المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجزء الثامن عشر من السلسله الضعيفة للامام الالباني


ابو عبدالله عبدالرحيم
02 / 04 / 2016, 53 : 03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد:
الجزء الثامن عشر من السلسله الضعيفة للامام الالباني

929 - " لا يشربن أحد منكم قائما ، فمن نسي فليستقىء " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
منكر بهذا اللفظ . أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 6 / 110 - 111 ) من طريق عمر
بن حمزة : أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و عمر هذا و إن احتج به مسلم فقد ضعفه
الإمام أحمد و ابن معين و النسائي و غيرهم ، و لذلك أورده الذهبي في " الميزان
" و ذكره في " الضعفاء " و قال : " ضعفه ابن معين لنكارة حديثه " . و قال
الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " . قلت : و قد صح النهي عن الشرب قائما في غير
ما حديث ، عن غير واحد من الصحابة ، و منهم أبو هريرة ، لكن بغير هذا اللفظ ، و
فيه الأمر بالاستقاء ، لكن ليس فيه ذكر النسيان ، فهذا هو المستنكر من الحديث
، و إلا فسائره محفوظ . و لذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة " تحت رقم ( 177 )
.

(2/427)

929 - " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها ، فعل به كذا و كذا من النار " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 332 ) :
ضعيف . رواه أبو داود ( 249 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 35 / 2 ) و
عنه ابن ماجه ( 599 ) و الدارمي ( 1 / 192 ) و البيهقي ( 1 / 175 ) و أحمد ( 1
/ 94 و 101 ) و ابنه في " زوائده عليه " ( 1 / 133 ) من طرق عن حماد بن سلمة
: حدثنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي بن أبي طالب مرفوعا به . قال علي
: فمن ثم عاديت شعري ، و كان يجزه . قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 52 ) : " و
إسناده صحيح ، فإنه من رواية عطاء بن السائب و قد سمع منه حماد بن سلمة قبل
الاختلاط ، لكن قيل : إن الصواب وقفه على علي " . و قال الشوكاني في " نيل
الأوطار " ( 1 / 239 ) عقب كلام الحافظ هذا : " و قال النووي ، ضعيف ، و عطاء
قد ضعفه ، قبل اختلاطه ، و لحماد أوهام ، و في إسناده أيضا زاذان و فيه خلاف "
. و قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 127 ) مستدركا على الحافظ : " و لكن
قال ابن كثير في " الإرشاد " : إن حديث علي هذا من رواية عطاء بن السائب و هو
سيء الحفظ ، و قال النووي : إنه حديث ضعيف " . قلت : و سبب اختلاف الأئمة في
تصحيحه و تضعيفه أن عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره ، فمن روى عنه قبل
اختلاطه فروايته عنه صحيحة ، و من روى عنه بعد اختلاطه فروايته عنه ضعيفة ، و
حديث علي هذا اختلفوا هل رواه قبل الاختلاط أو بعده ، فلذا اختلفوا في تصحيحه و
تضعيفه ، و الحق الوقف على تصحيحه و تضعيفه حتى يتبين الحال فيه " . قلت : و
هذا هو الصواب بلا ريب كما يأتي بيانه . و يتلخص مما تقدم أن الحديث أعل بأربع
علل : الأولى : الخلاف في زاذان . الثانية : أن حماد له أوهاما . الثالثة : أن
عطاء بن السائب ضعف مطلقا ، بعد الاختلاط و قبله . الرابعة : أنه صحيح الرواية
قبل الاختلاط ، و لكن لا يدرى هل روى هذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده . و إذ
الأمر كذلك ، فلابد من تحقيق القول في هذه العلل كلها ، و النظر إليها من زاوية
علم الحديث و مصطلحه ، و تراجم رواته ، و وزنها بميزانها الذي هو القسطاس
المستقيم ، فأقول : 1 - هذا الخلاف لا يضر في زاذان فقد وثقه الجمهور من الأئمة
الفحول ، الذين عليهم العمدة في باب الجرح و التعديل ، و حسبك منهم يحيى بن
معين ، فقد قال فيه : " ثقة لا يسأل عن مثله " . و وثقه أيضا أبو سعد و ابن عدي
و العجلي و الخطيب ، و كذا ابن حبان ، و لكنه قال : " كان يخطىء كثيرا " ! قلت
: و هذا من أفراده و تناقضه ، إذ لو كان يخطىء كثيرا لم يكن ثقة ! و لعل قول
ابن حبان هذا هو عمدة قول الحاكم أبي أحمد فيه : " ليس بالمتين عندهم " . و لا
نعلم أحدا تكلم فيه غير هذين ، و هو كلام مردود لأنه غير مدعم بالدليل ، مع
مخالفته لتوثيق من سمينا من الأئمة ، و بالإضافة إلى ذلك فقد احتج به مسلم ، و
أشار الذهبي في أول ترجمته إلى أن حديثه صحيح ، و قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق " . 2 - و هذا التعليل واه كالذي قبله ، فإن حماد بن سلمة إمام من أئمة
المسلمين ثقة حجة ما في ذلك شك و لا ريب ، و لا يخرجه من ذلك أن له أوهاما ، و
إلا فمن الذي ليس له أوهام ؟ ! و لو كان الراوي الثقة يرد حديثه لمجرد أوهام له
، لما سلم لنا إلا القليل من جماهير الثقات من رجال الصحيحين فضلا عن غيرهما .
و لذلك جرى علماء الحديث سلفا و خلفا - و منهم النووي - على الاحتجاج بحديث
حماد بن سلمة إلا إذا ثبت وهمه ، و هيهات أن يثبت هنا ، على أنه قد روي له
متابع ، و إن كان السند بذلك واهيا كما يأتي . 3 - إن هذا التضعيف لا حجة عليه
، فإن المعروف عند الأئمة أن عطاء بن السائب ثقة في نفسه ، لم يصرح أحد منهم
بتضعيفه مطلقا ، و إنما وصفوه بأنه اختلط في آخر عمره ، فمن عرف من الرواة عنه
أنه سمع منه قبل الاختلاط فحديثه عنه صحيح ، و إلا فلا ، أنظر " تهذيب التهذيب
" و غيره . 4 - و هذا التعليل أو الإعلال - كما هو الأصح - هو الذي يمكن التمسك
به في تضعيف هذا الحديث ، فإنه ليس لدينا ما يصح أن يعتمد عليه في ترجيح أنه
حدث به قبل الاختلاط ، و جزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع
منه قبل الاختلاط ، لا يصح أن يكون مرجحا ، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد
الاختلاط أيضا ، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " التهذيب " ، فقد قال في آخر
ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه و فيمن روى عنه في هذه الحالة
و قبلها : " فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري و شعبة و زهير و زائدة
و حماد بن زيد و أيوب عنه صحيح ، و من عداهم يتوقف فيهم ، إلا حماد بن سلمة
فاختلف قولهم ، و الظاهر أنه سمع منه مرتين ، يعني قبل الاختلاط و بعده " . و
قال قبيل ذلك : " فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب و حماد ( يعني ابن سلمة
) و أبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط " . قلت : و هذا تحقيق دقيق يجب
أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق ، و لازم
ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة
الاختلاط ، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه : " و
الحق الوقف عن تصحيحه و تضعيفه حتى يتبين الحال فيه " . نعم لو صح ما أشرنا
إليه من المتابعة لصح الحديث ، و لكن هيهات ! فقال أبو الحسن أحمد بن محمد بن
عمران المعروف بـ ( ابن الجندي ) في " الفوائد الحسان الغرائب " ( 8 / 1 ) :
حدثنا علي بن محمد بن عبيد : أخبرنا عيسى بن جعفر الوراق قال : أنبأنا عفان ،
قال : أنبأنا شعبة و حماد ، أو قال : شعبة و حماد حدثانا عن عطاء بن السائب به
. قلت : و هذا سند ظاهره الصحة ، فإن رجاله من شيخ الجندي فمن فوقه كلهم ثقات
من رجال الصحيح غير عيسى بن جعفر الوراق فإنه صدوق و له ترجمة في " تاريخ بغداد
" ( 11 / 168 - 169 ) ، و علي بن محمد بن عبيد ثقة حافظ ترجمه الخطيب أيضا
ترجمة طيبة ( 12 / 73 - 74 ) و لكن علة الحديث من صاحب " الفوائد " و هو ابن
الجندي ، فقد ترجمه الخطيب بقوله ( 5 / 77 ) : " كان يضعف في روايته ، و يطعن
عليه في مذهبه ، سألت الأزهري عنه ؟ فقال : ليس بشيء " . و قال الحافظ في "
اللسان " : " و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " في فضل علي حديثا بسند ،
رجاله ثقات إلا الجندي : فقال : هذا موضوع ، و لا يتعدى الجندي " <1> . قلت : و
مما يؤيد ضعف هذا الرجل ، أنه روى الحديث عن طريق عفان - و هو ابن مسلم - عن
شعبة ، و قد رواه الإمام أحمد عن عفان - و هو شيخه فيه - فلم يذكر شعبة فيه ! و
كذلك رواه البيهقي من طريق أخرى عن عفان ، و كذلك رواه الآخرون عن غير عفان و
هم جماعة عن حماد وحده ، فدل ذلك على أن ذكر شعبة في هذا السند منكر ، تفرد به
ابن الجندي هذا ، و لولا ذلك لكانت متابعة قوية من شعبة لحماد ، و لصح بذلك
الحديث ، و لكن هيهات هيهات !! و قد ثبت في غير ما حديث صحيح أنه لا يجب على
المرأة أن تنقض شعرها في غسل الجنابة ، فالرجل مثلها إن كان له شعر مضفور كما
هو معروف من عادة بعض العرب قديما ، و اليوم أيضا عند بعض القبائل . و أما في
الحيض فيجب نقضه ، هذا هو الأرجح الذي تقتضيه الأحاديث الواردة في هذا الباب
، فانظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( رقم 188 ) ، و ما يأتي تحت الحديث ( 937
) .
-----------------------------------------------------------
[1] " الموضوعات " لابن الجوزي ( 1 / 368 - 379 ) . اهـ .

(2/428)

930 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم ، و الناس يمرون
بين يديه ، ليس بينه و بين الكعبة سترة . ( و في رواية ) : طاف بالبيت سبعا ،
ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام ، و ليس بينه و بين الطواف أحد " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
ضعيف . أخرجه أحمد ( 6 / 399 ) و السياق له و عنه أبو داود ( 1 / 315 ) و
الأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 305 ) و البيهقي في " سننه الكبرى " ( 1 / 273 )
عن سفيان بن عيينة قال : حدثنا كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة سمع بعض
أهله يحدث عن جده به . قلت و هذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين كثير و جده . و
فيه علة أخرى و هي الاختلاف في إسناده ، فقد رواه سفيان مرة عن كثير ، هكذا ، و
قال مرة أخرى : حدثني كثير بن كثير عمن سمع جده ، و قال سفيان : و كان ابن جريج
أنبأ عنه قال : حدثنا كثير عن أبيه فسألته ؟ فقال : ليس من أبي سمعته و لكن من
بعض أهلي عن جدي ! قلت : و رواية ابن جريج أخرجها النسائي ( 1 / 123 و 2 / 40
) و ابن ماجه ( 4958 ) و هي الرواية الثانية و هي رواية لأحمد و ابن حبان ( 415
- موارد ) و كذا البيهقي و قال : " و قد قيل عن ابن جريج عن كثير عن أبيه قال :
حدثني أعيان بني المطلب عن المطلب ، و رواية ابن عيينة أحفظ " . قلت : و يحتمل
عندي أن يكون الاختلاف من نفس كثير بن كثير ، بل لعل هذا أولى من نسبة الوهم
إلى ابن جريج لأن كثيرا ينزل عن ابن جريج في العدالة و الضبط كثيرا ! و مما
يؤيد الاحتمال المذكور أنه قد تابع ابن جريج زهير بن محمد العنبري عند ابن حبان
( 414 ) . و أي الأمرين كان فالحديث ضعيف لجهالة الواسطة كما سبق . ثم رأيت
الحديث في " فوائد محمد بن بشر الزبيري " ( 28 / 1 ) من طريق سالم بن عبد الله
، رجل من أهل البصرة عن كثير بن كثير أن المطلب بن أبي وداعة رأى النبي صلى
الله عليه وسلم خرج من الكعبة و قام بحيال الركن الأسود فصلى ركعتين ، و الناس
يمرون بين يديه : النساء و الرجال " . فهذا اختلاف آخر يؤكد ضعف الحديث . و إذا
عرفت ذلك فقد استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة
خاصة ، و بعضهم أطلق ، و من تراجم النسائي للحديث " باب الرخصة في ذلك " يعني
المرور بين يدي المصلي و سترته ، و لا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال ، و ذلك
لوجوه : الأول : ضعف الحديث . الثاني : مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على
المصلي أن يصلي إلى سترة و هي معروفة ، و كذا الأحاديث التي تنهى عن المرور
كقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن
يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه " . رواه البخاري و مسلم و هو مخرج في
" صحيح أبي داود " ( 698 ) . الثالث : أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس
كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم و بين موضع سجوده ، فإن هذا هو المقصود من
المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء . و لذلك قال السندي في
" حاشيته على النسائي " : " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة . و به قيل ،
و من لا يقول به ، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود ، أو
وراء ما يقع فيه نظر الخاشع " . و لقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما
حججت لأول مرة سنة ( 1369 ) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا ، ثم جئت المقام ،
فافتتحت الصلاة ، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة
بيني و بين موضع سجودي ، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه
وسلم حتى يأتي آخر " فأصده و هكذا !! و لقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا
مني حتى انتهيت من الصلاة ، ثم أقبل علي منكرا ، فلما احتججت عليه بالأحاديث
الواردة في النهي عن المرور ، و الآمرة بدفع المار ، أجاب بأن مكة مستثناة من
ذلك ، فرددت عليه ، و اشتد النزاع بيني و بينه ، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل
العلم ، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون ! و احتج بعضهم بهذا الحديث ، فطلبت
إثبات صحته فلم يستطيعوا ، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث ، و بيان علته
. فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة و أثرها السيئ في الأمة . ثم
وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث
الصحيحة ، و أنها تشمل المرور في مسجد مكة ، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها
: 1 - عن صالح بن كيسان قال : رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة و لا يدع أحدا يمر
بين يديه ، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " ( 91 / 1 ) و ابن عساكر ( 8 / 106
/ 2 ) بسند صحيح . 2 - عن يحيى بن أبي كثير قال : رأيت أنس بن مالك دخل المسجد
الحرام ، فركز شيئا ، أو هيأ شيئا يصلي إليه . رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 7
/ 18 ) بسند صحيح . ( تنبيه على وهم نبيه ) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا
الحديث : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي
بالركن ، فصلى ركعتين .... " . و قد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير "
هذه الرواية ، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه " ! فاستدل به على
استحباب صلاة ركعتين بعد السعي ، و هي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه
على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة و غيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى
الله عليه وسلم " الطبعة الثانية ، و كذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج و
العمرة في الكتاب و السنة و آثار السلف " فقرة ( 69 ) .

