ملتقى أهل العلم

ملتقى أهل العلم (https://www.ahlalalm.org/vb/index.php)
-   ملتقى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (https://www.ahlalalm.org/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   بِـه فَابْـدَأ ؟!! (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=17713)

ابو الوليد البتار 12 / 05 / 2009 41 : 06 PM

بِـه فَابْـدَأ ؟!!
 
بِـه فَابْـدَأ


عبد الرحمن بن عبد الله السحيم


رَوى سُفيان بن عيينة عن سُفيان بن سعيد عن مِسْعَر قال : بَلَغَنِي أنَّ مَلَكًا أُمِر أن يَخْسِف بِقَرْيَة ، فقال : يا رَبّ فيها فُلان العَابِد ، فأوْحَى الله تعالى إليه أن بِـه فَابْـدَأ ، فإنه لَم يَتَمَعَّر وَجْهُه فيَّ سَاعَة قَط .
وقال مالك بن دينار : إن الله عز وجل أمَرَ بِقَرْيَة أن تُعَذَّب ، فَضَجَّتِ الْمَلائكَة ، قالت : إنَّ فِيهم عَبدك فُلانا . قال : أسْمِعُونِي ضَجِيجَه ، فإنَّ وَجْهَه لَم يَتَمَعَّر غَضَبًا لِمَحَارِمِي .

قِف مع هَذه الآثَار وَقْفَة تَأمُّل ..
وأجِل بِبَصَرِك في نَواحِي قَلْبِك !
ثم اسأل نفسك :

مَا هو الْمُنْكَر الذي يَتَمعَّر له وَجْهُك ؟
ومَا هو الشيء الذي يُنْكِرُه قَلْبك
؟

كثيرة هي الأشياء التي نُنْكِرُها .. وربما تالّمْنَا لِوُجُودِها .. وقد نسخَر بِهَا أو نضْحَك مِنْها !
وربما كانت مِمَّا لا يُثير السُّخْرِيَة ولا يُنْكَر !

كَم نضحك في دَواخِلنا .. لو رأينا شَخْصًا يلْبَس جَوَارِب مُلوَّنَة .. في كل قَدم لَون !
أوْ لَو رَأينا شَخْصًا يَلْبَس ثوبا غير ما اعتَاد الناس رُؤيتَه !

ومَاذا لَو رَأينا شَخْصًا يَلْبَس ثَوبًا قَصِيرًا ؟!
كَثيرون هم الذين يُنْكِرون ذلك اللبَاس ! ولو كان سَاتِرًا للعَوْرَة .
وكَم نسْمَع عِبارات الغَمْز .. وكَلِمات الْهُزء ، ونَبَرَات اللمْز ! في حَقّ شاب قَصَّر ثَوبه إلى أنصَاف سَاقَيه ..
ولا نَسْمَع مثل ذلك في حقّ فَتاة أظْهَرتْ شَعْرَها وسَاقَيها .. بل ربما .. وشيئا مِن فَخِذيها !

حينما يَنْظُر بعضنا إلى امرأة قد أبْدَتْ شيئا مِن مَفَاتِنِها .. سَواء كان ذلك في سُوق مِن الأسْواق ، أو عبر قَنَاة فضائية ، أو مِن خِلال شَاشَة إلكترونية ! – ما الذي أنْكَرَه مِن ذلك ؟!
ربما لم يَتَمَعَّر وجْهُه .. ولم يَقشَعِرّ بَدَنه .. بل ربما لم يَدُر بِخَلَدِه ، ولم يَخْطُر بِبَالِه – أنَّ مَا رَآه مُنْكَر يَجِب إنْكَاره على دَرَجَات الإنْكَار .. بِيَدِه .. فإن لَم يَسْتَطِع فَبِقَلْبِه .. فإن لم يَسْتَطِع فلا أقَلّ مِن إنْكَارِه بِالْقَلْب .. فَيَتَمَعَّر القَلْب .. ويُفَارِق صاحِبُه الْمَكان ، قَبْل أن يُقضَى على صَاحِبه .. فيُطْمَس على قَلْبِه .. وتَنْطَمِس مَعَالِمُه .. ويَنْطَفئ مِنه سِرَاج الإيمان ..
ذلك أنه لا يُعَْذَر أحَد بِتَرْك إنْكَار القَلْب ..
إذ يَجِب على كُل مُسلِم ومُسْلِمَة الإنْكَار القَلْبِي .. فإن لَم يَفْعَل طُمِسَتِ الوُجُوه ، فَرُدَّتْ على الأدْبَار ..
وتأمّل قَول العزيز القهَّار
: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آَمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً )
قال مُجاهد : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا) يقول : عن صِرَاط الْحَقّ ، (فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) ، أي : في الضَّلال .

