![]() | |
الملتقى العام المواضيع العامة التي لا يريد كاتبها أن يدرجها تحت تصنيف معين . |
![]() |
![]() |
كاتب الموضوع | السليماني | مشاركات | 26 | المشاهدات | 7943 | ![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
![]() | المشاركة رقم: 11 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس الخامس عشر: في بيان النوع الثاني والثالث من مفسدات الصوم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: اعلموا أن الله قد أباح للصائم الاستمتاع بأهله في ليل الصيام، فقال سبحانه: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} [البقرة 187] والرفث كناية عن الجماع، وقيل الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته، وعلى كل فتخصيص ذلك بالليل دليل على تحريمه على الصائم في نهار الصيام، وقد تقدم ما يترتب على من جامع في نهار الصيام من رمضان من الكفارة المغلظة، وهذا مما يؤكد على المسلم الابتعاد عما يوقع في المحذور ويخل بصيامه. والنوع الثاني من المفطرات المفسدات للصوم: إنزال المني من غير جماع، بل بسبب تقبيل أو مباشرة أو استمناء (وهو ما يسمى بالعادة السرية) أو تكرار نظر، فإذا أنزل الصائم بسبب من هذه الأسباب فسد صومه وعليه الإمساك بقية يومه ويقضي هذا اليوم الذي حصل فيه ذلك، ولا كفارة عليه لكن عليه التوبة والندم والاستغفار والابتعاد عن هذه الأشياء المثيرة للشهوة لأنه في عبادة عظيمة، مطلوب منه أن يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجل ربه عز وجل، والنائم إذا احتلم فأنزل لم يؤثر ذلك على صيامه وليس عليه شيء لأن ذلك بغير اختياره لكن عليه الاغتسال كما هو معلوم. النوع الثالث من مفسدات الصوم: الأكل والشرب متعمدا، لقوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة 187] فأباح سبحانه وتعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر الثاني، ثم أمر بإتمام الصيام إلى الليل، وهذا معناه ترك الأكل والشرب في هذه الفترة ما بين طلوع الفجر إلى الليل. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل أنه قال في الصائم: "يدع طعامه وشرابه من أجلي" ومثل الأكل والشرب إيصال شيء من الطعام أو الشراب إلى الجوف من غير طريق الفم. وكذا إيصال كل شيء مائع أو جامد إلى جوفه: كأخذ الإبر المغذية وتناول الأدوية وحقن الدم في الصائم لإسعافه به، كل هذه الأمور تفسد صومه لأنها إما مغذية تقوم مقام الطعام، وأما أدوية تصل إلى حلقه وجوفه فهي في حكم الطعام والشراب كما نص على ذلك كثير من الفقهاء رحمهم الله، أما الإبر غير المغذية، فإن كانت تؤخذ عن طريق الوريد فالذي يظهر أنها تفطر الصائم، لأنها تسير مع الدم وتنفذ إلى الجوف، وإن كانت تؤخذ عن طريق العضل فالأحوط تركها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" [أخرجه النسائي رقم 5727 وأحمد 1/ 200، وابن عدي في الكامل 1/ 203 والطبراني في الصغير رقم 32، 285، والترمذي رقم 2518 وقال: حديث حسن صحيح وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/74: إسناد حسن] ومن احتاج إلى تناول شيء من هذه المذكورات لحالة مرضية تستدعي ذلك ولا تقبل التأجيل إلى الليل فإنه يتناول ويقضي ذلك اليوم لأنه مريض، والله تعالى رخص للمريض بالإفطار والقضاء من أيام أخر، والاكتحال يعتبره بعض الفقهاء من المفطرات لأنه ينفذ إلى الحلق ويجد الصائم طعم الكحل في حلقه غالبا، فلا ينبغي للصائم أن يكتحل في نهار الصيام، من باب الاحتياط وابتعادا عن الشبهة، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 12 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس السادس عشر: في بيان النوع الرابع والخامس من مفسدات الصوم الحمد لله ذي الفضل والإنعام، جعل الصيام جنة من الآثام، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وأصحابه خير الأنام وسلم تسليما، أما بعد: فالنوع الرابع من المفطرات: استخراج الدم من الصائم بحجامة أو فصد أو سحب للتبرع به أو لإسعاف مريض ونحو ذلك، والأصل في هذا قوله صلى الله عليه في الحجامة: "أفطر الحاجم والمحجوم" رواه أحمد والترمذي [أخرجه أبوداد رقم 2367، والنسائي في سننه الكبرى رقم 3134، وابن ماجة رقم 1679 ـ 1681، وابن حبان في صحيحه رقم 3532، والحاكم في المستدرك 1/ 427، وقال صحيح على شرط الشيخين، وأحمد في المسند 5/ 276] ، وقد وردت بمعناه أحاديث كثيرة، قال ابن خزيمة: ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والقول بأن الحجامة تفطر مذهب أكثر فقهاء الحديث كأحمد وإسحاق وابن خزيمة وابن المنذر، وأهل الحديث الفقهاء فيه العاملون به أخص الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهو وفق الأصول والقياس، والذين لم يروه احتجوا بما في صحيح البخاري: إنه احتجم صلى الله عليه وسلم وهو صائم محرم [أخرجه البخاري رقم 1938، 1939، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم] ، وأحمد وغيره طعنوا في هذه الزيادة، وهي قوله "وهو صائم" ، وقالوا: الثابت أنه احتجم وهو محرم، قال أحمد: "وهو صائم" ليس بصحيح إلى أن قال الشيخ: وهذا لذي ذكره أحمد هو الذي اتفق عليه الشيخان، ولهذا أعرض مسلم عنه ولم يثبت إلا حجامة المحرم. انتهى كلام الشيخ رحمه الله. وأما خروج الدم بغير قصد من الصائم كالرعاف ودم الجراحة وخلع الضرس ونحوه فإنه لا يؤثر على الصيام، لأنه معذور في خروجه منه في هذه الحالات [لكن يجب عليه الحذر من ابتلاع الدم الخارج من