(2/429)

931 - " ما رفع أحد صوته بغناء ، إلا بعث الله عز وجل إليه شيطانين يجلسان على منكبيه
يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 335 ) :
ضعيف جدا . رواه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ( 165 / 1 ) عن عبيد
الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا . قلت : و هذا
سند ضعيف جدا ، علته علي بن يزيد و هو الآلهاني أبو عبيد الله بن زحر . أما
الآلهاني ، فقال البخاري : " منكر الحديث " . و قال النسائي : " ليس بثقة " . و
قال أبو زرعة : " ليس بالقوي " . و قال الدارقطني : " متروك " . و أما ابن زحر
، فقال أبو مسهر : " صاحب كل معضلة ، و إن ذلك على حديثه لبين " . و قال ابن
المديني : " منكر الحديث " . و قال ابن حبان ( 2 / 63 ) : " يروي الموضوعات على
الأثبات ، و إذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ، و إذا اجتمع في إسناد خبر
عبيد الله ، و علي بن يزيد و القاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما
عملته أيديهم " ! قلت : القاسم أبو عبد الرحمن خير منهما ، و ليس هو محلا
للتهمة إن شاء الله تعالى ، بل الراجح فيه عند المحققين أنه حسن الحديث ،
فالعلة في هذا الحديث ممن دونه . و الله أعلم . و الحديث عزاه الحافظ العراقي
في " تخريج الإحياء " ( 6 / 165 - طبع لجنة نشر الثقافة الإسلامية ) للطبراني
أيضا في " الكبير " و قال : " و هو ضعيف " . و قال تلميذه الهيثمي في " مجمع
الزوائد " ( 8 / 119 - 120 ) : " رواه الطبراني بأسانيد ، و رجال أحدها وثقوا و
ضعفوا " ! كذا قال ، و كأنه يشير بذلك إلى رجال هذا الإسناد ، و هو واه جدا كما
بينا . و الله أعلم .

(2/430)

932 - " من أفطر ( يعني في السفر ) فرخصة ، و من صام فالصوم أفضل " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 336 ) :

ضعيف شاذ . رواه أبو حفص الكناني في " الأمالي " ( 1 / 10 / 1 ) : حدثنا
محمد بن هارون الحضرمي : حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب : حدثنا معاوية الضرير :
أخبرنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الصوم في السفر ؟ قال : فقال : فذكره . قلت : و هذا سند رجاله كلهم
ثقات على شرط البخاري ، غير الحضرمي ، و هو ثقة كما قال الدارقطني و غيره ، و
له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " ، فظاهر الإسناد الصحة ، و قد اغتررت به برهة
يسيرة من الزمن ، ثم بدا لي أنه معلول بالوقف ، فقد قال ابن أبي شيبة في
" المصنف " ( 2 / 149 / 2 ) : حدثنا أبو معاوية و مروان بن معاوية عن عاصم قال
: سئل أنس عن الصوم في السفر ؟ فقال : فذكره بالحرف الواحد هكذا موقوفا على أنس
. قلت : و هذا هو الصواب ، لأن أبا معاوية - و اسمه محمد بن حازم - و إن كان
ثقة و أحفظ الناس لحديث الأعمش ، فهو قد يهم في حديث غيره كما قال الحافظ في "
التقريب " ، فمثله يحتج به إذا لم يخالف ، أو لم يختلف عليه كما وقع في هذا
الإسناد ، فأبو هاشم زياد بن أيوب رفعه ، و ابن أبي شيبة أوقفه ، و لابد من
مرجح ، و هو أعني ابن أبي شيبة قد قرن مع أبي معاوية مروان بن معاوية و هو ثقة
حافظ كما في " التقريب " فأوقفه أيضا ، و لم يختلف عليه فيه ، فروايته أولى ،
لاسيما مع موافقة إحدى الروايتين عن أبي معاوية له ، و هذا ظاهر لا يخفى إن شاء
الله تعالى . و مما يرجح أن الحديث موقوف على أنس و ليس بمرفوع ، ما روى ابن
أبي شيبة أيضا : قال مروان بن معاوية : عن عاصم عن ابن سيرين قال : كان عثمان
بن أبي العاص يقول في ذلك مثل قول أنس بن مالك . قلت : و هذا سند صحيح أيضا
موقوفا . فتبين أن الصواب في هذا الحديث الوقف ، و أنه شاذ مرفوعا ، و لعل هذا
هو السر في عدم وروده في شيء من كتب " السنن " و " المسانيد " و غيرها ، ككتب
التخريجات ، مثل " نصب الراية " للزيلعي ، و " تلخيص الحبير " للعسقلاني ، و
نحوها . و قد اختلف العلماء ، في صوم رمضان في السفر على أقوال معروفة ، و لا
شك أن الإفطار فيه رخصة ، و الأخذ بها أحب إلينا إذا كان المفطر لا يتحرج من
القضاء ، و إلا فالأحب لدينا حينئذ الصيام ، و الله أعلم . و من شاء التوسع في
هذه المسألة فليراجع " نيل الأوطار " ، أو غيره من كتب أهل العلم و التحقيق .

(2/431)

933 - " سارعوا إلى تعليم العلم و السنة و القرآن ، و اقتبسوهن من صادق ، من قبل أن
يخرج أقوام في أمتي من بعدي يدعونكم إلى تأسيس البدعة و الضلالة ، فوالذي نفسي
بيده لباب من العلم من صادق خير لكم من الذهب و الفضة تنفقونها في سبيل الله
تعالى بغير هدى من الله ، من مشى في تعليم العلم و السنة و القرآن فعمل بما أمر
الله و سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا عمل بذلك فله بكل خطوة يخطوها
حسنة ، و تحط عنه سيئة ، و ترفع له درجة في الجنة " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 337 ) :

موضوع . رواه الخطيب في " تلخيص المتشابه " ( 2 / 51 / 2 ) عن محمد بن
عبيدة المروزى : حدثنا حسان بن إبراهيم : حدثنا سعيد بن مسروق الثوري : حدثنا
يزيد بن حيان : حدثنا زيد بن أرقم قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : فذكره
مرفوعا . قلت : و هذا حديث موضوع ، و لوائح الوضع عليه ظاهرة ، و آفته محمد بن
عبيدة المروزي . قال الذهبي : " قال ابن ماكولا : صاحب مناكير " . و أورد قبله
" محمد بن عبيدة عن ( بياض في الأصل ) وضع أحاديث ، قاله أبو سعيد النقاش " .
قال الحافظ في " اللسان " : " و أنا أظنه الذي بعده " . قلت : يعني المروزي
المذكور . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " من رواية
الرافعي في " تاريخه " عن جابر بلفظ : " سارعوا في طلب العلم ، فالحديث من صادق
خير من الدنيا و ما عليها من ذهب و فضة " . قلت : و سكت عليه المناوي .

(2/432)

934 - " لا تبل قائما " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 337 ) :
ضعيف . رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 135 ) عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن
نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و
هذا سند ظاهره الصحة ، فإن رجاله ثقات ، لكنه معلول بعنعنة ابن جريج فإنه كان
مدلسا ، و قد تبين أنه تلقاه عن بعض الضعفاء ، فقال الترمذي في " سننه " ( 1 /
17 ) : " و حديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن
ابن عمر عن عمر قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم و أنا أبول قائما فقال
: " يا عمر لا تبل قائما " . فما بلت قائما بعده " . قال الترمذي : " و إنما
رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق و هو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه أبو
أيوب السختياني " . قلت : و قد أخرجه ابن ماجه ( 1 / 130 ) و تمام في " الفوائد
" ( ق 123 / 2 ) و البيهقي في " السنن الكبرى " ( 1 / 102 ) عن عبد الرزاق
حدثنا ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية به . و عبد الكريم أبو أمية هو ابن أبي
المخارق ، قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 23 / 2 ) : خبر عبيد الله بن عمر
العمري الثقة المأمون المجمع على تثبته ، و لا يغتر بتصحيح ابن حبان هذا الخبر
، فإنه قال بعده : أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع . و قد صح ظنه ، فإن
ابن جريج إنما سمعه من ابن المخارق كما ثبت من رواية ابن ماجه و الحاكم في "
المستدرك " ، و اعتذر عن تخريجه بأنه إنما أخرجه في المتابعات ، و حديث عبيد
الله العمري أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه و البزار في مسنده " . قلت : و
لم أعرف حديث عبيد الله الذي أشار إليه ، و " المصنف " لا أطوله الآن ، فإني
أكتب هذا و أنا في المدينة المنورة ، و هو في المكتبة الظاهرية بدمشق ، لكن
الظاهر أنه يعني مثل حديث عبد الله بن دينار أنه رأى عبد الله بن عمر بال قائما
. أخرجه البيهقي ( 1 / 102 ) و قال : " و هذا يضعف حديث عبد الكريم ، و قد
روينا البول قائما عن عمر و علي و سهل بن سعد و أنس بن مالك " . و إذا عرفت ضعف
الحديث فلا شيء في البول قائما إذا أمن الرشاش ، و قد قال الحافظ في " الفتح "
: " و لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء " . ثم وقفت على
حديث عبيد الله العمري في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 1 / 124 - طبع الهند ) و
" مسند البزار " ( ص 31 - زوائده ) ، فإذا هو لا يعارض حديث الترجمة - كما ادعى
البوصيري - فإنه رواه عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : " ما بلت قائما منذ
أسلمت " . و إسناده صحيح . فالأولى المعارضة بأثر عبد الله بن دينار المتقدم عن
ابن عمر ، على اعتبار أنه هو الذي روى الحديث عنه كما هو ظاهر ، ثم بما روى ابن
أبي شيبة أيضا قبيل الموضع المشار إلى صفحته آنفا من طريق أخرى عن زيد قال
: " رأيت عمر بال قائما " . و زيد هو ابن وهب الكوفي و هو ثقة كسائر من دونه ،
فالإسناد صحيح أيضا ، و لعل هذا وقع من عمر رضي الله عنه بعد قوله المتقدم ، و
بعد ما تبين له أنه لا شيء في البول قائما .

(2/433)

935 - " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، و الأبدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ، و
لا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه ، و أدخل من
الأربعين مكانه ، قالوا : يا رسول الله ! دلنا على أعمالهم ، قال : يعفون عمن
ظلمهم ، و يحسنون إلى من أساء إليهم ، و يتواسون فيما آتاهم الله عز وجل " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 339 ) :

موضوع . أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 8 ) من طريق الطبراني ، و عنه
ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 151 ) : عن سعيد بن زيدون : حدثنا عبد الله
بن هارون الصوري : حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا .
قلت : و هذا سند مظلم ، سعيد بن أبي { زيدون } و عبد الله بن هارون لم أعرفهم ،
إلا أن الثاني منهما أورده الذهبي في " الميزان " و قال : " عن الأوزاعي لا
يعرف ، و الخبر كذب في أخلاق الأبدال " . قلت : و هو هذا ، و أقره الحافظ ابن
حجر في " اللسان " . و الحديث أورده السيوطي في الجامع الصغير " فأساء ، لاسيما
و قد وقع في بعض النسخ مرموزا له بالحسن ! و اغتر بذلك بعض المتأخرين <1> فقال
: " حديث حسن " ! و أما المناوي فقد تنبه لعلته ، فقال بعد نقل كلام الذهبي
السابق : " و من ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ، و وافقه عليها المؤلف في " مختصر
الموضوعات " فأقره و لم يتعقبه " . و اعلم أن أحاديث الأبدال لا يصح منها شيء ،
و كلها معلولة ، و بعضها أشد ضعفا من بعض ، و أنا ذاكر لك بعضها ، و كاشف عن
عللها ، إن شاء الله تبارك و تعالى .