كَم نُوَاكِل ونُشَارِب ونُجَالِس أصْحَاب الْمُنْكَرَات .. ولم تَتَمَعَّر وجُوهنا .. أو تَشْمَئزّ قلوبنا مرَّة واحدة ؟؟
قال مَالك بن دِينار : اصْطَلَحْنَا على حُبّ الدُّنيا ، فلا يَأمُر بَعْضُنا بَعْضًا ، ولا يَنْهَى بَعْضُنا بَعْضًا ، ولا يَذَرُنا الله تَعالى عَلى هَذا . فَلَيْت شِعْرِي أيّ عَذَاب يَنْزِل ؟
إنَّ مَا نَرَاه مِن مُنْكَرَات يَجِب أن تَقْشَعِرّ مِنه القُلُوب والأبْدَان ..
وأنَّ نُنْزِل الأمُور مَنَازِلها ، ونَضَع الأشياء في مَوَاضِعِها ، ونَزِن ما نَرَاه ومَا نَسْمَعه بِمِيزَان الشَّرْع ، لا بَمَيزَان الأهْوَاء والعَوَاطِف .

إنَّ القلب الْحِيّ هو الذي اقْشَعَرّ حين اطَّلَع على المنْكَر أو سَمِع به .. فظَهَرتْ آثار تلك القشْعَرَيرَة على الوُجُوه فَتَمَعَّرَتْ وتَغَيَّرَتْ وانْقَبَضَتْ غَضَبًا لله عزّ وَجَلّ .
ذلك أنَّ حَياة القَلْب لا تُقَاس بِما فِيه مِن نَبْض .. وإنَّما يُقَاس بِمَا فِيه مِن مَعْرِفَة الْمَعرُوف ، وإنْكَار الْمُنْكَر ..
قيل عند ابن مسعود رضي الله عنه : هَلَك مَن لَم يَأمُر بِالْمَعْرُوف ويَنْـه عن الْمُنْكَر . فقال ابن مسعود : هَلَك مَن لَم يَعْرِف قَلْبه مَعْرُوفًا ، ولَم يُنْكِر قَلبه مُنْكَرا .
وإنما تُقَاس حَيَاة القَلْب بِمَا فِيه مِن إيمان وخَيْر .. وبِـرٍّ وتَقْوى ..
ومِن هُنا كان الانْتِفَاع بِالآيَات ، والاتِّعَاظ بالـنُّذُر ؛ إنَّمَا هو لأصْحَاب القُلُوب الْحَيَّـة
ولِذا لَمَّا ذَكَر الله مَصَارِع الأُمَم ، وهَلاك الْجَبَابِرَة قال بعد ذلك : ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) ..
وليس الْمَقْصُود بِالقَلْب تِلْك الْمُضْغَة التي في الصُّدُور !
قال في الكَشَّاف : (لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) أي : قَلْب وَاعٍ ؛ لأنَّ مَن لا يَعِي قَلْبه فَكَأنه لا قَلْب له . اهـ .

ولَمَّا دَعَا الله إلى النَّظَر والتَّفَكُّر والاعْتِبَار أعْقَب ذلك بِقَولِه : ( قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ ) ؟
ذلك لأنَّ قَلْب الكَافِر أغْلَف مُغلَّف !
أما قَلْب الْمُؤمِن فَفِيه سِرَاج يُزْهِر .. يَعْرِف بِه الْمُنْكَر فيُنْكِره ..

ولَمَّا تَرَك بنو إسرائيل التآمَر بالمعروف والتَّنَاهي عن المنكَر ضَرَب الله قلوب بعضهم ببعض ولَعَنَهم .
قال ابن مسعود : كان الرَّجُل يَلْقَى الرَّجُل فَيَقول له : يا هذا اتَّقِ الله ودَع مَا تَصْنَع فانه لا يَحِلّ لك ، ثم يَلْقَاه مِن الغَد فلا يَمْنَعه ذلك أن يَكون أَكِيلَه وشَرِيبَه وقَعِيدَه ، فلما فعلوا ذلك ضَرَبَ الله على قُلُوب بَعْضهم بِبَعْض ، ولَعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى ابن مريم ذلك بِمَا عَصَوا وكانوا يَعْتَدُون .



محب الشيخ علي جابر 14 / 05 / 2009 23 : 04 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

ابو الوليد البتار 14 / 05 / 2009 13 : 05 PM

شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية . اخي ****** محب الشيخ علي على المرور الكريم

محمد نصر 03 / 09 / 2009 56 : 04 AM


الله يبارك فيكم اخي ****** ابو الوليد

اكرمكم الله وجزاكم الله خيرا

أم نيره 03 / 09 / 2009 06 : 02 PM

عطر الله ايامك بالخير
بارك الله فيك واثابك الجنة وتقبل الله منك ما تقوم به وجعله فى موازين حسناتك واسال الله ان يجملك بالصحة والعافية ويهديك الرشد والحكمة والعلم النافع كل شكرى وتقديرى لك اخى الكريم

ابو الوليد البتار 28 / 09 / 2009 58 : 08 PM

رد: بِـه فَابْـدَأ ؟!!
 
اللهم آمين ... لك بمثل مادعوت وزيادة يااختي الكريمة .


For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي

اختصار الروابط