ملتقى أهل العلم

ملتقى أهل العلم (https://www.ahlalalm.org/vb/index.php)
-   ملتقى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (https://www.ahlalalm.org/vb/forumdisplay.php?f=49)
-   -   أترضاه لنفسك ؟ (https://www.ahlalalm.org/vb/showthread.php?t=26902)

الفهد 15 / 02 / 2010 11 : 04 PM

أترضاه لنفسك ؟
 
أترضاه لنفسك ؟



سلطان بن حبيب الخلافي



كان محمد بن واسع يبيع حماراً له ، فقال له رجل : أترضاه لي ؟

قال : لورضيته لم أبعه [1] .

هذه الحادثة قمة في المعاملة التي تكون بين الإخوان وخاصة الدعاة إلى الله -

سبحانه وتعالى- ، وهذه إشارة من - محمد بن واسع - إلى أنه لا يرض لأخيه إلا

ما يرض لنفسه وكذا المعاملة ، فبعض الناس يحب أن يعامله الناس بأحسن الأخلاق

وأجلها ، وأن يتلطفوا معه في المعاملة وأن يضعوه في مكانه اللائق به ، وفي

المقابل تجده لا يهتم في معاملته لإخوانه بالحسنى كما يهتم في أن تكون معاملة غيره

له على أحسن حال وأفضل مقال .

قال ابن عباس -رضي الله عنهما- : ( إني لأمر على الآية من كتاب الله فأود

أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم ) [2] . ولقد جاء معنى ما أشرنا إليه من عنوان هذا

المقال في حديث عن النبي في أن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، روى

البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال :

» لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه « [3] .

فالمتأمل في هذا الحديث ، يجده قاعدة عظيمة تنبع من خلالها كثير من

الأخلاق ، ولذلك كان كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- من جوامع الكلم .

إن من يعامل لناس على أساس أن يحب لهم ما يحب لنفسه تماماً فإنه

سيعاملهم حتماً بكل خلق رفيع ، لأن هذا هو ما يجب أن يعامله الناس به إذ يحبه

لنفسه . ومن هنا يجد نفسه مثلاً مدفوعاً إلى الصبر على أخيه المسلم كلما دعت

ظروف التعامل إلى الصبر ، لأنه يحب من الناس أن يصبروا عليه ، كلما بدر منه

ما لا يقبله الناس إلا بصبر .

ويجد المسلم نفسه مدفوعاً إلى العفو والصفح والمسامحة والإغضاء عن

الهفوات والسيئات ، كلما وجد من إخوانه ما يسوءه من تصرفاتهم معه ، لأنه يحب

من الناس أن يعاملوه بالصفح والعفو والمسامحة والإغضاء عن الهفوات والسيئات ،

كلما بدر منه من تصرفات تسوء إخوانه [4] . وكذلك أنواع المعاملة من ستر

العيوب والنصح سراً وكره الغيبة فهو يحب أن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به .




ارتباط الحديث بالإيمان :

فالإيمان لا يبلغ حقيقته ونهايته وكماله إلا بعد أن يتحقق مثل هذا الحديث في

المسلم ، فالإيمان قد ينتفي لانتفاء بعض أركانه وواجباته [5] .

ففي رواية خرّجها الإمام أحمد -رحمه الله- : » لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان

حتى يحب للناس ما يحب لنفسه من الخير « [6] . وهي تدل على أن العبد لا يبلغ

حقيقة الإيمان وحلاوته ولذته حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الأخلاق والمعاملة

الحسنة .


تطبيق هذا الحديث يدخل الجنة ويزحزح عن النار :

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : » من أحب أن يزحزح عن النار

ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله عز وجل ويأتي إلى الناس الذي يحب

أن يؤتى إليه « [6 ] . فحري بالمسلم الداعية إلى الله أن يستنفره مثل هذا الحديث

لأن تكون معاملته حسنة مع إخوانه كما يحب ذلك منهم .


الأسباب التي تمنع من هذا الخلق :

أولاً : الحسد :

يقول ابن رجب -رحمه الله- : وهذا كله إنما يأتي من كمال سلامة الصدر

من الغش والغل والحسد [7] . فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في

خير أو يساويه فيه لأنه يحب أن يمتاز على الناس بفضائله وينفرد عنهم ، ورحم

الله ابن عباس -رضي الله عنهما- حيث يقول : إني لأمر على الآية من كتاب الله

فأود أن الناس كلهم يعلمون ما أعلم منها [8] .

وقال الشافعي : وددت أن الناس تعلموا هذا الدين ولم ينسب إلي منه

شيء [9] . فالحاسد تجده يحب أن يعامله الناس بأحسن المعاملات فيريد منهم خلقاً

رفيعاً ، وتذللاً ، وانبساطاً وعدم تتبع لزلاته على الرغم من أنه قد أشهر سيف

المعاملة السيئة ، والتكبر ، والأنانية ، وأخذ بعد فترة يكتب ويدون زلات

إخوانه .

وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكنَّ عين السخط تبدي المساويا .

والإيمان يقتضي خلاف ذلك وهو أن يشركه المؤمنون كلهم فيما أعطاه الله من

الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء . والحاسد ليس يحسدك على عيب فيك ،

ولا على خيانة ظهرت منك ، ولكن يحسدك بما ركب فيه من ضد الرضا بالقضاء .

قال العتبي :

أفكر ما ذنبي إليك فلا أرى لنفسي جرماً ، غير أنك حاسدُ [10]

فنعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد .

ثانياً : الكبر :

قال تعالى :

] تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواًّ فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً [ [11] .

فبطر الحق وغمط الناس واحتقارهم وازدراؤهم يجعل المسلم يعامل إخوانه

المعاملة السيئة مما يدعو إلى المعاملة بالمثل .

( فمن تواضع لله رفعه ) وهذا من سنن الله في عباده ، كما أن من استكبر

وتعالى على خلق الله أذله الله . فالمستكبر يرفع نفسه فوق مستوى جلسائه ، فيعيش

وحده في جوه النفسي المتعاظم ، ولا يحب أن يفوقه أحد ، وربما يكون ترفعه إلى

مكانة ليس هو في الحقيقة أهلاً لها .

وأخيراً إن الناقد البصير قد يجد في واقع الدعاة إلى الله -عز وجل- وما

يحدث بينهم من الهجران والقطيعة والمعاملة التي لا تليق بأمثالهم - ولعل مرجع

ذلك إلى عدم التدبر لمثل هذه الأحاديث النبوية التربوية التي تجعل القلوب صافية ،

والمحبة وافرة ، وتجد التعاون بين الدعاة إلى الله -عز وجل- على أحسن حال .

________________________

(1) جامع العلوم والحكم ص 112 .

(2) المرجع السابق ص 115 .

(3) فتح الباري 1/ 156 .

(4) الأخلاق الإسلامية عبد الغني الميداني ج 1 .

(5) جامع العلوم والحكم ص 111 .

(6) انظر جامع العلوم .

(7) رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .

(8) جامع العلوم والحكم ص 113 .

(9) جامع العلوم والحكم ص 115 .

(10) روضة العقلاء .

(11) القصص 83 .



(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 46 ] صــ ‌ 45 جمادى الآخرة 1412 ـ ديسمبر 1991 ))



ابو قاسم الكبيسي 16 / 02 / 2010 14 : 08 AM

رد: أترضاه لنفسك ؟
 

أبو عادل 16 / 02 / 2010 38 : 03 PM

رد: أترضاه لنفسك ؟
 

جزاكم الله خيراً ،وبارك الله فيكم ، ونفع بكم.


For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي

اختصار الروابط