طويلب علم مبتدئ
19 / 12 / 2013, 22 : 07 PM
قصة الرجلين ; المؤمن والكافر
قال الله تعالى في سورة " الكهف " بعد قصة أصحاب الكهف : واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ الكهف : 32 - 44 ] . قال بعض الناس : هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا . والجمهور أنه أمر قد وقع ، وقوله : واضرب لهم مثلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)يعني لكفار قريش ، [ ص: 573 ] في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء ، وازدرائهم بهم ، وافتخارهم عليهم كما قال تعالى : واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ يس : 13 ] . كما قدمنا الكلام على قصتهم قبل قصة ، موسى ، عليه السلام ، والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين ، وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ، ويقال : إنه كان لكل منهما مال ، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه ، وأما الكافر فإنه اتخذ له بستانين ، وهما الجنتان المذكورتان في الآية ، على الصفة والنعت المذكور ; فيهما أعناب ، ونخل تحف تلك الأعناب والزروع في خلال ذلك ، والأنهار سارحة هاهنا وهاهنا للسقي والتنزه ، وقد استوسقت فيهما الثمار ، واضطربت فيهما الأنهار ، وابتهجت الزروع والثمار ، وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : وأمنع جنابا . ومراده أنه خير منه ، ومعناه ، ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه ؟ كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي . فافتخر على صاحبه ودخل جنته وهو ظالم لنفسه (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : وهو على غير طريقة مرضية قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وذلك لما رأى من اتساع أرضها ، وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها ; ولو قد بادت كل واحدة من هذه [ ص: 574 ] الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها ، وزروعها دارة لكثرة مياهها . ثم قال : وما أظن الساعة قائمة (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية ، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة ، ثم قال : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : ولئن كان ثم آخرة ومعاد فلأجدن هناك خيرا من هذا . وذلك لأنه اغتر بدنياه ، واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده ، كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره وخبر خباب بن الأرت (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=211)في قوله : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ مريم : 77 ، 78 ] . وقال تعالى إخبارا عن الإنسان إذا أنعم الله عليه ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ فصلت : 50 ] . قال الله تعالى : فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ فصلت : 50 ] . وقال قارون إنما أوتيته على علم عندي (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ القصص : 78 ] . أي لعلم الله في أني أستحقه . قال الله تعالى : أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ القصص : 78 ] . وقد قدمنا الكلام على قصته في أثناء قصة موسى . وقال تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ سبأ : 37 ] . وقال تعالى : [ ص: 575 ] أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] . ولما اغتر هذا الجاهل بما خوله الله به في الدنيا ، فجحد الآخرة ، وادعى أنها إن وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه ، وسمعه صاحبه يقول ذلك قال له صاحبه وهو يحاوره (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : يجادله أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب ، ثم من نطفة ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلا سويا سميعا بصيرا ، تعلم وتبطش وتفهم ، فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة لكنا هو الله ربي (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : لا أعبد سواه ، وأعتقد أنه يبعث الأجساد بعد فنائها ، ويعيد الأموات ، ويجمع العظام الرفات ، وأعلم أن الله لا شريك له في خلقه ، ولا في ملكه ، ولا إله غيره . ثم أرشده إلى ما كان الأولى به أن يسلكه عند دخول جنته فقال : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ولهذا يستحب لكل من أعجبه شيء من ماله أو أهله أو حاله أن يقول كذلك .
وقد ورد فيه حديث مرفوع ، في صحته نظر ; قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا جراح بن مخلد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عيسى بن عون ، حدثنا عبد الملك بن زرارة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 576 ] ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله . فيرى فيه آفة دون الموت وكان يتأول هذه الآية : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال الحافظ أبو الفتح الأزدي (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=11886) : عيسى بن عون ، عن عبد الملك بن زرارة ، عن أنس ، لا يصح .
ثم قال المؤمن للكافر : فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : في الدار الآخرة ويرسل عليها حسبانا من السماء (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة : أي : عذابا من السماء . والظاهر أنه المطر المزعج الباهر ، الذي يقتلع زروعها وأشجارها فتصبح صعيدا زلقا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وهو التراب الأملس الذي لا نبات فيه أو يصبح ماؤها غورا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وهو ضد المعين السارح فلن تستطيع له طلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)يعني ، فلا تقدر على استرجاعه . قال الله تعالى : وأحيط بثمره (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : جاءه أمر أحاط بجميع حواصله ، وخرب جنته ، ودمرها فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : خربت بالكلية ، فلا عودة لها ، وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث قال : وما أظن أن تبيد هذه أبدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بالله العظيم ، فهو يقول : يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال الله تعالى : ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : لم يكن له أحد يتدارك ما فرط من أمره ، وما كان له قدرة في نفسه على شيء من ذلك ، كما قال تعالى : فما له من قوة ولا ناصر (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ الطارق : 10 ] . [ ص: 577 ] وقوله : الولاية لله الحق (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ومنهم من يبتدئ بقوله : هنالك الولاية لله الحق (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وهو حسن أيضا ، كقوله : الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ الفرقان : 26 ] . فالحكم الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب - في تلك الحال وفي كل حال - لله الحق . ومنهم من رفع ( الحق ) جعله صفة ل ( الولاية ) وهما متلازمتان . وقوله : هو خير ثوابا وخير عقبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : معاملته خير لصاحبها ثوابا ، وهو الجزاء ، وخير عقبا ; وهو العاقبة في الدنيا والآخرة .
