=157) أن الناس يتبركون ببعض الأشجار أمر بقطعها؛ لدفع المفسدة والفتنة.
مساحة بئر بضاعة
وأما بئر بضاعة فيقول أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) رحمه الله عن هذه البئر: سمعت قتيبة بن سعيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005018&spid=157) يقول: سألت قيم بئر بضاعة عن هذه البئر أكثر ما يكون فيها الماء؟ قال: فوق العانة، قلت: فإذا نقص؟ قال: دون العورة، يقول أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) - وقد ذهب إلى هذه البئر-: سألت الذي فتح لي باب البستان -البستان الذي أقيم على هذه البئر- فقلت: هل غير بناء البئر عما كان عليه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا.
قال أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) : وذرعت البئر بنفسي، فوضعت ردائي عليها ثم ذرعته فوجدته ستة أذرع، قال: ووجدت فيها ماءً متغير اللون.
وحول هذا أيضاً قتيبة بن سعيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005018&spid=157) وأبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.%3Cbr%3Ephp?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) وغيرهما من السلف رحمهم الله.
ما غرضهم من إثبات هذه المعلومات عن بئر بضاعة؟ هل غرضهم العناية بالآثار -كما يقول البعض- أم لهم غرض آخر من ذلك؟ لهم غرض آخر، وهو معرفة كمية الماء الموجودة في هذه البئر, ومدى كثرتها؛ لتعلق الحكم الشرعي بذلك، وليس قصدهم موضوع العناية بالآثار.
العناية بالآثار ومدى تأثيرها في الحكم الشرعي
أما العناية بالآثار فإن كانت من هذا النوع لها تأثير في الحكم الشرعي، كمعرفة ما يتعلق بالكعبة المشرفة والحجر والمسعى ومدخل مكة ومخرجها والمحصب وما شابه ذلك من الأشياء التي وردت في السنة، وقد يتعلق بها حكم شرعي, فالعناية بذلك جزء من العناية بالشرع، أما إن لم يتعلق بها حكم شرعي فليس الأمر كذلك، ولو أدى الأمر إلى مخافة الفتنة فالعناية بها حينئذ ممنوعة.
معنى قوله: (يلقى فيها الحيض والنتن)
( أتتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب )؟ الحيض جمع حِيضة بكسر الحاء, وهي الخرقة التي يكون فهيا الحيض, سواءً كانت الخرقة التي مسحت بها المرأة حيضها، أو هي الخرقة التي تستثفر بها المرأة، يعني: تتحفظ بها، والمقصود: أنها خرقة ملوثة بدم الحيض, وهو نجس.
( يلقى فيها الحيض والنتن ) النتن هو: الشيء المنتن الكريه الرائحة، ولعل المقصود به حينئذٍ أقذار الناس ورجيعهم, ( ولحوم الكلاب ).
طويلب علم مبتدئ
09 / 03 / 2013, 55 : 01 PM
هذه دروس للشيخ مختار الشنقيطي حفظه الله للاستفادة قام احد الاخوة بتحويلها الى صيغة mp3
الدرس الأول
http://www.archive.org/download/almaram/1aRe1.mp3
http://www.archive.org/download/almaram/1bRe1.mp3 __________________
طويلب علم مبتدئ
09 / 03 / 2013, 56 : 01 PM
الشريط الثاني :
http://www.archive.org/download/almaram1/2a.mp3
http://www.archive.org/download/almaram2/2b.mp3
__________________
طويلب علم مبتدئ
13 / 03 / 2013, 21 : 06 PM
يظهر من أقوال العلماء أن الماء قسمان، وأن ما تغير بالنجاسة فهو نجس وما لم يتغير بنجاسة فهو طهور، وأما إثبات قسم ثالث وهو الطاهر فلا أصل لذلك في الشريعة، والدليل على ذلك عدم الدليل الصحيح، إذ لو كان القسم الطاهر ثابتاً بالشرع لكان أمراً معلوماً، ولجاءت به الأحاديث البينة الواضحة لأن الحاجة تدعو إلى بيانه.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين..
حكم الماء إذا وقعت فيه النجاسة؟ هذا هو السؤال الذي طرح في آخر الجلسة الماضية. والآن نبدأ في الجواب على هذا السؤال, فإذا انتهينا من الحديث انتقلنا إلى تسميع ما بعده والكلام عليها, فقد اتفق العلماء رحمهم الله على أن الماء إذا وقعت فيه النجاسة, وتغير بها فهو نجس, وقد ذكر كثير من العلماء الاتفاق على هذا الحكم، ممن ذكر الإجماع الإمام ابن المنذر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000594&spid=157) والإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) والنووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) وابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) والشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) وابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) وغيرهم من أهل العلم, قالوا: إن الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه بالنجاسة فهو نجس إجماعاً, وهذا مما لا كلام فيه. وقد ورد ما يشهد لهذا الإجماع من حديث النبي صلى الله عليه وسلم, فقد روى ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) عن أبي أمامة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000040&spid=157) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه وطعمه وريحه ) . ورواية البيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) فيها زيادة: ( الماء طهور إلا إن تغير لونه أو طعمه أو ريحه بنجاسة تحدث فيه ) , وهذا الحديث ضعيف ضعفه الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) قال: ورد بإسناد لا يثبت أهل الحديث مثله, وغيره من الأئمة, بل قال النووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) : اتفق الحفاظ على أنه حديث ضعيف .
لكن اختلف مسلك أهل العلم في الاستدلال بالإجماع أم بالحديث، فجماهير أهل العلم يستدلون بالإجماع وإلا فالحديث ضعيف. ومنهم من يسلك طريقة أخرى فيقول: إن الحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن الإجماع على تقبله وصحة معناه يجعله يرتقي إلى درجة الاحتجاج فيحتج به, وهذه طريقه بعض من لا يحتجون بالإجماع وهم ندرة من أهل العلم، وإلا فالإجماع حجة وأصل من أصول الاستدلال.
فالخلاصة: أن ما تغير أحد أوصافه بالنجاسة فهو نجس بلا خلاف.
القول الراجح في حكم الماء إذا وقعت فيه نجاسة
ذه أدلتهم, وهذا القول هو الراجح؛ لقوة الأدلة التي استدلوا بها, ولضعف أدلة أصحاب القول الأول, ولأنه أقرب إلى يسر الشريعة وسماحتها, ولذلك قال الغزالي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000331&spid=157) رحمه الله وهو شافعي: وددت أن مذهب الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في الطهارات كان كمذهب مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) , يعني: في عدم التفريق بين الكثير والقليل, بل جعل العبرة هي بالتغير بالنجاسة أو عدمه. ولا شك أن الإنسان إذا عرف الحق وجب عليه الانصياع له ولو كان خلاف مذهبه, فحتى لو كان الإنسان شافعياً ورأى أن الحق في مذهب الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) فإنه لا يجوز له عند الله عز وجل أن يتبع إمامه فيما يعلم أن الحق والدليل بخلافه، والله عز وجل يقول: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[القصص:65] فالسؤال هو عن إجابتك للمرسلين, وهؤلاء الأئمة العظام إنما كانوا أئمة واتفقت الأمة على جلالة قدرهم وعلى فضلهم؛ لأنهم متبعون للرسول صلى الله عليه وسلم, سائرون على طريقه, فإذا اتفقوا على أمر فاتفاقهم حجة, أما إذا اختلفت أقوال السلف, وكان عند الإنسان إمكانية في البحث عن الدليل والوصول إلى القول الصحيح فعليه أن يبحث, ويلتزم القول الصحيح, فإن لم يكن كذلك سأل من يثق بعلمه ودينه عن الدليل الذي اعتمد عليه في هذا القول, فهذا لابد منه . هذا القول الذي هو الراجح لدى كثير من العلماء المحققين قد يشكل عليه الحديث الوارد في دليل أصحاب القول الأول, وهو حديث القلتين, والحديث سيرد معنا إن شاء الله إما في نهاية هذه الحلقة أو في بداية الحلقة القادمة, ولكن سأذكر الجواب عليه الآن فقط, جواب أصحاب القول الراجح على هذا الحديث بإيجاز, فمنهم من ضعف هذا الحديث, وسيأتي ذكر من ضعفوه, والأوجه التي ضعفوه بها.
ومنهم من صححوه لكن لم يعملوا به للاضطراب في تحديد معنى القلتين ومقدارهما. ومنهم من صححوا الحديث ولكن قالوا: إن الحديث لم يرد من النبي صلى الله عليه وسلم مورد التحديد والتقييد المطلق, بل هو إشارة إلى أن الماء الكثير غالباً لا يتغير بالنجاسة, وأن الماء القليل غالباً يتغير بالنجاسة, فكأن معنى الحديث هنا إذا كان الماء قلتين فأكثر لم يتغير لونه ولا طعمه ولا ريحه بوقوع النجاسة فيه, وهذا حكم غالب, ولذلك لو تغير لتنجس عند الجميع. ومفهوم الحديث أن ما كان دون القلتين فإنه يتغير أحد أوصافه بوقوع النجاسة فيه, وهذا أيضاً حكم غالب, فلو وقعت فيه فلم تغيره فهو باق على أصله. ومنهم من قال: إن التفريق بين الكثير والقليل هو مفهوم الحديث وليس لفظه, أي: إن منطوق حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن ما كان قلتين فأكثر لم ينجس إلا بالتغير, هذا هو المنطوق, أما المفهوم فهو العكس أن ما كان دون القلتين تغير بوقوع النجاسة فيه, يعني: تنجس بوقوع النجاسة فيه ولو لم يتغير, قالوا: فهذا مفهوم, وأمامنا منطوق يعارضه, وهو منطوق حديث بئر بضاعة, والمنطوق مقدم على المفهوم عند التعارض, فنأخذ بمنطوق حديث بئر بضاعة ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) ونطرح مفهوم حديث القلتين, هذا لو فرض وجود تعارض, مع أن الواقع أنه لا تعارض بينهما كما سبق بيانه, هذه أهم أجوبتهم على هذا الحديث. وكذلك مما يضعف هذا القول بالتفريق أن أصحابه لم يتفقوا على قدر معين, فمنهم من حدد الكثير بما إذا حركت أحد طرفيه لم يتحرك الطرف الآخر. ومنهم من حدد الكثير بما لا يظن الإنسان استعمال النجاسة الموجودة فيه إذا استعمله. ومنهم من حدد الكثير بالقلتين, ثم اختلف أصحاب القلتين اختلافاً كثيراً سيرد, فقالوا: هذا الاضطراب في تحديد الماء الكثير من القليل يدل على أن هذا القول لم يعتمد على أصل صحيح, حتى قال الإمام ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمه الله في تهذيب سنن أبي داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) : إذا كان جهابذة العلماء وفحول الفقهاء قد اختلفوا في تحديد الكثير والقليل, واختلفوا في قدر القلتين اختلافاً بيناً, فمنهم من يجعلها ألف رطل, ومنهم من يجعلها ستمائة رطل, ومنهم من يجعلها خمسمائة, ومنهم من يجعلها أربعمائة, ومنهم من يجعلها دون ذلك، فما بالك بالعوام ودهماء الناس الذين لم يتلقوا شيئاً من العلم؟! أنى لهم بمعرفة الفرق بين الكثير والقليل؟! فهذا الاضطراب في التحديد هو مما أورده الذين لا يفرقون بين الكثير والقليل على من يفرقون بينهما. ولذلك فالراجح أنه لا يفرق بين كثير الماء وقليله, بل ما تغير بالنجاسة فهو نجس قليلاً أو كثيراً, وما لم يتغير بالنجاسة فهو باق على أصل طهوريته كثيراً كان أو قليلاً, وهذا قريب المأخذ سهل الفهم, هذه هي المسألة الأولى التي تتعلق بحديث بئر بضاعة والتي سبقت الإشارة إليها.
أقوال العلماء في حكم الماء إذا وقعت فيه النجاسة ولم تغير شيئاً من أوصافه
أما ما لم يتغير شيء من أوصافه بحيث وقعت النجاسة فيه ولم تغير شيئاً من أوصافه, فقد اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول: التفريق بين الماء الكثير والقليل وأن الكثير لا ينجس إلا بالتغير
الأول: مذهب الإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) وأبي حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157) ورواية عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) ورواية ضعيفة عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) رواها عنه تلاميذه المصريون أنهم يقسمون الماء إلى قسمين: كثير وقليل، فما كان كثيراً فإنه لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا بالتغير.
أما ما كان قليلاً فإنه ينجس بوقوع النجاسة فيه ولو لم يتغير. ولا يستثنى من ذلك إلا مسألة واحدة عند الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157)، وهي: ما إذا وقعت في هذا الماء الكثير عذرة آدمي أو بوله ولم يشق نزحه فحينئذ ينزح. وهذا الاستثناء هو للإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) خاصة, ولذلك نبقى عند أصل القول وهو التفريق بين الكثير والقليل, فالكثير لا ينجس إلا بالتغير, والقليل ينجس بمجرد وقوع النجاسة. وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض, وما ينوبه من السباع والدواب, فقال عليه الصلاة والسلام: ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ) , وفي لفظ: (لم ينجس) فقالوا: هذا الحديث دليل على أن ما كان فوق القلتين أو قلتين يختلف حكمه عما كان دونهما, فإذا كان قلتين فأكثر لم يحمل الخبث, أي: لم ينجس.
أما ما كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث, أي: ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه, وهذا من أقوى أدلة من قالوا بالتفريق بين الكثير والقليل.
القول الثاني: عدم التفريق بين الماء الكثير والقليل وأن كل ما تغير بالنجاسة فهو نجس
القول الثاني: هو أنه لا فرق بين كثير الماء وقليله, بل كل ما تغير بالنجاسة فهو نجس -وهذا كما سبق إجماع- وكل ما لم يتغير بالنجاسة فليس بنجس ولو وقعت فيه دون تفريق بين كثير وقليل, وهذا القول هو مذهب كثير من الصحابة رضي الله عنهم وجماعة من التابعين, ورواية عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمه الله، ورواية عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) وهي المعتمدة في مذهب المالكية؛ لأنها من رواية المدنيين عن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) , ومذهب كثير من المحققين كـابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) وابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) وابن دقيق العيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000935&spid=157) والشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) والصنعاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001328&spid=157) والإمام محمد بن عبد الوهاب (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000765&spid=157) وكثير من أولاده وأحفاده وتلاميذه, قالوا: لا فرق بين الكثير والقليل, ما تغير بالنجاسة فنجس, وما لم يتغير بالنجاسة فليس بنجس ولو وقعت فيه. وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة، منها: أولاً: قالوا: إن العبرة دائماً بما غلب على الشيء؛ فإذا كان الماء الذي وقعت فيه النجاسة لم تتغير أحد أوصافه بها, فالغالب على هذا الماء هو الطهورية, والنجاسة فيه منغمرة وغير ظاهرة بخلاف الماء الذي ظهرت فيه النجاسة لوناً أو طعماً أو ريحاً, فقد غلبت عليه النجاسة وظهرت فصار الغالب عليه النجس. وقالوا: إن هذا معتبر في جميع الأشياء, فنحن مثلاً: لو وصفنا إنساناً بالصلاح كان معنى ذلك أن خصال الخير فيه أكثر وأغلب, وإلا فلا يخلو من نقص أو خطأ, والعكس لو وصفناه بالخبث أو الشر لكان معنى ذلك أن خصال الخبث والشر عليه أغلب وأكثر، وإلا فيبعد ألا يكون فيه خصلة خير, وكذلك سائر الأشياء هي لما غلب عليها, فالماء الذي وقعت فيه النجاسة ولم تغلب عليه لا يزال طهوراً, والغالب عليه الطهورية، والحكم لهذا الغالب. الدليل الثاني: وهو يكاد أن يكون نصاً في محل النزاع, وهو حديث بئر بضاعة, فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكماً عاماً مطلقاً غير مقيد فقال: ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء )، وهذا لفظ عام, وإن كان السبب خاصاً، فهو كحديث ماء البحر: ( هو الطهور ماؤه ) هو لفظ عام غير مقيد بسبب ولا بحادثة معينة, وهو يقضي بأن الماء الأصل فيه الطهورية, وأنه لا ينجسه شيء, فإذا أورد علينا أحدهم سؤالاً: الماء الكثير أو القليل المتغير بالنجاسة أليس يكون نجساً؟ فالجواب: بلى، بالإجماع.
فكيف تقولون: الماء طهور لا ينجسه شيء؟ بلى ينجسه ما غيره.
فكيف تجيبون على هذا الإيراد؟ الإجابة على هذا الإيراد من أحد وجهين: الوجه الأول: أن نقول: نعم, الحديث قضية عامة: ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) ولا نخرج منه أي فرد من أفراده إلا بدليل صريح صحيح, فأما ما تغير بالنجاسة فهو خارج بالإجماع, فلا كلام فيه لأن الذين يقولون بعدم التفريق بين الكثير والقليل, والذين يقولون بالتفريق -كلا الطائفتين- يخرجون ما تغير بالنجاسة من عموم هذا الحديث. الوجه الثاني: وقد يفهم من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله أن يقال: إن الماء الذي تغير بالنجاسة لا يصلح أن يسمى ماء مطلقاً, بل لابد إما أن يضاف أو يوصف, أما الإضافة فيضاف إلى المادة التي وضعت فيه, فيقال: هذا ماء كذا, وأما الوصف فيوصف بأن يقال: هذا ماء نجس مثلاً, ولا يقال: (هذا ماء) ويسكت, ولذلك يكون الحديث بهذا عاماً على عمومه: ( الماء طهور لا ينجسه شيء )، فأما إذا تنجس فقد خرج عن مسمى الماء المطلق, وصار ماءً نجساً أو ماءً مضافاً إلى المادة التي وضعت فيه.
هذا هو الدليل الذي يكاد أن يكون نصاً في موضع النزاع, وهو حديث بئر بضاعة: ( الماء طهور لا ينجسه شيء ) , ثم إن في الحديث إشارة إلى أنه لا ينجس إلا بالتغير؛ لأن بئر بضاعة لو تغير لتنجس؛ لو تغير بالنجاسة لصار نجساً, وهذا ظاهر ومجمع عليه كما سبق, فما عداه فهو باق على أصل طهوريته. كما استدل أصحاب هذا القول بدليل ثالث, قالوا: إن المياه من المسائل التي تكثر حاجة الناس إليها أكثر من حاجتهم إلى أي أمر آخر, ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين أشد الحرص على معرفة أحكام المياه دقيقها وجليلها, فلو أن الشارع فرق بين الكثير والقليل, وجعل للكثير حكماً وللقليل حكماً آخر لكان الصحابة رضي الله عنهم عرفوا ذلك معرفة دقيقة ونقلوه إلى من بعدهم.
طويلب علم مبتدئ
16 / 03 / 2013, 37 : 09 PM
قالوا: أما ما استدل به أصحاب القول الأول فهو لا يقوى على مقابلة هذه الأدلة, فأما استدلالهم بأنه لا يسمى ماء مطلقاً في قوله: (فلم تجدوا ماء) فالجواب: أن كلمة (ماء) في الآية نكرة في سياق النفي فتعم كل ماء, فكل ما جاز أن يسمى ماء جاز الوضوء به ولو كان متغيراً, ولا يخرج عن ذلك إلا إذا نقلناه عن مسمى الماء إلى مسمى آخر, أو نقلنا الإجماع على منع استعماله, كما هو الحال في الماء المتنجس. أما الدليل الثاني, وهو تسميته بطهور: فقالوا: إن الله عز وجل وصف ماء أهل الجنة بذلك http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الإنسان:21] مع عدم حاجة أهل الجنة إلى التطهر, فالمقصود وصفه بالطيب والطهارة, ولا يمنع أن نسمي كل ماء غير نجس طهوراً, لا يوجد ما يمنع من ذلك. أما سؤال الصحابي عن ماء البحر, قالوا: فهذا لو صح هو ظن صحابي, وهو مدفوع بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم الصريح بأن ماء البحر طهور مع تغيره, فالاستدلال بأن ماء البحر طهور مع أنه متغير بالملوحة الزائدة, وهذا لفظ النبي عليه الصلاة والسلام أولى من الاستدلال بالظن الذي وقع في ذهن الصحابي. أما النهي عن الوضوء بفضل وضوء المرأة, فهذا ورد ما يخالفه في صحيح مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) أو اغتسل ) فيكون النهي للتنزيه, ويبقى الماء على طهوريته. وكذلك الماء الذي غمست فيه يد قائم من نوم ليل ناقض لوضوء, أو الماء الراكد الكثير الذي بال فيه شخص ولم يتغير, كل هذه المياه هي باقية على طهوريتها, وإلا فما رأيكم يا أصحاب القول الأول لو كان عندنا ماء كثير جداً فبال فيه إنسان, هل تقولون بجواز الوضوء به أم لا؟ إذا قال من قسموا الماء: نعم يجوز الوضوء به, قلنا: قد نقضتم الأصل الذي بنيتم عليه.
وإن قالوا: يمتنع الوضوء به مع كثرته فإنهم قد خالفوا في ذلك نص النبي صلى الله عليه وسلم, فلابد لهم من هذا التناقض؛ لأنهم يفرقون بين الكثير والقليل. وبذلك يظهر أن الأقرب للصواب -والله أعلم- أن الماء قسمان: طهور ونجس, وأن ما عدا ذلك من التفريعات فهي اجتهادات أصحابها مأجورون إن شاء الله لبذلهم الوسع في الوصول إلى حكم الله ورسوله, ولكن لا يجب على من عرف خلافها أن يتبعها.
القول الأول: تقسيم الماء إلى ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس
القول الأول: وهو قول جمهور أهل العلم أن الماء ثلاثة أقسام: طهور: وهو الطاهر في نفسه المطهر لغيره مما يستعمل في الطهارات وغيرها. الثاني: طاهر أي: طاهر في نفسه يستعمل للشرب وغيره لكن لا يستعمل في الطهارات. الثالث: النجس, وهو غير الطاهر. وهذا القول منسوب لأكثر العلماء, وإن كانوا يختلفون في تفاصيله, فهو قول الشافعية ورواية عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) ورواية عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157)، وهي التي عليها أكثر المتأخرين من الحنابلة أن الماء ثلاثة أقسام. واستدلوا على قولهم ببعض الأدلة, فمن أدلتهم: قالوا: إن قوله تعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[النساء:43] فقوله: (ماء) هذا لفظ مطلق المقصود به الماء الباقي على أصل خلقته غير المتغير بشيء أو المنتقل عن الطهورية؛ لأنه إذا تغير أو انتقل لم يسم ماء مطلقاً هكذا, هذا دليل لهم. الثاني: قالوا: لأن وجود ماء طهوركما في قوله: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif
الفرقان:48] , وقوله صلى الله عليه وسلم: ( هو الطهور ماؤه ) كما في قوله: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنفال:11] قالوا: هذا دليل على أن (طهور) معناها مطهر, فهو فعول بمعنى فاعل أي: منقولة من فاعل فهو طهور أي: مطهر لغيره, كما تقول: هذا رجل أكول أو شروب أو ظلوم، فكذلك (طهور), هذا عند بعضهم وليس عند جميعهم. الدليل الثالث: استدل بعضهم بحديث ( هو الطهور ماؤه ) ووجه استدلالهم بهذا الحديث دقيق ولطيف ينبغي الانتباه له, قالوا: لأن سؤال الصحابي رضي الله عنه لم يكن عن طهارة ماء البحر, فإن طهارته كانت مقررة معلومة, وإنما كان سؤاله عن طهوريته أي: عن جواز الوضوء والغسل به ورفع الحدث, وهذا دليل على أنه كان قائماً في ذهن هذا الصحابي أن هناك ماء طاهراً لا يرفع به الحدث, وهو ما اصطلح الفقهاء بعد على تسميته بالطاهر. واستدلوا -رابعاً- ببعض الأحاديث، كما في نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد, ونهيه عن الوضوء بفضل وضوء المرأة, ونهيه عن غمس القائم من نوم الليل يده في الإناء. قال بعضهم: فهذه المياه مع أنها طاهرة ليست بنجسة ورد النهي عن الاغتسال ببعضها كما في حالة فضل وضوء المرأة, وورد النهي عن غمس اليد, أو النهي عن البول في الماء الراكد, والنهي يقتضي الفساد عند
بعض الأصوليين.
ولذلك قالت الظاهرية: إن هذا الماء الراكد الذي بال فيه البائل, أو هذا الماء الذي غمست فيه يد قائم من نوم ليل لا يجوز الوضوء به, ولا يرفع الحدث؛ لأنه ماء فاسد لا يصلح للطهورية. هذه أهم الأدلة لأصحاب القول الأول.
القول الثاني: (الماء قسمان: طهور، ونجس)
أما القول الثاني: فهو قول الحسن البصري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000027&spid=157) وسفيان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001237&spid=157) ورواية عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) وهي المنصوصة في أكثر أجوبته رحمه الله، وهو مذهب كثير من الحنفية, ورجحها عدد من العلماء كـأبي الوفاء بن عقيل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000038&spid=157) وابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) وابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) والشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) والشيخ عبد الرحمن السعدي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000154&spid=157) وغيرهم أن الماء قسمان: طهور ونجس, وأنه لا يوجد ماء وسيط بين هذين النوعين. واستدل أصحاب هذا القول بأدلة كثيرة منها: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الماء طهور لا ينجسه شيء ). وهذا أيضاً دليل قوي لهم؛ لأنك لو تأملت الحديث وجدت أنه يحكم للماء بالطهورية, وأنه لا ينتقل عن الطهورية إلا إلى النجاسة, فإما طهور وإما نجس. الدليل الثاني: قوله عليه الصلاة والسلام: ( هو الطهور ماؤه ) قالوا: فإن ماء البحر متغير بالملوحة الزائدة وهذا الذي جعل الصحابي رضي الله عنه يسأل عن حكمه, ومع تغيره فقد حكم له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه طهور, فدل على أن ما تغير بالطاهرات فهو طهور إلا لو غلبت أجزاء المادة الموضوعة فيه, فهو حينئذ ينتقل عن مسمى الماء أصلاً أي: لو أضفت إلى الماء زعفران أو ماء ورد أو باقلاء أو غيرها من المواد إضافات كثيرة فصارت غالبة على الماء، حينئذ نرجع لنقول: إن هذا لما غلب عليه, فلو سميته ماء كنت مخطئاً في ذلك. الشاي مثلاً هل يسمى ماء مطلقاً؟ لا يسمى ماء, ولو أمرت إنساناً أن يحضر لك كوباً من الشاي فأحضر ماء لما كان ممتثلاً للأمر, والعكس صحيح لو طلبت ماء فجاء الشاي لما كان هذا امتثالاً للطلب. قالوا: فتغير الماء بالطاهرات لا يخرجه عن مسمى الطهورية، إلا إذا خرج عن مسمى الماء المطلق, وصار أمراً آخر كماء ورد أو ماء زعفران أو ماء باقلاء, فحينئذ انتقل عن كونه ماء أصلاً. قالوا: ولا فرق بين ما تغير بفعل الإنسان المقصود وما كان تغيره بطبيعته, فلا فرق بين ماء البحر عندهم وبين الماء الذي أضاف إليه الإنسان باختياره ملحاً حتى صار مالحاً. هذا هو الدليل الثاني لهم, وقالوا: من قال بالفرق بينهما فيلزمه الدليل, ولا دليل هناك. الدليل الثالث: قالوا: إنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بالغسل بماء خلط فيه غيره من الطاهرات، ففي قصة المحرم الذي وقصته ناقته, قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المتفق عليه: (
اغسلوه بماء وسدر ) ومن المعلوم أن الماء إذا أضيف إليه السدر فإنه يتغير به. وكذلك في حديث أم عطية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001339&spid=157) المتفق عليه لما جاء صلى الله عليه وسلم والنسوة يغسلن ابنته قال: ( اغسلنها بماء وسدر ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك, واجعلن في الغسلة الأخيرة كافوراً أو شيئاً من كافور ) فالسدر والكافور يغير الماء غالباً. وكذلك ورد في أمره للرجل الذي أسلم أن يغتسل بماء وسدر, كم هذه الأدلة؟ الدليل الرابع: ما رواه النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) عن أم هانئ (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001639&spid=157) رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اغتسل هو وأحد أزواجه من قصعة فيها أثر العجين ), ومن المعلوم أن الماء إذا وضع في قصعة أثر العجين فيها ظاهر فإن العجين يتحلل بوجود الماء فوقه, وترتفع بعض أجزائه في الماء فتغيره, وكان هذا عام الفتح. الدليل الخامس: أن الصحابة رضي الله عنهم وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون ويحملون الماء في أسقية كان غالبها من الأدم -من الجلود- ومن الطبيعي في مثل هذه الأسقية أنها تؤثر في لون الماء وفي طعمه وفي ريحه, ويتحلل منها مع الوقت أجزاء ترتفع إلى الماء فتؤثر فيه, ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يتقون استعمال هذا الماء في سائر الطهارات, أو أنهم كانوا يحملون معهم غيره ويستعملونه في الشرب أو في استعمالات أخرى مثلاً. الدليل السادس: قالوا: إن أمر الماء من الأشياء التي تكثر حاجة الناس إليها, وسؤالهم عن أحكامها, فحاجتهم إليها أشد من حاجتهم إلى بيان سائر الأحكام, ويبعد جداً أن يوجد تقسيم شرعي للمياه, ولا ينقل عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم القول به, إلى غير ذلك من الأدلة.
طويلب علم مبتدئ
20 / 03 / 2013, 42 : 05 PM
شرح حديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ), وفي لفظ: ( لم ينجس ), أو ( لم ينجس ).
(http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) معاني ألفاظ الحديث
أما فيما يتعلق بألفاظ هذا الحديث، فإن الحديث ظاهر, ليس فيه لفظ مشكل إلا قوله: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه ).
فما معنى قوله: (وما ينوبه)؟ أي: يرد إليه ويأتيه نوبة بعد نوبة, فهذا هو الذي ينوبه, وقد ذكر الإمام الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) رحمه الله أن الإمام عبد الله بن المبارك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000018&spid=157) قد صحف هذا الحديث وما معنى التصحيف؟ معنى التصحيف هو: أن يأتي بحرف بدل حرف آخر فيتغير معنى الكلمة فمثلاً: في هذا الحديث ذكر الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) أن عبد الله بن المبارك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000018&spid=157) بدلاً من أن يقول: وما ينوبه بالنون، قال: وما يثوبه بالثاء.
وهذا يسمى عند المحدثين تصحيفاً. وقد اهتم المحدثون بتتبع تصحيفات الرواة وأخطائهم، سواء في السند أو في المتن, حتى ألف فيها العسكري كتاباً سماه تصحيفات المحدثين , وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء, وألف كتاباً آخر سماه التصحيف والتحريف , وهو مخطوط فيما يظهر . ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ).
ما معنى قوله: (لم يحمل الخبث)؟ أي: أن الماء إذا بلغ قلتين فإنه يدفع الخبث عن نفسه, حتى ولو وقع فيه لا يتأثر به ولا ينجس.
هذا هو المعنى الصحيح.
والسنة يفسر بعضها بعضاً, فقوله: ( لم يحمل الخبث ) يفسره قوله: ( لم ينجس ), أو ( لم ينجس ), كما هي رواية أبي داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002395&spid=157) وابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) وغيرهما في اللفظ الآخر. وقد زعم بعضهم أن للحديث معنى آخر, وهو معنى فاسد, فقالوا: إن قوله: ( لم يحمل الخبث ) أي: أنه لا يقدر على حمل الخبث, أي: يضعف عن حمل الخبث.
وهذا المعنى غير صحيح, بل هو باطل من وجهين: باطل أولاً: لأنه مفسر بالرواية الأخرى: ( لم ينجس ). وباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين ).
لأن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث على زعمهم، أي: أنه إذا بلغ قلتين فإنه ينجس بوقوع النجاسة فيه.
هذا هو المعنى الثاني. فإذا كان بلغ قلتين ينجس بوقوع النجاسة فيه، فما دون القلتين ما حكمه؟ من باب أولى ينجس, فيكون التحديد بالقلتين ليس له معنى على هذا, لو كان المعنى: ( لم يحمل الخبث ) أي: أنه ينجس بوقوع الخبث فيه لما كان للتحديد بالقلتين معنى, ولكان هذا لغواً.
لكن الصحيح أنه لم ينجس. وقد سبق أن الحديث دليل الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله ومن وافقه في التفريق بين القليل والكثير, واعتبار القلتين حداً فاصلاً في ذلك.
أوجه تضعيف الحديث http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow4.png ولو نظرنا إلى هؤلاء الأئمة الذين ضعفوا الحديث لوجدنا أنهم ضعفوه من ثلاثة أوجه، نمر عليها بسرعة حتى لا يثقل عليكم الكلام في أوجه التضعيف: الوجه الأول الذي ضعفوا به هذا الحديث: قالوا: إنه حديث مضطرب, يعني: اختلف الرواة في إسناده، فمرة يروونه عن فلان، ومرة يروونه عن فلان.
وهذا يدل على أنهم لم يضبطوا الحديث.
والحديث المضطرب هو أحد أقسام الحديث الضعيف, حتى لو كان رواته ثقات، فقالوا: إنه مضطرب من جهة الإسناد. كيف هو مضطرب من جهة الإسناد، قالوا: إن مدار الحديث على الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) , الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) هذا وإن كان ثقة، إلا أنه روى الحديث على أربعة أوجه, وكل وجه مختلف عن الآخر, فمرة الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) يروي الحديث عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157)، ومرة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) نفسه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) أخ الأول، ومرة يذكر الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) الحديث ليس عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157)، إنما عن رجل آخر هو محمد بن عباد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) , فيرويه عن محمد بن عباد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157)، ومرة رابعة يرويه أيضاً عن محمد بن عباد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) عن عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) أخي عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157) .
قالوا: فهذه أربعة أوجه روي الحديث فيها عن الوليد بن كثير , فدل هذا على أن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) لم يضبط إسناد الحديث. وقد اختلف العلماء - علماء الحديث- في هذا اختلافاً كبيراً, ومن أراد التوسع فيه فليرجع إلى كتاب نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004850&spid=157) , فقد أطال النفس في هذا الموضوع. لكن خلاصة الجواب على من قالوا: إن الحديث مضطرب ما ذكره ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في كتابه التلخيص الحبير , حيث قال: الصواب: أن الحديث الصحيح من طريقين: الأول عن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) عن عبيد الله بن عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) , عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) المصغر , الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) عن محمد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) عن عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) , هذا صحيح. والطريق الثاني الصحيح أيضاً هو: عن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) عن محمد بن عباد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157) المكبر .
