أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 
تابعونا عبر تويتر تابعونا عبر فيس بوك

الإهداءات



ملتقى السيرة النبويه ملتقى خاص بسيرته ... سنته ... آل بيته ... أصحابه ... نصرته والدفاع عنه .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: صلاة التراويح من مسجد شيخ الإسلام | ليبيا 16 رمضان 1445 هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة التراويح من مسجد شيخ الإسلام | ليبيا (آخر رد :شريف حمدان)       :: القارئ الشيخ رعد الكردي | صلاة التراويح ليلة 9 رمضان 1445 | مسجد الغانم والخرافي (آخر رد :شريف حمدان)       :: القارئ الشيخ رعد الكردي | صلاة التراويح ليلة 8 رمضان 1445 | مسجد الغانم والخرافي (آخر رد :شريف حمدان)       :: تلاوة من صلاة التراويح للدكتور المقرئ عبد الرحيم النابلسي بمسجد الكتبية الليلة 10 رمضان 1445هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: تلاوة ماتعة من صلاة التراويح للقارئ أحمد الخالدي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء والتراويح من مسجد الأندلس بالرباط للقارئ أحمد الخالدي سورة مريم (آخر رد :شريف حمدان)       :: الشفع والوتر ليلة 18 رمضان 1445 هجرية - للشيخ أحمد زين العابدين - بمسجد الرحمن البحري بنزالي جانوب (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة التراويح ليلة 18 رمضان 1445 هجرية - للشيخ أحمد زين العابدين - بمسجد الرحمن البحري بنزالي جانوب (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء ليلة 18 رمضان 1445 هجرية - للشيخ أحمد زين العابدين - بمسجد الرحمن البحري بنزالي جانوب (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع دكتور محمد فخر الدين الرمادي مشاركات 426 المشاهدات 92217  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 23 / 02 / 2022, 08 : 09 PM   المشاركة رقم: 421
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
( ١١٣ ) « تَأْويلُ الرُّؤْيتين الصَّادِقَتينِ ».
[٠ ١ ] المجلد الْعَاشِرُ
« بحوث »
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ
تَمْهِيدٌ:"
تقول الشاعرة ذات الأصول الصومالية والتي تحمل الجنسية البريطانية „ وارسان شاير ”:
« لا أحد يرحل عن وطنِهِ إلا إذا كان الوطن „ فمَ قِرشٍ ” ».
.. فــ منذ ما يزيد عن ١٤٤٣ عامًا، كانت هجرة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه الكرام -الرعيل الأول- -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- من مجتمع مكةَ (فم القرش) رحيلاً وسفراً واغتراباً ووعورةَ طريقٍ وهجرانَ المنشأ، وترك الأهل وفقدان العشيرة وخسران المال وفقدان التجارة والبعد عن البيت العتيق.. -وهي حالات غير طبيعية- ضرورة حتمية.. وكانت تلوح في الأفق أرضٌ للأمان والطمأنينة -وهي الحالة الأصلية للإنسان- وإطلاق لحرية المعتقد والحق الكامل في مزاولة دين الإسلام كنظام حياة وأحكام وطريقة معينة في العيش وطراز خاص للمعيشة.. سواء في علاقة الإنسان بربه وكيفية عبادة الآله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد..فلا صاحبة له ولا ولد.. أو العلاقات المتعلقة بالإنسان ذاته بصفته الأدمية وكينونته البشرية وتركيبته الخلقية أو العلاقات المتعلقة بالآخرين من بشر مثله ومخلوقات غيره وكائنات لا تشبهه..
فــ هناك محطةٌ أعدت علىٰ عين بصيرة لأفواج الرعيل الأول المهاجر فرارًا بعقيدته، وإحساناً لعبادته؛ واستيلادَ مجتمعٍ جديدٍ بعناصره ينبعث منه النور الالهي إلىٰ البشرية.. والتي تعيش في حالك الظلمة..
فــ هجرةُ المسلمين الأوائل إلىٰ يثرب كانت من أجل توفير بيئة آمنة لحَمَلة هذا الدين ومن اعتقدوا في صحته.. حتىٰ يتعبدوا خالقهم، وفقاً لأوامره.. ومِن أجل وجود حاضنة لمجموعة أفكار الإسلام لتطبيقها مِن خلال كيان تنفيذي لكتلة المبادئ وحزم القيَّم ومجموعة المقاييس والقناعات؛ والتي -جميعها- جاءت وحياً مِن رب الإنسان للبشر أجمعين.. بعيدًا عن تلك الأرض الظالم أهلها، والتي كان فيها ساحة للمعذبين والشهداء، وقد شبهها المفكر الجزائري مالك بن نبي بساحة (دو جريف Degréve) في باريس أثناء الثورة الفرنسية، إلا أن الجلادين في ساحة مكة كانوا ضد الثورة، والمعذبين كانوا شهداء الثورة (يعني بها الإسلام)..
هجرةُ المسلمين الأوائل إلىٰ يثرب والتي عُرفت بــ « مدينة الرسول »، حملت معها السلام والأمن والطمأنينة، وإيجاد شبكة مِن العلاقات كانت بمثابة العمل التاريخي الأول الذي يقوم به المجتمع الجديد ساعة ميلاده، فآخىٰ النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بين المهاجرين والأنصار، وأصلح الرسول بين الأوس والخزرج، وأبرم متمم المبتعثين وآخر المرسلين وخاتم الأنبياء معاهدات مع يهود المدينة في ما يُعتبر أول وثيقة تاريخية تحث علىٰ المواطنة "[( 1 )].
وقبل الحديث عن المسائل المتعلقة بــ الهجرة؛ سواء للمسلمين الأوائل أو هجرة النبي برفقة صاحبه يصح أن نتحدث عن:
« تَأْويلُ الرُّؤْيا ».
فقد أخرج البخاري (4081)، ومسلم (2272) في صحيحهما..
قوله -عليه السلام- :
[ 1 . ] الحديث الأول :
«„ رَأَيْتُ في المَنامِ أنِّي « أُهاجِرُ » مِن مَكَّةَ إلىٰ أرْضٍ بها « نَخْلٌ »، فَذَهَبَ وهَلِي[اعتقادي] إلىٰ أنَّها « اليَمامَةُ » أوْ « هَجَرٌ »، فإذا هي المَدِينَةُ « يَثْرِبُ » ”»[( 2 )].
وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَسْنَدَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِطُولِهِ في صحيحه، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ.
.. زَادَ مُسْلِمٌ: وَعَبْدُاللَّهِ بْنُ بَرَّادٍ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَبْدِاللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ بِطُولِهِ[( 3 )].
وقوله‏:‏ ‏"‏ أو « هَجَرٌ » بفتح الهاء والجيم بلدٌ معروفٌ من البحرين.. وهي من مساكن عبدالقيس، وقد سبقوا غيرهم من القرىٰ إلىٰ الإسلام[( 4 )] .
تنبيه :
وقع في بعض نسخ أبي ذر ‏في الصحيح "‏ أو « الهجر » بزيادة ألف ولام.. والأول أشهر، وزعم بعض الشراح أن المراد بــ هجر هنا قرية قريبة من المدينة، وهو خطأ فإن الذي يناسب أن يهاجر إليه لابد وأن يكون بلدا كبيرا كثير الأهل، وهذه القرية التي قيل إنها كانت قرب المدينة.. يقال لها هجر لا يعرفها أحد، وإنما زعم ذلك بعض الناس في قوله‏:‏ ‏"‏ قلال هجر ‏"‏ أن المراد بها قرية كانت قرب المدينة كان يصنع بها القلال، وزعم آخرون بأن المراد بها هجر التي بالبحرين كأن القلال كانت تعمل بها وتــجــلــب إلىٰ المدينة وعملت بالمدينة علىٰ مثالها، وأفاد ياقوت أن هجر أيضا بلد باليمن، فهذا أولىٰ بالتردد بينها وبين اليمامة لأن اليمامة بين مكة واليمن.
وقوله‏:‏ ‏"‏ فإذا هي المدينة يثرب ‏"‏ كان ذلك قبل أن يسميها -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- « طيبة »[( 5 )]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
- بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِينَةِ:
أرادَ اللهُ سُبحانَه وتعالَى أن يُثبِّتَ قَلْبَ نَبيِّه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بالوَحيِ وبالرُّؤىٰ الصَّادِقةِ الَّتي يَراها في مَنامِه، وقدْ أَراهُ اللهُ سُبحانَه الأرضَ الَّتي سيُهاجِرُ إليها، وبيَّنَ له صِفتَها، وأعْلَمَه بإشاراتٍ إلىٰ ما سَيَقَعُ له ولأصْحابِه في أرضِ الهِجرةِ، ووقَعَت هذه الأحْداثُ بمُرورِ الزَّمنِ (سابحثها-إن شاء الله- بتوفيق منه تعالىٰ ورعايته وعونه في مكانها).
.. وفي هذا الحَديثِ يَحْكي النَّبيُّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- رَأى في المَنامِ أنَّه يُهاجِرُ مِن مكَّةَ إلىٰ أرضٍ بها نَخلٌ، فذهَبَ ظَنُّه[واعتقاده] إلىٰ أنَّها :
1 . ] اليَمامةُ، وهي منطقةٌ في نَجدٍ،
2 . ] أو « هَجَرُ » ، وهي بَلدٌ في شرق الجزيرة العربية، ولكنْ بعْدَ مُرورِ الزَّمنِ أمَرَه اللهُ سُبحانَه أنْ يُهاجِرَ إلىٰ المَدينةِ، فإذا ما رَآهُ في مَنامِه هي المَدينةُ [ يَثرِبُ ] .
قوله فيه‏:‏ ‏"‏ فذهب « وَهَلي » ‏"‏ بفتح الواو والهاء أي ظني، يقال : وَهَل بالفتح يهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ظن شيئا فتبين الأمر بخلافه.
وفي الحَديثِ: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
وفيه: بَيانُ فَضلِ الرُّؤْيا، وشدَّةِ اهْتِمامِ النَّبيِّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بشَأنِها.
وفيه: ما يدُلُّ علىٰ أنَّ الرُّؤْيا قدْ تقَعُ مُوافِقةً لظاهِرِها مِن غيرِ تَأْويلٍ، وأنَّ الرُّؤْيا قبْلَ وُقوعِها لا يَقطَعُ الإنْسانُ بتَأْويلِها، وإنَّما هو ظنٌّ وحَدْسٌ؛ إلَّا فيما كان منها وَحْيًا للأنْبياءِ.
وفيه: بَيانُ ما ابْتَلىٰ اللهُ عزَّ وجلَّ النَّبيَّ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأصْحابَه رَضيَ اللهُ عنهم في أوَّلِ الأمرِ بالمُشْرِكينَ، ثمَّ كانت لهمُ العاقِبةُ المَحْمودةُ، وللهِ سُبحانَه وتعالَى الحَمدُ والمِنَّةُ « 6 ».
-*-*
[ 2 . ] الحديث الثاني:
قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ :„ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ لِلْمُسْلِمِينَ:«„ [إِنِّي ] قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ..[أُرِيتُ سَبْخَةً ] ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لَابَتَيْنِ “»؛
فَــ هَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَجَعَ إِلَىٰ الْمَدِينَةِ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].
- بَيْنَ :«„ لَابَتَيْنِ “»؛ قال الزهري: وَهُمَا الْحَرَّتَانِ [( 6 )] .
قال الحافظ: وَالْحَرَّة أَرْضٌ حِجَارَتُهَا سُودٌ، وَهَذِهِ الرُّؤْيَا غَيْر الرُّؤْيَا السَّابِقَة في حَدِيث أَبِي مُوسَىٰ الَّتِي تَرَدَّدَ فِيهَا النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-[( 7 )].
قَالَ اِبْن التِّين : كَأَنَّ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُرِيَ دَار الْهِجْرَة بِصِفَةٍ تَجْمَع الْمَدِينَة وَغَيْرهَا، ثُمَّ أُرِيَ الصِّفَة الْمُخْتَصَّة بِالْمَدِينَةِ فَتَعَيَّنَتْ[( 8 )].
فائدة:
ووقع‏‏ عند البيهقي من حديث صهيب رفعه ‏« أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرتين، فإما أن تكون هجر أو يثرب » ولم يذكر اليمامة،
- وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُوبَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُوعَبْدِاللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا أَبُوالْعَبَّاسِ الْقَاسِمُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّيَّارِيُّ بِمَرْوَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُبَيْدٍ الْكِنْدِيُّ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَىٰ إِلَيَّ: أَيَّ هَؤُلَاءِ الْبِلَادِ الثَّلَاثِ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجْرَتِكَ: الْمَدِينَةَ؛ أَوِ الْبَحْرَيْنِ؛ أَوْ قِنَّسْرِينَ »؛ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ: ثُمَّ عَزَمَ لَهُ عَلَىٰ الْمَدِينَةِ، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ مِنْ " جَامِعِهِ " مُنْفَرِدًا بِهِ، عَنْ أَبِي عَمَّارٍ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى عَنْ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ: أَيَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ نَزَلْتَ فَهِيَ دَارُ هِجْرَتِكَ؛ الْمَدِينَةَ، أَوِ الْبَحْرَيْنِ، أَوْ قِنَّسْرِينَ ".» استغربه الترمذي[( 9 )]، ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُوعَمَّارٍ[( 11 )].
قال العسقلاني:" وفي ثبوته نظر لأنه مخالف لما في الصحيح من ذكر « اليمامة »، لأن « قِنَسرين » من أرض الشام من جهة حلب، وهي بكسر القاف وفتح النون الثقيلة بعدها مهملة ساكنة، بخلاف « اليمامة » فإنها إلى جهة اليمن، إلا إن حمل علىٰ اختلاف المأخذ فإن الأول جرىٰ علىٰ مقتضىٰ الرؤيا التي أريها، والثاني يخير بالوحي، فيحتمل أن يكون أري أولاً .. ثم خير ثانياً فاختار المدينة.[( 12 )]‏ ".
قُلْتُ[الحديث لــ ابن كثير]: وَغَيْلَانُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْعَامِرِيُّ هَذَا، ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: رَوَى عَنْ أَبِي زُرْعَةَ حَدِيثًا مُنْكَرًا فِي الْهِجْرَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ[( 13 )].
الحديث الثالث ". [ 3 . ] :"
أخرج ابن سعد عن الواقدي من حديث عائشة وسهل بن حنيف قالا: " لما صدر السبعون من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طابت نفسه، وقد جعل الله له منعة وقوماً أهل حرب وعدة ونجدة، وجعل البلاء يشتد علىٰ المسلمين من المشركين لما يعلمون من الخروج، فضيقوا علىٰ أصحابه ونالوا منهم ما لم يكونوا ينالون من الشتم والأذى.. فشكا ذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم واستأذنوه في الهجرة فقال: « قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخة ذات نخل بين لابتين » .. وهما الحرتان، و « لو كانت السراة أرض نخل وسباخ لقلت هي هي » ثم مكث أياماً، ثم خرج إلىٰ أصحابه مسروراً فقال: « قد أخبرت بدار هجرتكم، وهي يثرب، فمن أراد الخروج فليخرج إليها » فجعل القوم يتجهزون ويتوافقون ويتواسون ويخرجون ويخفون ذلك...[( 14 )].
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
( ١٠ ) : [ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العطرة
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
113 « تَأْويلُ الرُّؤْيتين الصادقتين »
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
‏الأربعاء‏، 22‏ رجب‏، 1443هــ ~ ‏23‏ فبراير‏، 2022م
-*-*
د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ؛ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِن ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ بِــالدِّيَارِ المِصْرَية الْمَحْمِيَّةِ -حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى-









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 26 / 02 / 2022, 25 : 06 PM   المشاركة رقم: 422
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
١١٤ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ
« مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ »
:" ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ "
﴿ » „١١٤ ‟ « ﴾ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ أم سَلَمَةَ، وَحَدِيثُهَا عَمَّا لَقِيَا "

تَمْهِيدٌ :
*.) " إذنه -صلى الله عليه وسلم و - لمسلمي مكةَ بالهجرة ".
مِن الثابت لمَن يقرأ أحداث السيرة النبوية ويتتبع مجريات الأمور؛ وتسلسلها.. ويدرسها دراسة منهجية علمية تشريعية فقهية ليحسن تطبيقها في حياته اليومية العملية.. وليس دراسة تاريخ مضىٰ وولىٰ وانتهىٰ.. فارغ المضمون..
إذ أن " الفترة الزمنية أو المرحلة التأسيسة؛ والتي هي الأحق بالبحث والدراسة والتحليل باستمرار،
هـي مرحلة السيرة النبوية العطرة..
و
تليها فترة الخلافة الراشدة،
و
حقبة خير القرون، بــ
نص وحي السماء المنزل بواسطة أمين السماء علىٰ قلب أمين السماء والأرض رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب -صلى الله عليه وآله وسلم- حين يقول :
( خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهم، ثُمَّ الذين يَلُونهم ) [(1)].
.. لأنها تُصوِّب المسار، وتمثل المرجعية والمعيار، وتشكل نقطة البداية والانطلاق، وتحقق الارتكاز القيمي والمقياس الحضاري، وتوضح الملامح والقسمات المميزة للشخصية الحضارية الإسلامية التاريخية.. بشقيِّ تلك الشخصية :
-النفسي
و
-العقلي،
كما تمثل البُعدين الإنساني والعالمي للرسالة الإسلامية الخالدة، والفترة الأمينة والمأمونة والسابقة، لتحويل أفكار المبادئ إلىٰ برامج عملية، والقيِّم الحياتية إلىٰ خطط مطبقة، والفكر النظري إلىٰ فعل تنفيذي،
أي
تحويل النظرية إلىٰ تطبيق، وإدراك كافة مقاصد الدين، والانطلاق في الاجتهاد بما يجد من مسائل في كل عصر ووفق كل زمان، والحوار مع الآخر سواء المعاند أو الجاهل، والمشاورة مع أهل العلم التخصصي في كافة مجالاته والمشورة والشورىٰ مع أهل الرأي وأهل الحل والعقد، والمفاكرة فيما يستجد، والمناظرة في المبادئ المستحدثة والأراء المستجدة، إلىٰ الآفاق والأبعاد المستقبلية، التي تتلاءم مع خلود الإسلام كنظام حياة ومرونته وإن كان طراز خاص من العيش طالما أن هناك وجهات نظر متباينة وأراء له مخالفة، مع قدرته علىٰ العطاء في كل زمان ومكان..
فتجربة هـذا الجيل الرباني -جيل الصحابة-، واجتهادهم، وفعلهم، وتنزيلهم للقيم علىٰ الواقع، جزء من خلود هـذا الدين، ووسائل إيضاح معينة وخالدة لكيفية التعامل مع النصوص في الكتاب والسنة، في الظروف والأحوال المختلفة.". [(2)] .

فــ
الدارس لمنهجية السيرة النبوية يجد أن النبي المصطفىٰ -ﷺ- حين الربط بين مفاصل العهد المكي للإنتقال إلىٰ العهد المدني قد سمح لــ مسلمي مكة الأوائل بالخروج منها رغم مكانتها في قلوب المسلمين المعروفة.. ورغم مجاورتهم للبيت العتيق.. ورغم حالة الاستقرار التي عايشوها قبل الإعلان عن الرسالة والجهر بالدعوة ومعرفة أفراد الثلة المؤمنة الأولىٰ لكفار مكة وصناديد قريش[(3)].

و
قد تنوع شكل الخروج وتغيرت صورة المغادرة.. فــ
- مرةً تكون المغادرة إلىٰ أرض غريبة بعيدة كــ الحبشة؛ و
- تارة تكون مغادرة قريبة مثل : شعب أبي طالب إثناء المقاطعة والحصار[(4)]؛ و
- تارة آخرىٰ بعيدة عدة كيلومترات فيكون الخروج إلىٰ الطائف.. و
- أحيانا تكون جماعية مثل ما حدث في الهجرة الأولىٰ والثانية عند مَلِكٍ لا يظلم عنده أحد «„ النجاشي ”» بالحبشة[(5)] .
.. فـ
عن أم سلمة -رضى الله عنها-، أنها قالت :
„ لما ضاقت مكة وأوذىٰ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفتنوا ورأوا ما يصيبهم مِن البلاء والفتنة في دينهم وأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شئ مما يكره ومما ينال أصحابه ”[(6)، فقد قال -عليه السلام- لهم -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- :
« لو خرجتم إلىٰ أرض الحبشة؛ فإن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد؛ وهي أرض صدق؛ حتىٰ يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه »..
..
فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم- إلىٰ أرض الحبشة مخافة الفتنة وفراراً إلىٰ الله بدينهم.. فكانت أول هجرة في الإسلام..
و
آخرىٰ فردية كما حدث مع أبي بكر بن أبي قحافة[(7)] .
.. و
هنا ينبغي أن نفرق بين الهجرة المؤقتة لزمن قد يطول.. -كما ورد في الحديث النبوي الشريف-:
« حتىٰ يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه »..
و
بين مَن يحمل جنسية غربية ويصبح مواطنا من رعايا الدول الغربية!؟..

.. وقضية الخوف علىٰ النفس والعرض أو ضياع المال والمتاع مما يلزم المرء فيضطر الشخص إلىٰ المغادرة والسفر مع وجود مخاطر الطريق..
هذه القضية يعاني منها سكان المنطقة العربية؛ ومَن يقف علىٰ رمال ساخنة وأحياناً ملتهبة في مناطق يقطنها مسلم غُلب علىٰ أمره.. ومشاهد سكان افغانستان بعد خروج جنود العم "سام" واستيلاء تنظيم طالبان علىٰ منافذ ومخارج البلاد.. ورغبتهم الهرب من أبناء جلدتهم بل أبناء عقيدتهم ودينهم لا يمكن أن يفارق مخيلة المتتبع لأحداث العام الماضي [ 1443/2021 ] خاصةً؛
و
ما يحدث لأكراد العراق في الحادث الأخير المؤلم عند عبور بحر المانش مِن ضفته الفرنسية إلىٰ شاطئه البريطاني..
أو
مَن يريد أن يغادر بزوارق مطاطية مِن الضفة الجنوبية للبحيرة المتوسطية في اتجاه الضفة الشمالية علىٰ الأرض الأوربية؛ والتي يعتقد الكثير مِن الشباب أنها بلد السمن والعسل.. لكن -للأسف- الفارق كبير.. وكبير جداً بين مَن يفارق مِن أجل حماية عقيدته وحفظ إيمانه وحسن تبليغ رسالة ربه وبين مَن يترك موطنه مِن أجل حفنة مِن الدولارات.. مقابل تنازلات عدة.. وإن كان السفر وترك مكان إلىٰ آخر مِن حيث الأصل مباح.. ولكن حالات كثيرة مما تُعلم تخالف هذا الأصل الشرعي!.. وبمعنىٰ آخر :" ينبغي توضيح مسألة : « مَن يفر بدينه خوفاً من الفتنة ».

و
واقع المسلم -على كافة المستويات: سواء مَن جاء لطلب العلم؛ أو البحث عن لقمة خبز- في الغرب يحتاج مِن أهل العلم إعادة نظر.. إذ صار عدد المسلمين يتعدى 58 مليوناً في القارة الأوربية بمفردها!!
-*-*
الْمُقَدِّمَة
*.] اشتدَ الأذىٰ علىٰ المؤمنين الأوائل في مكةَ حتىٰ صارت جحيماً لا يطاق، فأذِن النبي -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين بالهجرة إلىٰ يثرب -مدينته المنورة؛ والتي طيب الله تعالى ثراها بمرقده الشريف وبجواريه صاحبيه- حتىٰ يأمنوا علىٰ أنفسهم، ويقيموا شعائر دينهم، فاستجاب المؤمنون لله ورسوله فهاجروا، وكان منهم سابقون إلىٰ الهجرة،
فمن أول مَن هاجر مِن الصحابة ؟[(8)].

*.] إذْنُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْحَرْبِ، وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَىٰ الْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ. وَأَوَىٰ إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ،
وَ
قَالَ :« „ إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا ”»؛
فَخَرَجُوا أَرْسَالًا،
وَ
أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ- بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ رَبُّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ، وَالْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ[(9)] .