الضرس ونحوه] . النوع الخامس: التقيؤ: وهو استخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم متعمدا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من استقاء عمدا فليقض" حسنه الترمذي [ أخرجه الترمذي رقم 720، وأبو داود رقم 2380، وابن ماجة رقم 1676، وقال أبو عيسى: حديث حسن غريب] وقال: العمل عليه عند أهل العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فنهى عن إخراج ما يقويه ويغذيه من الطعام والشراب الذي به يتغذى، لما يوجب إخراجه من نقصان بدنه وضعفه، فإنه إذا مكن منه ضره وكان متعديا في عبادته لا عادلا فيها. أما إذا غلبه القيء وخرج منه بغير اختياره فإنه لا يؤثر على صيامه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء" رواه الترمذي [انظر تخريج الحديث السابق] ، ومعنى ذرعه القيء: غلبه. ومما ينهى عنه الصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق، قال صلى الله عليه وسلم: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" [أخرجه أبو داود رقم 142، 143، وابن ماجة رقم 407، وابن خزيمة في صحيحه رقم 150، وابن حبان في صحيحه رقم 159 والحاكم 1/ 147 ـ 148، وأحمد 4/ 33، وصححه الذهبي وابن حجر] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وذلك لأن نشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه فيحصل له ما يحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك ويزول العطش بشرب الماء. ويباح للصائم التبرد بالماء بالاستحمام به على جميع بدنه، ويحترز من دخول الماء إلى حلقه، ومن أكل أو شرب ناسيا فلا شيء عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه" [أخرجه البخاري رقم 1933، ومسلم رقم 1155] وهذا من لطف الله بعباده وتيسيره عليهم، وقوله: "فليتم صومه" دليل على أن صومه صحيح وكذا لو طار إلى حلقه غبارٌ أو ذباب لم يؤثر على صيامه لعدم إمكان التحرز من ذلك. واعلموا رحمكم الله أنه يجب على المسلم التحفظ على صيامه عما يخل به من المفطرات والمنقصات، فإذا حصل شيء من ذلك عن طريق النسيان فلا حرج عليه لقوله صلى الله عليه وسلم "عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" [أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 6/ 84 عن ابن عمر بلفظ "وضع عن أمتي" وأخرجه الطبراني في معجمه الكبير 2/97 رقم 1430 بلفظ "إن الله تجاوز عن أمتي ثلاثة" عن ثوبان] . والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 13 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس السابع عشر: في بيان الأحكام المتعلقة بقضاء الصوم الحمد لله رب العالمين شرع فيسر {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج 78] والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، أما بعد: فاعلموا أنه يجب عليكم معرفة أحكام القضاء في حق من أفطر في نهار رمضان لعذر من الأعذار الشرعية، قال الله تعالى: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة} [البقرة 185] . ففي آخر هذه الآية الكريمة رخص الله بالإفطار في رمضان للمريض والمسافر، وأوجب عليهما القضاء إذا أخذا بالرخصة فأفطرا بأن يصوما عدد الأيام التي أفطراها من شهر آخر، وإن صاما رمضان ولم يأخذا بالرخصة فصومهما صحيح ومجزي عند جمهور أهل العلم وهو الحق، وبين سبحانه الحكمة في هذه الرخصة، وهي أنه أراد التيسير على عباده ولم يرد لهم العسر والمشقة بتكليفهم بالصوم في حالة السفر والمرض، وأن الحكمة في إيجاب القضاء هي إكمال عدد الأيام التي أوجب الله صومها، ففي هذه الرخصة جمع بين التيسير واستكمال العدد المطلوب صومه، وهناك صنف ثالث ممن يرخص لهم بالإفطار، وهم الكبير الهرم والمريض المزمن، إذا لم يطيقا الصيام، قال تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [البقرة 184] ، ومعنى يطيقونه: يكلفونه ويشق عليهم، فعليهم بدل الصيام إطعام مسكين عن كل يوم، وهذا على ما ذهب إليه طائفة من العلماء في تفسير الآية وأنها لم تنسخ، وألحق بهؤلاء الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما من الصيام، كما روى عن ابن عباس أنه قال لأم ولد له حامل أو مرضعة: أنت بمنزلة الذين لا يطيقون الصيام، وعن ابن عمر أن إحدى بناته أرسلت تسأله عن صوم رمضان وهي حامل، قال: تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا، هؤلاء جميعا يباح لهم الإفطار في نهار رمضان نظرا لأعذارهم الشرعية ثم هم ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: 1ـ قسم يجب عليهم القضاء فقط ولا فدية عليهم، وهم المريض والمسافر والحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما. 2 ـ وقسم يجب عليهم الفدية فقط ولا قضاء عليهم وهم العاجزون لهرم أو مرض لا يرجى برؤه. 3 ـ قسم يجب عليه القضاء والفدية وهم الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما فقط، والفدية هنا: إطعام مسكين نصف صاع من طعام البلد عن كل يوم. هكذا ديننا يسر وسماحة يتمشى مع ظروف الإنسان ولا يكلفه ما لا يطيقه أو يشق عليه مشقة شديدة غير محتملة، يشرع للحضر أحكاما مناسبة وللسفر أحكاما مناسبة، ويشرع للصحيح ما يناسبه وللمريض ما يناسبه. ومعنى هذا أن المسلم لا ينفك عن عبادة الله في جميع أحواله وأن الواجبات لا تسقط عنه سقوطا نهائيا، ولكنها تتكيف مع ظروفه. قال الله تعالى: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر 99] وقال عيسى عليه السلام فيما ذكره الله