قال: ومن رواه عن غير هذا الوجه فقد وهم. فرد ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) رحمه الله الاضطراب بترجيح هاتين الروايتين, وتضعيف ما عداهما. وبذلك يتبين لكم أن الاضطراب في إسناد هذا الحديث مدفوع بترجيح روايتين على بقية الروايات, هذا هو الاضطراب في السند, وهو الوجه الأول من أوجه تضعيف الحديث. الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المتن, ما معنى مضطرب المتن؟ قالوا: مرة جاء الحديث: ( إذا بلغ الماء قلتين ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء ثلاث قلال ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين دلواً )، ومرة: ( إذا بلغ الماء أربعين غرباً لم يحمل الخبث
فهذه ستة أوجه في تحديد الماء الذي لا يحمل الخبث, قلة أو قلتين أو ثلاث أو أربعين أو أربعين غرباً أو أربعين دلواً. قالوا: وهذا الاضطراب في متن الحديث - الأول في الإسناد، وهذا في المتن- يدل أيضاً على ضعف الحديث. والجواب على هذا القول: أن يقال: الراجح رواية القلتين؛ لأن رواتها أكثر وأوثق, فيضعف ما عداها من الروايات. فالراجح: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ). وهذا هو الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث. الوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المعنى، وذلك من وجهين: الوجه الأول: لعدم تفسير القلة.
ما هي القلة في لغة العرب؟ اختلف العلماء والفقهاء في تفسير القلة, فقال بعضهم: القلة هي القربة، وقال بعضهم: هي إناء معروف عند العرب كبير، وقال بعضهم: هو إناء معروف عند العرب صغير، وقال بعضهم: القلة هي الدورق, وقيل: القلة هي الجرة، وقيل: القلة هي الإناء الذي تقله بيدك, يعني: تستطيع أن ترفعه بيدك, حتى قال بعضهم: إن القلة هي رأس الجبل أيضاً, فرأس الجبل يسمى القلة, ولكن أنكر شيخ الإسلام (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله هذا المعنى, وقال: من قال: إن المقصود بالقلة رأس الجبل فكأنه يستهزئ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعلم ماء يبلغ قلال الجبال - يعني: رءوس الجبال- إلا ماء الطوفان, أما بقية المياه فليست كذلك, فالمهم أن تعريف القلة مختلف فيه ما هي القلة.
فهذا وجه من أوجه اضطراب المعنى. الوجه الثاني: أنه على فرض أن القلة إناء معروف كما هو عند الشافعية, وعلى فرض أنه محدد بقلال هجر , فإن هذه القلال غير معلومة المقدار, وقد ذكر ابن المنذر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000594&spid=157) رحمه الله تسعة أقوال في تحديد مقدار القلة , ومضى في الحلقة الماضية أن منهم من جعلها ألف رطل، ومنهم من جعلها أربعمائة رطل، وما بين ذلك, وهذا فرق كبير, بل قال بعضهم: كل إناء صغير أو كبير فهو قلة. إذاً: فالوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: أنه مضطرب المعنى, ومضطرب المعنى من وجهين: من وجه عدم تفسير القلة.
ما المقصود بها؟ وعلى الفرض بأن القلة محددة ومعروفة فهي غير محددة المقدار. فكيف نجيب على هذا الوجه أو على هذين الوجهين؟ أما جواب من أخذوا بالحديث وهم الشافعية، فقالوا: إن القلة معروفة, وما حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الماء بالقلتين في الحديث إلا لأن السامعين يعرفونه, ولو لم يعرفوه لسألوا واستفسروا عنه. وفيما يتعلق بمقدارها، قالوا: إنها قلال هجر , وهي البحرين أو قرية قرب المدينة , وحددها الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله في كتاب الأم بخمس قرب تقريباً, وحددها بعضهم بأنها متر وربع طولاً وعرضاً وعمقاً, أن القلتين قدر ما يسع بركة أو حوضاً طوله متر وربع وعرضه متر وربع وعمقه متر وربع.
هذا جواب من أخذوا بالحديث على اضطراب المعنى. أما جواب غيرهم من أهل العلم ممن صححوا الحديث ولم يعتبروا القلتين تحديداً للقليل والكثير، فقالوا: نعم, مع التسليم لكم بأن القلة غير محددة وغير محددة المقدار، فإننا لا نحتاج إلى هذا التحديد, ولو احتجنا إليه لسأل عنه الصحابة فعلاً رضي الله عنهم, لا نحتاج إلى هذا التحديد؛ لأن المقصود في الحديث ليس التفريق بين كثير لا ينجس إلا بالتغير وبين قليل ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه, وإنما المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الماء الكثير لا يتأثر بالنجاسة في الغالب, فهذا الحديث له سبب كما هو معروف, وهو أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة من الأرض, وما ينوبه من السباع والدواب, فهذا الماء كثير غالباً, وما يتعرض له من النجاسات قليل ينغمر فيه, فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل هذه المياه لا تنجس بهذه الأشياء اليسيرة مما يأتيها من السباع والدواب, وإلا لو كان المقصود التحديد لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً, ولم يحتج إلى أن يأتي أعرابي فيسأل, فيبين النبي صلى الله عليه وسلم الحكم له, وكيف يخفى مثل هذا الحكم على الصحابة رضي الله عنهم, أو على بقية الصحابة حتى يأتي هذا الأعرابي فيسأل عنه؟ كما ذكر هذا الوجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000765&spid=157) رحمه الله. فيقال: لسنا بحاجة إلى تحديد القلة ولا تحديد مقدارها؛ لأننا لا نعتبرها فرقاً بين الكثير والقليل, بل المقصود في معنى الحديث, هو أن الكثير لا يتغير بالنجاسة في الغالب كما سبق. وبناء على ذلك فنقول: مع التسليم بأن الحديث مضطرب المعنى فهو صحيح, وهذا الاضطراب لا يؤثر في صحته. هذه هي الأوجه الثلاثة التي ضعف بها الحديث, اضطراب السند ..
اضطراب المتن ..اضطراب المعنى, وهذا ملخص الجواب على هذه الأوجه
تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه
الحديث أخرجه الأربعة كما يقول المصنف، بل أخرجه الخمسة, وهم أصحاب الكتب الأربعة، السنن مع الإمام أحمد. فالحديث أخرجه الخمسة, وأخرجه الدارمي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) والدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) والطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157) والطيالسي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005002&spid=157) وابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) وابن خزيمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002801&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) .
فهذه مصادر جديدة للحديث إضافة إلى ما ذكره المصنف رحمه الله.
وقد صححه الأئمة أيضاً، فممن صحح الحديث من ذكرهم المصنف, وهم ابن خزيمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002801&spid=157) وابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157)، فهؤلاء ثلاثة صححوه, يضاف إليهم ابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) , ويضاف إليهم يحيى بن معين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004516&spid=157) رحمه الله, حيث قال عن طريق الحديث: إسنادها جيد. ويضاف إليهم الطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157) , فإنه صححه وإن لم يأخذ به كما أخذت به الشافعية, ولم يعتبره فرقاً بين الكثير والقليل. وممن صححه الحافظ ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في التلخيص، والإمام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله, بل ذكر ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) أن أبا عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006028&spid=157) صنف كتاباً خاصاً في هذا الحديث, أثبت فيه صحته, وجمع طرقه, ورد فيه على ابن عبد البر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000737&spid=157) الذي ضعف الحديث كما سيأتي. وصححه أيضاً الذهبي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000356&spid=157) في تلخيصه للمستدرك . وصححه النووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) . ومن المعاصرين صححه الألباني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000184&spid=157) .
فالحديث صحيح عن جميع هؤلاء الأئمة.
وإلى جوار هؤلاء الذين صححوه، فهناك من ضعفوه، وممن ضعف هذا الحديث أو من أشهر من ضعف هذا الحديث: الحافظ ابن عبد البر المالكي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000737&spid=157) , حيث قال: إن مذهب الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في اعتبار القلتين فرقاً بين الكثير والقليل مذهب لا يثبت من جهة الأثر، ولا من جهة النظر، ويقصد من جهة الأثر: أن الحديث الذي استدل به وهو حديث القلتين أنه ضعيف.
وأيضاً ضعفه القاضي إسماعيل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005942&spid=157)، كما نقله ابن عبد البر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000737&spid=157) , ممن ضعفه القاضي إسماعيل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005942&spid=157), وممن ضعفه الإمام ابن قيم الجوزية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) في كتابه تهذيب السنن, وكتاب تهذيب السنن هو شرح لسنن أبي داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) فقد ضعف رحمه الله هذا الحديث من خمسة عشر وجهاً, منها أوجه تتعلق بالإسناد، ومنها أوجه تتعلق بالمتن, ونقل بعضهم أن الحافظ المزي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001552&spid=157) ضعف الحديث أيضاً. وقد أخذ بقول هؤلاء الأئمة أحد العلماء المعاصرين, وهو الشيخ محمد بن حامد الفقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005114&spid=157) , فقال في تعليقه على بلوغ المرام : إن هذا الحديث شاذ, لا يصح من جهة السند، ولا من جهة المتن.
ثم لخص كلام ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمه الله مقراً له.
طويلب علم مبتدئ
23 / 03 / 2013, 45 : 12 PM
شرح حديث: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب)
حديث الثاني عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ).
أما المسائل التي نحتاج إلى أن نمر عليها مما يستفاد من الحديث، فهي ثلاث مسائل تتعلق بالطهارة. المسألة الأولى: في قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يغتسل ).
هذا نهي من النبي عليه الصلاة والسلام, والنهي عند الأصوليين يقتضي التحريم إلا بقرينة تصرفه عن التحريم، يعني: الأصل أن ما نهى الله عنه أو نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو محرم, وليس مكروهاً, إلا إذا وجد قرينة ودليل آخر يصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة, بل قد يصرفه إلى الجواز, فمثلاً في قوله تعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:2].
(اصطادوا) هذا أمر, والأمر كذلك يقتضي الوجوب إلا بقرينة, فقوله: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif فَاصْطَادُوا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:2] هنا ليس المقصود فيه الوجوب, إنما المقصود الإباحة؛ لأن أصل الصيد مباح منع بالإحرام, http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:2].
فالأمر يقتضي الوجوب إلا بقرينة, والنهي يقتضي التحريم إلا بقرينة , وها هنا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في الماء الراكد: ( لا يغتسل أحدكم في الماء الراكد وهو جنب ).
فالإنسان الجنب إذا وجد ماءً راكداً حرم عليه أن ينغمس فيه.
هذا هو ظاهر الحديث.
أما لو كان غير جنب هل يحرم عليه؟ لا يحرم, ولو كان الماء غير راكد بل هو جار، هل يحرم عليه؟ أيضاً ظاهر الحديث أنه لا يحرم, إنما يحرم بهذين القيدين, بكون الماء راكداً, وكون المنغمس جنباً. وهذا القول بأن النهي في الحديث للتحريم ذهب إليه الظاهرية والحنفية وعدد من العلماء المحققين, واستدلوا
بالحديث, وقالوا: لا توجد قرينة صحيحة تصرف هذا النهي عن التحريم إلى الكراهة مثلاً, وهذا القول قوي, ودليله ظاهر.
القول الثاني: وهو المشهور في مذهب الشافعية: أن النهي للكراهة, وليس للتحريم, وهذا أيضاً هو ظاهر مذهب الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) , فقد سئل عن ذلك فقال: لا يعجبني, وقال مرة: لا ينبغي, والإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمه الله كان يتورع كثيراً عن إطلاق لفظ التحريم أو الوجوب إلا في ما يطمئن إليه , فقال هاهنا: لا يعجبني, وقال مرة: لا ينبغي.
ولذلك حمل الحنابلة هذا على أن المذهب يوافق مذهب الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في كراهة الانغماس في الماء الراكد للجنب, وهو أيضاً مذهب الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) , فهؤلاء الأئمة الثلاثة ذهبوا إلى أن النهي للكراهة. وهنا لابد أن يسأل السامع سؤالاً: ما هو الدليل أو ما هي القرينة التي صرفت النهي ( لا يغتسل ) عن كونه نهياً للتحريم إلى كونه نهياً للكراهة؟ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس )، أو ( لم يحمل الخبث ).
وهناك قرينة أخرى أو دليل آخر غير هذا، وهو -والله أعلم- أن سبب صرفهم الحديث عن التحريم إلى الكراهة قولهم: إن الاغتسال في الماء الدائم لا ينجسه, فمن المعلوم أن بدن الجنب طاهر, وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه قال: ( كنت جنباً فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة فانخنست, فقال: أين كنت؟ فقلت: يا رسول الله! كنت جنباً, فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة, فقال صلى الله عليه وسلم: سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس ).
فبدن الجنب طاهر, وليس عليه نجاسة, بل حتى المني الراجح أنه طاهر كما سيأتي.
وبناء على ذلك قالوا: إن الجنب إذا انغمس في الماء فإنه لا ينجس الماء؛ لأن بدنه طاهر, وما دام الماء لا ينجس ويمكن الانتفاع به في أشياء كثيرة فإن الأمر محمول على الكراهة؛ لئلا يستقذر الماء ويستخبث بتوارد استعماله, بحيث إن الماء الراكد إذا كان من عادة الناس أن ينغمسوا فيه وهم جنب فإنه يكره للناس استعماله في الشرب وغيره من أنواع الاستعمالات المباحة, فيكون النهي للاستخباث والاستقذار. وبناء على ذلك قال هؤلاء والله أعلم بالكراهة لا بالتحريم. وكما سبق الأقرب إلى الصواب أن النهي باق على ظاهره, وأنه للتحريم, هذه هي المسألة الأولى
مسألة: رفع حدث من انغمس في الماء الراكد
المسألة الثانية وهي: هل هذا المنغمس في الماء الراكد يرتفع حدثه بانغماسه أو لا؟ نحن قلنا الآن: الظاهرية والحنفية وعدد من العلماء المحققين قالوا بأن انغماسه في الماء الراكد وهو جنب ما حكمه؟ حرام, لنفترض أن إنساناً جاهلاً لا يعرف أن الحكم حرام، أو عالماً ولكنه تساهل وانغمس أو لا يعتقد بتحريم الانغماس وانغمس ثم ارتفع من هذا الحوض، هل طهر بذلك وارتفع حدثه, أم لا يزال جنباً ويجب عليه أن يغتسل مرة أخرى؟ هما قولان لأهل العلم: القول الأول: قالوا: لا يرتفع حدثه, وهذا قول كثير ممن يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام: طهور وطاهر ونجس, قالوا: إذا انغمس في الماء الراكد وهو جنب لا يرتفع حدثه, لماذا لا يرتفع حدثه؟ هو اغتسل وفرك ودلك جميع جسده ونوى رفع الحدث؟ قالوا: ومع ذلك لا يرتفع حدثه, لم رحمكم الله؟ قالوا -وانتبهوا للتعليل- لأن هذا الإنسان بمجرد ما وقع أول جزء من جسده في هذا الماء، لنفترض أن أول ما وقع منه هو باطن قدمه مثلاً؛ مجرد ما لمس باطن القدم هذا الماء الراكد تحول هذا الماء من كونه طهوراً إلى كونه طاهراً, لماذا؟ لأنه ماء مستعمل, والماء المستعمل عندهم في طهارة واجبة هو أحد أقسام الطاهر.
فقالوا: هذا الماء الراكد تحول بملامسة أول جزء من بدن المغتسل إلى ماء طاهر, وبناء على ذلك بقي هذا المغتسل: رفع حدثه أو اغتسل بماء طاهر, والماء الطاهر يرفع الحدث أو لا؟ عندهم لا يرفع الحدث, فقال هؤلاء: لا يرتفع حدثه, وعليه أن يغتسل مرة أخرى. ومن العجيب أيها الإخوة! أن أصحاب هذا القول يقولون: لو ما نوى الاغتسال لو افترض أنه انغمس في هذا الماء ولم ينو الاغتسال ثم ارتفع، فإن هذا الأمر لا يؤثر فيه, وسيأتي تفصيل هذه المسألة في الأمر الثالث, فقالوا: إن الماء طاهر ولا يرفع حدثه.
فقالوا: هذا الماء الراكد تحول بملامسة أول جزء من بدن المغتسل إلى ماء طاهر, وبناء على ذلك بقي هذا المغتسل: رفع حدثه أو اغتسل بماء طاهر, والماء الطاهر يرفع الحدث أو لا؟ عندهم لا يرفع الحدث, فقال هؤلاء: لا يرتفع حدثه, وعليه أن يغتسل مرة أخرى. ومن العجيب أيها الإخوة! أن أصحاب هذا القول يقولون: لو ما نوى الاغتسال لو افترض أنه انغمس في هذا الماء ولم ينو الاغتسال ثم ارتفع، فإن هذا الأمر لا يؤثر فيه, وسيأتي تفصيل هذه المسألة في الأمر الثالث, فقالوا: إن الماء طاهر ولا يرفع حدثه.
معاني ألفاظ الحديث
قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يغتسل ).
ما إعراب قوله: ( لا يغتسل )؟ لا: الناهية, ويغتسل: فعل مضارع مجزوم بلا الناهية. ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ).
المقصود بالدائم هو الماء الراكد المستقر.
وقد فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى بقوله: ( الذي لا يجري ). ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ).
قوله: ( وهو جنب ) نحتاج أيضاً إلى إعرابها.
( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ).
ا إعراب جملة: ( وهو جنب )؟ جملة حالية, أي: لا يغتسل في الماء الدائم حال كونه جنباً, هو مبتدأ وجنب خبر, لكن الجملة حالية, والواو واو الحال. الجنب مأخوذ من الجنابة, وهي في اللغة العربية بمعنى البعد, وإنما سمي الجنب جنباً لأنه يجتنب العبادات من الصلاة وقراءة القرآن, ويجتنب أيضاً دخول المسجد, وما أشبه ذلك, فلذلك سمي جنباً, وكلمة جنب تطلق على المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث بلفظ واحد , فيقال: رجل جنب, وامرأة جنب, ورجلان جنب, ورجال جنب, ونساء جنب, لا يتغير لفظها, ولذلك قال الله عز وجل: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:6].
وقال بعض أهل اللغة: إنها لا بأس أن تتغير بحسب الموصوف بها, فيقال: رجل جنب, ورجلان جنبان, ورجال جنبون, وهكذا. ولكن ما معنى الجنابة؟ هل المرأة الحائض مثلاً تسمى جنباً؟ هل المرأة النفساء تسمى جنباً؟ تقولون: لا, إذاً: ما هو الجنب؟ الجنب هو يكون بالإنزال أولاً, سواء بجماع أو باحتلام أو بغيره, ويكون بالجماع ولو لم ينزل.
ولذلك في الحديث المتفق عليه: ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل ).
فلو أن إنساناً أتى أهله ولم ينزل فعليه الغسل على القول الصحيح عند جماهير العلماء. إذاً: هذه هي الجنابة, الجنب هو من عليه حدث أكبر يوجب الغسل، إما بإنزال أو بجماع. ( لا يغتسل أحدكم في الماء وهو جنب.
قال: يا أبا هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) ! كيف يصنع؟ قال: يتناوله تناولاً ).
ما معنى قوله: ( يتناوله تناولاً ).
هذا الكلام قلت: إنه موقوف وليس مرفوعاً، والمرفوع هو: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم, والموقوف: هو ما قاله الصحابي من عند نفسه, أو ما رواه التابعي عن الصحابي من كلامه هو لا من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام. قول أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157): (يتناوله تناولاً) ما معناه؟ أي: يغترف من هذا الماء ويفيض على جسده. إذا كان هذا معنى الحديث نرجع لكلمة (في), ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ).
ما معنى (في)؟ ( لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم ).
(في) ظرفية, أي: لا ينغمس في الماء. والدليل على أن هذا هو المقصود: أن أبا هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) قال: (يتناوله تناولاً).
فلو كان المقصود الغسل مطلقاً لما كان لكلام أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) معنى, وإنما المقصود النهي عن أن ينغمس الإنسان في الماء الدائم وهو جنب, ولذلك قال أبو هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157): (يتناوله تناولاً), أي: يأخذ بيديه ويفيض على جسده.
وقد أبعد النجعة بعض العلماء الذين قالوا: إن المقصود مطلق الاغتسال, ويدخل فيه الوضوء؛ لأن الوضوء أيضاً ورد كما سيأتي إن شاء الله في الدرس القادم, فقالوا -وهذا وجدته في كتاب الروضة الندية للشيخ صديق حسن خان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001302&spid=157) - قال فيما فهمت وقد أكون مخطئاً في فهم كلامه, لكن الذي فهمته من كلامه رحمه الله أنه قال: إن الماء الراكد لا يجوز فيه الوضوء ولا الاغتسال, ولا يجوز منه أيضاً الوضوء ولا الاغتسال, فإذا أراد الإنسان أن يغتسل أو يتوضأ في هذا الماء الراكد فعليه أن يتحيل على هذا الماء فيحركه, كيف يحركه؟ مثلاً: يلقي فيه بحصاة أو يحركه بخشبة أو ما أشبه ذلك حتى يتحرك, ثم يغتسل أو يتوضأ منه.وهذا معنى بعيد جداً, بل هو أقرب إلى أن يكون خطأ, والصواب ما فهمه أبو هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه أن المقصود النهي عن الانغماس في الماء الدائم, ولذلك قال: (يتناوله تناولاً). هذا فيما يتعلق بمعاني الحديث.
طويلب علم مبتدئ
26 / 03 / 2013, 15 : 01 PM
شرح حديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه أجمعين. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ), وفي لفظ: ( لم ينجس ), أو ( لم ينجس ).
ما فيما يتعلق بألفاظ هذا الحديث، فإن الحديث ظاهر, ليس فيه لفظ مشكل إلا قوله: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلاة من الأرض وما ينوبه ).
فما معنى قوله: (وما ينوبه)؟ أي: يرد إليه ويأتيه نوبة بعد نوبة, فهذا هو الذي ينوبه, وقد ذكر الإمام الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رحمه الله أن الإمام عبد الله بن المبارك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000018&spid=157) قد صحف هذا الحديث وما معنى التصحيف؟ معنى التصحيف هو: أن يأتي بحرف بدل حرف آخر فيتغير معنى الكلمة فمثلاً: في هذا الحديث ذكر الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) أن عبد الله بن المبارك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000018&spid=157) بدلاً من أن يقول: وما ينوبه بالنون، قال: وما يثوبه بالثاء.
وهذا يسمى عند المحدثين تصحيفاً. وقد اهتم المحدثون بتتبع تصحيفات الرواة وأخطائهم، سواء في السند أو في المتن, حتى ألف فيها العسكري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002395&spid=157) كتاباً سماه تصحيفات المحدثين , وهو مطبوع في ثلاثة أجزاء, وألف كتاباً آخر سماه التصحيف والتحريف , وهو مخطوط فيما يظهر . ثم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ).
ما معنى قوله: (لم يحمل الخبث)؟ أي: أن الماء إذا بلغ قلتين فإنه يدفع الخبث عن نفسه, حتى ولو وقع فيه لا يتأثر به ولا ينجس.
هذا هو المعنى الصحيح.
والسنة يفسر بعضها بعضاً, فقوله: ( لم يحمل الخبث ) يفسره قوله: ( لم ينجس ), أو ( لم ينجس ), كما هي رواية أبي داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) وابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) وغيرهما في اللفظ الآخر. وقد زعم بعضهم أن للحديث معنى آخر, وهو معنى فاسد, فقالوا: إن قوله: ( لم يحمل الخبث ) أي: أنه لا يقدر على حمل الخبث, أي: يضعف عن حمل الخبث.
وهذا المعنى غير صحيح, بل هو باطل من وجهين: باطل أولاً: لأنه مفسر بالرواية الأخرى: ( لم ينجس ). وباطل لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين ).
لأن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث على زعمهم، أي: أنه إذا بلغ قلتين فإنه ينجس بوقوع النجاسة فيه.
ذا هو المعنى الثاني. فإذا كان بلغ قلتين ينجس بوقوع النجاسة فيه، فما دون القلتين ما حكمه؟ من باب أولى ينجس, فيكون التحديد بالقلتين ليس له معنى على هذا, لو كان المعنى: ( لم يحمل الخبث ) أي: أنه ينجس بوقوع الخبث فيه لما كان للتحديد بالقلتين معنى, ولكان هذا لغواً.
لكن الصحيح أنه لم ينجس. وقد سبق أن الحديث دليل الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله ومن وافقه في التفريق بين القليل والكثير, واعتبار القلتين حداً فاصلاً في ذلك.
أوجه تضعيف الحديث
ولو نظرنا إلى هؤلاء الأئمة الذين ضعفوا الحديث لوجدنا أنهم ضعفوه من ثلاثة أوجه، نمر عليها بسرعة حتى لا يثقل عليكم الكلام في أوجه التضعيف: الوجه الأول الذي ضعفوا به هذا الحديث: قالوا: إنه حديث مضطرب, يعني: اختلف الرواة في إسناده، فمرة يروونه عن فلان، ومرة يروونه عن فلان.
وهذا يدل على أنهم لم يضبطوا الحديث.
والحديث المضطرب هو أحد أقسام الحديث الضعيف, حتى لو كان رواته ثقات، فقالوا: إنه مضطرب من جهة الإسناد. كيف هو مضطرب من جهة الإسناد، قالوا: إن مدار الحديث على الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) , الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) هذا وإن كان ثقة، إلا أنه روى الحديث على أربعة أوجه, وكل وجه مختلف عن الآخر, فمرة الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) يروي الحديث عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157)، ومرة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) نفسه عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) أخ الأول، ومرة يذكر الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) الحديث ليس عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157)، إنما عن رجل آخر هو محمد بن عباد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) , فيرويه عن محمد بن عباد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157)، ومرة رابعة يرويه أيضاً عن محمد بن عباد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) عن عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) أخي عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157) .
قالوا: فهذه أربعة أوجه روي الحديث فيها عن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) , فدل هذا على أن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) لم يضبط إسناد الحديث. وقد اختلف العلماء - علماء الحديث- في هذا اختلافاً كبيراً, ومن أراد التوسع فيه فليرجع إلى كتاب نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للحافظ الزيلعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004850&spid=157) , فقد أطال النفس في هذا الموضوع. لكن خلاصة الجواب على من قالوا: إن الحديث مضطرب ما ذكره ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في كتابه التلخيص الحبير , حيث قال: الصواب: أن الحديث الصحيح من طريقين: الأول عن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) عن محمد بن جعفر بن الزبير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) عن عبيد الله بن عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) , عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) المصغر , الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) عن محمد بن جعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006032&spid=157) عن عبيد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006031&spid=157) , هذا صحيح. والطريق الثاني الصحيح أيضاً هو: عن الوليد بن كثير (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006029&spid=157) عن محمد بن عباد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006034&spid=157) عن عبد الله بن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005158&spid=157) المكبر .
قال: ومن رواه عن غير هذا الوجه فقد وهم. فرد ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) رحمه الله الاضطراب بترجيح هاتين الروايتين, وتضعيف ما عداهما. وبذلك يتبين لكم أن الاضطراب في إسناد هذا الحديث مدفوع بترجيح روايتين على بقية الروايات, هذا هو الاضطراب في السند, وهو الوجه الأول من أوجه تضعيف الحديث. الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المتن, ما معنىمضطرب المتن؟ قالوا: مرة جاء الحديث: ( إذا بلغ الماء قلتين ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء ثلاث قلال ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين قلة ), ومرة جاء: ( إذا بلغ الماء أربعين دلواً )، ومرة: ( إذا بلغ الماء أربعين غرباً لم يحمل الخبث ).
فهذه ستة أوجه في تحديد الماء الذي لا يحمل الخبث, قلة أو قلتين أو ثلاث أو أربعين أو أربعين غرباً أو أربعين دلواً. قالوا: وهذا الاضطراب في متن الحديث - الأول في الإسناد، وهذا في المتن- يدل أيضاً على ضعف الحديث. والجواب على هذا القول: أن يقال: الراجح رواية القلتين؛ لأن رواتها أكثر وأوثق, فيضعف ما عداها من الروايات. فالراجح: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ). وهذا هو الوجه الثاني من أوجه تضعيف الحديث. الوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: قالوا: إنه مضطرب المعنى، وذلك من وجهين: الوجه الأول: لعدم تفسير القلة.
ما هي القلة في لغة العرب؟ اختلف العلماء والفقهاء في تفسير القلة, فقال بعضهم: القلة هي القربة، وقال بعضهم: هي إناء معروف عند العرب كبير، وقال بعضهم: هو إناء معروف عند العرب صغير، وقال بعضهم: القلة هي الدورق, وقيل: القلة هي الجرة، وقيل: القلة هي الإناء الذي تقله بيدك, يعني: تستطيع أن ترفعه بيدك, حتى قال بعضهم: إن القلة هي رأس الجبل أيضاً, فرأس الجبل يسمى القلة, ولكن أنكر شيخ الإسلام (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله هذا المعنى, وقال: من قال: إن المقصود بالقلة رأس الجبل فكأنه يستهزئ بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأننا لا نعلم ماء يبلغ قلال الجبال - يعني: رءوس الجبال- إلا ماء الطوفان, أما بقية المياه فليست كذلك, فالمهم أن تعريف القلة مختلف فيه ما هي القلة.
فهذا وجه من أوجه اضطراب المعنى. الوجه الثاني: أنه على فرض أن القلة إناء معروف كما هو عند الشافعية, وعلى فرض أنه محدد بقلال هجر , فإن هذه القلال غير معلومة المقدار, وقد ذكر ابن المنذر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000594&spid=157) رحمه الله تسعة أقوال في تحديد مقدار القلة , ومضى في الحلقة الماضية أن منهم من جعلها ألف رطل، ومنهم من جعلها أربعمائة رطل، وما بين ذلك, وهذا فرق كبير, بل قال بعضهم: كل إناء صغير أو كبير فهو قلة. إذاً: فالوجه الثالث من أوجه تضعيف الحديث: أنه مضطرب المعنى, ومضطرب المعنى من وجهين: من وجه عدم تفسير القلة.
ما المقصود بها؟ وعلى الفرض بأن القلة محددة ومعروفة فهي غير محددة المقدار. فكيف نجيب على هذا الوجه أو على هذين الوجهين؟ أما جواب من أخذوا بالحديث وهم الشافعية، فقالوا: إن القلة معروفة, وما حدد الرسول صلى الله عليه وسلم الماء بالقلتين في الحديث إلا لأن السامعين يعرفونه, ولو لم يعرفوه لسألوا واستفسروا عنه. وفيما يتعلق بمقدارها، قالوا: إنها قلال هجر , وهي البحرين أو قرية قرب المدينة , وحددها الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله في كتاب الأم بخمس قرب تقريباً, وحددها بعضهم بأنها متر وربع طولاً وعرضاً وعمقاً, أن القلتين قدر ما يسع بركة أو حوضاً طوله متر وربع وعرضه متر وربع وعمقه متر وربع.
هذا جواب من أخذوا بالحديث على اضطراب المعنى. أما جواب غيرهم من أهل العلم ممن صححوا الحديث ولم يعتبروا القلتين تحديداً للقليل والكثير، فقالوا: نعم, مع التسليم لكم بأن القلة غير محددة وغير محددة المقدار، فإننا لا نحتاج إلى هذا التحديد, ولو احتجنا إليه لسأل عنه الصحابة فعلاً رضي الله عنهم, لا نحتاج إلى هذا التحديد؛ لأن المقصود في الحديث ليس التفريق بين كثير لا ينجس إلا بالتغير وبين قليل ينجس بمجرد وقوع النجاسة فيه, وإنما المقصود أن النبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الماء الكثير لا يتأثر بالنجاسة في الغالب, فهذا الحديث له سبب كما هو معروف, وهو أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة من الأرض, وما ينوبه من السباع والدواب, فهذا الماء كثير غالباً, وما يتعرض له من النجاسات قليل ينغمر فيه, فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل هذه المياه لا تنجس بهذه الأشياء اليسيرة مما يأتيها من السباع والدواب, وإلا لو كان المقصود التحديد لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً, ولم يحتج إلى أن يأتي أعرابي فيسأل, فيبين النبي صلى الله عليه وسلم الحكم له, وكيف يخفى مثل هذا الحكم على الصحابة رضي الله عنهم, أو على بقية الصحابة حتى يأتي هذا الأعرابي فيسأل عنه؟ كما ذكر هذا الوجه الشيخ محمد بن عبد الوهاب (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000765&spid=157) رحمه الله. فيقال: لسنا بحاجة إلى تحديد القلة ولا تحديد مقدارها؛ لأننا لا نعتبرها فرقاً بين الكثير والقليل, بل المقصود في معنى الحديث, هو أن الكثير لا يتغير بالنجاسة في الغالب كما سبق. وبناء على ذلك فنقول: مع التسليم بأن الحديث مضطرب المعنى فهو صحيح, وهذا الاضطراب لا يؤثر في صحته. هذه هي الأوجه الثلاثة التي ضعف بها الحديث, اضطراب السند ..
اضطراب المتن ..
اضطراب المعنى, وهذا ملخص الجواب على هذه الأوجه.
تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه
الحديث أخرجه الأربعة كما يقول المصنف، بل أخرجه الخمسة, وهم أصحاب الكتب الأربعة، السنن مع الإمام أحمد. فالحديث أخرجه الخمسة, وأخرجه الدارمي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) والدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) والطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157) والطيالسي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005002&spid=157) وابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) وابن خزيمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002801&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) .
فهذه مصادر جديدة للحديث إضافة إلى ما ذكره المصنف رحمه الله.