(2/434)

936 - " الأبدال في هذه الأمة ثلاثون ، مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل ، كلما مات
رجل أبدل الله تبارك و تعالى مكانه رجلا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 340 ) :

منكر . رواه الإمام أحمد ( 5 / 322 ) و الهيثم بن كليب في " مسنده " ( 159
/ 1 - 2 ) و الخلال في " كرامات الأولياء " ( ق 1 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " ( 1 / 180 ) و عنه ابن عساكر في " التاريخ " ( 1 / 67 / 2 ) عن الحسن
بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعا ، و قال أحمد
عقبه : " هو حديث منكر " . قلت : و فيه علتان : الأولى : عبد الواحد بن قيس
، مختلف فيه ، فوثقه ابن معين في رواية و أبو زرعة . و قال ابن معين في رواية
أخرى : لم يكن بذاك و لا قريب ، و قال أبو حاتم : ليس بالقوي ، و كذا قال صالح
بن محمد البغدادي و زاد : " روى عن أبي هريرة و لم يسمع منه " . و قال الذهبي
: " لم يلق أبا هريرة ، إنما روايته عنه مرسلة ، إنما أدرك عروة و نافعا
" . قلت : فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ، فالسند مع ضعفه منقطع !
الثانية : الحسن بن ذكوان مختلف فيه أيضا ، و قد ضعفه الجمهور ، و قال أحمد :
" أحاديثه أباطيل " . و قال ابن معين : " كان صاحب أوابد " . و قال ابن حجر في
" التقريب " : " صدوق يخطىء و كان يدلس " . و رمز له بأنه من رجال البخاري .
قلت : و قد عنعن هنا . و مما تقدم تعلم ما في قول الهيثمي من الإيهام فقال في
" مجمع الزوائد " ( 10 / 62 ) و قلده السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 461 ) رواه
أحمد و رجاله رجال الصحيح ، غير عبد الواحد بن قيس ، و قد وثقه العجلي و أبو
زرعة ، و ضعفه غيرهما " . و لم يذكر السيوطي : " و ضعفه غيرهما " ! فقد أوهم
شيئين : الأول : أن لا انقطاع بين عبد الواحد و عبادة و ليس كذلك كما بينا .
الثاني : أن الحسن بن ذكوان ثقة ، لوصفه إياه بأنه من رجال الصحيح ، و سكوته
عما قيل فيه من التضعيف ، و الوصف بالتدليس ! قلت : و بهذا التحقيق يتبين لك
خطأ قول السيوطي في " اللآلي " ( 2 / 332 ) : " و سنده حسن " ! و قول ابن عراق
( 2 / 307 - طبع مصر ) : " و سنده صحيح " ! و قد روي الحديث عن عبادة بلفظ آخر
و هو : " لا يزال في أمتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، و بهم تمطرون ، و بهم
تنصرون " . قلت : و هو ضعيف أيضا فيه من لا يعرف ، فقد قال الهيثمي ( 10 / 63 )
: " رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص و كلاهما لم أعرفه ، و
بقية رجاله رجال الصحيح " . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من
رواية الطبراني أيضا عن عبادة بلفظ : " الأبدال في أمتي ثلاثون ... " فلعل ما
نقلته عن " المجمع " محرف عنه . و قال الشارح المناوي : " قال المصنف : سنده
صحيح " ! و لم يتعقبه المناوي بشيء ! و كأنه لم يقف على كلام الهيثمي فيه ، و
لا على إسناد ، و قد ساق السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 461 ) فقال : قال
الطبراني في " الكبير " : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني محمد بن
الفرج : حدثنا زيد بن الحباب : أخبرني عمر البزار عن عبيسة الخواص عن قتادة عن
أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت .... فذكره بلفظ " الجامع الصغير "
. قلت : كذا في نقله : " عمر " بدون الواو ، " عبيسة " ، و لعل هذا الثاني
تحريف ، و أما الأول فمحتمل ، فإن في شيوخ زيد بن الحباب عن المزي في " تهذيبه
" ( 1 / 227 / 1 ) عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي ، و عمرو بن عبد الله
بن وهب النخعي ، و عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعد بن يربوع المخزومي ، فإن
كان الأول - بدون الواو - فهو ضعيف جدا ، و إن كان أحد الآخرين فهو ثقة ، و لكن
لم يصفوا جميعا بـ ( البزار ) . فالله أعلم من هو منهم ، أو هو غيرهم و على كل
حال فتصحيح مثل هذا الإسناد لا وجه له مطلقا ، و لا أدري من أين نقل المناوي
تصحيح السيوطي له ، و هو مرموز له في بعض نسخ " الجامع " بالحسن ، و للذي قبله
بالصحة !! على أن رموز الجمع لا يوثق بها لأسباب ذكرتها في مقدمة كتابي " صحيح
الجامع الصغير " و ضعيف الجامع الصغير " ، و هو مطبوعان ، فليرجع إليهما من شاء
. و أخرج ابن عساكر في " التاريخ " ( 1 / 277 ) من طريق الطبراني و غيره عن
عمرو بن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال : " لما فتحت مصر سبوا
أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال : يا أهل مصر ! أنا عوف بن
مالك ، لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فيهم
الأبدال و بهم ينصرون و بهم ترزقون " . قلت : و هذا إسناد ضعيف جدا ، شهر بن
حوشب سيء الحفظ ، و عمرو بن واقد متروك كما في " التقريب " . و قال الهيثمي : "
رواه الطبراني " و فيه عمرو بن واقد ، و قد ضعفه جمهور الأئمة ، و وثقه محمد بن
المبارك الصوري ، و شهر اختلفوا فيه ، و بقية رجاله ثقات " . قلت : و روي
الحديث عن علي مرفوعا بلفظ آخر ، سيأتي تخريجه إن شاء الله برقم ( 2993 ) .

(2/435)

937 - " إذا اغتسلت المرأة من حيضها ، نقضت شعرها ، و غسلت بالخطمي و الأشنان ، و إذا
اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ، و لم تغسل بالخطمي و الأشنان " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 342 ) :
ضعيف . أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " ( 2 / 34 / 1 ) و البيهقي في
" السنن الكبرى " ( 1 / 182 ) من طريقين عن مسلم بن صبيح : حدثنا حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس مرفوعا . و من هذا الوجه رواه الدارقطني أيضا في " الأفراد
" كما في نصب الراية " ( 1 / 80 ) . و قال الخطيب : " قال علي بن عمر ( يعني
الدارقطني ) : هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، تفرد به
مسلم بن صبيح عن حماد و لم نكتبه إلا من هذا الوجه " . قلت : و هو ضعيف لتفرد
ابن صبيح به ، و هو في عداد المجهولين ، فإني لم أجد من ترجمه ، و قد يشتبه
بمسلم بن صبيح الهمداني الذي أخرج له الستة ، و ليس به ، فإن هذا متأخر ، من
طبقة شيوخ الإمام أحمد ، و ذاك الهمداني تابعي يروي عن ابن عباس و غيره ، و هو
معروف ثقة ، و له ترجمة في " التهذيب " للحافظ ابن حجر ، و كان يحسن به أن يورد
بعده مسلم بن صبيح هذا المجهول تميزا له عن الذي قبله ، كما هي عادته في أمثاله
، و لكنه لم يفعل ، و الله أعلم ، ثم قد ميزه في " تبصير المنتبه " ( 3 / 833 )
و لم يذكره بعدالة أو جرح ، و قيده بضم الصاد المهملة . و قد أخرجه الضياء
المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( ق 23 / 2 - مسند أنس ) من طريق الطبراني و
هذا في " المعجم الكبير " ( 1 / 37 / 2 ) قال حدثنا أحمد بن داود المكي : حدثنا
سلمة بن صبيح اليحمدي حدثنا حماد بن سلمة به . كذا سماه ابن داود " سلمة " بدل
مسلم " ، و ليس هو تصحيفا ، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 273 ) :
" رواه الطبراني في " الكبير " ، و فيه سلمة بن صبيح اليحمدي و لم أجد من ذكره
" . قلت : و لعل " سلمة " وهم من ابن داود فإني لا أعرفه أيضا ، و قد خالفه
عثمان بن خرزاذ و هو ثقة ، أخرجه الخطيب . و أيهما كان فالرجل مجهول لا يعرف ،
فهو علة الحديث ، و خفي هذا على الصنعاني فقال في " السبل " ( 1 / 138 ) بعد أن
عزاه لمن ذكرنا : " فهذا الحديث مع إخراج الضياء له ، و هو يشترط الصحة فيما
يخرجه ، يثمر الظن في العمل به " . قلت : و هذا مسلم بالنسبة لمن لم يقف على
إسناده ، و أما من وقف عليه فقد يختلف الحكم بالنسبة له ، و يرى خلاف ما ذهب
الضياء إليه ، و عول عليه ، كما هو الشأن في هذا الحديث ، و رواية مسلم بن صبيح
، و هو من الأدلة الكثيرة على أن الضياء رحمه الله متساهل في التصحيح كالحاكم
، و إن كان هو أحسن حالا منه كما شهد بذلك ابن تيمية رحمه الله . و الحديث سكت
عليه الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 217 ) فأوهم سلامته من العلة ، فاقتضى
التنويه بها ، و تحقيق الكلام على الحديث ، و الله سبحانه هو الموفق . و قد
استدل الصنعاني بالحديث على أن نقض الشعر من المرأة الحائض في غسلها ليس واجبا
عليها ، بل هو على الندب لذكر الخطمي و الأشنان فيه ، قال : " إذ لا قائل
بوجوبهما فهو قرينة على الندب " . قلت : و إذا عرفت ضعف الحديث فالاستدلال به
على ما ذكره الصنعاني غير صحيح ، لاسيما و قد ثبت من حديث عائشة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها في الحيض : " انقضي شعرك و اغتسلي " . و لهذا كان أقرب
المذاهب إلى الصواب التفريق بين غسل الحيض فيجب فيه النقض ، و بين غسل الجنابة
فلا يجب ، كما بيت ذلك في الكلام على حديث عائشة هذا في " الأحاديث الصحيحة "
رقم ( 188 ) .

(2/436)

938 - " لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم ، فإن لها آجالا كآجال الناس " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 343 ) :
كذب . رواه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 26 ) : حدثنا أبو دلف عبد العزيز
بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن
الدعاء : حدثنا جعفر بن عاصم : حدثنا أحمد بن أبي الحواري : حدثنا عباس بن
الوليد قال : حدثني علي بن المديني عن حماد بن زيد عن مالك بن دينار عن الحسن
عن كعب بن عجرة مرفوعا . قلت : و هذا سند واه جدا ، و فيه علل : أولا : أبو
دلف هذا ، أورده الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 10 / 465 ) و لم يذكر فيه جرحا و
لا تعديلا . ثانيا : يعقوب بن عبد الرحمن الدعاء و هو أبو يوسف الجصاص ، قال
الخطيب ( 12 / 294 ) : " في حديثه وهم كثير ، قال أبو محمد بن غلام الزهري
: ليس بالمرضي ، مات سنة ( 331 ) " . ثالثا : جعفر بن عاصم لم أجد له ترجمة
. رابعا : عنعنة الحسن و هو البصري ، فقد كان يدلس . قلت : و بقية رجال الإسناد
ثقات معرفون مترجم لهم في " التهذيب " و عباس بن الوليد هو ابن مزيد أبو الفضل
البيروني مات سنة ( 270 ) ، و قد روى عنه جماعة ، و كتب عنه أحمد بن أبي
الحواري و هو أكبر منه ، توفي سنة ( 246 ) فهو من رواية الأكابر عن الصاغر
. هذا ما تبين لي فيه و أما المناوي فقال في هذا الحديث : " أورده في " الميزان
" في ترجمة العباس بن الوليد الشرقي ، و قال : ذكره الخطيب في " الملخص " <1>
فقال : روى عن ابن المديني حديثا منكرا ، رواه عنه أحمد بن أبي الحواري من حديث
كعب بن عجرة مرفوعا ، ثم ساق هذا بعينه " . قلت : و لم أجد هذا الترجمة في "
الميزان " للذهبي ، و لا في " الضعفاء " له ، و لا في " لسان الميزان " للحافظ
بن حجر ، فالله أعلم من أين وقع ذلك للمناوي . و الحديث أورده ابن أبي حاتم في
" العلل " ( 2 / 295 - 296 ) بسنده عن ابن أبي الزرقاء عن ميمون بن مهران قال :
فذكره موقوفا عليه و قال : " قال أبي هذه الحكاية كذب " . قلت : و فيه وهب بن
داود قال الخطيب : " لم يكن بثقة " . و فيه أيضا من لم أعرفه .
-----------------------------------------------------------
[1] كذا ، و لعل الصواب " التلخيص " . اهـ .

(2/437)

939 - " استاكوا و تنظفوا ، و أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 344 ) :
ضعيف . رواه ابن أبي شيبة ( 1 / 63 / 1 ) : وكيع قال : حدثنا سفيان عن موسى
بن أبي عائشة عن سليمان بن سعد مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف ، رجاله كلهم
ثقات غير سليمان بن سعد و هو تابعي مجهول ، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح و
التعديل " ( 2 / 1 / 118 ) فقال : " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسل
، روى عنه موسى بن أبي عائشة " . قلت : و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و قد
أخطأ بعض الضعفاء فسماه سليمان بن صرد ، و أسنده ، لأن ابن صرد هذا صحابي ! و
هو إسماعيل بن عمرو البجلي : فقال : حدثنا الحسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة
عن سليمان بن صرد مرفوعا به . أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 59 / 2 -
زوائد المعجمين ) و قال : " لا يروى عن سليمان إلا بهذا الإسناد " . قلت : و هو
ضعيف لأن البجلي هذا ضعفه غير واحد كما قال الذهبي في " الضعفاء " . و قال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 2 / 240 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، و
فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ، ضعفه أبو حاتم و الدارقطني و ابن عدي ، و وثقه
ابن حبان و إذا عرفت الفرق بين رواية ابن أبي شيبة و الطبراني يتبن لك خطأ عزو
السيوطي في " الجامع " الحديث إلى المذكورين من رواية سليمان بن صرد ثم خطأ
رمزه له بالحسن ، و قد فات الأمر الأول على المناوي فلم يتنبه له ، أما الآخر ،
فقد تعقبه بقول الهيثمي الذي ذكرته ثم قال : " و به يعرف ما في رمز المصنف
لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره " . و هذا الكلام يشعر بأن المناوي لم يطلع
على سند الحديث عند ابن أبي شيبة فإنه عنده من غير طريق البجلي ، و لكن ذلك لا
يقوي حديثه بل يضعفه ، للمخالفة التي سبق بيانها .