تنبيه:

يظهر بوضوح تام أن كافة مسائل الإنسان -مَن يؤمن بالإسلام الخاتم ديناً- وقضاياه وتصرفاته وأفعاله تبنىٰ علىٰ أوامر آلهية وتكاليف شرعية.. إذ وجد -وفق نصوص الوحي- منهجية بعينها لكافة المسائل.. وكيفية خاصة لكل مسألة ولكل قضية وهذه في بحوث بعينها وفي المقابل هناك حكم الإباحة في مسائل آخرىٰ..
فــ
النبي المصطفىٰ والرسول المجتبىٰ والخاتم المحتبىٰ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ- ينتظر إذن ربه له!..
و
هذا ما يسمىٰ أن الإسلام نظام حياة.. ويطلق عليه طراز خاص من العيش.
[ ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ ]

*.] فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّمَ- مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ :
أَبُوسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَاسْمُهُ : عَبْدُاللَّهِ، هَاجَرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِسَنَةٍ، وَكَانَ قَدِمَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ وَبَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ، خَرَجَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا[(10)].

بيد أننا نقرأ أن :
" أولَ مَن قدمَ المدينة من المهاجرين : مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار بن قصي بن كلاب العبدري؛
فــ
قد روى البراء بن عازب أنَّ أوّل من قدم علينا ـــ يعني: في الهجرة إلىٰ المدينة ـــ مِن أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مُصْعَب بن عُمير، وابنُ أمّ مكتوم. "[(11)]
و
الحقيقة أنه لا يوجد تعارض بين الروايتين.. إذ أن الصحابي الجليل مصعب ذهب إلىٰ يثرب بعد البيعة والتي تمت بالعقبة في المرة الثانية..
ثم مِن بعده ابن أم مكتوم..
أما
عبدالله أبوسلمة فقد ظهر من رواية ابن إسحاق أنه قبل حادثة البيعة تقريباً بسنةٍ ".

الدكتور /أكرم ضياء العمري يقول في بحث له :" يتفق موسىٰ بن عقبة و ابن إسحاق علىٰ أن أباسلمة بن عبدالأسد هو أول من هاجر من مكة إلىٰ المدينة بعد أن آذته قريش إثر عودته من هجرة الحبشة، فتوجه إلىٰ المدينة قبل بيعة العقبة بسنة "[(12)].
ثم يعقب بعد ذلك فيقول : " وكذلك فإن مصعب بن عمير و ابن مكتوم كانا من أوائل المهاجرين حيث كانا يقرئان الناس القرآن". [(12)]
.. وقد تتابع المهاجرون.. فقدم المدينة بلال بن رباح و سعد ابن أبي وقاص و عمار بن ياسر ثم عمر بن الخطاب في عشرين من الصحابة.
وقد سعت قريش بشتىٰ الطرق إلىٰ عرقلة الهجرة إلىٰ المدينة، وإثارة المشاكل أمام المهاجرين، مرة بحجز أموالهم ومنعهم مِن حملها، ومرة بحجز زوجاتهم وأطفالهم، وثالثة بالاحتيال لإعادتهم إلىٰ مكة، لكن شيئاً من ذلك كله لم يعق موكب الهجرة، فالمهاجرون كانوا علىٰ أتم الاستعداد للانخلاع عن أموالهم وأهليهم ودنياهم كلها تلبية لداعي العقيدة"[(13)].
قالت أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- واثبتُ روايتها.. فقد: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قَالَتْ :
« لَمَّا أَجْمَعَ أَبُوسَلَمَةَ الْخُرُوجَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
- رَحَلَ لِي بَعِيرَهُ
ثُمَّ
- حَمَلَنِي عَلَيْهِ، وَ
- حَمَلَ مَعِي ابْنِي سَلَمَةَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ فِي حِجْرِي،
ثُمَّ
- خَرَجَ بِي يَقُودُ بِي بَعِيرَهُ،
فَلَمَّا رَأَتْهُ رِجَالُ بَنِي الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَامُوا إلَيْهِ، فَقَالُوا :
„ هَذِهِ نَفْسُكَ غَلَبْتنَا عَلَيْهَا، أَرَأَيْتَ صَاحِبَتَكَ هَذِهِ؟ عَلَامَ نَتْرُكُكَ تَسِيرُ بِهَا فِي الْبِلَادِ؟” ».
قَالَتْ :
« فَنَزَعُوا خِطَامَ الْبَعِيرِ مِنْ يَدِهِ، فَأَخَذُونِي مِنْهُ ».
قَالَتْ :
« وَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِالْأَسَدِ، -رَهْطُ أَبِي سَلَمَةَ-، فَقَالُوا :
„ لَا وَاَللَّهِ، لَا نَتْرُكُ ابْنَنَا عِنْدَهَا إذْ نَزَعْتُمُوهَا مِنْ صَاحِبِنَا ”..
قَالَتْ :
فَتَجَاذَبُوا بَنِي سَلِمَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّىٰ خَلَعُوا يَدَهُ، وَانْطَلَقَ بِهِ بَنُو عَبْدِالْأَسَدِ، وَحَبَسَنِي بَنُو الْمُغِيرَةِ عِنْدَهُمْ، وَانْطَلَقَ زَوْجِي أَبُوسَلَمَةَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ »..
قَالَتْ :
« فَفَرَّقَ بَيْنِي وَبَيْنَ زَوْجِي وَبَيْنَ ابْنِي ».
قَالَتْ :
« فَكُنْتُ أَخْرُجُ كُلَّ غَدَاةٍ فَأَجْلِسُ بِالْأَبْطُحِ، فَمَا أَزَالُ أَبْكِي، حَتَّىٰ أَمْسَىٰ سَنَةً أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ..
حَتَّىٰ مَرَّ بِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمِّي، أَحَدُ بَنِي الْمُغِيرَةِ، فَرَأَىٰ مَا بِي فَرَحِمَنِي »..
فَقَالَ لِبَنِي الْمُغِيرَةِ :
„ أَلَا تُخْرِجُونَ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ، فَرَّقْتُمْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا ”»..
قَالَتْ :
« فَقَالُوا لِي : „ الْحَقِي بِزَوْجِكَ إنْ شِئْتِ ”..»..
قَالَتْ :
« وَرَدَّ بَنُو عَبْدِالْأَسَدِ إلَيَّ عِنْدَ ذَلِكَ ابْنِي »..
قَالَتْ :
« فَارْتَحَلْتُ بَعِيرِي ثُمَّ أَخَذْتُ ابْنِي فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِي، ثُمَّ خَرَجْتُ أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ »..
قَالَتْ :
« وَمَا مَعِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ »..
قَالَتْ :
« فَقُلْتُ : أَتَبَلَّغُ بِمَنْ لَقِيتُ حَتَّىٰ أَقْدَمَ عَلَيَّ زَوْجِي،
حَتَّىٰ إذَا كُنْتُ بِالتَّنْعِيمِ لَقِيتُ :«„ عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَخَا بَنِي عَبْدِالدَّارِ ”»..
فَقَالَ لِي :„ إلَى أَيْنَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ ؟ ”..
قَالَتْ :« فَقُلْتُ :
أُرِيدُ زَوْجِي بِالْمَدِينَةِ ”»..
قَالَ : „ أَوَمَا مَعَكَ أَحَدٌ ؟ ”..
قَالَتْ :
« فَقُلْتُ : لَا وَاَللَّهِ، إلَّا اللَّهُ وَبُنَيَّ هَذَا »..
قَالَ : „ وَاَللَّهِ مَا لَكَ مِنْ مَتْرَكٍ ”..
فَأَخَذَ بِخِطَامِ الْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ مَعِي يَهْوِي بِي،
.. « فَوَاَللَّهِ مَا صَحِبْتُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ قَطُّ، أَرَىٰ أَنَّهُ كَانَ أَكْرَمَ مِنْهُ، كَانَ إذَا بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَنَاخَ بِي، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي، حَتَّىٰ إذَا نَزَلْتُ اسْتَأْخَرَ بِبَعِيرِي، فَحَطَّ عَنْهُ، ثُمَّ قَيَّدَهُ فِي الشَّجَرَةِ، ثُمَّ تَنَحَّى ( عَنِّي ) إلَىٰ شَجَرَةٍ، فَاضْطَجَعَ تَحْتَهَا، فَإِذَا دَنَا الرَّوَاحُ، قَامَ إلَىٰ بَعِيرِي فَقَدَّمَهُ فَرَحَلَهُ، ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي »..
وَقَالَ :« „ ارْكَبِي ”..
.. « فَإِذَا رَكِبْتُ وَاسْتَوَيْتُ عَلَىٰ بَعِيرِي أَتَىٰ فَأَخَذَ بِخِطَامِهِ، فَقَادَهُ، حَتَّىٰ يَنْزِلَ بِي »..
.. « فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِي حَتَّىٰ أَقْدَمَنِي الْمَدِينَةَ »..
.. « فَلَمَّا نَظَرَ إلَىٰ قَرْيَةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ »..
قَالَ : „ زَوْجُكَ فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ - وَكَانَ أَبُوسَلَمَةَ بِهَا نَازِلًا - فَادْخُلِيهَا عَلَىٰ بَرَكَةِ اللَّهِ ”؛ ثُمَّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَىٰ مَكَّةَ .
قَالَ : فَكَانَتْ تَقُولُ :« وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ فِي الْإِسْلَامِ أَصَابَهُمْ مَا أَصَابَ آلَ أَبِي سَلَمَةَ »؛
وَ تَقُولُ:
« مَا رَأَيْتُ صَاحِبًا قَطُّ كَانَ أَكْرَمَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ».[(14)]
..
وينبغي للعاقل أن يعقد مقارنةً بين حال مَن سلفَ ووضع مَن خلف في هذه المسألة..
و
ما أكثر المسائل التي تحتاج لإعادة النظر ومعرفة الحكم الشرعي المتعلق بها!!!.
*(يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(1)] (رواه البُخاري ).
[(2)] كتاب الأمة؛ عمرو بن العاص؛ (القائد المسلم والسفير الأمين) [الجزء الأول]؛ اللواء الركن / محمود شيت خطاب؛ المحرم 1417 هـ.
[(3)] يجب عَليَّ رفع الشكر والتقدير للمجهود الذي قام به المدير التنفيذي لموقع ملتقى أهل العلم حيث قد أعانني وساعد القارئــ(ــة) في تثبيت مسائل بحث السيرة النبوية العطرة علىٰ صاحبها أفضل الصلاة وأكمل السلام وعظيم البركات وخالص الدعوات وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته وسار علىٰ طريقته والتزم هديه :
[ترقيم خاص لـ ملتقى أهل العلم: (يبدءُ 80 إلىٰ 88:"
80.] الإيذاء على يد سفهاء المشركين
81.] الإيذاء البدني لصاحب الدعوة !
82.] الْأَذِيَّةُ لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ الأوائل
83.] المستضعفون
84.] أَبَو يَحْيَىٰ؛ صُهَيْبٌ بن سنان
85.] عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَة
86.] أَبُو فُكَيْهَةَ
87.] جَارِيَةٌ مِنْ بَنِي الْمُؤَمَّلِ
88.] صحابِيَّةٌ رُومِيَّةٌ ﴿ زِنِّيرَةُ ﴾.
[(4)] ترقيم ملتقى أهل العلم:
(96:" مُقَاطَعَةُ قُرَيْشٍ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِب".)].
[(5)] ترقيم ملتقى أهل العلم:
(94: " الْهِجْرَةُ الْأُولَىٰ إلَىٰ أَرْضِ الْحَبَشَة !")؛
(95: "الْهِجْرَةِ الثَّانِيَة ".).
[(6)] أبوالفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي (المتوفى: 774هـ)؛ السيرة النبوية (مِن البداية والنهاية)؛ تحقيق: مصطفىٰ عبدالواحد؛ (مجلد: 2؛ ص: 18 ) الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان؛ 1395 هـ - 1976 م.
[(7)] ترقيم موقع أهل العلم:
(93):" عَزْمَ الصِّدِّيقِ عَلَىٰ الْهِجْرَةِ إِلَىٰ الْحَبَشَةِ ".
[(8) د. العمري .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
( ١٠ ) : [ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العطرة
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
:" ذِكْرُ أَوَائِلَ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ "
١١٤ » هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ أم سَلَمَةَ، وَحَدِيثُهَا عَمَّا لَقِيَا «
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
‏‏السبت‏، 25‏ رجب‏، 1443هــ .
*-*-*-*









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 09 / 03 / 2022, 58 : 02 PM   المشاركة رقم: 423
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
( 115 ) هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجِهِ
عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ
وأُمُّ عَبْدِالْلَّهِ بْنِ عَامِرٍ؛ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ.. الْقُرَشِيَّةِ الْعَدَوِيَّةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-
بحوث قُبيل الهجرة النبوية الشريفة
»مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
ذِكْرُ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
.. نقترب رويداً.. رويداً.. مِن بدايات أحداث العهد المدني الميمون؛ ذٰلك العهد الذي سيصبح ـ كيانا تنفيذيا لـ مجموعة الأفكار الإسلامية المنزلة من السماء لمعالجة مسائل الإنسان المغايرة تماماً عما هو سائد وموجود في كل المجتمعات وقتذاك.. ذٰلك الكيان التنفيذي لــ تطبيق كتلة المبادئ وتنفيذ حزمة القيم وإيجاد المقاييس في كافة العلاقات وتفعيل المفاهيم عند الفرد والمجتمع والدولة وإنزال القناعات الإسلامية في الحياة الخاصة والعامة..
ونتشرف مِن خلال موقع ملتقى أهل العلم بــ تواجدنا عبر الأثير في موضع اللبنة الأولىٰ للكيان التنفيذي الأول للدولة الإسلامية في » يثرب الأنصار «: مدينةِ الرسول؛ والتي نقىٰ الله -تعالىٰ- هواءها بمقدمه -عليه السلام-.. وطيَّبَ ثراها حين داس بقدميه الشريفتين ترابها.. ثم بمرقده حين انتقل إلىٰ الرفيق الأعلىٰ في غرفة أم المؤمنين.. أم عبدالله عائشة بنت أبي بكر!.. وبجواره صاحبيه الصديق والفاروق -رضي الله تعالى عنهما - ..
سنبدء نتعايش مع الكيان الجديد.. الدولة الإسلامية الأولىٰ
.. تشرفنا بمصاحبة طلائع الهجرة في الحلقة الماضية مع أبي سلمة المخزومي..
و
اليوم نتشرف بسيرة آحدىٰ الــ : » نساء الــــ رائدات « باعتبارها أول مسلمة تجر ذيلها الطاهر بــ قُباء فتطأ قدميها - قبل الرسول الكريم مع زوجها - المدينة! لــ يتم التمهيد لاستقباله ومن ثمَ بناء الكيان الجديد!
-**-
الْمُقَدِّمَة:
الثابتُ والآكيدُ أن جميع ما قال به نبي الهدىٰ ورسول الإسلام؛ خاتم النبيين؛ وآخر المبتعثين؛ ومتمم المرسلين محمد بن عبدالله [ﷺ].. والمعروف أن جميع ما جاء به [ﷺ] وحيا من ربه مِن قضايا متعلقة بالعقيدة والإيمان سواء بالآله الواحد الأحد الفرد الصمد وصفاته وخواصه واسماءه.. أو بقية أركان الإيمان وأسس العقيدة.. أو مسائل العبادات البدنية: كــ الصلاة والصيام ولباس المسلمــ(ــة) والمالية: كــ الصدقة والزكاة أو الإثنين معاً في عبادة واحدة كــ الحج والعمرة.. وكافة المعاملات سواء معاملة الإنسان مع ذاته أو غيره مِن البشر وبقية المخلوقات.. أو إذا ارتكب معصية أو جريرة وعلم بها القاضي الشرعي؛ وما يتعلق بها من كيفية التعزير والعقوبات والحدود..
.. الآكيد والمعروف أن جميع ما هو متعلق بأفعال وأقوال وتصرفات الإنسان وفق القاعدة الشرعية والتي تقول : « الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي »؛ وتجاورها قاعدة آخرىٰ تقول : « الأصل في الأشياء الإباحة ما يرد دليل التحريم »؛ وعليهما -القاعدتين الشرعيتين المستنبطتين من آيات كريمات وأحاديث شريفة- يتم وفق أحكام الإسلام..
والثابت أن تكون أفكار الإسلام مرافقة لمعالجات عملية وطريقة تطبيقية في إيجادها وكيفية تنفيذها.. فهي » الأفكار والمبادئ والقيم والمقاييس والمفاهيم والقناعات « ليست أفكار مثالية أو تصورات خيالية أو نظريات خالية مِن المضمون وفاضية مِن المحتوىٰ..وإن تمكنت نظرية فلسفية ما مِن التواجد في الحياة العملية.. فسرعان ما تسقط كالشيوعية -مثلاً- والتي انهارت وقُضي عليها بأيدي أمناء الفكرة..
وكذا الرأسمالية الديموقراطية والتي تترنح مِن حين إلىٰ آخر عند أساءة التطبيق أو ظهور المفسدين..
فالإسلام بشقيه : الدعوة.. وطريقة إيجادها في الواقع المعاش يحتاج إلى أرض صلبة لقيام هذا الكيان.. وبما أنه لم يصلح المجتمع المكي فلم يتبقىٰ سوىٰ الخروج منها للبحث عن موضع تحت الشمس يصلح فكان الخروج إلىٰ الطائف (أولاً)؛ بيد أنه -سبحانه وتعالى- قدَّر أن يكون قيام الكيان الإسلامي الجديد في يثرب الأنصار.. مدينة المصطفىٰ!
.. لذا فإسلامُ النبي الخاتم [ﷺ] وجهةُ نظر معينة في الحياة؛ وطرازٌ خاصٌ مِن العيش وكيفيةٌ معينةٌ في كافة العلاقات والمعاملات والتصرفات تحمل في طياتها طريقة التنفيذ وترافق النظرية (الفكرة) كيفية عملية لــ إيجادها في واقع الحياة والمجتمع والدولة؛ وأعترفُ أنه قد حدثت وتحدث تجاوزات أو اساءة تطبيق مِن القائمين عليها لحظة التنفيذ.. لكن سرعان ما يتم تصحيح الإعوجاج مِن داخل نظام الإسلام نفسه وليس بترقيعه بــ نظريات غريبة عنه؛
أما الانحدار المستمر الذي اصيبت به الأمة الإسلامية في مجموعها منذ حين يعود لحالة الضعف الشديد؛ والتي : « طرأت » علىٰ الأذهان في فهم الإسلام.. وخيرُ دليل علىٰ هذه الحالة تلك التجمعات والتكتلات والحركات -وما أكثرها اليوم كــ غثاء السيل- ذات الوشاح الإسلامي والتي تصدرت المشهد في كثير مِن بقاع العالم لم تتمكن من إبراز صحيح الدين وأن :„ دندنت ” حوله بمقولات إسلامية.. وشعارات جوفاء.. وإن شاء الرحمن الرحيم -عزَّ وجلَّ- في نهاية هذه البحوث تكون هناك ملاحق.. منها دراسة تلك التكتلات والتجمعات والحركات.. مع بحث سبب الإخفاق.

..
أقول (الرَّمَادِيُّ) : رافق المصطفىٰ المجتبىٰ المرتضىٰ المحتبىٰ في العهد المكي رجالات ونساء مِن الطراز الأول من البشر في زمن الرسالة الأول؛ ثم تعايش رجال ونساء في العهد المدني: الزمن الثاني للرسالة - وهو ما سيبحث بإذنه - تعالىٰ- في قادم الصفحات - .. هؤلاء الصحابة والصحابيات الكرام سُطرت أعمالهم في سجل الخالدين؛ مع وجود بعض السقطات والهفوات والمخالفات من أفرادٍ منهم - سيشار إليها في موضعها -.. فهم ونحن بشر؛ بيد أنه تتبقىٰ المدرسة النبوية الرائدة مع هذا الرعيل الأول مِن الصحابة والصحابيات والمعاشرة الحية معه - عليه السلام - والتفاعل الحي.. مع ملاحظة الاستعداد النفسي والعقلي والقبول الروحي والإدراك الذهني لما يتنزل مِن الوحي علىٰ قلوب أمثال هؤلاء جميعاً..
لذا فقد وجد مصطلح :
- « أم المؤمنين .. الصحابي.. الصحابة.. اصحاب رسول الله.. الصحابيات .. الصحابية »..
كما وجد مصطلح.:
.-. « الأنصاري.. الأنصار.. الأنصاريات »..
كما وجد مصطلح :
.-. « التابعي.. التابعات »
وهكذا..
وهي مصطلحات لها مفهوم في الثقافة الإسلامية بل والعالمية.. ومن هنا جاء مصطلح :
- «„ الشخصيات المحورية ”» في عموم الرسالة المحمدية بعهديها المكي والمدني.. والتي لعبت تلك الشخصيات دوراً جوهرياً.. وهي ملحق - بإذنه تعالىٰ - هام مِن ملاحق بحث السيرة النبوية!
واعتقد أنه مِن الخطأ وتجاوز الحد والتعدي في الأدب عقد مقارنة بين جيل الصحابة وبين جيل هذه الألفية؛ فهم - رضوان الله عليهم أجمعين - أبناء وبنات بيئتهم ومناخهم وزمنهم وعصرهم بما فيه وما عليه..
ونحن أبناء وبنات عصرنا بما فيه وعليه..
والمقارنة ليست متوفرة بنص القرآن الكريم؛ غير أنه تتبقىٰ مدرسة النبوة الرائدة؛ وتتبقىٰ دراسة سيرتهم الحسنة ؛ وأيضا سيرة مِن عصىٰ وارتكب إثماً يحاسب عليه..
فتصور حال صحابته وإدركه بصورة ذهنية نقية تساعد علىٰ إمكانية بناء جيل اشبه أو يقارب جيل الصحابة..
ولعلها محاولة!..
-*-*
الهجرة إلىٰ يثرب- مدينة المصطفىٰ
قال ابن اسحٰق:" فلما تمت بيعة الأنصار - رضي الله عنهم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ليلة العقبة وكانت سراً عن كفار قومهم.. وسراً عن كفار قريش.. أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَن كان معه بالهجرة إلىٰ المدينة فخرجوا أرسالاً.. "

- أولهم فيما قيل » أبوسلمة ابن عبدالأسد « المخزومي.. وحبست عنه امرأته » أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم « بمكة نحو سنة..
[ انظر ملتقى أهل العلم:] : «„ ١١٤ هِجْرَةُ أَبِي سَلَمَةَ وَزَوْجِهِ ”»؛ صفحة : ( ٤٣)؛ مشاركة: ( ٤٢٢)
-*-*
» هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجِهِ «
-*-*-
قبل مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كان » عَامِرٌ « مهيأ نفسياً لرؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - والإيمان بدينه، وذٰلك بناءً عما قيل عَنْ عَامِرِ بن رَبِيعَةَ.. فقد قَالَ: سَمِعْتُ » زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ « يَقُولُ: „ أَنَا أَنْتَظِرُ نَبِيًّا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.. ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِالْمُطَّلِبِ.. وَلا أراني أدركه.. وأنا أؤمن بِهِ وَأُصَدِّقُهُ وَأَشْهَدُ أَنَّهُ نَبِيٌّ.. فَإِنْ طَالَتْ بِكَ مُدَّةٌ يا عامر فَرَأَيْتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ. وَسَأُخْبِرُكَ مَا نَعْتُهُ حَتَّىٰ لا يَخْفَىٰ عَلَيْكَ ”.
قُلْتُ: „ هَلُمَّ! ”.
قَالَ:„ هُوَ رَجُلٌ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلا بِالْقَصِيرِ وَلا بِكَثِيرِ الشَّعْرِ وَلا بِقَلِيلِهِ. وَلَيْسَتْ تُفَارِقُ عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ. وَخَاتَمُ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ. وَاسْمُهُ أَحْمَدُ. وَهَذَا الْبَلَدُ مَوْلِدُهُ وَمَبْعَثُهُ. ثُمَّ يُخْرِجُهُ قَوْمُهُ مِنْهُ وَيَكْرَهُونَ مَا جَاءَ بِهِ حَتَّىٰ يُهَاجِرَ إِلَىٰ يَثْرِبَ فَيَظْهَرَ أَمْرُهُ. فَإِيَّاكَ أَنْ تُخْدَعَ عَنْهُ فَإِنِّي طُفْتُ الْبِلادَ كُلَّهَا أَطْلُبُ دِينَ إِبْرَاهِيمَ. فَكُلُّ مَنْ أَسْأَلُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَىٰ وَالْمَجُوسِ يَقُولُونَ هَذَا الدِّينُ وَرَاءَكَ. وَيَنْعَتُونَهُ مِثْلَ مَا نَعَتُّهُ لَكَ. وَيَقُولُونَ لَمْ يَبْقَ نَبِيٌّ غَيْرُهُ ”.
قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ:„ فلما أسلمتُ أخبرت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قَوْلَ » زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو «وَأَقْرَأْتُهُ مِنْهُ السَّلامَ ”.
فَرَدَّ السَّلامَ وَرَحَّمَ عَلَيْهِ.. وَقَالَ:«„ قَدْ رَأَيْتُهُ فِي الْجَنَّةِ يَسْحَبُ ذُيُولا ”» .
وهكذا - أيضاً - كانت ليلىٰ مهيأة لقبول الدين الجديد.. لأن زوجها كان يردد كثيراً قول » زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ «، فلما سرىٰ في مكة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلىٰ الله الواحد الأحد..
أقبل عامر وليلىٰ وأسلما فــ أسلم عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ قَدِيمًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلْ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ – دار الأرقم بن أبي الأرقم.. وقبل أن يدعو فِيهَا.
وكانا - عامر وزوجه - في طليعة المهاجرين إلىٰ الحبشة لما اشتد أذىٰ قريش .
.. لذا فــ أمهات المؤمنين - زوجات النبي -والصحابيات - رضي الله عنهن جميعاً- يصلحنَّ أن يكنَّ قدوة حسنة للنساء المسلمات، بعد الإِسوة برسول الله..
فقد ضربنَّ أروع الأمثلة في التضحية في سبيل الله والجهاد،
سواء أكنَّ أمهات أو زوجات فقد صبرنَّ علىٰ الملاحقة والتعذيب والاضطهاد..
وفَقْد الأزواج والأبناء والإخوة،
أو
مجاهدات شاركنَّ في الغزوات بتمريض الجرحىٰ، وسقي العطشىٰ، وإعداد الطعام
أو
راويات للأحاديث ومحفظات للقرآن.. ومعلمات للنشأ.
كانت ليلىٰ مِن المُكرمات اللاتي جلسنَّ مع رسول الله، فتعلمتْ علىٰ يديه ونهلت مِن علمه، كما أنها واحدة من الأوائل الذين دخلوا الإسلام، وهاجرت إلىٰ الحبشة، ومن بعدها المدينة المنورة، لذلك حظيت بمكانةٍ خاصةٍ..
فــ الحديث عن سيرة الصحابية ليلىٰ بنت أبي حثمة، شقيقة سليمان بن أبي حثمة، وزوج الصحابي عامر بن ربيعة، وولدها عبدالله بن عامر بن ربيعة.
تميَّزت » ليلى « بالعقل الراجح، ويؤكد ذلك أنها في بداية الدعوة ورغم أن دخول الإسلام في مكة، آنذاك، كان يتم في الخفاء، خوفًا من العذاب الذي كان يتعرض له المسلمون، علىٰ أيدي أشراف قريش، والمشركين بالله، وعابدي الأصنام، والرافضين لدعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنها ولفراستها العالية وقوة ذكائها، تأكدت أن عبادة الأصنام لا تنفع بل تضر، وأن الإسلام هو الدين الذي يجب أن تكون عليه، لذلك لم تتردد لحظة في إعلان إسلامها.