وقد صححه الأئمة أيضاً، فممن صحح الحديث من ذكرهم المصنف, وهم ابن خزيمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002801&spid=157) وابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157)، فهؤلاء ثلاثة صححوه, يضاف إليهم ابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) , ويضاف إليهم يحيى بن معين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004516&spid=157) رحمه الله, حيث قال عن طريق الحديث: إسنادها جيد. ويضاف إليهم الطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157) , فإنه صححه وإن لم يأخذ به كما أخذت به الشافعية, ولم يعتبره فرقاً بين الكثير والقليل. وممن صححه الحافظ ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في التلخيص، والإمام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله, بل ذكر ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) أن أبا عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1006028&spid=157) صنف كتاباً خاصاً في هذا الحديث, أثبت فيه صحته, وجمع طرقه, ورد فيه على ابن عبد البر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000737&spid=157) الذي ضعف الحديث كما سيأتي. وصححه أيضاً الذهبي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000356&spid=157) في تلخيصه للمستدرك . وصححه النووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) . ومن المعاصرين صححه الألباني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000184&spid=157) .
فالحديث صحيح عن جميع هؤلاء الأئمة.
وإلى جوار هؤلاء الذين صححوه، فهناك من ضعفوه، وممن ضعف هذا الحديث أو من أشهر من ضعف هذا الحديث: الحافظ ابن عبد البر المالكي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000737&spid=157) , حيث قال: إن مذهب الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في اعتبار القلتين فرقاً بين الكثير والقليل مذهب لا يثبت من جهة الأثر، ولا من جهة النظر، ويقصد من جهة الأثر: أن الحديث الذي استدل به وهو حديث القلتين أنه ضعيف.
وأيضاً ضعفه القاضي إسماعيل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005942&spid=157)، كما نقله ابن عبد البر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000737&spid=157) , ممن ضعفه القاضي إسماعيل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005942&spid=157), وممن ضعفه الإمام ابن قيم الجوزية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) في كتابه تهذيب السنن, وكتاب تهذيب السنن هو شرح لسنن أبي داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) فقد ضعف رحمه الله هذا الحديث من خمسة عشر وجهاً, منها أوجه تتعلق بالإسناد، ومنها أوجه تتعلق بالمتن, ونقل بعضهم أن الحافظ المزي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001552&spid=157) ضعف الحديث أيضاً. وقد أخذ بقول هؤلاء الأئمة أحد العلماء المعاصرين, وهو الشيخ محمد بن حامد الفقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005114&spid=157) , فقال في تعليقه على بلوغ المرام : إن هذا الحديث شاذ, لا يصح من جهة السند، ولا من جهة المتن.
ثم لخص كلام ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمه الله مقراً له.
طويلب علم مبتدئ
29 / 03 / 2013, 26 : 12 PM
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة.. وهذا الحديث صححه بعض أهل العلم وأعله آخرون منهم الإمام البيهقي، فقد أعله بالإرسال، وممن ضعفه الإمام ابن حزم رحمه الله، والصواب أن الحديث إسناده صحيح، كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري
شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل ..)
الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فالحديث الذي عندنا الآن هو حديث عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة؛ وليغترفا جميعاً
تخريج الحديث وكلام أهل العلم فيه
يقول المصنف رحمه الله تعالى: رواه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وإسناده صحيح، وكذلك صححه رحمه الله في الفتح حيث قال: الحديث رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية. من هم الذين أعلوا الحديث؟ يعني رحمه الله بالذين أعلوا الحديث رجلين من أهل العلم أولهما: البيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) رحمه الله، فإنه قال في هذا الحديث: هذا الحديث في معنى المرسل، وقد سبق معنا أن المرسل هو ما رواه التابعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ما التعريف الآخر وهو: ما سقط منه صحابي، كما قال الناظم: ومرسل منه الصحابي سقط ................. فهذا عليه اعتراض، واعتراض قوي، لماذا؟ لأن من المعلوم أن الصحابة كلهم ثقات عدول، فلو يعلم بأن الذي سقط هو الصحابي فقط هل يكون الحديث صحيحاً أو لا؟ إذا صار إسناده إلى الصحابي صحيحاً يكون صحيحاً؛ لأنه ما دام الذي سقط هو الصحابي فسقوط الصحابي لا يضر، لكن إنما كان المرسل ضعيفاً لاحتمال أن يكون سقط منه تابعي؛ لأن ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) رحمه الله في نزهة النظر شرح نخبة الفكر ذكر أنه يمكن أن يكون سقط من المرسل تابعي واثنان وثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة، يعني سبعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، فيمكن أن يكون سقط ستة منهم مع الصحابي، فيكون مجموع الذين سقطوا من الإسناد سبعة، طبعاً هذا من حيث الوقوع، أنه ورد أن سبعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض. أما من حيث الاحتمال العقلي فيحتمل أن يكون سقط أكثر من هذا العدد،ولو نعرف أن المرسل ما سقط منه إلا الصحابي لكان المرسل في عداد الحديث الصحيح، مع أن جمهور العلماء والمحدثين وغيرهم يعتبرون المرسل من أقسام الحديث الضعيف . يقول البيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) رحمه الله: هذا الحديث في معنى المرسل، أي أنه في حكم الحديث المرسل؛ لماذا كان هذا الحديث في حكم الحديث المرسل عنده؟ لأنه لم يسم الصحابي فيه، فالتابعي الذي روى الحديث قال -والتابعي هو حميد بن عبد الرحمن الحميري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005435&spid=157) -: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسم هذا الرجل، فكأن البيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) رأى أن عدم معرفة هذا الصحابي تجعل الحديث في حكم الحديث المرسل. ويقال جواباً على هذا الاعتراض: أولاً: إن جهالة الصحابي لا تضر، فالصحابة كلهم ثقات عدول، ولا يلزم أن نعرف الصحابي باسمهوبعينه، فما دام عرفنا أنه صحابي فالحديث متصل وصحيح . وقد سبق في درس مضى أن مرسل الصحابي حجة، وأن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة نحو أربعين حديثاً فحسب، وما عداها فإنما هي مراسيل رواها عن صحابة آخرين، فهذا الجواب الأول أن يقال: وإن لم يعلم الصحابي فحديثه حجة والصحابة كلهم عدول ثقات. الجواب الثاني: أن يقال: إن حميد بن عبد الرحمن الحميري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005435&spid=157) رحمه الله -وهو تابعي ثقة- قال: عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنين كما صحبه أبو هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وهذا يدل على أن هذا الصحابي ممن طالت صحبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه بمنزلة أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) من حيث طول الصحبة، وهذا يجعله صحابياً على جميع التعريفات ويجعل حديثه في موضع القبول. هذا هو الإمام الأول الذي يفهم من كلامه تضعيف الحديث، وهو البيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) حيث قال: إنه في معنى الحديث المرسل. الإمام الثاني الذي ضعف الحديث هو ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157) .ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157) ضعف الحديث، وسبب تضعيف ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157) له قال: لأن في إسناده داود بن يزيد الأودي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) الراوي عن حميد بن عبد الرحمن (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005435&spid=157)، يعني إسناد الحديث -عند ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157) - عن داود بن يزيد الأودي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) عن حميد بن عبد الرحمن (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005435&spid=157) عن رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157) : إن داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) هذا هو داود بن يزيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) ؛ لأن في بعض الروايات والأسانيد جاء اسمه غير منسوب داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) هكذا، فقال: هو داود بن يزيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) .
وهو ضعيف عند علماء الجرح والتعديل، وبناء على أن داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) هو ابن يزيد الأودي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) وهو ضعيف فالإسناد ضعيف . كيف يجاب على هذا الاعتراض من ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157) ؟ يجاب بأن داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) هذا ليس ابن يزيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157) كما توهم ابن حزم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000409&spid=157)، وإنما هو داود بن عبد الله الأودي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005962&spid=157)، وهو ثقة .
وقد ورد اسمه داود بن عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005962&spid=157) مصرحاً به في عدد من الروايات، منها رواية أبي داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157)، ومنها رواية الطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157)، ومنها رواية الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في المسند وغيره، قالوا: عن داود بن عبد الله الأودي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005962&spid=157)، فتبين أنه داود بن عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005962&spid=157) وليس ابن يزيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005963&spid=157)، وأنه ثقة وأن الإسناد صحيح. نترك بعض مباحث الحديث إن شاء الله للحلقة القادمة، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
طويلب علم مبتدئ
31 / 03 / 2013, 45 : 06 PM
تابع شرح حديث: (نهى رسول الله أن تغتسل المرأة بفضل الرجل ...)
حكم اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد يغترفان منه جميعاً
أما المسألة الثالثة في الحديث: فهي أن في الحديث دليلاً على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد يغترفان منه جميعاً، من أين نأخذ هذا الحكم؟ من قوله: (وليغترفا جميعاً)، ومن قوله أيضاً في الحديث الثاني: (بل يشرعان جميعاً)، فهذا دليل على جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد في آن واحد، وهذا المعنى الذي دل عليه حديث: (رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم)، ودل عليه حديث عبد الله بن سرجس، (بل يشرعان جميعاً) دلت عليه أحاديث أخرى كثيرة إليك بعضها: فمنها: ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر قال: ( كان الرجال والنساء يتوضئون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً )، وهذا دليل قوله: (جميعاً)، الجميع ضد المفترق، هذا دليل على أن الرجال والنساء يتوضئون في آن واحد، في مكان واحد، ومن إناء واحد. ولابد من وقفة سريعة عند هذا الحديث، فقد يستغل مثل هذا الحديث بعض الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا للدعوى إلى الاختلاط، والاحتجاج بأن هذا الأمر كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك لابد من بيان المقصود في الحديث، فما هو مقصود ابن عمر رضي الله عنه بهذا الخبر؟ قال بعض العلماء: أن المقصود: أن الرجال كانوا يتمون وضوءهم ثم يذهبون ثم يأتي النساء بعدهم. ولكن رُدَّ بأن قوله: (جميعاً) يدل على الاجتماع وهو ضد الافتراق، فظاهر الحديث أنهم في وقت واحد. والجواب الثاني وهو قوي: أن يقال: إن المقصود: (الرجال والنساء) يعني: الأزواج مع أزواجهم، أو المحارم مع محارمهم، فهو مثل ما سيأتي من الأحاديث عن عائشة وأم سلمة، في اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه، فمقصود ابن عمر رضي الله عنه أن هذا الأمر عام في بيوتات المسلمين، فكل صحابي قد يتوضأ أو يغتسل مع زوجه من إناء واحد. وقيل: إن هذا كان قبل أن ينزل الحجاب. ولكن القول السابق في أن المقصود: المحارم الأزواج مع أزواجهم أقوى؛ لأننا لا نحتاج معه إلى إثبات أن هذا الأمر نسخ، وأنه كان قبل الحجاب، كما أن قوله: (في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم) يدل على استمرار ذلك، وابن عمر روى الحديث فيما يظهر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن الجواب عليه أن يقال: إن مقصود ابن عمر : أي الأزواج مع أزواجهم، وهذا ظاهر كما في الأحاديث الأخرى. وإلا فمن المعلوم أن المرأة في مجتمع المسلمين في المدينة كانت منعزلة عن الرجال في كل شيء، وكلكم يعرف الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أبي سعيد : ( أن النساء قلن: يا رسول الله! غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوماً تحدثنا فيه، فواعدهن يوماً فجاء إليهن وذكرهن وقال: ما منكن من امرأة يموت لها ثلاثة من الولد فتحتسب إلا كانوا لها حجاباً من النار، قالت امرأة: واثنان يا رسول الله؟ قال: واثنان )، والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً. ومن الواضح جداً أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخاطب الرجال غالباً، ولا تجتمع النساء إلا في المناسبات كأيام العيد، ويجلسن منعزلات عن الرجال كما يجلسن منعزلات أيضاً في وقت الصلاة؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )، ولماذا كان شرها أولها؟ لأنه أقرب إلى الرجال، وكان خيرها آخرها؛ لأنه أبعد عن الرجال وأستر. فإذا كانت هذه القيود والتحفظات والضوابط يجعلها الإسلام للنساء وهن يؤدين شعيرة من شعائر الدين كالصلاة، مع أمرهن وحثهن على عدم الخروج؛ وإن كان الخروج جائزاً في حقهن للصلاة، فما بالك هل يتصور مع ذلك أنه يتوضأ الرجال والنساء جميعاً؟! هذا ضرب من المحال، لكن لابد من التنبيه؛ لئلا يغتر بذلك أحد أو يسمع احتجاج بعض مرضى القلوب به. إذاً: حديث ابن عمر : ( كان الرجال والنساء في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضئون جميعاً )، يدل على جواز اغتراف الرجل والمرأة من إناء واحد..
جواز اغتراف الزوج وزوجه من إناء واحد. والدليل الرابع: هو ما روته أم سلمة رضي الله عنها قالت: ( كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة )، وهذا الحديث متفق عليه، ومثله روت عائشة رضي الله عنها في المتفق عليه قالت: ( كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة نغترف منه جميعاً -تقول رضي الله عنها- فيبادرني أي: يعاجلها الرسول صلى الله عليه وسلم ويسبقها إلى أخذ الماء -وهذا في رواية البخاري - فأقول: دع لي دع لي ) تستبقي منه شيئاً من الماء لغسلها، وفي رواية النسائي : ( فيبادرني وأبادره، حتى أقول: دع لي دع لي، ويقول صلى الله عليه وسلم: دعي لي دعي لي )، وهذا والله أعلم نوع من الملاطفة بين الزوجين، والتي كان الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة للمسلمين فيها، كما هو قدوة لهم في كل شيء، فهذا نوع من تبسُّطه مع أزواجه صلى الله عليه وسلم حتى في مثل هذه الحال. فهذه الأحاديث كلها تدل على جواز اغتسال أو وضوء الزوج مع زوجه من إناء واحد يغترفان منه جميعاً.
وهذا القول نقل أربعة أئمة الإجماع على جوازه، ومن الطريف أن هؤلاء الأئمة الأربعة الذين نقلوا الإجماع على جوازه يمثلون المذاهب الأربعة، فكل واحد منهم من مذهب، فقد نقل الإجماع القرطبي وهو مالكي، ونقل الإجماع الطحاوي وهو حنفي، ونقل الإجماع النووي وهو شافعي، ونقل الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية وهو حنبلي، فنقل هؤلاء الأئمة الأربعة الإجماع، وان كان قد يعكِّر على نقل هذا الإجماع ما ذكره ابن المنذر عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه كره ذلك، وحكاه ابن عبد البر عن قوم لم يسمهم: أنهم كرهوا ذلك، وهذا قد لا يعكِّر في الإجماع بالضرورة؛ لأن الكراهة لا تنافي الجواز، حتى القول بالكراهة بعيد جداً مع توافر النصوص الكثيرة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم له، وفعل الصحابة، وعدم وجود نص يدل على الكراهة، اللهم إلا أن يكون من ذهب إلى الكراهة أخذها من الأحاديث السابقة في نهي الرجل أن يغتسل بفضل المرأة؛ لأنهم قد يعتبرون أن الماء الذي شرعت المرأة في الوضوء منه أو الغسل قد يعتبرونه فضلاً لها فيشملونه بالحكم السابق، ولكن كما سبق نقل أربعة من الأئمة الإجماع على الجواز، ولا شك أن هذا الأمر جائز بلا كراهة.
حكم فضل وضوء المرأة
لمسألة الرابعة التي تؤخذ من الحديث: هي حكم فضل وضوء المرأة، وهذا صورة من صور مسألة قد سبقت معنا، فما حكم فضل وضوء المرأة، الماء الذي فضل في الإناء بعد وضوئها أو غسلها ما حكمه؟ القول الأول: أنه طهور؛ وذلك لأدلة، منها ما سبق من اغتسال النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة، وبفضل بعض أزواجه في حديث ابن عباس، وفي حديث ميمونة نفسها. ومن الأدلة على أنه طهور: قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : ( إن الماء لا يجنب )، جواباً لها حين قالت رضي الله عنها: (إني كنت جنباً)؛ ولذلك فهذا التعليل: بأن الماء لا يجنب، يدفع قول من قال بالخصوصية؛ لأن بعض العلماء قالوا: إن فعل الرسول صلى الله عليه وسلم خاص به فلا ينافي أمره العام للأمة، فنقول: إن قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن الماء لا يجنب ) خرج مخرج التعليل، والتعليل يدل على عموم الحكم للرسول عليه الصلاة والسلام ولغيره من الأمة، وهو دليل على أن الماء الباقي بعد وضوئها أو غسلها طهور، وأيضاً مما يدل على ذلك ما سبق في بحث أقسام المياه، وأن الأصل في الماء هو الطهورية، وأن الماء لا ينقل عن الطهورية إلا بدليل، وأن القول الراجح أنه لا ينتقل عن الطهورية إلا إلى النجاسة. فهذه خمسة أدلة تقريباً تدل على أن الماء الباقي بعد المرأة طهور: منها: قوله: ( إن الماء لا يجنب ). ومنها: وضوءه صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة في حديث ميمونة، وفي حديث ابن عباس، هذه ثلاثة.
الرابع: ما سبق من أن الأصل في المياه الطهورية، وأنها لا تنقل عن الطهورية إلا بدليل، ولا يوجد دليل ينقلها عن الطهورية الآن. الخامس: ما سبق من أن الراجح أن الماء لا ينتقل عن الطهورية إلا إلى النجاسة، ومن المعلوم أن الماء هاهنا ليس بنجس، وإنما هو متردد بين الطهورية أو بين الطهارة. القول الثاني: أن الماء الباقي بعد فضل المرأة طاهر وليس بطهور. والحقيقة هذا القول لا يمكن أن ننسبه إلى كل الذين قسموا الماء إلى ثلاثة أقسام، بل إن غالبهم يعتبرونه طهوراً حتى ممن يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام، وإنما القول بأنه طاهر رواية ضعيفة في مذهب الإمام أحمد، والرواية القوية عنه رضي الله عنه أنه طهور كسائر قول الجمهور. لماذا يقول أكثر أهل العلم حتى ممن يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام لماذا يقولون: إن الباقي بعد المرأة طهور؟ غير الأدلة السابقة، لماذا يعتبرونه طهوراً؟ المقصود أنهم يمنعون اغتسال الرجل فيه، وهو غير مستعمل الآن، هو ماء باق في الإناء بعدما توضأت المرأة أو اغتسلت، فهذا الماء الباقي غير مستعمل، فهم يقولون بمنع اغتسال أو وضوء الرجل فيه، لكن هل يقولون بمنع وضوء المرأة فيه؟ لا، هل يقولون بمنع وضوء الخنثى مثلاً؟ لا، هل يقولون بمنع وضوء الصبي فيه؟ أيضاً غالبهم لا يقولون بذلك، فدل هذا على أنهم يمنعون الرجل أن يتوضأ فيه للنص، وإلا فالماء باق على طهوريته، حتى عند من يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام. ولذلك مثلاً في المذهب لما ذكر أقسام الطهور ذكر منها ماذا؟ الطهور اليسير الذي خلت به امرأة، فقال كما درستم في زاد المستقنع : ولا يرفع حدث رجل طهور يسير خلت به امرأة لطهارة كاملة عن حدث، فوضعوا هذه الشروط، ثم إذا توفرت هذه الشروط: أن خلت به امرأة، وهو يسير، ولطهارة كاملة عن حدث، قال: لا يرفع حدث الرجل، لكن مفهوم العبارة: أنه يرفع حدث المرأة مثلها، ويرفع حدث الخنثى، ويرفع حدث الصبي؛ ولذلك قال أكثر العلماء حتى ممن يقسمون الماء إلى ثلاثة أقسام: بأن الماء الذي فضل بعد وضوء المرأة أو غسلها طهور. هذه أهم المسائل الموجودة في هذا الحديث، وممكن ننتقل للحديث الذي بعده.
كم بقي؟ مداخلة: ... الشيخ: خمس دقائق.
طيب نقف إذاً، وإن شاء الله في الأسبوع بعد القادم نحفظ الحديث العاشر والحادي عشر والثاني عشر؛ وذلك لأن الحديث العاشر والحادي عشر مر شرحهما الآن، أما الحديث الثاني عشر وهو حديث ولوغ الكلب فسيكون هو موضوع الحلقة أو الدرس بعد القادم، أما في الأسبوع القادم فليس هناك درس؛ وذلك لأنني مضطر إلى أن أسافر إلى الرياض، فأرجو منكم أن تعذروني، وأسأل الله أن نلتقي بكم في الأسبوع الذي يليه.
شواهد الحديث
هذا الحديث له شاهد، هذا الحديث كله له شاهد عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، أو المرأة بفضل الرجل بل يشرعان جميعاً )، وهذا الشاهد يشهد لجميع فقرات الحديث، وقد رواه الدارقطني والطحاوي والبيهقي، وقال الإمام الدارقطني: وهذا موقوف صحيح، يقول: وهذا موقوف صحيح، ما هو الموقوف الصحيح؟ ماذا يعني؟ أي حديث الموقوف الصحيح؟ حديث عبد الله بن سرجس، يقول: موقوف صحيح؛ أي: أنه من قول الصحابي، فكأن الدارقطني رحمه الله يرجح الموقوف على المرفوع ويصحح الموقوف، وهو على كل حال شاهد للحديث الأول.
حكم اغتسال المرأة بفضل الرجل
والحديث فيه عدة فوائد أو أحكام: الحكم الأول: منع اغتسال المرأة بفضل الرجل، من أين يؤخذ هذا الحكم من الحديث؟ من قوله: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل )، فهذا دليل على منع اغتسال المرأة بفضل الرجل، وانتبهوا للفرق بين المسألتين، الآن الكلام عن اغتسال المرأة بفضل الرجل، الحديث نهى عنه، وقد نقل الإمام النووي الإجماع على جواز اغتسال المرأة بفضل الرجل، يعني: الإجماع على عدم الأخذ بظاهر هذا الحديث، نقل الإجماع على جواز اغتسال المرأة بفضل الرجل. ولكن هذا الإجماع الذي نقله الإمام النووي فيه نظر، فقد ذكر الإمام الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار عن قوم: أنهم كرهوا أن يغتسل الرجل بفضل المرأة، وأن تغتسل المرأة بفضل الرجل.
إذاً فلا إجماع على الجواز المطلق. وإنما ربما يسلَّم للنووي رحمه الله الإجماع على عدم التحريم؛ لأن الذي نقله الطحاوي هو القول بالكراهة، والله أعلم، فهذا هو الحكم الأول في الحديث، وهو ما يتعلق باغتسال المرأة بفضل الرجل، وسيأتي مزيد كلام عن هذا الحكم في الحكم الذي يليه. وهو الحكم الثاني: وهو منع اغتسال الرجل بفضل المرأة، من أين نأخذ هذا الحكم: منع اغتسال الرجل بفضل المرأة؟ من قوله صلى الله عليه وسلم: ( وأن يغتسل الرجل بفضل المرأة )، فهذا دليل على منع اغتسال الرجل بفضل المرأة، وهذا الحكم فيه كلام لأهل العلم يحتاج إلى انتباه. فالحكم الأول سبق أن الأمر فيه ظاهر، وأن النووي نقل الإجماع على الجواز، ويمكن أن يسلَّم نقل الإجماع على عدم التحريم، والله أعلم.
حكم اغتسال الرجل بفضل المرأة
أما الحكم الثاني وهو نقيض الحكم الأول وعكسه: اغتسال الرجل بفضل المرأة، ففيه للعلماء قولان: الأول: القول بالتحريم، وهذا رأي عدد من الصحابة منهم: عبد الله بن سرجس راوي الحديث، ومنهم الحكم بن عمرو الغفاري، ومنهم جويرية أم المؤمنين، وأم سلمة أم المؤمنين، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه. بل قال الإمام أحمد رحمه الله: صح عن جمع من الصحابة المنع فيما إذا خلت به، وفي رواية أبي طالب عن الإمام أحمد قال: أكثر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، يعني: على ماذا؟ على المنع. وهو أيضاً مذهب الإمام أحمد في رواية عنه، ومذهب إسحاق بن راهويه أحد فقهاء أهل الحديث، ومذهب الظاهرية. واختاره من التابعين: الحسن البصري وسعيد بن المسيب. هؤلاء يقولون بتحريم اغتسال أو وضوء الرجل بفضل المرأة، فما حجتهم في ذلك؟ ما حجتهم على المنع؟ أولاً: حجتهم هذا الحديث وهو حديث رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم. الدليل الثاني: حديث عبد الله بن سرجس وقد سبق أيضاً. الدليل الثالث: حديث الحكم بن عمرو الغفاري قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة )، وهذا الحديث رواه الخمسة، وحسنه الترمذي، وصححه ابن ماجه وابن حبان، وضعفه أيضاً عدد من علماء الحديث منهم الإمام البخاري والنووي، ألا وهو حديث الحكم بن عمرو الغفاري قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة ). ما هو الفرق بين حديث الحكم بن عمرو، وبين حديث رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وبين حديث عبد الله بن سرجس؟ حديث الحكم لم يذكر إلا منع اغتسال الرجل بفضل المرأة ولم يذكر الأمر الثاني؛ ولذلك خفي هذا الحكم على ابن حزم رحمه الله، فبعد أن قال في المحلى : ويحرم أن يغتسل الرجل أو يتوضأ بفضل المرأة اعتماداً على حديث الحكم بن عمرو الغفاري وحديث عبد الله بن سرجس، دون أن يروي جزءه الثاني، قال: أما اغتسال المرأة بفضل الرجل فلم أقف فيه على حديث فهو جائز، ولو وقفت فيه على حديث يمنعه لقلت بتحريمه أو بمنعه.
فاستدل القائلون بالمنع بحديث: (رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم) وحديث عبد الله بن سرجس وحديث الحكم بن عمرو الغفاري على المنع، وهذا هو الرأي الأول. أما الرأي الثاني وهو رأي أكثر أهل العلم، فهو رأي المالكية، والشافعية، والأحناف، ورواية في مذهب الإمام أحمد، ويمكن أن ننسبه إلى بعض الصحابة على طريقة بعض العلماء، بعض العلماء إذا روى الصحابي حديثاً يدل على حكم اعتبر أن الصحابي يقول بالحكم الذي تضمنه هذا الحديث، فمثلاً القول بجواز اغتسال الرجل بفضل المرأة -وهو مذهب الجمهور كما سبق- يمكن أن ننسبه إلى ابن عباس وإلى ميمونة رضي الله عنهما لما سيرد في الأحاديث عنهما في هذا الباب. وأدلة القائلين بالجواز هي ما يلي: أولاً: ما رواه مسلم وأحمد عن ابن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة ).
الدليل الثاني لهم: ما روته ميمونة نفسها رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل غسلها من الجنابة )، والحديث رواه أحمد وابن ماجه. الدليل الثالث لهم: ما رواه ابن عباس أيضاً قال: ( اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها، فقالت: يا رسول الله! إني كنت جنباً، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: إن الماء لا يجنب )، هذا الحديث مهم في هذا الموضوع، وقد رواه الخمسة والحاكم، وصححه الترمذي، وقال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يحفظ له علة. فالحديث الثالث الآن هو حديث ابن عباس في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء لا يجنب )، وقد رواه الخمسة وصححه الترمذي والحاكم.
هذه ثلاثة أدلة. الدليل الرابع: هو ما ثبت من الأحاديث في جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وسوف تأتي هذه الأحاديث بعد قليل. إذاً أمامنا الآن أربعة أدلة للجمهور القائلين بالجواز: حديث ابن عباس في مسلم، وحديث ميمونة في المسند وابن ماجه، وحديث ابن عباس الثاني وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الماء لا يجنب )، وقد رواه الخمسة، وصححه الترمذي والحاكم . والدليل الرابع هو ما ثبت من الأحاديث في جواز اغتسال الرجل أو وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد وستأتي هذه الأحاديث إن شاء الله بعد قليل، فهذه أربعة أدله للقائلين بالجواز. كيف يجيب هؤلاء العلماء القائلون بالجواز على أدلة الفريق الأول؟ كيف يجيبون على: ( نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة )؟ هل يخالفون هذه الأحاديث؟ كلا، إنما يجيبون على هذه الأحاديث بأجوبة، منها الجوابان التاليان: الجواب الأول: قالوا: إن النهي محمول على الماء المتساقط من أعضائها؛ وذلك لأنه مستعمل، فيقولون: نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال بفضلها، أي: بما تساقط من أعضائها أثناء الوضوء، وليس بالماء الباقي في الإناء بعد انتهاء وضوئها، وهذه طريقة الخطابي : حمل النهي على الماء المتساقط باعتباره مستعملاً. الطريقة الثانية وهي أقوى من الطريقة الأولى قالوا: أن يحمل النهي على الكراهة، وتحمل الأحاديث الأخرى على بيان الجواز، وبذلك نكون عملنا بكلا النوعين من الأحاديث، فعملنا بأحاديث النهي حيث دلت على كراهة وضوء أو اغتسال الرجل بفضل المرأة، وعملنا أيضاً بأحاديث الجواز حيث دلت على ماذا؟ دلت على الجواز، أو نقول بطريقة ثانية: دلت على أن النهي في الأحاديث الأولى ليس للتحريم وإنما هو للكراهة، فيكون بهذا القول عمل بكلا النوعين من الأحاديث؛ ولذلك كان هذا القول قوياً، وكان هو رأي الجمهور.
طويلب علم مبتدئ
03 / 04 / 2013, 37 : 01 PM
الإسلام دين النظافة والطهارة، يظهر ذلك جلياً في أمره بها، وفي أمره بإزالة النجاسات عند التلبس بها ومخالطتها، ومن ذلك ما جاء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب إذا ولغ فيه الكلب، وإراقة ما كان في الإناء من ماء وغيره، وهناك أحكام كثيرة متعلقة بهذا الأمر ينبغي معرفتها لأهميتها.
ن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. ننتقل إلى الأحاديث الموجودة عندنا، فعندنا الآن حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) بروايتيه وحديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه. أما الحديث الأول وهو حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه فقد سبق شرحه؛ لأنه دليل لمن قالوا بجواز اغتسال الرجل بفضل المرأة، حيث اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) . وقوله: ( كان يغتسل ) يدل على تكرر هذا الفعل، وأنه لم يقع منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة. أما الرواية الثانية للحديث وهي رواية أصحاب السنن الأربعة، وقد رواها معهم كما سبق أيضاً الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) في مستدركه وهي: ( أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت في جفنة -والجفنة هي إناء كبير أكبر من القصعة- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها، فقالت: يا رسول الله! إني كنت جنباً، قال: إن الماء لا يجنب )، كلمة (لا يجنب) في ضبطها ثلاثة أوجه: الوجه الأول: (لا يجنب) بفتح الياء وضم النون، من هاهنا تكون مثل قولنا: كرم يكرم، فهي مشتقة من جنب يجنب، فهذا وجه بضم النون. الوجه الثاني: بفتح النون: ( إن الماء لا يجنب ) فهي مشتقة من جنب يجنب. الوجه الثالث: بكسر النون وضم الياء: (إن الماء لا يجنب).
وهاهنا تكون مشتقة من فعل رباعي وهو أجنب، أجنب يجنب. قول المصنف رحمه الله: (صححه الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) وابن خزيمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002801&spid=157) ) أيضاً صححه الحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157)، حيث رواه في مستدركه وقال: لا يحفظ له علة.
أما فيما يتعلق بمتن الحديث فقد سبق فيما مضى.
عندنا الحديث الثالث من هذه الأحاديث وهو حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) رواه مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) . وفي لفظ له: (فليرقه)، وللترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) : ( أخراهن أو أولاهن ).
حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة السادسة: هي حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب. عندنا ماء في إناء كبير وقعت فيه نجاسة، فما حكم هذا الماء؟ صورة هذه المسألة: أن عندنا ماء ولغ فيه كلب، فما حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب؟ هل نقول: إن هذا ماء لاقته نجاسة فينجس إن تغير؟ أم نقول: إن الأمر ورد بنجاسته في قوله: ( طهور إناء أحدكم ) والأمر بإراقته، فينبغي إراقته واعتباره نجساً؟ المسألة فيها أقوال، فقيل: إنه نجس، وهذا مذهب كثير من أهل العلم، قالوا: إنه نجس، ولا يجوز رفع الحدث به بعدما ولغ فيه الكلب، وحجتهم الأمر بإراقته، والأمر بغسل الإناء بعد ولوغ الكلب. القول الثاني: أنه طاهر وليس بنجس، وهذا قول الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157)؛ لأنه سبق أن الإمام مالكاً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) يقول: إن الكلب كله طاهر حتى ريقه، فبناءً على ذلك ما الذي نجس هذا الماء؟ لم ينجسه شيء، قالوا: وأما الأمر بالإراقة والأمر بالغسل فهو للتعبد كما سبق، وهذه الرواية المشهورة عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157). القول الثالث: هو التفصيل، وكيف يكون التفصيل؟ التفصيل يكون بأن تجعل هذه المسألة نظيرة للمسألة السابقة، فيقال: سؤر الكلب نجس كما سبق أنه هو الراجح، فهذه نجاسة لاقت الماء، فإن تغير بها الماء تنجس، وهل يتغير الماء من لعاب الكلب؟ من نعمة الله علينا أننا لا نقرب الكلاب ولا نعرف شأنها، لكن الذي ذكره عدد من أهل العلم: أن لعاب الكلب فيه لزوجة يظهر أثرها في الماء. وذكر بعض العلماء: أن لفم الكلب رائحة قد تظهر في الإناء أو في الماء، وقد يكون في فم الكلب بقايا وفضلات وأشياء أيضاً تظهر في الماء. فهذه أمثلة تدل على أنه قد يتغير الماء من ولوغ الكلب فيه، فإذا تغير فنجاسته ظاهرة حينئذ؛ لأنه ماء تغير بنجاسة، سواءً كان قليلاً أم كثيراً، أما إذا لم يتغير فالقول بنجاسته مشكل. ولكن لو تأملنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قيد الحديث بقوله: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم )، إناء أحدنا غالباً إناء صغير، يستعمله الواحد منا للشرب أو للوضوء أو لما أشبه ذلك، وهو في الغالب إناء صغير، ومثل هذا الإناء الماء الذي فيه أيضاً قليل، فإذا ولغ الكلب فيه فالغالب عليه أن يتغير بالولوغ، وربما كان الأمر بإراقته في مثل هذه الحال أيسر على المكلفين من أن يقال: انظروا، فإن تغير فأريقوه، وإن لم يتغير فلا تريقوه، لماذا؟ ؟ لأنه كما سبق أن لعاب الكلب التغير فيه ليس ظاهراً كغيره من النجاسات، فربما يحتاج الأمر إلى معرفة التغير إلى اجتهاد من الإنسان وربما يشق عليه ذلك، وقد يؤدي إلى نوع من الوسوسة، فإغلاق الباب في مثل هذه الحال والأمر بإراقة الماء وغسل الإناء -إذا كان إناء أحدنا والغالب أنه صغير والماء الذي فيه قليل- هذا الفعل أولى من أن يقال: انظر فيه فإن تغير فأرقه، وإن لم يتغير فلا ترقه. والحجة في ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، وفي لفظ: ( فليرقه ) كما سبق.