وهذه القصة تضمنت أنه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا ، ولا يغتر بها ، ولا يثق بها ، بل يجعل طاعة الله والتوكل عليه في كل حال نصب عينيه ، وليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده . وفيها أن من قدم شيئا على طاعة الله والإنفاق في سبيله ، عذب به ، وربما سلب منه ; معاملة له بنقيض قصده . وفيها أن الواجب قبول نصيحة الأخ المشفق ، وأن مخالفته وبال ودمار على من رد النصيحة الصحيحة . وفيها ، أن الندامة لا تنفع إذا حان القدر ، ونفذ الأمر الحتم . والله المستعان وعليه التكلان .
البداية والنهاية لابن كثير
قال الله تعالى في سورة " الكهف " بعد قصة أصحاب الكهف : واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)هنالك الولاية لله الحق هو خير ثوابا وخير عقبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ الكهف : 32 - 44 ] . قال بعض الناس : هذا مثل مضروب ولا يلزم أن يكون واقعا . والجمهور أنه أمر قد وقع ، وقوله : واضرب لهم مثلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)يعني لكفار قريش ، [ ص: 573 ] في عدم اجتماعهم بالضعفاء والفقراء ، وازدرائهم بهم ، وافتخارهم عليهم كما قال تعالى : واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ يس : 13 ] . كما قدمنا الكلام على قصتهم قبل قصة ، موسى ، عليه السلام ، والمشهور أن هذين كانا رجلين مصطحبين ، وكان أحدهما مؤمنا والآخر كافرا ، ويقال : إنه كان لكل منهما مال ، فأنفق المؤمن ماله في طاعة الله ومرضاته ابتغاء وجهه ، وأما الكافر فإنه اتخذ له بستانين ، وهما الجنتان المذكورتان في الآية ، على الصفة والنعت المذكور ; فيهما أعناب ، ونخل تحف تلك الأعناب والزروع في خلال ذلك ، والأنهار سارحة هاهنا وهاهنا للسقي والتنزه ، وقد استوسقت فيهما الثمار ، واضطربت فيهما الأنهار ، وابتهجت الزروع والثمار ، وافتخر مالكهما على صاحبه المؤمن الفقير قائلا له : أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : وأمنع جنابا . ومراده أنه خير منه ، ومعناه ، ماذا أغنى عنك إنفاقك ما كنت تملكه في الوجه الذي صرفته فيه ؟ كان الأولى بك أن تفعل كما فعلت لتكون مثلي . فافتخر على صاحبه ودخل جنته وهو ظالم لنفسه (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : وهو على غير طريقة مرضية قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وذلك لما رأى من اتساع أرضها ، وكثرة مائها وحسن نبات أشجارها ; ولو قد بادت كل واحدة من هذه [ ص: 574 ] الأشجار لاستخلف مكانها أحسن منها ، وزروعها دارة لكثرة مياهها . ثم قال : وما أظن الساعة قائمة (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)فوثق بزهرة الحياة الدنيا الفانية ، وكذب بوجود الآخرة الباقية الدائمة ، ثم قال : ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : ولئن كان ثم آخرة ومعاد فلأجدن هناك خيرا من هذا . وذلك لأنه اغتر بدنياه ، واعتقد أن الله لم يعطه ذلك فيها إلا لحبه له وحظوته عنده ، كما قال العاص بن وائل فيما قص الله من خبره وخبر خباب بن الأرت (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=211)في قوله : أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ مريم : 77 ، 78 ] . وقال تعالى إخبارا عن الإنسان إذا أنعم الله عليه ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ فصلت : 50 ] . قال الله تعالى : فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ فصلت : 50 ] . وقال قارون إنما أوتيته على علم عندي (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ القصص : 78 ] . أي لعلم الله في أني أستحقه . قال الله تعالى : أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ القصص : 78 ] . وقد قدمنا الكلام على قصته في أثناء قصة موسى . وقال تعالى : وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ سبأ : 37 ] . وقال تعالى : [ ص: 575 ] أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ المؤمنون : 55 ، 56 ] . ولما اغتر هذا الجاهل بما خوله الله به في الدنيا ، فجحد الآخرة ، وادعى أنها إن وجدت ليجدن عند ربه خيرا مما هو فيه ، وسمعه صاحبه يقول ذلك قال له صاحبه وهو يحاوره (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : يجادله أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : أجحدت المعاد وأنت تعلم أن الله خلقك من تراب ، ثم من نطفة ثم صورك أطوارا حتى صرت رجلا سويا سميعا بصيرا ، تعلم وتبطش وتفهم ، فكيف أنكرت المعاد والله قادر على البداءة لكنا هو الله ربي (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : لكن أنا أقول بخلاف ما قلت وأعتقد خلاف معتقدك هو الله ربي ولا أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : لا أعبد سواه ، وأعتقد أنه يبعث الأجساد بعد فنائها ، ويعيد الأموات ، ويجمع العظام الرفات ، وأعلم أن الله لا شريك له في خلقه ، ولا في ملكه ، ولا إله غيره . ثم أرشده إلى ما كان الأولى به أن يسلكه عند دخول جنته فقال : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ولهذا يستحب لكل من أعجبه شيء من ماله أو أهله أو حاله أن يقول كذلك .