عنه: {وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} [مريم 31] . ومن الناس من يريد أن يستغل سماحة الإسلام استغلالا سيئا فيبيح لنفسه فعل المحرمات وترك الواجبات، ويقول الدين يسر، نعم إن الدين يسر ولكن ليس معنى ذلك أن ينفلت الإنسان من أحكامه ويتبع هوى نفسه، وإنما معنى سماحة الإسلام أنه ينتقل بالعبد من العبادة الشاقة إلى العبادة السهلة التي يستطيع أداءها في حالة العذر، ومن ذلك الانتقال بأصحاب الأعذار الشرعية من الصيام أداء في رمضان إلى الصيام قضاء في شهر آخر عندما تزول أعذارهم أو الانتقال بهم من الصيام إلى الإطعام إذا كانوا لا يقدرون على القضاء، فجمع لهم بين أداء الواجب وانتفاء المشقة والحرج، فلله الحمد والمنة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 14 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس الثامن عشر: في بيان أحكام القضاء الحمد لله القائل: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أُخر} [البقرة 185] ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه السادة الغرر، أما بعد: فاعلموا أن من أفطر في رمضان بسبب مباح، كالأعذار الشرعية التي تبيح الفطر، أو بسبب محرم كمن أبطل صومه بجماع أو غيره وجب عليه القضاء لقوله تعالى: {فعدة من أيام أخر} [البقرة 184] ويستحب له المبادرة بالقضاء لإبراء ذمته، ويستحب أن يكون القضاء متتابعا، لأن القضاء يحكي الأداء، وإن لم يقض على الفور وجب العزم عليه، ويجوز له التأخير لأن وقته موسع، وكل واجب موسع يجوز تأخيره مع العزم عليه، كما يجوز تفرقته بأن يصومه متفرقا، لكن إذا لم يبق من شعبان إلا قدر ما عليه فإنه يجب عليه التتابع إجماعا لضيق الوقت ولا يجوز تأخيره إلى ما بعد رمضان الآخر لغير عذر، لقول عائشة رضي الله عنها: "كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم" متفق عليه. [أخرجه البخاري رقم 1950 ومسلم رقم 1146] . فدل هذا على أن وقت القضاء موسع إلى أن لا يبقى من شعبان إلا قدر الأيام التي عليه فيجب عليه صيامها قبل دخول رمضان الجديد، فإن أخر القضاء حتى أتى عليه رمضان الجديد فإنه يصوم رمضان الحاضر ويقضي ما عليه بعده، ثم إن كان تأخيره لعذر لم يتمكن معه من القضاء في تلك الفترة، فإنه ليس عليه إلا القضاء، وإن كان لغير عذر وجب عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد. وإذا مات من عليه القضاء قبل دخول رمضان الجديد فلا شيء عليه، لأن له تأخيره في تلك الفترة التي مات فيها، وإن مات بعد رمضان الجديد فإن كان تأخيره القضاء لعذر كالمرض والسفر حتى أدركه رمضان الجديد فلا شيء عليه أيضا، وإن كان تأخيره لغير عذر وجبت الكفارة في تركته بأن يخرج عنه إطعام مسكين عن كل يوم، وإن مات من عليه صوم كفارة، كصوم كفارة الظهار والصوم الواجب عن دم المتعة في الحج، فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكينا ولا يصام عنه، ويكون الإطعام من تركته، لأنه صيام لا تدخله النيابة في الحياة، فكذا بعد الموت، وهذا هو قول أكثر أهل العلم. وإن مات من عليه صوم نذر استحب لوليه أن يصوم عنه لما ثبت في الصحيحين: "أن امرأة جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صيام نذر أفأصوم عنها؟، قال:" نعم "" [أخرجه البخاري رقم 1953 ومسلم 1148] . والولي هو الوارث، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: يصام عنه النذر دون الفرض الأصلي، وهذا مذهب أحمد وغيره، والمنصوص عن ابن عباس وعائشة وهو مقتضى والقياس، لأن النذر ليس واجبا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه فصار بمنزلة الدين، ولهذا شبهه النبي صلى الله عليه وسلم بالدين. وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام فلا تدخله النيابة بحال، كما لا تدخل الصلاة والشهادتين، فإن المقصود منهما طاعة العبد بنفسه وقيامه بحق العبودية التي خُلق لها وأمر بها، وهذا لا يؤديه عنه غيره ولا يصلي عنه غيره. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يطعم عنه كل يوم مسكين، وبذلك أخذ أحمد وإسحاق وغيرهما، وهو مقتضى النظر كما هو موجب الأثر، فإن النذر كان ثابتا في الذمة فيفعل بعد الموت، وأما صوم رمضان فإن لله لم يوجبه على العاجز عنه، بل أمر العاجز بالفدية طعام مسكين، والقضاء إنما من قدر عليه لا على من عجز عنه، فلا يحتاج إلى أن يقضي أحد عن أحد، وأما صوم النذر وغيره من المنذورات فيفعل عنه بلا خلاف للأحاديث الصحيحة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 15 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس التاسع عشر: في صلاة التراويح وأحكامها الحمد لله رب العالمين شرع لعباده في شهر رمضان أنواع الطاعات وحثهم على اغتنام الأوقات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، أول سابق إلى الخيرات، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان، أما بعد: اعلموا وفقني الله وإياكم أن مما شرعه لكم نبي الهدى محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر المبارك صلاة التراويح وهي سنة مؤكدة، سميت تراويح لأن الناس كانوا يستريحون فيها بين كل أربع ركعات [أي بين كل تسليمتين، لأن التراويح مثنى مثنى، وصلاة التهجد كذلك، وقد يغلط بعض أئمة المساجد الذين لا فقه لديهم فلا يسلم بين كل ركعتين في التراويح أو التهجد وهذا خلاف السنة، وقد نص العلماء على أن من قام إلى ثالثة في التراويح أو في التهجد فهو كمن قام إلى ثالثة