فهذا القول والله أعلم فيه اعتدال، وفيه اطراد أيضاً، فيه اطراد مع القاعدة التي سبق تقريرها، وهي: أن ما تغير بالنجاسة فهو نجس، وما لم يتغير فهو باق على أصله، وفي الوقت نفسه فيها عمل بحديث الباب وليس فيها طرح له، هذا ما يظهر في موضوع حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب.
هل تقاس سائر النجاسات على لعاب الكلب؟
المسألة السابعة: هل تقاس سائر النجاسات على لعاب الكلب؟ أكثر أهل العلم على عدم القياس، فقالوا في سائر النجاسات: أنه يجزئ فيها ذهاب أثرها وغسل محلها، ولا يلزم من ذلك التعدد، وذهب الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في رواية عنه إلى وجوب الغسل سبعاً لكل نجاسة، سواء كانت على الثوب أو غيره، سواء كانت بولاً أو غيره. وهذه المسألة مرت معكم في درس الفقه، والظاهر أن الأقرب هو قول الجمهور في عدم اشتراط عدد معين لإزالة النجاسة، بل كل ما أزال النجاسة وطهر المحل كفى، إلا أنه قد ورد النص الصريح الصحيح في موضوع الاستجمار، أنه لا يجزئ فيه أقل من ثلاثة أحجار، فقد روى مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) في صحيحه عن سلمان الفارسي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000066&spid=157) رضي الله عنه: ( أن مشركاً قال له: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة -يعني: حتى طريقة قضاء الحاجة- قال سلمان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000066&spid=157) رضي الله عنه: أجل، لقد أمرنا ألا نستنجي برجيع ولا عظم، وألا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار )، وهذا الشاهد: ( وألا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار )
قياس الخنزير على الكلب من حيث النجاسة وتطهيرها
المسألة الأخيرة: هل يقاس الخنزير على الكلب في هذه الأحكام أم لا؟ أيضاً أكثر أهل العلم على عدم القياس، وقالوا: إن النص ورد في الكلب خاصة، فلا يقاس عليه غيره، بدليل أن هناك نجاسات مغلظة ولا تقاس على الكلب. إذاً القول الأول: عدم القياس، وهو مذهب أكثر أهل العلم.
وذهب بعض الشافعية إلى قياس الخنزير على الكلب، قالوا: لأن نجاسة الخنزير مغلظة، وهي عندهم -عند من قال بذلك- أغلظ من نجاسة الكلب، وأيضا قالوا: إنه قد وصف في القرآن بأنه رجس: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنعام:145]. ويجاب عن هذا بأن وصفه بأنه رجس ورد في مورد تحريم أكله، http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنعام:145]، وقد ورد في الصحيحين -كما سيأتي إن شاء الله في درس قادم- : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وقال: إنها رجس )، ومع ذلك لم يقتض هذا أن يكون سؤرها نجساً، وأن يؤمر بغسل الإناء وتسبيعه وتتريبه منها، فدل على أن كونه رجساً لا يعني أنه يقاس على الكلب في وجوب الغسل سبعاً.
حكم التتريب للإناء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة الخامسة: هي حكم التتريب، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون إحدى الغسلات بالتراب، كما في حديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وأمر أن يعفر الثامنة بالتراب كما في حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157)، فهل يجب التتريب أم لا؟ في هذه المسألة رأيان للفقهاء: ذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب التتريب، عملاً بالأدلة والأحاديث السابقة وهي صريحة في ذلك. وذهب المالكية والأحناف إلى عدم وجوب التتريب، فأما الأحناف فقد سبق أنهم حملوا الأمر كله على الندب والاستحباب لا على الوجوب؛ للأدلة السابقة.
أما المالكية فقد علمتم أنهم يرون وجوب التسبيع..
وجوب الغسل سبعاً، ولكنهم لا يرون وجوب التتريب؛ وذلك لأن الإمام مالكاً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) لم يرو زيادة التتريب في موطئه، فروايته كرواية الإمام البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) : ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، ولم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بأن يكون شيئاً منها بالتراب، ولذلك لم يقل الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) بوجوب التتريب، كما أن بعض من قالوا بعدم وجوب التتريب قالوا: إن رواية التتريب مضطربة.
كيف تكون الرواية مضطربة؟ رواية التتريب لماذا هي مضطربة؟ قالوا: لأن في بعض الروايات: (أولاهن)، وفي بعضها: (أخراهن)، وفي بعضها: (إحداهن) وفي بعضها: (الثامنة)، وفي بعضها: (أولاهن أو إحداهن) وما أشبه ذلك، قالوا: فهذا الاضطراب يوجب طرح رواية التتريب وعدم الأخذ بها.
وكيف نجيب على هذا؟ يجاب عليه أولاً أن يقال: إن القول بوجوب التتريب أقوى؛ لصراحة الأحاديث في ذلك، ثم يقال: إن ما ورد من الاضطراب في موضع التتريب يمكن الجواب عليه، فأما قوله: (إحداهن) فهي رواية مجملة أو مطلقة تحمل على أحد الروايات المقيدة، تحمل على قوله: (الأولى) أو (أولاهن) أليست أولاهن هي إحداهن؟ هي إحداهن، فتحمل رواية إحداهن على أولاهن، أما رواية أولاهن أو أخراهن أو غيرها فترجح رواية أولاهن أيضاً عليها. رواية أولاهن من وجهين، ترجح رواية: (أولاهن) من وجهين: الوجه الأول: لأنها أصح وأقوى إسناداً وأكثر رواة، فهي أثبت من حيث النقل، رواية (أولاهن). الوجه الثاني ما هو؟ نعم يا أخي.
مداخلة: أن التتريب بالتراب يجب أن يتبعه غسل بالماء. الشيخ: نعم.
أن الغسل بالتراب لو كانت هي الأخيرة هي السابعة أو الثامنة لكان ينبغي أن تتبعها غسلة بعدها لإزالة التراب.
فهذا الوجه يدل أيضاً من جهة النظر على أن رواية: (أولاهن) هي الأقوى، وبذلك يزول الإشكال والاضطراب عن موضع التتريب، ويكون التتريب مطلوباً في الغسلة الأولى أو في المرة الأولى.
حكم الغسلة الثامنة للإناء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة الرابعة: هي حكم الغسلة الثامنة، فقد ورد في حديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وعفروه الثامنة بالتراب )، وهذا مخالف لحديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) في الاقتصار على سبع غسلات إحداهن بالتراب، فذهب الحسن البصري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000027&spid=157) والإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في رواية حرب الكرماني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005966&spid=157) عنه إلى وجوب الغسلة الثامنة، وذهب جمهور العلماء إلى جواز الاقتصار على سبع غسلات إحداهن بالتراب، وما ذهب إليه جمهور العلماء قول قوي، خاصة إذا تصورنا أنه يمكن أن يعفر الإناء بالتراب بغير ماء في البداية، فهذه تعفير بالتراب وتصديق لحديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) : ( وعفروه الثامنة بالتراب )، ثم نغسله سبعاً بالماء، ويكون هذا تصديقاً لحديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) وابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) في الغسل سبعاً, فبذلك يكون في هذا العمل جمع بين حديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) وحديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، يعني: يكون فيه جمع بين الأمر بالغسل سبعاً وبين التعفير الثامنة بالتراب، ولا يلزم أن يقال: يجب أن يغسل ثمان غسلات بالماء.
إذاً: ذهب جماهير أهل العلم إلى وجوب الغسل سبعاً، لحديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) وابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وسبقا: ( فليغسله سبعاً )، وذهب الحسن البصري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000027&spid=157) والإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في رواية حرب الكرماني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005966&spid=157) عنه إلى أنه يجب أن يغسل الإناء ثمان غسلات إحداهن بالتراب.
ما دليلهم؟ قالوا: الدليل حديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) في صحيح مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) : ( فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب )، فهذا دليل على عدم الاقتصار على سبع، بل على ثمان، قالوا: وحديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) فيه زيادة غسله، فيجب الأخذ بها؛ لأننا إذا غسلنا الإناء ثمان غسلات نكون أخذنا بحديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157)، كذا؟ ونكون أخذنا بحديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) في الغسل سبعاً، فيكون في هذا عمل بكلا الحديثين، كيف نجمع بين هاتين الروايتين؟ يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن الأصل الاقتصار على سبع، والتعفير بالتراب واقع، ويتصور هذا في المثال التالي: لو ولغ كلب في إناء فأهرقنا هذا الماء الموجود في الإناء، ثم أتينا بتراب فعفرنا فيه الإناء وفركناه على جوانبه، ثم أزلنا التراب، نكون الآن عفرنا الإناء بالتراب أم لا؟ عفرناه بالتراب، ثم غسلنا الإناء سبع غسلات بالماء، بذلك نكون عملنا بكلا الحديثين، عفرناه بالتراب، وغسلناه سبع غسلات بالماء، وأظن هذا ظاهراً.
فهذا المثال الذي ضربته يوضح حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157)، وأنه يمكن أن يعفر بالتراب مرة بدون ماء ثم يغسل بالماء سبعاً، فيكون عفر بالتراب وغسل بالماء، فإذا كان هذا كافياً ومجزئاً، فلو عفر بالتراب ثم وضع معه الماء قبل أن يزال من الإناء مثلاً صار تعفيراً بالتراب وسبع غسلات، وكل الأحاديث معمول بها في مثل هذه الحال، ففي مثل هذا الأمر يتبين أنه ليس هناك فرق كبير بين هذه الروايات.
حكم الغسلات السبع للإناء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة الثالثة: هي حكم الغسلات السبع، وقد سبق في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فليغسله سبعاً ) وهذا المعنى ورد في أحاديث أخرى كحديث عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) الذي رواه ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) ؛ الأمر بالغسل سبعاً، وورد أيضاً في حديث عن علي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000004&spid=157) عند الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) ولكنه ضعيف جداً، فيه الجارود بن أبي يزيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005965&spid=157) وهو متروك الحديث . المهم أن الأمر بالغسل سبعاً ثابت في الصحيحين وغيرهما ثبوتاً لا شك فيه، وقد رواه البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) أيضاً من حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) : ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، ورواه مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) في الموطأ وغيره، فما حكم الغسلات السبع؟ ذهب أكثر أهل العلم؛ المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية إلى وجوب الغسلات السبع كلها عملاً بظاهر الحديث، وذهب الحنفية إلى أن الأمر للاستحباب لا للوجوب، قالوا: فلو غسله أقل من سبع؛ غسلتين أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك أو أقل من ذلك فإن هذا كاف في التطهير، ولا يجب أن يغسله سبع مرات. وبم استدل الأحناف على قولهم هذا؟ وكيف أجابوا عن الحديث؟ استدلوا بأدلة وقياسات، قالوا: أولاً قياساً على سائر النجاسات؛ لأن من المعروف أن التسبيع -يعني: الغسل سبعاً- لا يجب في سائر النجاسات، لا في البول ولا في الغائط ولا في غيرهما، قالوا: فلعاب الكلب وإن كان نجساً إلا أنه ليس أغلظ نجاسة منها فيقاس عليها، وماذا يمكن أن يقال في هذا القياس؟ ماذا نقول في هذا القياس؟ هذا القياس يسمى عند الأصوليين قياساً فاسد الاعتبار، فالقياس فاسد الاعتبار عند الأصوليين هو القياس في مقابلة النص، فهذا قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار، وقد سبق له أمثلة غير هذا. واحتج الأحناف أيضاً على القول بعدم وجوب التسبيع؛ بما رواه الطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157) وغيره عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه: أنه سئل عن الإناء الذي ولغ فيه الكلب، فأفتى بغسله ثلاثاً، وصحح العلماء هذه الرواية، قال الأحناف: فحسن الظن بـأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه يقتضي أن نقول: إن الأمر بالغسل سبعاً ليس بواجب، ولذلك أفتى أبو هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) بالغسل ثلاثاً، فكأنهم يقدمون ما رأى على ما روى، وما معنى كونهم يقدمون ما رأى على ما روى؟ يعني: قدموا رأيه على روايته، والراجح عند عامة العلماء والأصوليين تقديم الرواية على الرأي؛ لأن الرأي يخطئ ويصيب، أما الرواية فهي نقل عن المعصوم، فالراجح أن تقدم الرواية على الرأي، فهذا جواب على استدلالهم بفتوى أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) أن يقال: إن الحجة فيما روى لا فيما رأى. والجواب الثاني على استدلالهم بذلك أيضاً أن يقال: ثبت عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) أنه أفتى بالغسل سبعاً في روايات عديدة صحيحة، وهذه الروايات الثابتة عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) بالغسل سبعاً أرجح من رواية الغسل ثلاثاً، من وجهين: أحدهما: أنها توافق ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنها أثبت وأصح من حيث الإسناد، فالأخذ بها أولى وأرجح. الجواب الثالث أن يقال: على فرض ثبوت ذلك وصحته عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وعدم وجود ما يعارضه، فلعل أبا هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه نسي ما روى، أو لعله رأى أن الأمر في ذلك للاستحباب لا للوجوب، وهذا كله لا يبطل ما رواه رضي الله عنه. الوجه الرابع في الجواب على استدلالهم هو أن يقال: إن الأمر بالتسبيع ورد عن غير طريق أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، فهبوا أن حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) لم يعمل به؛ لأنه أفتى بخلافه، فما ظنكم بغيره من الأحاديث مثل حديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وقد سبق، وسيأتي حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) في المسألة التي بعد هذه، فعلى فرض أن حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) لم يعمل به لأنه خالفه، تبقى الأحاديث الأخرى لم يوجد ما يمنع من العمل بها.
هذا هو الوجه الثاني أو الدليل الثاني للأحناف: أن أبا هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) أفتى بغير ما روى. الدليل الثالث عندهم وهو أقرب أن يكون جواباً على استدلال الجمهور، قالوا: إن الأمر بالتسبيع كان عند الأمر بقتل الكلاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة أمر بقتل الكلاب، قالوا: فكان الأمر بغسل الإناء سبعاً إذا ولغ فيها الكلب عند الأمر بقتل الكلاب، فلما نسخ الأمر بقتل الكلاب نسخ الأمر بالتسبيع، وهذا يجاب عليه أيضاً من وجوه: منها: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب كان له سبب، وهو أن جبريل تأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الوحي عليه، ثم جاءه فسأله فقال: إنه يمنعني أن آتيك جرو كلب ميت تحت سريرك، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجرو ثم أمر بقتل الكلاب، فالأمر بقتل الكلاب ليس له علاقة ظاهرة بموضوع نجاستها أو غيره. الجواب الثاني وهو قوي، أن يقال: إن حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) رضي الله عنه؛ الذي رواه مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) في صحيحه يدل على عدم صحة ما ادعوه، وحديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) رضي الله عنه قال: ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ثم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب )، فهذا دليل صريح على أن الأمر بالتسبيع كان بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب.
والحديث في مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157)، وهو نص في محل النزاع كما يقال. هذه أهم أدلة الأحناف في عدم القول بالتسبيع، وبذلك تبين أن القول الصحيح ما عليه الجمهور من وجوب غسل الإناء سبعاً إذا ولغ فيه الكلب.
حكم إراقة ما ولغ فيه الكلب
لمسألة الثانية: هي حكم الإراقة، فقد مر خلال القراءة أن مسلماً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) رحمه الله روى في صحيحه زيادة: (فليرقه) وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الماء، فهل يدل هذا على وجوب إراقة ما ولغ فيه الكلب أم لا؟ ذهب جمهور العلماء ومنهم أكثر الشافعية إلى أن الأمر بالإراقة للاستحباب، وأنه لا يجب إراقة الماء على الفور وذلك قياساً على سائر النجاسات، قالوا: وإنما يريقه إذا أراد أن يستعمل الإناء الذي ولغ فيه الكلب؛ فإنه يريقه ثم يغسله كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلو أبقاه قبل أن يستعمله لم يأثم بذلك، وهذا كما سبق قياساً منهم على سائر النجاسات، وبعضهم أعلوا زيادة: (فليرقه) فقالوا: إن ابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وغيرهم قالوا: إن هذه الزيادة تفرد بها علي بن مسهر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005967&spid=157) عن الأعمش (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000152&spid=157) عن أبي صالح (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002696&spid=157) وأبي رزين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005397&spid=157) عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، ولم يوافقه عليها بقية الرواة، فكأنهم يحكمون عليها بالشذوذ حينئذ؛ لأن علي بن مسهر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005967&spid=157) تفرد بها عن الأعمش (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000152&spid=157) عن أبي رزين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005397&spid=157) وأبي صالح (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002696&spid=157) عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وقد قال بهذا النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وحمزة الكناني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005400&spid=157) وابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) والدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) وغيره، ولكن الرواية ثابتة وهي زيادة ثقة ولذلك خرجها الإمام مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) في صحيحه . أما القول الثاني في حكم الإراقة فهو قول بعض الشافعية والظاهرية بأن الإراقة تجب فوراً، وذلك لظاهر الحديث وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإراقة، ولو تأملت المسألة لوجدت أن كلا الطرفين قد عمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فحتى الذين تركوا الإناء ثم أراقوا الماء قبل استعماله -أراقوه ليغسلوه سبعاً- قد امثلوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالإراقة، ولذلك فالقولان ليسا بعيدين من بعضهما، ولو أخر إراقته فلعل ذلك واسعاً إن شاء الله، ولو أراقه في الحال لكان هذا أقوى في متابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
مسألة: هل الكلب طاهر أم نجس؟
الحديث فيه ثمان مسائل، لعل الوقت إن شاء الله يكون كافياً للمرور عليها. المسألة الأولى: هي: هل الكلب طاهر أم نجس؟ هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال: الأول: قالوا: إن الكلب طاهر كله حتى ريقه، وهذه رواية مشهورة عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) رحمه الله، واستدلوا بأدلة منها: قول الله تبارك وتعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:4]، قالوا: فكون صيد الكلب يجوز أكله، ولم يرد نص في وجوب غسله مع أنه يصيبه شيء من لعاب الكلب، هذا دليل على أنه ليس بنجس. واستدلوا أيضاً بدليل آخر، وهو ما رواه البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) عن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنه قال: (كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يرشون شيئاً من ذلك)، فهذا دليل عندهم على طهارة لعابه. قالوا: وأما ما ورد من الأمر بالغسل والتسبيع فهو يحمل عند المالكية على أحد وجهين: إما أن يكون هذا الأمر للتعبد، والتعبد هو أن تكون العلة غير معقولة المعنى، لا يدرى ما هي، لا ندري لماذا أمرنا الله؛ لأن الله عز وجل يحكم ما يشاء ولا معقب لحكمه، والعبيد يمتثلون أمر الله تبارك وتعالى ولو لم يعقلوا العلة أو يعرفوها، فقالوا: إن العلة في الأمر بالغسل للتعبد وليست للنجاسة، بدليل أن هناك أشياء أشد نجاسة من لعاب الكلب، بل حتى بول الكلب قالوا: لم يرد الأمر بالتسبيع في غسله. وبعض المالكية -وهذا نقله ابن رشد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004737&spid=157) صاحب بداية المجتهد عن جده- زعم أن الأمر بالغسل سبعاً مخصوص بالكلب الكَلِبْ، وما هو الكلب الكَلِبْ؟ هو الكلب المسعور؛ وذلك لأنه يؤثر في الإنسان إذا شرب من سؤره، وينقل عدوى السعار إلى الإنسان نفسه، ولكن هذا ليس عليه دليل، فهذا هو القول الأول: أن الكلب طاهر كله حتى لعابه. القول الثاني: أن الكلب نجس كله حتى شعره، وهذا مذهب الإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) ورواية عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمهما الله، أنه نجس كله حتى شعره، واستدلوا بحديث الباب. القول الثالث: التفصيل، فقالوا: لعاب الكلب نجس وشعره طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157)، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) واختارها بعض أصحابه، وقال ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله: وهذا أصح الأقوال. فأما كون اللعاب نجساً فلحديث الباب، ومن أصرح الألفاظ فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم ) فهذا دليل على أن الإناء ماذا حدث له بالولوغ؟ حدث له نجاسة، فإزالة هذه النجاسة وتطهيرها يكون بالغسل، فهذا دليل على أن سؤر الكلب ينجس بالولوغ، أي: أن لعاب الكلب نجس. أما شعره؛ فقد قال الشيخ ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله: إن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن جميع الشعر والريش والوبر والصوف طاهر، سواء كان على جلد ما يؤكل لحمه أو على جلد ما لا يؤكل لحمه، وسواء كان على حي أو على ميت، فالشعر والريش والصوف والوبر طاهر أبداً على الحيوان المأكول وغير المأكول، الحي والميت؛ وذلك لأنه ليس فيه نصوص تدل على نجاسته، ولو كان نجساً لنقل ذلك، ولكان من شأن الصحابة رضي الله عنهم التوقي والحذر منه، مع أن هذه الأشياء يستوي فيها أن تكون على حي أو ميت؛ لأن ليس فيها حياة حقيقية، فهي ليست كاللحم مثلاً أو الدم، بل وليست كالعظام والأسنان التي تختلف في حال الموت عنها في حال الحياة. فهذا القول الوسط هو أقوى الأقوال وأقربها أن يقال بالتفصيل، وأن شعر الكلب وغيره من الحيوانات طاهر. أما ريقه ولعابه فهو نجس للنص الصريح في ذلك، هذه هي المسألة الأولى.
معاني ألفاظ حديث أبي هريرة في غسل الإناء سبعاً إذا ولغ فيه الكلب
له: (طهور) سبق في أول هذه الدروس بيان معنى كلمة (طُهور) بضم الطاء والفرق بينها وبين (طَهور) بفتح الطاء، فما الفرق بينهما؟ الطُّهور: بضم الطاء هو ما يتطهر به من ماء أو غيره، والطَّهور: هو فعل الطهارة نفسها، مثل الوَضوء والوُضوء والسَحور والسُحور وما أشبه ذلك، فقوله: (طهور) يجوز فيها الوجهان، يجوز أن تكون بمعنى الشيء الذي يطهر إناء أحدكم هو ما ذكر في الحديث، ويجوز أن يكون المعنى: تطهير إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات. ( إذا ولغ فيه الكلب ) الولوغ: من ولغ يلغ، وهو أن يدخل الكلب لسانه في الماء فيحركه فيه، سواء شرب أم لم يشرب من هذا الماء، فهذا يسمى ولوغاً، وقد يسمى أيضاً من غير الكلب ولوغاً، أما إذا كان ما في الإناء ليس من المائعات فإنه يقال له: لعق، فيقال: لعقه الكلب، أما إن كان الإناء فارغاً فيقال: لحسه، فهذا الفرق بين اللحس واللعق والولوغ . قوله في رواية مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157): (فليرقه) ما معناها؟ وفي لفظ له: (فليرقه)؟ يهريق، يهريق هي يريق، يعني نفس الفعل، يسكبه أو ينثره أو يصبه في الأرض.
طويلب علم مبتدئ
03 / 04 / 2013, 37 : 01 PM
الإسلام دين النظافة والطهارة، يظهر ذلك جلياً في أمره بها، وفي أمره بإزالة النجاسات عند التلبس بها ومخالطتها، ومن ذلك ما جاء من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الإناء سبع مرات إحداهن بالتراب إذا ولغ فيه الكلب، وإراقة ما كان في الإناء من ماء وغيره، وهناك أحكام كثيرة متعلقة بهذا الأمر ينبغي معرفتها لأهميتها.
ن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. ننتقل إلى الأحاديث الموجودة عندنا، فعندنا الآن حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) بروايتيه وحديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه. أما الحديث الأول وهو حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه فقد سبق شرحه؛ لأنه دليل لمن قالوا بجواز اغتسال الرجل بفضل المرأة، حيث اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم بفضل ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) . وقوله: ( كان يغتسل ) يدل على تكرر هذا الفعل، وأنه لم يقع منه صلى الله عليه وسلم مرة واحدة. أما الرواية الثانية للحديث وهي رواية أصحاب السنن الأربعة، وقد رواها معهم كما سبق أيضاً الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) في مستدركه وهي: ( أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اغتسلت في جفنة -والجفنة هي إناء كبير أكبر من القصعة- فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منها، فقالت: يا رسول الله! إني كنت جنباً، قال: إن الماء لا يجنب )، كلمة (لا يجنب) في ضبطها ثلاثة أوجه: الوجه الأول: (لا يجنب) بفتح الياء وضم النون، من هاهنا تكون مثل قولنا: كرم يكرم، فهي مشتقة من جنب يجنب، فهذا وجه بضم النون. الوجه الثاني: بفتح النون: ( إن الماء لا يجنب ) فهي مشتقة من جنب يجنب. الوجه الثالث: بكسر النون وضم الياء: (إن الماء لا يجنب).
وهاهنا تكون مشتقة من فعل رباعي وهو أجنب، أجنب يجنب. قول المصنف رحمه الله: (صححه الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) وابن خزيمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002801&spid=157) ) أيضاً صححه الحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157)، حيث رواه في مستدركه وقال: لا يحفظ له علة.
أما فيما يتعلق بمتن الحديث فقد سبق فيما مضى.
عندنا الحديث الثالث من هذه الأحاديث وهو حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب ) رواه مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) . وفي لفظ له: (فليرقه)، وللترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) : ( أخراهن أو أولاهن ).
حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة السادسة: هي حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب. عندنا ماء في إناء كبير وقعت فيه نجاسة، فما حكم هذا الماء؟ صورة هذه المسألة: أن عندنا ماء ولغ فيه كلب، فما حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب؟ هل نقول: إن هذا ماء لاقته نجاسة فينجس إن تغير؟ أم نقول: إن الأمر ورد بنجاسته في قوله: ( طهور إناء أحدكم ) والأمر بإراقته، فينبغي إراقته واعتباره نجساً؟ المسألة فيها أقوال، فقيل: إنه نجس، وهذا مذهب كثير من أهل العلم، قالوا: إنه نجس، ولا يجوز رفع الحدث به بعدما ولغ فيه الكلب، وحجتهم الأمر بإراقته، والأمر بغسل الإناء بعد ولوغ الكلب. القول الثاني: أنه طاهر وليس بنجس، وهذا قول الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157)؛ لأنه سبق أن الإمام مالكاً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) يقول: إن الكلب كله طاهر حتى ريقه، فبناءً على ذلك ما الذي نجس هذا الماء؟ لم ينجسه شيء، قالوا: وأما الأمر بالإراقة والأمر بالغسل فهو للتعبد كما سبق، وهذه الرواية المشهورة عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157). القول الثالث: هو التفصيل، وكيف يكون التفصيل؟ التفصيل يكون بأن تجعل هذه المسألة نظيرة للمسألة السابقة، فيقال: سؤر الكلب نجس كما سبق أنه هو الراجح، فهذه نجاسة لاقت الماء، فإن تغير بها الماء تنجس، وهل يتغير الماء من لعاب الكلب؟ من نعمة الله علينا أننا لا نقرب الكلاب ولا نعرف شأنها، لكن الذي ذكره عدد من أهل العلم: أن لعاب الكلب فيه لزوجة يظهر أثرها في الماء. وذكر بعض العلماء: أن لفم الكلب رائحة قد تظهر في الإناء أو في الماء، وقد يكون في فم الكلب بقايا وفضلات وأشياء أيضاً تظهر في الماء. فهذه أمثلة تدل على أنه قد يتغير الماء من ولوغ الكلب فيه، فإذا تغير فنجاسته ظاهرة حينئذ؛ لأنه ماء تغير بنجاسة، سواءً كان قليلاً أم كثيراً، أما إذا لم يتغير فالقول بنجاسته مشكل. ولكن لو تأملنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه قيد الحديث بقوله: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم )، إناء أحدنا غالباً إناء صغير، يستعمله الواحد منا للشرب أو للوضوء أو لما أشبه ذلك، وهو في الغالب إناء صغير، ومثل هذا الإناء الماء الذي فيه أيضاً قليل، فإذا ولغ الكلب فيه فالغالب عليه أن يتغير بالولوغ، وربما كان الأمر بإراقته في مثل هذه الحال أيسر على المكلفين من أن يقال: انظروا، فإن تغير فأريقوه، وإن لم يتغير فلا تريقوه، لماذا؟ ؟ لأنه كما سبق أن لعاب الكلب التغير فيه ليس ظاهراً كغيره من النجاسات، فربما يحتاج الأمر إلى معرفة التغير إلى اجتهاد من الإنسان وربما يشق عليه ذلك، وقد يؤدي إلى نوع من الوسوسة، فإغلاق الباب في مثل هذه الحال والأمر بإراقة الماء وغسل الإناء -إذا كان إناء أحدنا والغالب أنه صغير والماء الذي فيه قليل- هذا الفعل أولى من أن يقال: انظر فيه فإن تغير فأرقه، وإن لم يتغير فلا ترقه. والحجة في ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، وفي لفظ: ( فليرقه ) كما سبق.
فهذا القول والله أعلم فيه اعتدال، وفيه اطراد أيضاً، فيه اطراد مع القاعدة التي سبق تقريرها، وهي: أن ما تغير بالنجاسة فهو نجس، وما لم يتغير فهو باق على أصله، وفي الوقت نفسه فيها عمل بحديث الباب وليس فيها طرح له، هذا ما يظهر في موضوع حكم الماء الذي ولغ فيه الكلب.
هل تقاس سائر النجاسات على لعاب الكلب؟
المسألة السابعة: هل تقاس سائر النجاسات على لعاب الكلب؟ أكثر أهل العلم على عدم القياس، فقالوا في سائر النجاسات: أنه يجزئ فيها ذهاب أثرها وغسل محلها، ولا يلزم من ذلك التعدد، وذهب الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في رواية عنه إلى وجوب الغسل سبعاً لكل نجاسة، سواء كانت على الثوب أو غيره، سواء كانت بولاً أو غيره. وهذه المسألة مرت معكم في درس الفقه، والظاهر أن الأقرب هو قول الجمهور في عدم اشتراط عدد معين لإزالة النجاسة، بل كل ما أزال النجاسة وطهر المحل كفى، إلا أنه قد ورد النص الصريح الصحيح في موضوع الاستجمار، أنه لا يجزئ فيه أقل من ثلاثة أحجار، فقد روى مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) في صحيحه عن سلمان الفارسي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000066&spid=157) رضي الله عنه: ( أن مشركاً قال له: علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة -يعني: حتى طريقة قضاء الحاجة- قال سلمان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000066&spid=157) رضي الله عنه: أجل، لقد أمرنا ألا نستنجي برجيع ولا عظم، وألا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار )، وهذا الشاهد: ( وألا نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار )
قياس الخنزير على الكلب من حيث النجاسة وتطهيرها
المسألة الأخيرة: هل يقاس الخنزير على الكلب في هذه الأحكام أم لا؟ أيضاً أكثر أهل العلم على عدم القياس، وقالوا: إن النص ورد في الكلب خاصة، فلا يقاس عليه غيره، بدليل أن هناك نجاسات مغلظة ولا تقاس على الكلب. إذاً القول الأول: عدم القياس، وهو مذهب أكثر أهل العلم.
وذهب بعض الشافعية إلى قياس الخنزير على الكلب، قالوا: لأن نجاسة الخنزير مغلظة، وهي عندهم -عند من قال بذلك- أغلظ من نجاسة الكلب، وأيضا قالوا: إنه قد وصف في القرآن بأنه رجس: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنعام:145]. ويجاب عن هذا بأن وصفه بأنه رجس ورد في مورد تحريم أكله، http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنعام:145]، وقد ورد في الصحيحين -كما سيأتي إن شاء الله في درس قادم- : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وقال: إنها رجس )، ومع ذلك لم يقتض هذا أن يكون سؤرها نجساً، وأن يؤمر بغسل الإناء وتسبيعه وتتريبه منها، فدل على أن كونه رجساً لا يعني أنه يقاس على الكلب في وجوب الغسل سبعاً.
حكم التتريب للإناء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة الخامسة: هي حكم التتريب، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن تكون إحدى الغسلات بالتراب، كما في حديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وأمر أن يعفر الثامنة بالتراب كما في حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157)، فهل يجب التتريب أم لا؟ في هذه المسألة رأيان للفقهاء: ذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوب التتريب، عملاً بالأدلة والأحاديث السابقة وهي صريحة في ذلك. وذهب المالكية والأحناف إلى عدم وجوب التتريب، فأما الأحناف فقد سبق أنهم حملوا الأمر كله على الندب والاستحباب لا على الوجوب؛ للأدلة السابقة.
أما المالكية فقد علمتم أنهم يرون وجوب التسبيع..
وجوب الغسل سبعاً، ولكنهم لا يرون وجوب التتريب؛ وذلك لأن الإمام مالكاً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) لم يرو زيادة التتريب في موطئه، فروايته كرواية الإمام البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) : ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، ولم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بأن يكون شيئاً منها بالتراب، ولذلك لم يقل الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) بوجوب التتريب، كما أن بعض من قالوا بعدم وجوب التتريب قالوا: إن رواية التتريب مضطربة.
كيف تكون الرواية مضطربة؟ رواية التتريب لماذا هي مضطربة؟ قالوا: لأن في بعض الروايات: (أولاهن)، وفي بعضها: (أخراهن)، وفي بعضها: (إحداهن) وفي بعضها: (الثامنة)، وفي بعضها: (أولاهن أو إحداهن) وما أشبه ذلك، قالوا: فهذا الاضطراب يوجب طرح رواية التتريب وعدم الأخذ بها.