(2/438)

940 - " " كان يستاك عرضا ، و لا يستاك طولا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 346 ) :
ضعيف جدا . رواه أبو نعيم في " كتاب السواك " من حديث عائشة مرفوعا .
قال الحافظ ( 23 ) : " و في إسناده عبد الله بن حكيم و هو متروك " . و قال ابن
حبان ( 2 / 27 ) : " كان يضع الحديث على الثقات ، و يروي عن مالك و الثوري و
مسعر ما ليس من أحاديثهم ".

(2/441)

940 - " إذا شربتم فاشربوا مصا ، و إذا استكتم فاستاكوا عرضا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 345 ) :
ضعيف . رواه البيهقي ( 1 / 40 ) من طريق أبي داود في " مراسيله " عن هيثم
عن محمد بن خالد القرشي عن عطاء بن أبي رباح قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم . قلت : و هذا سند ضعيف لإرساله ، و عنعنة هشيم ، فإنه مدلس ، و
جهالة القرشي هذا ، و من ثم رمز له السيوطي بالضعف ، فأصاب ، و تعقبه المناوي
بقوله فما أصاب : " رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان : " فيه محمد بن خالد لا
يعرف " و فاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان بأن محمد هذا وثقه ابن
معين و ابن حبان " . و هذا تعقب واه جاءه من التقليد و الاستسلام لرد الحافظ
ابن حجر دون تبصر ، و هو في كتابه " التلخيص " ( ص 23 ) كما نقله المناوي ، و
فاته أن الجواد قد يكبو ، فإن توثيق ابن معين المذكور مما لم يذكره أحد ، حتى و
لا الحافظ نفسه في " التهذيب " ، فأخشى أن يكون وهما منه ، و يؤيده أنه صرح في
" تقريب التهذيب " أن القرشي هذا " مجهول " فوافق في ذلك قول ابن القطان : " لا
يعرف " ، و كذلك قال الذهبي في " الميزان " فمع اتفاق هؤلاء على تجهيله ، هل
يعقل أن يكون توثيق ابن معين له ثابتا عنه ؟! ثم لو سلمنا جدلا ثبوت ذلك عنه ،
فهل يسلم السند من العلتين الأوليين : التدليس و الإرسال ؟! و بذلك يتبين أن لا
وجه لذلك التعقب على السيوطي ، بل هو من تعصب المناوي عليه ، عفا الله عنا و
عنهم . و روي في الاستياك عرضا حديثا آخر ، و هو بلفظ : " كان يستاك عرضا ، و
يشرب مصا ، و يقول : هو أهنأ و أمرأ و أبرأ " .

(2/439)

940 - " كان يستاك عرضا ، و يشرب مصا ، و يقول : هو أهنأ و أمرأ و أبرأ " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 345 ) :
ضعيف . رواه ابن حبان في " المجروحين " ( 1 / 199 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 1 / 123 / 1 - 2 ) و ابن شاهين في " الخامس من الأفراد " ( 31 - 32
) و البيهقي في " سننه " ( 1 / 40 ) و ابن عساكر ( 4 / 63 / 2 ) عن اليمان بن
عدي حدثنا ثبيت بن كثير الضبي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن
بهز مرفوعا ، و قال ابن شاهين : " حديث غريب الإسناد ، حسن المتن ، و بهز لا
أعرف له نسبا و لا أعرف له غير هذا الحديث " . قلت : و علته ثبيت هذا و هو ضعيف
، كما قال الهيثمي ( 2 / 100 ) بعدما عزاه للطبراني وحده ، و تناقض فيه ابن
حبان ، فذكره في " الثقات " و ذكره في " الضعفاء " أيضا و قال : " منكر الحديث
على قلته ، لا يجوز الاحتجاج به " . و قال ابن عدي : " غير معروف " . و قال
الحافظ في " التلخيص " ( ص 23 ) : " و هو ضعيف ، و اليمان بن عدي أضعف منه
" . قلت : و قد تابعه ضعيف مثله إلا أنه خالفه في إسناده ، و هو علي بن ربيعة
القرشي المدني فقال : عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ربيعة بن أكثم به ،
فجعل ربيعة هذا بدل " بهز " . أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 10 / 110
/ 2 ) و العقيلي في " الضعفاء " ( 295 ) و البيهقي ، و قال العقيلي : " و لا
يصح ، علي بن ربيعة القرشي مجهول بالنقل ، حديثه غير محفوظ ، و لا يتابعه إلا
من هو دونه " . قلت : يشير إلى ثبيت بن كثير ، و القرشي هذا قال ابن أبي حاتم (
3 / 1 / 185 ) عن أبيه : هو مثل يزيد بن عياض في الضعف " . و يزيد هذا ضعيف
الحديث ، منكر الحديث عند أبي حاتم ، و غيره يكذبه ، و قال الحافظ في " التلخيص
" ( ص 23 ) بعدما عزاه للعقيلي و البيهقي : " إسناده ضعيف جدا " ثم ذكر
الاختلاف الذي ذكرته ، ثم قال ابن عبد البر : " ربيعة قتل بخيبر فلم يدركه سعيد
، و قال في " التمهيد " : لا يصحان من جهة الإسناد " . و لم يحرر المناوي القول
في هذين الطريقتين فظن أن أحدهما يقوي الآخر ، فصرح أن الحديث صار بذلك حسنا !
و في الباب حديث آخر ، و هو : " كان يستاك عرضا ، و لا يستاك طولا " .

(2/440)

943 - " كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 346 ) :
باطل موضوع . رواه البيهقي في " الخلافيات " من حديث محمد بن غالب حدثنا
محمد البرتي <1> حدثنا عبد الله بن عون الخراز <2> : حدثنا مالك عن الزهري عن
سالم عن ابن عمر مرفوعا . قلت : و هذا سند ظاهره الجودة ، و قد اغتر به بعض
الحنفية ، فقال الحافظ مغلطاي : " لا بأس بسنده " . و لا أدري كيف يقول ذلك مثل
هذا الحافظ مع اشتهار الحديث في " الصحيحين " و " السنن الأربعة " و " المسانيد
" عن مالك بإسناده المذكور عن ابن عمر برفع اليدين في الركوع أيضا ، لاسيما و
قد نبه على ذلك مخرجه البيهقي و شيخه الحاكم فقالا : " هذا باطل موضوع لا يجوز
أن يذكر إلى على سبيل التعجب و القدح فيه ، و قد روينا بالأسانيد الزاهرة عن
مالك خلاف هذا " . نقلت هذا و سند الحديث و قول مغلطاي من " ما تمس إليه الحاجة
لمن يطالع سنن ابن ماجه " للشيخ محمد عبد الرشيد النعماني ( ص 48 - 49 ) و هو
متعصب جدا للحنفية على أهل الحديث ، و لا يعبأ بقواعدهم العلمية ، و مما يدلك
على هذا تعقبه لقول الحافظين المذكورين و حكمهما على الحديث بالبطلان ، فقال :
" قلت : تضعيف الحديث لا يثبت بمجرد الحكم ، و إنما يثبت ببيان وجوه الطعن ، و
حديث ابن عمر هذا رجاله رجال الصحيح ، فما أرى له ضعفا بعد ذلك ، اللهم إلا أن
يكون الراوي عن مالك مطعونا ، لكن الأصل العدم ، فهذا الحديث عندي صحيح لا
محالة " ! قلت : هذا الكلام يدل على أحد شيئين : إما أن الرجل لا يعبأ بما هو
مقرر عند المحدثين من القواعد ، أو أنه جاهل بها ، و غالب الظن أنه الأول ،
فمثله مما لا أظن يبلغ به الجهل إلى أن لا يعلم تعريف الحديث الصحيح عندهم ، و
هو " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه و لا يكون شاذا و لا معلا "
، و إذا كان الأمر كذلك فقوله " .... لا يثبت بمجرد الحكم .... " جهل منه أو
تجاهل بشرط من شروط الحديث الصحيح ، و هو عدم الشذوذ و قد أشار الحاكم و
البيهقي إلى أن الحديث لم يسلم من الشذوذ و ذلك قولهما : " فقد روينا بالأسانيد
الزاهرة عن مالك خلاف هذا " . قلت : فالحاكم و البيهقي لم يحكما على الحديث
بالبطلان بمجرد الدعوى كما زعم النعماني ، بل قرنا ذلك بالدليل لمن يريد أن
يفهم ، و هو الشذوذ ، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم المذكور على ما يأتي
بيانه إن شاء الله تعالى . و لو لم يكن ثمة دليل على بطلان الحديث إلا وروده في
كتاب الإمام مالك " الموطأ " ( 1 / 97 ) على خلاف هذا اللفظ لكفى ، فكيف و قد
رواه جمع كثير من المصنفين و الرواة عن مالك على خلافه ؟ فأخرجه البخاري ( 3 /
174 ) و أبو عوانة في " صحيحه ( 2 / 91 ) و النسائي ( 1 / 140 و 161 - 162 ) و
الدارمي ( 1 / 285 ) و الشافعي ( رقم 199 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 /
131 ) و أحمد ( 4674 و 5279 ) من طرق كثيرة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد
الله عن أبيه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه
، إذا افتتح الصلاة ، و إذا كبر للركوع ، و إذا رفع رأسه من الركوع ، رفعهما
كذلك " . الحديث و السياق للبخاري عنه . و الواقع أن الحديث بهذا اللفظ المخالف
لهذا الحديث الباطل متواتر عن مالك رحمه الله ، فقد سرد ابن عبد البر أسماء من
رواه عن مالك من الرواة فجاء عددهم نحو الثلاثين ! و قد وافقه جماعة من الثقات
في روايته عن ابن شهاب به . أخرجه البخاري ( 2 / 175 و 176 ) و مسلم ( 2 / 6 و
7 ) و أبو عوانة ( 2 / 90 ) أبو داود ( 1 / 114 ) ) و الترمذي ( 2 / 35 ) و ابن
ماجه ( 1 / 281 ) و الطحاوي و الدارقطني ( ص 108 ) و كذا الشافعي ( 198 ) و
أحمد ( 5081 و 4540 و 6345 ) من طرق كثيرة عن ابن شهاب به . و تابع الزهري جابر
و هو الجعفي قال : " رأيت سالم بن عبد الله رفع يديه حذاء منكبيه في الصلاة
ثلاث مرات ، حين افتتح الصلاة ، و حين ركع ، و حين رفع رأسه ، قال جابر ! فسألت
سالما عن ذلك ؟ فقال سالم رأيت ابن عمر يفعل ذلك ، و قال ابن عمر رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " . رواه الطحاوي و أحمد ( 5054 ) ، و الجعفي
ضعيف ، لكن سكت على الحديث الطحاوي و كأن ذلك لطرقه . و تابع سالما نافع مولى
ابن عمر : أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر و رفع يديه ، و إذا ركع رفع
يديه و إذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه ، و إذا قام من الركعتين رفع يديه ،
و رفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في " صحيحه " (
2 / 176 ) و في " رفع اليدين " ( ص 14 ) و أبو داود ( 1 / 118 ) و البيهقي ( 2
/ 136 ) عن عبيد الله عنه ، و رواه مالك ( 1 / 98 - 99 ) عن نافع به دون قوله
" و إذا ركع رفع يديه " و دون الرفع عند القيام ، و من طريقه رواه الشافعي و
أبو داود و تابعه أيوب عن نافع به المرفوع فقط ، دون الرفع عند القيام . أخرجه
البخاري في " جزئه " ( 17 ) و البيهقي ( 2 / 24 و 70 ) و أحمد ( 5762 ) و تابعه
صالح بن كيسان عن نافع به أخرجه أحمد ( 6164 ) . و تابع سالما أيضا محارب بن
دثار قال : " رأيت ابن عمر يرفع يديه كلما ركع ، و كلما رفع رأسه من الركوع ،
قال : فقلت له : ما هذا ؟ قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قام في
الركعتين كبر و رفع يديه " . أخرجه أحمد ( 6328 ) بإسناد صحيح . إذا عرف هذا
فهذه الروايات و الطرق الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنه تدل على بطلان هذا
الحديث من وجوه : الأول ما أشار إليه الحاكم و البيهقي من مخالفة راويه عن
مالك لجميع من رواه عنه من الثقات على خلاف هذا الحديث و إثبات الرفع الذي نفاه
، لاسيما و قد بلغ عددهم مبلغ التواتر كما سبق ، و مخالفة الفرد لأقل منهم
بكثير يجعل حديثه شاذ مردودا عند أهل العلم ، فكيف و هم جمع غفير ؟ ! الثاني :
أن مالكا رحمه الله لو كان عنده علم بهذا الحديث المنسوب إليه لرواه في كتابه
" الموطأ " و عمل به ، و كل من الأمرين منفي ، أما الأول ، فلما سبق بيانه أنه
روى فيه الحديث المخالف له بسنده هذا . و الآخر أنه عمل بخلافه ، و قال
بمشروعية الرفع بعد الرفع في تكبيرة الإحرام كما حكاه عنه الترمذي في " سننه "
( 2 / 37 ) و لم يحك عنه خلافه ، و نقل الخطابي و القرطبي أنه آخر قولي مالك و
أصححها كما في " الفتح " ( 2 / 174 ) . الثالث : أن ابن عمر رضي الله عنه كان
يحافظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : على الرفع المذكور كما سبق ذلك عنه
صريحا ، فلو كان هذا الحديث ثابتا عنه لما رفع و هو من أحرص أصحابه صلى الله
عليه وسلم على اتباعه كما هو معلوم ، كيف لا و قد صح عنه أنه كان إذا رأى رجلا
لا يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رماه بالحصى ! أخرجه البخاري في " رفع اليدين "
( ص 8 ) و عبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله عن أبيه " و الدارقطني ( 108
) بسند صحيح عنه <3> . الرابع : أن الذي روى هذا الحديث عن ابن عمر إنما هو
سالم ابنه - فيما زعموا - و من الثابت عنه أنه كان يرفع يديه أيضا كما حكاه
الترمذي أيضا عنه ، و سبق ذلك في بعض الروايات عنه - فلو كان هذا الحديث مما
رواه عن أبيه حقا لم خالفه أصلا ، كما هو ظاهر . فدل ذلك كله على صحة قول
الحاكم و البيهقي في الحديث : إنه باطل ، و أن قول الشيخ النعماني : " فهذا
الحديث عندي صحيح لا محالة " محال ! و مما سبق تعلم بطلان قول الشيخ المذكور
عقب جملته المذكورة : " و غاية ما يقال فيه : أن ابن عمر رأى النبي صلى الله
عليه وسلم حينا يرفع ، فأخبر عن تلك الحالة ، و أحيانا لا يرفع ، و أخبر عن تلك
الحالة ، و ليس في كل من حديثه ما يفيد الدوام و الاستمرار على شيء معين منهما
، و لفظ : " كان " لا يفيد الدوام إلا على سبيل الغالب " . قلت : و هذا الجمع
بين الروايتين ، باطل أيضا ، لأن الشرط في الجمع إنما هو ثبوت الروايتين ، أما
و إحداهما صحيحة ، و الأخرى باطلة ، فلا يجوز الجمع حينئذ ، و كيف يعقل أن
الراوي الواحد يقول مرة : كان لا يرفع ، و أخرى : كان يرفع ، و لا يجمع هو نفسه
بينهما في عبارة واحدة و لو مرة واحدة ؟ هذا مما لا نعرف له مثيلا في شيء من
الأحاديث ! و إنما يقال مثل هذا الجمع في روايتين صحيحتين عن صحابيين مختلفين ،
مثل حديث ابن عمر هذا في الرفع و حديث ابن مسعود بمعنى هذا الحديث الباطل عن
ابن عمر . فإن قال قائل : قد عرفنا بطلان هذا الحديث من الوجوه السابقة ، فممن
العلة فيه ؟ هل هي من عبد الله بن عون الخراز الذي رواه عن مالك أم ممن دونه !
و الجواب : أنه ليس في إسناده من يمكن الظن بأن الخطأ منه غير محمد بن غالب ، و
هو الملقب بـ ( تمتام ) فإنه و إن كان الدارقطني وثقه ، فقد قال : " إلا أنه
يخطىء ، و كان وهم في أحاديث " . و قال ابن المناوي : " كتب عنه الناس ، ثم رغب
أكثرهم عنه لخصال شنيعة في الحديث و غيره " . فالظاهر أنه هو الذي أخطأ في هذا
الحديث ، فلعله من الأحاديث التي أشار إليها الدارقطني . و أما شيخه البرتي فهو
ثقة ثبت حجة كما قال الخطيب ( 5 / 61 ) ، و كذا شيخ هذا و هو الخراز ثقة من
رجال مسلم ، فانحصرت الشبهة في ( تمتام ) . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل " البراني " و الصواب ما أثبته و هو بكسر الباء الموحدة و سكون الراء
ثم مثناة فوقية نسبة إلى ( برت ) قرية بنواحي بغداد .
[2] الأصل " الخزار " و التصويب من " التقريب " .
[3] و أما ما رواه الطحاوي ( 1 / 133 ) من طريق بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد
قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة
، فهو شاذ أيضا للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش . اهـ .