في فجر أي تبطل صلاته، وسنذكر في آخر الكتاب إن شاء الله جوابا للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يرد على هؤلاء ويبين خطأهم] لأنهم كانوا يطيلون الصلاة وفِعلها جماعة في المسجد أفضل، فقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد ليالي ثم تأخر عن الصلاة بهم خوفا من أن تفرض عليهم، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" [أخرجه البخاري رقم 1129 ومسلم رقم 761] وذلك في رمضان وفعلها صحابته من بعده، وتلقتها أمته بالقبول، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" [أخرجه أبو داود رقم 1375 وابن ماجة رقم 1327 والنسائي رقم 1365، 1606 والترمذي رقم 806، وقال: هذا حديث حسن صحيح] وقال عليه الصلاة والسلام: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 2009 ومسلم رقم 759] ، فهي سنة ثابتة لا ينبغي للمسلم تركها. أما عدد ركعاتها فلم يثبت فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر في ذلك واسع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: له أن يصلي عشرين ركعة كما هو المشهور من من مذهب أحمد والشافعي، وله أن يصلي ستا وثلاثين كما هو مذهب مالك، وله أن يصلي إحدى عشرة ركعة وثلاث عشر ركعة وكل حسن، فيكون تكثير الركعات أو تقليلها بحسب طول القيام وقصره. وعمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أبي صلى بهم عشرين ركعة، والصحابة رضي الله عنهم منهم من يقل ومنهم من يكثر، والحد المحدود لا نص عليه من الشارع صحيح، وكثير من الأئمة ـ أي أئمة المساجد ـ في التراويح يصلون صلاة لا يعقلونها ولا يطمئنون في الركوع ولا في السجود، والطمأنينة ركن، والمطلوب في الصلاة حضور القلب بين يدي الله تعالى واتعاظه بكلام الله إذا يتلى، وهذا لا يحصل في العجلة المكروهة، وصلاة عشر ركعات مع طول القراءة والطمأنينة أولى من عشرين ركعة مع العجلة المكروهة، لأن لب الصلاة وروحها هو إقبال القلب على الله عز وجل ورب قليل خير من كثير، وكذلك ترتيل القراءة أفضل من السرعة، والسرعة المباحة هي التي لا يحصل فيها إسقاط شيء من الحروف، فإن أسقط بعض الحروف لأجل السرعة لم يجز ذلك وينهى عنه، واما إذا قرأ قراءة بينة ينتفع بها المصلون خلفه فحسن، وقد ذم الله الذين يقرؤون القرآن بلا فهم معناه، فقال تعالى: {ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي تلاوة بلا فهم، والمراد من إنزال القرآن فهم معانيه والعمل به لا مجرد التلاوة. انتهى كلامه رحمه الله. وبعض أئمة المساجد لا يصلون التراويح على الوجه المشروع لأنهم يسرعون في القراءة سرعة تخل بأداء القرآن على الوجه الصحيح، ولا يطمئنون في القيام والركوع والسجود، والطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ويأخذون بالعدد الأقل في الركعات، فيجمعون بين تقليل الركعات وتخفيف الصلاة وإساءة القراءة، وهذا تلاعب بالعبادة، [وبعضهم يخرج صوته خارج المسجد بواسطة الميكرفون فيشوش على من حوله من المساجد، وهذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من كان يقرأ القرآن والناس يصلون تطوعا فليس له أن يجهر جهرا يشغلهم به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون في المسجد فقال: "يا أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة" انتهى. [مجموع الفتاوى (23، 61، 62، 63، 64 ) ] فيجب عليهم أن يتقوا الله ويحسنوا صلاتهم، ولا يحرموا أنفسهم ومن خلفهم من أداء التراويح على الوجه المشروع. [وبعض أئمة المساجد يسرع في القراءة ويطيلها من أجل أن يختم القرآن في أول العشر الأواخر أو وسطها فإذا ختمه ترك مسجده وسافر للعمرة وخلف مكانه من قد لا يصلح للإمامة، وهذا خطأ عظيم ونقص كبير، وتضييع لما وكل إليه من القيام بإمامة المصلين إلى آخر الشهر، فقيامه بذلك واجب عليه والعمرة مستحبة، فكيف يترك واجبا عليه لفعل مستحب؟ وإن بقاءه في مسجده وإكماله لعمله أفضل له من العمرة، وبعضهم إذا ختم القرآن خفف الصلاة وقلل القراءة في بقية ليالي الشهر التي هي ليالي الإعتاق من النار وكأن هؤلاء يرون أن المقصود من التراويح والتهجد هو ختم القرآن لا إحياء هذه الليالي المباركة بالقيام اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلبا لفضائلها وهذا جهل منهم وتلاعب بالعبادة، ونرجو الله أن يردهم إلى الصواب] . وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والفلاح. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 16 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس العشرون: في الحث على تعلم القرآن وتلاوته لا سيما في هذا الشهر المبارك الحمد لله ذي الفضل والإحسان، أنعم علينا بنعم لا تحصى وأجلها نعمة القرآن، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم على طريق الإيمان وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: عباد الله ـ اتقوا الله تعالى ـ واشكروه على ما من به عليكم من نعمة الايمان، وخصكم به من إنزال القرآن، فهو القرآن العظيم، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم، هو كلام الله الذي لا يشبهه كلام، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، تكفل الله بحفظه فلا يتطرق إليه نقص ولا زيادة، مكتوب في اللوح المحفوظ وفي المصاحف، محفوظ في الصدور، متلو بالألسن، ميسر للتعلم والتدبر {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} [القمر 17] يستطيع حفظه واستظهاره الصغار