وكيف نجيب على هذا؟ يجاب عليه أولاً أن يقال: إن القول بوجوب التتريب أقوى؛ لصراحة الأحاديث في ذلك، ثم يقال: إن ما ورد من الاضطراب في موضع التتريب يمكن الجواب عليه، فأما قوله: (إحداهن) فهي رواية مجملة أو مطلقة تحمل على أحد الروايات المقيدة، تحمل على قوله: (الأولى) أو (أولاهن) أليست أولاهن هي إحداهن؟ هي إحداهن، فتحمل رواية إحداهن على أولاهن، أما رواية أولاهن أو أخراهن أو غيرها فترجح رواية أولاهن أيضاً عليها. رواية أولاهن من وجهين، ترجح رواية: (أولاهن) من وجهين: الوجه الأول: لأنها أصح وأقوى إسناداً وأكثر رواة، فهي أثبت من حيث النقل، رواية (أولاهن). الوجه الثاني ما هو؟ نعم يا أخي.
مداخلة: أن التتريب بالتراب يجب أن يتبعه غسل بالماء. الشيخ: نعم.
أن الغسل بالتراب لو كانت هي الأخيرة هي السابعة أو الثامنة لكان ينبغي أن تتبعها غسلة بعدها لإزالة التراب.
فهذا الوجه يدل أيضاً من جهة النظر على أن رواية: (أولاهن) هي الأقوى، وبذلك يزول الإشكال والاضطراب عن موضع التتريب، ويكون التتريب مطلوباً في الغسلة الأولى أو في المرة الأولى.
حكم الغسلة الثامنة للإناء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة الرابعة: هي حكم الغسلة الثامنة، فقد ورد في حديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( وعفروه الثامنة بالتراب )، وهذا مخالف لحديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) في الاقتصار على سبع غسلات إحداهن بالتراب، فذهب الحسن البصري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000027&spid=157) والإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في رواية حرب الكرماني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005966&spid=157) عنه إلى وجوب الغسلة الثامنة، وذهب جمهور العلماء إلى جواز الاقتصار على سبع غسلات إحداهن بالتراب، وما ذهب إليه جمهور العلماء قول قوي، خاصة إذا تصورنا أنه يمكن أن يعفر الإناء بالتراب بغير ماء في البداية، فهذه تعفير بالتراب وتصديق لحديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) : ( وعفروه الثامنة بالتراب )، ثم نغسله سبعاً بالماء، ويكون هذا تصديقاً لحديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) وابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) في الغسل سبعاً, فبذلك يكون في هذا العمل جمع بين حديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) وحديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، يعني: يكون فيه جمع بين الأمر بالغسل سبعاً وبين التعفير الثامنة بالتراب، ولا يلزم أن يقال: يجب أن يغسل ثمان غسلات بالماء.
إذاً: ذهب جماهير أهل العلم إلى وجوب الغسل سبعاً، لحديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) وابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وسبقا: ( فليغسله سبعاً )، وذهب الحسن البصري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000027&spid=157) والإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في رواية حرب الكرماني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005966&spid=157) عنه إلى أنه يجب أن يغسل الإناء ثمان غسلات إحداهن بالتراب.
ما دليلهم؟ قالوا: الدليل حديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) في صحيح مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) : ( فاغسلوه سبعاً وعفروه الثامنة بالتراب )، فهذا دليل على عدم الاقتصار على سبع، بل على ثمان، قالوا: وحديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) فيه زيادة غسله، فيجب الأخذ بها؛ لأننا إذا غسلنا الإناء ثمان غسلات نكون أخذنا بحديث ابن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157)، كذا؟ ونكون أخذنا بحديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) في الغسل سبعاً، فيكون في هذا عمل بكلا الحديثين، كيف نجمع بين هاتين الروايتين؟ يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إن الأصل الاقتصار على سبع، والتعفير بالتراب واقع، ويتصور هذا في المثال التالي: لو ولغ كلب في إناء فأهرقنا هذا الماء الموجود في الإناء، ثم أتينا بتراب فعفرنا فيه الإناء وفركناه على جوانبه، ثم أزلنا التراب، نكون الآن عفرنا الإناء بالتراب أم لا؟ عفرناه بالتراب، ثم غسلنا الإناء سبع غسلات بالماء، بذلك نكون عملنا بكلا الحديثين، عفرناه بالتراب، وغسلناه سبع غسلات بالماء، وأظن هذا ظاهراً.
فهذا المثال الذي ضربته يوضح حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157)، وأنه يمكن أن يعفر بالتراب مرة بدون ماء ثم يغسل بالماء سبعاً، فيكون عفر بالتراب وغسل بالماء، فإذا كان هذا كافياً ومجزئاً، فلو عفر بالتراب ثم وضع معه الماء قبل أن يزال من الإناء مثلاً صار تعفيراً بالتراب وسبع غسلات، وكل الأحاديث معمول بها في مثل هذه الحال، ففي مثل هذا الأمر يتبين أنه ليس هناك فرق كبير بين هذه الروايات.
حكم الغسلات السبع للإناء الذي ولغ فيه الكلب
المسألة الثالثة: هي حكم الغسلات السبع، وقد سبق في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فليغسله سبعاً ) وهذا المعنى ورد في أحاديث أخرى كحديث عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) الذي رواه ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) ؛ الأمر بالغسل سبعاً، وورد أيضاً في حديث عن علي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000004&spid=157) عند الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) ولكنه ضعيف جداً، فيه الجارود بن أبي يزيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005965&spid=157) وهو متروك الحديث . المهم أن الأمر بالغسل سبعاً ثابت في الصحيحين وغيرهما ثبوتاً لا شك فيه، وقد رواه البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) أيضاً من حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) : ( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً )، ورواه مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) في الموطأ وغيره، فما حكم الغسلات السبع؟ ذهب أكثر أهل العلم؛ المالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية إلى وجوب الغسلات السبع كلها عملاً بظاهر الحديث، وذهب الحنفية إلى أن الأمر للاستحباب لا للوجوب، قالوا: فلو غسله أقل من سبع؛ غسلتين أو ثلاثاً أو أكثر من ذلك أو أقل من ذلك فإن هذا كاف في التطهير، ولا يجب أن يغسله سبع مرات. وبم استدل الأحناف على قولهم هذا؟ وكيف أجابوا عن الحديث؟ استدلوا بأدلة وقياسات، قالوا: أولاً قياساً على سائر النجاسات؛ لأن من المعروف أن التسبيع -يعني: الغسل سبعاً- لا يجب في سائر النجاسات، لا في البول ولا في الغائط ولا في غيرهما، قالوا: فلعاب الكلب وإن كان نجساً إلا أنه ليس أغلظ نجاسة منها فيقاس عليها، وماذا يمكن أن يقال في هذا القياس؟ ماذا نقول في هذا القياس؟ هذا القياس يسمى عند الأصوليين قياساً فاسد الاعتبار، فالقياس فاسد الاعتبار عند الأصوليين هو القياس في مقابلة النص، فهذا قياس في مقابلة النص فهو فاسد الاعتبار، وقد سبق له أمثلة غير هذا. واحتج الأحناف أيضاً على القول بعدم وجوب التسبيع؛ بما رواه الطحاوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001335&spid=157) وغيره عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه: أنه سئل عن الإناء الذي ولغ فيه الكلب، فأفتى بغسله ثلاثاً، وصحح العلماء هذه الرواية، قال الأحناف: فحسن الظن بـأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه يقتضي أن نقول: إن الأمر بالغسل سبعاً ليس بواجب، ولذلك أفتى أبو هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) بالغسل ثلاثاً، فكأنهم يقدمون ما رأى على ما روى، وما معنى كونهم يقدمون ما رأى على ما روى؟ يعني: قدموا رأيه على روايته، والراجح عند عامة العلماء والأصوليين تقديم الرواية على الرأي؛ لأن الرأي يخطئ ويصيب، أما الرواية فهي نقل عن المعصوم، فالراجح أن تقدم الرواية على الرأي، فهذا جواب على استدلالهم بفتوى أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) أن يقال: إن الحجة فيما روى لا فيما رأى. والجواب الثاني على استدلالهم بذلك أيضاً أن يقال: ثبت عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) أنه أفتى بالغسل سبعاً في روايات عديدة صحيحة، وهذه الروايات الثابتة عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) بالغسل سبعاً أرجح من رواية الغسل ثلاثاً، من وجهين: أحدهما: أنها توافق ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم. والثاني: أنها أثبت وأصح من حيث الإسناد، فالأخذ بها أولى وأرجح. الجواب الثالث أن يقال: على فرض ثبوت ذلك وصحته عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وعدم وجود ما يعارضه، فلعل أبا هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه نسي ما روى، أو لعله رأى أن الأمر في ذلك للاستحباب لا للوجوب، وهذا كله لا يبطل ما رواه رضي الله عنه. الوجه الرابع في الجواب على استدلالهم هو أن يقال: إن الأمر بالتسبيع ورد عن غير طريق أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، فهبوا أن حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) لم يعمل به؛ لأنه أفتى بخلافه، فما ظنكم بغيره من الأحاديث مثل حديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وقد سبق، وسيأتي حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) في المسألة التي بعد هذه، فعلى فرض أن حديث أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) لم يعمل به لأنه خالفه، تبقى الأحاديث الأخرى لم يوجد ما يمنع من العمل بها.
هذا هو الوجه الثاني أو الدليل الثاني للأحناف: أن أبا هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) أفتى بغير ما روى. الدليل الثالث عندهم وهو أقرب أن يكون جواباً على استدلال الجمهور، قالوا: إن الأمر بالتسبيع كان عند الأمر بقتل الكلاب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة أمر بقتل الكلاب، قالوا: فكان الأمر بغسل الإناء سبعاً إذا ولغ فيها الكلب عند الأمر بقتل الكلاب، فلما نسخ الأمر بقتل الكلاب نسخ الأمر بالتسبيع، وهذا يجاب عليه أيضاً من وجوه: منها: أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب كان له سبب، وهو أن جبريل تأخر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الوحي عليه، ثم جاءه فسأله فقال: إنه يمنعني أن آتيك جرو كلب ميت تحت سريرك، فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجرو ثم أمر بقتل الكلاب، فالأمر بقتل الكلاب ليس له علاقة ظاهرة بموضوع نجاستها أو غيره. الجواب الثاني وهو قوي، أن يقال: إن حديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) رضي الله عنه؛ الذي رواه مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) في صحيحه يدل على عدم صحة ما ادعوه، وحديث عبد الله بن مغفل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005878&spid=157) رضي الله عنه قال: ( أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالهم وبال الكلاب، ثم قال: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعاً، وعفروه الثامنة بالتراب )، فهذا دليل صريح على أن الأمر بالتسبيع كان بعد نسخ الأمر بقتل الكلاب.
والحديث في مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157)، وهو نص في محل النزاع كما يقال. هذه أهم أدلة الأحناف في عدم القول بالتسبيع، وبذلك تبين أن القول الصحيح ما عليه الجمهور من وجوب غسل الإناء سبعاً إذا ولغ فيه الكلب.
حكم إراقة ما ولغ فيه الكلب
لمسألة الثانية: هي حكم الإراقة، فقد مر خلال القراءة أن مسلماً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) رحمه الله روى في صحيحه زيادة: (فليرقه) وهذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم بإراقة الماء، فهل يدل هذا على وجوب إراقة ما ولغ فيه الكلب أم لا؟ ذهب جمهور العلماء ومنهم أكثر الشافعية إلى أن الأمر بالإراقة للاستحباب، وأنه لا يجب إراقة الماء على الفور وذلك قياساً على سائر النجاسات، قالوا: وإنما يريقه إذا أراد أن يستعمل الإناء الذي ولغ فيه الكلب؛ فإنه يريقه ثم يغسله كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلو أبقاه قبل أن يستعمله لم يأثم بذلك، وهذا كما سبق قياساً منهم على سائر النجاسات، وبعضهم أعلوا زيادة: (فليرقه) فقالوا: إن ابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وغيرهم قالوا: إن هذه الزيادة تفرد بها علي بن مسهر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005967&spid=157) عن الأعمش (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000152&spid=157) عن أبي صالح (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002696&spid=157) وأبي رزين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005397&spid=157) عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، ولم يوافقه عليها بقية الرواة، فكأنهم يحكمون عليها بالشذوذ حينئذ؛ لأن علي بن مسهر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005967&spid=157) تفرد بها عن الأعمش (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000152&spid=157) عن أبي رزين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005397&spid=157) وأبي صالح (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002696&spid=157) عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157)، وقد قال بهذا النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وحمزة الكناني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005400&spid=157) وابن منده (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) والدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157) وغيره، ولكن الرواية ثابتة وهي زيادة ثقة ولذلك خرجها الإمام مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) في صحيحه . أما القول الثاني في حكم الإراقة فهو قول بعض الشافعية والظاهرية بأن الإراقة تجب فوراً، وذلك لظاهر الحديث وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإراقة، ولو تأملت المسألة لوجدت أن كلا الطرفين قد عمل بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فحتى الذين تركوا الإناء ثم أراقوا الماء قبل استعماله -أراقوه ليغسلوه سبعاً- قد امثلوا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالإراقة، ولذلك فالقولان ليسا بعيدين من بعضهما، ولو أخر إراقته فلعل ذلك واسعاً إن شاء الله، ولو أراقه في الحال لكان هذا أقوى في متابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم
مسألة: هل الكلب طاهر أم نجس؟
الحديث فيه ثمان مسائل، لعل الوقت إن شاء الله يكون كافياً للمرور عليها. المسألة الأولى: هي: هل الكلب طاهر أم نجس؟ هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال: الأول: قالوا: إن الكلب طاهر كله حتى ريقه، وهذه رواية مشهورة عن الإمام مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) رحمه الله، واستدلوا بأدلة منها: قول الله تبارك وتعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:4]، قالوا: فكون صيد الكلب يجوز أكله، ولم يرد نص في وجوب غسله مع أنه يصيبه شيء من لعاب الكلب، هذا دليل على أنه ليس بنجس. واستدلوا أيضاً بدليل آخر، وهو ما رواه البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) عن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنه قال: (كانت الكلاب تقبل وتدبر في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يرشون شيئاً من ذلك)، فهذا دليل عندهم على طهارة لعابه. قالوا: وأما ما ورد من الأمر بالغسل والتسبيع فهو يحمل عند المالكية على أحد وجهين: إما أن يكون هذا الأمر للتعبد، والتعبد هو أن تكون العلة غير معقولة المعنى، لا يدرى ما هي، لا ندري لماذا أمرنا الله؛ لأن الله عز وجل يحكم ما يشاء ولا معقب لحكمه، والعبيد يمتثلون أمر الله تبارك وتعالى ولو لم يعقلوا العلة أو يعرفوها، فقالوا: إن العلة في الأمر بالغسل للتعبد وليست للنجاسة، بدليل أن هناك أشياء أشد نجاسة من لعاب الكلب، بل حتى بول الكلب قالوا: لم يرد الأمر بالتسبيع في غسله. وبعض المالكية -وهذا نقله ابن رشد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004737&spid=157) صاحب بداية المجتهد عن جده- زعم أن الأمر بالغسل سبعاً مخصوص بالكلب الكَلِبْ، وما هو الكلب الكَلِبْ؟ هو الكلب المسعور؛ وذلك لأنه يؤثر في الإنسان إذا شرب من سؤره، وينقل عدوى السعار إلى الإنسان نفسه، ولكن هذا ليس عليه دليل، فهذا هو القول الأول: أن الكلب طاهر كله حتى لعابه. القول الثاني: أن الكلب نجس كله حتى شعره، وهذا مذهب الإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) ورواية عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمهما الله، أنه نجس كله حتى شعره، واستدلوا بحديث الباب. القول الثالث: التفصيل، فقالوا: لعاب الكلب نجس وشعره طاهر، وهذا مذهب أبي حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157)، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) واختارها بعض أصحابه، وقال ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله: وهذا أصح الأقوال. فأما كون اللعاب نجساً فلحديث الباب، ومن أصرح الألفاظ فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( طهور إناء أحدكم ) فهذا دليل على أن الإناء ماذا حدث له بالولوغ؟ حدث له نجاسة، فإزالة هذه النجاسة وتطهيرها يكون بالغسل، فهذا دليل على أن سؤر الكلب ينجس بالولوغ، أي: أن لعاب الكلب نجس. أما شعره؛ فقد قال الشيخ ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله: إن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن جميع الشعر والريش والوبر والصوف طاهر، سواء كان على جلد ما يؤكل لحمه أو على جلد ما لا يؤكل لحمه، وسواء كان على حي أو على ميت، فالشعر والريش والصوف والوبر طاهر أبداً على الحيوان المأكول وغير المأكول، الحي والميت؛ وذلك لأنه ليس فيه نصوص تدل على نجاسته، ولو كان نجساً لنقل ذلك، ولكان من شأن الصحابة رضي الله عنهم التوقي والحذر منه، مع أن هذه الأشياء يستوي فيها أن تكون على حي أو ميت؛ لأن ليس فيها حياة حقيقية، فهي ليست كاللحم مثلاً أو الدم، بل وليست كالعظام والأسنان التي تختلف في حال الموت عنها في حال الحياة. فهذا القول الوسط هو أقوى الأقوال وأقربها أن يقال بالتفصيل، وأن شعر الكلب وغيره من الحيوانات طاهر. أما ريقه ولعابه فهو نجس للنص الصريح في ذلك، هذه هي المسألة الأولى.
معاني ألفاظ حديث أبي هريرة في غسل الإناء سبعاً إذا ولغ فيه الكلب
له: (طهور) سبق في أول هذه الدروس بيان معنى كلمة (طُهور) بضم الطاء والفرق بينها وبين (طَهور) بفتح الطاء، فما الفرق بينهما؟ الطُّهور: بضم الطاء هو ما يتطهر به من ماء أو غيره، والطَّهور: هو فعل الطهارة نفسها، مثل الوَضوء والوُضوء والسَحور والسُحور وما أشبه ذلك، فقوله: (طهور) يجوز فيها الوجهان، يجوز أن تكون بمعنى الشيء الذي يطهر إناء أحدكم هو ما ذكر في الحديث، ويجوز أن يكون المعنى: تطهير إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات. ( إذا ولغ فيه الكلب ) الولوغ: من ولغ يلغ، وهو أن يدخل الكلب لسانه في الماء فيحركه فيه، سواء شرب أم لم يشرب من هذا الماء، فهذا يسمى ولوغاً، وقد يسمى أيضاً من غير الكلب ولوغاً، أما إذا كان ما في الإناء ليس من المائعات فإنه يقال له: لعق، فيقال: لعقه الكلب، أما إن كان الإناء فارغاً فيقال: لحسه، فهذا الفرق بين اللحس واللعق والولوغ . قوله في رواية مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157): (فليرقه) ما معناها؟ وفي لفظ له: (فليرقه)؟ يهريق، يهريق هي يريق، يعني نفس الفعل، يسكبه أو ينثره أو يصبه في الأرض.
طويلب علم مبتدئ
06 / 04 / 2013, 46 : 12 PM
سؤر الهرة طاهر وليس نجساً كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علل هذا الحكم بأنها من الطوافين علينا، وأما بول الآدمي فهو نجس، فإذا وقع على البدن أو الثياب ونحوها وجب تطهيره وغسله بالماء حتى يزول أثره، وأما إذا وقع على الأرض فيكفي أن يصب عليه الماء صباً كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد.
سبب الحديث
أما سبب الحديث فقد ذكر المخرجون سببه، وهو: أن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة، فدخل عليها أبو قتادة فسكبت له ماء ليتوضأ منه، فجاءت الهرة فأصغى لها الإناء فشربت منه، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! قلت: نعم.
قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم ). زاد الترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم : ( والطوافات )، ( إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )، فهذا سبب سياق أبي قتادة رضي الله عنه للحديث.
حكم سؤر الهر
أما المسائل الفقهية في الحديث فهي: حكم سؤر الهر. ما حكم الماء القليل أو الكثير إذا ولغ فيه الهر أو شرب منه، هل ينجس بذلك أم لا ينجس؟ ذهب جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الثلاثة: مالك وأحمد والشافعي، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن سؤر الهر طاهر، يتوضأ به ويغتسل به، واستدلوا بأدلة، منها: حديث أبي قتادة وهو حديث الباب. وحديث عائشة.
وحديث جابر .
وحديث أنس بن مالك على طهارة سؤر الهر. أما القول الثاني فهو قول لـأبي حنيفة قال: إن سؤر الهر نجس، ولكن خفف فيه لعموم البلوى به فكره كراهة ..
خفف فيه فكره كراهة، واستدل أبو حنيفة على هذا القول بأدلة، منها: أولاً: ما رواه الطحاوي والدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يغسل الإناء من ولوغ الهر مرة أو مرتين )، فقال: هذا دليل على أن الإناء ينجس بولوغ الهر، ولكنه خفف فيه فكره؛ لكثرة ملابسته للناس، ووجوده في البيوت، وولوغه في الأواني، فهذا دليل له. واستدل أيضاً بما رواه أحمد والدارقطني والحاكم وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( السنور سبع )، والسنور هو الهر، قال: فهذا الحديث الذي صححه الحاكم وغيره يدل على أن حكم الهر حكم السباع، وقد سبق في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلات من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) وفي لفظ: ( لم ينجس ) فقالوا: لولا أن ورود السباع على الماء في الأصل ينجسه لما سئل عن ذلك، ولقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم إن السباع طاهرة، فلما قال: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) أو ( لم ينجس ) دل على أن آثار السباع خبث ونجس، ولكن إذا كان الماء كثيراً لم يتأثر بها ولم ينجس، فاستدل بحديث ( السنور سبع ) ثم بحديث: ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ).
كلام أهل العلم في الحديث
هذا الحديث أخرجه أيضاً غير الأربعة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيره، وصححه جمع من الأئمة، فممن صحح الحديث -أولاً- الترمذي، وهذا التصحيح نقله المصنف رحمه الله حيث قال: وصححه الترمذي .
فـالترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح، وقد جوده مالك، ولم يأت به أحد أتم منه، وهو أحسن شيء في الباب.
هذه كلمة الإمام الترمذي . وصححه أيضاً ابن خزيمة كما ذكر المصنف، وصححه ابن حبان، وصححه الحاكم، وصححه البخاري والعقيلي، والذهبي . فهؤلاء الأئمة حكموا على هذا الحديث بأنه حديث صحيح. وأعله آخرون من العلماء، فممن أعل الحديث: ابن مندة رحمه الله، أعل الحديث بعلتين: الأولى: أن في إسناده حميدة بنت عبيد بن رفاعة، وهي مجهولة كما يقول ابن مندة، حميدة بنت عبيد بن رفاعة . العلة الثانية: أن في إسناده كبشة بنت كعب بن مالك وهي أيضاً مجهولة كما يقول ابن مندة، وذلك أن إسناد الحديث: أن حميدة روت عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت كبشة هذه زوجة لـابن أبي قتادة -كانت تحت ابن أبي قتادة - كما سيرد في سبب الحديث، فأعل ابن مندة الحديث بعلتين: أولاهما: جهالة حميدة بنت عبيد، والثانية: جهالة كبشة بنت كعب بن مالك .
وقد أجاب العلماء عن هاتين العلتين: بأن حميدة وهي المذكورة في العلة الأولى ..
حميدة بنت عبيد أنها روت أحاديث غير هذا الحديث، لم تنفرد بهذا الحديث، وروى عنها ثقتان فارتفعت جهالتها. و هذه قاعدة: أن الراوي المجهول العين إذا روى عنه راويان ثقتان ارتفعت جهالة عينه . ولذلك قال الحافظ ابن حجر عن حميدة هذه: مقبولة، وما معنى مقبولة؟ يعني: يقبل حديثها؟ كذا؟ ما رأيكم؟ مقبولة؟ أظن مر معنا مثال آخر غير هذا.
المقبول -كما صرح في المقدمة- أي: حيث يتابع، قال: مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
فـ المقبول درجة من درجات التضعيف، وليست من درجات التوثيق، فإذا قيل في راو: مقبول، فهذا يعني أنه ضعيف، لكن ضعفه قابل للانجبار، فإذا جاء الحديث نفسه من طريق راو آخر قبل الحديث.
هذا اصطلاح للحافظ ابن حجر في كتابه: تقريب التهذيب . إذاً: تدفع العلة الأولى بعض الدفع لا كله، بأن يقال: إن حميدة روت أحاديث، وروى عنها ثقتان فارتفعت جهالتها، فبقيت مقبولة الحديث، لكنها تحتاج إلى من يتابعها في هذه الرواية. أما العلة الثانية وهي: جهالة كبشة بنت كعب بن مالك، فهي تدفع بأن يقال: إن كبشة هذه ذكرها بعض المصنفين في الصحابة، كـابن حبان، ومن المعلوم أن جهالة عين الصحابي لا تضر، مع أنها معروفة على هذا. فيندفع ما ذكر عنها من الجهالة، والحديث له طريق آخر غير هذا الطريق، ذكره الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار .
طويلب علم مبتدئ
06 / 04 / 2013, 47 : 12 PM
سؤر الهرة طاهر وليس نجساً كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد علل هذا الحكم بأنها من الطوافين علينا، وأما بول الآدمي فهو نجس، فإذا وقع على البدن أو الثياب ونحوها وجب تطهيره وغسله بالماء حتى يزول أثره، وأما إذا وقع على الأرض فيكفي أن يصب عليه الماء صباً كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي الذي بال في طائفة المسجد.
سبب الحديث
أما سبب الحديث فقد ذكر المخرجون سببه، وهو: أن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت ابن أبي قتادة، فدخل عليها أبو قتادة فسكبت له ماء ليتوضأ منه، فجاءت الهرة فأصغى لها الإناء فشربت منه، قالت كبشة : فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟! قلت: نعم.
قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم ). زاد الترمذي وأحمد وابن حبان وغيرهم : ( والطوافات )، ( إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )، فهذا سبب سياق أبي قتادة رضي الله عنه للحديث.
حكم سؤر الهر
أما المسائل الفقهية في الحديث فهي: حكم سؤر الهر. ما حكم الماء القليل أو الكثير إذا ولغ فيه الهر أو شرب منه، هل ينجس بذلك أم لا ينجس؟ ذهب جمهور أهل العلم بما فيهم الأئمة الثلاثة: مالك وأحمد والشافعي، وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية إلى أن سؤر الهر طاهر، يتوضأ به ويغتسل به، واستدلوا بأدلة، منها: حديث أبي قتادة وهو حديث الباب. وحديث عائشة.
وحديث جابر .
وحديث أنس بن مالك على طهارة سؤر الهر. أما القول الثاني فهو قول لـأبي حنيفة قال: إن سؤر الهر نجس، ولكن خفف فيه لعموم البلوى به فكره كراهة ..
خفف فيه فكره كراهة، واستدل أبو حنيفة على هذا القول بأدلة، منها: أولاً: ما رواه الطحاوي والدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يغسل الإناء من ولوغ الهر مرة أو مرتين )، فقال: هذا دليل على أن الإناء ينجس بولوغ الهر، ولكنه خفف فيه فكره؛ لكثرة ملابسته للناس، ووجوده في البيوت، وولوغه في الأواني، فهذا دليل له. واستدل أيضاً بما رواه أحمد والدارقطني والحاكم وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( السنور سبع )، والسنور هو الهر، قال: فهذا الحديث الذي صححه الحاكم وغيره يدل على أن حكم الهر حكم السباع، وقد سبق في حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء يكون بالفلات من الأرض، وما ينوبه من السباع والدواب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) وفي لفظ: ( لم ينجس ) فقالوا: لولا أن ورود السباع على الماء في الأصل ينجسه لما سئل عن ذلك، ولقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم إن السباع طاهرة، فلما قال: ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث ) أو ( لم ينجس ) دل على أن آثار السباع خبث ونجس، ولكن إذا كان الماء كثيراً لم يتأثر بها ولم ينجس، فاستدل بحديث ( السنور سبع ) ثم بحديث: ( إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث ).
كلام أهل العلم في الحديث
هذا الحديث أخرجه أيضاً غير الأربعة ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وغيره، وصححه جمع من الأئمة، فممن صحح الحديث -أولاً- الترمذي، وهذا التصحيح نقله المصنف رحمه الله حيث قال: وصححه الترمذي .
فـالترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح، وقد جوده مالك، ولم يأت به أحد أتم منه، وهو أحسن شيء في الباب.
هذه كلمة الإمام الترمذي . وصححه أيضاً ابن خزيمة كما ذكر المصنف، وصححه ابن حبان، وصححه الحاكم، وصححه البخاري والعقيلي، والذهبي . فهؤلاء الأئمة حكموا على هذا الحديث بأنه حديث صحيح. وأعله آخرون من العلماء، فممن أعل الحديث: ابن مندة رحمه الله، أعل الحديث بعلتين: الأولى: أن في إسناده حميدة بنت عبيد بن رفاعة، وهي مجهولة كما يقول ابن مندة، حميدة بنت عبيد بن رفاعة . العلة الثانية: أن في إسناده كبشة بنت كعب بن مالك وهي أيضاً مجهولة كما يقول ابن مندة، وذلك أن إسناد الحديث: أن حميدة روت عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت كبشة هذه زوجة لـابن أبي قتادة -كانت تحت ابن أبي قتادة - كما سيرد في سبب الحديث، فأعل ابن مندة الحديث بعلتين: أولاهما: جهالة حميدة بنت عبيد، والثانية: جهالة كبشة بنت كعب بن مالك .
وقد أجاب العلماء عن هاتين العلتين: بأن حميدة وهي المذكورة في العلة الأولى ..
حميدة بنت عبيد أنها روت أحاديث غير هذا الحديث، لم تنفرد بهذا الحديث، وروى عنها ثقتان فارتفعت جهالتها. و هذه قاعدة: أن الراوي المجهول العين إذا روى عنه راويان ثقتان ارتفعت جهالة عينه . ولذلك قال الحافظ ابن حجر عن حميدة هذه: مقبولة، وما معنى مقبولة؟ يعني: يقبل حديثها؟ كذا؟ ما رأيكم؟ مقبولة؟ أظن مر معنا مثال آخر غير هذا.
المقبول -كما صرح في المقدمة- أي: حيث يتابع، قال: مقبول حيث يتابع، وإلا فلين الحديث.
فـ المقبول درجة من درجات التضعيف، وليست من درجات التوثيق، فإذا قيل في راو: مقبول، فهذا يعني أنه ضعيف، لكن ضعفه قابل للانجبار، فإذا جاء الحديث نفسه من طريق راو آخر قبل الحديث.
هذا اصطلاح للحافظ ابن حجر في كتابه: تقريب التهذيب . إذاً: تدفع العلة الأولى بعض الدفع لا كله، بأن يقال: إن حميدة روت أحاديث، وروى عنها ثقتان فارتفعت جهالتها، فبقيت مقبولة الحديث، لكنها تحتاج إلى من يتابعها في هذه الرواية. أما العلة الثانية وهي: جهالة كبشة بنت كعب بن مالك، فهي تدفع بأن يقال: إن كبشة هذه ذكرها بعض المصنفين في الصحابة، كـابن حبان، ومن المعلوم أن جهالة عين الصحابي لا تضر، مع أنها معروفة على هذا. فيندفع ما ذكر عنها من الجهالة، والحديث له طريق آخر غير هذا الطريق، ذكره الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار .
طويلب علم مبتدئ
09 / 04 / 2013, 25 : 11 AM
شرح حديث: (جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد ...)
أما الحديث الثاني فهو حديث أنس بن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) رضي الله عنه في قصة الأعرابي، قال: ( جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى بوله أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه ). في نسخة بلوغ المرام الموجودة في أيديكم كما قرأ الأخ: (فلما أقصى) وهذا خطأ مطبعي فيما يظهر؛ لأن الرواية في مصادر الحديث: ( فلما قضى بوله ) يعني: انتهى منه، والحديث متفق عليه، وله شاهد عن أبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) رضي الله عنه أخرجه الستة إلا مسلماً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157)، وله شاهد عن واثلة بن الأسقع (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005046&spid=157)، رواه ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) بإسناد حسن، فالقصة إذاً صحت عن أنس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) وأبي هريرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000034&spid=157) وواثلة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005046&spid=157) .
