![]() |
[( 2 : بحوث السيرة النبوية)] 164 أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ تمهيد: مباشرة .. بعد الهجرةِ النبوية مِن مكةَ المكرمة إلى المدينةِ المصطفوية المنورة .. بَدءَ إنشاء وتكوين .. وبناء وتعمير .. وتشيد أركان وإرساء أعمدة مجتمعٍ جديد .. بكل ما فيه مِن أفكار ومفاهيم وقناعات ومقاييس وقيَّم .. مجتمعٌ جديد يحمل في اجزاءه مبادئ وحي السماء القرآنية وتسوده الطريقة السُنية النبوية والكيفية الرسولية العملية .. يحملُ تلك المبادئ - تطبيقاً ودعوةً - مجموعةٌ مِن النّاس ترسخ في قلوبهم إيمان عميق بصحة ما يدعو إليه نبي الإسلام مِن إيمان ومعالجات .. وتجذر في أفئدتهم عقيدة صحيحة بصدق ما يخبرهم به مِن عقائد وأحكام .. والتزموا - فهماً وعقلاً ووعياً وسلوكاً وخُلقاً - بالأحكام التشريعية العملية والكيفية المنهجية التطبيقية وفق الكتاب العزيز .. ويبيّنها الرسول النبي الكريم - شرحاً وقولا وعملا وإقراراً - .. هذا المجتمع الإسلامي القرآني السُني يختلف تماماً وجذرياً عن واقع مجتمع مكة الذي نشأ فيه نبي الإسلام .. كما يختلف عن العهد المكي - مرحلة بدء النبوة وعهد تبيان عقيدة الرسالة وشرح مبادئ إيمان الإسلام الخاتم .. إذ هو نظام حياة وطراز خاص مِن العيش وطريقة معينة للحياة - بل هذا المجتمع الجديد يختلف تماماً وجذرياً - فهماً وتطبيقاً وعملا ودعوة وسلوكاً - عن بقية المجتمعات الآخرى سواء عند : أهل إمبراطورية فارس أو الإمبراطورية الرومانية [( وهذه الجزئية تحتاج لـ تبيان وشرح .. فـ مِن بعد إذنه - تعالى ذكره - وبحسن توفيقه وتمام رعايته ستبحث في ملحق نهاية البحوث )] - وكذلك بما في مجتمع وطريقة حياة ومعيشة أهل الكتابين [( ستبحث تحت عنوان عريض : مقارنة الأديان )] .. وهذا الفارق الجوهري .. بين مجتمع المدينة: « „ الجديد في كل شئ “ » ؛ وبين المجتمعات الآخرى .. ما سأظهره في البحوث القادمة من خلال أشعة وأضواء شمس : الآيات القرآنية الكريمات المُنزلة وحياً من خالق الإنسان والكون والحياة بواسطة أمين السماء الملك جبرائيل .. آخر كتاب وحي السماء المُنزل على قلب أمين السماء والأرض الرسول محمد عليه الصلاة والسلام للإنسان.. كما وستبيّنه شعاعات أنوار طريقة آخر الأنبياء في الحياة الجديدة وكيفية خاتم الرسل في معيشة المسلمين .. وببدء هجرة المسلمين إلى المدينة المصطفوية المنورة بدأت تأخذ الحياة الإسلامية طبيعتها القرآنية وشكلها السُني النبوي أو ما يطلق عليه : « „ دولة الرسول “ » ؛.. .. : « „ حكومة النبي “ » .. ثم .. ومِن بعده .. حين إنتقل إلى الرفيق الأعلى : „ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة “ ! . .. ذِكرُ ما وقع في السنة الأولى من الهجرة النبوية من الحوادث والوقائع العظيمة : .. وَمِمَّنْ وُلِدَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْمُبَارَكَةِ - وَهِيَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ -عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، عَنْ أُمِّهِ أَسْمَاءَ ، وَخَالَتِهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ، ابْنَتَيِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : -*/ فِي مِيلَادِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ الْهِجْرَةِ .. أَيْ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، فَأَمَّا مَنْ وُلِدَ بِغَيْرِ الْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ .. فَــ قِيلَ : عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بِالْحَبَشَةِ ، فـ جاء عند الطبري في تاريخه :" وفيها (السنة الأولى) - في قول بعضهم- ولد عبدالله بن الزبير و في قول الواقدي: ولد في السنة الثانية من مقدم رسول الله عليه السلام المدينة في شوال . ثم يقول ابو جعفر الطبري : حدثني الحارث ، قَالَ: حدثنا ابن سعد ، قَالَ : قَالَ محمد بن عمر الواقدي : ولد ابن الزبير بعد الهجرة بـ عشرين شهراً بالمدينة .. وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : وُلِدَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ قَبْلَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ .. وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّهُمَا وُلِدَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ . وَالظَّاهِرُ [( عند ابن كثير .. كما جاء في البداية )] الْأَوَّلُ .. وسوف أَشِيرُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْمُخْتَارَ بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَزِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ وُلِدَا فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . .. خرَّج البخاريُّ في صحيحه :" عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا حَمَلَتْ بِـ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَتْ : „ فَــ خَرَجْتُ وَأَنَا مُتِمٌّ .. فَــ أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ .. فَــ نَزَلْتُ بِــ قُبَاءٍ .. فَــ وَلَدْتُهُ بِــ قُبَاءٍ(*) .. ثُمَّ .. أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. فَــ وَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ .. ثُمَّ .. دَعَا بِــ تَمْرَةٍ .. فَــ مَضَغَهَا .. ثُمَّ .. تَفَلَ فِي فِيهِ .. فَــ كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ : رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .. ثُمَّ .. حَنَّكَهُ بِــ تَمْرَةٍ .. ثُمَّ .. دَعَا لَهُ .. وَبَرَّكَ عَلَيْهِ .. وَكَانَ : أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ “ . ــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى فـ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي أَنَّهَا حَمَلَتْ بِعَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ. . وقَوْلُهَا : ( وَأَنَا مُتِمٌّ ) أَيْ قَدْ أَتْمَمْتُ مُدَّةَ الْحَمْلِ الْغَالِبَةِ وَهِيَ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ ، وَيُطْلَقُ " مُتِمٌّ " أَيْضًا عَلَى مَنْ وَلَدَتْ لِتَمَامٍ . وقد ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَــ أَحْضَرَ زَوْجَتَهُ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَبِنْتَيْهِ فَاطِمَةَ وَأُمَّ كُلْثُومٍ وَأُمَّ أَيْمَنَ زَوْجَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَابْنَهَا أُسَامَةَ ، وَخَرَجَ مَعَهُمْ عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ أُمُّهُ أُمُّ رُومَانَ وَأُخْتَاهُ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ، فَقَدِمُوا وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَبْنِي مَسْجِدَهُ " .. وَمَجْمُوعُ هَذَا مَعَ قَوْلِهَا " فَوَلَدَتْهُ بِقُبَاءَ " يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ . .. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ مَوْلِدَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالصَّحِيحُ ، بِخِلَافِ مَا جَزَمَ بِهِ الْوَاقِدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ [(قَالَهُ أَبُو الْأَسْوَدِ.)] بِأَنَّهُ وُلِدَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ .. -**- الدعاية الإعلامية : لا يخلو مجتمع من القيل والقال .. خاصة إذا اختلفت الأفكار والمفاهيم وتعارضت المقاييس والقيم وتباينت العادات والتقاليد بناء على وجهة النظر في الحياة : وكان عبدالله أول مولود ولد من المهاجرين في دار الهجرة .. فَلَمَّا وَلَدَتْهُ أسماء بنت أبي بكر وزوجة الزبير بن العوام .. كَبَّرَ الْمُسْلِمُونَ - فيما ذكر - اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولد ، كبروا تَكْبِيرَةً عَظِيمَةً فَرَحًا بِمَوْلِدِهِ ، لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ بَلَغَهُمْ - اذ أنهم قد تحدثوا - عَنِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ -يذكرون أنهم- سَحَرُوهُمْ حَتَّى لَا يُولَدَ لَهُمْ بَعْدَ هِجْرَتِهِمْ وَلَدٌ ، فكان تكبيرهم ذلك سرورا منهم فَأَكْذَبَ اللَّهُ الْيَهُودَ فِيمَا زَعَمُوا. .. تحقيق مسألة الميلاد : قال أبو جعفر الطبري : وقيل: إن أسماء بنت أبي بكر، هاجرت إلى المدينة وهي حامل به. أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ : .. وَأَمَّا مِنَ الْأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ لَهُمْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ .. * . ) : مَسْلَمَةُ بْنُ مَخْلَدٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، * . ) : كَمَا - يغلب على الظن - أَنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْأَنْصَارِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .. وَزَعَمُوا أَنَّ النُّعْمَانَ وُلِدَ قَبْلَ الزُّبَيْرِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ. .. فـ مِن السنة - وقد تكون من السُنن الغائبة - عند ميلاد الوليد - ذكر كان أو أنثى - كما جاء .. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : „ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، أَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَــ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمْرَةً فَلَاكَهَا ثُمَّ أَدْخَلَهَا فِي فِيهِ ، فَــ أَوَّلُ مَا دَخَلَ بَطْنَهُ رِيقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. “ ؛ * . ) : نص الحديث: „ ثُمَّ أَتَيْتُ [( أسماء بنت أبي بكر )] بِهِ [( الوليد : عبدالله ابن الزبير )] رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ “ ؛ قلت: (الرَّمَادِيُّ ) يقوم شخصٌ بهذا الفعل مَن شُهد له بأنه صالح تقي .. : « „ فَأَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُحَنِّكَهُ “ ؛ „ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ “ ؛.. قلت: (الرَّمَادِيُّ ).. الجزء الأخير من نص الحديث .. : « „ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا “ ؛ ثُمَّ : „ تَفَلَ فِي فِيهِ “ [( فم الوليد )] ؛ فَــ : « „ كَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ : رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “ » ؛ قلت : يظهر لي - والعلم عند الله تعالى ذكره فهو أعلم وأحكم - أنها خصوصية نبوية لا يشاركه فيها أحد! * . ) : التسمية : نص الحديث: « „ وَسَمَّاهُ عَبْدُ اللَّهِ “ » ؛ * . ) : الدعاء للمولود : نص الحديث: « „ دَعَا لَهُ .. “ » ؛ .. * . ) الدعاء له بالبركة : نص الحديث: .. وَ : « „ بَرَّكَ عَلَيْهِ “ » ؛.. .. أخيراً .. ما يقابل نعمة الولادة .. مصيبة الموت : وَمِمَّنْ تُوُفِّيَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ : * . ) كُلْثُومُ بْنُ الْهِدْمِ الْأَوْسِيُّ ، الَّذِي نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْكَنِهِ بِقُبَاءَ ، إِلَى حِينَ ارْتَحَلَ مِنْهَا إِلَى دَارِ بَنِي النَّجَّارِ ، وَبَعْدَهُ فِيهَا * . ) أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ نَقِيبُ بَنِي النَّجَّارِ ، تُوُفِّيَ .. وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَرْضَاهُمَا . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - يَعْنِي الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ - مَاتَ أَبُو أُحَيْحَةَ بِمَالِهِ بِالطَّائِفِ ، وَمَاتَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، والْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ السَّهْمِيُّ فِيهَا بِمَكَّةَ .. وَهَؤُلَاءِ مَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ ، لَمْ يُسْلِمُوا لِلَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- . * . ) : ملحق شخصيات محورية : سيكون الحديث عن : .. عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، الأسدي ، كنيته أبو بكر ، وقيل: أبو خُبيب صحابي ابن صحابي .. وأبوه أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنها - وأم أبيه صفية عمة النبي صلى الله عليه وسلم .. ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) الأربعاء : ٢۰ شعبان ١٤٤٦ العام الْهِجْرِيَّ ~ 19 فبراير 2025 م. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] السلام عليكم اخي الفاضل شيخنا محمد والله عندي مشكل في دخول الى الرسائل الخاصة فلم اقرا رسالتك فهل ممكن ترسل لي عنوانك واتساب الله يبارك فيك |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية : العهد المدني )] 165 زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ 165 زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ رَكْعَتَانِ العهد المدني : مقدمة : لأهمية أحكام الصلاة وما يسبقها من إعداد وتمهيد وتهيئة وكيفية إقامتها وصحتها ثم ما يليها من أحكام تشريعية عملية صحَّ أن أبدء بـ : تمهيد: فقد يتساءل المرء : " هل كان النبي صلى الله عليه وسلم .. خاتم المرسلين ومتمم المبتعثين وآخر المصطفين .. وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين يصلون قبل فرض الصلوات الخمس؟ - أَصْلُ وُجُوبِ الصَّلاَةِ كَانَ فِي مَكَّةَ المكرمة فِي أَوَّل الإْسْلاَمِ ؛ لِـ وُجُودِ الآْيَاتِ الْمَكِّيَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي بِدَايَةِ الرِّسَالَةِ وأول البعثة المحمدية تَحُثُّ عَلَيْهَا . وَ - أَمَّا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ بِالصُّورَةِ الْمَعْهُودَةِ -الأن- فَإِنَّهَا فُرِضَتْ لَيْلَةَ الإْسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ .. وقد : - أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس إنما فرضت - على ما نعرفه الآن - ليلة الإسراء. عند المعراج . وَ - ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصلاةَ كانت مفروضة أول الأمر : - ركعتين بـ الغداة .. و : - ركعتين بالعشي .. لذا فقد - دلت النصوص المتظاهرة على أن النبي المصطفى والرسول المجتبى والحــبــيــب المرتضى والخليل المحتبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين كانوا يصلون منذ أول الرسالة الخاتمة ؛ وبدء البعثة المحمدية ، قبل فرض الصلوات ؛ والتي حدثت : ليلة الإسراء . وقد : - روى مسلم (746) عن أمِّ المؤمنين عَائِشَةَ رضوان الله تعالى عليها قالت : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ [( أي: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾)] فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا .. وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ التَّخْفِيفَ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ " . قلت (الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ): الحديث طويل كما رواه الإمام أحمد في مسنده؛ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ، مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ ؛ وذكره ابن كثير والقرطبي والبغوي في تفسيرهم. وفي : حديث هرقل أنه سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم .. و.. عن مضمون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فقال له [(أبي سفيان)] : ( مَاذَا يَأْمُرُكُمْ ؟ ) . فـ أجابه أبو سفيان ، وهو في شركه : ( قُلْتُ : يَقُولُ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ .. وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ؛ وَيَأْمُرُنَا بِــ الصَّلَاةِ .. وَالزَّكَاةِ .. وَالصِّدْقِ .. وَالْعَفَافِ .. وَالصِّلَةِ ) . [رواه البخاري (7) ومسلم (1773) . قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: " وهو يدل على أن النبي كان أهم ما يأمر به أمته الصلاة ، كما يأمرهم بـ الصدق .. والعفاف .. واشتُهر ذلك حتى شاع بين الملل المخالفين له في دينه ، فـ إن أبا سفيان كان حين قال ذلك مشركاً ، وكان هرقل نصرانياً . ولم يزل منذ بُعث يأمر بالصدق والعفاف ، ولم يزل يصلي أيضا قبل أن تفرض الصلاة " انتهى ."فتح الباري" ، لابن رجب (2/101) . - وظاهر الحديث أن ذلك الأمر بالصلاة ، في أول الإسلام ، كان على الوجوب ، وإن اختلفت التفاصيل عما استقر عليه الأمر بعد الإسراء والمعراج ، وهو ـ أيضا ـ ظاهر الأمر بقيام الليل في سورة المزمل .. وهي مكية .. التي هي من أول ما نزل من القرآن . قَالَ مُقَاتِلٌ وَابْنُ كَيْسَانَ: كَانَ هَذَا بِــ مَكَّةَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِــ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ. .. وقد :" ذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّهُ نُسِخَ قِيامُ اللَّيْلِ في حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم بِــ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ ﴾ [الإسْراءِ: ٧٩] ، ونُسِخَ في حَقِّ المُؤْمِنِينَ بِــ الصَّلَواتِ الخَمْسِ. ". - قال الإمام الشافعي - رحمه الله - :" سَمِعْتُ مَن أَثِقُ بِخَبَرِهِ وَعِلْمِهِ .. يَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرْضًا في الصَّلَاةِ .. ثُمَّ .. نَسَخَهُ بِفَرْضٍ غَيْرِهِ .. ثُمَّ .. نَسَخَ الثَّانِيَ بِالْفَرْضِ في الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .. قال [ الشافعي ] : كَأَنَّهُ يَعْنِي قَوْلَ اللَّهِ عز وجل ﴿ يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ أو اُنْقُصْ منه قَلِيلًا ﴾ الْآيَةَ .. ثُمَّ نَسَخَهَا في السُّورَةِ معه بِقَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ﴿ إنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى من ثُلُثَيْ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ فَاقْرَءُوا ما تَيَسَّرَ من الْقُرْآنِ ﴾ ، فَنَسَخَ قِيَامَ اللَّيْلِ أو نِصْفَهُ أو أَقَلَّ أو أَكْثَرَ بِمَا تَيَسَّرَ . وما أَشْبَهَ ما قال بِمَا قال " . انتهى ."الأم" (1/68) ، وينظر أيضا : "الموسوعة الفقهية" (27 / 52-53) ، "الذخيرة" للقرافي (2 / 8) . وقد قيل إن أول ذلك الفرض : - ركعتان بــ الغداة ، و : - ركعتان بــ العشي . قال قتادة - رحمه الله - : " كان : - بدءُ الصيام أمِروا بثلاثة أيام من كل شهر ، و: - ركعتين غدوة ، و : - ركعتين عشية " . "تفسير الطبري" (3 / 501) . وأنكر جماعة من أهل العلم قول قتادة ومن وافقه على ذلك ، وإن أثبتوا فرض مطلق الصلاة قبل الإسراء . ينظر : التمهيد لابن عبدالبر (8/35) . وقال ابن كثير في قوله تعالى : ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق/39] : " وقد كان هذا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ليلة الإسراء ، وهذه الآية مكية " انتهى ."تفسير ابن كثير" (3 / 538) ، وينظر : "البحر الرائق" ، لابن نجيم (1 / 257) . - قال الحافظ رحمه الله في الفتح: "ذَهَبَ جَمَاعَة إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْل الْإِسْرَاء صَلَاة مَفْرُوضَة إِلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْر بِهِ مِنْ صَلَاة اللَّيْل مِنْ غَيْر تَحْدِيد ، وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إِلَى أَنَّ الصَّلَاة كَانَتْ مَفْرُوضَة رَكْعَتَيْنِ بِـ الْغَدَاةِ وَ رَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ ، وَذَكَرَ الشَّافِعِيّ [(كما فصلت عاليه]) عَنْ بَعْض أَهْل الْعِلْم أَنَّ صَلَاة اللَّيْل كَانَتْ مَفْرُوضَة ثُمَّ نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ﴾ فَصَارَ الْفَرْض قِيَام بَعْض اللَّيْل ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْس" انتهى. وقال [( ابن حجر العسقلاني )] أيضا: " كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْل الْإِسْرَاء يُصَلِّي قَطْعًا ، وَكَذَلِكَ أَصْحَابه لَكِنْ اُخْتُلِفَ هَلْ اُفْتُرِضَ قَبْل الْخَمْس شَيْء مِنْ الصَّلَاة أَمْ لَا؟ .. فــ قيل: إِنَّ الْفَرْض أَوَّلًا كَانَ صَلَاة قَبْل طُلُوع الشَّمْس وَصَلَاة قَبْل غُرُوبهَا ، وَالْحُجَّة فِيهِ قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ وَنَحْوهَا مِنْ الْآيَات " انتهى بتصرف يسير. وعليه : - دل حديث هرقل السابق على أن الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- كانوا قد أُمروا بـ عبادات أخرى في أول البعثة المحمدية وبداية الرسالة الإسلامية ، سوى التوحيد والصلاة ؛ فــ فيه [(أي الحديث السابق)] أمرهم بــ الزكاة والصدق والعفاف والصلة . قال ابن كثير - رحمه الله- :" كان في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام ، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان . وقد رُوي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا ، من كل شهر ثلاثة أيام ، عن معاذ ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، وقتادة ، والضحاك بن مزاحم . وزاد : لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نَسَخ الله ذلك بصيام شهر رمضان " انتهى ."تفسير ابن كثير" (1 / 497) وقال أيضا : " لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة ، كقوله تعالى : ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام/ 141] ، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيَّن أمرها بالمدينة ، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة ، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف ، فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الصلوات الخمس ، وفصَّل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا " انتهى ."تفسير ابن كثير" (7 / 164) .والله تعالى أعلم . " . أما مسألة هذا البحث .. فـ اقول : .-*/-*. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ - ذِكْرُ مَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ : بحوث العهد المدني المرحلة المدنية [ وَفِيهَا - يَعْنِي السَّنَةَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ - : زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ : رَكْعَتَانِ بَعْدَ مَقْدَمِهِ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ. ] . [الزيادة في صلاة الحضر] . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطبري: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ - يَعْنِي السَّنَةَ الْأُولَى مِنَ الْهِجْرَةِ -زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ فِيمَا قِيلَ ، رَكْعَتَانِ ، وَكَانَتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ بِشَهْرٍ ، فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ لِمُضِيِّ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مضت، مِنْهُ . وَقَالَ : وَزَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِيهِ.. وَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " فُرِضَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ " . وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقٍ ، عَنْهَا .وَقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، أَنَّ صَلَاةَ الْحَضَرِ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ ، فُرِضَتْ أَرْبَعًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .. ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) . 14 رمضان 1446 هـ. 14 مارس 2025 م. |
166 شرع الأذان [SIZE="5"][COLOR="Navy"]166 شُرِعَ الآذان الْأَذَانُ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ عِنْدَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَىٰ آلِهِ وَسَلَّمَ ، أَزْكَىٰ صَلَوَاتِهِ ، وَأَفْضَلَ سَلَامِهِ ، وَأَتَمَّ تَحِيَّاتِهِ الْمَدِينَةَ النَّبَوِيَّةَ! -**- |
166 شرع الأذان! مَــدْخَل لـ مسألة الأذان في التشريع الإسلامي.. هذا الموضوع يحتوي على مسألتين .. الأولى منهما : أنه قد يظن جاهل أو يعتقد معاند أن مسألة الأذان كانت مناماً أو حلماً أو اقتراحاً من صحابي .. وهذا الظن خطأ جسيم .. والأدلة الشرعية لا تؤخذ من المنامات .. بل الدليل الشرعي مصدره وحي السماء المُنزل بواسطة أمين السماء الملك جبرائيل نَزل به على قلب أمين السماء والأرض الرسول محمد بن عبدالله .. النبي .. فبلغه عليه السلام لصحابته ومن ثم لـ أمته .. سواء جاء عن طريق محكم : القرآن المجيد أو مِن طريق سُنة وأحاديث السيد الحــبيب خاتم المرسلين وآخر الأنبياء ومتمم المبتعثين .. وهذه المسألة تحتاج توضيح : ابتداء مشروعية الأذان: - قال بعض الناس :" إن الأذان معروف عند الأنبياء منذ أن نزل آدم على الأرض " .. و أذان آدم فهو ضعيف .. قال ابن حجر رحمه الله: "وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل نادى بالأذان لآدم حين أهبط من الجنة. ". ["الفتح" (2 /280)]. بل قال بعضهم :" هو معروف عن نبي الله إبراهيم الخليل حيث قال له ربه: ﴿ وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر ﴾ [الحج/26 ] .. وهذا الكلام غريب غير صحيح .. يقول ابن حجر: "ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبدالله بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم ﴿ وأذن في الناس بالحج ﴾ ، قال فـ أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم. "[ ينظر : الفتح" (2 / 280)]. والصحيح أن الأذان شُرعَ في المرحلة المدنية .. في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة .. وليس في مكةَ وليس في ليلة الإسراء كما ورد بذلك بعض الأحاديث الضعيفة. .. أما المسألة الثانية : فــ تتعلق بـ هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بفعل ولم يفعله! وهي مسألة تتعلق بـ وقائع صدرتْ عن الرَّسول الكريم عليه السلام تبيِّن أنَّه قد هَمَّ بإيقاع أفعال معيَّنة ؛ ولكنَّه لم يفعلها ولم تقع. ومثل هذا نجِده في بعض أحداث السيرة النبويَّة الشَّريفة ، أو بعض الأحاديث النبويَّة الرسولية الشَّريفة ، فــ : - هَلْ هذه الوقائع التي صدرت عن الرَّسول المصطفى والنبي المجتبى .. ولم يفعلْها يمكن عدُّها أدلَّةً على الأحْكام الشَّرعيَّة ، كــ قوله وكــ فعله الصَّريح .. وإقراره وسكوته سواء بسواء؟ أم هي غير ذلك؟ لقد انقسم العلماء إلى قسمَين، فـ : - مِنْهم مَن عدَّه دليلًا شرعيًّا، و : - منهم مَن لم يعدَّه كذلك ، ولكل منهما أدلَّته وحجَجُه. والَّذي أَميلُ إليْه وأحاول أن أُثْبِته-في ملحق قادم بإذن الله تعالى ومن بعد إذنه وتوفيقه -هو أنَّ ما هَمَّ الرَّسول المرتضى عليه السلام بــ فعله بيد أنه لم يفعله .. يُعَدُّ دليلًا شرعيًّا ، كــ باقي أقسام السنَّة النبويَّة الشَّريفة المعروفة ، وهو واحدٌ منْها .. أو يمكن أن يكون منضوِيًا تَحت قسم من أقْسامِها. وتتبقى مسألة الأحكام الشرعية العملية المتعلقة بتفاصيل وجزئيات الأذان .. وتجدها لمن يريد الإستزاده مفصلة في كتب الفقه! |
166 الأذاان! موضوع البحث .. [خبر الأذان] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ، فَقَامَتْ الصّلَاةُ، وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ، وَقَامَتْ الْحُدُودُ، وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هم الذين تبوّؤا الدّارَ وَالْإِيمَانَ. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ مَوَاقِيتِهَا، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ .. فَهَمّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَـ بُوقِ يَهُودَ الّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ، ثُمّ كَرِهَهُ، ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ، فَنُحِتَ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمَيْنِ لِلصّلَاةِ. وقد دلّت الأدلّة الصحيحة على أنّ ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وفي ذلك أدلّة : "ــ عن نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ فَقَالَ عُمَرُ أَوَلا تَبْعَثُونَ رَجُلا يُنَادِي بِالصَّلاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ„يَا بِلالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاةِ“ [ رواه البخاري 569. ] : "ــ وعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا فَقِيلَ لَهُ انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلاةِ فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ يَعْنِي الشَّبُّورَ وَقَالَ زِيَادٌ شَبُّورُ الْيَهُودِ فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ وَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ قَالَ فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى فَانْصَرَفَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِرَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُرِيَ الأَذَانَ فِي مَنَامِهِ قَالَ فَغَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَبَيْنَ نَائِمٍ وَيَقْظَانَ إِذْ أَتَانِي آتٍ فَأَرَانِي الأَذَانَ قَالَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ رَآهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَكَتَمَهُ عِشْرِينَ يَوْمًا قَالَ ثُمَّ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ„مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنِي فَقَالَ سَبَقَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَاسْتَحْيَيْتُ“ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ „ يَا بِلالُ قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ“ قَالَ فَأَذَّنَ بِلالٌ [رواه أبو داود رحمه الله في سننه 420]. - [رؤيا عبد الله بن زيد الأنصاريِّ -رضِي اللهُ عنه-] فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ [(يَتَباحَثونَ حَولَ كيفية إعْلامُ النَّاسِ بدُخولِ وَقتِ الصَّلَواتِ .. إذ أنها مِن المَسائِلِ التي أخَذَتِ اهتِمامَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصْحابِهِ رضوان الله عليهم)]، إذْ رَأَى عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عبد رَبّهِ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، النّدَاءَ، فَأَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إنّهُ طَافَ بِي هذه الليلة طائف: مَرّ بِى رَجُلٌ عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ، يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ، فَقُلْت لَهُ: يَا عَبْدَ اللهِ، أَتَبِيعُ هذا النّاقوس؟ قال: وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعوا بِهِ إلَى الصّلَاةِ، قَالَ: أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: قُلْت: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَقُولُ: اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الصّلَاةِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، لَا إله إلا الله. فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ، قَالَ: إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ، إنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ، فَلْيُؤَذّنْ بِهَا، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْك. قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به .. [رؤيا عمر فى الأذان] فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: يَا نَبِيّ اللهِ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ، لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلّهِ الْحَمْدُ على ذلك. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ، عَنْ أَبِيهِ. [وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ ، وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِهِ . وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا . وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ الْإِقَامَةَ ، قَالَ :ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ ، هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ كَمَا تَقَدَّمَ . ثُمَّ قَالَ : قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرٍ الْحَكَمِيُّ ، أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ ، قَالَ فِي ذَلِكَ : أَحْمَدُ اللَّهَ ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْإِ كْرَامِ حَمْدًا عَلَى الْأَذَانِ كَثِيرَا إِذْ أَتَانِي بِهِ الْبَشِيرُ مِنَ اللَّهِ*فَأَكْرِمْ بِهِ لَدَيَّ بَشِيرَا فِي لَيَالٍ وَالَى بِهِنَّ ثَلَاثٍ*كُلَّمَا جَاءَ زَادَنِي تَوْقِيرَا قُلْتُ [(ابن كثير في البداية)]: وَهَذَا الشِّعْرُ غَرِيبٌ ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ ثَلَاثَ لَيَالٍ حَتَّى أَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ. قَالَ : وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِهِ ، ، نَحْوَ رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الشِّعْرَ .] . وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْوَاسِطِيُّ ، ثَنَا أَبِي ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ ، عَنْ سَالِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى ، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ :عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدٍ . وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ : وَزَادَ بِلَالٌ فِي نِدَاءِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ : الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ . مَرَّتَيْنِ فَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى ، وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي .وَسَيَأْتِي تَحْرِيرُ هَذَا الْفَصْلِ فِي بَابِ الْأَذَانِ مِنْ كِتَابِ " الْأَحْكَامِ الْكَبِيرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: سَمِعْت عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ: ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ، فَبَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ، إذْ رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ: لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ، بَلْ أَذّنُوا لِلصّلَاةِ، فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَ عُمَرُ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْنَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ: قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْوَحْيُ بِتَقْرِيرِ مَا رَآهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِرَبِّهِ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . فهذه الأحاديث تدلّ على أن ابتداء مشروعية الأذان كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة .. وعدَّ هذا واحد من ميزات هذه الأمّة التي فضّلها الله على سائر الأمم. |
166 الأذان! تفصيل مسألة الأذان كي لا يكون في قلب أحد شيئا ما : الأذان يراد به في اللغة الإبلاغ وفي الشرع الإبلاغ والإعلام بدخول الوقت ، وقد شُرع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة لـ حديث عبدالله بن زيد بن عبدربه الأنصاريِّ: لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس وهو له كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال فقلت : يا عبدالله أتبيع الناقوس ؟ قال وما تصنع به ؟ قال قلت : ندعو به إلى الصلاة . قال : أفلا أدلك على خيرٍ من ذلك فقلت : بلى . قال تقول : الله اكبر …. (إلى نهاية الأذان )… قال : فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : إنها لـ : « „ رؤيا حق إن شاء الله “ » فقم مع بلال فألْقِ عليه ما رأيت فإنه أندى صوتاً منك قال فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال : فسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته فخرج يجرّ رداءه يقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أُرِي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد . [رواه أحمد ( 15881 ) والترمذي ( 174 ) وأبو داود ( 421 ) و ( 430 ) وابن ماجه ( 698). فخرج يجرّ رداءه : أي : من العَجَلةِ والسُّرعةِ؛ لشِدَّةِ تَعجُّبِه من الأمرِ .. يتّضح من هذا الحديث : أنّ كلمات الأذان : 1. ) رؤيا منام رآها صحابي جليل و : 2. ) أقره عليها نبينا الكريم ، فهي ليست اقتراحاً كما يتوهم البعض ، بل هي رؤيا ، ومن المعلوم أن الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة لما جاء في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « „ الرؤيا جزء من سبعين جزءاً من النبوة “ » [رواه أحمد : ( 4449 )] . ورواه البخاري بلفظ : « „ الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة “ » . [رواه البخاري ( 6474 ) ومسلم ( 4203 ) و ( 42005 )]. فـ الرؤيا هنا كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها : « „ رؤيا حق “ » فهي من الله وليست اقتراحاً من شخص .. فــ هي نبوة بـ إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لها أنها : « رؤيا حق “ » ولو لم يقر لها الرسول لم تكن رؤيا حق وليست من النبوة ، فالذي قضى بأنّها حقّ هو النبي صلى الله عليه وسلم والذي أمر بالعمل بها هو النبي صلى الله عليه وسلم الموحى إليه من ربه. أي: عَلِمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّها رُؤيا من اللهِ ؛ لِتَعْليمِهِم كيفيَّةَ الإعْلامِ بالصَّلاةِ بالذِّكْرِ والتَّكْبيرِ والتَّوحيدِ بعيدًا عن فِعلِ أهْلِ الكِتابِ ، وإنَّما قال: إنْ شاءَ اللهُ للتَّبرُّكِ .. وفي الحَديثِ: بَيانُ اهتِمامِ الصَّحابةِ بأُمورِ الدِّينِ التي كانت تَشغَلُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.. وهذه خاصية صحابة الرسول رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.. وتلك الخاصية قد غابت عند بعض مسلمي اليوم .. وهناك حديث ضعيف جداً وليس بصحيح عن حذيفة- رضي الله عنه "نصه :" من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. [رواه الحاكم في مستدركه والطبراني في المعجم الأوسط]. وجاء بزيادة : ( من أصبح والدنيا أكبر همه فليس من الله في شيء ، ومن لم يتق الله فليس من الله في شيء ، ومن لم يهتم للمسلمين عامة فليس منهم ". وجميع طرقه كلها منكرة شديدة الضعف .. وليس معنى هذا أننا إذا سمعنا هذا الكلام أننا لا نلقي بالًا ولا نهتم بأمور المسلمين، ولا نحمل همهم ولا نسعى في رفع معاناتهم! فالمسلمون كما جاء في الحديث الصحيح:«كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا» [البخاري: 481] ، و « كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[البخاري: 6011]. وعلى كل حال إذا كان الحديث غير صحيح والوعيد المذكور فيه لا يثبت، فإن الاهتمام بأمور المسلمين مطلوبٌ شرعًا، كحال إخواننا في غزة أو السودان أو سوريا .. والحديث عن هؤلاء له شجون يدمي القلب ويؤلم الروح وتتألم النفس .. وحسبنا ما :" يغني عنه جميع الشواهد من الكتاب والسنة التي تدعو المؤمنين إلى التحابب والتراحم ، ومراعاة الأخوة الإيمانية فيما بينهم ، ومنها قوله سبحانه وتعالى : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ الحجرات/10 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ) [رواه البخاري (6011) ومسلم (2586) ] والله أعلم . ". وقد : 3 . ) رأى عمر -رضي الله عنه- مثل ذلك .. ولا ننسى أنّ عمر من الخلفاء الراشدين المهديين حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : « „… فعليكم بسنتي .. وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ “ » . [رواه الترمذي ( 2600 ) وابن ماجه ( 43 ) وأحمد ( 16519 ) ]. وقد : 3 . 1. ) وافق عمر -رضي الله عنه- الوحي والتشريع الإلهي مراراً كثيرة .. وروت عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم : « „ أنه كان يقول قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم “ » . [رواه البخاري ( 3282 ) ومسلم ( 2398 ) وعنده : قال ابن وهب تفسير " محدَّثون " : ملهمون.] فإن قال آحدهم :" ولماذا كان ابتداء الأذان بهذه الطريقة حيث يراها صحابيان ثمّ يؤكّدها الوحي ولم تكن من الوحي مباشرة كغيرها من الأحكام !؟؟.".. فالجواب : أ . ) أنّ الله يشرع ما يريد كما يريد -عزّ وجلّ- ولعلّ فيما حدث ب . ) إظهارا لفضل هذين الصحابيين و : ج. ) إثباتا للخير في هذه الأمة وأن منهم من يوافق الوحي وأنّ فيهم منامات صادقة تدلّ على صدقهم فإنّ أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .. وأخيرا: " فإن مما هو معلوم في كتب أهل العلم في تعريف السنّة : بأنها : « كلّ ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير » فــ القول والفعل واضحان .. وأما التقرير فهو أن يفعل أحد أمامه فعلاً فإن أقره فهو شرع لا لفعل ذلك الرجل ولكن لموافقة الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك ، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يسكت على الباطل ولا يقرّ أحداً على باطل وضلال . وقد لا يقره على ذلك وينهاه ، كما فعل عليه الصلاة والسلام مع الصحابي أبي إسرائيل فيما رواه ابن عباس قال : « „ بينما النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم في الشمس ، فسأل عنه ، قالوا : هذا أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ، ولا يتكلم ، ويصوم ، قال : مُرُوه فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتم صومه “ » . [رواه البخاري ( 6326 ) ]. فهذا النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا إسرائيل على نذر الصوم ، وأبطل عليه باقي ما نذره ، فلم يقره عليه . فيتّضح إذن أنّ الأذان صار شرعا ودينا بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم للصحابيين على ما أراهما الله في المنام وأمره لعبدالله بن زيد أن يلقيه على بلال ليؤذّن به .. ونسأل الله عز وجل لنا جميعاً الفقه في الدين . والله أعلم. " [مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ فى الفجر] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ، قَالَتْ: كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ، فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ، فَيَأْتِي بِسَحَرٍ، فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ، فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى، ثُمّ قَالَ: اللهُمّ إنّي أَحَمْدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا عَلَى دِينِك. قَالَتْ : ثُمَّ يُؤَذِّنُ . قَالَتْ: وَاَللهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً وَاحِدَةً .. يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ . وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ . ". .. .. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَوْرَدَهُ السُّهَيْلِيُّ بِسَنَدِهِ ، مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ ، ثَنَا أَبِي ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَذَكَرَ حَدِيثَ الْإِسْرَاءِ ، وَفِيهِ فَخَرَجَ مَلَكٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ فَأَذَّنَ بِهَذَا الْأَذَانِ ، وَكُلَّمَا قَالَ كَلِمَةً صَدَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، ثُمَّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّمَهُ ، فَأَمَّ بِأَهْلِ السَّمَاءِ ، وَفِيهِمْ آدَمُ وَنُوحٌ ، ثُمَّ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَأَخْلِقْ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا؛ لِمَا يَعْضُدُهُ وَيُشَاكِلُهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ . فَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ كَمَا زَعَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ ، بَلْ هُوَ مُنْكَرٌ ، تَفَرَّدَ بِهِ زِيَادُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو الْجَارُودِ الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْفِرْقَةُ الْجَارُودِيَّةُ ، وَهُوَ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ . ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا قَدْ سَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ ، لَأَوْشَكَ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الصَّلَاةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . .. .. ومسألة الأذان بتفصيلاتها وجزئياتها تحتاج تبيان وشرح تجدها في كتب الفقه! ـــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) أحداث جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ . ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ 622 م بدايات العهد المدني "أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ.. وَدَارُ السُّنَّةِ" « الْمَدِينَةَ المنورة » ١٦٦ :" شُرِعَ الآذان ". حُرِّرَ في العام الهجري : ١٤٤٦ ؛ يوم : الخميس : 20 رمضان ~ 20 مارس 2025 م . ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ غريب الألفاظ : - بُوقِ : في رواية البخاري : « „ بوقة “ » ؛ وفي رواية لمسلم والنسائي : « „ قرنا “ » ؛ وقيل : « „ القنع “ » ؛ وقيل : « „ الشبور “ » ؛ وهذه الالفاظ الاربعة : « „ القنع - الشبور - البوقة - القرن “ » ؛ بمعنى واحد وهو الذي ينفخ فيه ليخرج منه الصوت. - اندى: أقوى وأبعد . - قال الاسفرايني في الفرق بين الفرق: ص 22: الجارودية فرقة من الفرق الزيدية من اتباع المنذر بن عمرو المعروف بـ أبي الجارود .. كفروا الصحابة لتركهم بيعة علي ، وقالوا ان النبي صلى الله عليه وسلم نص على إمامة علي بالنص دون الاسم . وافترقت الجارودية في الامام المنتظر فرقا : فــ منهم من لم يعين واحدا بالانتظار ... ومنهم : من ينتظر محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.. ومنهم : من ينتظر محمد بن القاسم صاحب الطالقان .. ومنهم : من ينتظر محمد بن عمر الذي خرج بالكوفة. ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ــــــ |
تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ! 167 تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ .. وَكَانَ صَرْفُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ الْـمُعَظَمةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيةِ الْشَرِيفةِ . ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ مدخل للمسألة : منذ اللحظة الأولى من البعثة المحمدية الخاتمة لرسالات السماء للبشر أجمعين .. والإسلام يضع الخط المستقيم الصحيح بـ جوار الخط المعوج الخطأ .. سواء المتعلق بوحدانية الآله وربوبيته أو كيفية تسيير المعاملات فيما بين البشر أو كيف ينظم الإنسان حياته .. {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36] .. وهذا الخط المستقيم عارضه الكثير .. سواء أهل مكة - مبدأ الدعوة ومنطلق الرسالة - بل رفضه السواد الأعظم .. من عشيرة النبي محمد عليه السلام أو مَن سكن يثرب من اليهود والمنافقين .. .. ويتبين بوضح تام عند مراجعة مصدري الوحي المُنزل من رافع السماوات بغير عمد نراها بواسطة أمين السماء المَلك جبرائيل على قلب أمين السماء والأرض النبي الرسول محمد بن عبدالله .. فـ بلغ عليه السلام كامل الرسالة الخاتمة والبعثة الآخيرة والنبوة المتمة كما أوحى ربه تعالى إليه .. فـ بلغ عليه الصلاة والسلام الإسلام لـ صحابته .. فـ يتبين بوضوح كـ إنهارة شمس رابعة النهار الكون كله أن الإسلام الخاتم تميَّز بـ ميزات خاصة فـ صارت من خصوصيات هذه الملة الحنيفية السمحاء .. تقبلها البعض بـ إيمان عميق ورفضها أخرون بـ عناد وحقد وحسد من عند أنفسهم .. وهذه المميزات والتي صارت خصوصيات يمكن أن أقسمها إلى أربع خاصيات .. 1 . ) - الأولى منهن : أن الله ~ الخالق الرازق المحيي المميت الذي بيده الخير وهو على كل شئ قدير وهو البصير السميع الخبير .. أنزل اسماءَه الحسنى وصفاته العُليا في محكم كتابه العزيز .. قال تعالَى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ﴾ .. فـ عَرَّفَ ذاته - وهو الذي ليس كمثله شئ - بـ نفسه العلية وصفاته السمية .. إذ لا تدركه الأبصار ولا تعرف كنهه العقول والأفهام .. فـ تميَّز آله محمد(!) وربه [(الله - سبحانه وتعالى -)] عن بقية الالهة عند البشر جميعاً والتي استحدثوها من بنات افكارهم تميزاً ظاهراً واضحاً جلياً سواء عند آلهة الإمبراطورية الرومانية .. أو الفارسية .. أو الهندية .. أو عند العرب في أصنام جزيرتهم .. أو عند أهل الكتاب بعد التعديل والتبديل والتحريف والتغيير .. فـ مَن يقرأ كتابَه العزيز يجدها [( أي : الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى )] مبثوثة بين جنباته .. في العديد مِن الآيات الكريمات .. جاءت وحياً من عنده - عزَّ وجلَّ - .. كما أن السُنَّة المحمدية النبوية جاءت بــ تفصيل لها .. ولم تترك صفاته أو اسماؤه للبشر يتخيلونها فيستحدثونها كما شاءوا فــ يبتدعون ما تصل إليها مداركهم الناقصة وافهامهم الضئيلة عن فهم خالقهم ورازقهم .. فـ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : „ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ[*] اسْمًا .. مِائَةً إِلَّا وَاحِدَةٍ .. مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .. إِنَّهُ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ ( هُوَ اللَّهُ ) .. “ ؛ .. ثم ذكر تلك الأسماء الحسنى .. وَسَاقَهَا التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ .. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِالْحُسْنِ .. وَسَاقَهَا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ الْأَعْرَجِ ، وَلَفْظُهُ : „ مَنْ حَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ “ ؛ .. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : „ جَاءَتْ أَحَادِيثُ فِي إحْصَائِهَا مُضْطَرِبَةٌ .. لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ أَصْلًا .. ثم .. قَالَ : „ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ نَصِّ الْقُرْآنِ “ ؛ كما أشرت سابقاً .. قلت( الرَّمَادِيُّ ) : ويكفي تتبعها في الكتاب العظيم : القرآن المجيد لــ معرفتها .. مع التنبيه أَنَّ: „ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ “ .. 2 . ) - أما الخاصية الثانية .. والتي تُميز الأمة الإسلامية كـ أمة من أهل الكتاب عن غيرها من الأمم والشعوب: هذه الخاصية والخصوصية هي : حُفِظَ الوحي المُنزل بـ شقيه الكتاب العزيز : أ . ) : القرآن الكريم .. و الترجمة العملية للوحي : ب . ) السنة النبوية الرسولية المحمدية .. حُفظ هذا الوحي مِن قِبل الحق - تبارك وتعالى - بـ آية قطعية الثبوت وقطعية الدلالة فـ أنزل أمين السماء المَلك جبرائيل وحياً من ربه قوله تعالى : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون} [الحِجر:9] وقال : { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيز} {لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيد} [فُصِّلَت: 41-42] . فتكفل - سبحانه في علاه وتقدست اسماؤه - بـ حفظ وحيه المُنزل على قلب خاتم رسله ومتمم رسالته وآخر انبياءه بـ نفسه العلية .. حفظه - عزَّ وجلَّ - مِن التعديل والتبديل والزيادة والنقصان والتحريف والتغيير .. وهذا مصداقاً لقوله عليه السلام :« تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ» .. وفي رواية : « تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجَّةُ الْبَيْضَاءِ ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ» .. والمحجة بـ فتحتين جادة الطريق : أي وسطه ؛ وهي بيضاء لـ وضوحها ؛ ولذلك قال: « لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا » .. أي لا لبس فيها ؛ واضحة جلية لسالكها . ويتأكد المعنى هذا بـ قولهُ -تعالى- : ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ ، فصراطُ الله واحِد .. ولهذا ندعوا الله - تبارك وتعالى - في سورة الفاتحة في كل صلاةٍ ، وهي ركنٌ من أركانها ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ﴾ ، الذين أنعم اللهُ عليهم .. هم : الصديقون والشهداء والصالِحون ﴿وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً﴾ .. لأن المصيبة الكبرى تكمن في مَن عندهم علم ولم يعملوا به .. أو الذين يعبدون الله على جهل وضلال على غير دليل .. وعلى غير حق .. 3 . ) - أما الخاصية الثالثة : تميز المصطفى الرسول المجتبى النبي المحتبى المبعوث المرتضى : خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين [( موضوع هذه البحوث )] عن بقية البشر والخلق .. ميزة هذا النبي الرسول .. وخصائصه .. وصفاته .. وأخلاقه .. وشمائله .. ودلائل نبوته .. هذه كلها ثبتت في صحيح كُتب أهل الكتاب : أ . ) : العهد العتيق .. و : ب . ) العهد الجديد .. ثم آكدها : ج . ) العهد الحديث : القرآن الكريم .[( انظر : بحث : ﴿ ٤ ﴾ ـــــــ الْبَابُ الرَّابِعُ ـــــــــ: إِرَهَاصَاتُ وَبِشَارَاتُ وعَلَامَاتُ النُّبُوَّةِ .. بـ قلمي .. )] .. وَنُشْهِدُ اللَّهَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ .. وَأَدَّى الْأَمَانَةَ .. وَنَصَحَ الْأُمَّةَ .. وَترَكَهَا عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ.. - أما الخاصية الرابعة : ميزة وخاصية أمة الإسلام .. نطق القرآن الكريم واصفا أمة الإسلام فقال: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ .. } [آل عمران:110] وهذه الأمة الإسلامية تميزت فصارت من خصائصها أن تكونت في عهد النبوة ونشأت زمن الرسالة بـ وجود السادة الصحابة والسيدات الصحابيات ؛ ثم تلاهم السادة التابعون فـ تابعو التابعين .. ثم جاء من بعدهم .. قوم .. كما جاء في الصحيح المسند للوادعي ما رواه : أنس بن مالك عن النبي أنه قال :«„ وددتُ أنِّي لقيتُ إخواني “» ؛ قالَ : فقالَ أصحابُ النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ - :„ أوليسَ نحنُ إخوانَكَ “ ؛ قالَ :«„ بل أنتُم أصحابي .. ولكنْ إخواني الَّذينَ آمَنوا بي ولم يرَوني “» ؛ وهذا الحديث يحتاج تفصيل مني .. فـ من بعد إذنه وعظيم تفضله سأتكلم عنه في الملحق! :«„ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ “»؛ ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) السبت : 7 شوال 1446 هــ ~ 05 ابريل 2025 م. |
مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ! : " (مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ) : قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَلَمَّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ الشَّامِ إلَى الْكَعْبَةِ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ عَمْرٍو، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَالرَّبِيعُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالُوا: „ يَا مُحَمَّدُ، مَا وَلَّاكَ عَنْ قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ؟ ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِكَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا نَتَّبِعْكَ وَنُصَدِّقْكَ “، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ فِتْنَتَهُ عَنْ دِينِهِ. فَـ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها، قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً. وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ﴾ 2: 142- 143، أَيْ ابْتِلَاءً وَاخْتِبَارًا ﴿وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ﴾ 2: 143، أَيْ مِنْ الْفِتَنِ: أَيْ الَّذِينَ ثَبَّتَ اللَّهُ﴿ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ﴾ 2: 143، أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ الْأُولَى، وَتَصْدِيقَكُمْ نَبِيَّكُمْ، وَاتِّبَاعَكُمْ إيَّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ الْآخِرَةِ، وَطَاعَتَكُمْ نَبِيَّكُمْ فِيهَا: أَيْ لَيُعْطِيَنَّكُمْ أَجْرَهُمَا جَمِيعًا إِنَّ الله بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ 2: 143. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ 2: 144. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] .وعند بن حزم : . تحت عنوان :" صرف القبلة وصُرفت القبلة عن بيت المقدس حينئذ ، على سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد روى أن أول من صلى نحو الكعبة «أبو سعيد بن المعلى الأنصاري»، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم [يأمر] بتحويل القبلة ، فصلى ركعتين إلى الكعبة . وقيل: بل صُرفت على ثمانية عشر شهراً ، وقيل: على ستة عشر شهراً ، لم يقل أحد أكثر ولا أقل. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] :«„ تَحْوِيلُ الْقِبْلَةِ إِلَى الْكَعْبَةِ “» فـ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: „ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ حُوِّلَتْ إِلَى الْكَعْبَةِ قَبْلَ بَدْرٍ بِــ شَهْرَيْنِ “ ؛ وَ عَنْه - أيضاً - أنَّه قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: „ صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، ثُمَّ حُوِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ قِبَلَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَبْلَ بَدْرٍ بِـ شَهْرَيْنِ “ ؛ وجاءت روايته بألفاظ آخرى إذ قَالَ : „ صُرِفَتِ الْقِبْلَةُ عَلَى رَأْسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِـ شَهْرَيْنِ “ .. .. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] فقد كان المسلمون في صدر الإسلام يستقبلون بيت المقدس بالشام في صلاتهم .. حتى جاء الأمر الآلهي بـ تغيير القبلة إلى الكعبة المشرفة ونزل قول الله -تعالى- : ﴿... فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .. وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ...﴾ {البقرة: 144} . فـ نحن نصلي إلى الكعبة لأن الله -تعالى- أمرنا بذلك وهو جلَّ وعلا :﴿ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ {الأنبياء: 23} .. فـ لا ريب في أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بيت المقدس بعد قدومه المدينة بضعة عشر شهرا ، وقد جاء عن ابن عباس- رضي الله عنهما ـ „ أن الله هو الذي أمره بذلك .. ثم .. أمره بأن يستقبل البيت العتيق .. فـ كان هذا أول ما نُسخَ من القرآن “ .. قال الحافظ ابن كثير- رحمه الله-: „ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بـ مكةَ إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه .. فلما قدم المدينة وجه إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا .. ثم .. صرفه الله إلى الكعبة بعد .. ولهذا يقول تعالى: ﴿ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله﴾ ـ قال أبو عبيد القاسم بن سلام، في كتاب الناسخ والمنسوخ: „ عن ابن عباس ، قال: „ أول ما نُسخ من القرآن فيما ذُكر لنا - والله أعلم - شأن القبلة: قال تعالى: ﴿ ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ﴾ فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فـ صلى نحو بيت المقدس وترك البيت العتيق ، ثم صرفه إلى بيته العتيق ونسخها ، فـ قال: ﴿ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام .. وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره﴾ “.. وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال: „ كان أول ما نُسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة - وكان أهلها اليهود - أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ، فـ فرحت اليهود فـ استقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قِبلة إبراهيمَ ، فـ كان يدعو وينظر إلى السماء ، فـ أنزل الله: ﴿ قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها﴾ ـ إلى قوله: ﴿فولوا وجوهكم شطره﴾ ـ فـ ارتاب من ذلك اليهود ، وقالوا: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ، فـ أنزل الله: ﴿قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم﴾ “ .. وقد دل قوله تعالى : ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143} على ما ذكره ابن عباس وذهب إليه الجمهور من أن استقبال بيت المقدس كان بأمر منه - تعالى- . |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] وقد ذكر القرطبي الخلاف في هذه المسألة فقال ما عبارته: " واختلف العلماء ـ أيضا ـ في كيفية استقباله بيت المقدس على ثلاثة أقوال ، فـ قال الحسن: 1 . ) كان ذلك منه عن رأي واجتهاد(!) ، وقاله عكرمة وأبو العالية. و 2 . ) الثاني: أنه كان مخيرا بينه وبين الكعبة ، فاختار القدس طمعا في إيمان اليهود واستمالتهم . قاله الطبري . وقال الزجاج: امتحانا للمشركين ، لأنهم ألفوا الكعبة. 3 . ) الثالث: وهو الذي عليه الجمهور ـ ابن عباس وغيره ـ وجب عليه استقباله بأمر الله - تعالى - ووحيه لا محالة ، ثم نَسخ الله ذلك وأمره الله أن يستقبل بـ صلاته الكعبة ، واستدلوا بقوله تعالى : ﴿وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ﴾ .. الآية. .. وعلى تقدير أن استقبال بيت المقدس لم يكن بأمر من الله وإنما كان باجتهادٍ منه صلى الله عليه وسلم ، فإن القائلين بـ جواز الاجتهاد في حقه : "[( هذه المسألة : تحتاج مراجعة مني .)] ". صلى الله عليه وسلم منهم من يقول إنه معصوم من الخطإ في الاجتهاد ، ومنهم من يقول إنه قد يقع منه الخطإ ، ولكنه لا يقَر عليه ، قال الزركشي في البحر: " إذا جوزنا له الاجتهاد .. فـ المختار أنه لا يتطرق الخطأ إلى اجتهاده ، لأنه لو جاز لوجب علينا اتباعه فيه ، وهو ينافي كونه خطئا ، والمسألةُ قد نص عليها الشافعي في الأم ".. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ رَجَاءٍ الْغُدَانِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ مِنْ عَازِبٍ رَحْلًا، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَنُزُولِهِ حَيْثُ أَمَرَ قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ.:۱٦ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ :۱٧ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهِكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾.. قَالَ: فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ .. قَالَ وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الْيَهُودُ- ﴿ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ فَـ أَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾. قَالَ: وَصَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ ، فَخَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى ، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ ، فَانْحَرَفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْكَعْبَةِ. جاء فِيَ رِوَايَةِ الْقَطَّانِ: فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ " [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ رَجَاءٍ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ إِسْرَائِيلَ]. ". |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] فـ ما المقصد الشرعي من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرّفة؟ - علينا أن نعلم - وفق الله تعالى الجميع إلى ما فيه الخير- أن الله سبحانه لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحة لهم ومنفعة عاجلة كانت أو أجلة ، ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة عليهم وشر لهم ، ومنهاجه وأحكامه وتشريعاته -عزَّ وجلَّ- جميعها لحكمةٍ يعلمها - سبحانه وتعالى - هو ارتضاها للعباده .. وما على المؤمن إلا السمع والطاعة والاستجابة ، والانقياد لأوامر الله والابتعاد عن نهيه ، والإلتزام بأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم والبعد عن ما نهى عنه ، وإعمال الفكر في الكتاب الكريم والسنة المطهرة .. وهذا هو الذي عَملَ به صحابة نبينا -رضي الله تعالى عنهم -، فقد ثبت في الصحيحين عن أنس:»” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس» ، فـ نزلت: ﴿قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام﴾ [البقرة:144] ، فمر رجل من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر ، وقد صلوا ركعة ، فنادى :„ ألا إن القبلة قد حُولت “؛، فـ مالوا كما هم نحو القبلة .«“ وعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ :„ بَيْنَمَا النَّاسُ بِـــ قُبَاءٍ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ ، فَـ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ ، فَاسْتَقْبَلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ ، فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةَ “؛ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ يُوسُفَ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مَالِكٍ.] .. والملاحظ هنا أنه : لم يتخلف واحد منهم ، ولم يَسأل عن الحكمة مِن ذلك ، وهذا من قوة إيمانهم ، وصفاء قلوبهم من أي شك أو ريبة أو تردد -رَضي الله عنهم- ، بعكس ضعاف الإيمان ، ومَن تأثر بـ دعاية اليهود. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] وقد جاء التصريح بموقف الفريقين من تحويل القبلة في قوله سبحانه:﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة:143] .. قال القرطبي: „ يعني فيما أمر به من استقبال الكعبة ممن ينقلب على عقبيه ، يعني ممن يرتد عن دينه ؛ لأن القبلة لما حولت ارتد من المسلمين قوم ، ونافق قوم ؛ ولهذا قال:﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾، أي: تحويلها . قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة. اهـ. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] .. بعدَ ما تميّز المجتمع المسلم في المدينة المنورة -اللبنة الأولى في الكيان الإسلامي الشامخ- عن غيره من مجتمعات الجاهلية ـ ڪـ اليهود ومشركي العرب والنصارى وغيرهم ـ زاده الله تميّزاً ، بأن نزل الوحي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصرف المسلمين عن القبلة التي كان يشاركهم فيها اليهود وهي بيت المقدس .. اتجاه الشام ، إلى قبلة الإسلام خاصةً وهي الكعبة المشرفة .. ومن ثم كانت حادثة تحويل القبلة هي الفاصل بين الحرب الكلامية والتدخل الفعلي من جانب اليهود لـ زعزعة كيان الدولة الإسلامية الناشئة .. عن البراء بن عازب- ـ رضي الله عنه ـ قال: „ .. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده - أو قال أخواله - من الأنصار وأنه - صلى الله عليه وسلم - صلى قِبَل بيت المقدس ستة عشر : "۱٦" شهراً أو سبعة عشر : "۱٧" شهراً ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبل البيت[(العتيق)] ، وأنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم ، فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال: أشهد بالله ، لقد صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قِبل مكة ، فـ داروا كما هم قِبل البيت ، وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك “ ؛ (انظر: الحاكم) وقد أخبر الله تعالى بما سيقوله اليهود عند تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، من إثارة الشكوك والإنكار والتساؤلات قبل وقوعه . وفي أمر تحويل القبلة قال الله تعالى :﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ . وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ . كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءَايَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ . فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ ( البقرة آية:149-152) . لقد كان تحويل القبلة حدثا عظيما ، فيه من الدروس والعبر الكثير ، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة ، ومنها : |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] لقد كان تحويل القبلة حدثا عظيما ، فيه من الدروس والعبر الكثير ، والتي ينبغي الوقوف معها للاستفادة ، ومنها : : "۱" : إثبات نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أخبر الله تبارك وتعالى بما سيقوله اليهود عند تحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، قَبل وقوع الأمر بالتحويل ، ولهذا دلالته فهو يدل على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو أمرٌ غيبي ، فـ أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بـ آيات قرآنية قبل وقوعه ثم وقع ، فـ دل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم : رسول .. و : نبي يخبره الوحي بما سيقع ، إذ من الأدلة على صدق رسالة الرسول ، أن يخبر بـ أمور غيبية ثم تقع بعد ذلك كما أخبر . وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا .. قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (البقرة:142) . لقد كان لـ حادثة تحويل القبلة أبعاداً كثيرة .. منها : "۱" : السياسي ، ومنها : "٢" : العسكري ، ومنها: "٣ " : الديني ، ومنها: "٤" : التاريخي . فـ بُعْدها السياسي أنها جعلت الجزيرة العربية محور الأحداث ، و بعدها التاريخي : أنها ربطت هذا العالم بـ الإرث العربي لـ إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، و بعدها العسكري : أنها مهدت لـ ـفتح مكة ، و بُعْدها الديني : أنّها ربطت القلوب بالحنيفية ، وميزت الأمة الإسلامية عن غيرها .. ومن ثم كان تحويل القبلة نعمة من نعم الله علينا ، كما قال الله تعالى: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (البقرة: من الآية150) .. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] ومن خلال حدث تحويل القبلة ظهر درس هام ما أحوجنا إليه ، ألا وهو : "٢ " : التسليم المطلق والانقياد الكامل لله تعالى ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم : فـ المسلمُ عبدٌ لله تعالى ، يُسلم بـ أحكامه وينقاد لـ أوامره بكل حب ورضا ، ويستجيب لذلك بـ حماس ، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد ، إذ أن أصل الإسلام : التسليم ، وخلاصة الإيمان : الانقياد ، وأساس المحبة : الطاعة ، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لـ حكمه ، والامتثال لـ أمره في جميع الأحوال ، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها ، لـ أنه يعلم علم اليقين ، أنه ما أمره الله تعالى بـ أمر ولا نهاه عن شيء ، إلا كان في مصلحته ومنفعته سواء علمَ ذلك أو لم يعلمه . التطبيق العملي لـ أوامر الوحي [(القرآن العظيم والسنة المطهرة)]: والصحابة الكرام رضي الله عنهم في أمر تحويل القبلة ، أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاتهم ناحية المسجد الأقصى فـ توجهوا وانقادوا ، ولبثوا على ذلك مدة سنة وبضعة شهور ، فــ لما أُمِروا بالتوجه ناحية المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا ، قمة الإيمان والتطبيق الفوري : بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم ، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة ، ضاربين المثل في الانقياد والتسليم المطلق لـ أوامر الله تعالى ، وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم . فـ كان تحويل القبلة اختبارا وتربية للصحابة على السمع والطاعة ، والتسليم لله ورسوله ، كما قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ (البقرة: من الآية143) . وقد ثبتوا ونجحوا رضي الله عنهم ، فـ سارعوا للاستجابة والتسليم لـ أمر الله ورسوله ، فـ عن ابن عمر رضي الله عنه قال: „ بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء ، إذ جاء رجل فقال : قد أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فـ استقبلوها ، فـ توجهوا إلى الكعبة “؛ (انظر: الترمذي) . فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال :„ لما وجِّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله ، كيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ .. فـ أنزل الله تعالى:﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ (البقرة: من الآية143) (يعني صلاتكم ) “ .. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] كما أن بعض أهل العلم قد ذكر بعض الحكم من تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة ، فمن ذلك: "۳" : استنباطهم من سبب نزول هذه الآية ، وهي قوله تعالى : ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا﴾ {البقرة:144} ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يوجه نحو الكعبة ، فأنزل الله عليه الآية ، ووجهه نحو الكعبة . وهذا ذكره ابن كثير نقلًا عن الإمام أبي حاتم في تفسيره. ومن الدلالات والدروس الواضحة والهامة من حادثة تحويل القبلة مخالفة اليهود والنصارى، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يتوجه في صلاته إلى الكعبة ، وكان حريصا على أن يكون متميزاً عن أهل الديانات السابقة ، الذين حرفوا وبدلوا وغيروا كـ اليهود والنصارى ، ولهذا كان ينهى عن تقليدهم والتشبه بهم ، بل يأمر بمخالفتهم ، ويحذر من الوقوع فيما وقعوا فيه من الزلل والانحراف ، ومن ثم كان من مقتضى هذا الحرص أن يخالفهم في قبلتهم ، ويتوجه في صلاته بشكل دائم إلى قبلة أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهو أول بيت وضع للناس ، وهذا كان ما يتمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فـ التميز في العبادة وعدم مشاركة مَن لا يؤمن بآله واحد بـ أي شعيرة من الشعائر ، أو مظهر من المظاهر ، كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على تربية الصحابة .. والمسلمين من بعدهم عليه ، فـ كثيرا ما كان يقول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ومواقف متعددة :«„ خالفوا اليهود والنصارى “» (انظر: ابن حبان) . قال ابن تيمية :„ قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بـ مخالفتهم في كثير من المباحات وصفات الطاعات ، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم ، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم ، فـ إنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم “؛ ثم قال : “ فـ المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة ، والمشاركة في الهدي الظاهر توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان ، وهذا أمر محسوس “؛ .. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] أمرٌ آخر ذكروه ، وهو : : "٤" : أن الأمر بالتوجه إلى الكعبة ؛ حتى يقطع احتجاج اليهود في أن النبي صلى الله عليه وسلم كما وافقهم في قبلتهم ، فيوشك أن يوافقهم في دينهم ، وممن قال نحو هذا القول : مجاهد ، والضحاك ، والسدي ، وقتادة. ومن دروس حادثة تحويل القبلة الهامة ، أنها عرفت المسلمين طبيعة الكفار ـ من يهود ونصارى وغيرهم ـ وأنهم لن يرضوا أبدا عن المسلمين إلا بأن يتبعوهم ويكونوا مثلهم، قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾(البقرة:120). |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] كما أن : : "٥" : تحويل القبلة فيه إشارة إلى انتقال القيادة والإمامة في الدين من بني إسرائيل ، الذين كانت الشام وبيت المقدس موطنهم ، إلى العرب الذين كانت الحجاز مستقرهم ، والنبي صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل ، وقد شارك أباه إبراهيم عليهما السلام في بناء البيت ، بخلاف أنبياء بني إسرائيل ، فإنهم من ذرية إسحاق عليه السلام. اقول (الرَّمَادِيُّ) : هذه مِن المسائل الشائكة(!) والتي تحتاج لـ مزيد تبيان وتوضيح وتفصيل بالأدلة والبراهين والحجج ! .. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] كما أن : : "٦" : ارتباط مناسك الحج بالبيت الحرام ، وبالكعبة المشرفة ، فـ ناسبه أن يكون التوجه بالصلاة إلى البيت العتيق ، الذي تكون فيه وحوله المناسك والعمرة والزيارة ، وهذا -والله أعلم- جزء من كمال هذا الدين. هذه بعض الحكم أشرتُ إليها على عجل ، وقد يكون الأمر بتحويل القبلة لأمور أخر غير هذه . ابحثها لاحقاً إن شاء الله تعالى .. كذلك أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له ، فـ حينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بـ تحويل القبلة إلى الكعبة ، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس ، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة . فهذا .. مِن كرم الخالق سبحانه وتعالى : فـ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قِيلَ: هَذَا لِلَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَرِجَالٌ قُتِلُوا ، فَلَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهُ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ]... وهكذا كان حدث تحويل القبلة تربيةً للصحابة وللأمة ، وتشكيلاً للشخصية المسلمة المتميزة ، التي لا ترضى إلا بالإسلام ديناً ومنهجا كاملا للحياة .. وهذه من خصوصيات هذه الأمة المرحومة . |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] تنبيه : يجب التنبيه على أن الواقع الحالي .. ومنذ زمن .. أنه قد طرأ على أذهان أفراد الأمة الإسلامية حالة مِن الضعف الشديد في فهم الإسلام .. وهذا أنتج حالا من الضعف في الثقة بأحكام الإسلام وتشريعاته ومنهاجه عند المسلمين .. مما جعلهم - وهم في حالة الضعف هذه - يقبلون على ما عند الغرب من افكار وقيم وتقدم علمي وتكنولوجيا متوسلين بها أن ينهضوا كنهضتهِ.. فما زادهم إقبالهم ذلك إلا وهناً على وهن وضعفاً على ضعف .. وبالتالي ضعف أو كاد يتلاشى حمله بصحيح عقيدته وتوعية المسلمين بصحيح أحكامه وتشريعاته .. هذا : أولاً .. وثانياً غياب توعية غير المسلمين بــ صحيح أحكامه .. فصلاح النفوس أو انحرافها هو أصل اعتدال الأحوال أو اعوجاجها ، قال تعالى :﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال:53] ، وقال سبحانه:﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد:11]. .. فنحن أمة تنتصر بطاعتها لله واتباعها لرسولها ، وتنكسر بعصيانها لله وبعدها عن شرعه وهداه .. ، وقد صدق سلمان عندما قال لسعد بن أبي وقاص: : " إن هؤلاء صادقون مع الله ولذلك أيدهم وسخر لهم البحر كما سخر لهم البر، وأخشى أن يأتي يوم يتخلى فيه المسلمون عن طاعة الله فيتأخر عنهم نصر الله: " ، وقد بكى أبو الدرداء عند فتح قبرص، فقيل له: " تبكي في يوم نصر الله فيه دينه وأعز فيه جنده. فقال رضي الله عنه: أبكي على حال هؤلاء الذين عصوا الله فسلطنا عليهم، وأخشى أن يأتي يوم يقصر فيه المسلمون في طاعة الله فيسلط عليهم عدوهم: " ولا شك أن الحالة التي خاف منها سلمان واليوم الذي أشفق منه أبو الدرداء هو ما وصلنا إليه. وكتبه: د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنُ إبراهيم الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْڪَنْدَرِيَّةِ. ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) الأحد : ٨ شوال 1446 هــ ~ 06 ابريل 2025 م. ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ [*] قَوْلُهُ :" إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا " .. قَالَ النَّوَوِيُّ : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .. فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرَ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةُ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .. فَـ الْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارُ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ .. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ :" أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ".. قَالَ : وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ : لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفُ اسْمٍ .. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهَذَا قَلِيلٌ فِيهَا .. وَ تَتِمَّةُ كَلَامِ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَلَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ أَسْمَاءُ رَبِّي ، وَلَوْ جِئْنَا بِسَبْعَةِ أَبْحُرٍ مِثْلِهِ مَدَدًا .. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ: وَهَذَا كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِزَيْدٍ مِائَةُ دِينَارٍ أَعَدَّهَا لِلصَّدَقَةِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْمِائَةِ دِينَارٍ ، وَإِنَّمَا يُفْهَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمِائَةَ هِيَ الَّتِي أَعَدَّهَا لِلصَّدَقَةِ لَا غَيْرَهَا [انْتَهَى] . والمسألة تحتاج مني بحث سارحلها إلى ملحق نهاية البحوث .. مِن بعد مشيئته وبحسن توفيقه وتمام منته وكامل عونه !. (**) مسألة : هل يجوز في حق الرسول الاجتهاد تحتاج مني لبحث وتفصيل سأجعلها من بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه وتمام رعايته في الملحق . أحداث جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ . ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ ثَان سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ 623 م بدايات العهد المدني "أبحاث : " دَارُ الْهِجْرَةِ .. وَدَارُ السُّنَّةِ" « الْمَدِينَةَ المنورة » ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ |
168 فرض صيام شهر رمضان! 168 فرض صيام شهر رمضان بدأَت التكاليف التشريعية والأوامر الآلهية والنواهي لمنفعة البشرية والمنهجية الإسلامية المحمدية الرسولية لنظام الإسلام كـ طراز خاص من العيش وطريقة معينة في الحياة .. بدأت وحياً لمجتمع دار الهجرة تتوالى في العهد المدني لـ بناء صرح الكيان الجديد : الدولة الإسلامية الفتية الناشئة الحديثة في مدينة الرسول المصطفى ، فقد كان العهد المكي مرحلة ترسيخ عقيدة التوحيد في قلوب مَن يؤمن بآله واحد .. فرد صمد .. لم يلد ولم يولد .. ولم يكن له كفؤاً أحد فلا مثيل له ، يرافق ذلك هدم المعتقدات الفاسدة وإزاحة المفاهيم الخاطئة والمتعلقة بالشرك والوثنية وعبادة الأوثان وتقديس الأصنام ، وقد أدت هجرة المسلمين بعد إذائهم وتعذيبهم والتنكيل بهم وقتل بعضهم .. ثم خروجهم من ديارهم بغير حق إلى المدينة المنورة .. أدت هذه الهجرة إلى زيادة الأعباء الملقاة على عاتق الدولة الناشئة ووضع على أكتاف هذا الكيان الجديد العديد من المسائل ، فـ شرع النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم لـ حل تلك الأعباء بطرق شرعية عديدة ، وإيجاد لتلك المسائل أساليب مبتكرة متنوعة جاءت جميعها وحياً من رب العباد ، فـ كان بناء المسجد النبوي .. وأُلحقت به الصُفَّة التابعة له لـ استيعاب أكبر عدد ممكن من فقراء المهاجرين .. فـ كان هناك ضرورة لإيجاد نظام المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وللطبيعة السكانية لـ يثرب وجدت وثيقة المدينة والمعاهدة مع يهود يثرب [ ( الموادعة .. دستور المدينة ) ] ؛ وكان صلى الله عليه وسلم يبني المجتمع الناشئ المسلم الجديد في المدينة النبوية على أساس مبدئي وعقائدي وإيماني ومنهجي وتشريعي كي يكون جميع افراده مؤهلون لحمل الأمانة ومستعدون لتبليغ الرسالة إلى غيرهم ، مع أخذه صلى الله عليه وسلم بـ سنة التدرج (!) في البناء وسياسة الخطوة تليها خطوة ، مع مراعاته عليه السلام لـ واقع الناس ، والانتقال بهم نحو الأفضل دون تعجيل أو تسريع ، بل كل شيء يأتي في وقته وزمنه وفق دستور القرآن المجيد وعمليا وفق طريقة النبي المختار ؛ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا اطْمَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ، وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ، وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ ، اسْتَحْكَمَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ ، فَــ قَامَتْ الصّلَاةُ ، وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ ، وَقَامَتْ الْحُدُودُ ، وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ ، وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ، ومن ثم ففي السنة الثانية من الهجرة الشريفة حدثت بعض التشريعات الإسلامية الهامة منها : - تحويل القِبلة ، و : - فرض صيام رمضان ، و : - زكاة الفطر ، و - بُينت أنصبة الزكاة الأخرى .. فـ فُرِض الصيام [( مثل بقية الشرائع الإسلامية العملية )] في المدينة المنورة .. دار السنة دار الهجرة ، بعد التمكين ؛ فقد كان العهد المكي مرحلة إعداد لـ تأسيس العقائد وعهد لـ زمن ترسيخ أصول التوحيد ومبادئه ، وتوطين القيم الإيمانية في القلوب ، والمقاييس الإسلامية والقناعات والأخلاق القرآنية والسنة النبوية في العقول والأفهام .. أما بعد الهجرة : العهد المدني .. فقد شُرعت الفرائض والتكاليف العملية التطبيقية والمنهجية الإسلامية ؛ وفصلت الأحكام الشرعية ، وكان منها الصيام ..وحددت الحدود . قال ابن جرير رحمه الله: وفي هذه السنة : السنة الثانية للهجرة فُرض صيام شهر رمضان ، وقد قيل: إنه فُرض في شعبان منها .. وجعله ركنا من أركان الإسلام ، كما فرضه سبحانه وجل شأنه على الأمم السابقة ، وفي ذلك تأكيد على أهمية هذه العبادة الجليلة للبشر ومكانتها عند خلقهم .. قال تعالى: ﴿ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾ .. لذا فقد ذكر الجلال السيوطي في كتابه [ الوسائل إلى معرفة الأوائل ] : „ أن أول مَن صام هو آدم عليه السلام ، ثلاثة أيام في كل شهر ، وهو ما يفسره البعض بـ صيام التوبة بعد أن خرج من الجنة ، ويصبح مجموع ما يصومه أبونا آدم 36 يوما على مدار العام ، كما صام سيدنا نوح عليه السلام على نفس طريقة آدم ، وكان يسمى صيام الشكر على النجاة من الطوفان العظيم ، فيما كان صيام سيدنا داوود عليه السلام مختلفا ، حيث كان يصوم خير الصيام ، كما ذكر ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم ، يصوم يوما ويفطر يوما ، وهو الصيام الأكثر في العام حيث يصوم 182 يوما ، بينما تذكر المصادر التاريخية عن نبي الله سليمان أنه كان يصوم تسعة أيام من كل شهر ، ثلاثة أوله وثلاثة في أوسطه ويختم الشهر بصيام ثلاثة أيام “.. .. „ وصام نبي الله الخليل : إبراهيم على طريقة أبينا آدم ثلاثة أيام من كل شهر ، وقد ورد في السنة أن إبراهيم عليه السلام كان يصوم الشهر كله ، ويرجع بعض المفسرين هذا لصيام ثلاثة أيام ، والحسنة بعشر أمثالها ، وتشير كتب السيرة النبوية إلى أن الرسول الكريم كان يصوم كل عام شهرا قبل أن ينزل عليه الوحي ، وبدأ بعد البعثة بصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ، ويحث الصحابة على صيام هذين اليومين ، كما صام النبي ثلاثة أيام من كل شهر على طريقة أبينا آدم ، وهي ما تسمى بالأيام البيض ، ويروي الصحابة في كثير من المواضع ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم أحيانا أياما متتابعة لا يفطر بينها أبدا ، فيظنون أنه لن يفطر مرة أخرى ، ثم يجدون أنه أفطر ، ولم يصم مرة أخرى لفترة فيظنون أنه لن يصوم مرة أخرى “ .. يقول ابن القيم في زاد المعاد : „ .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « „ الصوم جُنَّة “ » ؛ [وقاية].. وأمر من اشتدت عليه شهوة النكاح ولا قدرة له عليه بالصيام ، وجعله وِجَاء هذه الشهوة .. والمقصود : أن مصالح الصوم لما كانت مشهودة بالعقول السليمة ، والفطر المستقيمة ، شرعه الله لعباده رحمة بهم ، وإحسانا إليهم ، وحمية لهم وجنة ..كذا ما أثبته الطب الحديث أو ما أُطلق عليه „ الإعجاز العلمي “ .. وكان هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أكمل الهدى ، وأعظم تحصيل للمقصود ، وأسهله على النفوس .. ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها بل وأشدها ، تأخر فرضه إلى وسط الإسلام بعد الهجرة ، لما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة ، وألفت أوامر القرآن ونواهيه ، فنُقِلت إليه بالتدريج .. فـ في شهر شعبان في السنة الثانية من الهجرة الشريفة أي ما يقابل العام 324 الميلادي كانت مشروعية الصوم ، وهو من أسمى العبادات ؛ سواء البدنية أو المالية ، وجعل لمن صامه بابا من أبواب الجنات ، وهو باب خاص : الريان ، فـ لما نقل العرب أسماء الشهور عن اللغة القديمة ، سمّوها بالأزمنة التي هي فيها ، فـ وافق رمضان أيام رمض الحر .. أي شدته .. وقد نزل فرض صيام شهر رمضان بعدما صُرفت القبلة في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ ﴾ الآية، وقال عزّ وجل: ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ ، فأثبت صيامه على البالغ المقيم الصحيح ورخص فيه للمريض والمسافر وأثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام. وأول ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصيام قبل فرض رمضان هو صوم عاشوراء .. فقد كَانَت قُرَيشٌ تَصُومُ يَومَ عَاشُورَاءَ فِي الجَاهِلِيَّةِ .. وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ فِيْ مَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ يَصُومُهُ ؛ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ ، فَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِينَةِ صَامَهُ ؛ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ ، حَتَّى فُرِضَ صَوْمُ رَمَضَانَ .. كما ورد عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ: „ كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الجَاهِلِيَّةِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ ، [( موافقة لهم .. ولم يأمر أحداً من أصحابه بصيامه )] فَلَمَّا قَدِمَ المَدِينَةَ صَامَهُ ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، فَلَمَّا نَزَلَ [(فرض)] رَمَضَانُ [( كان رمضان هو الفريضة وترك عاشوراء )] كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ لاَ يَصُومُهُ » وتوضيح المسألة كي لا يحدث لَبس : فقد: „ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَمرَ النَّبِيِّ ﷺ النَّاسَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ قَبلَ فَرضِ رَمضَانَ إِنَّمَا كَانَ استِحبَابًا ، وَأَنَّهُ لَم يَجِب قَطُّ صَومٌ قَبلَ صَومِ رَمَضَانَ “.. وَخَالَفَهُمُ الحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا: „ أَوَّلُ مَا فُرِضَ صِيَامُ عَاشُورَاءَ ، فَلَمَّا نَزَلَ فَرضُ رَمَضَانَ نُسِخَ. “ .. وكان يهود المدينة يصومونه ويعظمونه ؛ لأن الله أنجى فيه موسى وقومه من الغرق ، وأغرق فرعون وقومه ، فصامه موسى شكراً لله وصامه رسول الله وأمر بصيامه قائلاً: «„ نحن أحق بموسى منكم “» ، وفي رواية : «„ أنا أولى بموسى “» ، ويوم عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم. رمضان .. 3 مراحل كان فرض الصيام على ثلاث مراحل : - المرحلة الأولى: التخيير بين الصوم ، أو الإفطار مع إطعام مسكينٍ عن كل يوم ، و : - المرحلة الثانية : إلزام المستطيع بالصوم ، ورفع التخيير ، و : - المرحلة الثالثة : كان الصائم في بداية فرض الصوم إذا نام بعد غروب الشمس ، ولم يفطر : حرم عليه الأكل والشرب إلى الليلة التالية ، ثم نسخ هذا الحكم ، فشرع للصائم أن يأكل ويشرب في أي ساعة شاء بين المغرب والفجر .. توضيح المسألة : „ وَلَمَا نَزَلَ صِيَامُ رَمَضَانَ كَانَ الصَّحَابَةُ حَدِيثِي عَهدٍ بِصِيَامِ شَهرٍ كَامِلٍ مُتَتَابِعٍ، فَاستَكثَرُوا ذَلِكَ وَشَقَّ عَلَيهِم ، فَأَجَازَ اللهُ تَعَالَى لِمَن أَطعَمَ مِسكِينًا كُلَّ يَومٍ قَدرًا مُعَيَّنًا مِنَ الطَّعَامِ أَن يُفطِرَ ، وَهَذَا مَعنَى قَولِهِ تَعَالَى : ﴿ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِديَةٌ طَعَامُ مِسكِينٍ ﴾، أَي وَعَلَى المُطِيقِينَ لِلصِّيَامِ الَّذِينَ لَا عُذرَ لَهُم إِن أَفطَرُوا ، ثُمَّ نُسِخَ هَذَا الحُكمُ بِالآيَةِ الَّتِي بَعدَهَا : ﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهرَ فَليَصُمهُ .. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاودَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَانَ النَّاسُ أَوَّلَ مَا فُرِضَ عَلَيهِمُ الصِّيَامُ إِذَا أَمسَوا حَلَّ لَهُمُ الأَكلُ وَالشُّربُ وَالجِمَاعُ إِلَى أَن يُصَلُّوا العِشَاءَ الآخِرَةَ أَو يَنَامُوا ، فإِذَا صَلَّوا العِشَاءَ أَو نَامَ أَحَدُهُم حَرُمَ عَلَيهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَمُجَامَعَةُ النِّسَاءِ إِلَى لَيلَةِ اليَومِ الذِي بَعدَهُ ، ثُمَّ إِنَّ „ قَيسَ بنَ صِرمَةَ “ كَانَ صَائِمًا ، فَلَمَّا حَضَرَ الإِفطَارُ أَتَى امرَأَتَهُ قَالَ: هَل عِندَكِ طَعَامٌ؟ قَالَت: لَا وَلَكِنِ أَنطَلِقُ فَأَطلُبُ ، وَكَانَ يَومَهُ يَعمَلُ فِيهِ بِأَرضِهِ فَغَلَبَتهُ عَينَاهُ ، فَجَاءَتِ امرَأَتُهُ فَلَمَّا رَأَتهُ قَالَت: خَيبَةٌ لَكَ ، فَأَصبَحَ فَلَم يَنتَصِفِ النَّهَارُ حَتَّى غُشِيَ عَلَيهِ ، فَذَكَرَت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ ، وَكَانَ بَعضُ الصَّحَابَةِ قَد اختَانَ نَفسَهُ .. فَجَامَعَ زَوجَتَهُ بَعدَ أَن صَلَّى العِشَاءَ ، فَنَزَلَ الوَحيُ إِلَى رَسُولِ الله: ﴿ أُحِلَّ لَكُم لَيلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُم هُنَّ لِبَاسٌ لَكُم وَأَنتُم لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ الله أَنَّكُم كُنتُم تَختَانُونَ أَنفُسَكُم فَتَابَ عَلَيكُم وَعَفَا عَنكُم فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابتَغُوا مَا كَتَبَ الله لَكُم وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ ﴾، وَكَانَ هَذَا مِمَّا نَفَعَ اللهُ بِهِ النَّاسَ وَرَخَّصَ لَهُم وَيَسَّرَ.. وركن الصيام الإمساك عن المفطرات وأمر في هذه السنة بـ زكاة الفطر وذلك قبل أن تفرض الزكاة في الأموال وكان يخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الفطر بيومين فيأمر بإخراجها قبل أن يذهب إلى المصلى . ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ أحداثٌ جرت في مَدِينَةِ الْسَلَامِ . ذِكْرُ مَا ڪَانَ مِنَ الْأُمُورِ في السَنَةِ الثانية مِنَ الْهِجْرَةِ النبوية الشريفة ~ ٦٢٤ م بدايات العهد المدني : أبحاث : „ دَارُ الْهِجْرَةِ .. دَارُ السُّنَّةِ “ « الْمَدِينَةَ المنورة « السبت : 06 ذو القعدة، ١٤٤٦ هــ ~ 03 مايو، 2025 م ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ |
رد: 169 تمهيد لمسائل الجهاد ! 169 تمهيد لمسائل الجهاد مدخل للمسألة : مِنَ البحوث والمسائل والقضايا التي كُتبَ فيها الكثير بين معارض وبين مؤيد .. ولن تنتهي .. - قضية صحة العقيدة وفسادها بل وبطلانها ؛ وسليم الإيمان وسقيمه ، و : - مسألة العبادات واستحداث أصناف منها تروق للبعض وتعجبه دون دليل أو حجة أو برهان ، وكذا : - بحث الجهاد .. وعامةُ الناسِ على دين ملوكهم .. وبعضهم على ملة آبائهم وسنة أجدادهم وطريقة أسلافهم .. أو البعض يتبعون أراء وأقوال علمائهم الربانيين دون تبيان الحجة واستحضار البرهان وإظهار الدليل .. أو يعتقدون في صحة ما جاء به أنبياء الله ورسله ويسلمون به مع إعمال العقل والفهم باستنارة ووعي .. ثم إن هناك فريق بدّل ما أُنزلَ إليه وعدّل في النصوص وإضاف مِن عنده ما يعجبه وأنقص ما لا يروق له وازاد من بنات أفكاره ونسيج خياله فـ استحدث وابدع وألف .. وفريق التزم بالوحي المُنزل قرآنا وسنة { فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } مع فهم صحيح لما جاء على لسان الرسول وما بلغه النبي .. فـ الله : الخالق { هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ } من عدم وأخرجكم من مجرى البول مرتين .. {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُون} ثم قال { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } ثم يؤكد المعنى بقوله {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } .. فـ هو : الله : الخالق الذي يقرر العقيدة ويوضح أركان الإيمان .. وليس المخلوق أو العابد .. إذ يقول في محكم التنزيل وصحيح النص القطعي الثبوت والقطعي الدلالة : { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ } .. { لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا } .. {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} .. {اللَّهُ الصَّمَد} .. {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد} .. {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد} .. {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا } .. {اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}: فـ هو الذي يصف نفسه بما شاء من صفاته وَ { لِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } وليس المخلوق يصفه يما يحلو له { فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى } وهو الذي يحدد الاسماء الحسنى التي تخصه والصفات العلا التي تجب له فيقول : {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيم} .. {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُون} .. {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} .. ثم يحدد أركان الإيمان واسس العقيدة : { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ } { وَالنَّبِيِّينَ } { وَالْيَوْمِ الآخِرِ } .. وهو الذي يحدد نوع العبادة وكيفيتها وزمنها { فَاعْبُدْنِي } .. {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} .. {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ } .. { وَآتُواْ الزَّكَاةَ } .وهو يحدد أصنافها ولمَن تصرف إليهم { {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} } .. { وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ } .. ونأتي لموضوع البحث : « „ الجهاد “ » في الإسلام : { وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } .. { يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ } { {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ } : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ } ثم تتحقق حسن العبادة بقوله : { وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } .. { وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } { وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين} |
رد: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا! قال الله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾ تحقيق البحث : سبب النزول: [ ( 1 . )] قَالَ العَوفي ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : „ نَزَلَتْ فِي مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ حِينَ أُخْرِجُوا مِنْ مَكَّةَ “. وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ : „ هَذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ “ . [ ( 2 . ) :" فـ هذه أول آية نزلت في الإذن في القتال ، ونسخت الموادعة ونقضتها مع الكفار [ ( 3 . ) ] :" ﴿ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم﴾ يعني الصحابة ، فإن الكفار آذوهم وأضروا بهم حتى اضطروهم إلى الخروج من مكة ، فمنهم من هاجر إلى أرض الحبشة ، ومنهم من هاجر إلى المدينة ونسب الإخراج إلى الكفار ؛ لأن الكلام في معرض إلزامهم الذنب ووصفهم بالظلم ﴿ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ﴾ ، وكان نزولها عند الهجرة.. [ ( 4. ) ] :" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أُخْرِجَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ مَكَّةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجُوا نَبِيَّهُمْ . إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ليهلكُن. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه: فعرفت أنه سيكون قتال. ".. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ. [ ( 5 . )] :" فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنَ الشَّرْعِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أُذِنَ" مَعْنَاهُ أُبِيحَ ، وَهُوَ لَفْظٌ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ لِإِبَاحَةِ كُلِّ مَمْنُوعٍ. " [( 6. )] :" قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: «كانَ مُشْرِكُو أهْلِ مَكَّةَ يُؤْذُونَ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، [( بِألْسِنَتِهِمْ وأيْدِيهِمْ )] .. [( فَلَا يَزَالُونَ مَحْزُونِينَ مِنْ بَيْنِ مَضْرُوبٍ وَمَشْجُوجٍ ، وَيَشْكُونَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ )] فَيَقُولُ ﷺ لَهُمُ : " اصْبِرُوا، فَإنِّي لَمْ أُومَرْ بِالقِتالِ " ، حَتّى هاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ ، وهي أوَّلُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ في القِتالِ» ".. وهذا ما قَالَ به الْمُفَسِّرُونَ : ، فـ هَذِهِ الْآيَةَ هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ أَذِنَ اللَّهُ فِيهَا بِالْقِتَالِ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِالْمَدِينَةِ. " .. بِسَبَبِ أنَّهم ظُلِمُوا بِما كانَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ مِنَ المُشْرِكِينَ مِن سَبٍّ وضَرْبٍ وطَرْدٍ، ثُمَّ وعَدَهم سُبْحانَهُ النَّصْرَ عَلى المُشْرِكِينَ ..ويؤكد هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قوله (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) وذلك أن مشركي أهل مكة كانوا يؤذون المسلمين بمكة، فاستأذنوا النبي ﷺ في قتالهم بمكة، فنهاهم النبي ﷺ عن ذلك، فلما خرج النبي ﷺ إلى المدينة أنزل الله عليه: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) . علّة تشريع الجهاد ظلم المشركين للمسلمين: الباء في ﴿ [بِــ]ــأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ﴾ للسببية، وفيه تعليل الإذن بالقتال ، أي أُذِن لهم بالقتال لأنّهم ظُلِموا ، والآية التي تليها ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ...﴾ أي من مكة .. تفسّر ماهيَّة (حقيقة) هذا الظلم [( 7 . )] :" فالإذن من الله سبحانه لعباده المؤمنين بأنهم إذا صلحوا للقتال أو قاتلهم المشركون قاتلوهم وهي أول آية نزلت في القتال بعدما نهى عنه في نيف وسبعين آية ". |
شُرع الجهاد لأول مرة في العهد المدني! إذاً .. شُرع الجهاد لأول مرة في العهد المدني ، وقبل ذلك كان المسلمون مأمورين بعدم استعمال القوة في مواجهة المشركين وأذاهم ، فكان الشعار المعلن: ﴿ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ . فقد كانت الدعوة في المرحلة المكية جديدة مثل النبتة الصغيرة تحتاج إلى الماء والغذاء والوقت لترسخ جذورها وتقوى على مواجهة العواصف ، فلو واجهت الدعوة آنذاك المشركين بحد السيف فإنهم يجتثونها ويقضون عليها من أول الأمر ، فكانت الحكمة تقتضي أن يصبر المسلمون على أذى المشركين ، وأن يتجهوا إلى تربية أنفسهم ونشر دعوتهم. فلما قامت للإسلام دولة في المدينة ، شرع الله الجهاد دفاعاً عن النفس فقط في أول الأمر: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير ﴾ ﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِين ﴾ ثم أذن بمبادرة العدو للتمكين للعقيدة من الانتشار دون عقبات ، ولصرف الفتنة عن الناس ليتمكنوا من اختيار الدين الحق بإرادتهم الحرة : ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ ﴾ . وقد التزم المقاتلون المسلمون بضوابط الحق والعدل والرحمة، فسجل التاريخ لهم انضباطهم الدقيق، حيث لم ترد أية إشارة إلى القيام بـ : - مجازر ، أو - سلب الأموال ، أو : - الاعتداء على الأعراض في المناطق المفتوحة مما يقع عادة في الحروب المدنية خلال مراحل التأريخ المختلفة . وقبل ذلك كله لم - تفرض العقيدة الإسلامية بالقوة على سكان المناطق المفتوحة ، بل سمح لأهل الكتاب بالمحافظة على أديانهم الأخرى ، ولا زالوا يعيشون بأديانهم حتى الوقت الحاضر بسبب السماحة الدينية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين للمسلمين ضرورة اقتران النية بالجهاد ، وأن لا يكون الدافع إلى القتال الحصول على الغنائم ، أو الرغبة في الشهرة والمجد الشخصي ، أو الوطني ، فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ، ويقاتل حمية ، ويقاتل رياءً ، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « „ من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله “ » |
أخلاص النية لله تعالى! .. بل لا بد من إخلاص النية لله بأن لا يقترن القصد من الجهاد بأي غرض دنيوي لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له وابتغي به وجهه . وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « „ تضمَّن الله لمن خرج في سبيله ، لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي ، وإيماناً بي ، وتصديقاً برسلي ، فهو عليَّ ضامن أن أدخله الجنة ، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة ، والذي نفس محمد بيده ما من كلم ـ جرح ـ يكلم في سبيل الله إلا ما جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم ، لونه لون دم ، وريحه مسك ، والذي نفس محمد بيده ، ! لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، والذي نفس محمد بيده ! لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل “ » . يقول د. العمري: ومن الصعب تقديم النماذج الكثيرة التي توضح أثر هذه التوجيهات النبوية على نفسية المقاتل المسلم ، ولكن يمكن اختيار نموذجين لمقاتلين من عامة الجند ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين أثناء القتال في غزوة أحد : « „ قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض “ » ، فسمعه عمير بن الحمام الأنصاري فقال : „ يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض !؟ “ ، قال: « „ نعم “ » ؛ فقال : „ بخ بخ “ .. [( كلمة تقال لتعظيم الأمر في الخير )] .. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « „ ما يحملك على قولك بخ بخ ؟ “ » ؛ قال : „ لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن كون من أهلها “ . قال : « „ فإنك من أهلها “ » . فأخرج تمرات من قرنه ، فجعل يأكل منهن ، ثم قال : „ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة “ ، قال : فرمي بما كان معه من التمر وقاتلهم حتى قتل “ » . فهذا النموذج الأول. وأما الثاني : فقد صح أن أعرابياً شهد فتح خبير، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أثناء المعركة أن يقسم له قسماً وكان غائبا ، فلما حضر أعطوه ما قسم له ، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما على هذا اتبعتك ، ولكني اتبعتك على أرمي هاهنا ـ وأشار إلى حلقه ـ بسهم فأدخل الجنة . قال: « „ إن تصدق الله يصدقك “ » قال : فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به يحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فكفنه النبي صلى الله عليه وسلم بجبته ، وصلى الله عليه ودعا له ، فكان مما قال: « „ اللهم هذا عبدك خرج مهاجراً في سبيلك فقتل شهيدا ، وأنا عليه شهيد “ » مصنف عبدالرازق فهذه الرواية شاهد قوي على ما يبلغه الإيمان من نفس أعرابي ألف حياة الغزوة والسلب والنهب في الجاهلية فإذا به لا يقبل ثمنا لجهاده إلا الجنة ، فكيف يبلغ الإيمان إذاً من نفوس الصفوة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! . أقسام الجهاد يكون الجهاد بالكلمة ، وبالمال ، وبالنفس ، وفيما يلي تعريف بكل قسم من هذه الأقسام : الجهاد بالكلمة: إن المقصود بالجهاد بالكلمة هو الدعوة إلى الله تعالى ، ببيان العقيدة والشريعة وتربية الناس وفقها ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وتوجيه النصح للحاكم، وخاصة إذا كان جائراً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « „ أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر “ » وقال: « „ سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله “ ». وذلك لأن الناس تهاب الظالم ولا تنصحه مما يؤدي إلى الطغيان والانحراف عن الاستقامة والمخالفة لدين الله ، فكان أجر من يسعى إلى تقويم الحاكم الجائر عظيماً ، لأن عودته إلى الاستقامة وطاعة الله تعالى تؤدي إلى إحياء فريضة الجهاد في المجتمع، وتهيئة الأمة روحياً وجسمياً وفكرياً لمتطلباته . الجهاد بالمال : حض الإسلام على الجهاد بالمال ، لما له من أثر كبير في تجهيز الجيوش بالسلاح والأدوات والتدريب ، مما يقتضي صرف الأموال الوفيرة ، وتقوم الدولة في الوقت الحاضر بهذا الواجب، فتصرف من الموارد العامة على إعداد الجيوش ، وعند الحاجة، أو نقص الموارد، فيجب على أغنياء المسلمين دعم الجهاد بأموالهم ، قال تعالى : {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} . وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أفضل ؟ فقال : « „ مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله “ » . الجهاد بالنفس : " يحرص الإسلام على السلم ، ويدعو الناس إلى الدخول فيه ، كما يحرص على هدايتهم ، بالبيان والترغيب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لــ علي رضي الله عنه . حين وجهه لقتال يهود خبير: « „ لئن يهدي الله بك رجلا خبر من أن يكون لك حمر النعم “ » . ولكن الإسلام يحث أيضا على القتال في سبيل الله لإعلاء كلمة الدين ، أو الدفع عن أرض المسلمين إذا هوجموا من عدوهم ، والجهاد بالنفس من فروض الكفايات إذا قام به البعض سقط عن الباقين ، إلا عندما تغزى أرض المسلمين فإنه يصبح فرض عين يقوم به كل قادر على القتال، قال تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُون} وخاتمة القول: إن الجهاد شرع في الوقت المناسب، وشرع لإقامة الحق والعدل، ونشر رسالة الإسلام وإزاحة العوائق من أمام هذه الرسالة لتصل للناس أجمعين، والله نسأله أن يرفع راية الجهاد وينصر المجاهدين في كل مكان والحمد لله رب العالمين. .. ". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من أقوال السادة العلماء ومراجعة لما كتبه د. أكرم العمري ــــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ ـــــ (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) الإثنين، 29 ذو القعدة، 1446هــ ~ 26 مايو، 2025 م |
رد: 170 مبتدأ الإذعان بالقتال ! 170 مبتدأ الإذعان بالقتال مِن الخطأ الفادح بحث مسألة فقهية أو قضية شرعية أو موضوع ما وفق دين الإسلام بـ شقيه : القرآن المجيد والسنة العطرة النبوية المحمدية ؛ بـ معزلٍ عن اساس الإسلام القوي الذي بُنيَّت عليه هذه المسألة أو الموضوع .. أو إهمال القاعدة الاساسية المتينة التي بُنيت عليها تلك القضية.. إذ أن اساس إسلام دعوة الأنبياء والمرسلين تنص على قول: « „ لا إله إلا الله “ » ؛ أي لا حاكم ولا آمر ولا ناه ولا مشرع إلا الله؛ لذا فقد قال ابن تيمية في الفتاوى (ج: ١٠/ ص: ٢٦٤) : „ أول الدين وآخره؛ وظاهره وباطنه هو : التوحيد وإخلاص الدين كله لله وتحقيق قول لا إله إلا الله “ ؛ فـ الإسلام مبدأ عقائدي وتشريعي ومنهاج لينظم حياة الإنسان فـ هو نظام خاص من العيش وطريقة معينة في الوجود وطراز خاص في كيفية معالجة كافة حاجات الإنسان ومتطلباته وتنظم مظاهر غرائزه.. والواقع الفعلي أنه قد تمت الهجرة المحمدية إلى [(يثرب)] بنجاح تام؛ وليس هروبه من بطش صناديد مكة أو خوفه على حياته كما أدعى بعض الجهلة من المستشرقين أو أذنابهم من العرب أو المسلمين؛ إذ أنها-الهجرة- بدأت وتمت وانتهت بإذنٍ من الله تعالى وحسن رعايته ووصل الركب النبوي إلى قُباء ثم أرتحل خاتم الأنبياء مع صاحبه الصديق إلى مدينته المنورة والتي طيَّب الله تعالى مناخها بممشاه على ثراها وتم بناء المسجد النبوي ثم تمت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.. وكُتبت وثيقة المدينة كدستور فقد بدء تشيد الكيان الإسلامي.. الجديد.. في كل شئ من حيث صحيح العقيدة وسليم الإيمان ومن حيث التشريع الآلهي في العبادات والمنهاج الرباني في العلاقات والمعاملات ثم تجد التشريع يتتالى فـ يهبط من السماء بعضه له علة والبعض الآخر لا علة له ولا سبب ڪـ بحث مسألة التيمم بعذر عدم وجود الماء لآداء الصلاة أو عدد أوقاتها في اليوم الليلة خمس وعدد ركعاتها وقصرها وجمعها في حالة السفر أو الامتناع عن الشراب والطعام وملامسة النساء لما يزيد عن عشر ساعات حسب مكان المسلم في كل يوم من شهر الصيام أو تقبيل ولمس الحجر الأسود ورمي الجمرات والطواف حول الكعبة وسقيا ماء زمزم بنية ما شرب له وهذا من حيث العبادات وفق التقسيم الفقهي.. أما في المعاملات فتحريم الربا والعلاقات بين البشر كتحريم القتل والسرقة والزنا وإن تراضى الطرفان ثم إقامة الحدود والسماح بـ تعدد الزوجات أو الطلاق .. أو موضوع هذا البحث : الغزوات والسرايا.. فهذه وأمثالها من الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية لا تبحث منفصلة عن القضية الأساسية الوحي : المنزل بواسطة أمين السماء جبرائيل على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله عليهما السلام.. وقاعدة الرسالة الأصلية أي : العقيدة والإيمان والتوحيد.. |
الملاحظات! ويجب أن نلاحظ: أولا : نشأة التشريع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لقد بدأ التشريع الإسلامي والمنهاج الآلهي منذ بعثة النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من السنة الأولى❶ للبعثة، وينتهي بإنتقاله عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى في السنة الحادية عشرة❶❶ من الهجرة؛ هذا عند أكثر أهل العلم. بيد أن بعض الباحثين يُخالف هذا القول ؛ إذ يرى أن المنهاج الآلهي والتشريع السماوي يبدأ مِن السنة الأولى ❶ للهجرة. وأجزمُ أن هذا العهد يعد أهم عهود التشريع عند الأنبياء والمرسلين وأهل الكتابين لأن الأحكام الشرعية فيه كان مصدرها الوحي بـ شقيه : أ . ) : القرآن المجيد المحفوظ بنص التنزيل دون أدنى تعديل أو تبديل أو تحريف أو إضافة أو نقصان.. و : ب . ) السنة النبوية المحمدية. وينقسم إلى مرحلتين أساسيتين هما: أ- المرحلة المكية[ بتصرف انظر كتاب المدخل لدراسة التشريع الإسلامي للدكتور: محمد نبيل غنايم ص 121/ 122 ".]: وهي مدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بمكة المكرمة ، وهي ثلاثة عشر ❸❶عامًا. وقد اتجه الوحي في هذه المرحلة إلى بيان أساس الإسلام وأصول الدين وعماده والدعوة إليها، والأمر بأمهات الفضائل والنهي عن الرذائل، ولم يتعرض إلى الأحكام العملية الشرعية لأفعال وتصرفات العباد إلا قليلًا وبشكل كلي غالبًا. ب- المرحلة المدنية[ انظر المرجع السابق : ص: 124. ". ]: وهي مدة إقامة النبي عليه الصلاة والسلام بالمدينة (بعد الهجرة)، وهي عشر⓿❶سنوات. وفي هذه المرحلة أخذ الوحي ينزل بالتشريعات المفصلة التي لا بد منها لتنظيم حياة المسلمين، إذ بدأت الدولة الإسلامية تتكون، وبناء الكيان الإسلامي الأول؛ ويحتاج إلى ما يقوم به من نظم وتشريعات ومنهاج وقوانين تحدد العلاقات بين أفرادها، وبينها وبين غيرها من الأمم فقد وضع الإسلام لأول مرة في تاريخ العرب فكرة الدولة، وجعل من الواجب طاعة السلطان، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾[ سورة النساء: الآية 59. ".]. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم.: « „ من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني “ » ؛[الحديث: 9851 - ورواه أحمد في المسند مرارًا، من طرق مختلفة، منها 7330، 7428، 7643. ورواه البخاري كتاب الجهاد 4/ 60 - مسلم كتاب الإمارة 6/ 13 رقم 183. وذكره ابن كثير 2: 497، بقوله: "وفي الحديث المتفق على صحته". وهو كما قال. " ]. |
رد: إشكالية الاستشراق ومشكلة المستشرقين! .. الملاحظ الثانية : ثانياً : إشكالية ومنذ حين : أن المستشرقين لا يعتبرون الكتب المقدسة من مصادر التاريخ أو الأحداث التي يصح الاعتماد عليها.. بيد أن :" القرآن كان محلاً لدراسة المستشرقين من جوانب متعددة، وقام الاستشراق بدراسة كثير من المسائل حول القرآن تفوق العد والحصر. وهذه الدراسات نفسها هي بحد ذاتها دليل على الاهتمام الخاص لهم بهذا الكتاب، وهو الاهتمام الذي لم يحصل بدافع المعرفة الحقيقية بمقدار ما كان بدافع الهجوم على القرآن. ". ثالثاً : البعض من هؤلاء المستشرقين يركب هواه في بعض الأحيان فيخون العلم في سبيل تحقيق غرض ديني في الغالب، إلا أن الجمهرة منهم تغلب فيهم النزاهة العلمية وبخاصة إذا كان الموضوع الذي يعالجونه غير شديد المساس بالدين.. فقد ترجم الاستشراق القرآن الكريم إلى اللغات الأوروبية المختلفة ترجمات بعيدة كثيراً عن الأصل العربي للقرآن[( أو ما يسمى ترجمة المعاني والتي قد تُفهم حسب القدرة البلاغية العربية وتمكن المترجم في فهم صحيح للغة الضاد)]، فضلاً عن عدد من الحواشي والهوامش التي تتضمن توجيهات غير منصفة ومضللة أحياناً أُخرى. ولم يكتف الاستشراق بهذا، بل قام بالتأليف حول كل ما يتعلق بالقرآن وأصله ومعانيه وتاريخه واللُغة التي جاء بها وعلومه وايضاً أحكامه وتفسيره ورسم الخط الذي تعلق به.. إنّ حملة أكثر المستشرقين ـ إذا لم نقل جميعهم ـ توجهت إزاء قضية الجهاد [(موضوع هذا البحث؛ وهو ترقيمه 170 وفق دراسة السيرة المحمدية النبوية وارجو من العليم الخبير حسن التوفيق وصحيح الرعاية )] في الإسلام، وأمّا ما هو سبب هذا الهجوم؟ وماذا يمكن أن تكون دوافعه؟ هناك احتمالات يمكن ذكرها، وفي هذا المقام يمكن أن نذكر كلاماً مهماً للمستشرق المسيحي المنصف إدوارد سعيد، حيث يقدم لنا سر هذه الهجمة الواسعة ضد الإسلام وفكرة الجهاد في الإسلام كما يلي.: „ وما يكمن خلف جميع هذه الصور والوجوه هو تهديد الجهاد، وفي النتيجة الخوف من أن يسيطر المسلمون (أو العرب) على العالم كله “ . . ويقول لورانس براون Lawrence Brown أيضاً.: „ الخطر الحقيقي يكمن في النظام الإسلامي. القوة التي يتمتع بها الإسلام للتوسع والاستيعاب هي في حيوية الدين الإسلامي. الإسلام هو المانع والجدار الكبير الوحيد في مقابل الاستعمار الأوروبي “ » . . ـــــــــــــــــــ ومن هنا نفهم لماذا يصر الغرب وأمريكا بجعل العرب يتناحرون فيما بينهم وضعف شديد يستحوذ على المسلمين في بقاء الأرض : انظر : أ. ) ما حدث لإيران منذ ايام ب . ) ما حدث ويحدث على أرض الإسراء والمعراج ج. ) حال الأفغان .. وباكستان .. د. ) السودان هـ . ) اليمن .. العراق .. سوريا .. لبنان .. والقائمة طويلة ! |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] رابعاً : اختلاف „ القتال “ عن „ الجهاد “ في دراسة الجهاد يجب الالتفات إلى نقطة مهمة وأساسية، وغالباً ما يغفل عنها، وهي التدقيق والتأمل في استعمال لفظتي : „ الجهاد “ .. و : „ القتال “ في القرآن، حيث إنّ الجهاد ليس دوماً بمعنى القتال؛ بل المراد من استعمال لفظة الجهاد في القرآن غالباً ما يكون هو الجهاد الفكري، الثقافي أكثر مما هو الجهاد العسكري، ولفظة القتال وحدها هي التي تعني الحرب والمعركة والتعامل العسكري، . والحال أن الحقبة المكية لم تشهد أية مواجهة عسكرية بين المسلمين وأي تيار آخر، وبالطبع سياق جميع الآياتِ المكية لا يؤيد الاحتمال المذكور في معنى الجهاد، وليس فيه أي دليل على وجود معنى الاشتباك العسكري.. أو استعمال القوة المادية وهذه القضية : الغزوات والسرايا تحتاج تفصيل ودراسة الأسباب الموضوعية والتي أدت للقيام بها وعددها وكم غزوة قام بها النبي الرسول بنفسه ومجموع عدد القتلى من الطرفين أو الشهداء والتوفيق بين فعله في غزواته وبين النص القرآني قطعي الثبوت والدلالة الذي نطق به القرآن الكريم إذ يقول ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾[الأنبياء:107] وصحة الفهم لماتنزل من محكم الكتاب حين يقول :"{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون}[فُصِّلَت:3] وقبلها يصف هذا الكتاب بأنه :" {تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم}[فُصِّلَت:2] ". ثم يصفه بأنه :" {بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ثم يقر حقيقة وهي : ﴿ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون}[فُصِّلَت:4] بل زادوا{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ زادوا ﴿ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ ﴾ زادوا ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُون}[فُصِّلَت:5]" .. إذ أن بعض المستشرقين وأذنابهم فهموا الأحداث خطأ .. فأقول : 1 . ) أن الشريعة الإسلامية تتميز بـ : التيسير ورفع الحرج، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال - عز وجل -: ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، ومن مظاهر ذلك: أ- الدعوة إلى التوحيد أولاً.. وتثبيت العقيدة وتقوية الإيمان.. فلقد بدأ الإسلام بـ أركان الإيمان لإفراد الله عز وجل بالعبودية ونبذ الشرك والوثنية، وبعد بضع سنوات من تثبيت عقيدة التوحيد في نفوس الجماعة المؤمنة فرضت الصلاة ثم الصيام والزكاة والجهاد والحج، وبالتدرج نفسه جرى تحريم المنكرات، فتحريم الخمر - للتمثيل لا الحصر - تم على مراحل، بدأت بالتحذير من مضاره وآثامه، ثم انتهت إلى تحريمه على وجه القطع.. ب- عدم نزول التكاليف بمكة ونزولها بالمدينة المنورة.. أي بعد الهجرة وإقامة الكيان الإسلامي الجديد . 2 . ) اعتمد الرسول النبي محمد على استراتيجية ناجعة : فبعد أن أغلق المجتمع المكي أبواب قلوبهم قبل منافذ أذانهم سعى المصطفى عليه السلام وبعد أن أنذر ﷺ أهل مكة وصبر على أذاهم طويلًا دعا أهل الطائف ثم أعيان قبائل العرب ممن يقدمون على بيت الله الحرام.لطلب النصرة واستجلاب المنعة من أهل القوة فذهب إلى الطائف وردوه رداً غير لائق ولا طيب ثم جاء الفرج على أيدي أهل [(يثرب)]. 3 . ) التدرج في فرض الجهاد..[( ومسألة التدرج في الأحكام الشرعية تحتاج مني إلى إعادة نظر سأرجؤها إلى الملحق من بعد إذنه تعالى وحسن توفيقه وهدايته.. إذ هناك نص من آواخر ما نزل في القرآن :" يقول الله - عز وجل -: ﴿ الْيَوْمَ[( أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )] [(وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ [(رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)] ﴾ [المائدة: 3]. ". )] .. الإكمال .. والإتمام.. والرضى منه سبحانه للعالمين بــ دين الإسلام .. ونظام الإسلام .. وشريعة محمد خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم البمتعثين .. رسول رب العالمين للبشر أجمعين .. .4 . ) فهم كثيرٌ من المسلمين شريعة الجهاد على أنها لقتال غير المسلمين أو ما يطلق عليهم مصطلح الكافرين وإن كانوا مسالمين.. وذلك لم يقل به نص الوحي لا في القرآن ولا في السنة.. وكتب د. الشنقيطي مقالاً تحت عنوان "الجهاد على بصيرة" وقال فيه: " لم ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺍلدين ﻣﺴﻮﻏﺎ ﺷﺮﻋﻴﺎ ﻟﻠﻘﺘﺎﻝ، ﻓﺎﻟﺠﻬﺎﺩ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻟﻴﺲ ﻗﺘﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﻗﺘﺎﻝ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﻛﺎﻓﺮﺍ، ﻓﻬﻮ ﻣﻮﻗﻒ ﺃﺧﻼﻗﻲ ﻣﻊ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﺿﺪ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻘﻬﺮ . ﻓﺎﻟﻤﺠﺎﻫﺪ ﻳﻘﺎﺗﻞ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﻟﻈﻠﻤﻪ، ﻻ ﻟﻌﻘﻴﺪﺗﻪ ﺃﻭ ﻣﺬﻫﺒﻪ ". وإن علة الجهاد في الإسلام هي الظلم لا الكفر.. 5 . ) وبعد الإذن بالهجرة إلى المدينة دعا ﷺ أهل الكتاب ، ثم أزال بالجهاد الذين كانوا يعيقون إبلاغ الدعوة إلى الناس ، ومن أروع ما ذكره الشاعر والفيلسوف محمد إقبال عن الدين قوله: "إنّ الدين من غير قوة مجرد فلسفة". ثم أرسل الكتب إلى زعماء الروم والفرس والحبشة وغيرهم يدعوهم إلى الدخول في دين الله،. ثم تتبقى مسألة : |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] .. ثالثا: التدرج في فرض الجهاد: وإذا كان الصيام ترويضًا للنفس على الانضباط حسب منهج الله عز وجل، وهو كذلك يعين على التحكم في شهوات النفس، ومنع الطعام والشراب والملذَّات عنها، فالأحرى بها وقد انتهت وامتنعت عن الحلال حسب نظام الصيام، أن تنتهي وتمتنع عن أكل الحرام في كل وقت، ومن هنا كان هذا الموقع العجيب لهذه الآية الكريمة بعد آيات الصيام، وهي قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [البقرة: 188]، وهذا ترتيب عجيب؛ لأن ثمرة الصيام هي تقوى الله عز وجل، وعدم أكل الحرام هو ثمرة العبادة والتقوى؛ لأن كل عبادة في الإسلام لها ثمرة، والعبادات في الإسلام تخدم المعاملات، وهدف العبادات في الإسلام هو إيجاد مجتمع نظيف اليد، طاهر النفس، نقي الضمير، يتعامَلُ بشرف وبأمانة وبصدق، فلا يأكل مال الغير بغير حق. فكان ذكر الصيام، ثم النهي عن أكل أموال الناس بالباطل، ثم الأمر بالقتال، وهذا تدرُّج عجيب، وترقٍّ رائع؛ لأن الذي لم يتدرَّب على الصيام وترويض نفسه عن الامتناع عن شهوات الدنيا وملذَّاتها، وقاوم في نفسه غريزة الطمع وحب المال وكراهية الحرام - لا يصلح للجهاد، وهناك موقع مشابه في سورة آل عمران، فقد جاء قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 130]، جاءت هذه الآية في ثنايا الحديث عن غزوة أُحُد؛ لنعلم أن منع الظلم، ورد المظالِم، وشيوع العدل، من أسباب النصر في القتال، ومن أسباب التمكين في الأرض. وجدير بالذكر[(وأعيد وأكرر)] أن القتالَ فُرض بالمدينة ولم يفرض بمكة؛ حيث كان الأمر بالصبر وضبط النفس، وتحمُّل الأذى في هذه المرحلة. إن الجهاد بمفهومه العام الشامل بدأه النبي صلى الله عليه وسلم ساعة أن قال له الوحي: ﴿ قُمْ فَأَنْذِرْ ﴾ [المدثر: 2]؛ أي: إنه بدأ الجهاد بمكة، ولكنه : أ . ) جهاد الكلمة، و : ب . ) جهاد الدعوة إلى الله تعالى، ونجد من القرآن المكي قوله تعالى: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾ [الفرقان: 52]. يقول الرازي: (قال بعضهم: المراد بذل الجهد في الأداء والدعاء، وقال بعضهم: المراد القتال، وقال آخرون: كلاهما، والأقرب الأول؛ لأن السورة مكية) [ مفاتيح الغيب ص 74 جزء 12. ". ]، فكان الأمر بالجهاد؛ أي: بتبليغ الدعوة، وهو المعنى العام والمقصود الأول من الجهاد. ومن هنا أقول(): إن الجهاد أمرٌ من الله تعالى للمسلمين جميعًا؛ ليجاهدوا بـ : أ. ) الكلمة، و : ب. ) يبلغوا دين الله عز وجل، ولـ : جـ. ) يرفعوا راية التوحيد، ولـ : د. ) يُحرِّروا الناس من العبودية لغير الله عز وجل، ولـ : هــ . ) رفع الذل والهوان، والضعف بكل أشكاله وألوانه عن المسلمين؛ ڪــ الضعف الاقتصادي والعلمي، والعسكري، ولكي يتحرَّر المسلمون من التبعية لغيرهم. وإنه لكي نَسُودَ العالَم، ونستعيد الكرامة الضائعة، ونُعلِي كلمة التوحيد في أرجاء الأرض؛ لا بد من الأخذ بأسباب الرقي، و: 1. ) أول هذه الأسباب توحيد الله تعالى وتعظيم شأن العقيدة، و: 2 . ) ثاني هذه الأسباب هو الأخذ بأساليب التقدم العلمي، مع الالتزام بالأخلاق الإسلامية الأساسية. والبداية إنما تكون من داخل النفس؛ لهذا كان جهاد النفس أولى مراحل الجهاد. يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: الجهاد أربع مراتب: 1- جهاد النفس. 2- جهاد الشيطان. 3- جهاد الكفار. 4- جهاد المنافقين) [ زاد المعاد ص 39 جزء 2 المطبعة المصرية".]. ثم يقول - رحمه الله تعالى -: (فـ جهاد النفس أربع مراتب: أ. ) تعلُّم العلم، و: ب . ) العمل به، و : جـ . ) تعليمه لمَن لا يعلمه (الدعوة)، و : د . ) الصبر على مشاق الدعوة وأذى الخلق. وأما جهاد الشيطان، فـ مرتبتان: أ . ) جهاده على دفع ما يُلقِي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، و : ب . ) جهاد الشهوات. وأما جهاد الكفار والمنافقين، فـ أربع مراتب: بـ : أ . ) القلب، و : ب . ) اللسان، و : جـ . ) المال، و : د . ) النفس، وجهاد الكفار أخص بـ اليد، وجهاد المنافقين أخص بـ اللسان. وأما جهاد أرباب الظلم والبدع والمنكرات، فـ ثلاث مراتب: 1 . ) الأولى باليد إذا قدر، فإن عجز انتقل إلى : 2 . ) اللسان، فإن عجز جاهَد بـ : 3 . ) قلبه، فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، ومَن مات ولم يغزُ ولم يُحدِّث نفسَه بالغزوِ مات على شعبة من النفاق)[ انظر زاد المعاد ص 39 جزء 2 بتصرف واختصار. ".]. ما أحوجَنا معشر المسلمين إلى الأخذ بهذه المراتب، ونبدأ طريق الإصلاح من داخل النفس، متحرِّكين شيئًا فشيئًا، فنُجاهد الشيطان بدفع الشبهات ومقاومة الشهوات؛ كي نكون أهلاً لمواجهة العدو الخارجي المتربص بنا. إننا لا يمكن أن نجاهد عدوَّنا الخارجي إلا إذا انتصرنا على عدونا الداخلي، فيكون البَدْء جهاد النفس. أما القتال في الإسلام، فهو فرع من أصل، وجزء من كل، وله ظروفه وأحكامه وأحواله، والقتال في الإسلام لم يفرض بمكة، ولم يفرض دفعة واحدة؛ ولكن بتدرج، وسأبين مراحله: |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] وقبل ذلك هناك قول شائع مفاده :" ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ).. فقال الألباني: „ لا يصح من حيث إسناده .. أما من حيث معناه فلا أراه أيضا صحيحا ذلك لأن جهاد النفس وإن كان هو بلا شك أمر هام جدا من أمر الإسلام حتى قال عليه الصلاة والسلام „ المجاهد من جاهد هواه لله تبارك وتعالى “ ، ولكن مما لا يخفى على كل مسلم أن خروج الإنسان للجهاد في سبيل الله عز وجل لا يساويه من حيث قوة الجهاد أن يظل في داره وفي بلده وبين أهله وزوجه مهما كان صالحا وتقيا ومجاهدا لنفسه فلا يساوي هذا الجهاد وهو في عقر داره جهاد من خرج من بلده ليجاهد في سبيل الله عز وجل، وكما يقال في بعض البلاد „ وقد وضع دمه في كفه “ ، لا يستوي هذا الذي عرض نفسه للموت مباشرة في سبيل الله كالذي يجاهد نفسه الجهاد العام الذي ذكره في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولذلك لا أرى معنى ذاك الحديث صحيحا ، ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) “.. ". |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى ج11 ص197: (أما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في غزوة تبوك: رجعنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر فلا أصل له، ولم يروه أحد من أهل المعرفة بأقوال النبي ﷺ وأفعاله. ". |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] • التدرج في فرض القتال: وقد مر بالمراحل الآتية: [( 1 . ) ] المرحلة الأولى: . قوله تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِـ أَنَّهُمْ : 1 . ) ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ : 2 . ) أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِــ 3ـ . ) غَيْرِ حَقٍّ 4 . ) إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 39، 40]. ذكر ابن كثير - رحمه الله -: (أنه لما نزلت الآية قال أبو بكر رضي الله عنه: علمت أنه سيكون قتال...)[ تفسير ابن كثير جزء 3 ص 225. ". ]، فكانت الآيات إعدادًا للنفوس وتهيئة لأمر القتال. ويأتي توضيح آخر في موضع من القرآن فيقول :" الَّذِينَ : 5 . ) قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ : 6 . ) أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَ: 7 . ) ظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ " ". 2 : ) المرحلة الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، قال ابن القيم: (ثُمَّ فرض عليهم قتال مَن قاتَلهم دون مَن لم يقاتلهم، وكان محرَّمًا، ثم مأذونًا به، ثم مأمورًا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورًا به لجميع المشركين)[ زاد المعاد ص 58 جزء 2. ". ]. فكانت هذه المرحلة تمثل مرحلة رد العدوان والدفاع عن النفس والدين والأرض. 3 : ) المرحلة الثالثة: قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ [التوبة: 5]. يقول فخرالدين الرازي: (وذلك أمر بقتلهم على الإطلاق، في أي وقت، وأي مكان)[ مفاتيح الغيب ص 573 جزء 7. ".]، فهو أمر بقتال المشركين بدون عدوان، لا لشيء إلا لتطهير الأرض من الكفر وأهله، ولضمان وصول الدعوة إلى الناس وإزالة العوائق من طريقها. إن القتال فيه إزهاق النفس، وبذل المُهَج، وترك الحياة الدنيا بزينتها وزخرفها ومتاعها وعلائقها، فلا يقدر على ذلك أيُّ إنسان، فكان لا بد من تربية النفوس، وشحذ همتها، وترويضها على التعلق بمعالي الأمور لا بسفاسفها، وتحريضها على ترك الحياة الفانية من أجل الحياة الباقية، فكان لا بد من التدرُّج في فرض الجهاد عمومًا، وفي فرض القتال على جهة الخصوص، وهذا ما كان. ويقول د. جمال العمري : „ .. والباحث المدقق في سياسة التشريع الإسلامي للجهاد يجد أن السمة البارزة فيه هي : « „ التدرج “ » ؛ فقد شرَعَ اللهُ في مكةَ : أ . ) جهادَ النفس و : ب . ) الهوى و : جـ . ) الشيطان، ڪـ أساس لكل أنواع الجهاد، ثم شرعَ جهادَ الكفار في مكة ثانيًا بـ الصبر على أذاهم، وتوضيح الحُجة لهم، والاستمرار في دعوتهم إلى دين الحق، ثم لَمَّا صاروا على العناد، شرَعَ اللهُ للمؤمنين الجلاد والجهاد “ ؛[ وانظر: أدب الحرب والسلام في سورة الأنفال، دار المعارف ط1 1989 ص124". |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] ملخص البحث: :" •.] أول ما نزل في الحرب: أول ما نزل من القرآن في الحرب، قوله تعالى: ﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ﴾ . الآيات: 39 و 40 و 41 من سورة الحج. قال الإمام ابن العربي في أحكام القرآن: قال علماؤنا رحمهم الله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة، لم يؤذن له في الحرب، ولم تحلل له الدماء، إنما أمر بالدعاء إلى الله، والصبر على الأذى، والصفح عن الجاهل، فكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من المهاجرين، حتى فتنوهم عن دينهم، ونفوهم عن بلادهم، فهم بين مفتون في دينه ومعذب، وبين هارب في البلاد مغرب، فمنهم من فر إلى أرض الحبشة، ومنهم من خرج إلى المدينة، ومنهم من صبر على الأذى. فلما عتت قريش على الله، وردوا أمره وكرامته، وكذبوا نبيه، وعذبوا من آمن به وعبده ووحده، وصدق نبيه، واعتصم بدينه، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم، فكانت أول آية أنزلت في إذنه له بالحرب، وإحلاله له الدماء.. فالمسألة من بدايتها مسألة وحي ينزل بواسطة أمين السماء جبرائيل على قلب أمين السماء والأرض محمد بن عبدالله فيبلغ عليه السلام هذا الوحي لصحابته الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .. .. أي أمرٌ آلهي وتشريع سماوي .. |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] دليل : وقال العباس بن عبادة بن نضلة أخو بني سالم: يا رسول الله إن شئت -والذي أكرمك- ملنا على أهل منى بأسيافنا، فـ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لم أومر بذلك "، و كان هؤلاء النفر اتفقوا على مرضاة الله، وأوفوا بالشرط من أنفسهم بنصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم صدروا رابحين راشدين إلى بلادهم، وجعل الله، -عَزَّ وجَلَّ-، لرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ملجأً وأنصارًا ودار هجرة. (١) ________________________________________ (١) دلائل أبي نعيم: ج ١/ ٤١٠. ".. . |
رد: [( 2 : بحوث السيرة النبوية)] دليل : عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ قَالَ: "هِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ". |
For best browsing ever, use Firefox. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي