![]() | |
الملتقى العام المواضيع العامة التي لا يريد كاتبها أن يدرجها تحت تصنيف معين . |
![]() |
![]() |
كاتب الموضوع | صقر الاسلام | مشاركات | 42 | المشاهدات | 4795 | ![]() ![]() ![]() | انشر الموضوع |
| أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
![]() | المشاركة رقم: 11 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة العشرون.. مكتبة الشيخ عامرة وأغلبها نسخ قديمة الطبع... مساحتها حوالي ستة أمتار في أربعة .. والرفوف ملصقة بجميع جدران الغرفة ... يجلس الشيخ بجوار نافذة قريبة من الأرض .. ويستقبل النافذة في الواجهة الجنوبية من الغرفة وأمامه تلفونان .. أحدهما للفتاوى الشرعية والآخر تلفون البيت الخاص.. وليست هناك مقاعد للجلوس أو طاولة للكتابة.. بل يجلس الشيخ على الأرض فوق سجادة صلاة .. ويكتب على لوح تعلق عليه الأوراق .. يراجع الشيخ في مكتبته الكتب أو يجيب على الفتاوى .. أو ينظم المعاملات أ ويقرأ الرسائل.. بخصوص الرسائل في تلك الليلة التي دخلت فيها للمكتبة .. شاهدت بوسط الغرفة كومة ضخمة من الرسائل والأوراق المبعثرة ..!! قال الشيخ وهو يشير لها بأسى: هذه رسائل الأسبوعين الأخيرة ولم أستطع قراءتها ؟؟ تأتي للشيخ رسائل من كل بلاد الدنيا .. أذكر مرة طلب الشيخ محمد مني ومن الشيخ فهد السليمان جامع فتاويه .. أن نجرد رسائل الناس ونرتبها ونبوبها ففتحنا الظروف .. فوجدنا رسائل من البلاد العربية ومن أوروبا وأمريكا وآسيا وأفريقيا ومن كل بلاد الدنيا .. ورسائل فيها شيكات تبرعات ورسائل فيها طلب مؤلفات واستفتاءات.. ورسائل من مراكز إسلامية .. سمعت الشيخ يقول مرة : أكثر الرسائل التي تأتيني هي من الجزائر ..!! ولذلك لا عجب إذا رأيت كثيرا من الطلبة الجزائريين في حلقة الشيخ.. رأيت رسائل من علماء مشهورين يستشيرون الشيخ في بعض المسائل والنوازل . ومنهم وبكثرة الشيخ العلامة بكر أبو زيد .. وممن رأيته كثيرا يحرص على الاستفادة من علم الشيخ سواء بالاستفتاء أو بسماع دروسه على أشرطة الكاسيت سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتي المملكة الحالي.. وليست مكتبة الشيخ هي ما رأيته تلك الليلة فقط .. بل إن لديه في القبو مكتبة أخرى تحتوي على المراجع التي تقل مراجعتها .. و يوجد بها عدد من المخطوطات .. ومنها مخطوطة تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي العالم المشهور .. المسمى بتفسير الكريم المنان ... وهذا التفسير قد كتبه الشيخ بخط لا يكاد يقرأ على دفتر الأستاذ والذي يسمى دفتر حسابات (مسك الدفاتر)!! يجلس الشيخ في اغلب أوقاته بالمكتبة وغالبا لا يقيل إلا فيها .. وله في زاويتاها الشمالية فراش صغير وبطانية قديمة يتوسدها ويقيل هناك حتى أذان العصر.. في تلك الليلة عدت أنا والأخ محمد وفي الطريق مررنا بمنزل الشيخ القديم.. وسأتكلم إن شاء الله عن هذا المنزل لاحقا حينما أحكي عن زيارة الأمير ممدوح بن عبد العزيز لعنيزة.. أرجو أن لا يكون الملل قد دخلكم بتفاصيل قد لا يريدها البعض.. ولكن أرجو أن يأتي زمان يأتي فيه من يحتاج لمثل هذه المعلومات.. نرجع لجاري في درس الشيخ .. كان ذلك الطالب المجد يظهر لي الاحترام والتقدير .. كنت أرى ذلك (عن حسن نية ) نبلا منه وطيبة .. فكسبني ذلك الشخص وصرت أخرج معه أحيانا بعد الدرس لبيته أو للمكتبة ونحو ذلك .. أذكر مرة أن الشيخ قال لي : انتبه يافلان من الناس لا تحدثهم بأمورك الخاصة .. ترى الطلبة يحسدون بعض !! ونقل لي أثرا عن ابن عباس أنه قال : يتحاسد طلبة العلم في آخر الزمان كما تتحاسد التيوس في زروبها!!.. ونحو ذلك الكلام.. والظاهر أن صاحبنا بسبب قربه من الشيخ .. شعر أنني سأضايقه في قربي وكثرة لقاءاتي مع الشيخ .. حينها لم أكن أعرف الحسد ولم أمارسه والله في حياتي .. كنت أتحدث مع ذلك الشاب في بعض أموري الخاصة وفي اليوم التالي يستفسر مني الشيخ.. حول ما قيل عن كذا وكذا !! كأنه يلمح لما قلته لذلك الشاب..؟؟؟ غير أنني حينما أقارن ما أشاهده منه من سماحة نفس معي وحسن معشر.. أستبعد أن يكون هو من نقل هذا الكلام للشيخ ويا لغبائي!! كتبت مرة رسالة للشيخ قلت له فيها بما معناه.. أنني أرغب في أن أستفيد من علمكم في حلكم في عنيزة وفي سفركم خارجها!! حيث يشرفني أن أكون خادما لكم كما كان أنس وابن مسعود يخدمان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. حينما قرأ الرسالة الشيخ فرح بها وسر خاصة انه رأى مني الحرص على ذلك.. حدثت ذلك الشاب بهذه الرسالة .. فما كان منه إلا أن حذرني من ذلك وقال : لا أنصحك وهذا سوف يغير عليك قلوب الطلبة الآخرين وسوف يقولون : هذا الولد له عند الشيخ ثلاثة شهور .. والآن يريد أن يكون رفيقه في سفره..؟؟ لا ، انتبه وأنا أخوك لا تفعل ... أخذ صاحبنا يهول لي الأمور حتى عزمت على ترك ذلك العمل المتهور!!! وجاء يوم سمعت الشيخ يذكر أنه سيسافر للرياض .. فوقع في نفسي أن أطلب منه أن أرافقه ولكن ما حذرني منه صاحبي جعلني أتردد !! الحلقة الواحدة والعشرون كنت يوما أسير مع الشيخ بعد صلاة العصر .. فجاءه رجل ذو هيئة ومعه مرافق له .. عرف نفسه للشيخ بأنه الأمير فلان .... دعاه الشيخ للتفضل في بيته للقهوة والتعارف .. فرحب بذلك الرجل والظاهر أن هذا هو غايته من الزيارة ... قال لي الشيخ: تفضل معنا ... فدخلت مع الضيف من باب الملحق .. بعد دقائق أحضر الشيخ القهوة والتمر وإبريق الشاي معه... فحملتها من يديه فكنت خادم القوم في تلك الجلسة .. ويعلم الله قدر شعوري بالفخر والشرف أن أخدم شيخنا وضيوفه.. بعد انتهاء الجلسة وانصراف الضيوف .. عرضت على الشيخ أن أرافقه لسفرته في الرياض .. فقال : وما غرضك من ذلك ؟؟ فكررت له ما قلت له في الرسالة .... فقال : أهلا بك وسهلا ولكن سفري ذلك جزء منه زيارة عائلية وسوف أرى.. ثم فاتحني الشيخ بموضوع آخر ... هو موضوع الدراسة النظامية .. قال لي: لما لا تكمل دراستك؟ فقلت له لا مانع عندي ولكن كيف؟؟ ملفي الدراسي ليس لدي !! كنت أتهرب من الموضوع حتى لا تكتشف هويتي الحقيقية!! قال الشيخ: دع الأمر لي وسوف أسجلك في المعهد العلمي... قبلت وأظهرت الفرح والاغتباط وأنا في داخلي أغلي كالمرجل من الخوف!! قلت له ياشيخنا ... هل أنا في حلم ؟؟ أم في علم ؟؟ أن أكون الآن معك في بيتك مع الشيخ ابن عثيمين؟؟ ابتسم ودعا لي وقال : ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ... التقيت بصاحبي .. وجاري .. بعد ذلك فحدثته بما كان ... وكان السفر بعد يومين ... كان ذلك بمثابة حراب أغرسها في قلبه دون أن أشعر أو أقصد ذلك والله.. دهشت وربي من حرصه على تثبيطي وتذكيري بالعواقب .. ولكن حتى تلك الساعة لم ينكشف لي ما يدبره ... شجعني بندر على الذهاب ...وقال لا تتردد .. ذات يوم بعد صلاة العصر ألتفت إلي شاب أعرفه جيدا وهو من أصحاب جاري ذاك!! وسألني أسئلة مباشرة فيها وقاحة وصلف ... قال : ايش اسمك؟؟ قلت فلان .. قال : قلي اسمك كاملا .. ؟؟ قلت : فلان بن فلان .. ذكرت اسم الأب فقط..!! قال: وما لقب العائلة؟؟ عرفت خلالها أنه مرسل لتخويفي من شيء ما!! ولم أحب هذا الشخص مطلقا ، فهو رجل سيء الخلق حقود .. بعد يومين استعديت للسفر وحزمت حقيبتي .. وطلبت من جاري ذاك أن يوصلني هو إلى بيت الشيخ ...؟؟؟ بل واقترضت منه مبلغا من المال لمصاريفي!! كنت كمن يطلب الماء من بياع الزيت!! ولقد جاء فعلا في اليوم التالي ،لا ليوصلني بل ليعطيني رسالة واضحة مفادها .. لقد حذرتك وأنذرتك ولكنك لا تسمع كلامي وسوف تندم..!! لقد كانت نظراته والتي أتخيلها الآن أمام عيني تقذف بالشرر المستطير !! ثم انطلق بسيارته مغضبا بعد أن رد باب سيارته في وجهي !! لم اقدر الموقف حق قدره ..ولم أكن أحسب الأمور بمثل حساباته ولم تكن لي معرفة بطبائع البشر الحيوانية نعوذ بالله من ذلك.. أطلقت جرس باب منزل الشيخ فخرج أحد أبناء الشيخ .. وهو يحمل حقيبتين ووضعها في مؤخرة السيارة.. وكانت تظهر على وجهه علامات الغضب وعدم الترحيب بي !! ولم يسلم علي أو يخبرني أين الشيخ أو ماذا سنفعل !! أي حال أنا فيه !! انتظرت في الخارج حوالي النصف ساعة حتى خرج الشيخ فقال : أين كنت ؟؟ أنا أنتظرك؟؟؟ لم أخبره بما حصل .. بل سكت وصافحت أبناءه الآخرين .. يقولون العيون شواهد تكشف ما في القلوب .. منذ أول مرة رأيت فيه أبناء الشيخ عرفت أنني لديهم غير مرضي عني بل أنا مغضوب علي.. وإنني أقسم وأجزم أن ذلك كله من فعل صاحبي الذي ظننته صديقا لي!! فهو أحد أقربائهم والرجل منذ سنوات عديدة قريب منهم ومن الشيخ .. وقد كسب ثقتهم فلا شك أنه ذو مصداقية في خبره عني !! ولقد حاولت مرارا وتكرارا أن اثبت لهم أنني شخص مختلف عما صوره الرجل عني ولكن بدون فائدة .. فالناس للأسف حكمهم في الغالب يترسخ ويتجذر منذ الصدمة الأولى!! خاصة أن الوقائع التي حصلت قد زادت الأمر تعقيدا .. والحمد لله.. ولكن الله سبحانه وتعالى عوضني كثيرا بشيخنا وليغضب كل الناس عني!! إذا كان حبك لي صادق فكل الذي فوق التراب تراب.. توجهنا للمطار برفقة سائق الشيخ.. وهي سيارة كابر يس موديل تسعة وسبعين!! لونها بني مخطط بلون البيج !! يقول السائق لي : أنا أسوق الشيخ منذ خمسة عشر عاما بهذه السيارة.. ولقد باءت كل محاولاتي ومحاولات إدارة جامعة الإمام لتغيير السيارة .. حيث أن الشيخ يراها سيارة ممتازة ولا يهم شكلها أو موديلها المهم أن توصله ... | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 12 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الثانية والعشرون على ذكر سيارة الشيخ ... التابعة لجامعة الإمام ... أذكر مرة أنني رافقت الشيخ من الجامعة وحتى بيته.. وحين وصلنا للمنزل أمرني الشيخ بالنزول من السيارة ..!! فقلت له : خل فلان يوصلني للسكن لو سمحت بذلك ؟؟ فقال : لا؟؟ أنزل هنا وامش على قدميك!! خرجت من السيارة فلما رأى أثر كلامه علي قال لي: هذه السيارة يابني أعطيت لي لاستعمالها في عملي وشغلي... ولا يجوز لي شرعا أن أسمح لأحد آخر باستعمالها سوى بإذن من الجامعة!!! ولا حتى لأبنائي وأهلي !! أذكر من ورع الشيخ الشيء الكثير ولقد ذكر لي احد كبار طلبة سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه حينما ذكر له بعض مواقف الشيخ ابن عثيمين في الورع تعجب من ذلك وقال : من يقدر على هذا؟؟؟ وهو من هو في ورعه وزهده رحمهما الله وعفا عنهما فهما والله نادران في زمانهما نحسبهم كذلك والله عز وجل حسيبنا وحسيبهم.. وصلنا ذلك اليوم لمطار القصيم الإقليمي .. حملت الحقائب ودخلنا سويا لصالة المسافرين .. لمح الشباب العامل في المطار من موظفين وعسكر الشيخ فجاء بعضهم للسلام على الشيخ وهم مبتهجون بذلك !! أما أنا فقد كنت في شبه السكرة من الفرح .. يا الله أين كنت وأين أنا الآن ...؟؟ الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .. لم يكن هناك أي تأخير فقد وصلنا وقت نداء ركوب المسافرين للطائرة .. بعد تجاوزنا لمعاملات السفر جاء مدير المطار للسلام على الشيخ .. وأدخله في مكتب الضابط المناوب .. وقدموا لنا الشاي .. وحينما استكمل ركوب المسافرين توجهنا للطائرة أنا وشيخنا.. كان مقعد الشيخ على الدرجة الأولى وذلك على حساب جامعة الإمام التي ستستضيف الشيخ لمحاضرة للمبتعثين من طلابها خارج المملكة .. وعادة الشيخ إن سافر على حسابه الشخصي أن يركب الدرجة السياحية .. لكن في عدة مواقف شاهدتها يرفض ربان الطائرة حينما يعلم بوجود الشيخ .. إلا أن ينقل في الدرجة الأولى .. إكراما للشيخ وحبا واحتراما له.. في تلك الرحلة كنت أنا بطبيعة الحال في الدرجة السياحية أو ما يسمى الضيافة.. ولكن بعد إقلاع الطائرة ، جاءني الشيخ بنفسه وقد استأذن لي أن أكون برفقته.. فكنت بجواره في الدرجة الأولى... لكم أيها الإخوة والأخوات أن تدركوا تلك المشاعر التي كانت في نفسي تلك اللحظات.. كنت أراقب الشيخ وأحاول أن استفيد من كل تصرفاته فهو قدوة لي في كل شيء.. بعد شرب القهوة جاء مضيف الطائرة للشيخ وقال له: هل ممكن أن ترافقني لغرفة قيادة الطائرة ، الكابتن يدعوك لو تكرمت ؟؟ قام الشيخ من مقعده وتوجه لمضيفه وبقيت لوحدي حتى قرب وصولنا للرياض .. علما أن الرحلة تستغرق حوالي الأربعين دقيقة فقط!! رجع الشيخ وجلس على كرسيه .. وبدأ في تلاوة حزبه من القرءان .. حيث يقرأ يوميا جزأين كاملين من صدره ... وصلنا لمطار الرياض ونزلنا في الصالة العامة واستقبلنا مندوب الجامعة .. توجهنا مباشرة لجامعة الإمام ولمكتب الدكتور عبد الله التركي مدير الجامعة حينها.. سلم الشيخ على الدكتور التركي وسلمت عليه .. وبقيت معهما لدقائق .. ثم خرجت للخارج وانتظرت خروج الشيخ .. بعد ساعة تقريبا ناداني مندوب الجامعة وقال : الشيخ يدعوك للحاق به لموقع المحاضرة.. نزلت مع المندوب حيث يظهر أن هناك مخرج خاص من مكتب الدكتور عبد الله .. سألني مندوب الجامعة .. هل أنت ابن الشيخ ؟ قلت :لا ... أنا أحد تلاميذه ... قال لي : هنيئا لك يا أخي هذا الشرف .. دخلنا لصالة ضخمة جدا وفيها من الفخامة والنظارة ما يبهر العقول ... ولم يكن هناك حضور سوى الصفين الأول والثاني !! وبعض الناس هنا وهناك!! حيث أن المحاضرة خاصة فقط بالمبتعثين وأظن عددهم حوالي المائة وعشرون .. تحدث الشيخ حديثا طويلا حول ما يتعلق بسفرهم من أحكام فقهية ومن تنبيهات وتحذيرات من بعض الأخطار التي قد تواجههم في أمور دينهم .. وبث الشيخ في نفوسهم الحماسة في الاستفادة مما لدى الآخرين والعودة لبلادهم لكي تنتفع الأجيال بهم وحذرهم من الأفكار المسمومة والتي عاد بها بعض أبناءن ونحو ذلك من توجيهات ومعان مفيدة.. ثم فتح الباب للأسئلة والتي أخذت اغلب وقت المحاضرة وكانت أسئلة مفيدة للغاية.. بعد انتهاء المحاضرة ... توجهنا لكلية الدعوة والإعلام وصحب الشيخ للكلية الدكتور سعيد بن زعير ولا أدري هل هو عميد الكلية أم هو أحد دكاترته.. ودخلنا في قاعة أصغر من الأولى وأظنها تابعة للكلية .. وكانت غاصة جدا بالطلبة ، وقد امتلاء الدرج وأمام الأبواب وأطراف المسرح بالحضور.. تحدث الشيخ في كلمة مختصرة ثم استقبل أسئلة الناس .. كانت في تلك الأيام أحداث أشغلت الناس والمجتمع وهي قضية .. مقتل الشيخ جميل الرحمن ودخول مجموعة من قادة المجاهدين الأفغان لولاية كنر.. وكانت تلك الأيام قد اضطربت آراء الناس حول ما يحدث .. ولا أنسى أبدا عشرا ت الوفود التي قدمت على الشيخ في عنيزة من مدن المملكة.. والتي تستفتيه حول هذا الموضوع خصيصا .. سئل الشيخ في تلك القاعة عن موقفنا نحن كمسلمين من تلك الفتنة.. فأجاب بكلام مبني على الدليل من كتاب الله وسنة رسوله .. وقال : الذي أرى أن توقف التبرعات عن المجاهدين هناك جميعا حتى تنتهي الفتنة ولا نعينهم في أن يقتل بعضهم بعضا .. ونحو هذا الكلام.. أثارت تلك الفتوى من الشيخ موجة من الحيرة والترقب في وجوه الدكاترة والمشائخ الموجودين في القاعة .. وبعد انتهاء المحاضرة .. طلب الدكتور سعيد بن زعير من الشيخ أن يزور مكتبهم دخل الشيخ وكنت معه واجتمع حوله عدد من الدكاترة ومدراء الأقسام .. ودار نقاش علمي مع الشيخ حول فتواه ... الحلقة الثالثة والعشرون كان النقاش حول قضية كنر والجهاد فيه شيء من الحدة .. خاصة من طرف المشائخ .. أما الدكتور سعيد الزعير فلم يتكلم بكلمة واحدة ... طوال النقاش.. حينما بلغ النقاش حدا تبعثرت فيه الأوراق وتشوشت فيه الأفكار قال الشيخ: سبحان الله ؟؟ هذا هو رأيي الذي أدين الله به وأنتم قولوا رأيكم، وليتبع الناس ما يرونه حق أما أنا فلن أرسل لشخص فلسا واحدا وأعرف أنه سيستعين به في إيذاء أخيه فما بالك بقتاله أو بقتله !! ولقد رأيت وجه الشيخ محمرا من الغضب والتوتر.. حينها قال الشيخ سعيد بن زعير: ياشيخنا والله نحن نحبك ونقدرك ونرى أن رأيك لا تبتغي به غير وجه الله لكن الإخوان رغبوا في النقاش والحوار حتى تتضح لكم الصورة ، فهذا جهاد قد أنفقت عليه مبالغ طائلة وأرواح كثيرة ودعم من هذا البلد وأهله طوال سنوات طويلة فهمنا الأكبر أن لا تشوه صورته الناصعة .. ثم قام الدكتور سعيد وقبل رأس الشيخ واعتذر منه وانفض المجلس. بعد ذلك توجهنا لمكتب الدكتور عبد الله التركي ومنه خرجنا لصلاة الظهر في الجامع الكبير ..... كنت برفقة الشيخ وكذلك كان معنا الدكتور عبد الله التركي ... حينما رأى الشيخ الجمع الهائل من طلبة الجامعة والذين غص بهم كل المسجد.. فلا ترى فيه موطئ قدم من كثرتهم.. قال الشيخ : ياأخ عبد الله كم يتسع هذا الجامع..؟؟ قال: حوالي الثلاثين ألفا ... ثم قال الشيخ : الله المستعان كم سيخرج لنا عالما من هؤلاء !!! بعد الصلاة ألقى الشيخ كلمة قصيرة في المصلين يحثهم فيها على الحرص على العلم واستغلال الأوقات ونحو ذلك ... ثم خرجنا بالكاد من الجامع بسبب تكاثر المسلمين على الشيخ .. توجه الشيخ برفقة الدكتور عبد الله التركي في سيارته الفارهة .. ولم أكن أعرف وجهتنا فقد كان كل شيء مرتبا مسبقا !! قالوا لي: أركب في هذه السيارة وأشاروا لسيارة فيها شاب أدم .عليه مرايات .. وفي الطريق تعارفنا وعرفت مقصدنا .. كان ذلك الشاب هو ابن الدكتور سعيد بن زعير ونحن متجهون للغداء في منزلهم.. وصلنا لمنزلهم فكان في استقبالنا جمع كبير من الناس .. لم اعرف منهم سوى من ذكرت بالإضافة لشيخ كبير ضعيف البنية .. سألت عنه : فقيل لي: هذا الشيخ عبد الله بن جبرين .. حفظه الله ورعاه .. حينما ترى ذانك الشيخان الجليلان سويا تزداد تلك الجلسة رونقا وبهائا.. كان الشيخ عبد الله وشيخنا يتبادلان الحديث وإجابة الناس حول ما يسألان عنه بكل أدب وسمو يليق بهما .. لا حظت شيخنا مرارا يهمس في أذن الشيخ عبد الله بكلام فيضحك الشيخ منه!! بعد ذلك رافقنا شخصا لا اعرفه حينها .. جسمه وطوله وبنيته اقرب ما يكون من شيخنا ..؟؟؟ سأل الشيخ : ما عرفتنا على الأخ ؟ فقال : هذا فلان أحد تلاميذنا ، ولقد قال لي : إنه يرغب في صحبتي ليستفيد من علمي ويخدمني كما خدم ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم.. شعرت بالخجل ، وتسمرت في مقعدي ولم أتكلم .. وصلنا لمنزل الرجل في حي النسيم بشرق الرياض.. بجوار جامع الهدى القريب من مدرسة سلاح الحدود.. ونحن ننزل أغراضنا سألت الشيخ : من هذا الرجل؟؟ فقال : هذا أخي عبد الرحمن!!! الأستاذ عبد الرحمن رجل فاضل جدا وخلقه وطيبته وسماحة نفسه يشهد عليها جميع من عرفه ، وشيخنا يحبه ويثق فيه وينزل دوما في الرياض في بيته ... وذلك قبل أن يبني شيخنا بيته في الرياض والذي هو ملاصق لمنزل أخيه عبد الرحمن.. حدثني الشيخ عن مرض أخيه عبد الرحمن ..وهو صغير .. حيث أنه بقي طريح الفراش مدة من الزمن حتى يئس الأطباء من علاجه .. فبقي أهله حوله يترقبون ساعة أجله وهم بلا حول له ولا قوة... غير أن جارا لهم أو أحد أصحابهم احضر لهم طبيبا شعبيا .. ففحصه وقلبه يمينا ويسارا وهو كالجثة الهامدة .. قرر ذلك المعالج الشعبي أن يكويه في بعض مواضع جسمه .. فكواه .. ثم انتظروا عدة أيام .. فبدأ عبد الرحمن يستعيد عافيته حتى عاد صحيحا كما كان وأفضل .. والأمور بيد الله سبحانه قبل كل شيء... غير انه للأسف وبعد عدد من السنوات التي كانت فيه علاقتي مع الأخ عبد الرحمن ممتازة لم يتركه صاحبنا حتى أغار صدره علي والله المستعان.. كنت أتوقع أننا سنبقى في منزل الأخ عبد الرحمن طوال فترة بقاءنا في الرياض.. ولقد أحببت الرجل من أول ما رأيته ... وأحببت البقاء في بيته .. ألقى الشيخ محاضرة تلك الليلة في إحدى جوامع الرياض ثم توجهنا لمنزل أبناء عمومة الشيخ حيث حضر جمع لا باس فيه من الأقارب متفاوتي الأعمار .. ومنهم أخو الشيخ الدكتور عبد الله العثيمين الأديب المشهور .. ومنهم ابن الشيخ البكر عبد الله العثيمين.. وغيرهم .. بعد العشاء رافقنا الأخ عبد الله ابن الشيخ لمنزله المستأجر .. حيث أنه يقيم في بشكل مؤقت قبل رجوعه لعنيزة.. كان عبد الله مهذبا جدا وغير متحفظ .. والظاهر أن صاحبنا لم يلحق أن يفسد الأمور مع الجميع جملة واحدة ..!! في اليوم التالي .. توجهنا بعد العصر للمطار وذلك للعودة للقصيم ... حينما جئنا لتفتيش المعادن أخذ جهاز الإنذار يرن حينما مر الشيخ ؟؟ فأمر العسكري الشيخ بالرجوع وإنزال ما لديه من معادن.. ولم يعرف الشيخ.. ابتسم الشيخ ولم يرد إحراج الرجل فبدأ بخلع ساعته المعلقة في جيبه .. فدخل تحت الجهاز فرن مرة أخرى!! فعاد الشيخ وأخرج كومة المفاتيح من جيبه .. وهكذا تكرر ذلك ثلاث مرات.. حينها تقدم شاب من عائلة الشيخ للعسكري وهمس في أذنه فارتفع حاجباه .. واحمر وجهه خجلا وقال : الله المستعان هذا الشيخ ابن عثيمين ؟؟ والله ما عرفتك ياشيخ ؟؟ اللي ما يعرف الصقر يشويه ..!! ثم قبل رأس الشيخ واعتذر منه وأصر أن يصحبه حتى أجلسه عند باب السفر .. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 13 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الرابعة والعشرون عدنا لعنيزة والعود أحمد ولكن كانت تنتظرني حوادث لم تخطر على البال.. لكن رحمة الله تعالى سبقت تلك المكائد والشرور فجعلت من دون ذلك فتحا قريبا!! وصلنا للمطار استقبلنا نسيب الشيخ الأخ خالد المصلح .. وأنعم بأبي عبد الله علما وخلقا وتفانيا في الدعوة إلى الله .. والشيخ خالد من قبيلة حرب ومن عائلة ثرية ووالداه مقيمان في جده ولقد أحبه شيخنا وقربه وزوجه اكبر بناته فنعم النسيب ونعم الصهر !! وهو متخصص في علوم غير شرعية في الأصل. حيث هو خريج جامعة البترول والمعادن وعمل في التدريس فترة بسيطة ثم فصل .. والتحق بجامعة الإمام ودرس وحصل على أعلى النسب وهو الآن دكتور في نفس الجامعة وأظن تخصصه مادة العقيدة ... قادنا الأخ خالد لعنيزة وفي الطريق توقف بجوار أحد المساجد المتقدمة بأطراف عنيزة.. ودخل الشيخ للمسجد وصلى ركعتين سنة القدوم من السفر.. لم أرى شخصا محافظا على أداء السنن مهما كانت الظروف والأوضاع لم أرى مثل شيخن في ذلك، لا أقول في كثرة العبادة بل الاستمرارية في كل ظرف .. تعبدا لله تعالى.. أذكر مرة موقفا لن أنساه ... جاء أحد الطلبة للشيخ وقال له: ياشيخ أليس من وقع على يده حائل من وصول الماء إلى البشرة من صمغ أو دهان ونحوه فإنه يجب عليه أن يعيد وضوءه وصلاته إن صلى حتى ولو جهل أو نسي أو كان قليلا ...؟؟ قال : بلى... قال: ياشيخ إن على يدك أثر دهان !! وفعلا كان على يد الشيخ دهان فشق ذلك عليه .. وجلس يفكر منذ كم يوم وقع ذلك الدهان على يده؟؟ فقال لي: لقد جاءنا الدهان في اليوم الفلاني وذلك قبل أربعة أيام !! استقبل القبلة وأعاد جميع الصلوات للأربعة أيام الماضية بل بسننها والوتر والضحى .. ولم يعجل في ذلك بل صلى بكل أناة كما هي عادته!! وكان في تلك السنة يبلغ حوالي تسعة وستين عاما رحمه الله.. ختم صلاته ثم أوصلاني للسكن .. ونسيت حقيبتي في سيارة خالد.. لم أخبر أحدا من الطلبة بسفري برفقته سوى من ذكرت .. ولكن الخبر انتشر كما تنتشر النار في الهشيم.. وكنت أشاهد من غالبهم نظرات الغيرة الطبيعية والتي فطرت عليها قلوب الأوادم.. ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه الإخلاص .. أن الحسد شيء فطر عليه الخلق فهو من طبائعهم ولكن المذموم منه ما ترتب عليه تعد أو إيذاء بلفظ أو بفعل ... ولكنني لم أحاول إشغال نفسي بردود الأفعال على ذلك وعشت بينهم بكل احترام وسلام.. ولكن مع بعضهم؟؟ أو مع غالبهم؟؟ سوى صاحبنا ومن يدور في فلكه..!! ظننت أن ذلك اليوم يوم عطلة وليس هناك درس للشيخ هكذا ظننت !! وما اكذب الظن!! شيخنا لا يفرط في درسه ولو جاء من سفر بعيد قبله بدقيقة !! أذكر مرة جئت مع الشيخ من الرياض برا .. برفقة تلميذه الأمير عبد الرحمن بن سعود الكبير .. وصلنا على أذان المغرب .. سألت الشيخ : هل الليلة درس ؟؟ قال : نعم .؟ بالتأكيد إن شاء الله اذهب وأحضر كتبك وتوجه للجامع!! يقول لي أحد الطلبة الذين حضروا وفاة والدة الشيخ عليها رحمة الله .. يقول في ذلك اليوم .. توقعنا بل جزمنا أن الشيخ لن يحضر الدرس ؟؟ ولذلك كان الحضور ليس بذاك ومع ذلك حضر شيخنا وألقى درسه .. حفاظا على أمانة التعليم ... وصدق صلى الله عليه وسلم حينما قال : وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع... نسيت أن أقول أن الشيخ أحضر معه موافقة رسمية من مدير الجامعة الدكتور عبد الله التركي بقبولي في المعهد العلمي في عنيزة تحت اسم فلان الشمري!! حيث كتبت معروضا للدكتور فشرح عليه بالموافقة ..مع أن الدراسة قد ابتدأت منذ حوالي الأسبوعين !! الحلقة الخامسة والعشرون حضرت الدرس تلك الليلة وجلست في مكاني المعتاد .. صافحت جاري العزيز !! فبادلني السلام والكلام غير أن القلوب شواهد!! في اليوم التالي توجهت صباحا لبيت الشيخ لكي آخذ حقيبتي .. وكنت واعدت جاري المذكور بناء على طلبه هو !! أن يوصلني لمنزل الشيخ.. حيث قال لي : أريدك في موضوع...!! في اليوم التالي ضحى وفي الطريق لمنزل الشيخ بدأ يسألني أسئلة كثيرة تدور عن أصلي وفصلي وأين كنت أعيش ..؟؟ وأين يقيم والداي ...؟؟ ونحو هذه الأسئلة الكثيرة التي ارتبت فيها!! وارتبت في توقيتها بالذات ؟؟ أوقف سيارته أمام المنزل وتركها مدارة وبقي يسألني بوقاحة وبقصد الإيقاع بي في مصيدة..!! حتى ضجرت وارتفعت أصواتنا بالجدال والنقاش المرير ... جدال بين اثنين .. أحدهما رجل عاقل رشيد عمره فوق الثلاثين قد حصل من العلم والخير والاستقرار والحظ مالله به عليم.. والآخر ضائع مشتت في مقتبل العمر قليل الخبرة والعلم لا أهل له ولا بيت ولا مال سوى الله سبحانه وتعالى ورحمته وفضله .. قلت له : يافلان ... ؟ مالذي تريده من وراء ذلك ؟ عندها كشف أوراقه وقال : أنت كذبت في كل ما قلته !! ولقد عرفت حقيقتك كلها!! أنت رجل خطير .. أنت اسم قبيلتك الحقيقية كذا ووالدك هو كذا وكذا .. ثم أخذ يسرد حقائق ووقائع تدل على أنه قد تقصى عني حتى عرف عني كل شيء!! ثم ختم كلامه بقوله: أنا اتصلت بوالدك بالأمس وتحدثت معه وأخبرني بأنك فار من المنزل وأنك قد أوقعته بحرج شديد بفعلك وتركك لدراستك ... الخ الكلام .. ثم حينها : انقلبت تعابير وجهه فاسود وتساقط الشرر من عينيه .. وقال: أقسم بالله إن لم تغادر عنيزة وتترك الشيخ سأفعل بك وأفعل ...!! وهددني بكلام لا ينطق به عاقل فكيف بطالب علم !! لم يكن يهمني كلامه بقدر أن أهمني أن يعلم شيخنا بذلك ... فرق كبير أن أخبر الشيخ أنا بالحقيقة من قبل أو أن يخبره ذلك الرجل بما يريده..!! هناك فرق شاسع لمن يعلم طبائع الناس بينهما... ولا شك أن الحقيقة الناصعة هي سلبية مهما كان الناقل .. أنا أم هو غير أن الأمر يختلف كثيرا حينما يفسر ولو لم يكن له تبرير منطقي!! ثم طردني من سيارته وذهب .. بقيت أمام باب الشيخ منتظرا لأكثر من نصف ساعة وأنا متردد ماذا سأفعل؟؟ إن رجعت للسكن وسكت فالعواقب غير معلومة.. وإن تحدثت مع الشيخ الآن فلا ادري هل سيقبل مني أم لا ؟؟ احترت حيرة لا يعلم مداها إلا الله تعالى... لقد مرت علي في الشهور الماضية التي قضيتها في عنيزة مرت علي أيام جميلة.. ولحظات لا تنسى من الجد والاجتهاد .. هل يذهب كل ذلك سدى؟؟ هل سيضيع كل ذلك بجرة قلم أو كيد حاسد؟؟ أنا مخطئ لا شك فيما فعلته .. ولكن هل قصدت ارتكاب ذلك الخطأ؟؟ لم أكن مجرما والله أو مرتكبا لعظيمة والحمد لله .. هي أخطاء ولو كانت في نظر البض جسيمة بنيت على السفه وعدم تقدير الأمور حق قدرها.. بنيت على عدم الناصح والمرشد الصدوق قبل ذلك .. بنيت على الحرمان والضياع والخوف ... هل سأحرم من ذلك العلم الجليل بسبب ذلك الخطأ ؟؟ هل سينتهي كل شيء الآن ...؟؟؟ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 14 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة السادسة والعشرون أخيرا قررت أن أطرق الباب على بيت الشيخ .. وليست غايتي هي حقيبتي أو أي شيء آخر !! كنت أريد التأكد فقط هل علم الشيخ بكلام صاحبنا ؟؟ طرقت الباب .. فرد ت علي امرأة من سماعة الباب ... فسألت عن الشيخ ... فقالت من يريده ؟؟ فقلت : فلان..... فلم تجبني وأغلقت الخط في وجهي ...!! وبعد دقيقة أو دقيقتين .. خرج الشيخ وبيده الحقيبة .. ركزت النظر في عينيه ووجهه.. كنت أتوسم في تعابير وجهه ،فرأيت منه ابتسامته المعتادة !! غير أنها هذه المرة متكلفة ومصطنعة !!! بل ومعها احمرار شديد في بشرة الوجه !!! سلمني الحقيبة ببرود متوقع وقال : انتظر الابن عبد الله و سوف يوصلك الآن للسكن.. ثم دخل وقد بدا لي أنه يستعجل الذهاب !! يبدو أن عبد الله قد وصل برا لعنيزة في الليلة الماضية .. ولا شك أن هناك أمرا جللا عجله أو شيئا آخر!!! خرج عبد الله ووضعت الحقبة خلف السيارة ثم جلسنا في المرتبة الأمامية.. الأخ عبد الله رجل جريء وصادق ولا يعرف اللف والدوران ولذلك دخل في الموضوع مباشرة!! وقال: من أنت ؟ ومن بعثك؟ أنت رجل ثبت لنا أنك مخادع وكذاب .. وكذبت على الوالد في أمور كثيرة ..... وانطلق يتكلم بكلام كثير لا أستجمعه ... بقيت صامتا طوال المسافة القصيرة للسكن .. والتي مرت علي كأنها دهر !! لم أناقشه ، ولم أحاول الرد على كلامه .. فواضح جدا أنه قد ملئ قلبه علي والله شاهد لم أصدق وصولنا للسكن .. بقيت متسمرا مكاني وخفت أن يختم بكلامه بلطمة على وجهي .. وليته فعل ولم يتكلم بكلامه الذي تفوه به...!! ثم قال لي : انزل وخذ حقيبتك ... نزلت ثم لحقني وقال : والله ما أضمنك تحط لي شيء في السيارة؟؟ ثم حملت متاعي وصعدت لغرفة السكن والحمد لله أنني لم أجد فيها أحدا!! سقطت على فراشي وبقيت أبكي بكاء الثكلى .. كان موقفا هائلا وكلاما شديدا يصعب على من هو في سني تحمله .. لقد وصفت بأقذع الأوصاف، ورميت بتهم عظيمة لا استحقها والله ؟؟ لكن هل ألومهم ؟؟ أنا لا ألوم عبد الله ابن الشيخ ولا عبد الرحمن أخ الشيخ ولا عائلة الشيخ لا ألومهم ولا أحمل الضغينة عليهم والله الآن .. لقد مرت على تلك القصة سنون عديدة .. فهي الآن فقط ذكريات بقيت في الخيال .. هم بشر وقد نقل لهم عني ما يسئ .. وثبت لهم بعض ما نقل عني فكانت تهمة متلبسة بجميع تفاصيلها!! يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ربما يكن أحدكم ألحن بحجته فأحكم له فيقتطع قطعة من النار .. إنما أنا بشر !!!) إذا كان هذا من رسول الله فما بالك بمن سواه.. اللوم كثير منه يقع على ذلك الناقل اللذي امتلاء قلبه حقدا وغلا علي لا لشيء سوى ظنه الغبي أنني جئت لأجل منافسته على المكانة التي حصل عليها من شيخنا.. هل كل من كان أكثر علما هو خير الناس ؟؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الحسد ليأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ما فائدة العلم الذي تعلمناه إذا كان سيوصلنا لهذه الحال...؟؟؟ اللوم أيضا يقع علي أنا في عدم إخبار الشيخ بالوقائع فور قدومي لعنيزة .. ولا اشك ثانية واحدة أن شيخنا لن يتردد في حلها بصرف النظر عن علاقتي به.. فهو رجل علم وإصلاح ورأيت من المواقف ما هو أصعب من مواقفي سعى شيخنا بحلها والإصلاح فيها ... كدت أجن من الحزن والهم والضيق لم أكن أعلم مالذي سأفعله ... أذن الظهر فلم أطق الاستعداد للصلاة ... انتظرت قدوم الشيخ للمسجد.. حيث يمكنني مشاهدته حينما يقدم ماشيا ..من نافذة غرفتي ... وحينما رأيته قادما زادت حسرتي وألمي عليه وعلى تلك الساعات التي قضيتها معه ولو أنها قليلة ولكنها باهظة الثمن!! قلت في نفسي: ما ذنب شيخنا من هذا كله ؟؟ أنا الملوم وأنا من يستحق اللوم ؟؟ أنا الذي أسأت إليه ويجب علي بصرف النظر عن كبر الخطأ وصغره يجب علي أن اعتذر منه.. وأشرح له ما حصل .. استجمعت قواي ونزلت للمسجد وصليت مع الجماعة .. وبعد الصلاة رافقت الشيخ لبيته ... لم يكن يلتفت إلي مع أنني كنت أسير بجواره فعلمت أن الشيخ غاضب مني .. والله المستعان وعليه التكلان ....... الحلقة السابعة والعشرون حينما رأيت الشيخ معرضا عني سبب لي ذلك صدمة عنيفة.. صحيح أنني نعمت بظل أبوته لفترة وجيزة من الزمن .. غير أنها لا يمكن أن تعوض!! خنقتني العبرة وكدت أبكي بمشهد الناس .. لاحظ الشيخ ذلك بالتفاتة سريعة منه نحوي ... فأشار للجميع بالرجوع وبقيت أنا وهو نمشي دون أن نتكلم بكلمة.. واضح أن الأمر محرج للشيخ وأنه شعر في نفسه بخيبة الأمل .. فقد كان يطمح مني شيئا غير ما فعلت فيه .. لقد كان اهتمامه بي نابعا من سماحة نفس ورغبة في تنشئتي تنشئة صالحة وهو فضل منه بعد فضل الله ولو شئت لحدثتكم بكلمات وعبارات من شيخنا فيها من الرحمة والعذوبة واللطافة أملاء بها صفحات وصفحات .. غير أن القصد من هذه القصة هو تسليط الضوء على جزء من حياة شيخنا قصة هو بطلها وهو مخرجها وهو كاتب حروفها غير أني راصد وأحكي لكم ما صار . والله على ما أقول شهيد... وصل لبيته ، فقلت له ياشيخنا : اسمح لي بالحديث معك في داخل البيت .. فقال : لا بأس ... دخل للمنزل ورد الباب ثم فتح باب الملحق الخارجي .. وأنا انتظر الشيخ ليفتح باب الملحق مر صاحبنا الذي نفخ بوق هذه الفتنة بجوار المنزل.. فلما لمحني وحيدا وأهم بالدخول للمنزل غاب بسيارته خلف البيوت المجاورة.. أصبحت كالطريدة بالنسبة إليه وخيل إلي أنه كحيوان مفترس يريد النيل مني !! دخلت للبيت وتوجه الشيخ للقبلة لصلاة السنة الراتبة للظهر... جلست بجوار مكان جلوسه المعتاد في صدر المجلس .. صلى ثم سلم ثم دنا من مكانه فقال : هات ما عندك!! بدأت بحمد الله والصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام .. قلت يا شيخنا: لقد كنت شابا حبب الله لي العلم وطلبه.. .. فمنذ التزامي واستقامتي وأنا منصرف له بكل ما أوتيت من طاقة وجهد .. ثم رويت للشيخ تفاصيل أموري مما سردت بعضه عليكم في الحلقات الماضية .. وحدثته عن مشكلتي مع الوالد .. وكذلك عن سفري للرياض.. ثم تعرفي على سعود المعاشي .. وقصة الانتساب لقبيلة شمر ... حتى وصلت للقصيم .. كنت أتحدث معه والعبرة تخنقني .. وأحاول جاهدا أن لا أفقد أعصابي .. لم يكن الشيخ يقاطعني بل كان يستمع لي بكل إنصات .. مع أن ملامح وجهه لم يظهر منها علامات القبول لكل ما كنت أقوله .. وله الحق في ذلك فالتهمة قد ضخمت حتى وصلت لحد أطلعكم عليه لاحقا.. حيث لم أعرف كل شيء آنذاك... شيخنا رجل أريب ولماح وشديد الذكاء .. فهو يميز الغث من السمين ويزن الأمور بموازين دقيقة .. هذه الموازين والمقاييس أو المعايير ليست مبنية على الهوى والظن والتشكك والبناء على ذلك.. بل هي مبنية على سبر الأغوار ودراسة المسألة من جميع وجوهها مع خشية الله تعالى وتأله ومراقبة وابتغاء مرضاته لا تأخذه في الحق لومة لائم .. وهكذا العلماء هم قال الله تعالى ( إنما يخشى الله من عباده العلماء)... بقيت أتكلم أكثر من ساعة كاملة .. فلما ختمت حديثي قال لي: ما فعلته خطأ وتصرف أهوج .. ولو أنك أطلعتني من أول الأمر على ما حصل .. لأمكننا التصرف .. ولكن قدر الله وما شاء فعل... أذهب الآن للسكن ، وسوف أرى ماذا يمكننا عمله.. قبلت رأس الشيخ وخرجت وأنا خائر القوى لا أكاد أستطيع السير.. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 15 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الثامنة والعشرون رجعت للسكن وانتقلت لغرفة الأخ محمد زين العابدين بأمر من الشيخ!! هل هو تحفظ علي ؟؟ لكي يراقبني؟؟ أم كان ذلك بسبب آخر أجهله ؟؟ كان الأخ محمد هو غالبا الوسيط بيني وبين الشيخ وقد لمحت مرارا الأخ محمد يلتقي بصاحب الفتنة!! لا أقصد من ذلك أبدا أن أتهم الأخ محمد ، فراية محمد والله عندي بيضاء ولكنه رجل حصيف يسعى للإصلاح والتقارب بكل الوجوه الممكنة . لقد كانت ردة فعله طوال المشكلة أنه لم يظهر الانفعال والغضب بل كظم غيضه وانتظر ما تصير عليه الأمور بيني وبين الشيخ... تغيرت الوجوه علي وتنكرت النفوس وضاقت علي الأرض بما رحبت .. أصبح السكن بالنسبة لي ككابوس مخيف ونفق مظلم لا نهاية له لم يؤذني أحد بكلام أو فعل الحمد لله ، ولكن كانت مجرد النظرات والصمت الرهيب حولي يولدان الكآبة والحزن والأسى في نفسي .. لم يكن الطعام في السكن مع الطلبة لي مستساغا بل أصبح غصة في الحلق .. ولذلك لم أحرص على مخالطة الطلبة ولا أن أتحدث معهم .. كنت أطلب من علاء الدين أن يعطيني الطعام فأذهب به لغرفتي أو أن أنتظر خروج الطلبة فآتي فآكل من الطعام البارد وحدي.. كنت أجلس في الغرفة اقرأ القرءان .. حينما يمر المرء بأوقات عصيبة فإنه يحتاج لمن يؤنسه .. لقد كان أنيسي في تلك الليالي القرءان وأنعم به من أنيس.. لقد كنت أقرأ السور بتأن وتدبر وأشغل فكري بمعانيها العظيمة مما أفهمه وأدركه .. فيكون في ذلك من الأنس والتطمين والترويح ما جعلني أغتبط بما أنا فيه!! من السور العظيمة التي قرأتها مرارا وتكرارا سورة يوسف .. حيث كنت كلما وصلت لمقطع انكشاف شخصية يوسف لإخوته وقد صار سيد مصر تصيبني نوبة بكاء ثم يتبعه أمل واستبشار قريب بفرج الله تعالى.. من السور التي تأثرت بها كثيرا في تلك الأيام سورة فاطر!! إن في هذه السورة من المعاني والعبر والتوجيهات والإشارات العظيمة مالو تأمله المرء لخرج بآلاف مؤلفة من العبر والفوائد.. من السور التي تأثرت أيضا بها سورة القصص وقصة موسى عليه السلام وإلقاء أمه له في التابوت وخوفها عليه ثم عيشه وترعرعه في بيت عدوه وما وجده في حياته من العنت والمطاردة والخوف حتى بعثه الله سبحانه وتعالى لفرعون وقومه وبني إسرائيل ... القرءان يا إخوتي الكرام يا أخواتي هو خير صديق ومؤنس في الشدائد وصدق الله تعالى حينما قال ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) في ذاكرتي عن تلك الأيام تشويش رهيب فكلما طرقت باب الذاكرة لكي تفتح لي نافذة أو كوة أو خرقا صغيرا نحوه ترفض ذلك رفضا قاطعا ..!! كأنها تقول لي : مالك ومال تلك الأيام ...!! ألم يكف ما تجرعته فيها من آلام هائلة!! دع تلك المآسي في جوفي ، ولا تفتح الباب فتفسد على نفسك ما بقي من عمرك!! فيكفيك ما أنت فيه الآن من متاعب أنت في غنى عن المزيد منها ..!! وخوفي أن يأتيك ما كنت تظنه عبرة وعظة للآخرين فيكون في مجرد ذكره تعجيل حتفك !!! فهل تريد الآن أن تنبش الأوجاع وتعيد الذكريات الحزينة!! قلت لها : دعينا يا ذاكرتي الحزينة دعينا نروي للناس ما حصل حتى يعتبروا من حالي .. وليعلموا كيف أن رحمة الله سبقت سخطه وعقابه .. حينما هبت جنود أبليس وأعوانه لنجدة أشرار الناس في النيل من علم الأمة دعيني أحكي لهم كيف طردني الناس ورموني بالأحجار حتى فررت منهم على قارب صغير غرقت به في منتصف البحر .. فبقيت أسبح وأسبح حتى وصلت للشاطئ المقابل!! ولم أكد أصل !! ثم زحفت على بطني على الرمال حتى ارتفعت على تلة في الشاطئ.. تشرف على غابة أمامي ... فتجولت بناظري حولي فرأيت من خلف الأشجار المظلمة .. عيونا لا تختلف نظراتها عن تلك النظرات التي فررت منها .. والتي تطورت حالها من مجرد العتاب أو الحقد ليتبعها الإيذاء والمطاردة!! حينها سقطت مغشيا علي ... دعيني أروي لهم كيف أن شيخنا لمحني من بعيد ملقيا على شاطئ الأحزان.. فجاء ذلك الشيخ الجليل يسير من داخل تلك الغابة ووقف على رأسي ... فرآني لا يكاد يسترني ثوب من العري.. قد تشققت أشداقي من العطش .. وقد ضمر بطني من الجوع وقد تتابعت أنفاسي الضعيفة من الجهد فكدت اتلف وأموت ... حينها انحنى الشيخ نحوي .. ووضع يده الباردة على وجهي ومسح بها دمعتي وقال: لا تحزن يابني إن الله جاعل لك فرجا قريبا !! الحلقة التاسعة والعشرون لقد ولد الصمت الرهيب حولي بعد تلك الجعجعة التي مرت في الرياض ولد ذلك في نفسي فراغا وخواء ورغبة في الموت أو الانتحار!! ليس هو الانتحار بمعنى إزهاق الروح بل بالعودة من حيث أتيت !! لم أترك فكرة تدور في خلد أي إنسان إلا وفكرت فيها .. بقيت معلقا بين السماء والأرض أيهما يجذبني .. حين ذلك وأنا في معمعة الفكر استدعيت من الشيخ ..من طرف الأخ محمد زين العابدين قال لي شيخنا: استمر في حضور الدرس مثلك مثل الآخرين ولا تقصر في الطلب .. وسوف أتحدث مع والدك في الموضوع أو أنه قال : لقد تحدثت مع والدك في الموضوع ؟؟ نسيت والله ..!! والنتيجة : إن خطأك وجسارتك على والدك وهروبك من المنزل وتركك لدراستك وتغيير نسبك كل ذلك لا يجوز أن يمنعك من طلب العلم.. كان الشيخ كمثل الطبيب يشخص المرض ويضع يده على موضع الألم ثم يقرر الدواء .. هل سيكون بالبتر أو بالترياق أم بالحمية؟؟؟ قلت له: جزاك الله خيرا إن كلامك هذا يعطيني بصيص أمل .. لم أطل معه الحديث ... عدت بعدها للسكن .. أتعرفون مالذي فعله صاحبنا ذاك؟؟ لقد صار يصحب شيخنا مشيا على قدميه بعد كل صلاة لظنه أنني لن أجرؤ على السير مع الشيخ بحضوره!! ظن ذلك المسكين أنني بمجرد ذهابي مع الشيخ بعد الدرس فقد كسبت وده ..!! إذا فما حال عشرات الطلاب الآخرين ؟؟ هذا من فضل الله تعالى علي والحمد لله .. في البداية هبته وخشيت شره وبطشه خاصة بعد الذي فعله في من إساءة وتشويه سمعه.. ولكنني عدت لسابق عهدي فحينها مل وتراجع !! ولكنه لم يعدم حيلة لمنعي من الخير .. كلف شخصا اعرفه جيدا بمراقبتي فكان ذلك المعتوه يسير خلفنا بسيارته السوداء وينتظرني بعد كل صلاة فيسير بالسيارة حتى يصل الشيخ لبيته حينها أسلم على الشيخ وارجع!! شعر الشيخ بعد أيام بما يفعله الرجل فاستدعاه وسأله مالذي يفعله ومن كلفه بذلك ؟؟ فتعذر بأعذار يعيب علي ذكرها هنا !! حينما عزمت على حضور الدروس بعد الحديث مع شيخنا .. وجدت أن مكاني قد سيطر عليه شخص آخر جاء من طرف جاري القديم!! ولكنني لم استسلم لهذا التعامل الرخيص البليد... صرت احضر مبكرا وأنازع على المكان الذي حافظت عليه شهورا حتى دان الجميع لي بذلك.. كنت اجلس بجوار ذلك الحقود ولكن بيني وبين قلبه كما بين المشرق والمغرب!! والحمد لله يشهد علي جميع من عرفني أنني لم أتفوه نحوه ولا في ظهره بعبارة واحدة تسيء له.. بل كنت أقر بفضله وعلمه وسبقه مع بغضي لفعله معي والله حسيبي وحسيبه بعد عدة أيام استدعيت من الشيخ مرة أخرى وهذه المرة مع محمد زين العابدين.. أذكر تلك اللحظة جيدا كانت بعد صلاة عشاء .. سرنا ثلاثتنا إلى بيت الشيخ دون مرافق آخر .. كان الشيخ يتكلم ونحن منصتون، يقول لي:.. فلان قد حمل عليك ويريد منك أن تترك عنيزة وهذا لا حق له فيه ولا أوافقه عليه .. ولكن أنت يجب عليك أن تحاول كسبه والتودد إليه ..! أو ابتعد عنه ولينصرف كل واحد منكما لطلب العلم ... ثم عاتبني الشيخ في تحدثي مع الرجل ذاته سابقا في أمور تخص الشيخ وكيف أن الناس سيستغلون ذلك ضدي!! وأنه زعم أنني جاسوس مدسوس ضد الشيخ !! وكلفت بالتقرب منه لكي أكسب ثقته ومن ثم أطلع على أسراره وخصوصياته .. فابعثها لمن اتبعه!! فقلت له ياشيخ : هل تصدق هذا الكلام ؟؟ صمت الشيخ ولم يرد أن يسمع الأخ محمد جوابه !! خوفا من أن يصل الكلام لصاحبنا فيفهم أن الشيخ في صفي وخيرا فعل !! وعدت شيخنا خيرا وأن استمر في العلم وفي دراستي النظامية إرضاء لوالدي .. فقال : سوف أتصل على والدك حتى يأتي هنا لكي أتفاهم معه!! فقلت له : افعل ياشيخنا ما تراه الأصلح وأنا أرضى به .. ثم طلب الشيخ مني التأخر قليلا ليتكلم مع محمد على انفراد .. فتكلما قليلا وهما يسران .. ثم دعاني الشيخ.. فكرر علي كلامه السابق كأنه يتوثق مني ثم قال .. سوف أسافر بعد أسبوعين لمكة لأداء العمرة وسوف اطلب من والدك الحضور لمقابلتي هناك!! ولم يذكر لي هل سأرافقه أم لا؟؟ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 16 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الثلاثون لقد كانت تلك القضية على طوال عدة أيام وقد تتجاوز الأسبوع مثار قلق لشيخنا فأشغلت باله وتفكيره .. خاصة وان صاحبنا لم يترك طريقة أو وسيلة للنيل مني إلا وفعلها.. ولولا خوفي من غضب بعض الإخوة ممن يعرف الرجل لحدثتكم بأشياء فعلها وقالها لا تكاد تصدق ..!! لقد سعى صاحبنا في البداية للنيل من شخصي ووجد مبتغاه في بعض الأمور.. ولكنه حينما رأى الوضع توجه للهدوء،أراد إثارة زوبعة أخرى ولكن هذه المرة من داخل بيت الشيخ !! لا أريد سرد تفاصيل ما حدث مما قد يفهم منه النيل من أبناء الشيخ وزوجه وولده وأقاربه.. فهم والله كرام أبناء كرام ولهم في قلبي كل المعزة والاحترام ويزيد حقهم علي بصلتهم بشيخنا رحمه الله ومهما بدر منهم فلا ألومهم واللوم كله أو جله يقع على ذلك الرجل وعلي أنا في جزء منه كما سبق بيانه.. لقد سعى صاحبنا ذلك فأفسد قلوبهم علي فرأيت منهم من الجفاء والكره والتأفف ما حطم فؤادي وشق صدري من الأسى .. غير أنه لم يكتف بذلك بل إنه أفسد قلب بعض أقارب الشيخ على الشيخ نفسه .. ولو شئت لذكرت ذلك بالأسماء والمواقع وما قاله، ولكن حفظا لسر شيخنا وعدم الفائدة من ذلك ثانيا أمتنع عن فتح الباب ... ولقد آذى ذلك شيخنا وضيق صدره حتى حنق على الرجل كما سيأتي ذكره لاحقا إن شاء الله.. مرت الأيام وأوشكت الأمور أن تعود كسابق عهدها ... تأثر بعض الطلبة بتلك الواقعة حيث هجرني عدد منهم استهجانا لفعلتي .. انتقل الأخ محمد من السكن وعين الأخ دخيل الشمراني مشرفا على السكن لفترة وجيزة لم تطل.. استدعاني مرة وكان يحمل في يده ملفي الذي كان في أدراج ملفات طلبة السكن فقال لي: أنت لست من قبيلة شمر ؟ أنت من قبيلة كذا؟؟ فقلت له : هذا الموضوع لا يعنيك ثم انصرفت وتركته!! كفاني ما أنا فيه من مشاكل حتى أفتح على نفسي جبهة جديدة!! أذكر أنني في تلك الأيام التي سبقت سفري أن أموري مع الشيخ كانت على ما يرام.. وفي إحدى الليالي بعد صلاة العشاء طلبت من شيخنا أن يوفر لي جهاز تسجيل صغير.. لكي أقوم بتسجيل فتاويه التي يلقيها في طريقة للبيت مما يصلح للنشر.. أعجب الشيخ بالفكرة ولا أدري هل سبقني عليها أحد؟؟ أشترى لي جهازا ممتازا وباهظ الثمن ولكنه ثقيل الوزن وينفع للضرب!! لا تستعجلوا علي سأحكي القصة لا حقا!! طلب مني الشيخ أن أستعد للسفر برفقته لجده ... حيث أنه رتب مع والدي اللقاء هناك.. بعد أداء العمرة... لم أجرؤ على أن استفسر من الشيخ ما دار بينه وبين والدي !! وكنت في نفسي أقول ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوؤكم)! اشتريت التذكرة بالدرجة السياحية ... على ذات الرحلة مع الشيخ... ظن صاحبنا أن الموضوع انتهى وأنني لن أعود لعنيزة فقد كان على اتصال بوالدي طوال الأسبوعين المنصرمة كما سيأتي ذكره .. ولذلك لا حظته مبسوطا مستبشرا مع الطلبة بخلاف الأيام الخالية فهو لا يكاد يرفع رأسه من الغيظ والغضب..!! سألت الشيخ هل ستعتمر ؟ قال نعم.. فقلت : هل أشتري لي إحراما ؟ فقال : إن شئت... في يوم السفر توجهت لمنزل الشيخ فطرقت الباب .. ففتح لي باب الملحق... لقد فتح لي الباب شاب في سني تقريبا وفيه شبه كبير بوجه شيخنا .. هذا هو عبد العزيز ابن الشيخ .. تعرفت عليه ، وفهمت من كلامه أنه سيكون برفقتنا!! الحلقة الواحدة والثلاثون قادنا للمطار هذه المرة ابن الشيخ عبد الله وشيعنا للمطار تقريبا جميع أبناءه كان الشيخ متوترا على غير العادة وقليل الحديث وأنا أتفهم سبب ذلك!! فلقد كان غالب أبناءه متوجسين من وجودي ويعتبروني دخيلا غير مرغوب فيه.. وصلنا للمطار على موعد الإقلاع تقريبا ... سألني الشيخ ونحن متجهون للطائرة أين إحرامك؟ فقلت له في الكيس الذي أحمله في يدي.. قال : لو أنك لبسته في بيتك كان أسهل عليك ... لاحظت أن الشيخ يلبس الإزار من تحت ثوبه بحيث أنه إذا حاذى الميقات خلع ثوبه ثم يلبس الرداء ... وهذا ما كان ... بقيت أنا وعبد العزيز ابن الشيخ متجاورين في الدرجة السياحية .. ووالده شيخنا في الدرجة الأولى حيث هو مستضاف من مركز الدعوة في جده لإلقاء محاضرات وندوات ولقاءات عامة ونحو ذلك مما سيأتي ذكره .. كان لعامل السن دور كبير في تسهيل التعامل مع الأخ عبد العزيز .. وكذلك لين جانبه وتمتعه بالأخلاق السامية جعلا من رفقته مكسبا لي .. حاولت جاهدا أن أغير الصورة التي رسمها ذلك الرجل عني في مخيلة جميع أبناء الشيخ وأقاربه ، غير أنني لم افلح فهو بهم أوثق ومنهم أقرب وعلاقته أرسخ وأقدم!! وأنا في موضع تهمة وغريب وثبت علي ما يخل بوضعي !! ولكنها بالتفحص والنظر المنصف ليست مبررا للهجران والقطيعة أو الظلم والإيذاء!! بقيت أتحدث أنا وعبد العزيز في أمور عامة وتجنبنا الحديث في الأمور الخاصة فقد كان كلانا متحفظا!! سمعت كابتن الطائرة يقول على الميكرفون .. نرحب بفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين المرافق لنا على هذه الطائرة .. بعد انقضاء أكثر وقت السفر واقترابنا من الميقات جاء إلينا الشيخ بنفسه .. وهو لابس للإحرام ولحيته تقطر من طيب الدهان .. ويرى أثره على لحيته البيضاء.. فقال لنا : قوما والبسا إحرامكما ولبيا للعمرة ... لبسنا الإحرام ولبينا ودخلنا في النسك.. هبطت الطائرة لمطار جده ... وتوقفت وفتحت أبوابها ... خرجت أنا وعبد العزيز من الباب الخلفي للطائرة .. وكان همنا أن نجد الشيخ.. ونحن ننزل من الدرج لاحظنا عددا من السيارات الفارهة تقف أمام سلم الطائرة لتستقبل ضيوفا لا نعلم أننا نحن المقصودون بذلك!! كان الشيخ واقفا يصافح حشدا من الناس أمام السلم مباشرة .. توجهنا للشيخ فأشار لابنه عبد العزيز وإلي أن أركبا مع أحد السيارات.. ركبنا في السيارة وخرجنا من المطار.. وتوجهنا لحي الروضة في جده.. توقفت السيارات أمام بيت فاره كبير ذا لون أبيض .. أنزلنا حقائبنا وثقلنا ودخلنا البيت لكي نرتاح قليلا.. هذا المنزل هو المكان الذي اعتاد شيخنا النزول فيه كل مرة ينزل لجده.. وهو منزل الوجيه الشيخ صالح بن إبراهيم الزامل.. هذا الرجل الكريم صاحب المرؤة العالية والنبل النادر المحب للعلماء .. رجل قد أغناه الله من واسع فضله .. فهو من أثرياء ووجهاء جده يقول لي أحد معارفه: كان أبو إبراهيم رجلا مقبلا على الدنيا يملك القصور والفلل في سويسرا ولندن وأمريك ثم إنه تاب إلى الله تعالى وتوجه للطاعة فتصدق بجزء كبير جدا من ماله .. يحبه شيخنا حبا جما ، ويكرمه بالنزول في ضيافته كل مرة .. سمعت من شيخنا ثناء عاطرا على هذا الرجل ونعم الرجل أبو إبراهيم .. بارك الله له في ماله وولده.. مكثنا قليلا ووضع لنا الغداء وبعدها توجهنا لمكة لأداء العمرة... كان مرافقنا بالإضافة إلى الشيخ صالح الزامل هو دليلنا الآخر الأخ علي السهلي.. وهو شاب محب للعلماء من سكان جده ويتحفك بالحديث والطرائف .. فيكون النصب والإرهاق في صحبته متعة!! بارك الله فيه وجزاه الله خير الجزاء... كان الشيخ طوال الطريق يلبي ويرفع صوته بالتلبية .. حتى يكاد يبح صوته من ذلك.. كنت أراقبه وأفعل مثل ما يفعل وأقول مثلما يقول... وكان يقطع أحيانا ذلك بالحديث معنا والسؤال عن شيء يهم.. غير أنه في الغالب لا ينقطع عن الذكر والتسبيح... | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 17 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الثانية والثلاثون وصلنا للحرم قريبا من أذان العصر صلينا العصر في الحرم ... كان الشيخ يقول : سبحان الله، انظروا، توضأنا في عنيزة وهانحن نصلي في مكة!! اضطبعنا كما هي السنة ثم بدأنا بالطواف.. كان الشيخ يسرع في خطاه حتى يكاد أن يجري .. وهو ما يسمى الرمل وكنا نفعل مثل ما يفعله خلافا لكثير من الطائفين .. لاحظنا أحد العاملين في تنظيم المعتمرين حول الكعبة .. وهو رجل كبير في السن عليه عباءة مزررة باللون الذهبي.. مر بجواره الشيخ فلم يعرفه فنادى على الشيخ : إن ما تفعله بدعة وخلاف السنة..!! فلم يلتفت إليه الشيخ ولم يرد عليه.. وحينما مر بجواره المرة التالية كرر عليه الكلام .. حينها رد عليه الشيخ وهو يسير (والرجل يلهث خلفه ويمسك بمنكب الشيخ يريد إيقافه!!) قائلا : قد ثبت بالنص أن ذلك من السنة وروى له الحديث .. ثم دفع يده واستمر.. ثم قام الشيخ صالح الزامل وهمس في أذن الرجل وقال له : الشخص الذي تتكلم معه ، هو الشيخ محمد بن صالح العثيمين عضو هيئة كبار العلماء!! تأفف الرجل وقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ،والله ما عرفت الشيخ .. بعد انقضاء الأشواط الثلاثة التي يرمل فيها ، مشينا مشيا عاديا ولحق ذلك الرجل بنا واعتذر من الشيخ .. لا يحب شيخنا أن يعرف نفسه لأحد فذلك ليس من شيمه .. إلا إن رأى حاجة لذلك .. من المواقف التي أذكرها جيدا .. في سنة من السنوات كنت أسعى بين الصفا والمروة معه ... وكان الشيخ بطبيعة الحال محرما ..وكثير من الناس لا يميز جيد ا حينما يكون محرما..فهو بخلاف الشكل المعتاد له.. مررنا بجوار رجل في الخمسينيات يحمل مصحفا في يده ويلبس نعلا في المسعى.. فاقترب شيخنا منه وقال له: لا ينبغي لك يا أخي أن تسير في المسعى بنعلك.. فالتفت للشيخ ولم يعرفه وأخذه طولا وعرضا وقال: هذا من السنة!! فقال له الشيخ : نعم هذا من السنة حينما كان الصفا والمروة واديا مفروشا بالحصى والتراب.. أما الآن فهو مبلط ولو لبس الناس النعال مثلك لتأذى المصلون من ذلك .. فقال الرجل : هذا أمر لا يعنيك وانصرف وترك الشيخ !! فلحقه شيخنا وقال له : أريد أعرفك بنفسي ، أنا أخوك في الله محمد بن صالح العثيمين!! فقال : هو أنت ؟؟ الشيخ؟؟ قال : نعم أنا !! فانحنى الرجل وحمل نعله وقال : والله ياشيخ ما عرفتك سامحني!! وقبل رأس الشيخ واعتذر منه ... وهي تحية تعورف أنها للعلماء!! فقال الشيخ : سامحك الله يا أخي .. لو أنك عرفت الرجال بالحق خير من أن تعرف الحق بالرجال!! ومن المواقف التي أذكرها جيدا .. أنه ذات مرة كان الشيخ خارجا من باب الصفا من الدور الثاني بعد صلاة العشاء .. فلمح عاملا سعوديا في البلدية يطارد امرأة تكر ونية ممن يبعن أمام الحرم بعض الخردوات والزينة والنعال.. كانت تجري وتحمل متاعها الملفوف في قطعة قماش وتصيح وتولول.. والرجل يجري خلفها يريد الإمساك بها.. وكانت امرأة كبيرة في السن وهو شاب نشيط فلحقها على درج أحد البيوت فأمسك بمتاعها.. فأخذت تصيح وتترجاه وتبكي بصوت محزن يقطع الفؤاد .. وهو لا يلتفت إليها ولا يرد عليها.. فرأيت الشيخ أحمر وجهه وامتلئ غضبا وتوجه لذلك الرجل .. فأمسك به بشدة ونزع القماش من يده وألقاه في يد العجوز فطارت به واختفت عن ناظرنا.. وقال لذلك الشاب الذي صعق من الموقف ولم يتوقعه ويستعد له.. وكانت علامات الخوف والتعجب ظاهرة على ومحياه قال له: اذهب لمديرك وقل له إن ابن عثيمين قد أطلق تلك المرأة وسوف أتحمل المسئولية عن ذلك !! أعتذر من الشيخ وقبل يده ورأسه وانصرف ... الحلقة الثالثة والثلاثون وهكذا انتهينا من مناسك العمرة وكانت سهلة ميسرة .. واعتمرت عمرتي التي أعتبرها أول عمرة أعملها قريبة أو هي على السنة على الإطلاق.. توجهنا للحلاقين اللذين على باب المروة .. وكعادتهم يصرخون على المعتمرين كل ينادي على محله.. فاختار الشيخ رجلا كبيرا في السن من الباكستان ولحيته حمراء .. وقال ذلك الرجل له : أنا أعرفك أنت فيه مطوع كبير !! حلق الشيخ وحلقت، وأبى عبد العزيز أن يحلق بل كان يريد التقصير .. فقال له الشيخ : ياولدي أكسب دعوة رسول الله حيث دعا مرتين للمحلقين ، ففعل.. انتهينا من الحلق ، وتوجهنا للسكن وهي عبارة عن شقة تابعة لأحد أصحاب الشيخ تقع أمام باب المروة مباشرة ، وقد هدت لاحقا ... حصل لي في تلك العمارة موقفان لا أنساهما أبدا .. ولعل فيهما طرفة !! واسمحوا لي أن أحكيه لكم فيها لا تخلوا من فائدة ودعابة !! كانت الشقة التي نقيم فيها في الدور الأخير وهو العاشر .. وذات مرة في إحدى الزيارات لمكة .. صعدت مع الشيخ .. على مصعد الشقق الوحيد وصعد برفقتنا الشيخ سعد البريك الداعية المعروف والمقيم في نفس العمارة .. نزل الشيخ سعد في طابقه وغادرناه لطابقنا العاشر.. وفجأة توقف المصعد عن العمل وبقينا معلقين بين طابقين.. ضغطت على زر النداء فلم يجبنا أحد وكدنا نختنق من الحر وقلة الهواء.. عندها قمت بدفع بابي المصعد وفتحتهما بعد محاولات عديدة وبالكاد فتح!! ولكن تبقى المشكلة أنه معلق بين طابقين، ولكن من رحمة الله بنا أن بقيت في أسفله فتحة بسيطة .. يمكن المرور منه ولكن بمشقة ، وفيها خطورة حيث من الممكن أن يتحرك المصعد في أي لحظة فيحصل مالا يحمد عقباه !! نزلت أنا أولا فخرجت بنجاح ، وبقيت ألح على شيخنا بالنزول حتى وافق على مضض..