والأعاجم، لا تكل الألسن من تلاوته ولا تمل الأسماع من حلاوته ولذته، لا تشبع العلماء من تدبره والتفقه في معانيه، ولا يستطيع الإنس والجن أن يأتوا بمثل أقصر سورة منه، لأنه المعجزة الخالدة، والحجة الباقية، أمر الله بتلاوته وتدبره وجعله مباركا، فقال تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب} [ص 29] . وقال صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح [أخرجه الترمذي رقم 2910، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه] ، وقد جعل الله ميزة وفضيلة لحملة القرآن العاملين به على غيرهم من الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" رواه البخاري [أخرجه البخاري رقم 5027] ، وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لاريح لها وطعمها طيب حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" رواه البخاري ومسلم [أخرجه البخاري رقم 5427 ومسلم رقم 797] . ففي هذه النصوص حث على تعلم القرآن أولا، ثم تلاوته وتدبره ثانيا، ثم العمل به ثالثا، وقد انقسم الناس مع القرآن إلى أقسام: فمنهم من يتلوه حق تلاوته ويهتم بدراسته علما وعملا، وهؤلاء هم السعداء، الذين هم أهل القرآن حقيقة، ومنهم من أعرض عنه فلم يتعلمه ولم يلتفت إليه، وهؤلاء قد توعدهم الله بأشد الوعيد، فقال تعالى: {ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف 36] ، وقال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى} [طه 124 ـ 126] ، ومن الناس من تعلم القرآن ولكنه أهمل تلاوته، وهذا هجران للقرآن حرمان للنفس من الأجر العظيم في تلاوته وسبب لنسيانه وقد يدخل في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري} [طه 124] فإن الإعراض عن تلاوة القرآن وتعريضه للنسيان خسارة كبيرة، وسبب لتسلط الشيطان على العبد، وسبب لقسوة القلب، ومن الناس من يتلو القرآن مجرد تلاوة من غير تدبر ولا اعتبار، وهذا لا يستفيد من تلاوته فائدة كبيرة، وقد ذم الله من اقتصر على التلاوة من غير تفهم فقال سبحانه في اليهود: {ومنهم أميون لا يعلون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون} [البقرة 78] أي يتلونه تلاوة مجردة عن الفهم، فيجب على المسلم عند تلاوته للقرآن أن يحضر قلبه لتفهمه على قدر استطاعته، ولا يكتفي بمجرد سرده وختمه من غير تفهم وتأثر، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 17 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس الحادي والعشرون: في الزكاة وأحكامها [وذلك بمناسبة أن كثيرا من الناس اعتادوا إخراج زكاة أموالهم في شهر رمضان لفضيلة الزمان، نسأل الله لنا ولهم القبول، وهذا إذا كان تمام حول المال يوافق شهر رمضان، أما إذا كان يتم الحول عليه قبل شهر رمضان فإنه يجب إخراج زكاته عند تمام الحول، ولا يجوز تأخيرها إلى رمضان] . الحمد لله رب العالمين، جعل في أموال الأغنياء حقاً للفقراء والمساكين والمصارف التي بها صلاح الدنيا والدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد : اعلموا أن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي الموالية للصلاة من بين تلك الأركان، وقرينتها في الذكر في كثير من آيات القرآن حيث قرنها الله سبحانه بالصلاة في نيّف وثلاثين آية مما يدل على أهميتها، وعظيم مكانتها، وفيها مصالح عظيمة أعظمها شكر الله تعالى وامتثال أمره بالإنفاق مما رزق، والحصول على وعده الكريم للمنفقين بالأجر، ومنها مواساة الأغنياء لإخوانهم الفقراء في سد حاجتهم ودفع الفاقة عنهم. ومنها تطهير المزكي من البخل والشح والأخلاق الذميمة وجعله في صفوف المحسنين الذين يحبهم الله ويحبهم الناس، قال تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها} [التوبة 103] وقال تعالى {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة 195] ومنها أنها تسبب نماء المال وحلول البركة فيه، قال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين} [سبأ 39] . وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: "يا ابن آدم أنفق ينفق عليك" . ومنع الزكاة يسبب أضرارا عظيمة، منها الحرمان من هذه المصالح المترتبة على إخراجها، ومنها تعريض المال للتلف والهلاك، ففي الحديث الذي رواه البزار عن عائشة رضي الله عنها: "ما خالطت الزكاة مالا قط إلا أفسدته" [أخرجه الحميدي في مسنده رقم 237 وابن عدي في الكامل 6/208، والبيهقي في سننه الكبرى 4 / 159 ] ، وأنتم ترون وتسمعون اليوم ما يصيب الأموال من الكوارث التي تتلفها من حريق وغرق ونهب وسلب وخسارة وإفلاس وما يصيب الثمار من الآفات التي تقضي عليها أو تنقصها نقصا ظاهرا، وهذا من عقوبات منع الزكاة. ومنها منع القطر من السماء الذي به حياة الناس والبهائم ونمو الأشجار والثمار، وفي الحديث: "وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء" [أخرجه ابن ماجة رقم 4019، والحاكم 4 / 540 وأبو نعيم في الحلية 3 / 320، 8 / 333ـ 334، وقال البوصيري في الزوائد: هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختلفوا في لبن أبي مالك وأبيه، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي] ، كما تشاهدون انحباس الأمطار عن كثير من البلاد وما نتج عن ذلك من الأضرار العظيمة ـ وهذه عقوبات عاجلة ـ وأما العقوبات الآجلة فهي أشد من ذلك، قال تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون} [التوبة 34، 35] . وكل مال لا تؤدى زكاته فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة: ويوضح ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" [أخرجه مسلم رقم 987] . وقال تعالى: {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة} . يوضح ذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مُثل له شجاع أقرع [أي ثعبانا عظيما كريه المنظر] له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه [يعني شدقيه] ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك" [أخرجه البخاري رقم 1403] هذه عقوبة مانع الزكاة في الآخرة قد بينها الله ورسوله، وهي أن المال غير المزكى يجعل صفائح تحمى في نار جهنم يكوى بها جبهته وجنبه وظهره، وجعل أيضا ثعبانا عظيما يطوق به عنقه ويمسك بشدقيه ويلدغه ويفرغ فيه السم الكثير الذي يتألم منه جسمه. وليس هذا العذاب يحصل في ساعة وينقطع، بل يستمر خمسين ألف سنة، نعوذ بالله من ذلك. ومانع الزكاة إذا عُرف عنه ذلك فإنه لا يجوز تركه بل يجب الإنكار عليه ونُصحه، فإن أصر على منعها وجب على ولي الأمر أن ينظر في شأنه، فإن كان جاحدا لوجوبها وجب أن يستتاب، فإن تاب وأدى الزكاة لله، وإلا وجب قتله مرتدا عن دين الإسلام، وإن كان مقرا بوجوبها ولكنه منعها بخلا، وجب تعزيره وأخذها منه قهرا، وإن لم يمكن أخذها منه إلا بقتال فإنه يقاتل، كما قاتل الصحابة بقيادة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى خضعوا لدفعها والتزموا بحكمها، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 18 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس الثاني والعشرون: في بيان ما تجب فيه الزكاة وحد القدر الواجب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: اعلموا عباد الله أن الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أنواع: نتكلم على نوعين منها: النوع الأول: النقدان: الذهب والفضة وما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم، سواء سميت دراهم أو ريالات أو دنانير أو دولارات أو غير ذلك من الأسماء فمن كان عنده نصاب من الذهب أو الفضة [والنصاب من الفضة ستة وخمسون ريالا بالريال الفضي العربي السعودي والنصاب من الذهب أحد عشر جنيها وثلاثة أسباع الجنيه السعودي أو ما يعادل هذين المقدارين من الورق النقدي مما يبلغ صرفه قيمتها] أو ما يعادل النصاب من تلك الأوراق النقدية أو أكثر من النصاب، وحال عليه الحول فإنه يجب فيه الزكاة، ومقدارها ربع العشر أي ريالان ونصف من كل مائة، سواء ادخرها للتجارة أو للنفقة أو للزواج أو لشراء بيت أو سيارة أو غير ذلك من حوائجه، وسواء كانت هذه النقود لكبير أو لصغير أو لمجنون فتجب الزكاة في أموال الأيتام والقصّار ويخرجها عنهم وليّهم. وربح الدراهم حولُهُ حُولها، فيزكي الربح مع رأس المال ولو لم يمض على الربح إلا مدة يسيرة أو لم يمض عليه شيء. والموظف الذي يدخر من مرتّبه كل شهر مبلغا، الأحوط له والأسهل عليه أن يجعل شهرا من السنة كشهر رمضان وقتا لإخراج زكاة ما اجتمع لديه من النقود إلى مثل هذا الشهر من السنة القادمة ما تم حوله وما لم يتم حوله. ومن كان له ديون في ذمم الناس سواء كانت فروضا أو أثمان مبيعات مؤجلة أو أجورات، فإن كانت هذه الديون على أناس موسرين باذلين يستطيع الحصول عليها عندما يطلبها منهم، فإنه يزكيها إذا تم لها حول من حين العقد، سواء قبضها منهم أو لم يقبضها كما يزكي المال الذي بيده، وإن كانت هذه الديون على معسرين أو على مماطلين ولا يدري هل يحصل عليها أم تذهب فإنه يزكيها إذا قبضها عن سنة واحدة على الأصح، وإذا كان على الإنسان ديون للناس وعنده نقود فالأصح من قولي العلماء أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة فيما عنده فيزكي ما عنده من النقود. النوع الثاني من الأموال التي تجب فيها الزكاة: عروض التجارة: وهي السلع المعروضة للبيع طلباً للربح كالأقمشة والسيارات والآليات وقطع الغيار والأراضي والعمارات المعدة للبيع ومحتويات البقالات من أنواع الأطعمة والأشربة والمعلبات ومحتويات الصيدليات من الأدوية الطبية وأدوات البناء بأنواعها، وما تحويه المكتبات التجارية من الكتب وغيرها، فإنه عند تمام الحول عليها أو على ثمنها الذي اشتريت به يقوّمها بأن يقدر قيمتها التي تساويها عند تمام الحول سواء كانت قدر قيمتها التي اشتراها بها أو أقل أو أكثر، ولا ينظر إلى ما اشتراها به، ثم يخرج ربع العشر من القيمة المقدرة، ولا يترك شيئا مما أعد للبيع كبيرا كان أو صغيرا إلا ويقدر قيمته، بأن يجرد كل ما عنده ويقومه لإخراج زكاته، ولا زكاة فيما أعد للتأجير من العمارات، والسيارات والدكاكين والآليات وغيرها، فلا زكاة في نفس هذه الأشياء وإنما الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول من حين عقد الإجارة. ولا زكاة على الإنسان فيما أعده للاستعمال كالمسكن والمتجر أي: المحل الذي يجلس فيه للبيع والشراء، والسيارات التي يركبها وغير ذلك من مستعملاته، والذي عنده مصنع أو ورشة للحدادة أو لإصلاح السيارات، أو عنده مطبعة، لا زكاة عليه في الآليات التي يستخدمها للعمل، وإنما الزكاة في الغلة التي يحصل عليها من ذلك المصنع أو الورشة أو المطبعة بأن يخرج ربع العشر مما حال عليه الحول من الدراهم التي يحصل عليها من هذه الأشياء. والأسهم التي للإنسان في الشركات، إن كانت شركات استثمار كشركات المصانع أو شركات النقل وشركات الكهرباء والأسمنت، فهذه تجب الزكاة في غلتها إذا حصل المساهم على شيء من غلة أسهمه في