(2/442)

944 - " نهى أن يبول الرجل و فرجه باد إلى الشمس و القمر " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 350 ) :
باطل . رواه الحكيم الترمذي في " كتاب المناهي " عن عباد بن كثير عن عثمان
الأعرج عن الحسن : حدثني سبعة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم :
أبو هريرة ، و جابر ، و عبد الله بن عمرو و عمران بن حصين و معقل بن يسار و عبد
الله بن عمر و أنس بن مالك يزيد بعضهم على بعض في الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى .... قلت : فذكر حديثا طويلا جدا في النواهي ، ساقه في " تنزيه
الشريعة " بتمامه في نحو خمس صفحات ! ( 2 / 397 - 401 ) ، و ذكر الحافظ ابن حجر
في كتابه " التلخيص " ( 37 ) قطعة من أوله ، هذا بعضه و قال : " و هو حديث باطل
لا أصل له ، بل هو من اختلاق عباد " . و تبعه السيوطي في " ذيل الأحاديث
الموضوعة " ( ص 199 ) ، ثم ابن عراق و قال : " و ذكر النووي في " شرحه على
المهذب " من هذا الحديث النهي عن استقبال الشمس و القمر ، و قال : حديث باطل لا
يعرف " . قلت : و من الغرائب أن يذكر هذا الحكم الوارد في هذا الحديث الباطل في
بعض كتب الحنابلة مثل " المقنع " لابن قدامة ( 1 / 25 - 26 ) و " منار السبيل
" لابن ضويان ( 1 / 19 ) ، و قال هذا معللا : " تكريما لهما " ! و في حاشية
الأول منهما : " لأنه روي أن معهما ملائكة ، و أن أسماء الله مكتوبة عليها
" ! قلت : و هذا التعليل مما لا أعرف له أصلا في السنة ، و كم كنت أود أن لا
يذكر مثل هذا الحكم و تعليله في مثل مذهب الإمام أحمد رحمه الله الذي هو أقرب
المذاهب إلى السنة ، و لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، فقد أصاب مذهبه من بعض
أتباعه نحو ما أصاب المذاهب الأخرى من الملحقات و البدعات . و لذلك كان لزاما
على جميع الأتباع الرجوع إلى السنة الصحيحة ، و هذا لا سبيل إليه إلا بدراسة
هذا العلم الشريف ، و لعلهم يفعلون . و مما يبطل هذا الحكم حديث أبي أيوب
الأنصاري مرفوعا : " لا تستقبلوا القبلة و لا تستدبروها بغائط أو بول و لكن
شرقوا أو غربوا " . أخرجه الشيخان و أصحاب السنن و غيرهم ، و هو مخرج في " صحيح
أبي داود " ( رقم 7 ) ، و ذلك أن قوله : " و لكن شرقوا أو غربوا " صريح في جواز
استقبال القمرين و استدبارهما إذ لابد أن يكونا في الشرق أو الغرب غالبا . و
يبطله أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : الشمس و القمر ثوران مكوران في النار يوم
القيامة " . أخرجه الطحاوي و البخاري مختصرا كما بينته في " الأحاديث الصحيحة "
( 123 ) . قلت : فهذا يبطل تعليل ابن ضويان ، فإن إلقاءهما في النار و إن لم
يكن تعذيبا لهما ، فليس من باب إكرامهما كما هو ظاهر لا يخفى !

(2/443)

945 - " كان يصلي بعد العصر ، و ينهى عنها ، و يواصل و ينهى عن الوصال " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 351 ) :
منكر . رواه أبو داود ( 1 / 201 ) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن عمرو عن
عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
.... الحديث . قلت : و هذا سند ضعيف رجاله ثقات كلهم ، لكن ابن إسحاق مدلس و قد
عنعنه ، و قد صح ما يعارض حديثه هذا ، و هو ما أخرجه أحمد ( 6 / 125 ) عن
المقدام بن شريح عن أبيه قال : " سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر ؟ فقالت : صل
، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت
الشمس " . قلت : و سنده صحيح على شرط مسلم . و وجه المعارضة واضح منه ، و هو
قولها " صل " فلو كان عندها علم بالنهي الذى رواه ابن إسحاق عنها لما أفتت
بخلافه إن شاء الله تعالى ، بل لقد ثبت عنها أنها كانت تصلي بعد صلاة العصر
ركعتين ، أخرجه البخاري ( 3 / 82 ) و مسلم ( 2 / 210 ) . فهذا كله يدل على خطأ
حديث ابن إسحاق و نكارته . و هذا من جهة الصلاة ، و أما من حيث الوصال ، فالنهي
عنه صحيح ثابت في الصحيحين و غيرهما عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم . ثم إن الحديث يخالف من جهة ثانية حديث أم سلمة المشار إليه ، فإن فيه
: " فقالت أم سلمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ( تعني
الركعتين بعد العصر ) ثم رأيته يصليهما ، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل
و عندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه الجارية ، فقلت
: قومي بجنبه فقولي له : تقول أم سلمة : يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين
الركعتين ، و أراك تصليهما ، فإن أشار بيده ، فاستأخري عنه ، قال : ففعلت
الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه ، فلما انصرف ، قال : يا بنت أبي أمية ! سألت
عن الركعتين بعد العصر ، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني
عن الكعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان " . و وجه المخالفة هو أن النهي عن
الصلاة بعد العصر في الحديث متأخر عن صلاته صلى الله عليه وسلم بعدها ، و في
حديث أم سلمة أن النهي متقدم و صلاته بعده متأخر ، و هذا مما لا يفسح المجال
لادعاء نسخ صلاة الركعتين بعد العصر ، بل إن صلاته صلى الله عليه وسلم إياهما
دليل عن تخصيص النهي السابق بغيرهما ، فالحديث دليل واضح على مشروعية قضاء
الفائتة لعذر ، و لو كانت نافلة بعد العصر ، و هو أرجح المذاهب ، كما هو مذكور
في المبسوطات . و الحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 51 ) و تبعه
الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 171 ) ثم الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 3 /
24 ) و سكوتهم الموهم صحته هو الذي حملني على تحرير القول فيه و الكشف عن علته
، و الله الموفق . ثم رأيت ابن حزم ذكره ( 2 / 265 ) من طريق أبي داود و لم
يضعفه ، بل صنيعه يشعر بصحته عنده ، فإنه أجاب عنه ( 2 / 268 ) بما يتعلق به من
جهة دلالته و وفق بينه و بين ما يعارضه من جواز الركعتين بعد العصر عنده ، و لو
كان ضعيف لضعفه و ما قصر ، و لكنه قد قصر ! و رأيت أبا الطيب الشهير بشمس الحق
العظيم آبادي قد تنبه في كتابه " إعلام أهل العصر ، بأحكام ركعتي الفجر " ( ص
55 ) لعلة أخرى في الحديث فقال : " و هذا معارض بما أخرجه مسلم و النسائي و
غيرهما عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة أنها قالت : وهم عمر ، إنما نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس و غروبها ، فإنما مفاد كلامه
في رواية ذكوان ( يعني في حديث ابن إسحاق ) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة بعد العصر ، و مفاد كلامها في رواية طاووس أن النهي يتعلق بطلوع الشمس و
غروبها ، لا يرفع صلاة الفجر و العصر " . قلت : و هذه معارضة أخرى تضاف إلى
المعارضتين السابقتين ، و هي مما تزيد الحديث ضعفا على ضعف .

(2/444)

946 - " قدم علي مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهم بعد الظهر ، فصليتهما الآن ، فقلت
: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : لا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 353 ) :
منكر . رواه أحمد ( 6 / 315 ) الطحاوي ( 1 / 180 ) و ابن حبان في " صحيحه "
( 623 ) عن يزيد بن هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان
عن أم سلمة قالت : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ، ثم دخل بيتي
فصلى ركعتين ، فقلت : يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليهما ، فقال : فذكره
. و هذا سند ظاهره الصحة ، و لكنه معلول ، فقال ابن حزم في " المحلى " ( 2 /
271 ) : " حديث منكر ، لأنه ليس هو في كتب حماد بن سلمة ، و أيضا فإنه منقطع لم
يسمعه ذكوان من أم سلمة ، برهان ذلك أن أبا الوليد الطيالسي روى هذا الخبر عن
حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة أن " النبي صلى
الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر فقلت : ما هاتان الركعتان ؟ قال
: كنت أصليهما بعد الظهر ، و جاءني مال فشغلني ، فصليتهما الآن " ، فهذه هي
الرواية المتصلة و ليس فيها : " أفنقضيهما نحن ؟ قال : لا " ، فصح أن هذه
الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة ، و لا ندري عمن أخذها ، فسقطت " . قلت : و
رواية أبو الوليد عبد الملك بن إبراهيم التي علقها ابن حزم وصلها الطحاوي ( 1 /
178 ) . و تابع أب الوليد عبد الملك بن إبراهيم الجدي : حدثنا حماد بن سلمة به
دون الزيادة . أخرجه البيهقي ( 2 / 475 ) . و نقل الحافظ في " التلخيص " ( 70 )
عنه أنه ضعف الحديث بهذه الزيادة ، و نص كلام البيهقي و هو في كتابه " المعرفة
" كما نقله صاحب " إعلام أهل العصر " ( ص 55 ) : " و معلوم عند أهل العلم
بالحديث أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة
عن أم سلمة دون هذه الزيادة ، فذكوان إنما حمل الحديث عن عائشة ، و عائشة حملته
عن أم سلمة ، ثم كانت ترويه مرة عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و ترسله
أخرى ، و كانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ، و كانت تحكي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبتهما ، قالت : " و كان إذا صلى صلاة أثبتها "
. و قالت : " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط "
، و كانت تروي أنه " كان يصليهما في بيوت نسائه و لا يصليهما في المسجد مخافة
أن يثقل على أمته ، و كان يحب ما خفف عنهم " فهذه الأخبار تشير إلى اختصاصه
بإثباتهما ، لا إلى أصل القضاء . هذا و طاووس يروي أنها قالت : " وهم عمر ،
إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس و غروبها " . و
كأنها لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبتهما بعد العصر ذهبت في النهي
هذا المذهب ، و لو كان عندها ما يروون عنها في رواية ذكوان و غيره من الزيادة
في حديث القضاء لما وقع هذا الاشتباه ، فدل على خطأ تلك اللفظة ، و قد روي عن
محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يصلي بعد العصر و ينهى عنها ، و يواصل ، و ينهى عن الوصال " . و هذا يرجع إلى
استدامته لهما لا أصل القضاء " . قلت : و التأويل فرع التصحيح ، و حديث محمد بن
عمرو هذا لا يصح إسناده كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله ، فتنبه .