أسلمت هي وزوجها عامر بن ربيعة، ليكونا من السابقين إلىٰ دخول الإسلام، وكانا يتعرضان للإيذاء ليل نهار من عشيرتهما، إلا أنهما تمسكا بالصبر وقوة الإيمان، وعندما ازداد العذاب ذهبا إلىٰ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطلب منهما الهجرة إلىٰ أرض الحبشة، فهاجرا.

الحديث عن : سيدةٍ من نساء الإسلام الأوائل الخالدات اللاتي تحملنَّ مِن أجله كل مكروه كي ترتفع رايته، ويسعد بظله كل إنسان علىٰ ظهر الأرض لما فيه من نجاة وسعادة، فقد هاجرت ليلىٰ مع زوجها تاركةً دارها ومالها وبلدها، وفضلت ما عند اللَّه علىٰ ما عند البشر.

فــ
:" الحديث عن:
- لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ [بن حذيفة] بْنِ غَانِمِ [ بن عامر ] بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ [بن عويج ] بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ [بن لؤي ] القرشية العدوية..
امرأة عامر بن ربيعة.
وهي أم ابنه عبدالله بن عامر، وبه كانت تكنىٰ.
وكانت من المهاجرات الأُوَل.
هاجرت الهجرتين إلىٰ الحبشة وإلىٰ المدينة،
وصلت القبلتين.
روت عنها الشفاء.
يقال: إنها أول ظعينة دخلت المدينة [من المهاجرات] مهاجرة،
و
قيل: أم سلمة"...
فقد كان أول المهاجرين أبوسلمة.. ثم تبعه عامر بن ربيعة وزوجه ليلىٰ، وتعد أول ظعينة تهاجر إلىٰ المدينة. ويظن الكثير أن أول مهاجرة كانت أم سلمة ولكنها كانت ليلىٰ وليست أم سلمة.
ولم تكن هجرة ليلىٰ بنت أبي حثمة إلىٰ يثرب/المدينة مجرد انتقال من مكان إلىٰ مكان ولكن كان لها دور إيجابي هي وباقي المهاجرات والمهاجرين في توطيد دعائم الدين الإسلامي في قلوب اليثربيات واليثربيين، وليس أدل علىٰ ذلك مما رأيناه من خروج الأنصار والمهاجرين ونسائهم للقاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد علمهم بهجرته المباركة. ".
-*-*
ولنستحضر الأدلة علىٰ ما ذكرته:
جاء عند ابن إسحاق: مَنْ هَاجَرُوا الْهِجْرَةَ الْأُولَىٰ إلَىٰ الْحَبَشَةِ..
وذكر..
وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ :
عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، حَلِيفُ آلِ الْخَطَّابِ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ - ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ : مِنْ عَنَزَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ ) - مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ ( بْنِ حُذَافَةَ ) بْنِ غَانِمِ ( بْنِ عَامِرِ ) بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
فــ
:" كانت واحدة من النسوة الأربع اللاتي هاجرن إلى أرض الحبشة الهجرة الأولىٰ ".
وَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ‏:‏ مَا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ أَوَّلُ مِنْ لَيْلَىٰ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ مَعَ أَبِي، وَهُوَ زَوْجُهَا عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ‏.‏
وجاء عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: « أَوَّلُ ظَعِينَةٍ قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ ».
- قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَ المدينة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ : عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ [ بن مالك بن عامر بن ربيعة بن حجر بن سلامان بن مالك بن ربيعة بن رفيدة بن عنز بن وائل بن قاسط: حَلِيفُ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ .
وروي عنه أنه قال :„ ما دخل المدينة في الهجرة أحد بعد أبي سلمة بن عبدالأسد قبلي، ولا قدمتها ظعينة قبل ليلىٰ بنت أبي حثمة”.


- فَكَانَ مَنْزِلُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَلَى مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِالْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُرٍ بقُباءٍ . فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
-*-*-
قال أنه:" مات بعد مقتل عثمان بأيام. وكان لازماً لمنزله، فلم يشعر الناس إلا وجنازته قد أخرجت. وكان يكنىٰ أبا عبدالله. وكان الخطاب بن نفيل لما حالفه عامر بن ربيعة العنزي، تبناه فكان يقال له عامر بن الخطاب، حتىٰ نزل: { ادعوهم لآبائهم } .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ)*
( ١٠ ) : [ الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ ]
السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ العطرة
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
" ذِكْرُ أَوَائِلَ الْمُهَاجِرِينَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ "
١١٥ » هِجْرَةُ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ «
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ 09‏ مارس‏، 2022م









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 09 / 03 / 2022, 21 : 03 PM   المشاركة رقم: 424
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
( ١١٦ ) هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
:" بحوث ما قُبيل الهجرة النبوية الشريفة!
» مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
(إذْنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ) : [(1)]

مدخل :

.. سبقَ هجرةَ المصطفىٰ إلىٰ مدينته المنورة طلائعُ مِن صحابته الكرام.. مهدوا التربة الخصبة لغرس نبتة الإسلام الناشئة..
و
تهيئة المناخ العام لقدوم آخر الأنبياء كي تحتضن البيئة الصالحة افكار الإسلام الجديدة وتُفعل مبادئه السامية وترسخ قيمه الراقية وتنشر مقاييسه الرائعة وقناعاته السامقة..
فــ
نعلم أن :
" مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ: أَبُاسَلَمَةَ بْنُ عَبْدِالْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ،
وَاسْمُهُ: عَبْدُاللَّهِ، هَاجَرَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَيْعَةِ أَصْحَابِ الْعَقَبَةِ بِــ سَنَةٍ.. ".. حين " بَلَغَهُ إسْلَامُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَارِ.. ".. بعد أن " قَدِمَ عَلَىٰ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا آذَتْهُ قُرَيْشٌ .. " خَرَجَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا "[(2)] ..

" .. بعده جاءت:
(هِجْرَةِ عَامِرٍ وَزَوْجُهُ إلىٰ يثرب -المدينة المصطفوية-..
.. فــ. :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَدِمَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ أَبِي سَلَمَةَ: عَامِرُ ابْن رَبِيعَةَ، ومَعَهُ امْرَأَتُهُ لَيْلَىٰ بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ[(3)]..

.. ثم
حصلت:
هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ..
وَ
ذَكَرَ هِجْرَةَ بَنِي جَحْشٍ،
وَهُمْ:
- عَبْدُاللهِ(*).. بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَثِيرِ [«كَبِير»] بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِشَمْسٍ، احْتَمَلَ بِأَهْلِهِ وَبِأَخِيهِ
- أَبي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ.. وَاسْمُهُ: عَبْدٌ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَقِيلَ ثُمَامَةُ.
قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ[(4)] ..
وَكَانَ أَبُوأَحْمَدَ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ، وَكَانَ يَطُوفُ مَكَّةَ، أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا، بِغَيْرِ قَائِدٍ، وَكَانَ شَاعِرًا، وَكَانَتْ عِنْدَهُ الفرعة..[" الْفَارِعَةُ بِنْتُ "[(5)].. بنت أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أُمَيْمَةَ بِنْتَ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ-[عمة محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب]
وَ
قَدْ كَانَ أَخُوهُمْ عُبَيْدُاللهِ أَسْلَمَ ثُمّ تَنَصّرَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ،
- وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ.. أُمّ الْمُؤْمِنِينَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَنَزَلَتْ فِيهَا: { فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها }[الْأَحْزَابَ]
- وَأُمّ حَبِيبِ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تُسْتَحَاضُ(!)، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ،
- وَحَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ(!)أَيْضًا،
.. وَقَدْ رُوِيَ أَنّ زَيْنَبَ اُسْتُحِيضَتْ(!)أَيْضًا، وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّأِ أَنّ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ الّتِي كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَكَانَتْ تُسْتَحَاضُ(!)، وَلَمْ تَكُ قَطّ زَيْنَبُ عِنْدَ عَبْدِالرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ(!)، وَإِنّمَا كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِالرّحْمَنِ أُخْتُهَا أُمّ حبيب..وَيُقَالُ فِيهَا أُمّ حَبِيبَةَ، غَيْرَ أَنّ أَبَا عَبْدِاللهِ مُحَمّدَ بْنَ نَجَاحٍ، أَخْبَرَ أَنّ أُمّ حَبِيبٍ كَانَ اسْمُهَا: زَيْنَبَ..

إذاً..
فَهُمَا زَيْنَبَانِ غَلَبَتْ عَلَىٰ إحْدَاهُمَا الْكُنْيَةُ، فَعَلَىٰ هَذَا لَا يَكُونُ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ وَهْمٌ وَلَا غَلَطٌ (وَاَللهُ أَعْلَمُ).

..
وَكَانَ اسْمُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: بَرّةَ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبَ، وَكَذَلِكَ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمّ سلمة ربيبته -عليه السلام-، كان اسمها بَرة، فَسَمّاهَا زَيْنَبَ كَأَنّهُ كَرِهَ أَنْ تُزَكّيَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا بِهَذَا الِاسْمِ،

..
وَكَانَ اسْمُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ: بُرّةَ بِضَمّ الْبَاءِ، فَقَالَتْ زَيْنَبُ لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.:„ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ غَيّرْت اسْمَ أَبِي، فَإِنّ الْبُرّةَ صَغِيرَةٌ ”؛ فَقِيلَ: أن رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا.:«„ لَوْ أَبُوك مُسْلِمًا لَسَمّيْته بِاسْمِ مِنْ أَسْمَائِنَا أَهْلِ الْبَيْتِ، وَلَكِنّي قَدْ سَمّيْته جَحْشًا ”»؛.. وَالْجَحْشُ أَكْبَرُ مِنْ الْبُرّةِ..
.. ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا فِي كِتَابِ الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ أَبُوالْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ. ". [(6)]..
-*-/
غلق دار بني حجش:
.. فَغُلِّقَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ هِجْرَةً، فَمَرَّ بِهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ؛ وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ؛ وَأَبُوجَهْلِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَهِيَ دَارُ أَبَانَ ابْن عُثْمَانَ الَّتِي بِالرَّدْمِ (الرَّدْم: مَوضِع بِمَكَّة)، وَهُمْ مُصْعِدُونَ إلَٰى أَعَلَىٰ مَكَّةَ، فَنَظَرَ إلَيْهَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا يَبَابًا (اليباب: القفر)، لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ، فَلَمَّا رَآهَا كَذَلِكَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ،..
ثُمَّ قَالَ عُتْبَةُ.:„ أَصْبَحَتْ دَارُ بَنِي جَحْشٍ خَلَاءً مِنْ أَهْلِهَا ”؛.. فَقَالَ أَبُوجَهْلٍ.:„ وَمَا تَبْكِي عَلَيْهِ مِنْ قُلِّ بْنِ قُلٍّ ”؛
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.:„ الْقُلُّ: الْوَاحِدُ ”؛.
وَ قَرأتُ رواية.:„ وَمَا تبكي عَلَيْهِ من فل بن فل ”؛ [ الفل: الْوَاحِد]
.. ثُمَّ قَالَ.. يَعْنِي لِلْعَبَّاسِ.:„ هَذَا مِنْ عَمَلِ ابْنِ أَخِيكَ، هَذَا فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا، وَشَتَّتَ أَمْرَنَا، وَقَطَّعَ بَيْنَنَا ”؛.

..
ثم ذَكَرَ الْبَيْتَ الّذِي تَمَثّلَ بِهِ أَبُوسُفْيَانَ حِينَ مَرّ بِدَارِ بَنِي جَحْشٍ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا، ثُمَّ قَالَ:

وَكُلُّ [بَيْتٍ] دَارٍ وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهَا [سَلَامَتُهُ] * يَوْمًا سَتُدْرِكُهَا [سَتُدْرِكُهُ] النَّكْبَاءُ وَالُحُوبُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ.:„ وَهَذَا الْبَيْت لأبى دؤاد الْإِيَادِيِّ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. [وَاسْمُهُ: حَنْظَلَةُ بْنُ شَرْقِيّ،].. وَقِيلَ جَارِيَةُ [وَقيل حَارِثَة] بْنُ الْحَجّاجِ ذَكَرَ دَارَ بني جحش، وَأَنّهَا عِنْدَ دَارِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِالرّدْمِ، والرّدم.. حفر ردم بِالْقَتْلَىٰ فِي الْجَاهِلِيّةِ، فَسُمّيَ: الرّدْمَ، وَذَلِكَ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي جُمَحَ، وَبَيْنَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ، وَكَانَتْ الدّبَرَةُ فِيهَا عَلَىٰ بني الحارث، ولذلك قلّ عددهم، فهم أفل قُرَيْشٍ عَدَدًا ”.[(7)]
وَالُحُوبُ: التَّوَجُّعُ، (وَهُوَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: الْحَاجَةُ، وَيُقَالُ: الْحُوبُ: الْإِثْمُ)

وبقية الأبيات:

كل امرىء بِلِقَاءِ الْمَوْتِ مُرْتَهَنٌ * كَأَنّهُ غَرَضٌ لِلْمَوْتِ مَنْصُوبُ

عدوان أبي سفيان.:
فعدا أبوسفيان علىٰ دارهم فتملكها وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش.. فباعها من عمرو ابن علقمة أخي بني عامر بن لؤي.. فذكر ذلك عبدالله بن جحش لما بلغه لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.:«„ ألا ترضىٰ يا عبدالله أن يعطيك الله بها داراً في الجنة خيراً منها ”»؛
قال.:„ بلى ”؛
قال.:«„ فذلك لك ”»؛
.. فلما افتح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكة كلمه أبوأحمد في دارهم فأبطأ عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال الناس لأبي أحمد.:„ يا أبا أحمد إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله ”؛
فأمسك عن كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏.[(8)]


منزلهم بالمدينة المنورة .:

.. فَكَانَ مَنْزِلُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالْأَسَدِ، وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ جَحْشٍ، وَأَخِيهِ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ، عَلَىٰ مُبْشَرِ بْنِ عَبْدِالْمُنْذِرِ بْنِ زُنْبُرٍ بــ.:«„ قُباءٍ ”»؛ فِي.:«„ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ”»؛ ثُمَّ قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ أَرْسَالًا [أَرْسَالًا: جمَاعَة إِثْر جمَاعَة]، وَكَانَ بَنُو غَنْمِ ابْنِ دُودَانَ أَهْلَ إسْلَامٍ، قَدْ أَوْعَبُوا [يُقَال: جَاءُوا موعبين: إِذا جمعُوا مَا اسْتَطَاعُوا من جمع] إلَىٰ الْمَدِينَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هِجْرَة رِجَالهمْ ونساءهم.. وهم:
- عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، وَ
- أَخُوهُ أَبُوأَحْمَدَ ابْن جَحْشٍ، وَ
- عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ، وَ
- شُجَاعٌ، وَعُقْبَةٌ.. ابْنَا وَهْبٍ، وَ
- أَرْبَدُ ابْن حُمَيِّرَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ ابْنُ حُمَيْرَةَ
(هِجْرَةُ قَوْمٍ شَتَّى) :
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
- وَمُنْقِذُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَ
- سَعِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَ
- مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ، وَ
- يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ، وَ
- قَيْسُ بْنُ جَابِرٍ، وَ
- عَمْرُو بْنُ مِحْصَنٍ، وَ
- مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو، وَ
- صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَ
- ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو، وَ
- رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ، وَ
- الزُّبَيْرُ بْنُ عُبَيْدٍ[ة]، وَ
- تَمَّامُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَ
- سَخْبَرَةُ بْنُ عُبَيْدَةَ، وَ
- مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ جَحْشٍ.
وَ
ذَكَرَ فِي نِسَاءِ بَنِي جَحْشٍ:
(هِجْرَةُ نِسَائِهِمْ) :
وَمِنْ نِسَائِهِمْ:
- زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَ
- أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ جَحْشٍ، وَ
- جُذَامَةُ بِنْتُ جَنْدَلٍ، وَ
- أُمُّ قَيْسٍ بِنْتُ مُحْصَنٍ، وَ
- أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ ثُمَامَةَ، وَ
- آمِنَةُ [قَالَ أَبُوذَر: «قَالَ الأقشى: صَوَابه: أُمَيْمَة» .] بِنْتُ رُقَيْشٍ، وَ
- سَخْبَرَةُ بِنْتُ تَمِيمٍ، و
- حَمْنةُ بِنْتُ جَحْشٍ.

(شِعْرُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ فِي هِجْرَةِ بَنِي أَسَدٍ) :

وَقَالَ أَبُوأَحْمَدَ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَهُوَ يَذْكُرُ هِجْرَةَ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ قَوْمِهِ إلَىٰ اللَّهِ -تَعَالَى- وَإِلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِيعَابُهُمْ فِي ذَلِكَ حَيْنَ دُعُوا إلَىٰ الْهِجْرَةِ:

وَلَوْ حَلَفَتْ بَيْنَ الصَّفَا أُمُّ أَحُمَدٍ * وَمَرْوَتِهَا باللَّه بَرَّتْ يَمِينُهَا
لَنَحْنُ الْأُلَى كُنَّا بِهَا ثُمَّ لَمْ نَزَلْ * بِمَكَّةَ حَتَّى عَادَ غَثًّا سَمِينُهَا
بِهَا خَيَّمَتْ غَنْمُ بْنُ دُودَانَ وَابْتَنَتْ * وَمَا إنْ غَدَتْ غَنْمُ وَخَفَّ قَطِينُهَا [القطين: الْقَوْم المقيمون]
إلَىٰ اللَّهِ تَغْدُو بَيْنَ مَثْنَى وَوَاحِدٍ * وَدِينُ رَسُولِ اللَّهِ بِالْحَقِّ دِينُهَا


وَقَالَ أَبُوأَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ [(9)] أَيْضًا:

لَمَّا رَأَتْنِي أُمُّ أَحْمَدَ غَادِيًا * بِذِمَّةِ مَنْ أَخْشَى بِغَيْبٍ وَأَرْهَبُ[الذِّمَّة: الْعَهْد]
تَقُولُ: فَإِمَّا كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا * فَيَمِّمْ بِنَا الْبُلْدَانَ ولتَنْأَ يَثْرِبَ[يمم: قصد. وتنأى: تبعد]
فَقُلْتُ لَهَا: بَلْ يَثْرِبُ الْيَوْمَ وَجْهُنَا[مَا يَثْرِبٌ بِمَظِنَّةٍ][(10)] * وَمَا يَشإِ الرَّحْمَنُ فَالْعَبْدُ يَرْكَبُ
إلَىٰ اللَّهِ وَجْهِي وَالرَّسُولِ وَمَنْ يُقِمْ * إلَى اللَّهِ يَوْمًا وَجْهَهُ لَا يُخَيَّبُ
فَكَمْ قَدْ تَرَكْنَا مِنْ حَمِيمٍ مُنَاصِحٍ * وَنَاصِحَةٍ تَبْكِي بِدَمْعٍ وَتَنْدُبُ
تَرَى أَنَّ وِتْرًا[الْوتر: طلب الثأر]نَأْيُنَا عَنْ بِلَادِنَا * وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الرَّغَائِبَ نَطْلُبُ
دَعَوْتُ بَنِي غَنْمٍ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ * وَلِلْحَقِّ لَمَّا لَاحَ لِلنَّاسِ مَلْحَبُ[ملحب: طَرِيق بَين وَاضح]
أَجَابُوا بِحَمْدِ اللَّهِ لَمَّا دَعَاهُمْ * إلَى الْحَقِّ دَاعٍ وَالنَّجَاحُ فَأَوْعَبُوا[أوعبوا: اجْتَمعُوا وكثروا]
وَكُنَّا وَأَصْحَابًا لَنَا فَارَقُوا الْهُدَى * أَعَانُوا عَلَيْنَا بِالسِّلَاحِ وأجْلَبوا[وَفِي أ: «فأحلبوا» . وَمن رَوَاهُ بِالْجِيم، فَمَعْنَاه: صاحوا. وَمن رَوَاهُ بِالْحَاء الْمُهْملَة، فَمَعْنَاه: أعانوا.]
كَفَوْجَيْنِ: أَمَّا مِنْهُمَا فَمُوَفَّقٌ * عَلَى الْحَقِّ مَهْدِيٌّ، وَفَوْجٌ مُعَذَّبُ[الفوج: الْجَمَاعَة من النَّاس]
طَغَوْا وَتَمَنَّوْا كِذْبَةً وَأَزَلَّهُمْ * عَنْ الْحَقِّ إبْلِيسُ فَخَابُوا وَخُيِّبُوا
وَرِعْنَا إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ - فَطَابَ وُلَاةُ الْحَقِّ مِنَّا وطُيِّبوا
نَمُتُّ بِأَرْحَامٍ إلَيْهِمْ قَرِيبَةٍ * وَلَا قُرْبَ بِالْأَرْحَامِ إذْ لَا نُقَرَّبُ
فَأَيُّ ابْنِ أُخْتٍ بَعْدَنَا يَأْمَنَنَّكُمْ * وَأَيَّةُ صِهْرٍ بَعْدَ صِهْرِي تُرْقَبُ
سَتَعْلَمُ يَوْمًا أَيُّنَا إذْ تُزَايِلُوا * وَزُيِّلَ أَمْرُ النَّاسِ لِلْحَقِّ أَصْوَبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ «وَلْتَنْأَ يَثْرِبَ» ، وَقَوْلُهُ «إذْ لَا نَقْرَبُ» ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.[(11)]..
[قال أبوعمر وهاجر جميع بني جحش بنسائهم]..[(12)]:"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
(*) أمير المؤمنين... عبدالله بن جحش
(أول من دعي بأمير المؤمنين)
الصحابيّ الذي نسوق عنه الحديث الآن وثيق الصلة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وواحد من أصحاب الأوليات في الإسلام. فهو ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؛ ذلك لأن أمه أميمة بنت عبد المطلب كانت عمة النبي -عليه الصلاة والسلام-. وهو صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذلك لأن أخته زينب بنت جحش كانت زوجة النبي الكريم، وإحدى أمهات المؤمنين. وهو أول من عُقد له لواء في الإسلام. وهو بعد ذلك أّول من دعي أمير المؤمنين… إنه عبد الله بن جحش الأسديّ.