فتدلى من الباب فخرج والحمد لله !! ولولم نفعل ذلك لهلكنا بلا شك .. والموقف الآخر ، ذات مرة جئنا لنفس السكن ولكن هذه المرة كان المصعد عطلانا بالمرة ولا يعمل.. فكان الواجب علينا الصعود على الدرج لعشر طوابق ..!! صعد الشيخ بكل خفة ورشاقة أما أنا فتعثرت مرارا وهممت أن أرجع للحرم وأترك الشيخ!! فكان الشيخ يسحبني ويجرني وهو ابن السبعين حتى وصلت وكاد نفسي ينقطع!! غير أن الشيخ حينما وصل للسكن تذكر أن لديه مكالمة مع الأمير عبد الله ولي العهد .. وهي ضرورية ولا يمكن تأخيرها .. فقال لي : احضر الهاتف لكي اتصل .. فبحثت عن جهاز الهاتف في كل غرف الشقة.. فلم أجده فتتبعت سلك الهاتف الموصل بالفيش فوجدته موصولا بغرفة مغلقة وليس لدينا لها مفتاح!! علمت من وجه الشيخ وملامحه أن لا خيار لديه .. فقررت النزول لشراء جهاز له .. فقال لي: سوف انزل معك .. قلت له : أبدا ، وكنت أعلم أنه سينزل معي مجاملة لي تخفيفا للمشقة!! وخوفا علي من أن أموت قبل الرجوع!! فأصر على النزول معي فأذعنت لذلك .. نزلنا وما أسهل النزول كما ما أسهل الهدم !! نحن أهل الدعوة نبني ونتعب ونعاني أما أهل الشر من أهل العلمنة والنفاق فيهدمون وما أسهل ذلك فالكل يقدر على الهدم لمن لا ضمير له أما البناء فهي مهنة الشرفاء .. جعلنا الله منهم.. بحثنا في المحلات فوجدنا أجهزة متعددة ومختلفة الأسعار .. فكنت أريد شراء جهاز معقول الثمن حيث أنني علمت أن حاجتنا إليه لمكالمة واحدة فقط.. غير أن الشيخ له رأي آخر !! بحث عن أرخص جهاز بالسوق وقيمته عشرة ريالات وهو أشبه بلعب الأطفال!! فقلت له : ياشيخنا هذا ما ينفع لشيء !! قال : ياولدي مكالمة واحدة فقط !! فأخذناه واستحييت والله من شراءه ولكن هذه هي رغبة الشيخ .. وليس هذا بخلا منه كما قد يظن بعض أهل الغفلة بل الشيخ من أكرم الناس كما يشهد بذلك من عرفه ولكنه مقتصد على نفسه بأقصى الحدود رحمه الله وعفا عنه.. صعدنا الدرج ويا للعذاب !! فظن شرا ولا تسأل عن الخبر.. وصلت للشقة فرميت نفسي تحت دش الماء واغتسلت من العرق والجهد!! دخل شيخنا وأراد إصلاح خط التلفون فما استطاع فانتظرني حتى خرجت من الحمام.. فقال : تعال أصلح لي الهاتف.. فتأملت ... ثم قلت له : ليس من سبيل سوى بقطع سلك تلفون صاحب المنزل وتوصيله.. فأبى الشيخ وقال : هذا ليس من المرؤة هل تريده يقول : أفسدوا سلك تلفوني!! فقلت له : ما العمل ؟؟ فبحثنا وتتبعنا السلك حتى وصلنا لفيش التلفون .. فقمت بفكه بسكين ووصلت أسلاك تلفوننا المبتذل ولكن أين اللاصق الذي يثبته!! فقلت : ياشيخ التلفون يعمل ولكن نحتاج للاصق فهل سننزل من اجله للسوق ؟؟ فقال : كلا بل أوصل السلك بيديك وأمسك به حتى أنهي المكالمة!! كانت فكرة شاقة ولكنها أهون على نفسي من النزول من الدرج .. اتصل شيخنا على مكتب الأمير .. فرد عليه عامل البدالة .. فعرف الشيخ بنفسه .. فرحب به الرجل وقال له سأوصلك بطويل العمر..!! فاستمر في الانتظار دقائق معدودة حتى يوصلوه بالأمير وكنت خائفا والله .. أن يرد طويل العمر فيسقط السلك من يدي فأحاسب حسابا عسيرا !! ولكن الله سلم .. كلم شيخنا الأمير وقضى منه ما يريد ثم لففنا التلفون وأهديناه لأولاد صاحب البيت لكي يتسلوا به!! | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 18 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الرابعة والثلاثون كما سبق وذكرت فقد نزلنا بشقتنا الواقعة مقابل المروة.. ولم نشعر بالتعب والإرهاق خاصة بوجود الأخ علي السهلي اللذي وهبه الله موهبة الطرافة الفطرية ، فهو يتلفظ بكلمات تجبرك على الضحك والوناسة إجبارا!! نمنا ليلتنا تلك في مكة... صلينا الفجر في الحرم وفي وقت الضحى توجهنا لجده... كان معنا في سيارة الشيخ صالح جهاز تلفون سيار قبل معرفة أجهزة الجوال.. اتصل شيخنا على شخص .. فسمعته يكنيه بأبي محمد !! ثم التفت الشيخ إلي .. ففهمت من نظراته أنني معني بمن يتحدث معه.. أوشك قلبي على التوقف من الرعب !! وتصببت عرقا ، وصار الدم يغلي في عروقي ... حيث علمت انه يكلم والدي !! غير أنني لا حظت شيخنا يتكلم معه بكل هدوء فخفف ذلك علي هول الصدمة.. ثم سلم شيخنا سماعة التلفون للشيخ صالح حتى يصف له منزله في جده!! لا أستطيع أن أصف مشاعري في تلك اللحظات .. كانت مشاعر متضاربة ... ولكن يطغى عليها الخوف .. لا أدعي أنني كنت مسرورا أو متشوقا للموقف!! فقد كنت كسجين هرب من سجنه!! منذ حوالي الخمسة شهور.. لا أقصد أن حياتي كانت سجنا بل التوصيف القريب أن تسمى انعتاقا وتحررا من القيود!! وإن كان ولا شك أن والدي عليه الرحمة والرضوان لا يقصد من وراء ذلك سوى مصلحتي ولكن ... هل كل من قصد شيئا وفق؟؟ هل كل صاحب دعوى هو مقبول على الإطلاق؟؟ أليس كل أحد معرض للخطأ في التوصيف والملاحظة مما يبنى عليه خطأ في اتخاذ القرارات.. أليس رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر أخطأ؟؟ كما فعل مع ابن أم مكتوم فعاتبه رب الجلالة من فوق سبع سماوات؟؟ ولكنني لو رجعت للوراء لكان تصرفي مختلفا للغاية ، فالحمد لله على ما قدر... لم يظهر على شيخنا أي ارتباك أو حرج من ذلك الاتصال كما هو حالي.. وصلنا لجده فوجدنا حشدا كبيرا من الناس في انتظارنا.. جده هذه هي مدينة الشيخ محمد العثيمين!! يحب شيخنا أهلها وهم أشد حبا له.. وسمعت شيخنا مرارا يقول ذلك ولذلك حينما يعاتب على حظ جدة منه بخلاف المدن الأخرى يقول هؤلاء هم جيران الحرم فلا تلومونا بحبهم!! ولذلك من الملاحظ كثرة طلبة الشيخ في عنيزة من أهل جده .. وأما الحضور الكثيف لمحاضرات الشيخ في جده فذلك لا ينافسهم عليه أحد.. نزلنا في منزل الشيخ صالح .. فبدا أن المجلس يغص بالناس .. غير أن هناك ضيفا مميزا في تلك الجلسة لاأنساه!! دخل علينا رجل حجازي الطلعة ، هادي الطباع ، حليق الذقن .. مؤدب .. فيه سكون لا تكاد تسمع له حسا ... تقدم في المجلس ، وحينما رآه الشيخ .. قام له .. وصافحه بحرارة.. لم يكن وجهه غريبا علي ، فقد سبق أن رأيته ... ولكنني لم أميز شخصه؟؟ فبقيت أحملق فيه وهو جالس بجوار الشيخ لا يكاد يرفع رأسه من الخجل.. وبعد التدقيق والتمحيص ، انكشفت لي شخصيته ... فصعقت ، وتعجبت ، وما توقعت أن أرى ذلك أل....!!! بجوار الشيخ !! إنه المغني المشهور محمد عبده !! مالذي أتى به ؟؟ ومن دعاه؟؟ يقيم محمد عبده بجوار منزل الشيخ صالح الزامل وله جامع كبير هناك قد بناه محمد عبده على نفقته .. سمعنا جميعا بتوبة هذا المغني .. وكان لقاءنا به في تلك الأيام التي أعلن توبته من الغناء واعتزاله له وليته استمر بذلك..!! غير أنه مورست عليه ضغوط من جهات معروفة.. فسوغت له الباطل فعاد له والله حسيبنا وحسيبه.. زينوا له أن الغناء مباح خاصة منه ما يسمى بالغناء الوطني .. كان شيخنا مهتما بمحمد وزاره في بيته مرارا .. تثبيتا له على الحق ولكن الله لم يرد ذلك ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) ورأيته مرة يجلس مع الشيخ لوحده وكان يشتكي له من شدة الضغوط عليه ويبكي فكان شيخنا يصبره ويذكره بالله .. ولقد تبرع لنا الأخ محمد بتبرعات جليلة لقضايا إسلامية عديدة عفا الله عنا وعنه لعلي أذكرها لاحقا.. الحلقة الخامسة والثلاثون كان ذلك اليوم فيما أذكر يوم خميس ووضع لنا الغداء في الفيلا المجاورة والتي هي أيضا تابعة لفلل الشيخ صالح الزامل وذلك لكثرة الضيوف وازدحام الملحق بهم .. غير أني لم أجد لذلك الطعام أي لذة رغم تنوعه وفخامته و لكن لم يطب لي الحال!! فقد كنت قلقا للغاية ، فوالدي قد يدخل علينا في أي لحظة.. ولا شك أنني لم أكن أحب رؤيته وأنا في جمع من الناس .. كنت أراقب الباب وأراقب الشيخ محمد حيث أن التلفون الثابت وضع بجواره وينتظر مكالمة الوالد... انتهينا من الغداء وقدم لنا الشاي وبدا المجلس بالانفضاض.. ولم يكن أحد يعلم بقدوم الوالد سواي والشيخ محمد والشيخ صالح .. بقيت مع الشيخ محمد وذهب الآخرون للقيلولة .. وأجهد الشيخ من الانتظار فدخل غرفته ونام.. أذن العصر وتوجهنا للمسجد.. وبعد الصلاة عدنا للبيت .. وبعد نصف ساعة من الصلاة .. رن جرس الهاتف... فرد الشيخ صالح الزامل .. فعرفت من كلامه أنه الوالد .. وصف له المنزل وصفا دقيقا.. ثم أغلق السماعة.. ناداه شيخنا وهمس في أذنه وطلب منه أن يوفر لنا مكانا منعزلا عن الآخرين .. كان التوتر على أشده مني ، بينما شيخنا كأن على فؤاده قالب ثلج!! وهكذا الرجال اللذين طحنتهم الحياة طحنا وتعلموا من دروسها يواجهون المصاعب بكل ثبات وروية واتزان... ذهبت برفقة الشيخ صالح للفيلا المجاورة حيث سأستقبل الوالد قبل قدوم الشيخ.. بقيت في الخارج واقفا في الشمس .. ولا يقر لي قرار.. كنت أتصور غضب الوالد وهو رجل غضوب من طبعه فكيف وهو في هذا الحال؟؟ حيث مضى على هروبي من المنزل حوالي الخمسة شهور ... بعد دقائق تقدم حارس الفيلا وفتح الأبواب الضخمة ودخلت سيارة جمس كبيرة لونها احمر وأسود وهي سيارة الوالد التي عهدت.. حينما دخلت مقدمة السيارة وكان بلاط الفناء مرتفعا عن مستوى الشارع لم يظهر لي وجه الوالد.. و لكن حينما استوت السيارة رأيت وجهه .. لحيته بيضاء مختلطة بالسواد كما عهدته ووجهه عابس بل عليه علامات الغضب والانفعال.. وهذا ما توقعته بالتأكيد !! كان مشهدا مضطربا يصعب علي وصفه .. تقدمت لباب السيارة بعد أن استدار بها وأوقفها تحت المظلات .. ففتحت الباب فانكببت على يد والدي وقبلتها وقبلت جبهته .. فأشاح بوجهه عني ولم يرد السلام علي .. لم أتضايق مما فعل فأنا أستحق منه أكثر من ذلك !! لم ألاحظ أن معه شخصا آخر سوى حينما سلم علي، فاستدرت للصوت.. فرأيت أحد أصدقاء والدي اللذين يحبهم ويثق فيهم وهو الأستاذ مشرف الزهراني الأستاذ مشرف رجل عاقل ورزين ويثق والدي بنصحه ولذلك كانت صحبته للوالد ذلك اليوم من رحمة الله بي... دخلنا لغرفة صغيرة ملحقة بالفيلا حيث تضمن لنا خصوصية كاملة.. جاء الشيخ صالح حينما علم بقدوم الوالد فصافح الوالد بحرارة شديدة كما هي عادته مع ضيوفه ولم يكن يعلم بالموضوع الذي بيني وبين الوالد ، فأخذ الشيخ صالح يثني علي وعلى حرصي على العلم وأن أعظم توفيق لله لي أن جعل لي قبولا لدى إمام الأمة الشيخ بن عثيمين . لاشك أن تلك العبارات الصادقة التي نطق بها الشيخ صالح والتي خرجت منه بدون قصد حيث هو لا يعلم عن القصة أصلا ولم يخبره أحد بها ،كان لتلك الكلمات أثر في الموضوع فكأن معناها .. يا أبا محمد لا داعي للقلق فقد حفظ الله لك ابنك فليس هو كمن هم من أترابه من الشباب اللذين اشغلهم اللهو فأضاعوا دينهم ودنياهم بل إن الله هيأ لابنكم مكانا لا تستطيع أنت ولا غيرك أن يضعه فيه بل هو فضل خالص من الله عز وجل !! أحضر لنا القهوة والشاي وكنت أخدم الوالد وصاحبه ... ولم نكن نتحدث بل كان الصمت رهيبا والهدوء منذر بشر مستطير ..!! هذا ما تخيلته وتوقعته... | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 19 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة السادسة والثلاثون بقينا في انتظار قدوم الشيخ ولم يطل الغياب .. دلف شيخنا للمجلس فوقف إزاء الوالد فصافحه ورحب به وصافح رفيقه ثم جلسو كنت أراقب وجه الشيخ ووجه الوالد .. كان وجه شيخنا كما سبق وذكرت على محياه الهدوء والسكينة أما وجه والدي فقد كان على وجهه علامات الحيرة والخجل !! فهو محتار مما سيقول وخجل من الشيخ صاحب المقام الرفيع.. أما أنا فإنني لا يحق لي الكلام بعبارة واحدة!! فمن رأسي البليد خرجت كل هذه المصائب!! قرأت في كتاب الحيدة والذي يروي قصة المناظرة المشهورة بين أحد علماء السلف ( نسيت اسمه ) وبين بشر المريسي إمام الجهمية وذلك في مجلس أمير المؤمنين المأمون.. حيث وصف ذلك العالم كيف أنه أصابته هيبة الموقف بين يدي الخليفة بالقشعريرة والارتباك، فلاحظ ذلك المأمون وكان رجلا داهية .. فأخذ يتحدث مع الشيخ في أمور خارج الموضع الذي جاء من أجله نحو أحوال المدينة التي قدم منها وكيف الغلاء والرخص في الأسواق وهل جاءهم غيث وما حال الزرع والضرع ونحو ذلك.... يريد من ذلك كله أن يلطف الجو المشحون ويذهب الروع عنه ... وهكذا فعل شيخنا ذلك اليوم .. أخذ يتحدث مع الوالد ويسأله عن عمله وكيف أحوال الطائف وعن الأمطار ونحو ذلك كنت أرقب في وجه والدي الابتهاج.. وأخذت أسارير وجهه بالانفراج رويدا رويدا حتى إذا ما شعر الشيخ بتهيئته بدأ شيخنا في الحديث في الموضوع الأهم!! قال الشيخ : تعلمون أن الأخ فلان ( كنت أتمنى أن يناديني بالابن وأظن الشيخ تعمد ذلك لحكمة يقصدها فتأمل!!) قد جاء لعنيزة من أجل طلب العلم وقد لاحظت منه حرصا على العلم وصدقا في الطلب فقربته مني وصحبته معي في بعض أسفاري فرأيت منه ما أسرني وتأكدت من أمانته وحرصه على التحصيل العلمي.. غير انه قام أحد طلبتنا بالاتصال عليكم وتأكد من حاله وأنه هارب من بيته وجاء بغير إذن والديه فغضبت منه وحصل أن اتصلت عليكم مرارا فدار بيننا الحديث الذي تعلمه وحددنا هذا الزمان لكي نلتقي واحضر لكم ابنكم فلان لكي ترونه ونقرر في حاله ماهو الأصلح والأرشد له .. سكت الشيخ ثم بدأ الوالد في الحديث ... من عادة والدي إذا أراد الحديث الجاد أن يخلع شماغه ويضعها على حجره ويتكلمبصوت خافت وهادئ... قال : فلان فعل فعلا لم يفعله أحد من الناس ، عصاني وعصى أمه وترك دراسته وهرب من المنزل .. قاطعه الشيخ !! وقال : يا أبا محمد لا داعي أن تذكر لي ما سبق أن سمعته منك ...خاصة وأن وقتي ضيق للغاية ولدي محاضرة الليلة والناس تنتظرني في الخارج .. سوف أعرض عليك أمرا وأنت قرر ما تراه في ابنك..!! شيخنا رجل حازم ويحب الدخول في صلب الموضوع مباشرة ، ولا يحب الانشغال بتفاصيل قد تبعد عن الواقعة الحادثة لتنتقل نقدا وتمحيصا لما مضى وفات.. قال له : أريدك أن تترك فلانا عندي في عنيزة وسوف أسجله في المدرسة الثانوية لكي يكمل دراسته ، ولك علي يا أبا محمد أن أراقبه وأربيه كما أراقب وأربي أحد أبناءي وثق تماما أنه سيكون تحت رعايتي ومسئوليتي بعد رعاية الله سبحانه فلا تمنعه من العلم وطلبه.... أيها الإخوة والأخوات يصيبني الخجل وأكاد أذوب من الحياء حينما سمعت هذه الكلمات من شيخنا رحمه الله .. والله الذي لا إله سواه لم أتوقع أن يقول شيخنا ما قال ولا خطر في بالي .. حينما تقرءون سيرة شيخنا وذلك حينما انتقلت عائلته للرياض وكان شيخنا من تلاميذ العلامة الشيخ عبد الرحمن الناصر السعدي فكان لزاما أن ينتقل التلميذ للرياض مع عائلته ولكن الشيخ ابن سعدي طلب من والد الشيخ محمد أن يبقيه في عنيزة حتى يستمر في الطلب .. أنا لا أقارن نفسي والله بهذين العلمين الكبيرين ولكن أحكي ذلك الموقف النبيل من شيخنا عليه سحائب الرحمة والرضوان ... لم يدر في خلدي أن شيخنا سيقول ذلك ولم يكن متوقعا ما قاله الوالد.. قال والدي وبكل ثقة واطمئنان.... مادام فلان هو في رعايتك وتحت مسئوليتك فأنا أوافق على بقاءه في عنيزة بشرط أن يكمل دراسته ويجتهد فيها ويبتعد عن رفقة السوء .. وله علي ياشيخ محمد أن أرسل له نفقة شهرية قدرها ألفين ريال .. الحلقة السابعة والثلاثون أكاد أعجز أحيانا وأقف محتارا في صياغة بعض العبارات المناسبة في توصيف بعض الأحداث !! إن لكل كلمة رنينا خاصا ولحنا مميزا ولكل عبارة وزن لا بد من مراعاة نغماته حتى تعطي الانطباع الصادق لما ترمي إليه !! بالمختصر ذلك أكبر من طاقتي !! ليتني شاعرا أو أديبا حتى أنطق بما يعتلج بدواخل نفسي ... صدقوني أيها القراء الكرام أنني حينما أتذكر تلك الأيام أو أكتب عنها .. فإنني أعيش في جنباتها كالسائل الحائر المسكين يحضر توزيع الغنائم أو الإرث!! ما ذا كان حالي تلك اللحظات ؟؟ كيف اصف مشاعري حينما سمعت ماقاله شيخنا؟؟ كيف أصف حالي حينما سمعت والدي يقول ما يقول؟؟ بكيت والله ، بكيت بكاء فرح ومرارة معا ..!! ذرفت الدمع وكاد أن يكون نهرا جاريا من دمي ... بكيت من الألم الذي اكتويت به طوال تلك الشهور التي مرت علي كقرون .. من الطائف لأبها للرياض لحائل ثم للقصيم وبينها أمور لو تعلمونها لا أخالكم تودون معرفتها !! دعوها لي فأنا لوحدي أكتوي بها وأجري على الله ... قمت لوالدي فقبلت يديه ولو قدرت لألبسته تاجا من ذهب أو سورته سوارا من ياقوت!! ولكن هل هذا ما يريده أبي ؟؟ هل يريد أبي مني جزاء أو شكورا ؟؟ ماذا يريد كل أب من ولده؟؟ إن أجمل دعاء يحب كل واحد منا عن ولده أن يقال له... جعله الله قرة عين لك ... نريد أبناءنا أن يكونوا قرة عين وكفى !! أما شيخنا محمد .. فسأبقى أبد الدهر أدعو له حتى يجمعني الله به بحوله وكرمه في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر ... | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() | المشاركة رقم: 20 | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع : صقر الاسلام المنتدى : الملتقى العام ![]() الحلقة الثامنة والثلاثون انقضى ذلك اللقاء وقمت للوالد وجلست بجواره وتحدثت معه حديثا مقتضبا حيث كان هو في عجلة من أمره .. وشيخنا قد غادرنا لمجلسه المكتظ بالضيوف .. بعد أن اتفقنا على عودتي مع الشيخ ثم التوجه للطائف بعد عشرة أيام... للسلام على الوالدة والإخوان والأخوات ومن ثم نقل مكتبتي وحاجياتي لعنيزة.. قلت للوالد : تصدق، من في المجلس مع الشيخ ؟؟ قال : من؟ قلت له : المغني محمد عبده !! تعجب من ذلك ونظر لرفيقه مستغربا .. كنت أريد من ذلك ملاطفته ،ولكنه ما زال في نفسه شيء علي .. غير أنه رحمه الله تناسى مع الأيام تلك الفعلة الشنيعة مني، وأصبحت صفحة قديمة بالية ،ها أنذا أخرجها لكم من أدراج الذكريات البالية لأنفض عنها الغبار وأطيبها بطيب الورد والمسك وأطرحها طرحا كما هي ولكن برائحة جديدة وطعم جديد!! ودعني الوالد ووضع في جيبي ألفا ريال عدا ونقدا .. فكانت في جيبي كشهادة تخرج من بيت أبي محمد .. وبالإذن لي بالانتقال لكنف شيخنا العلامة محمد بن عثيمين .. عليهما الرحمة والرضوان.... خرج الوالد من المنزل وكنت أرقبه وعيني تترقرق بالدموع.. كان المشهد محزنا لي وتمنيت أن ألحق والدي وأقول له.. لا تقلق يا أبي ... سوف أسعى بكل جهدي لأغير الصورة السيئة التي رسمتها عن نفسي .. تمنيت أن ألحقه وأذهب للوالدة العزيزة فأطيب خاطرها وأرضيها .. والتي أعلم علم اليقين أنها أشد قلقا وخوفا علي منه .. لا شك عندي أن والدي لم يكن مطمئنا علي في ذلك الحال .. فهو رجل يدرك بفطنته خطورة الموقف بل يدرك ضبابية المستقبل.. فما يدريه قد يكون كل ما رآه وشاهده وسمعه هو سراب .. أو غمامة صيف عن قريب تقشع!! والأمر بيد الله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد.. ها أنذا أيها الإخوة والأخوات الكرام أفتح لكم صفحة جديدة من ذكرياتي وأطوي تلك الأيام المليئة بالعذاب والشقاء .. ولكن هل انتهى كل شيء ؟؟ هل توقفت دورة الحياة ومعاناتها ..؟؟ هل مضت الأمور على ما يرام في كل أحوالها؟؟ كلا؟؟ إن الأيام حبلى بالمفاجئات .... والتي قد تكون سارة رقيقة ناعمة.... أو تكون نارا كاوية وعذابا .. تكفيرا للخطايا أورفعة في الدرجات؟؟ قد يقول قائل : لم أقدم شيخنا على هذا التصرف ..؟؟ والجواب: لا أشك أنه كان يعلم عواقب فعله ... ولكن كما سبق وذكرت ، أن شيخنا يزن الأمور بموازين مختلفة!! هذه المقاييس والمعايير ... مبنية على التقوى والخشية من الله تعالى والإخلاص له .. لا على الهوى وسوء الظن .. وبعد ذلك فليغضب كل العالمين حينها .. دعوني أروي لكم بعض الأحداث في تلك الرحلة ثم لنكمل القصة.. عدت للمجلس مع الضيوف.. وجلست بجوار عبد العزيز ابن الشيخ .. والذي لم يشعر بما حصل في تلك الجلسة لا هو ولا غيره.. سواي أنا وشيخنا ... بقي الناس يتحدثون مع الشيخ ويستفتونه .. كان فيهم جمع من مشائخ جده ومحبي الشيخ أذكر منهم ... الشيخ علي الحكمي .. الشيخ جمعان الزهراني .... الأخ علي السهلي .. الأخ عبد الهادي الحكمي ... والشيخ محمد الشميمري... وهؤلاء الخمسة تكرر حضورهم ولقائهم بالشيخ في كثير من سفراتنا لجده... وللأسف نسيت كثيرا من الأسماء التي لم تسعفني الذاكرة بهم.!! انتهت الجلسة قبل أذان المغرب وتوجهنا لجامع الأمير متعب .. حيث سيلقي شيخنا محاضرة ... كان الجمع هائلا والخلق صلت خارج المسجد من الزحام .. ألقى شيخنا تلك المحاضرة .. ثم بعد الصلاة توجه لسيارته المعدة له .. وهي سيارة الشيخ صالح الزامل .. وبالكاد وجدت فيها مكانا لي ولعبد العزيز الذي لازمته ولازمني طوال تلك السفرة... حينما توجهت السيارة لوجهتها .. تبعنا قطار من السيارات !! والتي أشك أنها كانت مدعوة للوليمة المعدة للشيخ!! كانت تلك السيارات لجمع من محبي الشيخ .. والذين لا أسميهم الطفيليين كما يدعي البعض!! ولكنهم فتية قد شغفوا بالشيخ و صاروا يلاحقونه أينما استقر وحل.. كان ذلك في بعض المواقف محرجا للشيخ مع مستضيفيه.... فيضطر أحدنا للتوقف .. لتبليغهم بلطف أن الدعوة خاصة فيتقبل الجميع ذلك بكل احترام وأدب .. فينصرفوا .. بارك الله فيهم.. توجهنا