اشتراط استعمال الماء لإزالة النجاسة
لمسألة الثانية في الحديث: تتعلق بالنجاسة: هل تزول بغير الماء أم لابد من الماء في إزالتها؟ وهذه المسألة -وهي مسألة: هل يشترط الماء لإزالة النجاسة، أم أن أي أمر زالت به النجاسة يكفي، ولا يشترط لذلك الماء؟ ذهب كثير من أهل العلم كالإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) ومالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمه الله في رواية عنه: إلى اشتراط الماء لإزالة النجاسة، وأنه لابد من غسلها بالماء، واستدلوا لذلك بأدلة منها: أولاً: حديث الباب، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذنوب من ماء فأهريق عليه. والدليل الثاني: حديث أبي ثعلبة الخشني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002954&spid=157) رضي الله عنه في غسل آنية أهل الكتاب، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ارحضوها بالماء )، وهذه الرواية هي عند الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157)، وقال الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) : هذا حديث حسن صحيح، فدل على اشتراط الماء لغسلها. وما أشبه ذلك من الأدلة والنصوص التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بغسل الأمر المراد غسله بالماء، فقالوا: هذا يدل على تعين الماء لإزالة النجاسة. وذهب أبو حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157) وهو أيضاً رواية عن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157)، ورواية في مذهب الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157)، والمذهب القديم للشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) إلى أن أي أمر زالت به النجاسة كفى، ولا يشترط الماء لإزالته، أي أمر زالت به النجاسة فهو كافي ولا يشترط الماء للتطهير، واستدلوا لذلك بأدلة عديدة. فمن أدلتهم: أولاً قالوا: إن إزالة النجاسة من أفعال التروك، التروك يعني: جمع ترك، فلا تشترط فيه النية، ولا القصد، ولا فعل الآدمي، فأي شيء أزال النجاسة فهو كاف؛ ولذلك مثلاً يجوز الاستجمار بالأحجار بدل الماء؛ لأن المقصود زوال النجاسة بأي أمر من الأمور، فزوال النجاسة من باب التروك التي لا تشترط فيها النية ولا القصد، ولذلك قال الفقهاء: لو ترك ثوبه أو علقه على وتد وهو نجس فنزل عليه المطر فإنه يطهر حينئذ، لا يشترط فيه فعل العبد، فيفرق بين زوال الخبث وبين رفع الحدث، فزوال الخبث هو من باب التروك التي لا تشترط لها النية، ولا القصد، ولا فعل الآدمي، يعني: إزالة النجاسة بأي أمر زالت فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، زالت النجاسة زال حكمها، وصار المحل طاهراً. أما رفع الحدث فلا بد فيه من النية، رفع الحدث مثل ماذا؟ مثل الوضوء للصلاة لابد فيه من نية الوضوء، ففرقوا بين رفع الحدث وبين إزالة الخبث، هذا الوجه أو الدليل الأولعندهم. الدليل الثاني: ما رواه ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنه: ( أن الكلاب كانت تقبل وتدبر -وفي لفظ- وتبول في المسجد في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما كانوا يرشون شيئاً من ذلك )، وقد سبق أن رواية: (وتبول) عند الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157)، ونسبها أكثر من عالم من العلماء إلى أنها موجودة في بعض روايات البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) . ولكن حتى لو لم تثبت فإن من المعلوم أن الكلاب إذا أقبلت وأدبرت فإن البول أمر طبيعي أن يحصل، فقالوا: كون الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد ولا يرش دليل على أن هذه النجاسة تزول بغير الماء، تزول بماذا؟ تزول بالشمس، وتزول أيضاً بالريح والهواء وما أشبه ذلك، وبأي أمر زالت النجاسة زال حكمها؛ ولذلك لم ترش هذه المواضع التي بالت فيها الكلاب. واستدلوا أيضاً بما ثبت في أحاديث كثيرة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه )، كما في الحديث المتفق عليه: ( أن أنساً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) سئل: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه؟ قال: نعم ). وروى أبو سعيد الخدري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000072&spid=157) : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً في نعليه ثم خلعهما في الصلاة، فخلع الصحابة رضي الله عنهم نعالهم، فلما سلم قال لهم: ما بالكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: يا رسول الله! رأيناك خلعت فخلعنا، فقال عليه الصلاة والسلام: إن جبريل أتاني آنفاً فأخبرني أن بهما قذراً، فإذا أتى أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد بهما أذى فليمسحهما وليصل فيهما )، والحديث رواه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) وغيرهما. دلالة الحديث على ما ذهبوا إليه من وجهين: أولاً: قالوا: إن النعل وفيها الأذى طهرت بمسحها في الأرض، ولو كان لابد من الغسل بالماء لأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلما قال: ( فليمسحهما ) دل على أن مسح النعلين بالأرض مزيل لما فيهما من الأذى والخبث والنجاسة. الوجه الثاني: قالوا: إنه مسح نعليه بالأرض، وهو في أي مكان؟ في المسجد، فلولا أن هذه الأرض إذا أصابها شيء يسير من النجاسة غير ظاهر، لولا أنه يزول بالشمس والريح وذهاب النجاسة، لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمسح النعلين في الأرض، فهذان وجهان لاستدلالهم بهذا الحديث. واستدلوا أيضاً بحديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) رضي الله عنها قالت: ( يا رسول الله! إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده )، والحديث رواه مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) وأبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) . فقوله صلى الله عليه وسلم: ( يطهره ما بعده ) دليل على أن ما يصيب الثوب من النجاسات من مروره بالأرض يزيله مروره بأرض أخرى .. والله أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
فوائد الحديث
فهذا الحديث فيه فوائد عظيمة، من فوائده نجاسة بول الآدمي، وهذا إجماع من العلماء.
ومن فوائده: وجوب التحرز من البول، ولذلك قال الله عز وجل: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المدثر:4]. وفي الحديث المتفق عليه عن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان لا يستبرئ من البول -وفي لفظ: لا يستنزه من البول- وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ). فدل هذا على أن عدم التنزه من البول إثم بل وكبيرة من كبائر الذنوب؛ ولذلك عوقب عليها هذا الذي لا يستنزه من بوله بأن عذب في قبره، ومن المعلوم أن كل ذنب توعد عليه بلعنة أو غضب أو حد في الدنيا أو عذاب في الآخرة فهو من الكبائر، هذا ضابط الكبيرة . وقد توعد -كما هو ظاهر في هذا الحديث- من لا يستنزه من البول بأن يعذب في قبره.
كيفية تطهير الأرض من النجاسة
ومن المسائل الفقهية في الحديث: مسألة: كيفية تطهير الأرض من النجاسة. من الظاهر في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم طهر بول الأعرابي بأن صب عليه الماء، أمر بأن يصب عليه ذنوب من ماء، ولذلك ذهب أكثر أهل العلم بما فيهم المذاهب الثلاثة: مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) والشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) إلى أنه يكفي في تطهير الأرض التي وقعت عليها النجاسة أن يصب عليها الماء حتى تزول النجاسة. واستدلوا بحديث الباب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الأمر بصب الماء عليه ودلالته ظاهره.
وذهب أبو حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157) إلى التفصيل في ذلك ..
هب الأحناف إلى التفصيل في الأرض التي وقعت عليها النجاسة من بول أو غيره، فقالوا: إن كانت الأرض رخوة كالرمل مثلاً فإنه يصب عليها الماء حتى تتشرب الأرض هذا الماء ويتسرب في باطنها فتزول معه النجاسة، هذا إذا كانت الأرض رخوة. الأمر الثاني أو الصورة الثانية: إذا كانت الأرض صلبة، ولكنها غير مستوية، بحيث يمكن أن تغسل بالماء ثم يستقر الماء الذي غسلت به في نهايتها، في حفرة أو نحوها، أو يدفع هذا الماء الذي غسلت به الأرض إلى هذا الموضع، كما يمكن أن يدفع مثلاً بالغسالات وغيرها، فهذا أيضاً يكفي، أن تغسل الأرض بالماء، بحيث يستقر الماء في حفرة في المنحدر من الأرض أو يدفع إليها. الصورة الثالثة: أن تكون الأرض صلبة ومستوية بحيث لا يمكن زوال الماء الذي غسلت به إلى مكان آخر، هذه الحال لابد من حفر الأرض وإزالة التراب الذي وقعت عليه النجاسة. واستدلوا لذلك بأدلة، هذه الأدلة كلها عبارة عن روايات وردت في قصة الأعرابي نفسه
وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفر ما بال عليه وإلقائه، ثم صب الماء في مكانه، وهذه زيادة -كما تلاحظون- لم ترد في رواية الصحيحين ولا غيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفر المكان الذي وقع عليه البول وإلقائه ثم صب الماء مكانه، فأين هذه الروايات أين توجد؟ ورد في ذلك أربع روايات: الرواية الأولى: من حديث واثلة بن الأسقع (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005046&spid=157) وقد رواها الدارقطني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001306&spid=157)، وأعلت بالضعف، وذكر العلماء أن هذا الحديث منكر لا تقوم به حجة. والرواية الثانية: حديث عبد الله بن معقل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005088&spid=157) وهو من التابعين، فحديثه مرسل، ومع ذلك هو ضعيف. ووردت روايتان أخريان في نفس الموضوع -أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بحفر الأرض- عن عبد الله بن مسعود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000020&spid=157) رضي الله عنه، وهذه أيضاً رواية منكرة، وعن أنس بن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) . فهذه الروايات الأربع كلها روايات شديدة الضعف، ما بين رواية حكم عليها بالخطأ، وأن راويها أخطأ في روايتها، كما في حديث واثلة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005046&spid=157) .
وما بين رواية مرسلة منقطعة، وما بين رواية منكرة، فلا تقوم بها حجة ولا يقوي بعضها بعضاً. إضافة إلى أن هذه الروايات مخالفة في الظاهر لرواية الصحيحين والسنن، أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على الأمر بصب الماء، وبذلك يتبين أن الدليل الذي استدل به أبو حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157) على إزالة التراب الذي وقعت عليه النجاسة، وصب الماء مكانه، دليل ضعيف لا تقوم به حجة، وأن الدليل الصحيح يدل على الاقتصار على الغسل بالماء. ومن هذا يتبين أن الراجح في هذه المسألة هو قول الجمهور. وقد يشكل على البعض بعض الأماكن التي تكون صلبة، كأن يكون فيها بلاط أو اسمنت مثلاً، لا يشرب شيئاً من الماء، فيرى أن مثل هذه الحال يصح فيها ما ذكره الإمام أبو حنيفة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157) رحمه الله، من أنه لا يكفي فيها الغسل بالماء، فيقال أولاً: من البعيد كل البعد أن يكلف إنسان بأن يزيل هذا الشيء المبني الذي لا يمكن إزالته، إنما كيف يطهر هذا المكان الذي وقع فيه البول؟ يطهره بغسله بالماء، فإن كان هناك بالوعة يذهب إليها الماء الذي غسلت به النجاسة، فهذا أمر ظاهر لا إشكال فيه وهذا هو الأصل، وإن جفت النجاسة ثم غسلها حتى زالت عينها ولم يبق لها أثر فهذا أيضاً ظاهر؛ لأنه سبق أن الماء إذا وجد أو وقع فيه نجاسة ولم تغيره فهو طهور، فلو فرض أنه جفت هذه النجاسة فبقي منها شيء يسير، فصب عليها ماء كثير فغسلها به أو صب عليها ماء يسير أولاً فغسلها، ثم غمر المكان بماء كثير، ففي مثل هذه الحالة هذا الماء الذي لم يظهر أثر النجاسة فيه هو ماء طهور، سواء أبقاه، أو أزاله، أو تبخر هذا
طويلب علم مبتدئ
12 / 04 / 2013, 12 : 11 PM
شرح حديث: (أحلت لنا ميتتان ودمان ...)
حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالجراد والحوت، وأما الدمان فالكبد والطحال ) . يقول المصنف رحمه الله: (أخرجه أحمد وابن ماجه، وفيه ضعف).
ولذلك فلا بد من أخذ الفائدة أو الفوائد الموجودة في هذا الحديث ما دام صح عن ابن عمر، وما دام في حكم المرفوع.
فالفائدة الأولى، أو المسألة التي ساق المصنف الحديث من أجلها هي: بيان أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت. ما معنى هذه الكلمة؟ أولاً: ما معنى كون الشيء ليس له نفس سائلة؟ النفس هي الدم كما ذكره ابن قدامة وغيره من أهل العلم، المقصود بالنفس هي: الدم.
إذاً حين يقال: ما لا نفس له سائلة، يعني ما ليس له دم يسيل، والعرب يطلقون النفس على الدم كما هو موجود في أشعارهم، فما لا نفس له سائلة من الحشرات وغيرها لا ينجس بالموت كالجراد مثلاً، وكذلك الحوت كما في هذا الحديث، ومثله سائر الحشرات كالذباب والصرصار وغيرها، الخنافس، الجعلان وسواها، فكل شيء ليس له نفس سائلة فإنه لا ينجس بالموت، وإذا كان لا ينجس بالموت فلو افترض أنه مات في ماء، نفترض ماء مات فيه شيء من هذه الحشرات التي لا تنجس بالموت، فما حكم هذا الماء؟ نقول: ليس بنجس..
طهور، لا ينجس بهذا الشيء، وهذه هي المناسبة التي ساق المصنف الحديث من أجلها؛ لأن الحديث الآن في أي باب؟ في باب المياه، فكأن هذا إشارة إلى أن الماء لو سقط فيه شيء مما لا نفس له سائلة ومات فيه فإنه لا ينجس بذلك.
ودلالة الحديث على هذا الأمر من أي وجه؟ كيف استدللنا بالحديث على أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت؟ لأنه قال: (أحلت لنا) يعني: أحل أكلها، وما جاز أكله فهو طاهر، أو نعكس القاعدة فنقول: كل نجس فأكله حرام بلا استثناء إلا في حالة الضرورة، فكل أمر نجس يحرم أكله، ولو لم يرد نص خاص به إلا في حالة الضرورة. وعكس القاعدة أيضاً: أن ما جاز أكله فهو طاهر، فما دام الرسول صلى الله عليه وسلم أحل لنا الجراد والحوت دل هذا على أنها طاهرة وأن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، هذا وجه دلالة الحديث على المسألة.
وهل في هذه المسالة خلاف؟ فيها خلاف يسير فأكثر أهل العلم على القول السابق، أنها لا تنجس بالموت، ولا تنجس الماء إذا وقعت فيه، حتى قال ابن المنذر رحمه الله: لا أعلم فيه خلافاً بين أهل العلم إلا ما يذكر من أحد قولي الشافعي، أي أن الشافعي في أحد قوليه يذهب إلى نجاستها بالموت. وقال ابن القيم رحمه الله: لا يعرف في السلف مخالف في ذلك، يعني: في طهارة ما لا نفس له سائلة إذا مات، وأنه لا ينجس بالموت. إذاً: هذه المسألة الخلاف فيها هو قول للشافعي رحمه الله، وحتى على القول بأنها نجسة عند الشافعي في أحد قوليه، فكثير من فقهاء الشافعية يعتمدون أنها لا تنجس الماء بوقوعها فيه إذا كانت مما يكثر وقوعها في الماء وتعم البلوى بها، فيخففون في ذلك تيسيراً على الناس. فالخلاصة: أن هذه المسألة خالف فيها الإمام الشافعي في أحد قوليه. والرأي الصحيح هو الأول، أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت.
متولدة أصلاً من النجاسة مثل ماذا؟ مثل الصراصير، فهل حكم الصراصير حكم غيرها مما لا نفس لها سائلة، أم لها حكم خاص؟ أيضاً القول الذي عليه كثير من أهل العلم أن حكمها حكم غيرها مما لا نفس له سائلة وأنها طاهرة، وحين يقال: طاهرة يجب أن يعرف أنها بذاتها طاهرة، أما كونها لامست نجاسة فكل شيء لامس نجاسة ثم وقع فالنجاسة نجسة، إنما المقصود الشيء بذاته. فكثير من أهل العلم يذهبون إلى أن المتولد من النجاسة مما لا نفس له سائلة طاهر أيضاً كالصراصير، وحجتهم في هذا نفس الأدلة السابقة، وأن هذا هو الأصل، فإن الأصل في الأعيان الطهارة أو النجاسة؟ جميع الأعيان الأصل فيها الطهارة، وكذلك يقولون بأن النجاسة تزول بالاستحالة كما سبق في المسألة في أول الدرس، فلو افترض مثلاً أن هناك زرعاً سقي بماء نجس هل يكون هذا الزرع نجساً؟ لا، وكذلك مثل الصرصار الذي تولد من نجاسة هو طاهر، وإن كانت النجاسة التي كان منها في أصله لا شك معروف أنها نجسة.
الشيخ: وكذلك المني عند من يقول بأنه نجس، جزاك الله خير.
نكمل المسألة حتى تنتهي منها ولا نعود إليها، فأيضاً مسألة المتولد من النجاسة مما لا نفس له سائلة سبق أن أكثر أهل العلم على أنه طاهر، وهناك رواية في مذهب الإمام أحمد على أنه نجس، والقول الأول أقوى لعموم الأدلة وكون هذا مما لا نفس له سائلة فحكمها واحد؛ ولأن الأصل في الأعيان الطهارة وليس النجاسة والقائل بالنجاسة يلزمه الدليل، ولأن الاستحالة تغير النجاسة كما سبق، ومن ذلك أن كثيراً منهم يقولون بنجاسة المني، ومع ذلك فهم مجمعون على طهارة المسلم، مع أن الإنسان أصله من هذا الماء.
فهذا يدل على أنها ليست بنجسة، والله أعلم. والحديث فيه فوائد أخرى نؤجلها إن شاء الله للأسبوع القادم، بحيث نأخذ بقيتها ونأخذ معها الحديث الآخر الذي قرأتموه الآن، وحديث أبي واقد الليثي في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما أبين من البهيمة وهي حية فهو ميت ). بحيث إن شاء الله في الجلسة القادمة ننتهي من الباب الأول، وهو باب المياه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين
كلام أهل العلم في الحديث
أما قول المصنف رحمه الله: (وفيه ضعف) فسنقف عندها قليلاً، فإن هذا الحديث قد روي عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر، فالتابعي الذي روى الحديث عن الصحابي هو زيد بن أسلم، رواه عن ابن عمر . ومن ثم اختلف الرواة عن زيد بن أسلم انتبهوا لهذا، اختلف الرواة عن زيد بن أسلم، فرواه أبناء زيد بن أسلم وهم ثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بن زيد، أسامة بن زيد بن أسلم تابعي، عبد الله وعبد الرحمن -أو من أتباع التابعين لكن أظنه من التابعين- عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بنو زيد بن أسلم، رووا الحديث عن أبيهم مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فـالبيهقي مثلاً قال: عن عبد الله وعبد الرحمن وأسامة بني زيد بن أسلم عن أبيهم عن ابن عمر : أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أحلت لنا ميتتان ودمان )، وهذا يسمى -كما سبق مراراً- قولهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى ماذا؟ موقوف؟ كذا؟ أجيبوا! نعم.
مداخلة: مرفوع. الشيخ: مرفوع، يسمى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأولاد زيد بن أسلم هؤلاء الثلاثة ضعفاء، أولاده ضعفاء، حتى قال الإمام أحمد عن عبد الرحمن : حديثه منكر.
وإن كان الإمام أحمد وثق عبد الله، لكن أكثر أهل العلم على تضعيف الثلاثة، ونتركها مجملة حتى لا يختلط عليكم الأمر، فأكثر أهل العلم على تضعيف الثلاثة: عبد الله وعبد الرحمن وأسامة أولاد زيد بن أسلم . ورواه سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن ابن عمر من قوله هو، لا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسليمان بن بلال ثقة ...
أبو زرعة وغيرهم من أهل العلم؛ ابن حجر وابن القيم رحمه الله أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر، يعني الذي يقول: (أحلت لنا ميتتان ودمان) من هو؟ هو ابن عمر رضي الله عنه، ولكن هذا الحديث وإن كان موقوفاً، إلا أن له حكم المرفوع، كما ذكر ذلك ابن القيم وغيره، له حكم المرفوع؛ لأن الصحابي إذا قال: أحل لنا أو حرم علينا، فالتحليل والتحريم ينصرف إلى من؟ إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي كان الصحابة يتلقون عنه التحليل والتحريم، ولذلك يقولون في مثل هذا الحديث: هذا الحديث وإن كان موقوفاً إلا أنه في حكم المرفوع، له حكم الرفع، فكأن ابن عمر رضي الله عنه يقول: أحل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ميتتين ودمين: الكبد والطحال، والجراد والحوت.
و القول بأن الحديث موقوف -كما سبق- هو رأي كثير من أهل العلم كـأبي زرعة والحاكم والدارقطني والبيهقي وابن حجر وابن القيم وغيرهم، يصححون الموقوف لضعف أولاد زيد بن أسلم . ولذلك فقول المصنف رحمه الله: (وفيه ضعف) يعني ماذا الذي فيه ضعف؟ ما هو الذي فيه ضعف؟ نعم يا أخ عبد الكريم ! مداخلة: ...
الشيخ: يعني الحديث الذي ساقه المصنف، نعم لأن المصنف ساق الحديث مرفوعاً كما قرأتموه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك قال: (وفيه ضعف)، لكنه صحيح موقوفاً على ابن عمر
طويلب علم مبتدئ
16 / 04 / 2013, 08 : 09 AM
حديث : هو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه، ثم لينزعه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء )، رواه البخاري وأبو داود، وزاد: ( وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء )، هذه الزيادة عند أبي داود -رحمه الله-.
كل ما ليس له نفس سائلة لا ينجس بالموت
أما فيما يتعلق بالفوائد الفقهية والحديثية من الحديث ففيه فوائد: منها الفائدة السابقة: وهي أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت، وهذه الفائدة من أين تؤخذ من الحديث؟ نعم يا إبراهيم؟ مداخلة: لأنه لو كان نجساً لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغمسه والشرب مرة ثانية. الشيخ: نعم، لأن الذباب لو كان ينجس بالموت لما أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بغمسه، ثم شرب هذا الشراب من ماء أو لبن أو غيره؛ لأنه إن كان مات بعد وقوعه فالأمر ظاهر، وإلا فكان غمسه -ربما- سبباً في موته إن لم يكن مات، فلو كان نجساً والماء أو الشراب قليلاً لنجس هذا الماء أو الشراب، فلما لم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين قليل وكثير، بل قال: ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم )، والعادة أن شراب الواحد كثير أم قليل؟ ليس بكثير، فلما لم يفرق بل قال: ( فليغمسه ثم لينزعه )، دلّ على أنه ليس بنجس، وأنه لا ينجس ما وقع فيه، والذباب هو مما لا نفس له سائلة. وهذه هي الفائدة التي ساق المصنف -رحمه الله- الحديث من أجلها، فحديث أبي هريرة تبع لحديث ابن عمر السابق، في بيان أن ما لا نفس له سائلة لا ينجس بالموت.
ليس كل ما يستقذره الإنسان محرماً أو مكروهاً
ومن فوائد الحديث: أنه ليس كل ما يستقذره الإنسان محرماً أو مكروهاً؛ بل قد يستقذر الإنسان الشيء ويتنزه عنه وهو مباح، وفي ذلك أشياء كثيرة، حتى قال النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم -في الحديث الصحيح- لما قيل له: ( إن أقواماً يتنزهون عن أشياء عملها صلى الله عليه وسلم، قال: ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أعملها، إن أعلمكم بالله وأتقاكم له أنا ) صلى الله عليه وسلم، فليس كل ما استقذره الإنسان أو كرهه يكون ممنوعاً شرعاً، وهذا يفيد أن الواحد منا لو وقع في إنائه ذباب فكرهه واستقذره، فغمس هذا الذباب ثم نزعه ولم يشرب هذا اللبن، بل سقاه غيره إنساناً آخر أو بهيمة، أو أراقه في موضع طاهر، وليس له به حاجة، أنه لا يلام من باب الاستقذار الفطري الطبيعي، لكن ليعلم أن الحكم الشرعي واضح في هذا كما سبق .
ما صح عن النبي في الطب النبوي حق يجب التصديق به
ومما يستفاد من الحديث: أن ما صرحت به النصوص الشرعية من العلوم البشرية، التي يمكن أن يدرك الناس كثيراً منها بالدراسة والتجربة، فإنه واجب التصديق والقبول كما في هذا الحديث، حيث صرح صلى الله عليه وسلم بأن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، والأمثلة من ذلك كثيرة، ويكفي أن أشير إلى باب منها، وهو باب الطب النبوي الذي عقد العلماء له فصولاً مستقلة بل صنفوا فيه كتباً مستقلة، فصنف فيه أبو نعيم والذهبي وابن القيم ..
وغيرهم، صنفوا كتباً مستقلة في الطب النبوي، فنقول: الطب النبوي ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من ألوان العلاجات، فهي حق يجب التصديق به، وهي جزء من البلاغ الذي بلغه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، ولا يقال في مثل هذه الأشياء: إنها داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( أنتم أعلم بأمور دنياكم ) . ...
السابقين وبعض المعاصرين من الدعاة الذين لم يمتلئوا بالعلم الشرعي الصحيح المبني على النص من الكتاب والسنة، إذا أشكل عليهم أمر كحديث الذباب -مثلاً- أو غيره من أنواع الطب وسواه فإنهم يقولون: إن هذه الأشياء قالها الرسول صلى الله عليه وسلم باجتهاده، وبعضهم يقول: هذه ثقافة عصره صلى الله عليه وسلم، يعني -مثلاً- الطب الذي كان موجوداً عند العرب في الجاهلية عرفه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يأمر أصحابه به، فيقال: كلا، بل ظاهر أن هذه الأشياء أمور أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل القطع والجزم، فهي تقبل منه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز التشكيك فيها أو ردها.
معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)
أما ما أخبر به على سبيل الظن فهذا أمر آخر؛ لأنه ( عليه الصلاة والسلام لما جاء إلى المدينة : وجدهم يؤبرون النخل -يعني: يلقحونه- فقال: لو لم يفعلوا لصلح لهم، أو قال: ما أرى هذا يغني شيئًا، فترك الأنصار تلقيح النخل فخرج شيصاً، فلما رأوه شيصاً قال: ما بالكم؟ قالوا: يا رسول الله! قلت كذا وكذا، قال: إنما ظننت ظنًا، فإذا أخبرتكم عن الله فخذوا به ..
ثم قال: أنتم أعلم بأمور دنياكم )، يعني: الأمور الدنيوية التي يعرفها الإنسان بالتجربة العملية كطريقة الزرع -مثلاً- أو طريقة طبخ الطعام ..أو ما أشبه ذلك من الأمور، هذه الأشياء ما جاء الشرع أصلاً لبيانها، فهي أمور يعرفها الناس بخبرتهم وتجربتهم، أما أن يعمم هذا على كل ما للناس فيه دخل وإمكانية العلم فهذا قد يلغي جانباً كبيراً من الأحاديث النبوية، بل يلغي أبواباً بأكملها كباب الطب النبوي، وهذه من الفوائد المهمة في الحديث.
الرد على الطاعنين في حديث: (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه)
فقد حاول قوم من ضعفاء الإيمان في الماضي وفي الحاضر الطعن في هذا الحديث، وفي راويه رضي الله عنه وأرضاه، وطعنوا في متن هذا الحديث؛ لأنه لا يوافق عقولهم وآراءهم الشخصية، وهذا لم يكن غريباً، فقد حاول أعداء الإسلام -وخاصة الزنادقة والرافضة - الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يطعنوا في الإسلام نفسه؛ لأن القرآن والسنة إنما جاءت عن طريق هؤلاء الصحابة، وأنتم تعرفون -مثلاً- أن أبا هريرة روى أكثر من خمسة آلاف حديث، فإذا طعن في أبي هريرة فقد حصل لهؤلاء الزنادقة أن تمكنوا من تضعيف خمسة آلاف حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم طعنوا بعده بفلان وفلان وفلان، فإذا لم يوجد أحاديث يتعلم الناس منها الحلال والحرام والحق والباطل، قال هؤلاء الزنادقة للناس: تعالوا إلينا، فبدءوا يملون عليهم من آرائهم وعقولهم وسفسطاتهم ما يجعلونه بديلاً عن الدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. ومما يرد به عليهم: أنه ما من حديث طعن فيه من رواية أبي هريرة إلا جاء الحديث من رواية صحابة آخرين، ومن الأمثلة: سبق معنا حديث يقال فيه هذا الكلام، وهو حديث ولوغ الكلب، فقد ضعفه ..
وإن كان الذين ضعفوه ليسوا من الزنادقة الذين أشرنا إليهم، وإنما ضعفه بعض الفقهاء؛ لأن أبا هريرة عمل وأفتى بخلافه، فرد عليهم بأن أبا هريرة لم يتفرد بهذا الحديث، بل قد ورد عن غيره كـعبد الله بن مغفل وسواه. وهذا مثال آخر الآن: حديث الذباب، فلم ينفرد به أبو هريرة به، بل رواه أبو سعيد وأنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، ورواه كعب الأحبار، وكعب قد يكون أخذه من كتب أهل الكتاب، وهذا يقوي الواقع ولا يضعف الحديث؛ لأن كعباً ليس بكذاب كما يطعن فيه البعض، وهو إذ يروي هذا الحديث فكأنه يثبت بأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الذباب موجود في كتب أهل الكتاب السابقة، فاتفق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع ما جاء به من قبله. والكلام في هذه المسألة يطول، لكنني أحيلكم على كتاب نفيس ومفيد اسمه: دفاع عن أبي هريرة ألفه أحد العلماء المعاصرين، وهو عبد المنعم بن صالح العلي، وهذا الكتاب مجلد مفيد جداً، تكلم فيه عن أبي هريرة وسيرته وتوثيق الصحابة له، وروايتهم عنه، ورواية التابعين عنه، ومن طعنوا فيه، وبيان حقيقتهم، وبيان الأحاديث التي خالف فيها أبو هريرة غيره، والأحاديث التي ردها الزنادقة، وتكلم عن ذلك بما لا يوجد في غيره، واسمه دفاع عن أبي هريرة.
أما مضمون هذا الحديث الذي بين أيدينا، فقد أكثر العلماء -وخاصة المعاصرون- من الكلام فيه، وهل مسألة وجود داء ودواء في جناحي الذباب مسألة ثابتة أم لا؟ والمسلم ينتهي إلى ما سمع، قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، فإذ قد جاءه الخبر من المعصوم صلى الله عليه وسلم بأن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر شفاء، وأنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فإنه لا يعتبر أن ما يثبته الطب الحديث -مثلاً- يؤكد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى: أن المسلم المصدق للرسول عليه الصلاة والسلام إذا عرف بأن هذا الحديث صحيح، وقد ورد عن فلان وفلان من الصحابة، لا يجد أنه بحاجة إلى أن يشهد الطب الحديث للرسول صلى الله عليه وسلم بالصدق، بل العكس هو الصحيح، فما جاء به الطب الحديث، وعرفنا أنه ورد في السنة اعتبرنا هذا دليلاً على أن الطب أصاب في هذه المسألة، ولا مانع أن يكون هذا مطمئنًا لقلب المؤمن؛ لأن تضافر الأدلة مما يزيد الإيمان، فالإيمان يزداد بتضافر الأدلة وكثرتها، وإذا رأى المؤمن في الواقع مصداق ما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم، قال كما قال المؤمنون الأولون: هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب:22] . فلا بأس لو أثبت العلم الحديث أن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، ينبغي للأطباء المسلمين أن يحرصوا على نشر هذا وبيانه للناس؛ لأنه مما يقيم الحجة على الآخرين بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم .
لكن يجب أن نفرق بين هذا وبين كوننا نجعل تصديقنا بالحديث موقوفاً على إثبات الطب له، فهذا أمر خطير! يعني: أن نتوقف في قبول ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حتى يأتي الطب ليؤكده. أقول هذا كمقدمة، وإلا فقد ذكر كثير من الأطباء القدماء والمعاصرين من الألمان ..
وغيرهم، أنهم وجدوا بالتحليل والدراسة الطبية مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن في أحد جناحي الذباب داء وفي الآخر دواء، وأنهما متكافئان، فأحدهما يدفع شر الآخر. وهذه الأقوال تجدونها في الكتاب السابق المشار إليه، وفي كتاب للشيخ محمد السماحي اسمه المنهل الحديث، وفي كتاب اسمه الإصابة في صحة حديث الذبابة لـخليل ملا خاطر، وإن كان الكتاب الأخير لم يأتِ بشيء جديد يذكر عما ذكره الكتابان السابقان، فمن أراد المزيد في هذا الموضوع فليراجع هذه الكتب.
طويلب علم مبتدئ
21 / 04 / 2013, 08 : 09 PM
شرح حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت)
فوائد حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت)
والحديث فيه فوائد: منها: تحريم قطع شيء من البهيمة وهي حية. ومنها: أن هذا المقطوع من البهيمة ميت، ويترتب على كونه ميتاً أنه لا يحل أكله. ومنها: تحريم تعذيب البهائم بأي أمر كان. ومنها: تحريم الميتة؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فهو ميت )، يعني: في حكم الميتة، فيحرم أكله. وقد يستفاد من الحديث أن هذا المقطوع من البهيمة إذا كان غير الشعر فهو نجس، أما الشعر فيجوز جزه وهو طاهر بالإجماع إذا جز منها في حال حياتها، إنما الكلام في غير الشعر، فلا يجوز قطع شيء منها. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبب ورود الحديث
وهذا الحديث له سبب، وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يجبون أسنمة الإبل، ويقطعون إليات الغنم، فسئل صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت -أو فهو ميتة- )، ورد اللفظان، فهذا سبب الحديث.
المقصود بالبهيمة في حديث: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت)
قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما قطع من البهيمة )، ما هو المقصود بالبهيمة؟ البهيمة: هي ما يؤكل لحمه، يعني: كل حيوان يؤكل لحمه، وقيل: هي بهيمة الأنعام، يعني: كالإبل والبقر والغنم ..ونحوها، كما في قوله تعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المائدة:1]، وقيل: هي كل ما لا يميز، كل هذه أقوال. قيل: البهيمة هي كل حي لا يميز. وقيل: المراد بهيمة الأنعام. وقيل: كل ما يؤكل لحمه من الحيوان. وإذا تأملت المقصود بـ(البهيمة) في الحديث وجدت أن القول الثالث قريب، وهو أن المقصود بالبهيمة: كل ما يؤكل لحمه، لماذا؟ لأن النبي صلى عليه وسلم ورد عنه أنه ذكر: ( أن بغياً من بني إسرائيل -كما في الصحيح- نزلت في بئر فشربت، ثم خرجت فوجدت كلباً يلهث -يلحس- الثرى من العطش، فقالت: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي، ثم نزلت فنزعت موقها أو جرموقها -وهو الحذاء- فوضعت فيه الماء ثم أمسكته بفيها وخرجت وسقت الكلب، فشكر الله لها فغفر الله لها، -والله واسع عليم- فقال الصحابة: يا رسول الله! وإن لنا في البهائم لأجراً -هذا الشاهد- فقال عليه الصلاة والسلام: في كل كبد رطبة أجر ). فدل على أن المقصود بالبهائم في الأصل: كل شيء حي يدب على الأرض. ثم إنه صلى الله عليه وسلم هاهنا قال: ( ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت -أو فهو ميتة- ).
وظاهر جداً من الحديث: أن البهائم التي لا تؤكل كالسباع ..
وغيرها هذه حتى ما لم يقطع فيها فهو ميت، يعني: ليس هناك فرق بين ما قطع منها وهي حية، وبين أن تموت، وبين أن تذكى، فهي ميتة في كل الأحوال بلا استثناء وبلا تفصيل، ما قطع منها فهو ميت، ولو ماتت فمن البدهي أنها ميتة، ولو ذكيت فهل تحل بذلك؟ ستظل ميتة فحكمها واحد، وليس فيها تفصيل، فدل على أن المقصود في الحديث ما يؤكل خاصة؛ لأنه هو الذي يختلف حكمه بالموت عن حكمه بالذكاة، فيلحق ما قطع منه في حال حياته بميتته، أما ما ذكي منه فهو طاهر مباح، أظن هذا ظاهراً أو ليس بظاهر؟ طيب! إذاً فالمقصود بالبهيمة هاهنا ما يؤكل لحمه.