الشركة فإنه يزكيه، وأما الأسهم التي له في الأراضي التجارية، فتجب عليه زكاة أسهمه منها بأن يقوّم تلك الأراضي عند تمام حولها ويخرج ربع عشر قيمة نصيبه منها. واعلموا رحمكم الله أنه لا بد من النية عند دفع الزكاة لأنها عبادة، والعبادة لا تصح إلا بنية لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" [أخرجه البخاري رقم 1، ومسلم رقم 1907] فينوي عند دفعها أنها زكاة. ولو دفع دراهم وهو لم ينوها زكاة ثم نوى بعد ذلك لم تجزه، وعلى المسلم أن يحصي ما لديه من المال الذي تجب فيه الزكاة إحصاء دقيقا لئلا يبقى من ماله شيء لم تخرج زكاته فيوجب ذلك محقه وتلفه. ويجوز للإنسان أن يوكل من يحصي ماله ويخرج زكاته نيابة عنه، ويجب على المزكي أن يخرج الزكاة طيبة بها نفسه غير ممتن بها ولا مستكثر لها ولا كاره لإخراجها، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة 264] . وقال تعالى في المنافقين: {ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا يُنفقون إلا وهم كارهون} [التوبة 54] ويستحب أن يدعو عند إخراجها فيقول: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما، ويقول آخذها: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت، وجعله لك طهورا. فاتقوا الله عباد الله في أمور دينكم عامة وفي زكاة أموالكم خاصة. عباد الله: وينبغي للإنسان الاستكثار من صدقة التطوع أيضا في هذا الشهر الكريم، والموسم العظيم، لحديث أنس "سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ فقال:" صدقة في رمضان "" رواه الترمذي [أخرجه الترمذي رقم 663 وقال: هذا حديث غريب وصدقه بن موسى ليس عندهم بذاك القوي] وقال صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل العظيم" متفق عليه [أخرجه البخاري رقم 1410، ومسلم رقم 1014] . عن أنس مرفوعا: "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء" [أخرجه الترمذي رقم 664، وقال هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه] ، والآيات والأحاديث في هذا كثيرة معروفة. والصدقة في هذا الشهر فيها اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، فقد كان يتضاعف جوده فيه أكثر من غيره. نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يشملنا بعفوه ومغفرته ورحمته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين ... | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 19 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس الثالث والعشرون: في أحكام الزكاة أيضاً الحمد لله رب العالمين، له الحمد في الآخرة والأولى أغنى وأقنى ووعد من أعطى واتقى وصدق بالحسنى أن ييسره لليسرى، وتوعد من بخل واستعنى وكذب بالحسنى أن ييسره للعسرى، وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيل الله واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: اتقوا الله تعالى واعلموا أن ما تخرجونه من الزكاة وغيرها من الصدقات بنية خالصة ومن كسب حلال أنه يكون قرضا حسنا تُقرضونه ربكم وتجدونه مدخرا لكم ومضاعفا أضعافا كثيرة، فهو الرصيد الباقي والتوفير النافع والاستثمار المفيد، مع ما يخلف الله لكم في الدنيا من نمو أموالكم وحلول البركة فيها، فلا تستكثروا مبالغ الزكاة التي تدفعونها، فإن بعض الناس الذين يملكون الملايين الكثيرة قد يستكثرون زكاتها، ولا ينظرون إلى فضل الله عليهم حيث ملكهم هذه الملايين وأنه قادر على أن يسلبها منهم ويحولهم إلى فقراء معوزين في أسرع لحظة أو يأخذهم على غرة فيتركونها لغيرهم، فيكون عليهم مسؤوليتها ولغيرهم منفعتها. ثم اعلموا ان الله سبحانه عين مصارف للزكاة لا يجوز ولا يجزئ دفعها في غيرها، قال تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} [التوبة: 60] . فمن كان يملك ما يكفيه ويكفي من يمونهم لمدة سنة أو له إيراد من رواتب أو غيره يكفيه فهو غني لا يجوز ولا يجزئ صرف الزكاة إليه ولا يجوز له هو أن يأخذها، وكذلك من كان عنده القدرة على الكسب الذي يكفيه [وهناك فرص للكسب موجودة] فإنه لا يجوز ولا يجزئ دفع الزكاة إليه ولا يجوز له هو أخذها، فلا يجوز للمزكي أن يدفع زكاته إلا لمن يغلب على الظن أنه من أهل الزكاة، فقد جاء في الحديث أن الزكاة لا تحل لغني ولا لقوي مكتسب. رواه أبو داود والنسائي. وكذا لا يجوز صرف الزكاة في المشاريع الخيرية كبناء المساجد والمدارس وغيرها، وإنما تمول هذه المشاريع من بيت المال أو من التبرعات فالزكاة حق الله شرعه لهذه المصارف المعينة لا تجوز المحاباة بها لمن لا يستحقها ولا أن ي*** بها لنفسه نفعا دنيويا أو يدفع بها عنه ضررا ولا أن يقي بها ماله بأن يجعلها بدلا من حق يجب عليه لأحد، ولا يجوز أن يدفع بالزكاة عنه مذمة، ولا يجوز دفعها إلى أصوله ولا إلى فروعه ولا إلى زوجته أو إلى أحد ممن تلزمه نفقته. فاتقوا الله عباد الله وليكن إخراج الزكاة وصرفها وسائر عباداتكم على مقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. واعلموا عباد الله أن من لا يصرف الزكاة في مصارفها الشرعية التي حددها الله في كتابه فإنها لا تجزئه ولا تبرأ ذمته منها، لأن الله سبحانه هو الذي حدد هذه المصارف بنفسه فقال: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} [التوبة 60] وهذا تعبير يفيد الحصر، وهو قصر الحكم فيما ذكر ونفيه عما عداه، ولو صرفها في مصرف واحد من هذه المصارف الثمانية أجزأه ذلك ولا يتعين عليه استكمالها، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: "فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أعنيائهم فتُرد إلى فقرائهم" الحديث [أخرجه البخاري رقم 1458 ومسلم رقم 19] حيث اقتصر على ذكر الفقراء فيه، فدل على جواز الاقتصار عليهم وإجزائه. والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 20 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : السليماني المنتدى : الملتقى العام الدرس الرابع والعشرون: في الحث على زيادة الاجتهاد في الأعمال الصالحة في العشر الأخير من رمضان الحمد لله الذي فضل شهر رمضان على سائر الشهور، وخص العشر الأواخر بعظيم الأجور، حث على تخصيص العشر الأواخر بمزيد اجتهاد في العبادة، لأنها ختام الشهر والأعمال بالخواتيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وكل من تبعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: أيها المسلمون.. إنكم في عشر مباركة هي العشر الأواخر من شهر رمضان، جعلها الله موسما للإعتاق من النار، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص هذه العشر بالاجتهاد في العمل أكثر من غيرها كما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر ما لم يجتهد في غيرها [فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد المئزر" أخرجه مسلم رقم 1174، وقالت أيضا: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها" أخرجه مسلم رقم 1175] ، وفي الصحيحين عنها قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله" [أخرجه البخاري رقم 2024 ومسلم رقم 1174 ] ، وهذا شامل للاجتهاد في القراءة والصلاة والذكر والصدقة وغير ذلك، وكان عليه الصلاة والسلام يتفرغ في هذه العشر لتلك الأعمال، فينبغي لك أيها المسلم الاقتداء بنبيك فتتفرغ من أعمال الدنيا أو تخفف منها لتوفر وقتا للاشتغال بالطاعة في هذه العشر المباركة ومن خصائص هذه العشر الاجتهاد في قيام الليل وتطويل الصلاة بتمديد القيام والركوع والسجود وتطويل القراءة وإيقاظ الأهل والأولاد ليشاركوا المسلمين في إظهار هذه الشعيرة ويشتركوا في الأجر ويتربوا على العبادة، وقد غفل كثير من الناس عن أولادهم، فتركهم يهيمون في الشوارع، ويسهرون للعب والسفه، ولا يحترمون هذه الليالي ولا تكون لها منزلة في نفوسهم، وهذا من سوء التربية، وإنه لمن الحرمان الواضح والخسران المبين أن تأتي هذه الليالي وتنتهي وكثير من الناس في غفلة معرضون، لا يهتمون لها ولا يستفيدون منها، يسهرون الليل كله أو معظمه فيما لا فائدة فيه أو فيه فائدة محدودة يمكن حصولهم عليها في وقت آخر، ويعطلون هذه الليالي عما خُصصت له، فإذا جاء وقت القيام ناموا وفوتوا على أنفسهم خيرا كثيرا، لعلهم لا يدركونه في عام آخر، وقد حملوا أنفسهم وأهليهم وأولادهم أوزارا ثقيلة لم يفكروا في سوء عاقبتها، وقد يقول بعضهم: إن هذا القيام نافلة، وأنا يكفيني المحافظة على الفرائض، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأمثال هؤلاء: بلغني عن قوم يقولون: إن أدينا الفرائض لم نبال أن نزداد، ولعمري لا يسألهم الله إلا عما افترض عليهم، ولكنهم قوم يخطئون بالليل والنهار، وما أنتم إلا من نبيكم وما نبيكم إلا منكم، والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل. ومن خصائص هذه العشر المباركة أنها يرجى فيها مصادفة ليلة القدر التي قال الله فيها: {ليلة القدر خير من ألف شهر} [القدر 3] وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه" [أخرجه البخاري رقم 1901 ومسلم رقم 760] ، ولا يظفر المسلم بهذه الليلة العظيمة إلا إذا قام ليالي الشهر كلها لأنها لم تحدد في ليلة معينة منها، وهذا من حكمة الله سبحانه لأجل أن يكثر اجتهاد العباد في تحريها ويقوموا ليالي الشهر كلها لطلبها فتحصل لهم كثرة العمل وكثرة الأجر، فاجتهدوا رحمكم الله في هذه العشر التي هي ختام الشهر، وهي ليالي العتق من النار، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن شهر رمضان: "شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار" فالمسلم الذي تمر عليه مواسم الرحمة والمغفرة والعتق من النار في هذا الشهر وقد بذل مجهوده وحفظ وقته والتمس رضا ربه، إن هذا المسلم حري أن يحوز كل خيرات هذا الشهر وبركاته ويفوز بنفحاته، فينال الدرجات العالية بما أسلفه في الأيام الخالية، هذا ويجب التنبيه على أن بعض أئمة المساجد هداهم الله يخالفون السنة وهدي السلف حيث إن السنة هي زيادة الاجتهاد في هذه العشر بجعل صلاة التراويح قسمين، فيصلي عشر ركعات في أول الليل وعشر ركعات تهجدا في آخر الليل، وتختم بالوتر، لكن بعض الأئمة في هذا الزمان يلغي صلاة أول الليل ويقتصر على صلاة التهجد عشر ركعات أو ثمان ركعات أو يلغي صلاة التهجد ويقتصر على صلاة التراويح في أول الليل ومعنى هذا أنهم لا يزيد اجتهادهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يزيد اجتهاده في هذه العشر ويحيي لياليها بزيادة الصلاة وتطويلها وما ذكرناه هو في حق من يصلي عشرين ركعة في كل الشهر أما من يصلي في أول الشهر عشر ركعات فإنه يضيف إليها عشرا أخرى في العشر الأواخر يتهجد فيها آخر الليل. وللشيخ العلامة أبي بطين رسالة في الرد على مثل هؤلاء تجدها في الدرر السنية ( 3/ 181 ـ 185 ) وسننقلها في آخر الكتاب. نسأل الله التوفيق والقبول والعفو عن التقصير والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
![]() |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018