شريف حمدان
31 / 03 / 2014, 45 : 10 AM
http://up.ahlalalm.info/photo2/iya32406.gif
احبتي في الله
غزوة تبوك في رجب سنة تسع
أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين في غزوة تبوك
حديث كعب بن مالك عن تخلفه وصاحبيه
قال ابن إسحاق :
فذكر الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ،
عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك :
أن أباه عبدالله وكان قائد أبيه حين أصيب بصره ،
قال : سمعت أبي كعب بن مالك يحدث حديثه
حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك وحديث صاحبيه قال :
ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة غزاها قط ،
غير أني كنت قد تخلفت عنه في غزوة بدر ،
وكانت غزوة لم يعاتب الله ولا رسوله أحدا تخلف عنها ،
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما خرج يريد عير قريش ،
حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد .
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ،
وحين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر ،
وإن كانت غزوة بدر هي أذكر في الناس منها .
قال :
كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،
أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ،
ووالله ما اجتمعت لي راحلتان قط حتى اجتمعتا في تلك الغزوة ،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ،
حتى كانت تلك الغزوة ،
فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ،
واستقبل سفراً بعيداً ، واستقبل غزوة عدو كثير ،
فجلى للناس أمرهم ، ليتأهبوا لذلك أهبته ،
وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد ،
والمسلمون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ،
لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني بذلك الديوان ،
يقول :
لا يجمعهم ديوان مكتوب .
قال كعب:
فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفي له ذلك ما لم ،
ينزل فيه وحي من الله ،
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة ،
حين طابت الثمار ، وأحبت الظلال ،
فالناس إليها صعر ،
فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وتجهز المسلمون معه ،
وجعلت أغدو لأتجهز معهم ،
فأرجع ولم أقض حاجة ،
فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت ،
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر الناس بالجد ،
فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ،
والمسلمون معه ،
ولم أقض من جهازي شيئاً ،
فقلت :
أتجهز بعده بيوم أو يومين ،
ثم ألحق بهم ،
فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز ،
فرجعت ولم أقض شيئا ،
ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ،
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا ،
وتفرط الغزو ،
فهممت أن أرتحل ،
فأدركهم ،
وليتني فعلت ، فلم أفعل ،
وجعلت إذا خرجت في الناس
بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم ،
فيحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصا عليه في النفاق ،
أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ،
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ،
فقال وهو جالس في القوم بتبوك :
ما فعل كعب بن مالك ؟
فقال رجل من بني سلمة :
يا رسول الله ، حبسه برداه ،
والنظر في عطفيه .
فقال له معاذ بن جبل :
بئس ما قلت !
والله يا رسول الله ،
ما علمنا منه إلا خيراً ،
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ،
حضرن بثي ، فجعلت أتذكر الكذب ،
وأقول :
بماذا أخرج من سخطة رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً ،
وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ،
فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ،
وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق ،
فأجمعت أن أصدقه .
وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،
وكان إذا قدم من سفر ،
بدأ بالمسجد ،
فركع فيه ركعتين ،
ثم جلس للناس ،
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون ،
فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ،
وكانوا بضعة وثمانين رجلا ،
فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وإيمانهم ،
ويستغفر لهم ،
ويكل سرائرهم إلى الله تعالى .
حتى جئت فسلمت عليه ؛ فتبسم ،
تبسم المغضب ،
ثم قال لي :
تعاله ،
فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ،
فقال لي :
ما خلفك ،
ألم تكن ابتعت ظهرك ،
قال :
قلت :
إني يا رسول الله ،
والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ،
لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ،
ولقد أعطيت جدلاً ،
لكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كذباً لترضين عني ،
وليوشكن الله أن يسخطك علي ،
ولئن حدثتك حديثاً صدقاً تجد علي فيه ،
إني لأرجو عقباي من الله فيه ،
ولا والله ما كان لي عذر ،
والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما هذا فقد صدقت فيه ،
فقم حتى يقضي الله فيك .
فقمت ،
وثار معي رجال من بني سلمة ،
فاتبعوني ،
فقالوا لي :
والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ،
ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما اعتذر به إليه المخلفون ،
قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ،
فوالله ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسل
م فأكذب نفسي ،
ثم قلت لهم :
هل لقي هذا أحد غيري ؟
قالوا :
نعم ،
رجلان قالا مثل مقالتك ،
وقيل لهما مثل ما قيل لك ،
قلت :
من هما ؟
قالوا :
مرارة بن الربيع العمري ،
من بني عمرو بن عوف ،
وهلال بن أبي أمية الواقفي ،
فذكروا لي رجلين صالحين ،
فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة ،
من بين من تخلف عنه ،
فاجتنبنا الناس ،
وتغيروا لنا ،
حتى تنكرت لي نفسي والأرض ،
فما هي بالأرض التي كنت أعرف ،
فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما ،
وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ،
فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين ،
وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد ،
وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ،
فأقول في نفسي :
هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه ،
فأسارقه النظر ،
فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ،
وإذا التفت نحوه أعرض عني .
حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين ،
مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة .
وهو ابن عمي ،
وأحب الناس إلي ،
فسلمت عليه ،
فوالله ما رد علي السلام .
فقلت :
يا أبا قتادة :
أنشدك بالله ،
هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت ،
فعدت فناشدته ،
فسكت عني ،
فعدت فناشدته ،
فسكت عني ،
فعدت فناشدته ،
فقال :
الله ورسوله أعلم ،
ففاضت عيناي ووثبت فتسورت الحائط ،
ثم غدوت إلى السوق ،
فبينا أنا أمشي بالسوق إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ،
ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة ،
يقول :
من يدل على كعب بن مالك ؟
قال :
فجعل الناس يشيرون له إلي ،
حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان ،
وكتب كتاباً في سرقة من حرير فإذا فيه :
( أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ،
ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ).
قال :
قلت حين قرأتها ،
وهذا من البلاء أيضا ،
قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك ،
قال :
فعمدت بها إلى تنور فسجرته بها .
فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ،
إذا رسول رسول الله يأتيني ،
فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ،
قال :
قلت :
أطلقها أم ماذا ؟
قال :
لا ،
بل اعتزلها ولا تقربها ،
وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ،
فقلت لامرأتي :
الحقي بأهلك ،
فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض .
قال :
وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت :
يا رسول الله ،
ن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع ،
لا خادم له ،
أفتكره أن أخدمه ؟
قال :
لا ،
ولكن لا يقربنك ؛
قالت :
والله يا رسول الله ،
ما به من حركة إلي ،
والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ،
ولقد تخوفت على بصره .
قال :
فقال لي بعض أهلي :
لو استأذنت رسول الله لامرأتك ،
فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ،
قال :
فقلت :
والله لا أستأذنه فيها ،
ما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لي في ذلك إذا استأذنته فيها ،
وأنا رجل شاب .
قال :
فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ،
فكمل لنا خمسون ليلة ،
من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا ،
ثم صليت الصبح ،
صبح خمسين ليلة ،
وعلى ظهر بيت من بيوتنا ،
على الحال التي ذكر الله منا ،
قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت ،
وضاقت علي نفسي ،
وقد كنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع ،
فكنت أكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أوفى على ظهر سلع ،
يقول بأعلى صوته :
يا كعب بن مالك ،
أبشر ،
قال :
فخررت ساجداً ،
وعرفت أن قد جاء الفرج .
ولا تنسونا بصالح الدعاء
http://up.ahlalalm.info/photo2/azz10534.gif
احبتي في الله
غزوة تبوك في رجب سنة تسع
أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين في غزوة تبوك
حديث كعب بن مالك عن تخلفه وصاحبيه
قال ابن إسحاق :
فذكر الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ،
عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك :
أن أباه عبدالله وكان قائد أبيه حين أصيب بصره ،
قال : سمعت أبي كعب بن مالك يحدث حديثه
حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة تبوك وحديث صاحبيه قال :
ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
في غزوة غزاها قط ،
غير أني كنت قد تخلفت عنه في غزوة بدر ،
وكانت غزوة لم يعاتب الله ولا رسوله أحدا تخلف عنها ،
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما خرج يريد عير قريش ،
حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد .
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ،
وحين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر ،
وإن كانت غزوة بدر هي أذكر في الناس منها .
قال :
كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ،
أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ،
ووالله ما اجتمعت لي راحلتان قط حتى اجتمعتا في تلك الغزوة ،
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ،
حتى كانت تلك الغزوة ،
فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ،
واستقبل سفراً بعيداً ، واستقبل غزوة عدو كثير ،
فجلى للناس أمرهم ، ليتأهبوا لذلك أهبته ،
وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد ،
والمسلمون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ،
لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني بذلك الديوان ،
يقول :
لا يجمعهم ديوان مكتوب .
قال كعب:
فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفي له ذلك ما لم ،
ينزل فيه وحي من الله ،
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة ،
حين طابت الثمار ، وأحبت الظلال ،
فالناس إليها صعر ،
فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وتجهز المسلمون معه ،
وجعلت أغدو لأتجهز معهم ،
فأرجع ولم أقض حاجة ،
فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت ،
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر الناس بالجد ،
فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ،
والمسلمون معه ،
ولم أقض من جهازي شيئاً ،
فقلت :
أتجهز بعده بيوم أو يومين ،
ثم ألحق بهم ،
فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز ،
فرجعت ولم أقض شيئا ،
ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ،
فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا ،
وتفرط الغزو ،
فهممت أن أرتحل ،
فأدركهم ،
وليتني فعلت ، فلم أفعل ،
وجعلت إذا خرجت في الناس
بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم ،
فيحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصا عليه في النفاق ،
أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ،
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ،
فقال وهو جالس في القوم بتبوك :
ما فعل كعب بن مالك ؟
فقال رجل من بني سلمة :
يا رسول الله ، حبسه برداه ،
والنظر في عطفيه .
فقال له معاذ بن جبل :
بئس ما قلت !
والله يا رسول الله ،
ما علمنا منه إلا خيراً ،
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ،
حضرن بثي ، فجعلت أتذكر الكذب ،
وأقول :
بماذا أخرج من سخطة رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً ،
وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ،
فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ،
وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق ،
فأجمعت أن أصدقه .
وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ،
وكان إذا قدم من سفر ،
بدأ بالمسجد ،
فركع فيه ركعتين ،
ثم جلس للناس ،
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون ،
فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ،
وكانوا بضعة وثمانين رجلا ،
فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وإيمانهم ،
ويستغفر لهم ،
ويكل سرائرهم إلى الله تعالى .
حتى جئت فسلمت عليه ؛ فتبسم ،
تبسم المغضب ،
ثم قال لي :
تعاله ،
فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ،
فقال لي :
ما خلفك ،
ألم تكن ابتعت ظهرك ،
قال :
قلت :
إني يا رسول الله ،
والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ،
لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ،
ولقد أعطيت جدلاً ،
لكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كذباً لترضين عني ،
وليوشكن الله أن يسخطك علي ،
ولئن حدثتك حديثاً صدقاً تجد علي فيه ،
إني لأرجو عقباي من الله فيه ،
ولا والله ما كان لي عذر ،
والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما هذا فقد صدقت فيه ،
فقم حتى يقضي الله فيك .
فقمت ،
وثار معي رجال من بني سلمة ،
فاتبعوني ،
فقالوا لي :
والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ،
ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما اعتذر به إليه المخلفون ،
قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ،
فوالله ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسل
م فأكذب نفسي ،
ثم قلت لهم :
هل لقي هذا أحد غيري ؟
قالوا :
نعم ،
رجلان قالا مثل مقالتك ،
وقيل لهما مثل ما قيل لك ،
قلت :
من هما ؟
قالوا :
مرارة بن الربيع العمري ،
من بني عمرو بن عوف ،
وهلال بن أبي أمية الواقفي ،
فذكروا لي رجلين صالحين ،
فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي .
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة ،
من بين من تخلف عنه ،
فاجتنبنا الناس ،
وتغيروا لنا ،
حتى تنكرت لي نفسي والأرض ،
فما هي بالأرض التي كنت أعرف ،
فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما ،
وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ،
فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين ،
وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد ،
وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ،
فأقول في نفسي :
هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه ،
فأسارقه النظر ،
فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ،
وإذا التفت نحوه أعرض عني .
حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين ،
مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة .
وهو ابن عمي ،
وأحب الناس إلي ،
فسلمت عليه ،
فوالله ما رد علي السلام .
فقلت :
يا أبا قتادة :
أنشدك بالله ،
هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت ،
فعدت فناشدته ،
فسكت عني ،
فعدت فناشدته ،
فسكت عني ،
فعدت فناشدته ،
فقال :
الله ورسوله أعلم ،
ففاضت عيناي ووثبت فتسورت الحائط ،
ثم غدوت إلى السوق ،
فبينا أنا أمشي بالسوق إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ،
ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة ،
يقول :
من يدل على كعب بن مالك ؟
قال :
فجعل الناس يشيرون له إلي ،
حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان ،
وكتب كتاباً في سرقة من حرير فإذا فيه :
( أما بعد :
فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ،
ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ).
قال :
قلت حين قرأتها ،
وهذا من البلاء أيضا ،
قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك ،
قال :
فعمدت بها إلى تنور فسجرته بها .
فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ،
إذا رسول رسول الله يأتيني ،
فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ،
قال :
قلت :
أطلقها أم ماذا ؟
قال :
لا ،
بل اعتزلها ولا تقربها ،
وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ،
فقلت لامرأتي :
الحقي بأهلك ،
فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض .
قال :
وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت :
يا رسول الله ،
ن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع ،
لا خادم له ،
أفتكره أن أخدمه ؟
قال :
لا ،
ولكن لا يقربنك ؛
قالت :
والله يا رسول الله ،
ما به من حركة إلي ،
والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ،
ولقد تخوفت على بصره .
قال :
فقال لي بعض أهلي :
لو استأذنت رسول الله لامرأتك ،
فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ،
قال :
فقلت :
والله لا أستأذنه فيها ،
ما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
لي في ذلك إذا استأذنته فيها ،
وأنا رجل شاب .
قال :
فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ،
فكمل لنا خمسون ليلة ،
من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا ،
ثم صليت الصبح ،
صبح خمسين ليلة ،
وعلى ظهر بيت من بيوتنا ،
على الحال التي ذكر الله منا ،
قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت ،
وضاقت علي نفسي ،
وقد كنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع ،
فكنت أكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أوفى على ظهر سلع ،
يقول بأعلى صوته :
يا كعب بن مالك ،
أبشر ،
قال :
فخررت ساجداً ،
وعرفت أن قد جاء الفرج .
ولا تنسونا بصالح الدعاء
http://up.ahlalalm.info/photo2/azz10534.gif