وقد ورد فيه حديث مرفوع ، في صحته نظر ; قال أبو يعلى الموصلي : حدثنا جراح بن مخلد ، حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عيسى بن عون ، حدثنا عبد الملك بن زرارة ، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 576 ] ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد فيقول : ما شاء الله لا قوة إلا بالله . فيرى فيه آفة دون الموت وكان يتأول هذه الآية : ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال الحافظ أبو الفتح الأزدي (http://library.islamweb.net/newlibrary/showalam.php?ids=11886) : عيسى بن عون ، عن عبد الملك بن زرارة ، عن أنس ، لا يصح .
ثم قال المؤمن للكافر : فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : في الدار الآخرة ويرسل عليها حسبانا من السماء (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال ابن عباس ، والضحاك ، وقتادة : أي : عذابا من السماء . والظاهر أنه المطر المزعج الباهر ، الذي يقتلع زروعها وأشجارها فتصبح صعيدا زلقا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وهو التراب الأملس الذي لا نبات فيه أو يصبح ماؤها غورا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وهو ضد المعين السارح فلن تستطيع له طلبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)يعني ، فلا تقدر على استرجاعه . قال الله تعالى : وأحيط بثمره (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : جاءه أمر أحاط بجميع حواصله ، وخرب جنته ، ودمرها فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : خربت بالكلية ، فلا عودة لها ، وذلك ضد ما كان عليه أمل حيث قال : وما أظن أن تبيد هذه أبدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وندم على ما كان سلف منه من القول الذي كفر بسببه بالله العظيم ، فهو يقول : يا ليتني لم أشرك بربي أحدا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)قال الله تعالى : ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هنالك (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : لم يكن له أحد يتدارك ما فرط من أمره ، وما كان له قدرة في نفسه على شيء من ذلك ، كما قال تعالى : فما له من قوة ولا ناصر (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ الطارق : 10 ] . [ ص: 577 ] وقوله : الولاية لله الحق (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)ومنهم من يبتدئ بقوله : هنالك الولاية لله الحق (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)وهو حسن أيضا ، كقوله : الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu) [ الفرقان : 26 ] . فالحكم الذي لا يرد ولا يمانع ولا يغالب - في تلك الحال وفي كل حال - لله الحق . ومنهم من رفع ( الحق ) جعله صفة ل ( الولاية ) وهما متلازمتان . وقوله : هو خير ثوابا وخير عقبا (http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=104&idto=104&bk_no=59&ID=126#docu)أي : معاملته خير لصاحبها ثوابا ، وهو الجزاء ، وخير عقبا ; وهو العاقبة في الدنيا والآخرة .
وهذه القصة تضمنت أنه لا ينبغي لأحد أن يركن إلى الحياة الدنيا ، ولا يغتر بها ، ولا يثق بها ، بل يجعل طاعة الله والتوكل عليه في كل حال نصب عينيه ، وليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يده . وفيها أن من قدم شيئا على طاعة الله والإنفاق في سبيله ، عذب به ، وربما سلب منه ; معاملة له بنقيض قصده . وفيها أن الواجب قبول نصيحة الأخ المشفق ، وأن مخالفته وبال ودمار على من رد النصيحة الصحيحة . وفيها ، أن الندامة لا تنفع إذا حان القدر ، ونفذ الأمر الحتم . والله المستعان وعليه التكلان .
البداية والنهاية لابن كثير