أسلم عبدالله بن جحش، قبل أن يدخل النبي -عليه الصلاة والسلام- دار الأرقم، فكان من السابقين إلى الإسلام. ولما أذن النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه بالهجرة إلى المدينة فراراً بدينهم من أذى قريش،
كان عبدالله بن جحش ثاني المهاجرين إذ لم يسبقه إلى هذا الفضل إلا أبوسلمة. على أن الهجرة إلى الله، ومفارقة الأهل والوطن في سبيله لم تكن أمراً جديداً على عبدالله بن جحش، فقد هاجر هو وبعض ذويه قبل ذلك إلى الحبشة؛ لكنّ هجرته هذه المرّة كانت أشمل وأوسع، فقد هاجر أهلُه وذووه، وسائر بني أبيه رجالاً ونساءً، وشيباً وشباناً وصبية وصبيات، فقد كان بيته بيت إسلام، وقبيلُه قبيل إيمانٍ. فما إن فصلوا عن مكة حتّى بدت ديارهم حزينة كئيبة، وغدت خواءً خلاءً كأن لم يكن فيها أنيس من قبلُ، ولم يسمر في ربوعها سامرٌ.
و
لم يمض غير قليل على هجرةِ عبدالله ومن معه حتّى خرج زُعماءُ قريش يطوفون في أحياء مكّة، لمعرفة من رَحَل عنها من المسلمين ومن بقي منهم، وكان فيهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة، فنظر عتبة إلى منازل بني جحش تَتَنَاوح فيها الرياح السافيات (التي تثير التراب) وتخفق أبوابها خفقاً وقال: أصبحت ديار بني جحشٍ خلاءً تبكي أهلها،
فقال أبو جهل: ومن هؤلاء حتّى تبكيهم الدِّيارُ؟!
ثم وَضَع أبو جهل يده على دار عبد الله بن جحش، فقد كانت أجمل هذه الدور وأغناها، وجعل يتصرَّف فيها وفي متاعها كما يتصرَّفُ المالك في ملكِه. فلمّا بلغ عبدالله بن جحش ما صنع أبو جهل بداره،
ذكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ألا ترضى ياعبد الله أن يعطيك الله بها داراً في الجنّة؟».
قال: بلى يارسول الله.
قال: «فذلك لك».
فطابت نفس عبدالله وقرّت عينه.
ما كاد عبدالله بن جحش يستقر في المدينة بعدما تكبّده من نصبٍ في هجرتيه الأولى والثانية، وما كاد يذوق شيئاً من طعم الراحة في كنف الأنصار، بعدما ناله من أذى على يد قريش، حتّى شاء الله أن يتعرّض لأقسى امتحان عرفه في حياته، وأن يعاني أعنف تجربة لقيها منذ أسلم.
فلنرهف السمع لقصّة تلك التجربة القاسية المرّة:

انتدب الرسول -صلوات الله عليه- ثمانية من أصحابه للقيام بأول عملٍ عسكري في الإسلام، فيهم عبدالله بن جحش وسعد بن أبي وقاص وقال: «لأؤمرنَّ عليكم أصبركم على الجوع والعطش» ثم عقد لواءهم لعبدالله بن جحش، فكان أول أمير أُمّر على طائفةٍ من المؤمنين.
(وروي أن أول لواء عقد في الإسلام كان لحمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه وقيل غير ذلك).

حدّد الرسول الكريم لعبدالله بن جحش وجهَتَه وأعطاه كتاباً، وأمره ألا ينظر فيه إلا بعد مسيرة يومين. فلما انقضى على مسيرة السرية يومان نظر عبدالله في الكتاب
فإذا فيه:
«إذا نظرت في كتابي هذا، فامضِ حتّى تنزل «نَخلَة» بين الطائف ومكّة، فترصَّد بها قريشاً، وقف لنا على أخبارهم».
وما إن أتمّ عبدالله الكتاب حتّى قال: سمعاً وطاعة لنبي الله،
ثم قال لأصحابه:
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أمرني أن أمضي إلى نخلة لأرصد قريشاً حتى آتيه بأخبارهم، وقد نهاني عن أن أستكره أحداً منكم على المضي معي، فمن يريد الشهادة ويرغب فيها فليصحبني، ومن كره ذلك فليرجع غير مذموم.
فقال القوم: سمعاً وطاعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلّم-، إنما نمضي معك حيث أمرك نبي الله.
ثم
سار القوم حتّى بلغوا نخلة وطفقوا يجوسون (يدورون ويبحثون) خلال الدروب ليترصدوا أخبار قريش. وفيما هم كذلك أبصروا عن بعد قافلة لقريش فيها أربعة رجالٍ هم: عمرو بن الحضرميِّ، والحكم بن كيسانَ، وعثمان بن عبدالله، وأخوه المغيرة ومعهم تجارة لقريش فيها جلود وزبيب ونحوها مما كانت تتجر به قريش.
عند ذلك أخذ الصحابة يتشاورون فيما بينهم، وكان اليوم آخر يوم من الأشهر الحرم ،
فقالوا: إن قتلناهم فإنما نقتلهم في الشهر الحرام، وفي ذلك ما فيه إهدار حُرمة هذا الشهر والتعرض لسخط العرب جميعاً.
(الأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وكانت العرب تحرم فيها القتال).
وإن أمهلناهم حتى ينفض هذا اليوم دخلوا في أرض الحرم ( أي أصبح قتالهم محرماً علينا بسبب دخولهم في أرض الحرم المكّي)
وأصبحوا في مأمن منا. ومازالوا يتشاورون حتّى أجمعوا رأيهم على الوثوب عليهم وقتلهم وأخذ ما في أيديهم من غنيمة. وفي لحظات قتلوا واحداً منهم وأسروا اثنين، وفرّ الرابع من أيديهم.
استاق عبدالله بن جحش وصحبه الأسيرين والعير متوجهين إلى المدينة، فلمّا قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووقف على ما فعلوه استنكره أشد الاستنكار،
و
قال لهم:
«والله ما أمرتكم بقتال، وإنما أمرتكم أن تقفوا على أخبار قريش، وأن ترصدوا حركتها».
و
أوقف الأسيرين حتّى ينظر في أمرهما، وأعرض عن العير فلم يأخذ منها شيئاً.

عند ذلك سُقِطَ في أيدي عبدالله بن جحش وأصحابه، وأيقنوا أنهم هلكوا بمخالفتهم لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وزاد عليهم الأمر ضيقاً أن إخوانهم من المسلمين طفِقوا يكثرون عليهم من اللوم، ويزورون عنهم كُلّما مرُّوا بهم
ويقولون:
خالفوا أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقد ازدادوا حرجاً على حرج حين علموا أن قريشاً اتخذت من هذه الحادثة ذريعة للنيل من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
و
التشهير به بين القبائل،
فكانت تقول: إن محمداً قد استحل الشهر الحرام؛ فسفك فيه الدم، وأخذ المال، وأسر الرجال…
فلا تسلْ عن مبلغ حزن عبدالله بن جحش وأصحابه على ما فرط منهم، ولا عن خجلتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما أوقعوه فيه من الحرج. ولمّا اشتد عليهم الكرب وثقُل عليهم البلاء،
جاءهم البشير يبشرهم بأن الله -سبحانه- قد رضي عن صنيعهم، وأنه أنزل على نبيّه في ذلك قرآناً. فلا تسلْ عن مدى فرحتهم، وقد طفق الناس يقبلون عليهم معانقين مبشرين مهنئين وهم يتلون ما نزل في عملهم من قرآن مجيد.
فلقد نزل على النبي قول الله علت كلمته:
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ )
فلّما نزلت الآيات الكريمات طابت نفس الرسول الكريم -صلوات الله وسلامه عليه-؛ فأخذ العير وفدى الأسيرين، ورضي عن صنيع عبدالله بن جحش وأصحابه إذ كانت غزوتهم هذه حدثاً كبيراً في حياة المسلمين؛ فغنيمتها أول غنيمة اُخِذت في الإسلام، وقتيلها أول مشرك أراق المسلمون دمَه، وأسيراها أول أسيرين وقعا في أيدي المسلمين، ورايتها أول راية عقدتها يد رسول الله -صلوات الله عليه-، وأميرها عبدالله بن جحش أول من دُعي بأمير المؤمنين.

ثم
كانت (بدر) فأبلى فيها عبدالله بن جحش من كريم البلاء ما يليق بإيمانه.
ثم
جاءت (أحد) فكان لعبدالله بن جحش وصاحبه سعد بن أبي وقاص معها قصة لا تنسى، فلنترك الكلام لسعد ليروي لنا قصته وقصة صاحبه:
قال سعد بن أبي وقاص:
لما كانت أحد لقيني عبدالله بن جحش و
قال: ألا تدعو الله؟
فقلت: بلى.
فخلَونا في ناحية
فدعوت فقلت: يارب إذا لقيت العدو فلقني رجلاً شديداً بأسه، شديداً حرده (غضبه وثورته) أقاتله ويقاتلني، ثم ارزقني الظفر عليه حتى أقتله وآخذ سلبه، فأمن عبدالله بن جحش على دعائي،
ثم
قال: اللهم ارزقني رجلاً شديداً بأسه أقاتله فيك ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي وأذني فإذا لقيتك غداً قلتَ: فيم جُدع أنفك وأذنك؟
فأقول: فيك وفي رسولك،
فتقول: صدقتَ…
قال سعد بن أبي وقاص: لقد كانت دعوة عبدالله بن جحش خيراً من دعوتي،
فلقد رأيته آخر النهار، وقد قُتل ومثِّل به، وإن أنفه وأذنه لمعلقان على شجرة بخيط. استجاب الله دعوة عبدالله بن جحش، فأكرمه بالشهادة كما أكرم بها خاله سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب.
فواراهما الرسول الكريم معاً في قبر واحدٍ، ودموعه الطاهرة تُروِّي ثراهما المضمخ بطيوب الشهادة [(13)]".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ.
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ]
[الْمَدِينَةُ المصطفوية * دَارُ الْهِجْرَةِ * * وَدَارُ السُّنَّةِ ]
ما يذكر مِن هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته الشريفة
[ السابقون إلىٰ الهجرة مِن الصحابة إلىٰ -يثرب- المدينة ]
( ١١٦ ) هِجْرَةُ بَنِي جَحْشٍ
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ ‏09‏ مارس‏، 2022م









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 09 / 03 / 2022, 50 : 03 PM   المشاركة رقم: 425
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-..
هل كانت هجرته علانيةً وجهراً !؟..
أم كانت سراً وخِفيَّةً!؟..
ومن آخىٰ بينه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
.. في قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توجد رواية:" درجت علىٰ ألسنةٍ كثيرٍ مِن الوعاظ والقصاصين وبعض الإخباريين الذين يلقون الكلام علىٰ عواهِنه؛ مِن غير تمييز لصحيح القَصص مِن سقيمها.. ودون تحقيق لما رُويَّ.. أو تدقيق قبل النقل..
.. قصةٌ مشهورةٌ علىٰ الألسن.. وفي بعض المراجع والمصادر والكتب.. والقصص، وفي خطب الجمع.. والمحاضرات؛ وبين العامة.. والخاصة؛ وقد تجد مِن طلبة العلم مَن يستشهد بها، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- علانيةً وجهراً إلىٰ المدينة النبوية.
-*//*-
الْمُقَدِّمَة :
.. فنحن -جميعاً- ما زلنا نقف أمام : مقدمات الهجرة وأول مَن هاجر مِن المسلمين مِن مكة -بداية نزول الوحي ومهد الرسالة ومنطلق الدعوة- إلىٰ يثرب والتي ســ تسمىٰ المدينة المنورة -مركز الإنطلاق ومكان بناء الكيان التنفيذي الأول لأحكام الإسلام-..

.. فــ الأمة الإسلامية.. ومنذ بداية عهد الرسالة المحمدية الخاتمة لرسالة السماء إلىٰ البشر وعبر تاريخها وحتىٰ كتابة هذه السطور امتازت بوجود رجال عظماء.. ونساء.. كــ بقية الأمم والشعوب؛ ضحوا بالغالي والنفيس لِمَا اعتقدوا صحته وأيقنوا قوة برهانه وعلموا حقاً بأنه كلام الله -عز وجل- وحياً باللفظ والمعنىٰ وهو القرآن الكريم أو بالمعنىٰ دون اللفظ وهي السنة النبوية..
..
ثم تميزت هذه الأمة بشكل ملحوظ بوجود عباقرة أفذاذ كــ بقية الشعوب والأمم في كافة التخصصات النظرية والعملية والفقهية والعلمية..
..
ثم تباينت -بصورة ليس لها نظير ولا مثيل- عن الجميع في كل العصور والأزمان والأحقاب ومر الدهور فتميزت بوجود وحي مِن السماء بين أيديها حُفظ[(*)] مِن قِبل السميع العليم علىٰ مدار الأيام وكر السنين..
..
حُفظَ مِن التغيير والتبديل؛ ومُنِعَ عنه التعديل والتحريف؛ وتمت صيانته مِن الزيادة والنقصان..
ثم رافق الوحيُّ المنيفُ الهديّ النبوي الشريف.. وهو الطريقة المحمدية والكيفية الرسولية..
فتميز مَن أمن بالإسلام عقيدة ومنهاجاً وشريعة ونبراساً في كافة المجالات وعلىٰ كل الأصعدة.. إذ أكتمل بنيان الإسلام بشقيه[(**)] : القرآن الكريم والسنة المحمدية العطرة..
..
ثم
-لعوامل عدة- خبا وهج شعلة الإسلام لإنارة الطريق لابناءه ولغيرهم من بني الإنسان نتيجة تراجع طرأ في كيفية حمل تلك الشعلة الوهاجة المنيرة؛ ولوجود ضعف شديد طرأ علىٰ الأذهان في فهم الإسلام..
..
وهناك فارق -كالفارق ما بين الثرىٰ والثريا- في ضعف يطرأ علىٰ فهم الإنسان بصفته البشرية وكينونته الآدمية؛ وبين فساد الفكر الأساسي في عقل إنسان لمبدأ وبين ضعف فهم أحكام الدين! ..
فــ فساد العقيدة واركانها وإدخال ما ليس منها فيها يتبعه فساد في الإيمان.. وانحراف عن الصراط المستقيم.. وتراجع في التطبيق وسطحية في العرض.. فحين يُبنىٰ دين علىٰ عقيدة فاسدة وإيمان منحرف ينهدم الدين -بالكلية- علىٰ رؤوس معتنقيه؛ أما إذا طرأ ضعف في فهم عقيدة ما في ذهن مَن يحملها مع بقاء أركانها ثابتة.. وبقاء عناصرها راسخة مع عدم ضياع مصادرها الأصلية أو تبديل منابعها الأساسية الصافية.. فيسهل العودة إلىٰ تقوية العقيدة في قلوب أصحابها وتنقية الإيمان في أذهان متبعيه وإدراك حقيقي لمَن يؤمن..
فيصفو إستيعاب قواعد الدين ويعود ضياء شعلة الدين/المبدأ إلىٰ الوجود مِن جديد..
وهناك ثلة تعمل لذلك!
...
(إذْنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ)
فــ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- : « إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا » ..
فَخَرَجُوا أَرْسَالًا [أي: متفرقين]. [(سيرة ابن هشام: 1 /468)]
وتحققت رؤيا نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقد جعلها ربي حقًا، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأىٰ رؤيا بهذه الهجرة من قبل، كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ:
« رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي [ظني] إِلَىٰ أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ » [رواه البخاري: (3622/7035)، ومسلم: (2272)].
و
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
« إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ » [اللابة: الأرض ذات الحجارة السود] [(رواه البخاري: (3905)].
وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال:
قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ » [(رواه مسلم: (2473)].
وسبحان من استأثر بعلم الغيب وحده لا شريك له! فقد ظنَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن الهجرةَ
ستكون للـــ
- يمامة،
أو
- هَجَر، ولكنَّ اللهَ -عز وجل- أراد أن يعزَّ بها :
- أهل المدينة،
وما هو -صلى الله عليه وسلم- إلا وحي يُوحى، فقد أمر أصحابه -رضي الله عنهم- بالهجرة..
يقولُ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فِي : « الْحَرْبِ »؛ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ : « الْأَنْصَارِ » عَلَىٰ : « الْإِسْلَامِ »؛ وَ : « النُّصْرَةِ » لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَ : « أَوَىٰ » إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثم تتابعت هجرة الصحابة علىٰ المدينة : « دار الإيمان »؛ ثم قَدِمَ المهاجرون أرسالًا يتبع بعضهم بعضًا حتىٰ اكتمل أمرهم.
[(انظر سيرة ابن هشام: (1/472)؛ و خطبة: (22): سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم- الإذن بالهجرة للصحابة؛ إبراهيم الدويش]
-*//*-
... ثم
هاجر عُمَرُ بن الخطّاب -رضي الله عنه- وكانت هجرة الفاروق -رضي الله عنه- وعياش بن [أبي] ربيعة" المخزومي "
-*//*-
تمهيد لهجرة عمر :
تعرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد إسلامه للإيذاء مِن قِبل مشركي قريش، ولم يكف عنه المشركون حتىٰ أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلىٰ المدينة كان -رضي الله عنه- مِن المهاجرين الأولين علىٰ الرغم مِن منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه.
قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصــ(ـي) [بن وائل السهمي] وإعادتهما]
فــ


- حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

هاجر -رضي الله عنه- مستخفيًا (سرًا) كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبوبكر -رضي الله عنه-.


والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق [(2/ 129 - 131)] ونقله عنه ابن هشام :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ، حَتّىٰ قَدِمَا الْمَدِينَةَ ”.

قال -رضي الله عنه- وهو يحكي قصة هجرته:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَىٰ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ”.
" وتواعدوا جميعًا "
قَالَ عُمَرُ بْنِ الْخَطّابِ : اجتمعنا للهجرة:

البيان :
« اتّعَدْتُ؛ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ، [أوعدت أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ[وَاسْمُهُ عَمْرٌو وَيُلَقّبُ ذَا الرّمْحَيْنِ]، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ ". التّناضِبَ [أن يلتقوا عند التناضب [اسم شجرة أو موضع] [وقيل: موضع فوق سَرِف على مرحلة(*) من مكة] مِنْ [الميضاة] أَضَاةِ بني غفار (حي علىٰ بعد 13 كيلو مِن مكة؛ أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين)، فَوقَ سَرِفٍ..
وَ
قُلْنَا: أيكم [أَيُّنَا] لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ [احتبس] حُبِسَ ، فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ..

قَالَ الفاروق -رضي الله عنه- :" فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[انتهى من سيرة ابن هشام" (2/ 85) ، وصحح إسنادها الحافظ في "الإصابة" (6/ 423)]؛ انظر سيرة ابن هشام: (1/474). وابن سعد: الطبقات (3/271، 272)
(*) المَرْحَلَة هي وحدة قياس مسافات عربية قديمة، تعادل المسافة التي يقطعها المسافر في يومٍ سيرًا علىٰ الأقدام، أو علىٰ الدواب سيرا معتادا. والجمع مراحل. عند الحنفية والمالكية: (44.520) كيلومترا. وعند الحنابلة والشافعية: (89.04) كيلومترا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


« فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ [منزلنا] نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ ».


[ * ] تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ:
أكملُ رواية الفاروق عمر: « وَخَرَجَ أَبُوجَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَىٰ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّىٰ قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ »
و
توضيح الرواية :
« وقدمتُ „ الحديث ما زال علىٰ لسان عمر ” أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء فنزلنا علىٰ رُفاعة بن عبدالمنذر .. فَقَدِمَ علىٰ عيّاش بن أبي ربيعة أخواه لأُمّه: أبوجَهل والحارث.. ابنا هشام بن المغيرة.. وأمّهم أسماءُ ابنة مُخَرّبة من بني تَميم، وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [بعد] بِمَكّةَ [لم يخرج] فأسرعا السَّيْر فنزَلا معنا بقباءَ، فقالا لعيّاش:

« فَكَلّمَاهُ..
وَقَالَا له : „ إنّ أُمّك [قَدْ] نَدَرَتْ أَنْ لَا [يَمَسّ] رَأْسَهَا مُشْطٌ [ولا يمسّ رأسَها دُهْنٌ] حَتّىٰ تَرَاك..
فنذرت أمه أن لا يظلّها [ظِلّ] سقف بيت حتّىٰ يرتدّ، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّىٰ تَرَاك ”؛

„ فَرَقّ لَهَا ”؛

فَقُلْت „ أي عمر” لَهُ: „ يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ[إنْ يَرُدّاك إلاّ عن دينك] إنْ يُردكَ [يُرِيدَك] الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فاحذرهم.. فوالله لو قد آذىٰ أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة.. أحسبه قال لامتشطت[لَاسْتَظَلّتْ] ”.

قَالَ : „ عمر ” فَقَالَ : „ عياش ”: „ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي ”.

قال „ عياش ”: „ إن لي هناك [بمكّةَ] مالًا [لعلّي] فآخذه [فيكون لنا قوّة وأَبَرُّ قَسَمَ أُمّي ”.
قال : „ عمر ” : „ والله إنك لتعلم أني مِن أكثر قريش مالًا.. ذلك [فَلَك] نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى [عَلَيّ] إلا يخرح معهما ”.
فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ „ عمر ” لَهُ: [لما أبي علي] „ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ ”؛ فــ : „ الزم ظهرها.. فإن رابك من القوم ريب فانخ عليها ”.؛

.. فخرج معهما عليها حتىٰ إذا كان [كَانُوا] ببعض الطريق [فلمّا كانوا بــ : „ ضجنان ”؛
قال [لَهُ] أبوجهل بن هشام: [ : „ يَا ابْنَ أَخِي] والله لقد استبطأت [اسْتَغْلَظْتُ] بعيري هذا، أفلا تحملني[تُعْقِبَنِي] علىٰ ناقتك هذه؟ ”؛
قال: „ بلىٰ ”؛
[: „ فأناخ.. وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا [عَدَوْا] عليه فأوثقاه[وَرَبَطَاهُ ”؛
و
رواية آخرى : „ لمّا كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطًا حتّى دخلا به مكّة]، ثم أدخلاه مكة وفتناه فافتتن ”؛

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا،
ثُمّ
قَالَا: „ يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا ” .
[„ ثمّ حبسوه ”؛
[انظر : الطبقات الكبير؛ وأسد الغابة ] .

[ * . ] .[كِتَابُ عُمَرَ إلَىٰ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي].
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ
قَالَ عمر: فَكُنّا نقول : „ والله لا يقبل الله [مَا اللّهُ بِقَابِلٍ] ممن افتتن صرفا ولا عدلًا، ولا يقبل توبة قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ”.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
قال عمر[بْنُ الْخَطّابِ]: فكتبتها [بِيَدِي] في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصــ[ــي] بمكة [فَقَالَ] هشام [بْنُ الْعَاصِي] : „ فلم أزل [فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت] أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه [وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا [فوجد صعوبة في فهمها]، حَتّىٰ قُلْت : „ اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا ”؛ [فدعا الله أن يفهمه إياها]؛ قَالَ : „ فَأَلْقَىٰ اللّهُ -تَعَالَى- فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا.[فألقىٰ الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله] حتىٰ فهمتها، قال: فألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا..

[قَالَ] فرجعت[إلَى بَعِيرِي،] فجلست[عَلَيْهِ] على بعيري، فلحقت برسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - [وَهُوَ]بالمدينة ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار إلى صحة هذه الرواية: الهيثمي في المجمع: ( ٦/ ٦١) رواه البزار ورجاله ثقات. كشف الأستار رقم: ( ١٧٤٦: ٢/ ٣٠٢)، ابن هشام في السيرة: ( ١/ ٤٧٤ – ٤٧٥ )، بسند رجاله ثقات صرح في ابن إسحاق بالتحديث فقال حدثني نافع مولى ابن عمر عن عبدالله بن عمر بن الخطاب[بإسناد حسن،]، ورواه البيهقي في الدلائل: (٢ / ٤٦١ – ٤٦٢ )، وفي السنن: ( ٩ / ص ١٣ – ١٤ )، من طريق ابن إسحاق. وصححه ابن حجر في الإصابة (3/602) فالحديث صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ودلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت : «„ سرية ”»؛ فليس فيها أي إشارة إلىٰ إعلان الهجرة، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار - وهي علىٰ عشرة أميال من مكة - ليؤكد إسرارهم بهجرتهم.
وفوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب : «„ سراً ”»؛ حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق -السابقة- وزاد فيها قول عمر : «„ وكنا نخرج سراً ”»..
وأيضاً : التأكيد علىٰ صحة الرواية الثانية أولىٰ من التكلف[كما فعل السباعي-مثلا-] في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً -كهذه التي بين أيدينا- .
ولحق بعمر -رضي الله عنه- عددٌ مِن قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.

قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أول من قدم علينا -يعني المدينة- :
- مصعب بن عمير
و
- ابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فــ
قدم
- بلال و
- سعد و
- عمار بن ياسر
ثم
قدم
- عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن هاجر مع عمر -رضي الله عنه- ابنه عبدالله، فلما فرض عمر -رضي الله عنه- العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له : „ هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ ”؛ فقال : „ إنما هاجر به أبواه ”؛ يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه.
منزل عمر وعياش بالمدينة :
ولما وصل عمر -رضي الله عنه- المدينة[قال : „ وقدمت أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء ”؛ نزل ومن معه العُصبة، وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رُفاعة بن عبدالمنذر. ولا تعارض في ذلك فرُفاعة من الأوس سكان العصبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري: (2/ 335، 337، 3/214 وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَىٰ مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ وَهِشَامٍ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ؛ فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ:
«„ مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ ”»؛
فَــ
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: „ أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِهِمَا ”؛ فَخَرَجَ إلَىٰ مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَــ
قَالَ لَهَا: „ أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللّهِ؟ ”؛
قَالَتْ: „ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ ”؛ - تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّىٰ عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ فَلَمّا أَمْسَىٰ تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ : « ذُو الْمَرْوَةِ »؛ لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَىٰ بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ .. فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ * وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقَيْتِ

ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَىٰ رَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- الْمَدِينَة."
-*//*-
ثم يأتي: الكلام علىٰ الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه-، وبيان ضعفه .
.. ما نُشر ويُنْشَر في العديد المصادر والمواقع الإلكترونية: مِن أحداث وأقوال وأفعال ضعيفة لم تصح تنسب تارة إلىٰ رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهو ما يسمىٰ في علم المصطلح بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة؛ وقد تصدىٰ لها رجال أعلام مِن علماء هذه الأمة الخيرية في قديم الزمان وحديثه وبينوها؛
و
رحم مَن قال :« أن للــــ أحاديث الضعيفة أو الموضوعة آثرها السئ علىٰ الأمة »؛
وتارة
تنسب تصرفات أو أقوال للصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- وبين فسادها وضعفها علماء أجلاء.. و
منها
قصة هجرة الفاروق عمر بن الخطاب من مكة إلى يثرب-المدينة!!!

تقديم :

.. جاءَ في روايةٍ أن عمرَ -رضي الله عنه- هاجرَ علانيةً وجهراً.. وهي روايةٌ مشهورة ولكنها لم تأتِ من طرقٍ ثابتة.. لذا فقد تجرأَ آحدُهم -جهلاً منه- لتأثير تلك الأخبار عليه؛ فسأل يقول :
- هل يمكن القول أن الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أقل جرأة من عمر بن الخطاب ؟...
ثم يُبين دعواه الباطلة بقوله: فــ حين اشتدت وطأة كفار قريش بالمسلمين وبالغوا في إيذائهم واضطهادهم، أتىٰ أمر الهجرة، وكانت لكل مسلم طريقته بالخروج إلىٰ المدينة المنورة،
فكانت طريقة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أن يهاجر خفية، والكفار متربصون به،
بينما عمر -رضي الله عنه- هاجرَ جهراً،
بل متحدياً
وقائلاً :„ مَن أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجته أو ييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي ”.[!!؟؟؟..] .
تحقيق المسألة :
قلتُ(الرَّمَادِيُ) : هذه الرواية لا تصح كما ذكرتُ سلفا..
أولا : هذا الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه- ضعيف الإسناد لا يصح، فقد رواه برمته كل من:
١ . ] ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (44/ 51-52) ،
٢ . ] ابن الأثير في أسد الغابة (4 /152)،
٣ . ] ابن السمان في الموافقة، انظر : شرح المواهب (1 /319) و
٤ . ] السيرة الحلبية: (2/ 29)؛
٥ . ] سيرة الصالحي (3 /315) و
ونَقلَ عنهم :
٦ . ] محمد بن محمد بن سويلم أبوشُهبة (المتوفىٰ: 1403هـ) في كتابه: السيرة النبوية علىٰ ضوء القرآن والسنة
وخطب آحدهم مِن مَن ينتمي لتيار إسلامي [خطبة للسيد/ دويش[انظر رقمها أعلاه]؛ ونقل النص من السيرة الحلبية: (2/ 29)].. فقدح في رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ؛ إذ يقول : „ أما عمر فلم يخرج -رضي الله عنه- سرًّا كما خرج عياش، ولا كما خرج غيره مِن المهاجرين -رضي الله عنهم- بل خرج مجاهرًا -رضي الله عنه- ”.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): ولعله نقلها مِن اسلافه :
٧ . ] انظر إلىٰ تكلف السباعي -رحمه الله- و
٨ . ] البوطي -مثلاً- في استخراج العبر منها. [السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80)]؛ و [فقه السيرة للبوطي ( ص 135-).

قلتُ(الرَّمَادِيُ): وهذا إشكال النقل دون المراجعة والتحقيق والتدقيق.. وهذا يؤثر سلباً علىٰ عموم المسلمين..

تجد الروايةَ عند ابن الأثير في :« أسد الغابة » [(4/ 145؛ ط. دار الكتب العلمية)] من طريق أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ، ثنا أبوروق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني - بالبصرة -، من طريق -ثنا- الزبير بن محمد بن خالد العثماني [بمصر سنة خمس وستين ومائتين :«٢٦٥»] نا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه عن عقيل بن خالد عن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن عبدالله بن العباس قال : قال لي علي بن أبي طالب :„ ما علمتُ أن أحدا مِن المهاجرين هاجرَ إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هَمَّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضىٰ[استخرج من كنانته] في يده أسهما (أي: أخرجها)، واختصر عَنَزَته (شبه العكازة؛ وهي الحربة الصغيرة علَّقها عند خاصرته)، ومضىٰ قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا [متمكناً]، ثم أتىٰ المقام فصلىٰ [متمكناً] ثم وقف علىٰ الحلق واحدة واحدة ”؛ فقال لهم :„ شاهت [قبحت] الوجوه لا يرغم [يذل] الله إلا هذه المعاطس[الأنوف]، مَن أراد أن تثكله[تفقده] أمه أو يُيتم (ويُؤَتَّم) ولده أو يرمل[تُرمل] زوجه[زوجته] فليلقني وراء هذا الوادي ”.
قال علي -رضي الله عنه- :„ فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم و[ثم]مضىٰ لوجهه ” .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه :
- ابن عساكر: تاريخ دمشق (ص45)،
- ابن الأثير: أسد الغابة (4 /58).
في إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبدالله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم .
وقال ناصرالدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا، [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص42،43)].
وأشار د. أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة إلى ضعف هذه القصة (1 /206).
وهذه القصة لم يذكرها :
- ابن إسحاق و
- ابن هشام و
- ابن كثير في السيرة؛
- والذهبي في السيرة
- وابن حجر في الإصابة في ذكرهم لهجرة عمر -رضي الله عنه-.".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به؛ فــ هذه القصة ضعيفة معلولة:
- الزبير بن محمد؛ وشيخه؛ وأبو شيخه [الزبير بن محمد بن خالد العثماني، وعبدالله بن القاسم الأيلي، وأبوه في عداد المجهولين؛ إذ لا ذكر لهم في كتب الجرح والتعديل] : فهم مجهولون لا يعرفون .
قال الألباني -رحمه الله- :„ مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه بإسناده إلىٰ علي . وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين؛ فإن أحدا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقا ”. [انتهى مِن "دفاع عن الحديث النبوي" (ص 42)].
*.) وكذا أشار إلىٰ ضعفها الدكتور الفاضل أكرم ضياء العمري - وفقه الله - في "السيرة النبوية الصحيحة" (1/ 206).
*.) وراجع المصادر التالية:
(1) "السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية" للدكتور مهدي رزق الله أحمد (1/ 308 - 309 - ط. دار إمام الدعوة).
(2) "دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية -رضي الله عنه-" للدكتور عبدالسلام بن محسن آل عيسىٰ. (ص161).
وضعف هذه القصة الألباني -أيضاً- في كتابه: "دفاع عن السيرة النبوية" (ص43) - في رده علىٰ جهالات الصوفي محمد سعيد رمضان البوطي.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): رحم الله -تعالىٰ- الجميع وتجاوز عن زلاتهم؛ وهي بالقطع عن غير قصد؛ ولعله لم تتوفر لديهم الأدوات في الحكم علىٰ صحة الرواية من ضعفها.
*. ) „ هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها، فهي لا تسلم من الكلام علىٰ سندها، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها، فكيف وفيها ثلاثة مجاهيل ؟! ”.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في رده علىٰ البوطي في سيرته :„ جَزْمُهُ :«أي البوطي» بأن عمر -رضي الله عنه- هاجر علانية اعتماداً منه علىٰ رواية علي [بن أبي طالب] المذكورة، وجزمه بأن علياً رواها ليس صواباً.. لأن السند بها لا يصح وصاحب : « أسد الغابة » لم يجزمْ أولاً بنسبتها إليه -رضي الله عنه- ، وهو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته، ولينظر فيه من كان من أهل العلم، وقد وجدتُ [أي: الألباني] مداره علىٰ الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأملي [كذا الأصل ولعله الأيلي] عن أبيه، بإسناده إلىٰ علي، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص 42- 43)] .




قلت(الرَّمَادِيُ): ونحن لا ننكر شجاعة عمر وهيبته -رضي الله عنه- ، وقد قال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيح :«„ ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ”»؛ ولكن العبرة بما صح وحسن سنده.
والقصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق؛ قال حدثني نافع مولىٰ عبدالله بن عمر عن عبدالله عن أبيه -عمر رضي الله عنهما- ..
لذا فــ هذه القصة مخالفة لما روى ابن إسحاق ". والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق[(2/ 129 - 131)]
... ... قد اثبتها في بداية البحث -ولله الحمد وله الشكر ومنه الفضل والعون-
-*/*-
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: „ لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلىٰ المدينة نزلوا بالعصبة (من جهات قباء) إلىٰ جنب قباء، فأمهم سالم مولىٰ أبي حديقة لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم عمر بن الخطاب، وأبوسلمة بن عبدالأسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه ابن سعد: الطبقات (2/ 352 ،3/87، 88)، وابن أبي شيبة: المصنف (1 /302، 303)، وابن شبه: تاريخ المدينة (1 /48 ،49).
وكان وصول عمر - رضي الله عنه - المدينة قبل وصوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر حيث ذكر وصوله -صلى الله عليه وسلم- بعد قدوم عمر.
وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم: „ كنا قد استبطأنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلىٰ ظهر الحرة، فيجلسون حتىٰ يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلىٰ منازلها ”؛ قال عمر: „ وكنا ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رجل من اليهود قد أومأ علىٰ أطم من آطامهم، فصاح بأعلىٰ صوته: „ يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون ”؛
قال عمر: „ وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات اليمين، حتىٰ نزل في بني عمرو بن عوف ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه البزار: المسند (1 /406).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-*//*-
أما الآثر السئ لمثل هذه الروايات غير الصحيحة والتي لا يجوز روايتها فهو ما يتعلق باهتزاز صورة نبي الملحمة..
و
ثانيا : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأشدهم جرأة في الحق، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتد البأس في الحروب : اتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ : «„ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ”».
قال الحافظ -رحمه الله- : „ فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَىٰ الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَىٰ الْغَضَبِيَّةِ، وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوانية، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَىٰ الْعَقْلِ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ ”؛ انتهى .
وروىٰ مسلم (1776) عن الْبَرَاء -رضي الله عنه- قال: „ كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ”.
قال النووي -رحمه الله-: „ وَفِيهِ بَيَان شَجَاعَته -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِظَم وُثُوقه بِاَللَّهِ تَعَالَى ”؛ انتهى .
وإنما فعل ما فعل بشأن هجرته -صلى الله عليه وسلم- : لأنه يشرع لأمته، وليس من الحكمة ولا من العقل، ولا من الشرع أيضا في شيء: أن يقدم علىٰ أمر خطير كهذا، لم يأخذ له أهبته، ولم يعد له عدته؛ وإنما هذا: كأكل الطعام للجائع، وغير ذلك من الأسباب التي شرعها لأمته.

قلت(الرَّمَادِيُ) : سأفصل في هذا الموضوع في المجلد القادم من بعد إذنه تعالىٰ
..وإذا قُدر أن عمر -رضي الله عنه-: قد صح عنه ذلك الأمر(وقد بينتُ فساد الاستدلال وضعفه)؛ فإنما عمر رجل واحد، إذا هلك: هلك رجل واحد، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو المبلغ عن ربه، إمام الناس في دينهم.
وإنما عمر أيضا رجل واحد، لا يشرع لأحد بفعله أو قوله، ولا يتأسىٰ به غيره، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : فقوله، وفعله، خاصة في مثل ذلك: تشريع لأمته .
" ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث علىٰ الأخذ بالأسباب مع التوكل علىٰ الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط، وألغىٰ التوكل علىٰ الله فهو مشرك، ومن توكل علىٰ الله وألغىٰ الأسباب: فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما " .

لذا فإنني أجد أن مسألة المراجعة والتحقيق والتدقيق في الروايات الموجودة في صحائف العلماء -مع تقديري العظيم لمجهوداتهم- من الأهمية بمكان لتنقية ذلك التراث الرائع.. وأتفق مع مَن قال أن هذا الدور-المراجعة والتحقيق والتدقيق لا يتمكن منه شخص بمفرده بل مؤسسة!
ويكفي قول عمر بن الخطاب : «„ وكنّا إنّما نخرج سرًّا ”».
-*//*-
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولىٰ من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمىٰ. فأصبح لكلّ مهاجري أخًا من الأنصار. وترتب علىٰ المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون علىٰ أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغىٰ الله -تعالىٰ- التوارث ورفع حكمه ونسخه بنزول قوله -تعالىٰ-: { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب: 6].
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من آخىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
فــ
روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بين عمر -رضي الله عنه- وبين بعض الصحابة،
فــ
روي أنه -صلى الله عليه وسلم- آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-،
و
روي أنه آخىٰ بينه وبين عتبان بن مالك
و
قيل بينه وبين عويم بن ساعدة -رضي الله عنهما-.
و
قيل آخىٰ بينه وبين معاذ بن عفراء -رضي الله عنه-.. فالله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر هذه الروايات في: ابن إسحاق: السيرة النبوية لابن هشام (2 /173، 4 /274)، والبلاذري: أنساب الأشراف (ص: 157)، وابن سعد: الطبقات (3 /272). البخاري: التاريخ الصغير (1 /69)، وابن شبه: تاريخ المدينة (2 /229).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله- أنه كانت هناك مؤاخاة أولىٰ بين المهاجرين بعضهم بعضًا، لأن بعضهم كان أقوىٰ بالمال والعشيرة، فعلىٰ هذا يحمل ما ورد من مؤاخاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولىٰ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن حجر: فتح الباري 07 /271).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا أخو عمر -رضي الله عنه- من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بينه وبين أحد الأنصار، والذي يُرجح -والله أعلم- أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: „ كان لي أخ من الأنصار ”؛ وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن إسحاق فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البخاري في الصحيح (1 /28، 3 /258). وابن كثير: السيرة النبويّة (2 /325).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(*)] نطق القرآن الكريم يقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } [الحِجر:9]
[(**)] قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثٍ : „ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «„ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ (1) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ ”». صحيح؛ رواه أحمد في المسند (28 / 410) (17213) (17173)؛ وأبوداود في سننه باب لزوم السنة، (4 / 200) (4604) وغيرهما.
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعنى "ومثله معه" أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة، التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله -عز وجل-: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }؛ فهو - صلى الله عليه وسلم - أوحىٰ الله إليه القرآن وأوحىٰ إليه أيضاً السنة، وهي الأحاديث التي ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات وغير ذلك. فالسنة النبوية وحي ثان أوحاه الله إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة، وتلاها علىٰ الأمة، فأحاديثه -صلى الله عليه وسلم- وحي ثان، غير وحي القرآن، فالوحي علىٰ هذا أنواع ثلاثة:
- القرآن الكريم: وهو الذي جعله الله معجزة عظيمة مستمرة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لفظه ومعناه، وبيَّن الله فيه أحكامه -سبحانه وتعالى- وهو كلامه عز وجل: { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }.
و
- الوحي الثاني: أحاديث قدسية من كلام الله -عز وجل-، أوحاها الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وليس من القرآن
و
- الوحي الثالث: وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبينه للأمة فهو من الله وحي، وهو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا من كلام الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ]
بحوث قُبيل الهجرة النبوية الشريفة
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
» مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
[الْمَدِينَةُ المصطفوية * دَارُ الْهِجْرَةِ * *وَدَارُ السُّنَّةِ]
ما يُذكر مِن هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته الشريفة
[السابقون إلىٰ الهجرة مِن الصحابة إلىٰ -يثرب- المدينة المنورة]
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ ‏ 09‏ مارس‏، 2022م









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 09 / 03 / 2022, 57 : 03 PM   المشاركة رقم: 426
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-..
هل كانت هجرته علانيةً وجهراً !؟..
أم كانت سراً وخِفيَّةً!؟..
ومن آخىٰ بينه النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
.. في قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- توجد رواية:" درجت علىٰ ألسنةٍ كثيرٍ مِن الوعاظ والقصاصين وبعض الإخباريين الذين يلقون الكلام علىٰ عواهِنه؛ مِن غير تمييز لصحيح القَصص مِن سقيمها.. ودون تحقيق لما رُويَّ.. أو تدقيق قبل النقل..
.. قصةٌ مشهورةٌ علىٰ الألسن.. وفي بعض المراجع والمصادر والكتب.. والقصص، وفي خطب الجمع.. والمحاضرات؛ وبين العامة.. والخاصة؛ وقد تجد مِن طلبة العلم مَن يستشهد بها، ألا وهي : ( قصة هجرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- علانيةً وجهراً إلىٰ المدينة النبوية.
-*//*-
الْمُقَدِّمَة :
.. فنحن -جميعاً- ما زلنا نقف أمام : مقدمات الهجرة وأول مَن هاجر مِن المسلمين مِن مكة -بداية نزول الوحي ومهد الرسالة ومنطلق الدعوة- إلىٰ يثرب والتي ســ تسمىٰ المدينة المنورة -مركز الإنطلاق ومكان بناء الكيان التنفيذي الأول لأحكام الإسلام-..

.. فــ الأمة الإسلامية.. ومنذ بداية عهد الرسالة المحمدية الخاتمة لرسالة السماء إلىٰ البشر وعبر تاريخها وحتىٰ كتابة هذه السطور امتازت بوجود رجال عظماء.. ونساء.. كــ بقية الأمم والشعوب؛ ضحوا بالغالي والنفيس لِمَا اعتقدوا صحته وأيقنوا قوة برهانه وعلموا حقاً بأنه كلام الله -عز وجل- وحياً باللفظ والمعنىٰ وهو القرآن الكريم أو بالمعنىٰ دون اللفظ وهي السنة النبوية..
..
ثم تميزت هذه الأمة بشكل ملحوظ بوجود عباقرة أفذاذ كــ بقية الشعوب والأمم في كافة التخصصات النظرية والعملية والفقهية والعلمية..
..
ثم تباينت -بصورة ليس لها نظير ولا مثيل- عن الجميع في كل العصور والأزمان والأحقاب ومر الدهور فتميزت بوجود وحي مِن السماء بين أيديها حُفظ[(*)] مِن قِبل السميع العليم علىٰ مدار الأيام وكر السنين..
..
حُفظَ مِن التغيير والتبديل؛ ومُنِعَ عنه التعديل والتحريف؛ وتمت صيانته مِن الزيادة والنقصان..
ثم رافق الوحيُّ المنيفُ الهديّ النبوي الشريف.. وهو الطريقة المحمدية والكيفية الرسولية..
فتميز مَن أمن بالإسلام عقيدة ومنهاجاً وشريعة ونبراساً في كافة المجالات وعلىٰ كل الأصعدة.. إذ أكتمل بنيان الإسلام بشقيه[(**)] : القرآن الكريم والسنة المحمدية العطرة..
..
ثم
-لعوامل عدة- خبا وهج شعلة الإسلام لإنارة الطريق لابناءه ولغيرهم من بني الإنسان نتيجة تراجع طرأ في كيفية حمل تلك الشعلة الوهاجة المنيرة؛ ولوجود ضعف شديد طرأ علىٰ الأذهان في فهم الإسلام..
..
وهناك فارق -كالفارق ما بين الثرىٰ والثريا- في ضعف يطرأ علىٰ فهم الإنسان بصفته البشرية وكينونته الآدمية؛ وبين فساد الفكر الأساسي في عقل إنسان لمبدأ وبين ضعف فهم أحكام الدين! ..
فــ فساد العقيدة واركانها وإدخال ما ليس منها فيها يتبعه فساد في الإيمان.. وانحراف عن الصراط المستقيم.. وتراجع في التطبيق وسطحية في العرض.. فحين يُبنىٰ دين علىٰ عقيدة فاسدة وإيمان منحرف ينهدم الدين -بالكلية- علىٰ رؤوس معتنقيه؛ أما إذا طرأ ضعف في فهم عقيدة ما في ذهن مَن يحملها مع بقاء أركانها ثابتة.. وبقاء عناصرها راسخة مع عدم ضياع مصادرها الأصلية أو تبديل منابعها الأساسية الصافية.. فيسهل العودة إلىٰ تقوية العقيدة في قلوب أصحابها وتنقية الإيمان في أذهان متبعيه وإدراك حقيقي لمَن يؤمن..
فيصفو إستيعاب قواعد الدين ويعود ضياء شعلة الدين/المبدأ إلىٰ الوجود مِن جديد..
وهناك ثلة تعمل لذلك!
...
(إذْنُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُسْلِمِي مَكَّةَ بِالْهِجْرَةِ)
فــ قَالَ -صلى الله عليه وسلم- : « إنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ بِهَا » ..
فَخَرَجُوا أَرْسَالًا [أي: متفرقين]. [(سيرة ابن هشام: 1 /468)]
وتحققت رؤيا نبينا -صلى الله عليه وسلم- وقد جعلها ربي حقًا، وذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأىٰ رؤيا بهذه الهجرة من قبل، كما في الحديث عَنْ أَبِي مُوسَىٰ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-
قَالَ:
« رَأَيْتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَىٰ أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي [ظني] إِلَىٰ أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثْرِبُ » [رواه البخاري: (3622/7035)، ومسلم: (2272)].
و
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
« إِنِّي أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ » [اللابة: الأرض ذات الحجارة السود] [(رواه البخاري: (3905)].
وفي حديث أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال:
قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ » [(رواه مسلم: (2473)].
وسبحان من استأثر بعلم الغيب وحده لا شريك له! فقد ظنَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن الهجرةَ
ستكون للـــ
- يمامة،
أو
- هَجَر، ولكنَّ اللهَ -عز وجل- أراد أن يعزَّ بها :
- أهل المدينة،
وما هو -صلى الله عليه وسلم- إلا وحي يُوحى، فقد أمر أصحابه -رضي الله عنهم- بالهجرة..
يقولُ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَلَمَّا أَذِنَ اللَّهُ -تَعَالَىٰ- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فِي : « الْحَرْبِ »؛ وَبَايَعَهُ هَذَا الْحَيُّ مِنْ : « الْأَنْصَارِ » عَلَىٰ : « الْإِسْلَامِ »؛ وَ : « النُّصْرَةِ » لَهُ وَلِمَنْ اتَّبَعَهُ، وَ : « أَوَىٰ » إلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَصْحَابَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قَوْمِهِ، وَمَنْ مَعَهُ بِمَكَّةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، بِالْخُرُوجِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ وَالْهِجْرَةِ إلَيْهَا، وَاللُّحُوقِ بِإِخْوَانِهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ، ثم تتابعت هجرة الصحابة علىٰ المدينة : « دار الإيمان »؛ ثم قَدِمَ المهاجرون أرسالًا يتبع بعضهم بعضًا حتىٰ اكتمل أمرهم.
[(انظر سيرة ابن هشام: (1/472)؛ و خطبة: (22): سيرة النبي-صلى الله عليه وسلم- الإذن بالهجرة للصحابة؛ إبراهيم الدويش]
-*//*-
... ثم
هاجر عُمَرُ بن الخطّاب -رضي الله عنه- وكانت هجرة الفاروق -رضي الله عنه- وعياش بن [أبي] ربيعة" المخزومي "
-*//*-
تمهيد لهجرة عمر :
تعرض عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بعد إسلامه للإيذاء مِن قِبل مشركي قريش، ولم يكف عنه المشركون حتىٰ أجاره العاص بن وائل السهمي، فلما أذن الله -عز وجل- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهجرة إلىٰ المدينة كان -رضي الله عنه- مِن المهاجرين الأولين علىٰ الرغم مِن منزلته ومكانته بمكة التي تنكر لها القرشيون بعد إسلامه.
قصة عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاصــ(ـي) [بن وائل السهمي] وإعادتهما]
فــ


- حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-

هاجر -رضي الله عنه- مستخفيًا (سرًا) كالمهاجرين قبله والمهاجرين بعده ومنهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبوبكر -رضي الله عنه-.


والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق [(2/ 129 - 131)] ونقله عنه ابن هشام :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ ثُمّ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ، حَتّىٰ قَدِمَا الْمَدِينَةَ ”.

قال -رضي الله عنه- وهو يحكي قصة هجرته:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَىٰ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ”.
" وتواعدوا جميعًا "
قَالَ عُمَرُ بْنِ الْخَطّابِ : اجتمعنا للهجرة:

البيان :
« اتّعَدْتُ؛ لَمّا أَرَدْنَا الْهِجْرَةَ إلَىٰ الْمَدِينَةِ، [أوعدت أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ[وَاسْمُهُ عَمْرٌو وَيُلَقّبُ ذَا الرّمْحَيْنِ]، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِي بْنِ وَائِلٍ السّهْمِيّ ". التّناضِبَ [أن يلتقوا عند التناضب [اسم شجرة أو موضع] [وقيل: موضع فوق سَرِف على مرحلة(*) من مكة] مِنْ [الميضاة] أَضَاةِ بني غفار (حي علىٰ بعد 13 كيلو مِن مكة؛ أرض تمسك الماء فيتكون فيها الطين)، فَوقَ سَرِفٍ..
وَ
قُلْنَا: أيكم [أَيُّنَا] لَمْ يُصْبِحْ عِنْدَهَا فَقَدْ [احتبس] حُبِسَ ، فَلْيَمْضِ صَاحِبَاهُ..

قَالَ الفاروق -رضي الله عنه- :" فَأَصْبَحْتُ أَنَا وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ عِنْدَ التّنَاضُبِ، وَحُبِسَ عَنّا هِشَامٌ وَفُتِنَ فَافْتُتِنَ ».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[انتهى من سيرة ابن هشام" (2/ 85) ، وصحح إسنادها الحافظ في "الإصابة" (6/ 423)]؛ انظر سيرة ابن هشام: (1/474). وابن سعد: الطبقات (3/271، 272)
(*) المَرْحَلَة هي وحدة قياس مسافات عربية قديمة، تعادل المسافة التي يقطعها المسافر في يومٍ سيرًا علىٰ الأقدام، أو علىٰ الدواب سيرا معتادا. والجمع مراحل. عند الحنفية والمالكية: (44.520) كيلومترا. وعند الحنابلة والشافعية: (89.04) كيلومترا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


« فَلَمّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ [منزلنا] نَزَلْنَا فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بقُباءٍ ».


[ * ] تَغْرِيرُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَارِثِ بِعَيّاشٍ:
أكملُ رواية الفاروق عمر: « وَخَرَجَ أَبُوجَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ إلَىٰ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَكَانَ ابْنَ عَمّهِمَا وَأَخَاهُمَا لِأُمّهِمَا، حَتّىٰ قَدِمَا عَلَيْنَا الْمَدِينَةَ »
و
توضيح الرواية :
« وقدمتُ „ الحديث ما زال علىٰ لسان عمر ” أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء فنزلنا علىٰ رُفاعة بن عبدالمنذر .. فَقَدِمَ علىٰ عيّاش بن أبي ربيعة أخواه لأُمّه: أبوجَهل والحارث.. ابنا هشام بن المغيرة.. وأمّهم أسماءُ ابنة مُخَرّبة من بني تَميم، وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [بعد] بِمَكّةَ [لم يخرج] فأسرعا السَّيْر فنزَلا معنا بقباءَ، فقالا لعيّاش:

« فَكَلّمَاهُ..
وَقَالَا له : „ إنّ أُمّك [قَدْ] نَدَرَتْ أَنْ لَا [يَمَسّ] رَأْسَهَا مُشْطٌ [ولا يمسّ رأسَها دُهْنٌ] حَتّىٰ تَرَاك..
فنذرت أمه أن لا يظلّها [ظِلّ] سقف بيت حتّىٰ يرتدّ، وَلَا تَسْتَظِلّ مِنْ شَمْسٍ حَتّىٰ تَرَاك ”؛

„ فَرَقّ لَهَا ”؛

فَقُلْت „ أي عمر” لَهُ: „ يَا عَيّاشُ إنّهُ وَاَللّهِ[إنْ يَرُدّاك إلاّ عن دينك] إنْ يُردكَ [يُرِيدَك] الْقَوْمُ إلّا لِيَفْتِنُوك عَنْ دِينِك فاحذرهم.. فوالله لو قد آذىٰ أمك القمل لامتشطت، ولو قد اشتد عليها حر مكة.. أحسبه قال لامتشطت[لَاسْتَظَلّتْ] ”.

قَالَ : „ عمر ” فَقَالَ : „ عياش ”: „ أَبَرّ قَسَمَ أُمّي ”.

قال „ عياش ”: „ إن لي هناك [بمكّةَ] مالًا [لعلّي] فآخذه [فيكون لنا قوّة وأَبَرُّ قَسَمَ أُمّي ”.
قال : „ عمر ” : „ والله إنك لتعلم أني مِن أكثر قريش مالًا.. ذلك [فَلَك] نصف مالي، ولا تذهب معهما، فأبى [عَلَيّ] إلا يخرح معهما ”.
فَلَمّا أَبَى إلّا ذَلِكَ قَالَ „ عمر ” لَهُ: [لما أبي علي] „ أَمّا إذْ قَدْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْت، فَخُذْ نَاقَتِي هَذِهِ فَإِنّهَا نَاقَةٌ نَجِيبَةٌ ذَلُولٌ ”؛ فــ : „ الزم ظهرها.. فإن رابك من القوم ريب فانخ عليها ”.؛

.. فخرج معهما عليها حتىٰ إذا كان [كَانُوا] ببعض الطريق [فلمّا كانوا بــ : „ ضجنان ”؛
قال [لَهُ] أبوجهل بن هشام: [ : „ يَا ابْنَ أَخِي] والله لقد استبطأت [اسْتَغْلَظْتُ] بعيري هذا، أفلا تحملني[تُعْقِبَنِي] علىٰ ناقتك هذه؟ ”؛
قال: „ بلىٰ ”؛
[: „ فأناخ.. وأناخا ليتحول عليها، فلما استووا بالأرض عديا [عَدَوْا] عليه فأوثقاه[وَرَبَطَاهُ ”؛
و
رواية آخرى : „ لمّا كانوا بضجنان نزل عن راحلته فنزلا معه فأوثقاه رباطًا حتّى دخلا به مكّة]، ثم أدخلاه مكة وفتناه فافتتن ”؛

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ فَحَدّثَنِي بِهِ بَعْضُ آلِ عَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ: أَنّهُمَا حَيْنَ دَخَلَا بِهِ مَكّةَ دَخَلَا بِهِ نَهَارًا مُوثَقًا،
ثُمّ
قَالَا: „ يَا أَهْلَ مَكّةَ، هَكَذَا فَافْعَلُوا بِسُفَهَائِكُمْ كَمَا فَعَلْنَا بِسَفِيهِنَا هَذَا ” .
[„ ثمّ حبسوه ”؛
[انظر : الطبقات الكبير؛ وأسد الغابة ] .

[ * . ] .[كِتَابُ عُمَرَ إلَىٰ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِي].
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : „ وَحَدّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ
قَالَ عمر: فَكُنّا نقول : „ والله لا يقبل الله [مَا اللّهُ بِقَابِلٍ] ممن افتتن صرفا ولا عدلًا، ولا يقبل توبة قوم عرفوا الله، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ”.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم فلما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- فيهم وفي قولنا لهم وقولهم لأنفسهم { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لَا تُنْصَرُونَ وَاتّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
قال عمر[بْنُ الْخَطّابِ]: فكتبتها [بِيَدِي] في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاصــ[ــي] بمكة [فَقَالَ] هشام [بْنُ الْعَاصِي] : „ فلم أزل [فَلَمّا أَتَتْنِي جَعَلْت] أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه [وَأُصَوّبُ وَلَا أَفْهَمُهَا [فوجد صعوبة في فهمها]، حَتّىٰ قُلْت : „ اللّهُمّ فَهّمْنِيهَا ”؛ [فدعا الله أن يفهمه إياها]؛ قَالَ : „ فَأَلْقَىٰ اللّهُ -تَعَالَى- فِي قَلْبِي أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِينَا، وَفِيمَا كُنّا نَقُولُ فِي أَنْفُسِنَا وَيُقَالُ فِينَا.[فألقىٰ الله في قلبه أنها نزلت في أمثاله] حتىٰ فهمتها، قال: فألقي في نفسي أنها إنما نزلت فينا، وفيما كنا نقول في أنفسنا، ويقال فينا..

[قَالَ] فرجعت[إلَى بَعِيرِي،] فجلست[عَلَيْهِ] على بعيري، فلحقت برسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - [وَهُوَ]بالمدينة ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشار إلى صحة هذه الرواية: الهيثمي في المجمع: ( ٦/ ٦١) رواه البزار ورجاله ثقات. كشف الأستار رقم: ( ١٧٤٦: ٢/ ٣٠٢)، ابن هشام في السيرة: ( ١/ ٤٧٤ – ٤٧٥ )، بسند رجاله ثقات صرح في ابن إسحاق بالتحديث فقال حدثني نافع مولى ابن عمر عن عبدالله بن عمر بن الخطاب[بإسناد حسن،]، ورواه البيهقي في الدلائل: (٢ / ٤٦١ – ٤٦٢ )، وفي السنن: ( ٩ / ص ١٣ – ١٤ )، من طريق ابن إسحاق. وصححه ابن حجر في الإصابة (3/602) فالحديث صحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ودلالة القصة واضحة في أن هجرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانت : «„ سرية ”»؛ فليس فيها أي إشارة إلىٰ إعلان الهجرة، بل إن تواعدهم في التناضب من أضاة بني غفار - وهي علىٰ عشرة أميال من مكة - ليؤكد إسرارهم بهجرتهم.
وفوق هذا فقد جاء الأمر صريحاً في رواية ذكرها ابن سعد في طبقاته (3/271) حول هجرة عمر بن الخطاب : «„ سراً ”»؛ حيث ساق نحواً من رواية ابن إسحاق -السابقة- وزاد فيها قول عمر : «„ وكنا نخرج سراً ”»..
وأيضاً : التأكيد علىٰ صحة الرواية الثانية أولىٰ من التكلف[كما فعل السباعي-مثلا-] في استخراج الدروس والعبر في قضية قد لا تكون ثابتة أصلاً -كهذه التي بين أيدينا- .
ولحق بعمر -رضي الله عنه- عددٌ مِن قرابته وحلفائهم وعددهم عشرون.

قال البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أول من قدم علينا -يعني المدينة- :
- مصعب بن عمير
و
- ابن أم مكتوم، وكانا يقرئان الناس، فــ
قدم
- بلال و
- سعد و
- عمار بن ياسر
ثم
قدم
- عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وممن هاجر مع عمر -رضي الله عنه- ابنه عبدالله، فلما فرض عمر -رضي الله عنه- العطاء فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له : „ هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ ”؛ فقال : „ إنما هاجر به أبواه ”؛ يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه.
منزل عمر وعياش بالمدينة :
ولما وصل عمر -رضي الله عنه- المدينة[قال : „ وقدمت أنا وعيّاش فلمّا كنّا بالعقيق عَدَلنا إلىٰ العُصبة حتّىٰ أتينا قُباء ”؛ نزل ومن معه العُصبة، وهي من منازل الأوس، وجاء في رواية أنه نزل على رُفاعة بن عبدالمنذر. ولا تعارض في ذلك فرُفاعة من الأوس سكان العصبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري: (2/ 335، 337، 3/214 وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[خُرُوجُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَىٰ مَكّةَ فِي أَمْرِ عَيّاشٍ وَهِشَامٍ]:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ؛ فَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- قَالَ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ:
«„ مَنْ لِي بِعَيّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، وَهِشَامِ بْنِ الْعَاصِي؟ ”»؛
فَــ
قَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ: „ أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِهِمَا ”؛ فَخَرَجَ إلَىٰ مَكّةَ، فَقَدِمَهَا مُسْتَخْفِيًا، فَلَقِيَ امْرَأَةً تَحْمِلُ طَعَامًا، فَــ
قَالَ لَهَا: „ أَيْنَ تُرِيدِينَ يَا أَمَةَ اللّهِ؟ ”؛
قَالَتْ: „ أُرِيدُ هَذَيْنِ الْمَحْبُوسَيْنِ ”؛ - تَعْنِيهِمَا- فَتَبِعَهَا حَتّىٰ عَرَفَ مَوْضِعَهُمَا، وَكَانَا مَحْبُوسَيْنِ فِي بَيْتٍ لَا سَقْفَ لَهُ فَلَمّا أَمْسَىٰ تَسَوّرَ عَلَيْهِمَا، ثُمّ أَخَذَ مَرْوَةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ قَيْدَيْهِمَا، ثُمّ ضَرَبَهُمَا بِسَيْفِهِ فَقَطَعَهُمَا، فَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِهِ : « ذُو الْمَرْوَةِ »؛ لِذَلِكَ ثُمّ حَمَلَهُمَا عَلَىٰ بَعِيرِهِ وَسَاقَ بِهِمَا، فَعَثَرَ .. فَدَمِيَتْ أُصْبُعُهُ فَقَالَ:

هَلْ أَنْتِ إلّا أُصْبُعٌ دَمَيْتِ * وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقَيْتِ

ثُمّ قَدِمَ بِهِمَا عَلَىٰ رَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم- الْمَدِينَة."
-*//*-
ثم يأتي: الكلام علىٰ الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه-، وبيان ضعفه .
.. ما نُشر ويُنْشَر في العديد المصادر والمواقع الإلكترونية: مِن أحداث وأقوال وأفعال ضعيفة لم تصح تنسب تارة إلىٰ رسول الإسلام -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وهو ما يسمىٰ في علم المصطلح بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة؛ وقد تصدىٰ لها رجال أعلام مِن علماء هذه الأمة الخيرية في قديم الزمان وحديثه وبينوها؛
و
رحم مَن قال :« أن للــــ أحاديث الضعيفة أو الموضوعة آثرها السئ علىٰ الأمة »؛
وتارة
تنسب تصرفات أو أقوال للصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- وبين فسادها وضعفها علماء أجلاء.. و
منها
قصة هجرة الفاروق عمر بن الخطاب من مكة إلى يثرب-المدينة!!!

تقديم :

.. جاءَ في روايةٍ أن عمرَ -رضي الله عنه- هاجرَ علانيةً وجهراً.. وهي روايةٌ مشهورة ولكنها لم تأتِ من طرقٍ ثابتة.. لذا فقد تجرأَ آحدُهم -جهلاً منه- لتأثير تلك الأخبار عليه؛ فسأل يقول :
- هل يمكن القول أن الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أقل جرأة من عمر بن الخطاب ؟...
ثم يُبين دعواه الباطلة بقوله: فــ حين اشتدت وطأة كفار قريش بالمسلمين وبالغوا في إيذائهم واضطهادهم، أتىٰ أمر الهجرة، وكانت لكل مسلم طريقته بالخروج إلىٰ المدينة المنورة،
فكانت طريقة الرسول -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- : أن يهاجر خفية، والكفار متربصون به،
بينما عمر -رضي الله عنه- هاجرَ جهراً،
بل متحدياً
وقائلاً :„ مَن أراد أن يثكل أمه أو يرمل زوجته أو ييتم ولده فليلقني وراء هذا الوادي ”.[!!؟؟؟..] .
تحقيق المسألة :
قلتُ(الرَّمَادِيُ) : هذه الرواية لا تصح كما ذكرتُ سلفا..
أولا : هذا الخبر المشهور في هجرة عمر -رضي الله عنه- ضعيف الإسناد لا يصح، فقد رواه برمته كل من:
١ . ] ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (44/ 51-52) ،
٢ . ] ابن الأثير في أسد الغابة (4 /152)،
٣ . ] ابن السمان في الموافقة، انظر : شرح المواهب (1 /319) و
٤ . ] السيرة الحلبية: (2/ 29)؛
٥ . ] سيرة الصالحي (3 /315) و
ونَقلَ عنهم :
٦ . ] محمد بن محمد بن سويلم أبوشُهبة (المتوفىٰ: 1403هـ) في كتابه: السيرة النبوية علىٰ ضوء القرآن والسنة
وخطب آحدهم مِن مَن ينتمي لتيار إسلامي [خطبة للسيد/ دويش[انظر رقمها أعلاه]؛ ونقل النص من السيرة الحلبية: (2/ 29)].. فقدح في رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ؛ إذ يقول : „ أما عمر فلم يخرج -رضي الله عنه- سرًّا كما خرج عياش، ولا كما خرج غيره مِن المهاجرين -رضي الله عنهم- بل خرج مجاهرًا -رضي الله عنه- ”.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): ولعله نقلها مِن اسلافه :
٧ . ] انظر إلىٰ تكلف السباعي -رحمه الله- و
٨ . ] البوطي -مثلاً- في استخراج العبر منها. [السيرة النبوية دروس وعبر (ص 80)]؛ و [فقه السيرة للبوطي ( ص 135-).

قلتُ(الرَّمَادِيُ): وهذا إشكال النقل دون المراجعة والتحقيق والتدقيق.. وهذا يؤثر سلباً علىٰ عموم المسلمين..

تجد الروايةَ عند ابن الأثير في :« أسد الغابة » [(4/ 145؛ ط. دار الكتب العلمية)] من طريق أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني الحافظ، ثنا أبوروق أحمد بن محمد بن بكر الهزاني - بالبصرة -، من طريق -ثنا- الزبير بن محمد بن خالد العثماني [بمصر سنة خمس وستين ومائتين :«٢٦٥»] نا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه عن عقيل بن خالد عن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس عن أبيه عن عبدالله بن العباس قال : قال لي علي بن أبي طالب :„ ما علمتُ أن أحدا مِن المهاجرين هاجرَ إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب فإنه لما هَمَّ بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضىٰ[استخرج من كنانته] في يده أسهما (أي: أخرجها)، واختصر عَنَزَته (شبه العكازة؛ وهي الحربة الصغيرة علَّقها عند خاصرته)، ومضىٰ قِبَل الكعبة، والملأ من قريش بفنائها، فطاف بالبيت سبعا [متمكناً]، ثم أتىٰ المقام فصلىٰ [متمكناً] ثم وقف علىٰ الحلق واحدة واحدة ”؛ فقال لهم :„ شاهت [قبحت] الوجوه لا يرغم [يذل] الله إلا هذه المعاطس[الأنوف]، مَن أراد أن تثكله[تفقده] أمه أو يُيتم (ويُؤَتَّم) ولده أو يرمل[تُرمل] زوجه[زوجته] فليلقني وراء هذا الوادي ”.
قال علي -رضي الله عنه- :„ فما تبعه أحد إلا قوم من المستضعفين علمهم وأرشدهم و[ثم]مضىٰ لوجهه ” .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه :
- ابن عساكر: تاريخ دمشق (ص45)،
- ابن الأثير: أسد الغابة (4 /58).
في إسناده عندهما الزبير بن محمد بن خالد العثماني وعبدالله بن القاسم الأيلي وأبيه القاسم لم أجد لهم تراجم .
وقال ناصرالدين الألباني: وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحدًا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقًا، [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص42،43)].
وأشار د. أكرم العمري في كتابه السيرة النبوية الصحيحة إلى ضعف هذه القصة (1 /206).
وهذه القصة لم يذكرها :
- ابن إسحاق و
- ابن هشام و
- ابن كثير في السيرة؛
- والذهبي في السيرة
- وابن حجر في الإصابة في ذكرهم لهجرة عمر -رضي الله عنه-.".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهذا إسناد ضعيف لا يحتج به؛ فــ هذه القصة ضعيفة معلولة:
- الزبير بن محمد؛ وشيخه؛ وأبو شيخه [الزبير بن محمد بن خالد العثماني، وعبدالله بن القاسم الأيلي، وأبوه في عداد المجهولين؛ إذ لا ذكر لهم في كتب الجرح والتعديل] : فهم مجهولون لا يعرفون .
قال الألباني -رحمه الله- :„ مداره على الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأيلي عن أبيه بإسناده إلىٰ علي . وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين؛ فإن أحدا من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقا ”. [انتهى مِن "دفاع عن الحديث النبوي" (ص 42)].
*.) وكذا أشار إلىٰ ضعفها الدكتور الفاضل أكرم ضياء العمري - وفقه الله - في "السيرة النبوية الصحيحة" (1/ 206).
*.) وراجع المصادر التالية:
(1) "السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية" للدكتور مهدي رزق الله أحمد (1/ 308 - 309 - ط. دار إمام الدعوة).
(2) "دراسة نقدية في المرويات الواردة في شخصية عمر بن الخطاب وسياسته الإدارية -رضي الله عنه-" للدكتور عبدالسلام بن محسن آل عيسىٰ. (ص161).
وضعف هذه القصة الألباني -أيضاً- في كتابه: "دفاع عن السيرة النبوية" (ص43) - في رده علىٰ جهالات الصوفي محمد سعيد رمضان البوطي.
قلتُ(الرَّمَادِيُ): رحم الله -تعالىٰ- الجميع وتجاوز عن زلاتهم؛ وهي بالقطع عن غير قصد؛ ولعله لم تتوفر لديهم الأدوات في الحكم علىٰ صحة الرواية من ضعفها.
*. ) „ هذه الرواية مع مخالفتها لما هو أثبت منها، فهي لا تسلم من الكلام علىٰ سندها، إذا يكفي لإسقاطها وجود راو مجهول فيها، فكيف وفيها ثلاثة مجاهيل ؟! ”.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في رده علىٰ البوطي في سيرته :„ جَزْمُهُ :«أي البوطي» بأن عمر -رضي الله عنه- هاجر علانية اعتماداً منه علىٰ رواية علي [بن أبي طالب] المذكورة، وجزمه بأن علياً رواها ليس صواباً.. لأن السند بها لا يصح وصاحب : « أسد الغابة » لم يجزمْ أولاً بنسبتها إليه -رضي الله عنه- ، وهو ثانياً قد ساق إسناده بذلك إليه لتبرأ ذمته، ولينظر فيه من كان من أهل العلم، وقد وجدتُ [أي: الألباني] مداره علىٰ الزبير بن محمد بن خالد العثماني: حدثنا عبدالله بن القاسم الأملي [كذا الأصل ولعله الأيلي] عن أبيه، بإسناده إلىٰ علي، وهؤلاء الثلاثة في عداد المجهولين فإن أحداً من أهل الجرح والتعديل لم يذكرهم مطلقاً .. ) [دفاع عن الحديث النبوي والسيرة (ص 42- 43)] .




قلت(الرَّمَادِيُ): ونحن لا ننكر شجاعة عمر وهيبته -رضي الله عنه- ، وقد قال النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كما في الصحيح :«„ ما سلك عمر فجاً إلا وسلك الشيطان فجاً غيره ”»؛ ولكن العبرة بما صح وحسن سنده.
والقصة الصحيحة في ذكر هجرته رضي الله عنه ما رواه ابن إسحاق؛ قال حدثني نافع مولىٰ عبدالله بن عمر عن عبدالله عن أبيه -عمر رضي الله عنهما- ..
لذا فــ هذه القصة مخالفة لما روى ابن إسحاق ". والصحيح في خبر هجرة عمر -رضي الله عنه- ما رواه ابن إسحاق[(2/ 129 - 131)]
... ... قد اثبتها في بداية البحث -ولله الحمد وله الشكر ومنه الفضل والعون-
-*/*-
قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: „ لما قدم المهاجرون الأولون من مكة إلىٰ المدينة نزلوا بالعصبة (من جهات قباء) إلىٰ جنب قباء، فأمهم سالم مولىٰ أبي حديقة لأنه كان أكثرهم قرآنًا، فيهم عمر بن الخطاب، وأبوسلمة بن عبدالأسد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه ابن سعد: الطبقات (2/ 352 ،3/87، 88)، وابن أبي شيبة: المصنف (1 /302، 303)، وابن شبه: تاريخ المدينة (1 /48 ،49).
وكان وصول عمر - رضي الله عنه - المدينة قبل وصوله -صلى الله عليه وسلم-، كما في حديث البراء بن عازب المتقدم الذكر حيث ذكر وصوله -صلى الله عليه وسلم- بعد قدوم عمر.
وروي عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال وهو يصف حال المسلمين بالمدينة قبل مقدم النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم: „ كنا قد استبطأنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القدوم علينا، وكانت الأنصار يغدون إلىٰ ظهر الحرة، فيجلسون حتىٰ يرتفع النهار، فإذا ارتفع النهار وحميت الشمس رجعت إلىٰ منازلها ”؛ قال عمر: „ وكنا ننتظر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رجل من اليهود قد أومأ علىٰ أطم من آطامهم، فصاح بأعلىٰ صوته: „ يا معشر العرب، هذا صاحبكم الذي تنتظرون ”؛
قال عمر: „ وسمعت الوجبة في بني عمرو بن عوف فأخرج من الباب، وإذا المسلمون قد لبسوا السلاح، فانطلقت مع القوم عند الظهر، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات اليمين، حتىٰ نزل في بني عمرو بن عوف ”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواه البزار: المسند (1 /406).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-*//*-
أما الآثر السئ لمثل هذه الروايات غير الصحيحة والتي لا يجوز روايتها فهو ما يتعلق باهتزاز صورة نبي الملحمة..
و
ثانيا : كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس، وأشدهم جرأة في الحق، وكان الصحابة -رضي الله عنهم- إذا اشتد البأس في الحروب : اتقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
فروى البخاري (2820) ، ومسلم (2307) عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ : «„ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ، وَأَجْوَدَ النَّاسِ ”».
قال الحافظ -رحمه الله- : „ فَجَمَعَ صِفَاتِ الْقُوَىٰ الثَّلَاثِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْغَضَبِيَّةِ وَالشَّهْوَانِيَّةِ، فَالشَّجَاعَةُ تَدُلُّ عَلَىٰ الْغَضَبِيَّةِ، وَالْجُودُ يَدُلُّ على الشهوانية، وَالْحُسْنُ تَابِعٌ لِاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ الْمُسْتَتْبِعِ لِصَفَاءِ النَّفْسِ الَّذِي بِهِ جَوْدَةُ الْقَرِيحَةِ الدَّالِّ عَلَىٰ الْعَقْلِ، فَوُصِفَ بِالْأَحْسَنِيَّةِ فِي الْجَمِيعِ ”؛ انتهى .
وروىٰ مسلم (1776) عن الْبَرَاء -رضي الله عنه- قال: „ كُنَّا وَاللهِ إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ نَتَّقِي بِهِ، وَإِنَّ الشُّجَاعَ مِنَّا لَلَّذِي يُحَاذِي بِهِ، يَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ”.
قال النووي -رحمه الله-: „ وَفِيهِ بَيَان شَجَاعَته -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِظَم وُثُوقه بِاَللَّهِ تَعَالَى ”؛ انتهى .
وإنما فعل ما فعل بشأن هجرته -صلى الله عليه وسلم- : لأنه يشرع لأمته، وليس من الحكمة ولا من العقل، ولا من الشرع أيضا في شيء: أن يقدم علىٰ أمر خطير كهذا، لم يأخذ له أهبته، ولم يعد له عدته؛ وإنما هذا: كأكل الطعام للجائع، وغير ذلك من الأسباب التي شرعها لأمته.

قلت(الرَّمَادِيُ) : سأفصل في هذا الموضوع في المجلد القادم من بعد إذنه تعالىٰ
..وإذا قُدر أن عمر -رضي الله عنه-: قد صح عنه ذلك الأمر(وقد بينتُ فساد الاستدلال وضعفه)؛ فإنما عمر رجل واحد، إذا هلك: هلك رجل واحد، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهو المبلغ عن ربه، إمام الناس في دينهم.
وإنما عمر أيضا رجل واحد، لا يشرع لأحد بفعله أو قوله، ولا يتأسىٰ به غيره، وأما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : فقوله، وفعله، خاصة في مثل ذلك: تشريع لأمته .
" ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث علىٰ الأخذ بالأسباب مع التوكل علىٰ الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط، وألغىٰ التوكل علىٰ الله فهو مشرك، ومن توكل علىٰ الله وألغىٰ الأسباب: فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما " .

لذا فإنني أجد أن مسألة المراجعة والتحقيق والتدقيق في الروايات الموجودة في صحائف العلماء -مع تقديري العظيم لمجهوداتهم- من الأهمية بمكان لتنقية ذلك التراث الرائع.. وأتفق مع مَن قال أن هذا الدور-المراجعة والتحقيق والتدقيق لا يتمكن منه شخص بمفرده بل مؤسسة!
ويكفي قول عمر بن الخطاب : «„ وكنّا إنّما نخرج سرًّا ”».
-*//*-
المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:
وبعد وصول النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة شرع الله له المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في السنة الأولىٰ من الهجرة، وذلك بسبب ما لقيه المهاجرون من فقد أموالهم، وهجرهم لأوطانهم وأهليهم وإصابتهم بالحمىٰ. فأصبح لكلّ مهاجري أخًا من الأنصار. وترتب علىٰ المؤخاة حقوق خاصة كالمواساة والتعاون علىٰ أعباء الحياة بين الاثنين وكذلك توارثهما دون ذوي الرحم. فلما ألف المهاجرون الحياة في المدينة، وعوضهم عن بعض ما فقدوه من أموالهم بعد موقعة بدر ألغىٰ الله -تعالىٰ- التوارث ورفع حكمه ونسخه بنزول قوله -تعالىٰ-: { وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ } [الأحزاب: 6].
وقد جاءت روايات متعددة في ذكر من آخىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
فــ
روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بين عمر -رضي الله عنه- وبين بعض الصحابة،
فــ
روي أنه -صلى الله عليه وسلم- آخى بين عمر وبين أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما-،
و
روي أنه آخىٰ بينه وبين عتبان بن مالك
و
قيل بينه وبين عويم بن ساعدة -رضي الله عنهما-.
و
قيل آخىٰ بينه وبين معاذ بن عفراء -رضي الله عنه-.. فالله أعلم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انظر هذه الروايات في: ابن إسحاق: السيرة النبوية لابن هشام (2 /173، 4 /274)، والبلاذري: أنساب الأشراف (ص: 157)، وابن سعد: الطبقات (3 /272). البخاري: التاريخ الصغير (1 /69)، وابن شبه: تاريخ المدينة (2 /229).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقد ذكر ابن حجر -رحمه الله- أنه كانت هناك مؤاخاة أولىٰ بين المهاجرين بعضهم بعضًا، لأن بعضهم كان أقوىٰ بالمال والعشيرة، فعلىٰ هذا يحمل ما ورد من مؤاخاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عمر بن الخطاب مع أبي بكر، وهي مؤاخاة أولىٰ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن حجر: فتح الباري 07 /271).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأمّا أخو عمر -رضي الله عنه- من الأنصار فلم يرد في تحديده نصّ ثابت. ولا شكّ أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- آخىٰ بينه وبين أحد الأنصار، والذي يُرجح -والله أعلم- أنه عتبان بن مالك، لأنه ثبت عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان له جار من الأنصار يتناوب معه النزول إلىٰ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ووضح العلماء أن هذا الجار هو عتبان بن مالك، وذكر ابن حجر أنه ورد في كتاب الصلاة من صحيح البخاري أن عمر قال: „ كان لي أخ من الأنصار ”؛ وهذا هو الذي رجّحه ابن كثير وتابعه ابن إسحاق فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البخاري في الصحيح (1 /28، 3 /258). وابن كثير: السيرة النبويّة (2 /325).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[(*)] نطق القرآن الكريم يقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } [الحِجر:9]
[(**)] قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثٍ : „ عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «„ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَنْثَنِي شَبْعَانًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ، أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ، وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، أَلَا وَلَا لُقَطَةٌ مِنْ مَالِ مُعَاهَدٍ إِلَّا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُمْ (1) ، فَإِنْ لَمْ يَقْرُوهُمْ، فَلَهُمْ أَنْ يُعْقِبُوهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُمْ ”». صحيح؛ رواه أحمد في المسند (28 / 410) (17213) (17173)؛ وأبوداود في سننه باب لزوم السنة، (4 / 200) (4604) وغيرهما.
هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعنى "ومثله معه" أن الله أعطاه وحياً آخر وهو السنة، التي تفسر القرآن وتبين معناه، كما قال الله -عز وجل-: { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ }؛ فهو - صلى الله عليه وسلم - أوحىٰ الله إليه القرآن وأوحىٰ إليه أيضاً السنة، وهي الأحاديث التي ثبتت عنه -عليه الصلاة والسلام- فيما يتعلق بالصلاة والزكاة والصيام والحج والمعاملات وغير ذلك. فالسنة النبوية وحي ثان أوحاه الله إليه -عليه الصلاة والسلام-، وهو يعبر عن ذلك بأحاديثه التي بينها للأمة، وتلاها علىٰ الأمة، فأحاديثه -صلى الله عليه وسلم- وحي ثان، غير وحي القرآن، فالوحي علىٰ هذا أنواع ثلاثة:
- القرآن الكريم: وهو الذي جعله الله معجزة عظيمة مستمرة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، لفظه ومعناه، وبيَّن الله فيه أحكامه -سبحانه وتعالى- وهو كلامه عز وجل: { لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ }.
و
- الوحي الثاني: أحاديث قدسية من كلام الله -عز وجل-، أوحاها الله لنبيه -صلى الله عليه وسلم- وليس من القرآن
و
- الوحي الثالث: وحي أوحاه الله إليه، وأخبر عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبينه للأمة فهو من الله وحي، وهو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا من كلام الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
[الْمُجَلَّدُ الْعَاشِرُ]
بحوث قُبيل الهجرة النبوية الشريفة
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ الْمَدِينَةِ
» مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةُ «
[الْمَدِينَةُ المصطفوية * دَارُ الْهِجْرَةِ * *وَدَارُ السُّنَّةِ]
ما يُذكر مِن هجرة أصحاب الرسول قبل هجرته الشريفة
[السابقون إلىٰ الهجرة مِن الصحابة إلىٰ -يثرب- المدينة المنورة]
(١١٧) [ هِجْرَةُ عُمَرَ وَقِصّةُ عَيّاشٍ مَعَهُ ]
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏الأربعاء‏، 06‏ شعبان‏، 1443هــ ~ ‏ 09‏ مارس‏، 2022م









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
قديم 13 / 04 / 2022, 56 : 02 PM   المشاركة رقم: 427
المعلومات
الكاتب:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي
الرتبة


البيانات
التسجيل: 06 / 12 / 2017
العضوية: 54443
المشاركات: 1,287 [+]
بمعدل : 0.56 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 205
نقاط التقييم: 12
دكتور محمد فخر الدين الرمادي is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
دكتور محمد فخر الدين الرمادي غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : دكتور محمد فخر الدين الرمادي المنتدى : ملتقى السيرة النبويه
﴿ ١١٨ ﴾ هجرة الأنبياء:
(١١) [الْمُجَلَّدُ الْحَادِيَ عَشَرَ]

﴿ ١ ﴾ مُقَدِّمَات هجرة النبي محمد-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- !

.. مجموعة : „ المبادئ ” التي أُرسلتْ بها الأنبياء؛ وكُلفت بها المرسلين مِن قِبل خالق الإنسان للبشر أجمعين؛ وكتلة : „ القيم ” التي نادوا بها؛ وحزمة : „ المقاييس ” ؛ و : „ القناعات ” التي ساروا عليها.. تجدها واحدة عندهم -عليهم الصلاة والسلام- جميعاً؛ فعلىٰ لسانهم وحياً مِن ربهم -سبحانه- أحلَّ لهم الطيبات مِن الرزق؛ وحرم الخبائث: الخمر -مثلاً: مِن حيث المشروبات- والزنا ومقدماته -مِن حيث الإشباع الجنسي؛كـ ملامسة ذكر لـ أنثىٰ؛ أو اللواط -مِن حيث استعمال ذكر لمثله؛ أو السحاق: استعمال أنثىٰ لآخرىٰ- والخنزير -مثلاً: مِن حيث المطعومات-؛ وتغطية العورة-مِن حيث الملبوسات-؛ والاعتقاد بخالق -من حيث الإيمان باسمائه الحسنىٰ وصفاته العُلا- فهو -سبحانه- موجدُ الأشياء مِن عدم؛ رازقُ كل دابة؛ وهو -عز وجل- فردٌ ليس كمثله شئ؛ صمدٌ لا صاحبة له ولا ولد.. ومِن ثمَّ إخلاص عبادته وحده دون شريك أو مثيل أو شبيه.. كيفما ومتىٰ أمر؛ وبالكيفية التي وردت وبالطريقة التي جاءت عن نبيه -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- .. وبالإجمال اجتمعوا جميعاً -عليهم السلام- علىٰ مبادئ وقيم ومقاييس وقناعات واحدة واتفقوا عليها.. بيد أنه -سبحانه- جعل لكلٍ منهم شرعةً ومنهاجاً.. والتُفصيل يأتي في موضع آخر..
ومن حكمته -سبحانه- أن خصَّ أنبياءَه بأقوامهم دون غيرهم؛ و
أُرسل خاتم الأنبياء وآخر المرسلين ومتمم المبتعثين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- للناس كافة.. وفي سيرتهم -عليهم الصلوات والسلامات والبركات والإجلال والإنعام- أنهم تقاربوا في أحداث منها:
هجرتهم مِن موطنهم إلىٰ بقعة آمنة..
*. ] وقد قَتل الناسُ مسألةَ : « „ الهجرة النبوية ” » بحثاً وغاصوا في أعماقها، ولم يتركوا زاوية من زواياها إلا أخرجوا خباياها؛ فــ لا أريد[(١)] أن أكتب علىٰ غرار ما كتب من قبل فأعيد ما بدائه غيري وأنا مولع بمعادة المعادات.. وأكره تكرار المعلومات المعروفة؛ والذي أريد أن أكتب عنه في مقدمة هجرة النبي هو :
« „ هجرة الأنبياء” »
الذين غبروا قبل رسول الله محمد-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأنه ليس بدعاً من الرسل -عليهم الصلاة والسلام[(١)]-.
و
هجرة خاتم الأنبياء ومتمم المبتعثين وآخر المرسلين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هي :
* . ] سُنَّةُ إخوانِه مِن الأنبياء مِن قبله، فما مِن نبي منهم إلا نَبَتْ به بلاد نشأته [لم يجد بها قرار.]، فهاجر عنها، بدءاً مِن :
- إبراهيمَ أبي الأنبياء، وخليلِ الله،
إلىٰ
- عيسىٰ كلمة الله وروحه ونبيه ورسوله،
كلهم علىٰ عظيم درجاتهم ورفعة مقامهم أُهينوا مِن عشائرهم، فصبروا ليكونوا مثالاً لمن يأتي بعدهم من متّبعيهم في الثبات والصبر علىٰ المكاره ما دام ذلك في طاعة الله -عز وجل-[(٢)]
* . ] فحين نتتبع سيرة الأنبياء سنجد أن الهجرة كانت سُنَّة ماضية علىٰ سائر المرسلين والنبيين.
وهنا يبرز سؤال:
لماذا كتب الله علىٰ أنبيائه الهجرة؟
.. يقول د. عبدالمقصود باشا، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية المتفرغ بكلية اللغة العربية بالقاهرة:
" إن كلمة الهجرة بمعناها الأعم والأشمل تكاد تكون قد كُتبت علىٰ معظم الأنبياء ".
" ولعلنا نتساءل:
لماذا هذا النوع مِن الابتعاد والغربة والبُعد عن الأوطان كُتب علىٰ خير الناس وهم الأنبياء؟[(٣)] ".
لذا فـــ
* . ] مِن أعظم الهجرات وأكرمها وأعلاها مقاماً هجرة الأنبياء وحملة الدعوة، وممن هاجر مِن الأنبياء :
- نوح و
- إبراهيم و
- لوط و
- صالح و
- موسىٰ و
- محمد -عليهم السلام- [(٤)]
فــ
* . ) أولُ الرسلِ الكرام هجرةً هو نوح -عليه السلام- فكانت هجرته حياةً له وهلاكاً لأعدائه[(١)].
ويستطرد د. عبدالمقصود باشا، قائلا: فإذا غصنا فى التاريخ قديما لوجدنا هجرة نبى الله نوح وتركه موطنه والبلاد التي نشأ وترعرع بها، وتكون هجرته فى سفينته إلىٰ أن تهبط علىٰ جبل الجودي[(٦)].
.. دعا نوحٌ قومه إلىٰ عبادةِ الله -تعالىٰ- وترك عبادة غيره من الأصنام والأوثان وصار يغاديهم بالنصح ويراوحهم بالعظات ألف سنة إلا خمسين، وهم لا يزدادون منه إلا بعداً ونفوراً إلىٰ أن ضاق صدره بما يلاقي منهم؛.ولم يجد باباً لهدايتهم إلا طرقه، ولا منفذاً لنصحهم إلا قصده، ولم يجد قومه باباً للنكاية به إلا ولجوه، ولا منفذاً لأغاظته إلا سلكوه. فتراهم يقولون له {.. مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين } [هود:27]
فهم يرون أن الرسالة لا تكون للبشر بل للملائكة، والهداية لا يمكن أن ينالها الفقراء وذوو الأعواز، ولكنها وقف علىٰ ذوي الوجاهة والقوة، وأن الذي يريد الله أن يصطفيه إنما يكون من أهل الثراء والغنىٰ..
.. ولقد رد عليهم نوح بقوله: إنه لا يسألهم علىٰ الهداية التي يزفها إليهم أجراً. فهو لا يجرِ بذلك لنفسه نفعاً ولا يحوز مالاً، وإنما يريد أجرَهُ من الله { فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ }..
ولم يقل لهم إن عنده خزائن الله وليس عنده شيء من علم الغيب، ولم يقل لهم إنه ملك، ولا يقول للذين تزدري أعينهم من أتباعه لن يؤتيهم الله خيراً وهو الهدىٰ والاستقامة علىٰ الجادة،{ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ.. } وأن عِلْمَ ما في أنفسهم عند الله لا عنده {..وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ..} [هود:31] إلىٰ أن ضاق بالقوم وضاقوا به..{ قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا..} فقالوا له: { فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِين } [هود:32]،
و
دعا نوح عليهم: { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا } [نوح:26] { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا } [نوح:27] فأنبأه الله أن العذاب سيحل بهم، وأمره ألا يخاطبه فيهم وأنهم مغرقون. وأوحىٰ إليه أن يصنع الفلك لينجو بها من العذاب النازل بهم وليهاجروا بها عنهم.. صنع نوح الفلك وكان قومه يسخرون منه وهو يسخر منهم لغفلتهم عن أنفسهم وتفريطهم في حياتهم وعيرهم بعدم اتباعه إلىٰ أن جاء أمر الله وفار التنور، وتفجرت ينابيع الأرض، و
حلت عزاليها السماء، وجاء الطوفان وأبادهم بعد أن نزل نوح والذين آمنوا معه في السفينة، وسلك فيها زوجين اثنين من كل ذي حياة، وانتهت هجرته من الأرض بعد سنة وعشرة أيام بعد أن استقرت السفينة علىٰ الجودي. فكانت هجرته ميمونةً عليه وعلىٰ مَن معه في السفينة وهلاكاً لأعدائه[(١)].


* . ) فعل أبو الأنبياء الأواه الحليم سيدنا إبراهيم- عليه السلام -[(٤)]


بدايةً:
فقد ولد فى مدينة زأورس علىٰ شاطئ الخليج العربي، وعاش في العراق { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي ..} [العنكبوت:26] [(٨)]
..كانت هجراته -عليه السلام- متعددة،فــ هاجر إلىٰ شمال العراق وبشر بدعوته، ولكنه لم يجد أي آذانٍ مصغية، حتىٰ إنه أُلقىٰ به فى جحيم الدنيا حينما أوقدوا له نارا عظيمة[(٨)].. فكانت هجرته العظيمة من بلاد العراق الىٰ بلاد الشام
.. فـ كانت هجرة إبراهيم بعد ذلك إلىٰ أرض كنعان فى فلسطين[(٨)]، ثم كانت هجرته بعد ذلك الىٰ بلاد النيل.. مِصر[(٨)]..
ثم عاد منها وقد أُهديت إليه السيدة هاجر..
ثم هاجر إبراهيم -عليه السلام- إلىٰ وادي مكة المكرمة مصطحبا ابنه إسماعيل والسيدة هاجر[(٨)].
.. وأودعَ زوجته وولده إسماعيل في وادي مكة•وكان من نسل إسماعيل العرب المستعربة[(٤)]•
..
ثم استكمل مِن بعده المسيرة النبي المصطفىٰ الأمين-صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من مكة إلىٰ المدينة .


* . ) إذاً هجرة إبراهيم وغيره من الأنبياء كانت مكتوبة ومقدرة ومقررة ولا يمكن الفكاك منها[(٨)].


* . ) لوط عليه السلام

آمن بعمه إبراهيم واستجاب إلىٰ عبادة الله -تعالى- وهاجر مع عمه إبراهيم كما قال تعالى: { فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي.. } [العنكبوت:26] وقد جاء في الحديث أن النبي -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قال عن عثمان حين هاجر إلىٰ الحبشة ومعه زوجه رقية بنت رسول الله -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: إن أول مهاجر إلىٰ الله بأهله بعد لوط عثمان بن عفان[(١٠)]


* . ] وسَل القرىٰ التي حلّت بها نقمة الله بكفر أهلها كديار لوط وعاد وثمود تنبئك عن مُهَاجَرة الأنبياء منها قبل حلول النقمة[(٢)].


* . ] أما نوح ولوط فقد عاقب الله قوم نوح بالغرق وقوم لوط بالخسف فلم يعد لهما مَن يدعوان ويهديان[(٤)].


* . ] إسرائيل (يعقوب) وبنيه:

يعقوب عليه السلام

كان بينه وبين أخيه عيسو شيء من الخلاف، فهاجر إلىٰ بلاد ما بين النهرين عند خاله لابان، ومكث عند خاله يرعىٰ عليه غنمه، وتزوج من ابنتيه ليئة وراحيل، ومن جاريتيهما زلفىٰ ويلها، ورزق منهن أولاده جميعا، وكانت هجرته خيراً وبركة عليه، فقد صار رب أسرة عظيمة كثيرة العدد، وأموال وماشية كثيرة وعاد إلىٰ فلسطين بعد ذلك، وولد له في هجرته جميع أولاده إلا بنامين[(١)]

.. فَسَلْ مِصر وتاريخها تُنبئك عن إسرائيل (يعقوب) وبنيه أنهم هاجروا إليها حينما رأوا من بَنِيها ترحيباً بهم، وتركهم وما يعبدون إكراماً ليوسف وحكمته. ولما مضت سنون، نسي فيها المِصريون تدبير يوسف وفضله عليهم، فاضطهدوا بني إسرائيل وآذوهم، خرج بهم موسىٰ وهارون ليتمكنوا من إعطاء الله حقه في عبادته[(٢)].


* . ) هجرة نبي الله يعقوب -عليه السلام- وبنيه من فلسطين الىٰ مِصر حينما كان نبي الله يوسف -عليه السلام- وزيراً علىٰ خزائنها فسطر لنا القرءان الكريم تلك اللحظة في محكم التنزيل { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِين } [يوسف:99].

يوسف عليه السلام

هاجر مرغماً حين ألقاه أخوته في غيابة الجب، ثم التقطه بعض السيارة وأسروه بضاعة وباعوه في مِصر بثمن بخس، واشتراه عزيز مِصر أو رئيس الشرطة بعاصمة الديار المِصرية، وهي مدينة: „ صان ” في الشرقية، ثم امتحن بامرأة العزيز التي راودته عن نفسه فاستعصم، ثم بهتته في وجهه واتهمته بأنه راودها عن نفسه { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِين } { وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِين } { فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ..} العزيز لها: { إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم } [يوسف: 26 و 27 و 28]، والتفت إلىٰ يوسف وقال له: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا }، والتفت إلىٰ زوجه وقال: { وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِين } [يوسف:29] إلىٰ أن { بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِين } [يوسف:35]، وفي السجن ظهرت آيات فضله، وفسر لساقي الملك وخبازه مناميهما، وأوصىٰ الذي ظن أنه ناج منهما أن يذكره عند ربه الملك فأنساه الشيطان ذكر ربه، فلبث في السجن بضع سنين { وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِّنْهُمَا اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين } [يوسف:42] إلىٰ أن رأى الملك سبع بقرات سمان حسان يأكلهن سبع بقرات عجاف مهزولة، وسبع سنبلات خضر غلبتهن سبع سنابل يابسات { وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُون } [يوسف:43] وحار العلماء والسحرة والعرافون في تفسير ذلك المنام { قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِين } [يوسف:44] فذكر الذي نجا مِن الفتيين شأن يوسف وتفسيره للمنام؛ فاستأذن الملك { وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُون } [يوسف:45] وأتىٰ إلىٰ يوسف واستفتاه فيما رآه المَلك { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُون } [يوسف:46]. ففسر له الرؤيا علىٰ وجهها..
.. وجاء الساقي وقص القصص علىٰ المَلك، { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُون } [يوسف:47] { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُون } [يوسف:48] { ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُون } [يوسف:49] وكان ما كان إلى أن اصطفاه الملك لنفسه{ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِين } [يوسف:54] وجعله علىٰ خزائن الأرض { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم } [يوسف:55]..

ودبر أمر مِصر إلىٰ أن جاء سبع سنوات مخصبة خزن فيها ما زاد علىٰ الحاجة؛ ثم جاء السنين المجدبة ففتح مخازن الادخار، وأطعم الناس، وجاء أخوته فداعبهم ودبر عليهم تدبيراً حتىٰ جاءوه بأخيه بنيامين، ثم عرفهم بنفسه وقال: { وَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَّكُم مِّنْ أَبِيكُمْ أَلاَ تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَاْ خَيْرُ الْمُنزِلِين } [يوسف:59] { .. وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِين } [يوسف:93] ..
فكانت هجرته القسرية وتغربه خيراً عليه وعلىٰ أهله وعلىٰ الناس أجمعين؛ ولولا تدبير الله وتدبيره لأمر الأغذية لهلك الناس[(١)].


* . ] هجرة كليم الله موسىٰ -عليه السلام- من مِصر الىٰ مَدين ثم بعدها هربا مع قومه من فرعون وملأه.
لا نريد[(١)] أن نتكلم عن أولية موسىٰ -عليه السلام-. وإنما نقول إنه نشأ في بيت فرعون عزيز الجانب؛ ولما بلغ مبلغ الرجال لم يخف عليه أنه دخيل في ذلك البيت وأنه من العنصر العبراني؛ وعرف العبرانيون ذلك فاستعزوا به وانتفعوا بجاهه[(١)]
ويضيف د. عبدالمقصود باشا: فلنأخذ مثلا سيدنا موسىٰ -عليه السلام- الذى ولد ونشأ وتربىٰ فى مِصر حتىٰ صارت له مكانة فى البلاط الفرعوني هو وأخيه هارون.. ثم تحدث المشادة بين أحد أبناء قومه وأحد المِصريين[(١٥)]
..وسار في المدينة يوماً علىٰ حين غفلة من أهلها فوجد رجلين يقتتلان أحدهما عبراني من شيعة موسىٰ والثاني قبطي [قلتُ (الرَّمَادِيُ) يعني مِصري؛ وهذا يدل علىٰ أن سكان مِصر يطلق عليهم أقباط؛ وليس كما يدعي البعض أنه يخص أهل دين بعينه؛ والقصة بكاملها حدتث قبل مجئ النصرانية بأكثر من 1500 سنة] من عدوه، فاستغاثة العبراني علىٰ القبطي، فأغاثه موسىٰ وعمد إلىٰ القبطي فوكزه فقضىٰ عليه، وهو لم يرد قتله، وإنما أراد كف عاديته عن العبراني، ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها..

.. لم يشاهد أحد هذه الحادثة سوىٰ العبراني. وعاد موسىٰ بالأئمة علىٰ نفسه وقطع علىٰ نفسه عهداً ألا يكون ظهيراً للمجرمين..

.. ظهر أمر القبطي ولم يعلم قاتله. فلما كان اليوم الثاني خرج موسىٰ في مثل ذلك الوقت فوجد ذلك العبراني بنفسه في معركة مع قبطي آخر يريد أن يسخره وهو يأبىٰ، فاستغاثه كما استغاثه بالأمس فقال له موسىٰ أنك لغوي مبين. وأراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ويكف عاديته عنه. فظن العبراني أنه إياه أراد. فقال له: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين، وصالح القبطي واتخذ موسىٰ خصما..

.. حينئذ ظهر قاتل القبطي وهو موسىٰ وانتهىٰ الخبر إلىٰ فرعون فاجتمع ملأ فرعون وقومه علىٰ قتل موسىٰ. فجاء إليه رجل من آل فرعون من أقصىٰ المدينة يسعىٰ وقال له إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، ونصح له بالخروج لينجو بنفسه فخرج من المدينة خائفاً يترقب قائلاً رب نجني من القوم الظالمين، ويهاجر فرارا من الفراعنة عبر أرض سيناء إلىٰ مدين، ويظل هناك عشر سنوات..
.. ولىٰ وجهه شطر مَدْين علىٰ خليج العقبة. ولعلها كانت أقرب بلاد يجد فيها مأمنه لخروجها عن قبضة الحكومة المِصرية - ولما كان خروجه علىٰ عجل لم يترو في الأمر ولم يأخذ معه زاداً ولا ما يساعده علىٰ قطع المسافة من مطية ولا رفقة له في هذا السفر الشاق ولا دليل لأنه إنما يريد أن ينجو بخيط رقبته..{ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيل } [القصص:22] فحقق الله -تعالى-أمنيته وبلغ ماء مَدين بعد الجهد الشديد والجوع المضي فوجد علىٰ الماء أمة من الناس يسقون ووجد امرأتين تذودان غنمهما عن الحوض، فلم يعجبه أن يتقدم أولو القوة ويتأخر المرأتان فسألهما عن شأنهما. فقالتا لا نسقي حتىٰ يصدر الرعاء لأننا ليس بنا قوة علىٰ التقدم والمزاحمة، وأبونا شيخ كبير لا يقدر علىٰ رعي ماشيته ولا سقياها. { وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِير } [القصص:23] فنحىٰ الرعاء بما بقىٰ له من فضل قوة وسقىٰ لهما ثم تولىٰ إلىٰ الظل يشكو إلىٰ الله حاجته إلىٰ القوت وما به من مخمصة قائلاً: {.. رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير } [القصص:24]

.. أراد الله أن يكافئ موسىٰ جزاء توكله عليه وفعله الخير ابتغاء وجه ربه فلم يلبث أن جاءته إحدىٰ المرأتين تمشي علىٰ استحياء { فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء } حتىٰ وقفت عليه وقالت له في خفر: {.. إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا..} لبى موسىٰ الدعوة؛ وجاء إلىٰ أبيها الشيخ؛ وقص عليه قصصه. فقال له الشيخ لا تخف نجوت من القوم الظالمين {.. فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِين } [القصص:25]

.. أرادت إحدىٰ بنات الشيخ أن يقوم موسىٰ عنهما برعي الماشية لأنه أقدر علىٰ ذلك لما رأته من قوته في النزع بالدلو وأمانته إذ أخرها وقال لها اسعي ورائي وانعتي لي الطريق؛ فقالت لأبيها { قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين} [القصص:26]

.. نشط الشيخ لما أشارت به ابنته، وطلب إلىٰ موسىٰ أن يستأجره ثماني حجج علىٰ أن يزوجه من إحدىٰ ابنتيه { قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ..} فإذا رضى أن يتم الثماني.. عشرا كان ذلك علىٰ أن يكون بالخيار في قضاء أحد الأجلين {.. عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ } [القصص:27]

.. تقول التوراة إنه بقى عنده إلىٰ أن كانت سنه ثمانين سنة؛ والقرآن الكريم ليس فيه تحديد قاطع في المدة التي أقامها..

.. والمهم في الأمر أنه لما قضىٰ الأجل وصار حرا صادفه أن أبعد في الرعي وضل الطريق في ليلة مظلمة باردة؛ وحاول أن يقدح نارا فصلد زنده ولم يور نارا؛ وبعد لأي { إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى } [طه:10]. { فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون } [القصص:29] فلما جاء إلىٰ النار نودي { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى } [طه:11] { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه:12] { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه:13] { إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى } [طه:12] { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه:13] ؛ { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي } [طه:14]

.. وبعد حوار أرسله الله نذيرا إلى فرعون وملئه لإخراج بني إسرائيل؛ فكان ما كان مما قصه القرآن من شأنه مع فرعون وشأنه مع بني إسرائيل؛ فكانت هجرته خيرا وبركة عليه وعلىٰ بني إسرائيل؛ كما أجاب فرعون بقوله { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِين } [الشعراء:21] [(١)].

.. ثم يعود عبر جنوب سيناء مرة ثانية.. ثم يُرسل فى عودته من مهجره إلىٰ مِصر ويُكلف بالرسالة. ثم يضطر موسىٰ إلىٰ الهجرة ثانية مصطحبا قومه، وينفلق له البحر بعد أن يضربه بعصاه وفرعون وجنوده يتبعونه، ويتراءى الجمعان، حتىٰ قال أصحاب موسىٰ «إنا لمدركون» { فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُون } [الشعراء:61]..

وفى التوكيد بـ «إن» -هنا- دلالة علىٰ قرب المسافة بين الفريقين، وينجي الله بنى إسرائيل، والقصة معروفة فى عدد من سور القرآن.. ويتوفىٰ موسىٰ دون أن يمكنه الله من دخول بيت المقدس[(٨)].


* . ] هجرة داود عليه السلام


هو داود بني يسي من سبط يهوذا. كان له اخوة يحاربون الفلسطينيين مع طالوت الذي هو شاول أول ملك من ملوك بني إسرائيل. وكان في الفلسطينيين جندي جبار اسمه جالوت قد هابته الأبطال وتحامت الشجعان لقاءه خوف الهلاك..
.. وكان لداود اخوة في الحرب؛ فأرسله أبوه بطعام لاخوته ولينظر حالهم ويعود إلىٰ أبيه بما يطمئنه عليهم. فبينا هو سائر إلىٰ اخوته نظر في البرية إلىٰ أحجار ملس راقته فوضعها في كنفه (الكنف كيس الراعي) ولما ذهب إلىٰ اخوته والحرب علىٰ قدم وساق نظر إلىٰ الفلسطيني وهو يعير بني إسرائيل إحجامهم عنه، فاستشاط الفتىٰ داود غضبا وسأل ما الذي يناله من قتل هذا الأغلف الفلسطيني. فأجيب بأن الملك يغنيه ويغدق عليه ويزوجه ابنته ويجعل بيته أكبر بيت في إسرائيل. فذهب إلىٰ الملك واستأذنه في لقاء جالوت فضن به الملك أن يقتل في غير فائدة وهو صغير السن لا يقوىٰ عليه. فقال له داود: إن عبدك (يعني نفسه) قتل أسدا تعرض لغنم أبي وقتل دبا أيضا. فأذن له وأعطاه لأمة حربه فلم يحسن داود المشي فيها فخلعها وذهب إلىٰ جالوت بمقلاعه وأحجاره. وقد هزأ منه جالوت ونصحه أن يعود من حيث أتىٰ فلم يفعل، ووقف قبالته ووضع حجرا من تلك الأحجار في المقلاع رماه به فارتز الحجر في جبهة جالوت وخر لليدين وللفم، فأخذ داود سيف جالوت وفصل رأسه به وجاء به إلىٰ الملك وانهزم الفلسطينيون شر هزيمة..
... ولكن طالوت ضن علىٰ داود بابنته التي وعد أن يزوجها من قاتل جالوت وزوجه من ابنة له أخرىٰ وقدمه علىٰ رؤساء جنده..
.. تغير بعد ذلك طالوت لداود وعمل علىٰ إهلاكه بيد الأعداء خوفا من أن يوليه بنو إسرائيل الملك، فكان يكلفه بالقدوم إلىٰ الحرب وكان داود يظفر دائما. فعمد إلىٰ إهلاكه بنفسه، ونجا داود منه مرات وهو يتبعه في كل مكان، وتمكن داود من قتل الملك مرات ولكنه لم يفعل ويخبره بتمكنه من قتله وأنه أبقىٰ عليه، فيندم الملك ثم يعاوده خوفه علىٰ الملك فيطارده إلىٰ أن خرج داود من ملك إسرائيل وأقام مع الفلسطينيين برضاء ملكهم إلىٰ أن قتل طالوت وابنه... فجاء إلىٰ قرية أربع -وهي مدينة الخليل- وبويع فيها بالملك. وكان لطالوت ولد بويع بالملك أيضاً إلىٰ أن قتل ابن طالوت الملك وانفرد داود بالملك واشترىٰ قلعة صهيون التي عند باب الخليل وسماها مدينة داود، ثم اشترىٰ جبل الموريا الذي عليه الحرم القدسي ومدينة أورشليم القديمة المعلومة اليوم بأسوارها وحدودها..
.. وفي أواخر أيام داود نزا علىٰ الملك ولده ابشالوم وبايعه العدد العظيم من بني إسرائيل. ورحل داود إلىٰ شرق الأردن وجلس ابشالوم علىٰ كرسي الملك وحارب أباه فقُتل أبشالوم وعاد داود إلىٰ مقر ملكه..

فــ .. هاتان هجرتان لداود وكانت العاقبة له علىٰ خصومه فيهما[(١)].
المسيح عيسىٰ ابن مريم وأمه ويوسف النجار :


* . ] ويتابع: د. باشا: فإذا تأخرنا عن عصر نوح وموسىٰ قليلا لوجدنا هجرة السيد المسيح الذى لم يجد علىٰ وجه الكرة الأرضية مكانا يأوى إليه ويحميه من بطش أعدائه، فكانت هجرته هو وأمه مريم العذراء ويوسف النجار إلىٰ أرض مِصر.. وهو صغير.. ويمكث فى مِصر سنوات عدة، ثم يعود إلىٰ بيت لحم وهو كبير لتدبر له المكائد ويسوقونه للصلب فيرفعه الله ويلقىٰ الله شبهه عليه[(٨)] .
يلتقط الشيخ النجار خيط الأحداث فيكمل القول :


* . ] هجرة المسيح -عليه السلام-
أما المسيح عيسىٰ ابن مريم عليه السلام فله هجرة ليست كهجرة سائر الأنبياء الذين هاجروا من بلادهم..
.. ذلك أنه لما وُلِدَ كان هناك ملك من قبل الرومان أُخبر أن ملك اليهود ولد في بيت لحم، فجد في قَتل الأولاد الذين ولدوا في بيت لحم في تلك الأيام. فأُمرت مريم بأن تهاجر بابنها ومعها خطيبها يوسف النجار.. فذهبت إلىٰ مِصر وأقامت فيها مدة..
.. قيل إنها كانت سبع سنين.. أو أقل..
.. إلىٰ أن أُمرت بالرجوع إلىٰ فلسطين، لأن الذي كان يطلب نفس ولدها قد هلك، فعادت..
.. وهذه الهجرة نص عليها في إنجيل متي وإنجيل برنابا ولا وجود لها في سائر الأناجيل الثلاثة الأخرىٰ المعروفة؛ فهجرة المسيح كانت تابعة لهجرة أمه خوفاً عليه ولم تكن بإرادته[(١)].

.. وهرب المسيح -عليه السلام- من اليهود حينما كذَّبوه، فأرادوا الفتك به حتىٰ كان مِن ضمن تعاليمه لتلاميذه: « طُوبَى لِلْمَطْرُودِينَ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ »[(١٥)]. « طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ »[(١٦)] ثم قال : « اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ »[(١٧)].[(٢)]
* . ] فلا غرابة أن هاجر -عليه الصلاة والسلام- من بلاد منعه أهلها من تتميم ما أراده الله { سُنَّةَ اللَّهِ فِى الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } [الأحزاب: 62][(٢)].

* . ] محمد -صَلَّىٰ اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-
.. مِن ذلك كله نرىٰ أن محمداً لم يكن بدعا مِن الرسل والأنبياء الذين هاجروا مِن قبل، فقد جاهد جهاد الأبطال في إذاعة دعوته بين الناس، وقد أوذي في الله -تعالى- هو وأتباعه. حتىٰ إذا لم يبقَ في قوسِ تصبرِهِم منزعٌ.. سهل الله -تعالى- إسلام أهل يثرب = المدينة فأقبلوا علىٰ الدين بمحض اختيارهم، حتىٰ إذا كثروا.. جاءوا إليه وبايعوه علىٰ النُصرة، فأذنَ لأصحابه في الهجرة.. وبقىٰ هو وأبوبكر وعلي والمستضعفون. فلما مكر به كفار مكة ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه وصحت منهم العزيمة علىٰ ما بيتوا، أمره الله -تعالى- بالهجرة (وكان أبوبكر يعد لها العدة) فامتثل الرسول أمر ربه وآذن أبابكر بذلك ففرح وحاول أن يدعوا صهيب بن سنان للسير معهما فلم يُقَدر له ذلك، وخرجا إلىٰ غار ثور فأقاما به ثلاثا. وقد جهد كفار قريش في العثور عليهما فصرفهم الله عن ذلك، وقد كانا منهم قاب قوسين أو أدنىٰ؛ ثم ذهبا إلىٰ المدينة بعد أن هدأ الطلب يدل بهما عبدالله بن اريقط وهو علىٰ شركه إلىٰ أن وردا قُباء ثم المدينة.. فبدل الله حالهم أمنا، ومكن لهم في الأرض، وأرى كفار قريش منهم ما كانوا يحذرون، وأتم الله نعمته علىٰ أهل الإسلام، مكن لهم دينهم الذي ارتضىٰ لهم إلىٰ أن مضى رسول الله لسبيله، وقام خلفائه من بعده يحملون عبء تبليغ الرسالة والتمكين للدين؛ وانتشر الإسلام شرقاً وغرباً؛ وكانت الهجرة علىٰ رسول الله وأمته خيرا وبركة كما كانت هجرة الأنبياء خيراً وبركةً عليهم مِن قبل؛ ولله عاقبة الأمور؛ لا مبدل لكلماته، ولا معقب لحكمه؛ وهو العزيز الحكيم[(١)]


* . ] ومحمد - عليه السلام - مكث يدعو قومه في مكة ثلاثة عشر عاماً فما استجاب لدعوته إلا القليل.. القليل ولم يكتفِ قومه برفض الهداية بل آذوه.. ومن أسلم معه..

.. وصفوه بأنه كاذب لأن دينهم الباطل، هو الحق، فمن آمن بسواه فهو كاذب في زعمهم..

.. وزعموا بأنه ساحر لأنه استطاع أن يغير دين بعض مواطنيهم فأسلموا ومن كان قادراً علىٰ تبديل إيمان الغير فهو ساحر في نظرهم..

.. وقالوا انه كاهن لأن النبي - عليه السلام - أخبرهم بأمور غيبية ماضية كأخبار الماضين من الأقوام ورسلهم وأخبرهم بما سيحصل لمن يكفر بالله يوم القيامة ومن يخبر بالغيبيات هو كاهن، والكاهن عند العرب شخص يعرف الغيب في زعمهم فإذا سأله سائل عما سيحصل له أخبره، وقالوا انه لا يستحق النبوة لأن الله لو أراد إرسال نبي لاختار فلاناً وفلاناً من أصحاب المقام الرفيع عندهم{ وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم } [الزُّخرُف:31] وقالوا: إنه طامع في الرئاسة والسلطان لذلك عرضوا عليه الملك.. وقالوا.. وقالوا مما لا يتسع المقام لذكره ورغم كل ما قالوه فإن محمداً - عليه السلام - ظل ثابتاً كالطود العظيم لا يحيد عن دعوته، وكان قومه كلما مرت السنين ازدادوا أذىٰ له ولأتباعه إلىٰ حد لا يطاق من الناس العاديين لكن المؤمنين كان إيمانهم شديداً فلم يرتدوا عن دينهم، وطلب بعضهم الهجرة إلىٰ الحبشة فأذن لهم، وكانت هذه الهجرة أولىٰ الهجرتين أما الهجرة الثانية فكانت إلىٰ (يثرب)[(٤)]
وقرر النبي بعد معاناة ثلاث عشرة سنة أن يغير مكان الدعوة فحاول دخول الطائف لكن صدّه سفهاؤها ومراهقوها ورشقوه بالحجارة حتىٰ دميت قدماه فعاد إلىٰ مكة آسفاً حزيناً علىٰ قومه لأنه يريد لهم الهداية وسعادة الآخرة ويأبون إلا الكفر والضلال[(٤)].

* (يُتْبَعُ بِإِذْنِهِ تَعَالَىٰ) *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بحوث السيرة النبوية الشريفة
(١١) [ الْمُجَلَّدُ الْحَادِيَ عَشَرَ ]
مُقَدَّمَاتٌ فِي الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ
الزمن:1 هـ ~622 م
آخر أحداث العهد: المكي
المكان: مكة المكرمة
« يثرب » [الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ ]
بَدْءُ الْهِجْرَةِ إلَىٰ « يثرب » الْمَدِينَةِ
(١) الْبَابُ الْأَوَّلُ : : ﴿ ١١٨ ﴾ هجرة الأنبياء
(د. مُحَمَّدٌفَخْرُالدِّينِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الرَّمَادِيُّ مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ)
‏السبت‏، 25‏ رجب‏، 1443هــ ~ ‏السبت‏، 26‏ فبراير‏، 2022م









عرض البوم صور دكتور محمد فخر الدين الرمادي   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد ملتقى السيرة النبويه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 100 ( الأعضاء 0 والزوار 100)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018