كي لا ينسى !!!

[ابو الوليد البتار]

كي لا ينسى



أطلق سيلاً من السباب، وصفع ابن البواب على وجهه؛ لقد تأخّر في فتح باب الفيلا لسيارته وتركه ينتظر طويلاً، وهمّ بمتابعة صفعه، لولا يد قوية أخذت بثيابه من الخلف ينظر فإذا هو عمه، وجهه يشعّ غضبًا.

- أتسبّه؟ أتصفعه؟ من أعطاك هذا الحقّ لتطغى وتتعالى وتتكبّر؟

- يا عليُّ، سُبَّه كما سبَّك، واصْفَعْه كما صفَعك.

احمرّ وجه الشاب وانعقد لسانه، أما ابن البوَّاب فأطرق إلى الأرض ولم يستطع جوابًا بيدٍ ولا لسان. اجتمع والد الشاب والبواب وزوجته حول العمّ، والكل يرجو أن يهدأ، بيد أنه أصرّ على يقتصّ ابن البواب من ابن أخيه، ولما أبَى صفع العمّ ابن أخيه على وجهه قائلاً:

- هذه بتلك.

انطلق الشاب إلى الداخل وتبعة أبوه، وجعل يلملم حاجياته في حقيبة السفر وعزم على الرحيل.

- عمّى يريد إذلالنا؛ فهو غنى ينفق علينا ينصر ابن البواب علينا.

- كذبت يا بني؛ أنت تعلم لماذا فعل عمك ذلك، لكنك تكابر، ثم إنه لا ينفق علينا أنا انفق من كسبي وجهدي.

ولما عجز عن إقناعه بالبقاء طلب منه أن يبقى ليوم واحد فقط؛ لأنه يريده في أمر ما.

بعد صلاة الفجر سأله:

- أتعلم أن اليوم هو آخر خميس في الشهر؟

- نعم يا والدي أعلم، وما في هذا؟

- أتدري أين يذهب عمّك في مثل هذا اليوم من كل شهر؟

- منذ سنوات يختفي في مثل هذا اليوم من كل شهر لا يدرى أحد منا أين يذهب، الهم أعلم أين يذهب عمى؟!

قالها وابتسامة ذات معنى على شفتيه.

- الزم حدَّك، وقف مكانك؛ أخي أنقى من الذهب، وأطهر من الماء، وفوق كل الشبهات.

- آسف لا أقصد شئيًا.

- إذا أردت أن تعرف، وهو ما أطلبه منك، فإن عمك سيخرج بعد ساعة من الباب الخلفي للفيلا من باب الخدم، خذ سيارتك واقْتَفِ أثره، وستعرف.

انتظر الشاب بسيارته في أحد الشوارع الجانبية وعيناه ترقب الباب الخلفي للفيلا، ولم يطل انتظاره؛ فقد رأى عمه يخرج متسللاً من باب الخدم في ثياب بالية، ثم استقلّ أول حافلة، فتوقف على الطريق، تتبع الشاب الحافلة بسيارته، نزل عمه أمام عمارة تحت الإنشاء، توقف الشاب على بُعد يرقب عمه الملياردير وهو يحمل الطوب والرمال على كتفيه كأي عامل أجير، مكث الشاب في مكانه تغمره الدهشة ويقيده العجب يتساءل: ما الذي يُلجئ عمه الملياردير ليكون عامل يومية.

انتهى عمه من العمل وركب حافلة، وانطلق الشاب في أثره ونزل العم في أقصى المدينة وتتبعه الشاب إلى أن دخل أحد المساجد، وبعد صلاة العشاء رأى عمه وآخرين ينظفون ويغسلون أرض المسجد بما جاد به أهل إحسان، ثم رأى عمه يتوسّد حذائه ينام في آخر المسجد بعد صلاة العشاء.

عاد الشاب إلى الفيلا، وقد أعيته الدهشة والفكر، كيف يصدق أو يفهم أن يعمل عمه الملياردير عامل بناء والأدهى وأمرّ أن يقوم بتنظيف المسجد نظير عشاء يقدمه أهل الإحسان، ثم يبيت بالمسجد متوسدًا حذاء باليًا كأنه صعلوك لا مأوى له، سأل أباه:

- هل جنّ عمى؟

ضحك أبوه

- لو كان في الدنيا عاقل واحد فهو عمك.

- أبى أرجوك ما الأمر؟ نفذ صبري

استوى الأب جالسًا، واطل الجِدّ من عينيه.

- عمك يريد ألا ينسى جذوره وماضيه؛ كي لا يضيع، أتدرى ماذا كان يعمل جدُّك؟

- جدي أظنه كان...

- كان يعمل بوابًا.

- بواب

- نعم كان بوابًا، وكان عمك أكبر أولاده مثل ابن البواب الذي صفعته بالأمس، تعرض عمّك لظلم عظيم، واتُّهم بالسرقة، واضطرّ جدك للاعتراف كذبًا على نفسه؛ ليحمي أبناءه الصغار، وبعد موت جدّك بالسجن انكشف الستر عن ابنهم الباشا الصغير، مدمن المخدرات وكان هو اللصّ.

عدت أنا وأمي إلى بلدتنا، أما عمك فعمل أجيرًا في أعمال البناء، وكان يبيت ليلاً في أحد المساجد يقوم على نظافته مقابل المبيت ووجبة عشاء يجود بها أهل الخير، وبعد رحلة عمر وعمل شاقّ في أعمال المقاولات فُتِحت له الدنيا وأمسى اليوم المقاول الملياردير.

عمك يا بني يعيش ماضيه يومًا كل شهر؛ كي لا ينسى الظلم، ويشعر بالمظلومين، وحتى لا ينسى الفقر؛ كي لا يطغى أو يظلم أو يتكبر.

والآن، أكان محقًا إذ يصفعك ليردك عن طغيانك وظلمك أم كان مجنونًا إذ يصنع ما يصنع يومًا كل شهر، والآن هل عرفت؟! .

---

;d gh dksn !!!

[ام البراء]

سبحان الله قصة جميلة

جزاك الله خير اخي

[ابو الوليد البتار]

بارك الله فيك اختنا الفاضلة ام البراء
وشكر الله لك سعيك ومرورك الكريم

[بهاء الدين السماحي]

ليتنا لا ننسى أنفسنا أننا كنا جهلاء
وبل ليتنا لا ننسى أننا لا زلنا جهلاء حتى لا نتعالى على من هم دوننا
(كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم)
ليتنا نفهم
اللهم فهمنا
ماشاء الله يا أبا الوليد
درر

[ابو الوليد البتار]

بارك الله فيك ياغالي
ونفع الله بك ... وشكرا لمرورك العطر الذي انار الموضوع بمروره