لحي الأمير فواز ... حيث كان مضيف الشيخ هو الأستاذ عبد الرحمن المحمودي.. وهو صاحب الشقة التي نزلنا بها في مكة.. نزلنا في بيته العامر.. ونزلت معنا الجموع التي لم تدعى .. رأيت الحرج الشديد في وجه المضيف من ذلك .. والذي أظن أنه لم يتضايق من كثرتهم فهو رجل سمح وكريم .. وبيته فسيح وطعامه كثير... غير أن السبب سيدركه لاحقا منكم من فطن !! بعد جلوسنا في المجلس الفسيح .. والذي غص بالحضور تحلق جمع كبير من الطلبة حول الشيخ .. منهم المستفتي ومنهم صاحب الحاجة ومنهم من جاء ليستفيد من أدب الشيخ.. فهو مدرسة متنقلة رحمه الله.. لقد كان الواحد من السلف يسافر المسافات البعيدة من أجل لقيا عالم لكي ينهل من علمه وأدبه وسمته .. وهاهم طلبة العلم من جده ومكة ونجد والمنطقة الشرقية والشمالية والجنوبية وغيرها يقتدون بسلفنا الصالح بارك الله في الجميع.. لم أكن أعرف المدعوين ولا مستوياتهم في المجتمع .. ولكن بعد فترة من الوقت دخل علينا ضيفان مميزان لم أتوقع أن سأراهم رؤيا العين ولا في أحلامي!! دخل علينا شابين وسيمين ظاهر عليهما الثراء والسلطة والنفوذ!! إنهما الأمير سعود بن فهد بن عبد العزيز .. والأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز .. ابنا الملك!! وجلسا بجوار شيخنا عليه الرحمة والرضوان.. كان شيخنا يتكلم معهما بكل بساطة ودون تكلف .. فأعطى ذلك انطباعا عن شيخنا يفهمه الجميع!! كان الأمير عبد العزيز صامتا طوال الجلسة تقريبا .. ويظهر أن هذا من طبعه أو بسبب وجود أخيه الذي يكبره .. أما الأمير سعود فيظهر أنه كوالده وفقه الله يتحدث بطلاقة وفيه فصاحة ويحب التحدث مع الحضور بلا تحفظ.. كان الشيخ عبد العزيز الغامدي صاحب مشروع الزواج حاضرا .. وكان يداعب الأمير سعود بضرورة أن يبحث له عن زوجة شابة تكون ضرة من ضرات أهله!! فكان يحاول الفكاك منه وتصريفه .. ويشيح وجهه عنه.. ولكن الأخ عبد العزيز رجل ملحاح يريد تزويج خلق الله جميعا.. حتى شيخنا لم يسلم منه!! وبالكاد خرج الأمير من مقصلة عبد العزيز الغامدي.. الأخ عبد العزيز لديه مشروع كبير لتزويج الشباب والفتيات .. والراغبين في التعدد.. وسمعت عن مشروعه كثيرا منه ومن غيره .. ولا أدري هل ما زال يعمل في هذا المجال أم تغير حاله.. ذات مرة حضر الأخ عبد العزيز رحلة قمت بتنظيمها لمجموعة من ضيوف ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز .. وهم من إحدى الدول الأوروبية وحضر برفقة عدد منهم زوجاتهم.. وكان معنا صحفي من جريدة عكاظ وعدد من المصورين .. طلب الشيخ عبد العزيز أن يلقي كلمة للضيوف .. فتحدث وكان يترجم له أحد دعاتنا المرافقين بلغة القوم.. ولكنه سامحه الله حور موضوع الكلمة وبدء بالحديث عن تعدد الزوجات.. وكان صوته مرتفعا ويصل لزوجات الإخوة .. فسمعنا فرقعة الصحون ورمي الكاسات من خلف الباص الذي كن يجلسن فيه.. وضرب الأبواب!! حتى يصمت هذا الزائر المزعج.. ولكنه استمر في حديثه .. فخرج النسوة من الباص .. وابتعدن عن المجلس .. والحمد لله أنهن لم يحصبننا بالحصى!! ولا شك أن أزواجهن دفعوا ثمن تلك المحاضرة لاحقا!! الحلقة التاسعة والثلاثون انتهت تلك الجلسة الممتعة وخرجنا من بيت الأستاذ عبد الرحمن المحمودي.. وتوجهنا لبيت مضيفنا الشيخ صالح الزامل.. تلك الليلة لها مذاق خاص وطعم خاص.. لقد تغيرت حياتي تماما ذلك اليوم.. لقد انتهت تلك المحنة التي صارت كالسيف المصلت على عنقي والذي كنت أنتظره أن يدنو يوما من عنقي فيقطعه !! ولكن الله تعالى بدل حالي وغير مجرى حياتي .. لقد كان لتلك الليلة بحق وذلك اليوم وضع فريد لي.. فلقد قابلت أبي .. ورآه شيخنا .. وأرضاه وأقنعه ببقائي عنده تحت رعايته ومسئوليته وحلت عقدة هروبي وانتهت بلا رجعة والحمد لله.. أصبح بقائي للدراسة عند الشيخ شرعيا.. زادت ثقتي بنفسي.. وقويت عزيمتي .. وارتفعت همتي.. ووضح مقصدي وهدفي.. وتغيرت ملامح وجهي !! فكان وجه الواثق لا وجه الخائف المرتاب!! وبدأت من تلك الليلة تكوين شخصيتي الجديدة.. شخصية الطالب المجد الواثق من أصله ونسبه ونفسه !!! فهذه نعم تترى ومنن جليلة أعجز عن شكر الخالق سبحانه عليها مدى عمري فله الحمد وحده والثناء ... عدنا فوجدنا مكان النوم معدا لنا جميعا.. أنا وشيخنا وعبد العزيز في غرفة سويا.. والإخوة الآخرون في غرفة مجاورة.. حتى شيخنا رحمه الله شعرت منه تلك الليلة تبدلا وتغيرا .. فرحا بانتهاء مشكلتي مع الوالد ... كنت ألهو مع الأخ عبد العزيز وأريه بعض التمارين الرياضية وهو تمرين الضغط برفع الجسم بالاعتماد على اليدين!! فلمحنا الشيخ .. فجاء إلينا وقال: ماذا تفعلان؟؟ فقلنا: نتدرب !! فقال: ألا تريداني أن أتدرب معكما ؟؟ تبادلت النظرات مع عبد العزيز .. فانحنى الشيخ ولم ينتظر جوابنا.. وضغط وعجزنا أن نجاريه في ذلك!! شيخنا من رآه ولم يخبر طباعه ويعاشره فإنه يخشاه ويمتلئ قلبه مهابة منه.. ولقد رأيت أشخاصا يتحدثون مع الشيخ والعرق يتصبب من وجوههم هيبة منه .. ولكن من عرفه وعاشره وعاش قريبا منه .. يرى شخصية أخرى مختلفة وفريدة .. تلزمك بمحبته والإعجاب بشخصه... شخصيته جمعت بين الحزم واللين.. و جمعت بين المهابة والجلال والرحمة واللطف .. وبين الشجاعة والسماحة.. وبين علو الهمة والتواضع .. وبين الجد والمرح.. و جمعت بين الفصاحة وحسن المنطق والتبسط في الحديث.. هو بشر ككل البشر .. يصيبه ما يصيبهم .. يغضب ويحزن ويتألم .. ويضحك ويمزح ويمازح.. ولكن الله تعالى وهبه علما كالجبال وإيمانا وخلقا وعقلا راجحا.. ووفقه وهداه .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.. طلبت من الشيخ تلك الليلة أن يوقظني معه لصلاة الليل .. من عادة الشيخ أن ينام على الأرض ..دون مراتب أو أسرة.. وذلك في كل أسفاره ... وكنت أفعل مثله واعتدت على ذلك.. فهو لا يطلب سوى وسائد يضعها تحت رأسه.. يخلع عمامته ثم يقوم بتمريرها على الأرض ثلاث مرات ثم يقرأ أذكار النوم وينفث على يديه ويمسح بها على جسده كما هي السنة.. ثم يلف عمامته على وجهه ولا يخلع ثوبه .. ويستلقي على يمينه ثم ينام.. يستيقظ شيخنا على جرس ساعته المنبهة التي يحملها دوما في أسفاره وذلك قبل الفجر بساعة تقريبا.. أوقظني تلك الليلة .. فتوضأت .. وصليت الوتر سريعا.. وجلست أراقب الشيخ ماذا يفعل.. صلى ركعتين خفيفتين.. ثم صلى خمس ركعات تقريبا .. وأتم القراءة فيها والركوع والسجود.. وختمها بقنوت طويل بتبتل وخضوع.. حتى أذن الفجر... حينما ختم وتره رفع صوته بالذكر.. سبحان الملك القدوس ثلاث مرات.. يمد بها صوته كما هي السنة.. صلينا الفجر ثم عدنا للمنزل فنام حتى وقت الضحى.. استيقظنا وأفطرنا ثم توجهنا لاستكمال برنامج الشيخ.. مكثنا في جده يوما أو يومين نسيت ذلك!! ثم رجعنا للقصيم... وصلنا للمطار فاستقبلنا الشيخ خالد المصلح نسيب الشيخ.. وفي الطريق أوقفنا كما هي عادة شيخنا أمام أحد مساجد عنيزة وصلى فيها ركعتي القدوم من السفر... أنزلوني أمام سكن الطلاب وتوجه شيخنا لبيته.. حضرت الدرس ذلك اليوم .. ولكن بوجه جديد وعزيمة كالحديد!! تفاجأ جاري بوجودي .. شعرت بذلك ولو لم أبصره بعيني!! من خلال حركاته وارتباكه ثم صمته ... والله شاهد سبحانه.. ومطلع عما عزم عليه.. عدت لبرنامجي المعتاد .. واشتريت كتبا حديثة الطبع.. وحصلت بالمجان على كمية لا بأس بها من الكتب والمراجع المهمة.. حيث خاطب الشيخ جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بطلب كتب لي من مطبوعات الجامعة .. فبعثوا لي كراتين مليئة بالمجلدات الفاخرة من مطبوعاتها ومنها درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية.. ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية أيضا .. ومجموع الفتاوى له وغيرها مما لا يحضرني.. انتقلت لغرفة أخرى وذلك بأمر شيخنا .. حيث اختار لي أن يكون زميلي في الغرفة الأخ محبوب الباكستاني وهو من خيرة طلبة شيخنا خلقا وأدبا وعقلا .. كان يحضر الدكتوراه حينها في مادة الحديث فكانت صحبته ومرافقته مكسبا ثمينا لي.. غير أنه كان كثير الأسفار لمدينة الرياض لمتابعة شئون رسالته .. فكنت أبقى في أحيان كثيرة لوحدي.. وضعت لنفسي برنامجا صارما تحت إشراف شيخنا .. مليء بالحفظ والمراجعة وكتابة البحوث والقراءة ونحوها.. وكنت كلما أشكلت علي قضية أو مسألة دونتها في أوراق عندي ثم أقرأها على الشيخ وأسجل أجوبته بعد الصلوات فيفك طلاسمها بكل براعة ويحل عقدها بكل ثقة .. بخصوص الدراسة النظامية وبما انه قد مرت فترة طويلة على ابتداء الفصل الدراسي فقد أخرت الالتحاق بالمدرسة حتى الفصل التالي حيث يسمح النظام الثانوي المطور بذلك... مما منحني فرصة الانصراف الكامل لطلب العلم في حلقة الشيخ... ذات مرة أخبرني الشيخ بأن أمير القصيم وهو الأمير عبد الإله بن عبدا لعزيز سوف يقدم لزيارة سكن طلاب الشيخ.. حضر الشيخ للدرس تلك الليلة كما هو المعتاد.. ولم يتغير من نمط الدرس شيء.. سوى أن المنطقة المحاطة بالجامع قد اكتضت بالعساكر والشرط استعدادا لقدوم الأمير... في خلال الدرس دخل أحد رجال الشرط وتقدم إلى الشيخ وهمس في أذنه.. فقال شيخنا... ورفع بها صوته: بلغ الأمير أن يتفضل في المسجد ويحضر الدرس ...!! خرج رجل الشرطة من المسجد .. ورجع مرة أخرى وعلى وجهه علامات الخوف والوجل والتحرج .. فهمس مرة أخرى في أذن الشيخ .. فقال شيخنا للطلبة: انتظروني قليلا وسأرجع.. وخرج حافيا وسلم على الأمير وطلب منه حضور الدرس مع الطلاب حيث أنه لا يستطيع قطع درسه !! دخل الأمير وحاشيته وحرسه وتسننوا في الصف الأول وجلسوا لاستماع الدرس.. وانتظار الصلاة.. استكمل شيخنا درسه الأول والثاني بعد الأذان كما هي العادة.. ثم صلينا العشاء... بعد الصلاة نادى علي الشيخ ...!! وكنت كما هي عادتي أصلي بجوار المؤذن.. فتقدمت إليه .. وقال لي : اذهب وانتظرني في غرفتك فسوف أزورها مع الأمير!! نظرت في وجهه وبحلقت فيه !! فقال: هيا انطلق..!! انطلقت كالمجنون لا الوي على شيء ولا ادري ماذا افعل.. صعدت لغرفتي وقمت بكنسها وترتيبها وتطييبها .. ولكن لا يصلح العطار ما أفسده الدهر!! خجلت وتمنيت أن يصرف الشيخ الأمير لغرف أخرى أحسن حالا وتنظيما وأكثر بهاء .. تجول شيخنا مع الأمير في داخل السكن.. وأراه المكتبة وقاعة الطعام المتواضعة.. ثم صعدا للدور الثالث ثم للرابع حيث أنا في انتظارهم.. دخل الأمير وهو ممسك بيد الشيخ.. وخلفهما حشد هائل من الناس والعسكر ... ووقفا باب غرفتي الصغيرة ..!! وتجول الأمير بنظره فلم ير شيئا يستحق النظر سوى عدد من الكتب والدفاتر وعدة الطلب!! فقال لي الأمير ... ما اسمك؟؟ فقلت : فلان بن فلان الفلاني.. دون تردد ووجل!! فقال: ونعم فيك !! فرددت تحيته .. ثم قال : اجتهد في العلم..وفقك الله.. وانصرفا .. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
![]() | ![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
![]() |
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018