تخريج الحديث وشواهده
الحديث ذكر المصنف رحمه الله ممن أخرجوه: أبا داود والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) .
والحديث أخرجه الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) في مسنده، والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) في مستدركه، والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) في سننه، فيكون مجموع من ذكر في تخريج الحديث خمسة أئمة: أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) . وذكر المصنف ممن حسنوا الحديث الإمام الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) قال: وحسنه، والحديث أيضاً صححه الحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157)، ووافقه الذهبي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000356&spid=157)، وصححه من المعاصرين الألباني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000184&spid=157). وللحديث شواهد: منها: حديث عن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنه، وقد أخرجه ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) والحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) . ومنها: حديث أبي سعيد الخدري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000072&spid=157)، وقد أخرجه الحاكم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002930&spid=157) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ومنها: حديث تميم الداري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000973&spid=157)، أخرجه ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) والطبراني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000292&spid=157)، ولكنه ضعيف جداً، فيه أبو بكر الهذلي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005374&spid=157) وهو متروك الحديث، فمثل هذا هل يصلح للاستشهاد؟ كلا؛ لأنه سبق أن الحديث الذي يصلح للاستشهاد هو ما كان ضعفه غير شديد قابلاً للانجبار، أما شديد الضعف كالذي فيه راو متروك أو متهم فلا يصلح للاستشهاد؛ ولذلك فذكره ها هنا من ضمن الشواهد -يعني: على سبيل كما يقولون- من باب العلم، وإلا فالواقع أنه لا يصلح شاهداً للحديث لشدة ضعفه، فيكتفى في شواهد الحديث بالشاهدين الأولين: حديث ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنه، وحديث أبي سعيد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000072&spid=157) .
طويلب علم مبتدئ
23 / 04 / 2013, 40 : 01 PM
شرح حديث: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ...)
بعد ذلك ننتقل إلى الحديثين الأول والثاني من باب الآنية.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة).
متفق عليه. وزاد البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000115&spid=157) ومسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) أيضاً في أوله: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج, ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة). وقال ابن مندة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001312&spid=157) عن هذا الحديث: مجمع على صحته.
وهو كما سبق متفق عليه, اتفق على إخراجه البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) ومسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) رحمهما الله.
فوائد الحديث
الحديث يفهم منه فوائد أخرى غير ما سبق, فمن فوائد الحديث: مشروعية الزهد في الدنيا, والبعد عن التوسع في مباحاتها, وحقيقة الزهد ليس بتحريم الحلال, وإنما هي بترك فضول المباح , هذه حقيقة الزهد, ترك فضول المباح الذي يحتاج إليه الإنسان, والإنسان يؤجر بزهده في هذه المباحات التي لا حاجة له بها, وبالمقابل يؤجر إذا استعملها بنية طيبة, فكونه يلبس الثوب الحسن والنعل الحسن وهو يريد بذلك أن يرى أثر نعمة الله عليه، ويطمح من وراء ذلك إلى مصالح شرعية صحيحة فهو مأجور بذلك, كما يؤجر المتزهد في هذه الأشياء إذا كان يريد ما عند الله والدار الآخرة, ولذلك ورد مدح هذا وورد مدح هذا, لكن في كل حال فالتوسع في ملاذ الحياة الدنيا ليس بطيب, وكان السلف يتقونه , ولذلك قال الله عز وجل: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأحقاف:20].
فهذا دليل على أنهم عيروا بهذا, وتعييرهم به مدعاة أن يتقيه المؤمن, ويبتعد عنه ولا يتوسع في فضوله.
ومن فوائد الحديث -كما سبق-: تحريم التشبه بالمشركين, وهذا يفهم من نصوص كثيرة صراحة, فمن النصوص الصريحة الدالة على ذلك قوله تعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الحديد:16].
فنهى سبحانه عن أن نكون كالذين أوتوا الكتاب من قبل في قسوة القلوب بعد طول الأمل. ومما يدل على تحريم التشبه بالمشركين صراحة، ما رواه الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) وأبو يعلى (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004831&spid=157) والطبراني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000292&spid=157) وغيرهم، عن عبد الله بن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ومن تشبه بقوم فهو منهم ). وفي الحديث فوائد أخرى غير هذه.
حكم الوضوء في آنية الذهب والفضة
المسألة الرابعة: حكم الوضوء في آنية الذهب والفضة.
وهذه المسألة أذكرها لأنها ذات علاقة بالموضوع, فالوضوء في آنية الذهب والفضة وإن كان حراماً كما سبق، ومعصية ويأثم فاعله إلا أنه صحيح, فلو توضأ إنسان في إناء ذهب أو فضة ثم صلى, هل نقول له: أعد صلاتك مثلاً؟ لا, نقول: الوضوء صحيح والصلاة صحيحة وأنت آثم, آثم بوضوئك من هذا الإناء.
وهذا القول بصحة الوضوء مع الإثم هو رأي جماهير العلماء, بل حكى النووي والمرداوي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) وابن هبيرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005843&spid=157) الإجماع على صحة الوضوء. من قال بعدم صحته؟ ذهب بعض شيوخ المذهب الحنبلي إلى عدم صحة الوضوء, ونسبه بعض المشايخ إلى شيخ الإسلام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) رحمه الله, وقد راجعت كلامه في الفتاوى فلم أجد فيه ما يدل من قريب أو بعيد على أنه يقول بعدم صحة وضوئه, بل ظاهر كلامه يدل على أنه يرى أنه يصح وضوءه مع الإثم, وقد يكون له كلام آخر غير هذا الكلام, ولا شك أن القول بصحة الوضوء هو القول الصحيح؛ وذلك لأن هذا الوضوء مكتمل الشروط والواجبات, وربما السنن أيضاً, فهو وضوء شرعي صحيح, وكونه في إناء محرم يأثم به صاحبه, لكن لا يلزم من ذلك أن يكون وضوءه غير صحيح.
حكم استعمال الإناء المضبب بالفضة
المسألة الخامسة هي: حكم استعمال الإناء المضبب بفضة. وهذه المسألة أجازها أيضاً أكثر أهل العلم, بل حكى المرداوي ثم الصنعاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005189&spid=157) الإجماع على جواز الضبة اليسيرة من فضة لحاجة في الإناء, كأن ينكسر الإناء فيشده بسلسلة أو خيط من فضة أو ما أشبه ذلك, أجازها أكثر أهل العلم, وممن أجازها الأئمة الأربعة رحمهم الله, بشروط ذكروها توجد مفصلة في كتب الفقه. وما هي حجتهم في جواز استعمال الضبة اليسيرة من الفضة للحاجة؟ استدلوا أولاً: بأن الإناء الذي يوجد فيه ضبة يسيرة هل يسمى إناء فضة؟ لا يسمى إناء فضة, فلا يشمله النهي. واستدلوا ثانياً: بما رواه البخاري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000075&spid=157) في صحيحه عن أنس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) رضي الله عنه: ( أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سِلسلة من فضة أو سَلسلة من فضة ).
وسواء كان المتخذ هو الرسول صلى الله عليه وسلم أو أنس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) - كما سيأتي إن شاء الله تفصيله في حينه- فهو دليل على جواز اتخاذ الضبة اليسيرة من الفضة لحاجة في الإناء.
وما معنى قولنا: لحاجة؟ هل معناه ألا يجد ما يضبب به هذا الإناء إلا فضة؟ هل هذا معنى قولنا: لحاجة؟ لا.
فلو كان عنده إناء انكسر ويستطيع أن يضببه بأي شيء آخر من غير الفضة, فضببه بفضة هل نقول: إن هذا لحاجة أو ليس لحاجة؟ لحاجة.
يعني قولهم: لحاجة مثل هذه, ولو كان يستطيع أن يضببه بشيء آخر, أما لو كان لا يجد أصلاً شيئاً يضببه به إلا الفضة فهذه تسمى عند العلماء ضرورة, والضرورة يجوز فيها حتى الذهب, فالكلام بالحاجة أي: أنه ليس لغير غرض بل لغرض, كما لو انكسر أو انشعب فضببه بفضة, فيجوز ذلك.
حكم التضبيب بالذهب
المسألة السادسة في هذا هي: حكم التضبيب بالذهب.
إذا كان هذا حكم التضبيب بالفضة فما حكم التضبيب بالذهب؟ حكم التضبيب بالذهب لا يجوز إلا لضرورة، يجوز للإنسان أن يستعمل الذهب فيما دعت إليه الضرورة, كما يستعمله في الأسنان، أو في الأنامل، أو في الأنف، أو في غير ذلك. فأما كونه لا يجوز من الذهب ويجوز من الفضة؛ فلأن الفضة ورد فيها نصوص عديدة تدل على التيسير فيها أكثر من الذهب, كما سبق في حديث أنس : ( أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب من سلسلة من فضة ). وكذلك روى أهل السنن: ( أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة ).
وقبيعة السيف هي: ما يكون في أعلى قائم السيف، أو ما يكون في نهاية حدي السيف مما يقع خارج غمده .
فروى أهل السنن: ( أن قبيعة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة ).
وهذا الحديث قال فيه الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) :حديث حسن, وصحح الحافظ ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) إسناده في التلخيص الحبير
فهو يدل على نوع من التيسير في شأن الفضة. وكذلك من المعلوم أنه يجوز اتخاذ خاتم من فضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولكن عليكم بالفضة فالعبوا بها).
أما الذهب فقد ورد التشديد فيه كما سمعتم في هذه الأحاديث, وفي نصوص أخرى كثيرة مشهورة غيرها, فلا يجوز إلا للضرورة, وجوازه للضرورة يدل عليه ما رواه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) عن عرفجة بن أسعد التميمي العطاردي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005286&spid=157)… ويوم الكلاب: بضم الكاف هو يوم معركة كانت في الجاهلية, وقعت قريباً من ماء يقال له ماء الكلاب, فسميت هذه المعركة باسم الماء, وقال بعض العلماء: إنهما كانا يومان في الجاهلية, يسمى الأول يوم الكلاب الأول, ويسمى الثاني يوم الكلاب الثاني .
فـعرفجة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005286&spid=157) رضي الله عنه قطع أنفه يوم الكلاب, فاتخذ أنفاً من ورق - والورق هي الفضة- فأنتن عليه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب.
والحديث حسنه الترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) والنووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) في المجموع , ( أن عرفجة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005286&spid=157) قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفاً من ورق فأنتن عليه, فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب ) .
فهذا دليل على جواز استعمال الذهب في مثل هذه الحالة للضرورة فحسب. هذه أهم المسائل المتعلقة بأحكام آنية الذهب والفضة وما يتعلق بهما, وهي تفهم من قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما, فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة).
حكم اتخاذ آنية الذهب والفضة للقنية والزينة
لكن فيما يتعلق بالاتخاذ, يعني: أن يجعل إنسان عنده آنية ذهب أو آنية فضة للزينة أو لغيرها, كما هو موجود عند كثير من المترفين في هذا العصر, حيث إذا دخلت مجالسهم وجدت أوان وفناجين وأباريق وغيرها من ذهب أو من فضة، دون أن يستعملوها في أكل أو شرب, فما حكم هذا الاتخاذ؟ أيضاً ذهب جمهور العلماء إلى تحريمه, وما هي الأدلة على التحريم؟ الأدلة على التحريم ما يلي: أولاً: قالوا: العلة التي من أجلها حرم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة هي موجودة في الاتخاذ, بل ربما تكون في الاتخاذ أشد منها في الأكل والشرب, أياً كانت العلة, وذلك لأن الذي أكل أو شرب وإن كان وقع في محرم، إلا أنه استفاد من هذا الإناء, أما الذي اتخذه ولم يشرب أو يأكل فيه فهو لم ينتفع فيه بوجه من وجوه الانتفاع, فأضاف إلى العلة علة أخرى, وهي تضييع المال فيما لا فائدة فيه, فالعلة موجودة في الاتخاذ, كما هي موجودة في الأكل والشرب, وربما أشد من ذلك.
الأمر الثاني: أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه , وذلك كآلات اللهو وكالخمر وغيرها, فلا يجوز إبقاء هذه الأشياء. الأمر الثالث أو الدليل الثالث: أنه من باب سد الذريعة؛ لأن من وجد عنده إناء ذهب أو فضة فهذا ذريعة إلى أن يستعمله في أكل أو شرب, أو يستعمله بعض من عنده من الأهل والأولاد والخدم وغيرهم, ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى القول بتحريم الاتخاذ.
أما القول الثاني في الاتخاذ فهو مذهب أبي حنيفة، ورواية في مذهب الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000129&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) القول بجوازه؛ وذلك لأن النص ورد في الأكل والشرب, ولم يرد في ما عداهما, فيقصر التحريم على ما ورد في النص. والقول الأول أقوى دليلاً, وأكثر تمشياً مع مقاصد الشرع؛ لأن الأغراض والعلل التي من أجلها منع الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة هي موجودة في هذه الصورة التي هي الاتخاذ.
حكم استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب
مسألة الثالثة: هي حكم استعمال الذهب والفضة في غير الأكل والشرب, والفرق واضح بين هذه المسألة والتي قبلها, فالتي قبلها آنية تتخذ دون أن يشرب فيها أو يأكل فيها, أما التي بعدها فهي استعمال الذهب والفضة في أغراض مختلفة, ليس منها الأكل, وليس منها الشرب. وهذه المسألة ذهب أيضاً جمهور أهل العلم إلى تحريم استعمال الذهب والفضة فيها, بل حكى النووي الإجماع على التحريم, ولكن حكاية الإجماع لا تصح, وإنما ذكر القرطبي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) أنه رأي الجمهور, وقال ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمه الله: إن هذا مما لا يشك فيه عالم.
يعني: القول بمنع استعمال آنية الذهب والفضة في غير الأكل والشرب. وحجة من قالوا بالمنع ظاهرة, وهي أنهم قالوا: أولاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين نص على الأكل والشرب في الحديث: ( لا تأكلوا), ( لا تشربوا)، الذي يشرب أو يأكل، حين نص على الأكل والشرب فإنما ذلك لأنه الغالب من فعل الناس, فيدخل فيه غيره تبعاً.
أرأيت قول الله عز وجل: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[آل عمران:130] هل يجيز للإنسان أن يتعاطى الربا دون أن يأكله؟ هل يجوز له ذلك؟ إجماعاً لا يجوز له ذلك. وكذلك قوله تعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[النساء:10].
هل يجوز للإنسان أن يأخذ أموال اليتامى فيحتفظ بها ولا يأكلها, يطعمها أقاربه أو أولاده مثلاً, أو يخزنها؟ إجماعاً لا يجوز أيضاً. إذاً: فقوله تعالى http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gifلا تَأْكُلُوا الرِّبَا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif، http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif عبر بالأكل لأنه الغالب, والمقصود من هذه الأشياء, ويدخل فيه غيره تبعاً, فقالوا: إن نصه عليه الصلاة والسلام على الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة لأنها الغالب من فعل الناس, ويدخل فيه غيره.
هذا وجه. الوجه الثاني: قالوا: إن العلة في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة هي متحققة في جميع الاستعمالات, وما هي العلة؟ ما هي العلة في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة؟ قيل: العلة هي الخيلاء.
وقيل التشبه بالمشركين.
وهذه العلة مسألة التشبه وإن كان ضعفها بعض أهل العلم إلا أن لها وجهاً؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا)، دليل على أن هذا من صفات المشركين وخصائصهم, فاستعمال الذهب والفضة تشبه بالمشركين بلا شك, وقيل في العلة: أنه كسر قلوب الفقراء.
وقيل: الإسراف.
وقيل: لكونها أثماناً للأشياء.
وقيل -وهذا ما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي قرأتموه-: إنها من شأن أهل الجنة, ( ولكم في الآخرة ).
فهذه ست علل.
وذكر ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمه الله علة قوية - وقال: هي الصواب-: أن استعمال الذهب والفضة ينافي حقيقة العبودية لله عز وجل والتذلل له؛ فلذلك منعت. وهذه العلل سواء قلنا بها جميعاً أو ببعضها توجد في استعمال الذهب والفضة في أي أمر آخر، كما توجد في استعماله للأكل والشرب, انظر مثلاً إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ).
هذه الكلمة قد يفهم منها ثلاث علل. يفهم منها العلة الأولى: أن في استعمال الذهب والفضة تشبهاً بالمشركين؛ لأنها لهم في الدنيا, فهذا شأنهم. ويفهم منها أن في استعمال الذهب والفضة تشبهاً بأهل الجنة, وهذا ورد النهي عنه, كما في ( قصة الرجل الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم في يده خاتماً من ذهب فقال: ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة ). والعلة الثالثة: هي ما أشار إليه ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) -وقد تفهم ضمناً- أن استعمال الذهب والفضة في الدنيا لا ينبغي للمتقين العابدين لله, إنما هو شأن من فرطوا في العبودية لله عز وجل، وأصبحوا عبيداً لأهوائهم وشهواتهم.
فهذه العلل الثلاث تتحقق في جميع الاستعمالات للذهب والفضة غير الأكل والشرب. أهل الجنة مثلاً لا يستعملون الذهب والفضة إلا في الأكل والشرب فقط؟ الظاهر أنه لا يمكن القول بالحصر, بل قد يستعملونها سرراً وكراسي وخياماً وغير ذلك, وورد هذا في نصوص منها -وإن كان فيه ضعف-: ( قصة مؤتة وبعث الرسول صلى الله عليه وسلم زيداً (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000428&spid=157) وجعفر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000954&spid=157) وعبد الله بن رواحة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000301&spid=157) , فلما قتلوا رضي الله عنهم وأرضاهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنهم رفعوا لي على سرر من ذهب, فرأيت في سرير عبد الله بن رواحة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000301&spid=157) إزوراراً - يعني: انخفاضاً- عن سريري صاحبيه.
فقلت: لم هذا؟ فقيل: مضيا وتردد عبد الله (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000301&spid=157) بعض التردد ).
والحديث ذكره ابن هشام (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001598&spid=157) بلاغاً أو ابن إسحاق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005103&spid=157) , ورواه عبد الرزاق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000684&spid=157) بنحوه, ولكنه مرسل, فالحديث فيه ضعف , لكن الظاهر أن أهل الجنة يتنعمون بالذهب والفضة كيف شاءوا, آنية للأكل والشرب, وسرراً وكراسي وبيوتاً وغير ذلك, ولا يقال بحصر استعمالهم لهما في الأكل والشرب . فإذا قلنا بذلك أتت العلة المذكورة, ( فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ).
فأنتم في الآخرة تتنعمون فيها معاشر المؤمنين كيف شئتم, والكفار في الدنيا يتنعمون فيها كيف شاءوا, فمن أين جاء الحصر بالأكل والشرب ما دام أن العلة مطردة في كل شيء؟ فهذا يقوي القول الأول, أن النهي عام في جميع الاستعمالات. القول الثاني: أنه يقصر النهي على الأكل والشرب.
وهذا القول نسب للشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) وبعض أصحابه, ونسب لـداود الظاهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001271&spid=157) , يعني: أنه قصره على الشرب فقط كما سبق, وهو رواية ضعيفة في مذهب الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) .
ومن الغريب أن الشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) في نيل الأوطار، والصنعاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001328&spid=157) في سبل السلام رجحا هذا القول, بل ورجحاه بقوة, حيث قال الشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) رحمه الله: فالأصل المعتضد بالبراءة الأصلية -أو هذا القول يعني- القصر على الأكل والشرب ..
هذا القول يعتضد بالبراءة الأصلية هو وظيفة المنصف الذي لم يخبط بسوط هيبة الجمهور, يعني: القول بقصر المنع على الأكل والشرب هو وظيفة الإنسان المنصف الذي لا يخشى من مخالفة الجمهور, وإنما يهمه الوصول إلى الحق. وقال الصنعاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001328&spid=157) رحمه الله في سبل السلام ما معناه: أن القول بتعميم المنع في جميع الاستعمالات من شؤم تغيير اللفظ النبوي, فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تأكلوا ولا تشربوا), وقال: (الذي يأكل أو يشرب).
فجاء الفقهاء فغيروها إلى الذي يستعمل أو لا تستعملوا, فعدلوا عن اللفظ النبوي إلى ألفاظ من عند أنفسهم, ورجح القول بقصر التحريم على الأكل والشرب. وهذا القول ضعيف؛ لما سبق في القول الأول من اطراد العلة في كل شيء, وأن ذكر الأكل والشرب في الحديث لا يعني القصر عليه.
ونسبة هذا القول لـلشافعي كما نسب إليه في نيل الأوطار فيها نظر, ولعله لا يصح؛ وذلك لأن الإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله نص في كتاب الأم على أنه معصية, وقال: وأنا أكرهه.
فقوله: أكرهه ماذا يفهم منه؟ هل يفهم منه كراهة تنزيه أو كراهة تحريم؟ يفهم منه كراهة تحريم؛ لأن قوله قبل ذلك: إنه معصية يدل على أنه يعني بالكراهة كراهة التحريم لا كراهة التنزيه.
وهذه هي المسألة الثالثة.
تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ), هذا فيه عدة مسائل, وهو الأمر وما بعده الذي ساق المصنف الحديث لأجله. ففيه تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة، وهذا الحكم نقل عدد من أهل العلم الإجماع عليه, فنقل النووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) الإجماع على تحريم الشرب في آنية الذهب والفضة إلا ما يذكر من أحد قولي الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) , فقد نسب للإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في مذهبه القديم أنه يقول بالكراهة لا بالتحريم؛ وذلك لأن العلة المذكورة من الخيلاء والإسراف أو التشبه بالكفار -كما يقول بعض فقهاء الشافعية- لا تدل على التحريم.
وهذا بعيد؛ لأن العلة هذه دالة على التحريم؛ هذه العلة بعينها دليل على التحريم, وعلى فرض صحة هذا القول عن الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في مذهبه القديم، فهل يجوز أن يكون مذهباً له الآن؟ هل يجوز؟ لا, ليس مذهباً له؛ لأنه رجع عنه, وقال في قوله الجديد بتحريم الشرب في آنية الذهب والفضة, فنسبة القول القديم إليه إنما هي على سبيل المجاز, وإلا فالواقع أنه لا تصح نسبته إليه؛ حيث قد رجع عنه. وكذلك نقل الإجماع على التحريم ابن المنذر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000594&spid=157)، إلا ما نقل عن معاوية بن قرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005287&spid=157) من عدم القول بالتحريم, ولعل الحديث لم يبلغه في ذلك. وكذلك ذهب داود الظاهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001271&spid=157) إلى قصر التحريم على الشرب فحسب, قال: إن المحرم هو الشرب فحسب, ولعله والله أعلم وقف على رواية حديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) الذي قرأتموه, ولفظه المتفق عليه: ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ).
فلم يذكر فيه الأكل في الرواية المتفق عليها, وإن كان مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) ذكر الأكل كما سيأتي.
فهؤلاء ثلاثة نقل عنهم المخالفة في تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب: الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) في مذهبه القديم وقد رجع عنه, ومعاوية بن قرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005287&spid=157) , وكذلك داود الظاهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001271&spid=157) قصر القول بالتحريم على الشرب دون الأكل.
ولا شك أن وضوح النصوص والأحاديث وصراحتها في ذلك، قاضية بتحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة, بل بكونهما من كبائر الذنوب, وما الدليل على كونهما من الكبائر؟ قوله عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) : ( إنما يجرجر في بطنه نار جهنم )، هذا وعيد بالنار على من أكل أو شرب في إناء ذهب أو فضة, وهو دليل على أن الأكل والشرب فيهما من كبائر الذنوب, وليس محرماً فحسب.
هذا فيما يتعلق بالأكل والشرب.
وهذه هي المسألة الأولى.
حريم لبس الحرير على الرجال وحله للنساء
هذا الحديث فيه مسائل فقهية, وفيه فوائد عديدة: فمن فوائد الحديث: تحريم لبس الحرير على الرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج).
وأما النساء فيجوز لهن لبسه؛ لما صح عنه صلى الله عليه وسلم عن نحو تسعة من الصحابة: ( أنه أخذ بيده اليمنى قطعة حرير وبيده الأخرى ذهباً، وقال: هذان حرام على ذكور أمتي ).
زاد ابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) : ( حلال لإناثها).
فالحرير حرام على الذكور, أما على الإناث فهو مباح حلال, وكذلك الذهب من حيث اللبس.
معاني الفاظ الحديث
قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج)، الديباج: هي ثياب تتخذ وتصنع من الإبريسم, الديباج: ثياب تتخذ وتصنع من الإبريسم, وهو نوع نفيس من الحرير, بخلاف الخز مثلاً فهو من رديء الحرير .
فقوله عليه الصلاة والسلام: ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج) هذا في اللغة العربية يسمى من باب عطف الخاص على العام, لأن الديباج هو أحد أقسام أو أنواع الحرير, ومع ذلك عطفه عليه تنبيهاً على شدة النهي. ( لا تلبسوا الحرير ولا الديباج, ولا تشربوا في آنية الذهب ولا الفضة, ولا تأكلوا في صحافهما).
الصحاف جمع صحفة, وهي إناء يؤكل به, يقول أهل اللغة: إنه يشبع الخمسة من الرجال , ومن المعلوم أن العرب يسمون آنية الأكل بحسب سعتها, وبحسب من تشبع, فإن كانت إناءً ضخماً عظيماً سموه الجفنة, وإن كانت دون ذلك بحيث تشبع العشرة ونحوهم سموها القصعة, وإن كانت دون ذلك تشبع الخمسة سموها الصحفة, كما هاهنا, وإن كانت تشبع الاثنين والثلاثة سموها المِأكلة , فهذا معنى قوله: (في صحافهما).
( ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا).
فإنها يعني: آنية الذهب والفضة, (لهم في الدنيا), من هم المقصودون؟ الكفار والمشركون, ومع ذلك فإن الكفار والمشركين لم يسبق لهم ذكر في الحديث حتى يرجع النبي صلى الله عليه وسلم الضمير إليهم, ولكن اللغة العربية واسعة جداً, فيعاد الضمير وإن لم يكن إلى مذكور إذا فهم هذا من السياق, وهو كثير جداً, ومن جميله قول أحد الشعراء, يقول: وإني لأهوى وهو يغتال مدتي مرور الليالي ..............
وإني لأهوى وهو يغتال مدتي, (وهو) الضمير الآن جاء قبل أن يأتي ما يعود عليه الضمير, ثم جاء بعد الاسم الذي عاد عليه الضمير في قوله: مرور الليالي كي يشب حكيم مخافة أن يغتالني الموت دونه فيغشى بيوت الحي وهو يتيم فالضمير قد يعود على متأخر, وقد يعود على ما لم يذكر إذا فهم من السياق.
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( فإنها لهم في الدنيا ), ما معنى كونها لهم في الدنيا؟ هل معناه: أنها مباحة لهم في الدنيا؟ هذا باعتبار الواقع..
لهم في الدنيا باعتبار الأمر الواقع القائم؛ لأنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله, ولا يرعوون عن ترك هذا الأشياء, فلذلك صارت لهم في الدنيا, وإلا فالواقع أنها محرمة عليهم كما هي محرمة على غيرهم, ويعاقبون عليها في الآخرة كما يعاقبون على سائر الذنوب والمعاصي التي فعلوها, كما ذكر الله عز وجل في كتابه: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[المدثر:42-46].
فيعذبون على كل ذنب عملوه, فهي حرام عليهم في الدنيا, لكنها لهم باعتبار الأمر الواقع القائم, ( ولكم في الآخرة ).
طويلب علم مبتدئ
06 / 05 / 2013, 34 : 06 PM
أما الحديث الثاني وهو حديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ).
الحديث بهذا اللفظ متفق عليه, ورواه مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) بلفظ آخر: ( الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة ).
فزاد في اللفظ الآخر زيادة (الأكل) وزيادة (الذهب), فاللفظ الآخر ( الذي يأكل أو يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ).
فوائد الحديث
حديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) فيه فوائد: أولاً: تحريم الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة, وهذا سبق في الحديث قبله. والوجه الثاني: أن هذا من كبائر الذنوب, وهذه الفائدة تؤخذ من حديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) , ولا تؤخذ من الحديث الذي قبله صراحة, وإن كانت قد تؤخذ منه ضمناً. ومن فوائد حديث أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) : أن الجزاء في الشرع من جنس العمل, وهذا له شواهد كثيرة جداً، أطنب بذكرها الحافظ ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمه الله, ومن أمثلته هذا الحديث, فإن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من أكل أو شرب في آنية الذهب والفضة بوعيد يناسب فعله, وهو أن يتجرع يوم القيامة جرعات من نار جهنم في بطنه, فيجرجرها كما يجرجر صوت الماء في بطنه. ومثله قول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: ( من قتل نفسه بحديدة فحديدته في بطنه يتوجأ بها في نار جهنم، خالداً مخلداً فيها أبداً, ومن قتل نفسه بسُم أو بسَم فسمه في يده يتحساه في نار جنهم، خالداً مخلداً فيها أبداً).
ونقف عند هذا الحد. ونسأل الله أن يعينني وإياكم على أنفسنا, وأن يرزقنا القيام بما أوجب علينا, وأن يجعلنا من الآمرين بالمعروف الفاعلين له, الناهين عن المنكر التاركين له, وأن يصلح أحوالنا. وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاني الفاظ الحديث
وقوله عليه الصلاة والسلام: ( إنما يجرجر) المقصود بالجرجرة هي: صوت الماء في البطن, صوت تجرع الماء.
وهذا إشارة إلى أنه يعاقب يوم القيامة في النار بذلك, كما في قوله تعالى: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[النساء:10].
فهكذا هذا الذي يشرب أو يأكل في آنية الذهب أو الفضة يجرجر في بطنه يوم القيامة نار جهنم.
(يجرجر في بطنه نار جهنم)، ما إعراب نار؟ مفعول به منصوب.
هذا الوجه الأول أن (نار) مفعول به منصوب, وهذا رأي جمهور النحويين وأهل اللغة, أن (نار) مفعول به منصوب ليجرجر, يعني: الشارب يجرجر في بطنه نار جهنم, فهي مفعول به منصوب, ويؤكد صحة هذا الوجه ما ورد في صحيح مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) : ( إنما يجرجر في بطنه ناراً).
بالتنوين, ولم يقل: من جهنم.
وكذلك ورد في حديث عن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) : ( ناراً من جهنم ).
الحديث في مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) : ( إنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم ).
وورد عن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) : ( إنما يجرجر في بطنه ناراً ) بدون قوله: (من جهنم).
فهذا يؤكد أن ناراً مفعول به منصوب. الوجه الثاني: الرفع، قالوا: (فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم). فيكون إعرابها: فاعل ليجرجر, يعني: كأن المعنى فإنما تجرجر في بطنه نار جهنم, وإنما ذكر الفعل يجرجر لوجود الفاصلة بين الفعل والفاعل, (يجرجر في بطنه نار جهنم), ففصل بين الفعل والفاعل, فذكر الفعل مع أن الفاعل مؤنث.
والوجه الأول أصح وأقوى, وهو قول أكثر علماء النحو وأهل الحديث.
طويلب علم مبتدئ
16 / 05 / 2013, 05 : 06 PM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه على دينه وسنته إلى يوم الدين. عندنا الآن حديثان أو ثلاثة في موضوع دباغ الجلود: الحديث الأول: وهو حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ). وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ -يعني- فقد طهر )، ولكنه ذكر القدر الذي اختلفت رواية مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) فيه عن رواية الأربعة، وقد سبق مراراً من هم الأربعة.
هم أصحاب السنن: أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) .
ثم ذكر رحمه الله حديث سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دباغ جلود الميتة طهورها )، وقال: صححه ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157).
تخريج الحديثين وكلام أهل العلم فيهما http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow4.png وهاهنا تجدون أن المصنف رحمه الله لم يعز الحديث إلى أحد من الأئمة المخرجين كعادته، بل اكتفى بذكر تصحيح ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) له، فلا أدري هل هذا من أصل الكتاب، أم أنه في بعض النسخ دون بعض؟ ولكن ذكر تصحيح ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157)، يعني: أن ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) أخرجه في صحيحه، فكأنه قال: رواه ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) وصححه، والله أعلم. وحديث سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) رضي الله عنه رواه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) -كما سبق- والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) وغيرهم، بلفظ قريب مما ساقه المصنف رحمه الله.
وقد تكلم في إسناد هذا الحديث: فضعفه بعض أهل العلم كالإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) ؛ وذلك لأن في إسناده الجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) الراوي عن سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157)، فالجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) يروي عن سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) هذا الحديث، فالإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمه الله قال: لا أدري من الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) هذا.
فكأنه عده مجهولاً . وصححه بعض أهل العلم حيث إن يحيى بن معين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004516&spid=157) وغيره وثقوا الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) هذا وعرفوه، وعده بعضهم من الصحابة؛ فلذلك صحح بعض أهل العلم الحديث، وممن صححه ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) كما سبق، وصححه ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) صراحة في كتاب: تلخيص الحبير، حيث قال: إسناده صحيح. وصححه النووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) أيضاً وقال: إسناده صحيح إلا أنه اختلف في الجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) . والغريب أن الحافظ ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) رحمة الله عليه في تلخيص الحبير، ذكر هذا الحديث والكلام في الجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157)، ثم حكم بالصحة للحديث بصحة الإسناد وذكر أن الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) معروف، وأن بعضهم عدوه في الصحابة، ثم في كتابه الآخر الشهير تقريب التهذيب ذكر الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) أيضاً، وقال: إنه لا تصح له صحبة، وإنما الصحبة لأبيه وهو مقبول، فصار عنده مقبولاً. وقد سبق في مواضع في هذه الدروس أن المقبول ما حكم حديثه؟ المقبول في اصطلاح ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في التقريب ما حكم حديثه؟ هل يكون حديثه مقبولاً -يعني: صحيحاً أو حسناً- أو له حكم آخر؟ حكم حديث المقبول أنه ضعيف إلا إذا توبع.
حيث بين ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) هذا في المقدمة فقال: المقبول أي: حيث يتابع وإلا فلين الحديث، فالمقبول لين الحديث إذا لم توجد له متابعة، وبناءً عليه فكان ينبغي أن يكون حكم هذا الحديث على حسب هذا الاصطلاح، وكلام ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) وأنه مقبول، أن يكون هذا الإسناد بمفرده ما حكمه؟ ضعيفاً.
أن يكون هذا الإسناد بمفرده ضعيفاً، وإن كان قد يرتقي؛ لأن النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) رحمه الله روى اللفظ نفسه عن عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها ( دباغ جلود الميتة طهورها )، فبذلك يكون هذا شاهداً لحديث سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) يرتقي به إلى درجة الحسن، هذا ما يتعلق بحديث سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) وإسناده.
ما الحديث الثالث: وهو حديث ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) رضي الله عنها قالت: ( مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها، فقال: لو أخذتم إهابها ).
معاني ألفاظ الحديث
الإهاب: هو الجلد قبل الدبغ ( لو أخذتم إهابها.
فقالوا: إنها ميتة.
فقال: يطهرها الماء والقرظ ).
والقرظ: هو نوع من الشجر، وهو ورق شجر السلام، وهو يستعمل في معالجة الجلود ودباغها حتى تلين ويذهب ما بها من الرطوبة والنتن .
فالمقصود: يطهرها الدباغ. هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بحكم جلود الميتة إذا دبغت؛ ولذلك أدخلها المصنف رحمه الله في باب الآنية، لأن الجلود من الآنية التي يستعملها الناس في المياه.
الأقوال في حكم جلود الميتة
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، وهي مسألة حكم جلود الميتة، اختلفوا اختلافات كثيرة لخصها الإمام النووي رحمه الله وغيره في سبعة أقوال تساق بطريقة متسلسلة:
القول الأول: أن الدباغ لا يطهر جلود مأكول اللحم ولا غيره
القول الأول: أنه لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ، لا جلود مأكول اللحم ولا غيره، لا يطهر جلد من جلود الميتة بالدباغ، وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد، وقد ثبت رجوعه عنه لما تبين له اضطرابهم في الدليل الذي استدلوا به، وهو رواية عن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) أنه لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ، واستدل أصحاب هذا القول بدليل، هو ما رواه عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) (بضم العين بالتصغير) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب )، والحديث يدل على النهي عن الانتفاع بالإهاب مطلقاً، وهو الجلد مطلقاً، ولم يفصل قبل الدبغ أو بعده، ولذلك ذهب هؤلاء إلى تحريم الانتفاع بجلود الميتة سواءً قبل الدبغ أو بعده، ولكن تكلم في هذا الحديث من عدة أوجه، أعل هذا الحديث بأربع علل: الأولى منها: الإرسال أنه مرسل؛ لأن عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) مخضرم، والمخضرم: هو من عاش في الجاهلية وفي الإسلام ولم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معدود في التابعين، بعضهم يعد المخضرمين في التابعين، فـعبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، فالحديث بناءً على هذا مرسل. والعلة الثانية: الانقطاع، فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004521&spid=157) الذي روى حديث عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) لم يلقه، فالحديث على هذا منقطع أيضاً، وهذه علة ثانية. العلة الثالثة: الاضطراب في سند الحديث، الاضطراب في السند، فإن عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) رحمه الله قال: مرة عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرة أخرى قال: عن مشيخة من جهينة سمعوا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرة ثالثة قال: عمن قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن المشيخة من جهينة، والذين قرءوا كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكونون صحابة، وقد يكونون كذلك من المخضرمين كـعبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) . العلة الرابعة: الاضطراب في متن الحديث، فقد جاء في بعض الروايات: (جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهرين)، وفي بعضها: (قبل أن يموت بشهر)، وفي بعضها: (قبل أن يموت بأربعين يوماً)، وفي بعضها: (قبل أن يموت بثلاثة أيام) وهذا اضطراب؛ ولذلك ترك الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) هذا الحديث لما رأى اضطرابهم فيه. وبعض أهل العلم يجيبون على هذه العلل فيقولون: إن ابن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) قرأ الكتاب، ورواه عن مشيخة من جهينة أيضاً، وليس في هذا تعارض، والاضطراب يعود إلى جزء من المتن، وهو المدة التي كانت بين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين وصول الكتاب، ولا يعود إلى الأمر المتعلق بالمسألة وهو موضوع: (عدم الانتفاع من الميتة بإهاب ولا عصب)، ولكن على فرض أن الحديث صحيح فإنه يجاب عن استدلال هؤلاء بالحديث بجوابين: الجواب الأول: أن يقال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه أذن بالانتفاع بجلود الميتة بعد دبغها، وورد هذا عن أكثر من سبعة عشر صحابياً, أو بعبارة أدق نقول: ورد في ذلك أكثر من سبعة عشر حديثاً، منها ثلاثة أحاديث عن أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) رضي الله عنها، ومنها حديثان عن أنس بن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) رضي الله عنه، ومنها حديثان عن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه، ومنها حديث عن سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) كما مر، وعن ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) ومر أيضاً، وعن سودة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001332&spid=157)، وعن جابر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000586&spid=157)، وعن أبي أمامة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000040&spid=157)، وعن المغيرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002098&spid=157)، وعن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157)، وعن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وغيرهم، أكثر من سبعة عشر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الإذن بالانتفاع بجلود الميتة، فإذا أردنا أن نقارن أو نرجح أحد الطرفين أيهما أولى بالترجيح؛ الأحاديث السبعة عشر، أم حديث عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) على فرض صحته؟ لا شك أن الأحاديث السبعة عشر أولى بالترجيح إن كان ولابد من الترجيح، فهذا هو الوجه الأول: أن يقال بترجيح الأحاديث الواردة في التطهير بالدباغ. الوجه الثاني: وهو أنسب وأحسن أن يقال: ليس بين الأحاديث تعارض، فالأحاديث السبعة عشر في جواز الانتفاع بجلد الميتة إذا دبغ، أما حديث عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) فهو في تحريم الانتفاع بجلد الميتة قبل الدبغ، ومما يؤكد صحة هذا المعنى: أن أهل اللغة كـالنضر بن شميل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004669&spid=157) والجوهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001441&spid=157) وغيرهم فسروا الإهاب: بأنه الجلد قبل أن يدبغ.
إذاً: فحديث ابن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) : ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب )، أي: لا تنتفعوا من الميتة بجلد غير مدبوغ، وهذا مسلم.
لا تنتفعوا من الميتة بجلد غير مدبوغ هذا هو الإهاب، وبهذه الطريقة تلتئم الأحاديث ويشد بعضها بعضاً، إذاً: هذا هو القول الأول، القول: بأنه لا يطهر جلد من جلود الميتة بالدباغ وهذا دليلهم.
القول الثاني: أن الدباغ يطهر جلود مأكول اللحم دون غيره
القول الثاني: قالوا يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم فحسب، يعني: جلد الشاة مثلاً ونحوها مما يؤكل لحمه يطهر بالدباغ إذا ماتت، إذا ماتت فسلخ جلدها فدبغ طهر، أما غيرها من السباع والحيوانات التي لا تؤكل فلا تطهر بدباغ ولا غيره، وهذا القول هو مذهب الأوزاعي وأبي ثور (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000399&spid=157) وعبد الله بن المبارك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000018&spid=157) وإسحاق بن راهويه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000297&spid=157)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) والإمام ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمة الله عليهم أجمعين، فهؤلاء الأئمة يفرقون بين جلد مأكول اللحم وغيره، ولهم في ذلك أدلة عديدة منها: أولاً: الحديث المتفق عليه عن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما حرم من الميتة أكلها )، ولابد من الانتباه لطريقة الاستدلال بالحديث ( إنما حرم من الميتة أكلها )، فوجه الشاهد والدلالة في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف هذه الشاة بأنها ميتة، وهذا الوصف وصف مؤثر ومقصود، وبين أنه إنما حرم بموتها أمر واحد وهو أكلها، ولذلك وصفها بأنها ميتة ( إنما حرم من الميتة )، فوصفها بأنها ميتة ورتب على كونها بهذه الصفة حكماً: وهو أن يحرم أكلها، أليس هذا دليلاً على أن ما لا يؤكل أصلاً له حكم آخر؟ بلى.
يدل بظاهره على ذلك، فنقول: ما كان حراماً أصلاً سواءً بالموت أو بالتذكية فلا يدخل في ذلك، فمثلاً سائر السباع والحيوانات التي لا يؤكل لحمها هل تفيد فيها الذكاة بحل لحمها؟ كلا لا تفيد، فبناءً على ذلك نقول: إن الحكم خاص بالميتة التي حرم أكلها لعارض وهو كونها ميتة، ولو ذكيت لما حرم أكلها، فمأخذ الاستدلال بالحديث لطيف ولابد من الانتباه له، فهذا الدليل الأول على التفريق بين مأكول اللحم وغيره.
نعيد مرة أخرى: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما حرم من الميتة أكلها )، الرسول صلى الله عليه وسلم، وصف هذا الحيوان بأنه ميتة، ورتب على كونه ميتة حرمة الأكل منه، وحل الانتفاع بجلده بعد دبغه، فعلم بذلك أن الحيوان الذي هو محرم الأكل بكل حل سواء ذكي أو مات حتف أنفه أنه لا تفيد فيه الذكاة، ولا يدخل في هذا الحكم، هذا الدليل الأول لهم. الدليل الثاني: ما رواه النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) عن أم المؤمنين عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها، وهذا أيضاً يضاف للأحاديث الخمسة عشر أو الستة عشر التي ذكرت في الدباغ، حديث عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها ما رواه النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) عن عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جلود الميتة: دباغها ذكاتها )، وفي لفظ: ( ذكاتها دباغها )، هذا الحديث يدل أيضاً على المعنى بوجه لطيف، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الدباغ لجلد الميتة مقام الذكاة، فكأنه صلى الله عليه سلم قال: إنك إذا دبغت جلد الميتة فكأنما ذكيتها ( دباغها ذكاتها )، والذكاة تفيد في مأكول اللحم بلا شك، لكنها لا تفيد فيما لا يؤكل لحمه، فدل على أن ما يؤكل لحمه ينتفع بجلده بعد الدبغ، وما لا يؤكل لحمه لا ينتفع به، هذا الدليل الثاني. الدليل الثالث: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عن معاوية بن أبي سفيان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000014&spid=157)، وعن أسامة بن عمير الذهلي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005283&spid=157)، وعن المقدام بن معدي كرب (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005387&spid=157) وغيرهم، في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع، وربما استأنس هؤلاء بأسباب ورود الحديث، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها، شاة لـميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) أو لمولاتها أو نحو ذلك، وجميع الأسباب التي وردت فيها ذكر حيوان مأكول اللحم، فهذا قد يستأنس به على أن المقصود ما كان مأكول اللحم، وإن كان من المقرر عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذه أدلة هؤلاء الأئمة على أنه يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم، وهذا القول هو أقوى الأقوال وأصحها؛ لقوة أدلته كما رأيتم، ولأن فيه جمعاً بين النصوص، فالواقع أن أصحاب هذا القول لم يهملوا نصاً واحداً من النصوص، فهم أعملوا نصوص تطهير جلد الميتة بالدباغ ..
أعملوها في حدود مأكول اللحم، وهم كذلك أعملوا أحاديث النهي عن جلود السباع ..
أعملوها في ما عدا ذلك، وبناءً على ذلك فهذا القول أقوى وأصح من غيره من الأقوال.
لقول الثالث: أن الدباغ يطهر جلد كل ميتة إلا الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما
القول الثالث: في المسألة أنه يطهر بالدباغ جلد كل ميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، يعني كلب مع حيوان آخر أو خنزير مع حيوان آخر فهذا لا يطهر؛ وذلك لأنها رجس، فأما الكلب فقد مر معنا الحديث الوارد في ولوغ الكلب، وأما الخنزير فقد قال الله عز وجل: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنعام:145]، وهذا مذهب الإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله.
القول الرابع: أن الدباغ يطهر كل جلد ميتة إلا الخنزير
لقول الرابع: أنه يطهر كل جلد إلا الخنزير فحسب وهو مذهب الحنفية؛ وذلك لأنه رجس كما سبق.
القول الخامس: أن الدباغ يطهر كل جلد ظاهراً لا باطناً
القول الخامس: أنه يطهر كل جلد ظاهراً لا باطناً، وهذا قول الإمام مالك، وقد قال فيه الإمام الشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) رحمه الله: وهو تفصيل لا دليل عليه.
ومعنى ظاهراً لا باطناً، أي: أنها تطهر فيجوز استعمالها في الأشياء اليابسة، أما الأشياء الرطبة كالماء مثلاً والمائعات فلا تستعمل فيها؛ لأن باطنها نجس.
القول السادس: أن الدباغ يطهر كل جلد ظاهراً وباطناً
القول السادس: يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهراً وباطناً، وهذا أوسع الأقوال كما تلاحظون، فهو لا يستثني شيئاً مطلقاً، يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهراً وباطناً، وهذا مذهب داود الظاهري والظاهرية، وهو منسوب لـأبي يوسف (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001271&spid=157) من الحنفية، ورجحه الإمام الشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) في نيل الأوطار، القول بطهارة جميع الجلود، وما هي حجة أصحاب هذا القول؟ حجتهم حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157): ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )، وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ )، فيقولون: هذا عام، الإهاب عام إذا دبغ الإهاب (وأيما إهاب) هذه نكرة في سياق الشرط فتعم كل إهاب، إهاب مأكول اللحم، وإهاب غير مأكول اللحم ..
إهاب كلب ..
إهاب خنزير؛ كلها تطهر عندهم بالدباغ.
القول السابع: جواز الانتفاع بجلود الميتة حتى لو لم تدبغ
القول السابع: أنه يجوز الانتفاع بجلود الميتة حتى لو لم تدبغ، وهذا مذهب الزهري، فقد نقله عنه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001491&spid=157) في سننه، أنه يرى أن الدباغ ليس بلازم، ولعله رحمه الله ذهب إلى هذا القول لأن في بعض طرق حديث ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) لم يذكر الدباغ، فلذلك ذهب الزهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001491&spid=157) إلى أنه ينتفع بجلد الميتة وإن لم يدبغ. فهذه سبعة أقوال مرتبة: أولها أضيقها، وهو الذي يقول: لا يجوز الانتفاع بجلود الميتة، لا جلد مأكول اللحم ولا غيره، لا قبل الدبغ ولا بعده، وآخرها وهو السادس أوسعها، حيث يبيح الانتفاع بجميع الجلود حتى جلد الكلب والخنزير، بل وذهب الزهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001491&spid=157) كما رأيتم وسمعتم إلى أن الدبغ ليس بلازم، بل ينتفع بالجلد وإن لم يدبغ، وأصح هذه الأقوال كما سبق هو القول الثاني: الذي يبيح الانتفاع بجلد مأكول اللحم إذا دبغ، هذه هي الأقوال المذكورة في حكم جلد الميتة. والله أعلم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
طويلب علم مبتدئ
16 / 05 / 2013, 05 : 06 PM
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه وأتباعه على دينه وسنته إلى يوم الدين. عندنا الآن حديثان أو ثلاثة في موضوع دباغ الجلود: الحديث الأول: وهو حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر ). وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ -يعني- فقد طهر )، ولكنه ذكر القدر الذي اختلفت رواية مسلم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000207&spid=157) فيه عن رواية الأربعة، وقد سبق مراراً من هم الأربعة.
هم أصحاب السنن: أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والترمذي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000035&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وابن ماجه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000267&spid=157) .
ثم ذكر رحمه الله حديث سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دباغ جلود الميتة طهورها )، وقال: صححه ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157).
تخريج الحديثين وكلام أهل العلم فيهما http://audio.islamweb.net/audio/images/arrow4.png وهاهنا تجدون أن المصنف رحمه الله لم يعز الحديث إلى أحد من الأئمة المخرجين كعادته، بل اكتفى بذكر تصحيح ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) له، فلا أدري هل هذا من أصل الكتاب، أم أنه في بعض النسخ دون بعض؟ ولكن ذكر تصحيح ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157)، يعني: أن ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) أخرجه في صحيحه، فكأنه قال: رواه ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) وصححه، والله أعلم. وحديث سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) رضي الله عنه رواه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000289&spid=157) والنسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) وابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) -كما سبق- والبيهقي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000511&spid=157) وأحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) وغيرهم، بلفظ قريب مما ساقه المصنف رحمه الله.
وقد تكلم في إسناد هذا الحديث: فضعفه بعض أهل العلم كالإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) ؛ وذلك لأن في إسناده الجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) الراوي عن سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157)، فالجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) يروي عن سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) هذا الحديث، فالإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) رحمه الله قال: لا أدري من الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) هذا.
فكأنه عده مجهولاً . وصححه بعض أهل العلم حيث إن يحيى بن معين (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004516&spid=157) وغيره وثقوا الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) هذا وعرفوه، وعده بعضهم من الصحابة؛ فلذلك صحح بعض أهل العلم الحديث، وممن صححه ابن حبان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000795&spid=157) كما سبق، وصححه ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) صراحة في كتاب: تلخيص الحبير، حيث قال: إسناده صحيح. وصححه النووي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) أيضاً وقال: إسناده صحيح إلا أنه اختلف في الجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) . والغريب أن الحافظ ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) رحمة الله عليه في تلخيص الحبير، ذكر هذا الحديث والكلام في الجون بن قتادة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157)، ثم حكم بالصحة للحديث بصحة الإسناد وذكر أن الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) معروف، وأن بعضهم عدوه في الصحابة، ثم في كتابه الآخر الشهير تقريب التهذيب ذكر الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) أيضاً، وقال: إنه لا تصح له صحبة، وإنما الصحبة لأبيه وهو مقبول، فصار عنده مقبولاً. وقد سبق في مواضع في هذه الدروس أن المقبول ما حكم حديثه؟ المقبول في اصطلاح ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في التقريب ما حكم حديثه؟ هل يكون حديثه مقبولاً -يعني: صحيحاً أو حسناً- أو له حكم آخر؟ حكم حديث المقبول أنه ضعيف إلا إذا توبع.
حيث بين ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) هذا في المقدمة فقال: المقبول أي: حيث يتابع وإلا فلين الحديث، فالمقبول لين الحديث إذا لم توجد له متابعة، وبناءً عليه فكان ينبغي أن يكون حكم هذا الحديث على حسب هذا الاصطلاح، وكلام ابن حجر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000257&spid=157) في الجون (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005284&spid=157) وأنه مقبول، أن يكون هذا الإسناد بمفرده ما حكمه؟ ضعيفاً.
أن يكون هذا الإسناد بمفرده ضعيفاً، وإن كان قد يرتقي؛ لأن النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) رحمه الله روى اللفظ نفسه عن عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها ( دباغ جلود الميتة طهورها )، فبذلك يكون هذا شاهداً لحديث سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) يرتقي به إلى درجة الحسن، هذا ما يتعلق بحديث سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) وإسناده.
ما الحديث الثالث: وهو حديث ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) رضي الله عنها قالت: ( مر النبي صلى الله عليه وسلم بشاة يجرونها، فقال: لو أخذتم إهابها ).
معاني ألفاظ الحديث
الإهاب: هو الجلد قبل الدبغ ( لو أخذتم إهابها.
فقالوا: إنها ميتة.
فقال: يطهرها الماء والقرظ ).
والقرظ: هو نوع من الشجر، وهو ورق شجر السلام، وهو يستعمل في معالجة الجلود ودباغها حتى تلين ويذهب ما بها من الرطوبة والنتن .
فالمقصود: يطهرها الدباغ. هذه الأحاديث الثلاثة تتعلق بحكم جلود الميتة إذا دبغت؛ ولذلك أدخلها المصنف رحمه الله في باب الآنية، لأن الجلود من الآنية التي يستعملها الناس في المياه.
الأقوال في حكم جلود الميتة
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، وهي مسألة حكم جلود الميتة، اختلفوا اختلافات كثيرة لخصها الإمام النووي رحمه الله وغيره في سبعة أقوال تساق بطريقة متسلسلة:
القول الأول: أن الدباغ لا يطهر جلود مأكول اللحم ولا غيره
القول الأول: أنه لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ، لا جلود مأكول اللحم ولا غيره، لا يطهر جلد من جلود الميتة بالدباغ، وهذا القول هو مذهب الإمام أحمد، وقد ثبت رجوعه عنه لما تبين له اضطرابهم في الدليل الذي استدلوا به، وهو رواية عن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000036&spid=157) أنه لا يطهر شيء من الجلود بالدباغ، واستدل أصحاب هذا القول بدليل، هو ما رواه عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) (بضم العين بالتصغير) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب )، والحديث يدل على النهي عن الانتفاع بالإهاب مطلقاً، وهو الجلد مطلقاً، ولم يفصل قبل الدبغ أو بعده، ولذلك ذهب هؤلاء إلى تحريم الانتفاع بجلود الميتة سواءً قبل الدبغ أو بعده، ولكن تكلم في هذا الحديث من عدة أوجه، أعل هذا الحديث بأربع علل: الأولى منها: الإرسال أنه مرسل؛ لأن عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) مخضرم، والمخضرم: هو من عاش في الجاهلية وفي الإسلام ولم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معدود في التابعين، بعضهم يعد المخضرمين في التابعين، فـعبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، فالحديث بناءً على هذا مرسل. والعلة الثانية: الانقطاع، فإن عبد الرحمن بن أبي ليلى (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004521&spid=157) الذي روى حديث عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) لم يلقه، فالحديث على هذا منقطع أيضاً، وهذه علة ثانية. العلة الثالثة: الاضطراب في سند الحديث، الاضطراب في السند، فإن عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) رحمه الله قال: مرة عن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرة أخرى قال: عن مشيخة من جهينة سمعوا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومرة ثالثة قال: عمن قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن المعلوم أن المشيخة من جهينة، والذين قرءوا كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم قد يكونون صحابة، وقد يكونون كذلك من المخضرمين كـعبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) . العلة الرابعة: الاضطراب في متن الحديث، فقد جاء في بعض الروايات: (جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بشهرين)، وفي بعضها: (قبل أن يموت بشهر)، وفي بعضها: (قبل أن يموت بأربعين يوماً)، وفي بعضها: (قبل أن يموت بثلاثة أيام) وهذا اضطراب؛ ولذلك ترك الإمام أحمد (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000008&spid=157) هذا الحديث لما رأى اضطرابهم فيه. وبعض أهل العلم يجيبون على هذه العلل فيقولون: إن ابن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) قرأ الكتاب، ورواه عن مشيخة من جهينة أيضاً، وليس في هذا تعارض، والاضطراب يعود إلى جزء من المتن، وهو المدة التي كانت بين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وبين وصول الكتاب، ولا يعود إلى الأمر المتعلق بالمسألة وهو موضوع: (عدم الانتفاع من الميتة بإهاب ولا عصب)، ولكن على فرض أن الحديث صحيح فإنه يجاب عن استدلال هؤلاء بالحديث بجوابين: الجواب الأول: أن يقال: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه أذن بالانتفاع بجلود الميتة بعد دبغها، وورد هذا عن أكثر من سبعة عشر صحابياً, أو بعبارة أدق نقول: ورد في ذلك أكثر من سبعة عشر حديثاً، منها ثلاثة أحاديث عن أم سلمة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000213&spid=157) رضي الله عنها، ومنها حديثان عن أنس بن مالك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000029&spid=157) رضي الله عنه، ومنها حديثان عن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه، ومنها حديث عن سلمة بن المحبق (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005285&spid=157) كما مر، وعن ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) ومر أيضاً، وعن سودة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001332&spid=157)، وعن جابر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000586&spid=157)، وعن أبي أمامة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000040&spid=157)، وعن المغيرة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1002098&spid=157)، وعن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157)، وعن ابن عمر (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000239&spid=157) وغيرهم، أكثر من سبعة عشر حديثاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيها الإذن بالانتفاع بجلود الميتة، فإذا أردنا أن نقارن أو نرجح أحد الطرفين أيهما أولى بالترجيح؛ الأحاديث السبعة عشر، أم حديث عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) على فرض صحته؟ لا شك أن الأحاديث السبعة عشر أولى بالترجيح إن كان ولابد من الترجيح، فهذا هو الوجه الأول: أن يقال بترجيح الأحاديث الواردة في التطهير بالدباغ. الوجه الثاني: وهو أنسب وأحسن أن يقال: ليس بين الأحاديث تعارض، فالأحاديث السبعة عشر في جواز الانتفاع بجلد الميتة إذا دبغ، أما حديث عبد الله بن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) فهو في تحريم الانتفاع بجلد الميتة قبل الدبغ، ومما يؤكد صحة هذا المعنى: أن أهل اللغة كـالنضر بن شميل (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004669&spid=157) والجوهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001441&spid=157) وغيرهم فسروا الإهاب: بأنه الجلد قبل أن يدبغ.
إذاً: فحديث ابن عكيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004670&spid=157) : ( لا تنتفعوا من الميتة بإهاب )، أي: لا تنتفعوا من الميتة بجلد غير مدبوغ، وهذا مسلم.
لا تنتفعوا من الميتة بجلد غير مدبوغ هذا هو الإهاب، وبهذه الطريقة تلتئم الأحاديث ويشد بعضها بعضاً، إذاً: هذا هو القول الأول، القول: بأنه لا يطهر جلد من جلود الميتة بالدباغ وهذا دليلهم.
القول الثاني: أن الدباغ يطهر جلود مأكول اللحم دون غيره
القول الثاني: قالوا يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم فحسب، يعني: جلد الشاة مثلاً ونحوها مما يؤكل لحمه يطهر بالدباغ إذا ماتت، إذا ماتت فسلخ جلدها فدبغ طهر، أما غيرها من السباع والحيوانات التي لا تؤكل فلا تطهر بدباغ ولا غيره، وهذا القول هو مذهب الأوزاعي وأبي ثور (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000399&spid=157) وعبد الله بن المبارك (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000018&spid=157) وإسحاق بن راهويه (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000297&spid=157)، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000006&spid=157) والإمام ابن القيم (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000007&spid=157) رحمة الله عليهم أجمعين، فهؤلاء الأئمة يفرقون بين جلد مأكول اللحم وغيره، ولهم في ذلك أدلة عديدة منها: أولاً: الحديث المتفق عليه عن ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157) رضي الله عنه وأرضاه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما حرم من الميتة أكلها )، ولابد من الانتباه لطريقة الاستدلال بالحديث ( إنما حرم من الميتة أكلها )، فوجه الشاهد والدلالة في الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف هذه الشاة بأنها ميتة، وهذا الوصف وصف مؤثر ومقصود، وبين أنه إنما حرم بموتها أمر واحد وهو أكلها، ولذلك وصفها بأنها ميتة ( إنما حرم من الميتة )، فوصفها بأنها ميتة ورتب على كونها بهذه الصفة حكماً: وهو أن يحرم أكلها، أليس هذا دليلاً على أن ما لا يؤكل أصلاً له حكم آخر؟ بلى.
يدل بظاهره على ذلك، فنقول: ما كان حراماً أصلاً سواءً بالموت أو بالتذكية فلا يدخل في ذلك، فمثلاً سائر السباع والحيوانات التي لا يؤكل لحمها هل تفيد فيها الذكاة بحل لحمها؟ كلا لا تفيد، فبناءً على ذلك نقول: إن الحكم خاص بالميتة التي حرم أكلها لعارض وهو كونها ميتة، ولو ذكيت لما حرم أكلها، فمأخذ الاستدلال بالحديث لطيف ولابد من الانتباه له، فهذا الدليل الأول على التفريق بين مأكول اللحم وغيره.
نعيد مرة أخرى: قوله صلى الله عليه وسلم: ( إنما حرم من الميتة أكلها )، الرسول صلى الله عليه وسلم، وصف هذا الحيوان بأنه ميتة، ورتب على كونه ميتة حرمة الأكل منه، وحل الانتفاع بجلده بعد دبغه، فعلم بذلك أن الحيوان الذي هو محرم الأكل بكل حل سواء ذكي أو مات حتف أنفه أنه لا تفيد فيه الذكاة، ولا يدخل في هذا الحكم، هذا الدليل الأول لهم. الدليل الثاني: ما رواه النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) عن أم المؤمنين عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها، وهذا أيضاً يضاف للأحاديث الخمسة عشر أو الستة عشر التي ذكرت في الدباغ، حديث عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها ما رواه النسائي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000671&spid=157) عن عائشة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000048&spid=157) رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن جلود الميتة: دباغها ذكاتها )، وفي لفظ: ( ذكاتها دباغها )، هذا الحديث يدل أيضاً على المعنى بوجه لطيف، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أقام الدباغ لجلد الميتة مقام الذكاة، فكأنه صلى الله عليه سلم قال: إنك إذا دبغت جلد الميتة فكأنما ذكيتها ( دباغها ذكاتها )، والذكاة تفيد في مأكول اللحم بلا شك، لكنها لا تفيد فيما لا يؤكل لحمه، فدل على أن ما يؤكل لحمه ينتفع بجلده بعد الدبغ، وما لا يؤكل لحمه لا ينتفع به، هذا الدليل الثاني. الدليل الثالث: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عن معاوية بن أبي سفيان (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000014&spid=157)، وعن أسامة بن عمير الذهلي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005283&spid=157)، وعن المقدام بن معدي كرب (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1005387&spid=157) وغيرهم، في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن جلود السباع، وربما استأنس هؤلاء بأسباب ورود الحديث، وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة يجرونها، شاة لـميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) أو لمولاتها أو نحو ذلك، وجميع الأسباب التي وردت فيها ذكر حيوان مأكول اللحم، فهذا قد يستأنس به على أن المقصود ما كان مأكول اللحم، وإن كان من المقرر عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذه أدلة هؤلاء الأئمة على أنه يطهر بالدباغ جلد مأكول اللحم، وهذا القول هو أقوى الأقوال وأصحها؛ لقوة أدلته كما رأيتم، ولأن فيه جمعاً بين النصوص، فالواقع أن أصحاب هذا القول لم يهملوا نصاً واحداً من النصوص، فهم أعملوا نصوص تطهير جلد الميتة بالدباغ ..
أعملوها في حدود مأكول اللحم، وهم كذلك أعملوا أحاديث النهي عن جلود السباع ..
أعملوها في ما عدا ذلك، وبناءً على ذلك فهذا القول أقوى وأصح من غيره من الأقوال.
لقول الثالث: أن الدباغ يطهر جلد كل ميتة إلا الكلب والخنزير وما تولد من أحدهما
القول الثالث: في المسألة أنه يطهر بالدباغ جلد كل ميتة إلا الكلب والخنزير والمتولد من أحدهما، يعني كلب مع حيوان آخر أو خنزير مع حيوان آخر فهذا لا يطهر؛ وذلك لأنها رجس، فأما الكلب فقد مر معنا الحديث الوارد في ولوغ الكلب، وأما الخنزير فقد قال الله عز وجل: http://audio.islamweb.net/audio/sQoos.gif أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ http://audio.islamweb.net/audio/eQoos.gif[الأنعام:145]، وهذا مذهب الإمام الشافعي (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000032&spid=157) رحمه الله.
القول الرابع: أن الدباغ يطهر كل جلد ميتة إلا الخنزير
لقول الرابع: أنه يطهر كل جلد إلا الخنزير فحسب وهو مذهب الحنفية؛ وذلك لأنه رجس كما سبق.
القول الخامس: أن الدباغ يطهر كل جلد ظاهراً لا باطناً
القول الخامس: أنه يطهر كل جلد ظاهراً لا باطناً، وهذا قول الإمام مالك، وقد قال فيه الإمام الشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000028&spid=157) رحمه الله: وهو تفصيل لا دليل عليه.
ومعنى ظاهراً لا باطناً، أي: أنها تطهر فيجوز استعمالها في الأشياء اليابسة، أما الأشياء الرطبة كالماء مثلاً والمائعات فلا تستعمل فيها؛ لأن باطنها نجس.
القول السادس: أن الدباغ يطهر كل جلد ظاهراً وباطناً
القول السادس: يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهراً وباطناً، وهذا أوسع الأقوال كما تلاحظون، فهو لا يستثني شيئاً مطلقاً، يطهر الجميع حتى الكلب والخنزير ظاهراً وباطناً، وهذا مذهب داود الظاهري والظاهرية، وهو منسوب لـأبي يوسف (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001271&spid=157) من الحنفية، ورجحه الإمام الشوكاني (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004765&spid=157) في نيل الأوطار، القول بطهارة جميع الجلود، وما هي حجة أصحاب هذا القول؟ حجتهم حديث ابن عباس (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1000019&spid=157): ( إذا دبغ الإهاب فقد طهر )، وعند الأربعة: ( أيما إهاب دبغ )، فيقولون: هذا عام، الإهاب عام إذا دبغ الإهاب (وأيما إهاب) هذه نكرة في سياق الشرط فتعم كل إهاب، إهاب مأكول اللحم، وإهاب غير مأكول اللحم ..
إهاب كلب ..
إهاب خنزير؛ كلها تطهر عندهم بالدباغ.
القول السابع: جواز الانتفاع بجلود الميتة حتى لو لم تدبغ
القول السابع: أنه يجوز الانتفاع بجلود الميتة حتى لو لم تدبغ، وهذا مذهب الزهري، فقد نقله عنه أبو داود (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001491&spid=157) في سننه، أنه يرى أن الدباغ ليس بلازم، ولعله رحمه الله ذهب إلى هذا القول لأن في بعض طرق حديث ميمونة (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1004604&spid=157) لم يذكر الدباغ، فلذلك ذهب الزهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001491&spid=157) إلى أنه ينتفع بجلد الميتة وإن لم يدبغ. فهذه سبعة أقوال مرتبة: أولها أضيقها، وهو الذي يقول: لا يجوز الانتفاع بجلود الميتة، لا جلد مأكول اللحم ولا غيره، لا قبل الدبغ ولا بعده، وآخرها وهو السادس أوسعها، حيث يبيح الانتفاع بجميع الجلود حتى جلد الكلب والخنزير، بل وذهب الزهري (http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=ft&sh=157&ftp=alam&id=1001491&spid=157) كما رأيتم وسمعتم إلى أن الدبغ ليس بلازم، بل ينتفع بالجلد وإن لم يدبغ، وأصح هذه الأقوال كما سبق هو القول الثاني: الذي يبيح الانتفاع بجلد مأكول اللحم إذا دبغ، هذه هي الأقوال المذكورة في حكم جلد الميتة. والله أعلم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
vBulletin® v3.8.11, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir