ملتقى أهل العلم - *** قتيل مشهور ***

قـتـيـلـهـا

ضرب أبوه الحائط بيده وملأت عينيه دموع هاطلة وقال: قتلته المجرمة دون أن تدري … ذبحته الآثمة ولم تُبالِ … قضت عليه القاسية ولم تُعانِ.

فهذه قصته أرويها والحزن والأسى يتملكانني، وتعتصرني الآلام، وتحيط بي الهموم، وتتفرق في جسدي شتى أنواع الجراحات المردية.

المسكين من أول رؤية لها وقع في شِراك حبها، وعاش أيامه في التغني بجمالها، ما ترك مجلسًا إلا وتحدث عن حُسنها، ولم يفكر بعقله إلا في كيفية إرضائها، أنفق الغالي والنفيس في سبيل نظرة من عينها.

لم يحظ بالتكلم معها يومًا من الأيام، وإنما كان يسير ورائها في كل فج تسلكه، كان يخاف أن تُصاب بضرر، وكان قلقًا أن ينظر إليها أحد فيُضاء قلبه بنار حبها فالنار من مستصغر الشرر.

أما هي فأذاقته الكثير من عذابها، وأصبح أضحوكة لأصحابها، كل الجامعة تتحدث عن غرامه بها، ويملئون مجالسهم بتركها لمُحبها، وما منعها دين ولا حياء ولا أدبها ولكنه الغرور الذي سكن في قلبها، والشعور بالكبر الذي استقر في لبها.

حاول أن يُكلمها فرفضت، جاء ليطلب منها محاضرات فصدَّت، أخذ رقم هاتفها فردَّت، فتلعثم وأخذ يهذي ويهذي فعرفت أنه الولهان فشتمت وسبَّت.

تعمدت أن تُكلم زملاءها الرجال أمامه حتى يحترق قلبه، ويزيد ولههه، ويكثر وَجْده.

ومرَّت الأيام وانتهت الجامعة وتخرجت، وطُرد هو لكثرة رسوبه، والعجيب أنها رغم كل ذلك لم تُزَلْ من قلبه ولم تتحرك من على عرشه.

وتقلَّدت منصبًا عاليًا وتزوجت وأنجبت ولم تتذكره إلا على سبيل المُزاح وحكاية القصص الطريفة.

أما هو فقد طرده أبوه من بيته لحماقته، ولم يُفلح في أي عمل يعمله، ولم يتزوج، وأدمن المخدرات، وأصبح من الشحاذين، يبيت يومًا على رصيف، ويومًا في مسجد.

وخاض الناس في شأنهما؛ فمن قائل إنه هو المخطئ لأنه اتبع هواه، وعلق قلبه بخيال كلما جرى وراءه هرب منه.

ومن قائل إنها هي المخطئة لأنها استولت على قلبه وعقله بشعرها الفاتن وثغرها الباسم وملابسها الجميلة.

ومن قائل إنها مشكلة مجتمع يضع نصفه البنزين جانب النار، وينفخ النصف الثاني ليزيد هذه النار.

ومن قائل إن هذا يرجع لضعف التدين عند الطرفين؛ إذ لو التزما بتطبيق شرائع الإسلام ما حدث ما حدث لهذا المسكين.

ومن قائل إنها مشكلة الوالديْن الذيْن لم يربيا أولادهما على الأخلاق الحميدة والمسالك الرشيدة.

ومهما خاض الخائضون وتكلم المتكلمون فالمشكلة واقعة ومتكررة يوميًّا، فهل يأتي اليوم الذي تشرق فيه شمس الفضيلة؟!

أرجو ذلك.