(2/445)

947 - " استقبلوا بمقعدتي القبلة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 354 ) :
منكر . أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 1 / 143 ) و ابن ماجه (
1 / 136 ) و الطحاوي ( 2 / 336 ) و الدارقطني ( 22 ) و الطيالسي ( 1 / 46 - من
ترتيبه ) و أحمد ( 6 / 137 و 219 ) و ابن عساكر ( 5 / 537 / 1 ) من طريق موسى و
وكيع و بهز و يحيى بن إسحاق و أسد بن موسى خمستهم عن حماد بن سلمة عن خالد
الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك ابن مالك عن ( و قال موسى سمعت ) عائشة
قالت : " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا
بفروجهم القبلة ، فقال : أراهم قد فعلوها ؟ ! ( و في لفظ : أو قد فعلوها ؟ ! )
استقبلوا .... " الحديث . قلت : و هذا سند ضعيف و فيه علل كثيرة : الأولى :
الاختلاف على حماد بن سلمة . الثانية : الاختلاف على خالد الحذاء و هو ابن
مهران . الثالثة : جهالة خالد بن أبي الصلت . الرابعة : مخالفته للثقة .الخامسة
: الانقطاع بين عراك و عائشة . السادسة : النكارة في المتن . العلة الأولى
الاختلاف على حماد بن سلمة ، فرواه الخمسة الذين سميناهم عنه خالد الحذاء عن
خالد بن أبي الصلت عن عراك عنها ، و خالفهم أبو كامل اسمه الفضيل بن حسين فقال
: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عراك بن مالك حدث عن عمر
بن عبد العزيز أن عائشة قالت ... الحديث ، فأدخل عمر بن عبد العزيز . أخرجه
أحمد ( 6 / 227 ) . و خالفهم يزيد بن هارون ، فقال : أنبأنا حماد عن خالد
الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال : كنا عند عمر بن عبد العزيز ، فذكروا الرجل
يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة ، فكرهوا ذلك ، فحدث عن عراك بن مالك عن عائشة
، فجعل عمر بن عبد العزيز بين ابن أبي الصلت و عراك . أخرجه أحمد ( 6 / 239
) : حدثنا يزيد به . و خالفه علي بن شيبة فقال : حدثنا يزيد ابن هارن ... فساق
سنده مثل رواية الخمسة عن حماد إلا أنه زاد في الإسناد فقال : " فحدث عراك عن
عروة بن الزبير عنها ، فأدخل بينه و بينها عروة بن الزبير ! أخرجه الطحاوي ( 2
/ 336 ) . قلت : فهذا اختلاف شديد على حماد ، و لعل الأرجح الوجه الأول
، لاتفاق الجماعة عليه ، مع احتمال أن يكون حماد نفسه مصدر الاختلاف ، فقد كان
يخطىء أحيانا . الثانية و هي الاختلاف على خالد الحذاء فهو على وجوه : الأول
: قال أبو عوانة و يحيى بن مطر و القاسم بن مطيب ثلاثتهم عن خالد الحذاء عن
عراك بن مالك عن عائشة . أخرجه الدارقطني . الثاني : عن عبد الوهاب الثقفي عن
خالد عن رجل عن عراك عنها فزاد رجلا بين الحذاء و عراك أخرجه أحمد ( 6 / 183 )
و الدارقطني . و تابعه وهيب عن خالد به . رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (
2 / 1 / 143 ) . الثالث : عن علي بن عاصم : حدثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي
الصلت قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته و عنده عراك بن مالك ، فقال
عمر : ما استقبلت القبلة و لا استدبرتها ببول و لا غائط منذ كذا و كذا ، فقال
عراك : حدثتني عائشة .... أخرجه الدارقطني و أحمد ( 6 / 184 ) و البيهقي ( 1 /
92 - 93 ) و قال : " تابعه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في إقامة إسناده " .
قلت : يعني رواية حماد المتقدمة من رواية الجماعة عنه ، و إلا فقد اختلفوا عليه
كما سبق بيانه ، و قال الدارقطني : " هذا أضبط إسناد ، و زاد فيه خالد بن أبي
الصلت ، و هو الصواب " . قلت : و تابعه عبد العزيز بن المغيرة عن خالد الحذاء
به ، لكنه لم يصرح بسماع عراك من عائشة أخرجه أبو الحسن القطان في " زيادته على
ابن ماجه " ( 1 / 136 ) . قلت : و هذا الوجه من الاختلاف على خالد الحذاء أرجح
لاتفاق علي بن عاصم - على ضعف فيه لسوء حفظه - و عبد العزيز بن المغيرة عليه ،
و متابعة حماد بن سلمة لهما في رواية الجماعة عنه كما تقدم . فهذا الاضطراب في
إسناد الحديث و إن كان من الممكن ترجيح الوجه الأخير منه كما ذكرنا ، فإنه
لشدته لا يزال يبقى في النفس منه شيء ، و على التسليم بهذا الترجيح يظهر فيه
علة أخرى و هي : الثالثة : جهالة خالد بن أبي الصلت ، و ذلك أنه لم يكن مشهورا
بالعدالة ، و لا معروفا بالضبط ، عند علماء الجرح و التعديل ، فأورده ابن أبي
حاتم ( 1 / 336 - 337 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، بل صرح الإمام أحمد
بجهالته فقال : " ليس معروفا " . و قال عبد الحق الإشبيلي : " ضعيف " . و لعله
يعني بسبب جهالته . و قال الذهبي في " الميزان " و قد ساق له هذا الحديث : " لا
يكاد يعرف ، تفرد عنه خالد الحذاء ، و هذا منكر ، و ذكره ابن حبان في " الثقات
" ، و ما علمت أحد تعرض إلى لينه ، و لكن الخبر منكر " . قلت : و لعل الذهبي
أراد بقوله : " و ما علمت ... " يعني من القدامى ، و إلا فقد ضعفه عبد الحق كما
سبق ، و أما توثيق ابن حبان إياه ، فمما لا يقام له وزن - و إن اغتر به بعض
المتقدمين و المعاصرين كما يأتي - لما عرف أنه متساهل في التوثيق ، و قد بينت
ذلك في " الرد على التعقيب الحثيث " ، و هذا إذا انفرد بالتوثيق و لم يخالف ،
فكيف إذا خالف ؟ و قال ابن حزم في " المحلى " ( 1 / 196 ) : " حديث ساقط و خالد
بن أبي الصلت مجهول لا يدرى من هو ؟ " . و في " التهذيب " : " و تعقب ابن مفوز
كلام ابن حزم فقال : هو مشهور بالرواية ، معروف ، بحمل العلم ، و لكن حديثه
معلول " . قلت : و هذا القدر من الوصف لا يقتضي أن يكون الموصوف ثقة ضابطا إلا
عند بعض المتساهلين ، فكم من المعروفين بحمل العلم و الرواية لا يحتج بهم إما
للجهالة بضبطهم و حفظهم أو لظهور ضعفهم ، و لذلك نجد الحافظ ابن حجر الذي من
كتابه " التهذيب " نقلت التعقب المذكور لم يتبنه ، فلم يوثقه في " التقريب " بل
قال فيه : " مقبول " أي عند المتابعة ، و إلا فلين الحديث ، كما نص عليه في
المقدمة . إذا عرفت ذلك ، فمن كان حاله ما ذكرنا من الجهالة فحري بحديثه أن لا
يحتج به ، و هذا إذا لم يخالف الثقات ، فكيف مع المخالفة ؟! و هذه علة أخرى و
هي : الرابعة : مخالفة ابن أبي الصلت للثقة ، و هو جعفر بن ربيعة ، فقد رواه عن
عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر قولهم ، لا تستقبل القبلة . أخرجه
البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 1 / 143 ) و ابن أبي حاتم في " العلل " (
1 / 29 ) و ابن عساكر ( 5 / 237 / 1 ) . و قال البخاري : " و هذا أصح ". و كذا
قال ابن عساكر . و قال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن
خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت ... ( قلت : فذكره ، ثم قال : ) قال أبي :
فلم أزل أقفو أثر هذا الحديث ، حتى كتبت بمصر عن .... جعفر بن ربيعة عن عراك بن
مالك عن عروة عن عائشة موقوف ، و هذا أشبه " . قلت : و لا يشك حديثي أن ترجيح
هؤلاء الأئمة الثلاثة وقف الحديث هو الصواب ، ذلك لأن الذي أوقفه إنما هو جعفر
بن عراك ، و هو ثقة اتفاقا ، و قد احتج به الشيخان ، بينما الذي خالفه و هو
خالد بن أبي الصلت لم يوثقه أحد من الأئمة المعروفين و الموثوق بتوثيقهم ، و لو
سلمنا . لا أن توثيق ابن حبان المتقدم مما يعتد به فهل من المعقول أن ترجح
رواية من وثقه هو وحده .... آخرون على رواية من وثقه الجماعة من الأئمة ، و
احتج به الشيخان ؟ ! و إذا تبين لك ما ذكرنا تعرف سقوط تعقب البوصيري للإمام
البخاري بقوله في " الزوائد " ( ق 25 / 1 ) : " و هذا الذي علل به البخاري ليس
بقادح ، فالإسناد الأول حسن <1> ، رجاله ثقات معرفون ، و قد أخطأ من زعم أن
خالد بن أبي الصلت مجهول ، و أقوى ما أعل به هذا الخبر أن عراكا لم يسمع من
عائشة ، نقلوه عن الإمام أحمد ، و قد ثبت سماعه منها عند مسلم " . قلت : و
الجواب على هذا من وجوه : الأول : أن المخالفة التي أعل البخاري الحديث بها لم
يجب عنها البوصيري بشيء عنها أصلا ، إلا مجرد الدعوى " ليس بقادح " ! مع أنه
ساق كلامه للرد عليه ، فانصرف عنه إلى الرد على غيره ! و ذلك دليل على ضعف رده
و سلامة الحجة عند المردود عليه ! الثاني : أن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال
مسلم غير ابن أبي الصلت فإن كان ثقة فلماذا اقتصر البوصيري على تحسين الإسناد و
لم يصححه ؟ ! أليس في هذا وحده ما يدل على أن في ابن أبي الصلت شيئا يمنع حتى
الموثقين له من تصحيح حديثه ! فما هو هذا الشيء ؟ ليس هو إلا عدم الاطمئنان
لتوثيق ابن حبان ، و إن تظاهروا بالاعتداد بتوثيقه ! الثالث : جزمه بخطإ من جهل
ابن أبي الصلت مردود عليه بما سبق بيانه في العلة ( الثالثة ) ، فأغنى عن
الإعادة . الرابع : دعواه أن الانقطاع الذي ذكره هو أقوى ما أعل به الحديث ،
ليس مسلما عندي ، بل الأقوى هو المخالفة التي لم يستطع الإجابة عنها ، ثم
الجهالة . الخامس : أن رده للانقطاع بقوله : " ثبت سماعه منه عند مسلم " ، خطأ
مبني على خطأ ، و ذلك أنه ليس عند مسلم ما زعمه من سماع عراك من عائشة ، و ما
علمت أحدا سبقه إلى هذا الزعم ، و إنما ذكر الشيخ ابن دقيق العيد أن مسلما أخرج
في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة : " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ... "
الحديث <2> ، نقله الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 107 ) ، و ليس فيه السماع
المدعى كما ترى . السادس : أنه لو فرضنا أن عراكا سمع من عائشة بعض الأحاديث ،
فلا يلزم من ذلك أنه سمع منها كل حديث يروى من طريقه عنها ، لاحتمال عدم ثبوت
السند بذلك عنه ، كما هو الشأن في هذا الحديث ، و هذه علة أخرى فيه و هي :
الخامسة : الانقطاع بين عراك و عائشة ، و الدليل على ذلك مجموع أمرين : 1 - أن
أكثر الروايات التي سبق ذكرها لم يقع فيها تصريح عراك بالسماع من عائشة ، و
إنما وقع في رواية علي بن عاصم و هو ضعيف الحفظ كما سبق ، و قول الشيخ أحمد
شاكر في تعليقه على " المحلى " ( 1 / 197 ) و قد تابعه على ذلك حماد بن سلمة
فارتفعت شبهة الغلط " ، ليس مسلما ، لأن هذه المتابعة مشكوك في ثبوتها ، فإن كل
ما رواه عن حماد لم يصرح بالسماع سوى موسى و هو التبوذكي ، و أما الثقات
الآخرون فرووه معنعنا ، و هم وكيع ابن الجراح و بهز بن أسد و يحيى ابن إسحاق و
أسد بن موسى و يزيد بن هارون في رواية عنه ، و عبد العزيز بن المغيرة ، كلهم
قالوا : " عن عائشة " و روايتهم أرجح من رواية الفرد و لو كان ثقة ، مع أنه
يمكن أن تكون المخالفة ليست منه بل من حماد نفسه ، لما سبق ذكره من أنه كان
يخطىء أحيانا ، فكان في الغالب يرويه معنعنا ، فحفظ ذلك منه الجماعة ، و نادرا
يرويه بالسماع فحفظ ذلك منه موسى ، و هذا اضطراب من حماد نفسه ، كما كان يضطرب
في إسناده على ما سبق بيانه . و مما يرجح رواية العنعنة ، رواية جماعة آخرين
لها مثل أبي عوانة و يحيى بن مطر و القاسم بن مطيب و عبد الوهاب الثقفي و وهيب
عن خالد الحذاء على خلاف بينهم و بين الجماعة الأولى كلهم أجمعوا على روايته
بالعنعنة . فهؤلاء عشرة أشخاص و زيادة رووه بالعنعنة فلا يشك كل من وقف عليها
أنها هي الصواب ، و أن رواية السماع منكرة أو شاذة ، و قد صرح بهذا الإمام أحمد
فقال إبراهيم بن الحارث : " أنكر أحمد قول من قال : عن عراك سمعت عائشة ، و قال
: عراك من أين سمع من عائشة " . و قال أبو طالب عن أحمد : " إنما هو عراك عن
عروة عن عائشة ، و لم يسمع عراك منها " و ذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل " ( ص
103 - 104 - طبع بغداد ) بعد أن ساق الحديث أن الإمام أحمد قال : " مرسل ، عراك
بن مالك من أين سمع عن عائشة ، إنما يروي عن عروة ، هذا خطأ ، ثم قال : من يروي
هذا ؟ قلت : حماد بن سلمة عن خالد الحذاء ، فقال : قال غير واحد : عن خالد
الحذاء ليس فيه سمعت و قال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت " . فقد
أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أن ذكر السماع غير محفوظ عن حماد من جهة ، و لا
عن خالد الحذاء من جهة أخرى ، و ذلك ما فصلناه آنفا . و لو أن الذين خالفوا
الإمام أحمد و رجحوا رواية السماع تأملوا في كلامه ثم تتبعوا الروايات التي
ذكرناها لما أقدموا إن شاء الله على مخالفته ، لأن الحجة الواضحة معه ، و لكنه
رحمه الله اكتفى بالإشارة إليها و قد فصلناه لك تفصيلا لا يدع مجالا للشك في
خطإ المخالفين ، و قال موسى بن هارون : " لا نعلم لعراك سماعا من عائشة " . و
ليس من السهل في نظر الباحث المحقق تخطئة هذين الإمامين ، كما فعل المعلق على "
المحلى " ، و من قبله البوصيري بمجرد ذكر السماع في بعض الروايات مع شذوذها ،
ثم هي كلها مدارها على خالد بن أبي الصلت الذي لا دليل عندنا على ثقته و ضبطه
كما سبق ، و ما يدرينا و لعل هذا الاختلاف عنه في السماع و العنعنة إنما هو منه
، و ذلك دليل على تردده و عدم حفظه ، و يؤيد هذا ما يأتي : ، و هو : الأمر
الثاني : أن جعفر بن ربيعة قد خالف خالد بن أبي الصلت ، فأدخل بين عراك و عائشة
عروة ، كما تقدم و هو أرجح من وجهين : أولا : أن جعفر بن أبي ربيعة أوثق من ابن
أبي الصلت كما تقدم بيانه . ثانيا : أن روايته موافقة لبعض الروايات عن خالد و
هي رواية يزيد بن هارون عن حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت
عن عراك عن عروة بن الزبير عنها . أخرجه الطحاوي كما تقدم ، فهذا يؤكد وهم ابن
أبي الصلت أو بعض من دونه في ذكر السماع من عراك لعائشة . و قد خالف جعفر خالدا
في موضع آخر من السند و هو أنه أوقفه و لم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، و قد سبق بيان ذلك في العلة ( الرابعة ) . العلة السادسة : النكارة . و
قد بقي الكلام على العلة الأخيرة و هي السادسة ، و هي النكارة في المتن ، و
بيان ذلك في ما يأتي : من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهى أصحابه
عن استقبال القبلة و استدبارها ببول أو غائط نهيا عاما لم يقيده بالصحراء ،
فإذا روي في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أن الصحابة كرهوا
استقبال القبلة ، فما يكون ذلك منهم إلا اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
اتباعا يستحقون عليه الأجر و المثوبة ، لأنهم على أقل الدرجات مجتهدون مخطئون
مأجرون أجرا واحدا ، و سبب خطئهم عملهم بالنص على عمومه ، أو عملهم بالمنسوخ
الذي لم يعرفوا نسخه ، و أي الأمرين فرض ، فلا يعقل أن ينكر النبي صلى الله
عليه وسلم على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه قبل أن يبلغهم النص
المخصص أو الناسخ ، كيف و هو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم و تعليمهم ،
كما يدل على ذلك سيرته الشريفة معهم ، كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ، و
حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة جاهلا ، و غير ذلك مما هو
معروف ، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نكارا شديدا مع أنهم
فعلوا أشياء لم يسبق أن جوزها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم و أما في هذا
الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم ، و ما هو ؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة
، التي كانوا تلقوها عنه صلى الله عليه وسلم ، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه
صلى الله عليه وسلم في التلطف في الإنكار ؟ كلا ثم كلا ، بل لو أراد صلى الله
عليه وسلم أن يبدل شيئا من الحكم السابق أو أن ينسخه من أصله لقال لهم كما قال
في أمثاله : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، و كنت نهيتكم عن
الانتباذ في الأوعية فانتبذوا ، و كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا
فادخروها " . أخرجه مسلم و غيره و هو مخرج في " الصحيحة " ( 2048 ) . فلو أن
قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استمروا على العمل بهذا النهي لعدم
بلوغ الرخصة إليهم ، أفكان ينكر صلى الله عليه وسلم عليهم أم يكتفي بتعليمهم ؟
لا شك أن الجواب إنما هو تعليمهم فقط ، فكذلك الأمر في كراهة الاستقبال ، كان
يكتفي معهم بتعليمهم ، و أما أن ينكر عليهم بقوله " أو قد فعلوها " فإنه شيء
ثقيل لا أكاد أتخيل صدوره منه صلى الله عليه وسلم ، و قد أراحنا الله تعالى من
التصديق به بعد أن علمنا ثبوته بالطريق التي أقام الحجة بها على عباده في
تعريفهم بتفاصيل شريعته ، و أعني الإسناد . و اعلم أن كلامنا هذا إنما هو قائم
على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن
استقبال القبلة ، و أما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا
يرد الاستنكار المذكور ، و عليه حمل ابن حزم الحديث على فرض صحته فقال ( 1 /
197 - 198 ) : " ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأن نصه يبين أنه إنما كان قبل
النهي ، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن
استقبال القبلة بالبول و الغائط ، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك المجال ، هذا ما
لا يظنه مسلم و لا ذو عقل ، و في هذا الخبر إنكار ذلك عليهم ، لو صح لكان
منسوخا بلا شك " . قلت : لكن يرد على هذا الافتراض أنه يبعد أن يكره الصحابة
شيئا دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، و افتراض ثبوت ذلك عنهم
فيه إساءة الظن بهم و أنهم يشرعون بآرائهم ، و هذا ما لا يجوز أن نظنه بهم ، و
لذلك فالحديث كيف ما أول فهو منكر عندي . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] سبقه إلى تحسينه النووي ، ثم تبعهما الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 116
) و في " العدة شرح العمدة " ( 1 / 131 ) أيضا لكنه عقب ذلك بقوله " إلا أنه
أشار البخاري في تاريخه إلى أن فيه علة " .
[2] و هو في مسلم ( 8 / 38 ) و تمامه " فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة
منها تمرة ، و رفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة التي كانت
تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها قد ذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : إن الله قد أوجب لها الجنة ، أو أعتقها من النار " .

(2/446)

948 - " إنما هو بمنزلة المخاط و البزاق ، و إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة ، أو إذخرة .
( يعني المني ) " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 360 ) :
منكر مرفوعا . رواه الدارقطني ( 46 ) و البيهقي ( 2 / 418 ) من طريق إسحاق
بن يوسف الأزرق : أخبرنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس
قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب ؟ قال : " فذكره ، و
قال الدارقطني : " لم يروه غير إسحاق الأزرق عن شريك ( يعني مرفوعا ) ، محمد بن
عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظ شيء " . و قال البيهقي : " و رواه وكيع
عن ابن أبي ليلى موقوفا على ابن عباس ، و هو الصحيح " . قلت : و هذا وصله
الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد : أخبرنا الحساني : أخبرنا وكيع به . و يرجح
هذا أنه ورد موقوفا من طريقين آخرين عن عطاء ، فقال الشافعي في " سننه " ( 1 /
24 ) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار و ابن جريج كلاهما يخبره عن عطاء عن ابن
عباس رضي الله عنه أنه قال في المني يصيب الثوب ، قال : " أمطه عنك - قال
أحدهما - بعود أو إذخرة ، فإنما هو بمنزلة البصاق و المخاط " . قلت : و هذا سند
صحيح على شرط الشيخين ، و قد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي ثم قال : " هذا
صحيح عن ابن عباس من قوله ، و قد روي مرفوعا ، و لا يصح رفعه ". قلت : و جملة
القول أن المرفوع فيه ثلاث علل : الأولى : ضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
كما أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله " في حفظه شيء " على تسامح منه في التعبير !
الثانية : ضعف شريك أيضا و هو ابن عبد الله القاضي ، و أستغرب من الدارقطني
سكوته عنه هنا ، مع أنه قال فيه و قد ساق له حديث وضع الركبتين قبل اليدين عند
الهوي للسجود : " و شريك ليس بالقوي فيما تفرد به " . ( انظر الحديث المتقدم
929 ) . الثالثة : تفرد إسحاق الأزرق بروايته عن شريك مرفوعا ، و هو - أعني
الأزرق - و إن كان ثقة ، فقد خالفه وكيع و هو أوثق منه ، و لذلك رجح روايته
البيهقي كما تقدم ، لكن يبدو لي أن الراجح صحة الروايتين معا عن شريك ،
الموقوفة و المرفوعة ، و أن هذا الاختلاف إنما هو من شريك أو شيخه ابن أبي ليلى
، لما عرفت من سوء حفظهما ، فهذا الإعلال أولى من تخطئة إسحاق الأزرق الثقة ، و
هذا أولى من نصب الخلاف بين الثقتين كما فعل البيهقي من جهة ، و ابن الجوزي من
جهة أخرى ، أما البيهقي فقد رجح رواية وكيع على إسحاق ، و عكس ذلك ابن الجوزي
فقال بعد أن ذكر قول الدارقطني " لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك " : " قلنا
إسحاق إمام مخرج عنه في " الصحيحين " ، و رفعه زيادة ، و الزيادة من الثقة
مقبولة ، و من وقفه لم يحفظ " . كذا قال : و قد عرفت أن الصواب تصحيح الروايتين
و أن كلا من الثقتين حفظ ما سمع من شريك ، و أن هذا أو شيخه هو الذي كان يضطرب
في رواية الحديث عن عطاء ، فتارة يرفعه ، و تارة يوقفه ، فسمع الأزرق منه الرفع
، و سمع وكيع منه الوقف ، و كل روى ما سمع ، و كل ثقة . و من العجيب أن ابن
الجوزي يتغافل عن العلتين الأوليين ، و يجادل في العلة الثالثة ، و قد عرفت ما
في كلامه فيها ، و لو سلم له ذلك ، فلم يسلم الحديث من العلتين ، و أعجب من ذلك
أن العلة الأولى قد نبه عليها الدارقطني في جملته التي ذكرنا عنه في أول هذا
التحقيق ، فلما نقلها ابن الجوزي عنه اقتصر منها على الشطر الأول الذي فيه
إعلال الحديث بالوقف ، و لم يذكر الشطر الثاني الذي فيه الإشارة إلى العلة
الأولى و هي ضعف ابن أبي ليلى ! و هذا شيء لا يليق بأهل التحقيق و العلم . و من
الأوهام حول هذا الحديث قول الإمام الصنعاني - في " العدة على شرح العمدة " ( 1
/ 404 ) : " ثبت عنه ( يعني ابن عباس ) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : إنه بمنزلة البصاق و المخاط .... أخرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن
يوسف الأزرق : حدثنا شريك .... " . ثم أعاده قائلا ( 1 / 405 ) : " و إسناده
صحيح كما قال ابن القيم في ( بدائع الفوائد ) " <1> . قلت : و هذا هو السبب
الذي دفعني إلى كتابة هذا التحقيق حول هذا الحديث ، و بيان أن رفعه وهم و إن
كان ما تضمنه من الحكم على المني بالطهارة هو الصواب ، و حسبنا في ذلك جزم ابن
عباس رضي الله عنه بأنه بمنزلة المخاط و البصاق ، و لا يعرف له مخالف من
الصحابة ، و لا ما يعارضه من الكتاب و السنة ، و قد حقق القول في المسألة ابن
قيم الجوزية في المصدر السابق تحت عنوان " مناظرة بين فقيهين في طهارة المني و
نجاسته " ( 3 / 119 - 126 ) و هو بحث هام جدا في غاية التحقيق .
-----------------------------------------------------------
[1] البدائع ( 3 / 123 ) . اهـ .

(2/447)

949 - " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا :
أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 362 ) :
ضعيف بهذا السياق . أخرجه ابن ماجة ( 1 / 232 ) و ابن أبي حاتم في " العلل
" ( رقم 376 و 378 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 269 - موارد ) و الطحاوي في "
شرح المعاني " ( 1 / 111 ) و البيهقي ( 1 / 439 ) و أحمد ( 4 / 250 ) من طريق
إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة
بن شعبة قال : فذكره . قلت : و هذا سند ضعيف ، علته شريك و هو بن عبد الله
القاضي و هو ضعيف لسوء حفظه كما تقدم آنفا ، و قال الحافظ في " التقريب " : "
صدوق يخطيء كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة " . قلت : و من ذلك تعلم
أن قول الحافظ في " الفتح " ( 2 / 13 ) : " رجاله ثقات ، رواه أحمد و ابن ماجه
و صححه ابن حبان " ، وهم أو تساهل منه ، و إن قلده فيه الصنعاني في " العدة " (
2 / 485 ) ، و أشد منه في الوهم قول البوصيري في " الزوائد " ( ق 46 / 1 ) : "
إسناده صحيح ، و رجاله ثقات " !! و ليت شعري كيف يكون ثقة صحيح الإسناد و فيه
من كان يخطيء كثيرا ، و هو معروف بذلك لدى أهل العلم ؟! و لاسيما و قد اضطرب في
إسناد هذا الحديث ، فرواه مرة هكذا ، و مرة قال : " عن عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله " . رواه على الوجهين أبو
حاتم الرازي ، فقال ابنه ( 1 / 136 / 378 ) : " سمعت أبي يقول : سألت يحيى بن
معين و قلت له : حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق عن شريك عن بيان ... (
قلت : فذكره ثم قال : ) و ذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدثنا به ، و حدثنا
أيضا عن إسحاق عن شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم : بمثله ؟ قال يحيى : ليس له أصل إني <1> نظرت في كتاب
إسحاق فليس فيه هذا . قلت لأبي : فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الذي أنكره يحيى ؟ قال هو
عندي صحيح و حدثنا به أحمد ابن حنبل بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق . قلت
لأبي : فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده ؟ قال : كيف ؟ نظر في كتابه
كله ؟ ! إنما نظر في بعض و ربما كان في موضع آخر " . فقد حكم أبو حاتم على
الحديث بالصحة من رواية شريك بسنده عن أبي هريرة خلافا لما يوهمه صنيع الحافظ
في " التلخيص " ( 67 ) أنه صحح حديث المغيرة ، و السياق المذكور من كلام أبي
حاتم يشهد لما ذكرنا . و يؤيده أن أبا حاتم أعل الطريق الأولى . فقد قال ابن
أبي حاتم ( 1 / 136 / 376 ) بعد أن ساقها : " و رواه أبو عوانة عن طارق عن قيس
قال : سمعت عمر بن الخطاب قال : أبردوا بالصلاة . قال ابن أبي حاتم عن أبيه : "
أخاف أن يكون هذا الحديث ( يعني الموقوف على عمر ) يدفع ذاك الحديث . قلت :
فأيهما أشبه ؟ قال : كأنه هذا ، يعني حديث عمر قال أبي في موضع آخر : لو كان
عند قيس عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يحدث
عن عمر موقوفا " . و قد ذكر الحافظ في " التلخيص " عن ابن معين نحو ما ذكر ابن
أبي حاتم عن أبيه فقال : " و أعله ابن معين بما روى أبو عوانة عن طارق عن قيس
عن عمر موقوفا . و قال : لو كان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن
يحدث به عن عمر موقوفا ، و قوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك " . قلت : و
هذا هو الذي تقتضيه القواعد العلمية أن الحديث معلول بتفرد شريك به و مخالفته
لمن هو أثبت منه ، فلا وجه عندي لتصحيح الحديث كما فعل أبو حاتم ، و قال الحافظ
قبيل ما نقلنا عنه آنفا ! " و ذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته " و في " طرح
الترتيب " للحافظ العراقي ( 2 / 154 ) : " و ذكر الخلال عن الميموني أنهم
ذاكروا أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حديث المغيرة بن شعبة ، فقال :
أسانيد جياد ، قال و في رواية غير الميموني : و كان آخر الأمرين من رسول الله
صلى الله عليه وسلم الإبراد " . فهذا النقل عن الإمام أحمد غريب عندي لقوله "
أسانيد جياد " مع أنه ليس له إلا إسناد واحد كما يفيده قول الحافظ ابن حجر : "
تفرد به إسحاق الأزرق عن شريك ... " و قال البيهقي عقب الحديث : " قال أبو عيسى
الترمذي ... فيما بلغني عنه - : سألت محمدا يعني البخاري - عن هذا الحديث ؟
فعده محفوظا ، و قال : رواه غير شريك عن بيان عن قيس عن المغيرة قال : كنا نصلي
الظهر بالهاجرة ، فقيل لنا : أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ، رواه
أبو عيسى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن بيان كما قال البخاري " . قلت
: عمر بن إسماعيل ضعيف جدا ، قال بن معين : كذاب خبيث رجل سوء ، و قال النسائي
: " ليس بثقة ، متروك الحديث " . و أبوه فيه ضعف ، فمثل هذه الطريق لا يقوى
طريق شريك لشدة ضعفها ، فلا أدري ما وجه عد البخاري الحديث محفوظا ، فإن كان
بالنظر إلى الطريق الأولى فقد عرفت ضعفها و تفرد شريك بها ، و إن كان من أجل
هذه الطريق فهي ضعيفة جدا . و خلاصة القول : أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة
عندي ، لتفرد الضعيف به ، و عدم وجود شاهد معتبر له . ثم إن الكلام عليه إنما
هو بالنظر لوروده بهذا السياق الذي يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة منسوخ بقوله : أبردوا .. و هو ظاهر الدلالة على ذلك ، و به أحتج
الطحاوي و غيره على النسخ فإذا تبين ضعفه سقط الاحتجاج به و أما إذا نظرنا إلى
الحديث نظرة أخرى و هي أنه تضمن أمرين اثنين : صلاته صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة ، و أمره بالإبراد دون أن نربط بينهما بهذا السياق الذي يمنع من فعل
أي الأمرين و يضطرنا إلى القول بالنسخ . أقول إذا نظرنا إليه هذه النظرة
فالحديث صحيح أما الأمر الأول فقد ورد من حديث جابر قال : " كان النبي صلى الله
عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة " . أخرجه البخاري ( 2 / 33 ) و مسلم ( 2 / 119
) و غيرهما . و أما الأمر بالإبراد . فقد ورد في " الصحيحين " و غيرهما من طرق
عن أبي هريرة و عن أبي سعيد أيضا ، و ابن عمر . فإذا عرف هذا . فقد اختلف
العلماء في الجمع بين الأمرين . فذهب الطحاوي و غيره إلا أن الأول منسوخ . و قد
عرفت ضعف دليله ، و ذهب الجمهور إلى أن الأمر بالإبراد أمر استحباب ، فيجوز
التعجيل به . و الإبراد أفضل ، و ذهب بعض الأئمة إلى تخصيص ذلك بالجماعة دون
المنفرد ، و بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد ، فلو كانوا مجتمعين ، أو
كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل ، و الحق التسوية ، و أنه لا فرق
بين جماعة و جماعة ، و لا بينهما و بين الفرد ، فالكل يستحب لهم الإبراد ، لأن
التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع ، يستوي فيه المنفرد و غيره كما قال
الشوكاني ( 1 / 265 ) . و أما تخصيص ذلك بالبلد الحار ، فهو الظاهر من التعليل
في قوله " فإن شدة الحر من فيح جهنم " . و يشهد له من فعله صلى الله عليه وسلم
حديث أنس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة
، و إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة " . أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1162
) و النسائي ( 1 / 87 ) و الطحاوي ( 1 / 111 ) ، و له عنده شاهد من حديث أبي
مسعود بسند حسن . ( تنبيه ) : قال الحافظ في " التلخيص " في تخريج حديث المغيرة
: " و في رواية للخلال : و كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإبراد " . و تلقى هذا عنه الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 265 ) دون أن
يعزوه إليه كما هو الغالب عليه من عادته ! ثم بنى على ذلك قوله في الصفحة التي
قبل المشار إليها : " فرواية الخلال من أعظم الأدلة الدالة على النسخ " . قلت :
لكن الظاهر مما نقله الحافظ العراقي عن الخلال فيما سبق ذكره في هذا البحث أن
هذه الرواية ليست من حديث المغيرة ، و إنما هي من قول الإمام أحمد رحمه الله ،
و قد صرح بهذا الحافظ في " الفتح " ( 2 / 13 ) فقال : " و نقل الخلال عن أحمد
أنه قال : هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم " . و كذا قال
الصنعاني في " العدة " ( 2 / 485 ) دون أن يعزوه للحافظ أيضا !

-----------------------------------------------------------
[1] قلت : الأصل ( إنما ) و لعل الصواب ما أثبتنا . اهـ .

(2/448)

950 - " قال الله تبارك و تعالى : إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ، و لم
يستطل على خلقي ، و لم يبت مصرا على معصيتي ، و قطع نهاره في ذكري ، و رحم
المسكين و ابن السبيل ، و الأرملة ، و رحم المصاب ، ذلك نوره كنور الشمس
، أكلؤه بعزتي ، و أستحفظه ملائكتي ، و أجعل له في الظلمة نورا ، و في الجهالة
حلما ، و مثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 365 ) :
ضعيف . رواه البزار ( ص 65 - زوائده ) و ابن حبان في " المجروحين " ( 2 /
35 ) عن عبد الله بن واقد الحراني عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس عن ابن
عباس مرفوعا . قلت : و عبد الله بن واقد كان متعففا صالحا متفقها برأي أبي
حنيفة حافظا له . و لم يكن حافظا للحديث ، فضعف حديثه و ترك . كذا في " الأحكام
الكبرى " ( 57 / 1 - 2 ) لعبد الحق الإشبيلي . و قال في " المجمع " ( 2 / 147 )
: " رواه البزار و فيه عبد الله بن واقد الحراني ضعفه النسائي ، و البخاري ، و
إبراهيم الجوزجاني ، و ابن معين في رواية ، و وثقه في رواية ، و وثقه أحمد ، و
قال : كان يتحرى الصدق و أنكر على من تكلم فيه ، و أثنى عليه خيرا ، و بقية
رجاله ثقات " . و كذا قال في " الترغيب " ( 1 / 176 ) أن بقية رواته ثقات ، و
أشار إلى أن في ابن واقد هذا ضعفا ، و لم يسق فيه كلاما للأئمة ، و جمهور
الأئمة على تضعيفه ، و أحمد و إن أثنى عليه خيرا فقد نسبه للخطإ و التدليس ، و
قال : " لعله كبر و اختلط " . لكنه لم ينفرد به ، فأخرجه الحسن بن علي الجوهري
في " مجلس من الأمالي " ( ق 69 / 2 ) من طريق ابن نمير : حدثنا ابن كثير ، عن
عبد الله بن طاووس عن أبيه به . قلت : لكن ابن كثير و اسمه محمد بن كثير البصري
السلمي القصاب ، قال ابن المديني : " ذاهب الحديث " . و قال البخاري و الساجي :
" منكر الحديث " ، و ضعفه آخرون . و روي من حديث علي مرفوعا نحوه ، و زاد في
آخره : " لا يتسنى ثمارها ، و لا يتغير حالها " . رواه ابن عساكر في " مدح
التواضع " ( ق 90 / 1 - 2 ) و قال : " قال الدارقطني : غريب تفرد به الدينوري .
قلت : يعني أبا جعفر محمد بن عبد العزيز بن المبارك الدينوري ، قال الذهبي : "
منكر الحديث ، ضعيف ، ذكره ابن عدي ، و ذكر له مناكير ، و كان ليس بثقة يأتي
ببلايا " . ثم ساق له حديثين من بلاياه و موضوعاته ، و أقره الحافظ في " اللسان
" و قال : " و أورد له ابن عدي أحاديث قال في بعضها : باطل بهذا الإسناد ، ثم
قال : و له غير ما ذكرت من المناكير " .

(2/449)

951 - " كان إذا أمن أمن من خلفه حتى إن للمسجد ضجة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 366 ) :

لا أصل له بهذا اللفظ فيما نعلم . و قد نص على ذلك الحفاظ فقال الحافظ ابن
حجر في " التلخيص " ( ص 90 ) : " لم أره بهذا اللفظ ، لكن روى معناه ابن ماجه
من حديث بشر بن رافع " ( ثم ذكر الحديث الآتي ) ثم قال : " تنبيه : قال ابن
الصلاح في الكلام على " الوسيط " : هذا الحديث أورده الغزالي هكذا تبعا لإمام
الحرمين ، فإنه أورده في " نهايته " كذلك ، و هو غير صحيح مرفوعا ، و إنما رواه
الشافعي من حديث عطاء قال : " كنت أسمع الأئمة ابن الزبير فمن بعده يقولون آمين
حتى إن للمسجد للجة " . و قال النووي مثل ذلك ، و زاد هذا غلط منهما ، و كأنه و
ابن الصلاح أرادا لفظ الحديث و الحق معهما ، لكن سياق ابن ماجه يعطي بعض معناه
كما أسلفناه " . قلت : ما سلف من كلامه ينص على أن سياق ابن ماجه يعطي معناه
كله لا بعضه ، فليتأمل فإن السياق المشار إليه يحتمل بعض المعنى أو كله ، أما
البعض فهو جهر الإمام وحده ، و هو صريح في ذلك ، و أما الكل ، فهو هذا مع جهر
المؤتمين لقوله فيه " فيرتج بها المسجد " ، فإن هذا يحتمل أن الارتجاج سببه
تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم و هو صريح الحديث ، و يحتمل أنه بسبب تأمين
المؤتمين معه ، و هو محتمل ، و هذا هو لفظ ابن ماجه : " كان إذا تلا *( غير
المغضوب عليهم و لا الضالين )* قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول (
فيرتج بها المسجد ) " .

(2/450)

952 - " كان إذا تلا *( غير المغضوب عليهم و لا الضالين )* قال : آمين ، حتى يسمع من
يليه من الصف الأول ( فيرتج بها المسجد ) " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 367 ) :
ضعيف . أخرجه أبو داود ( 1 / 148 ) و السياق له و ابن ماجه ( 1 / 281 ) و
الزيادة له ، كلاهما من طريق بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن
أبي هريرة مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف ، و قول الحافظ أبو زرعة ابن
العراقي في " طرح التثريب " ( 2 / 268 ) : " و إسناده جيد " غير جيد ، يبينه ما
يأتيك من النصوص ، فقال الحافظ في " التلخيص " ( 90 ) : " و بشر بن رافع ضعيف ،
و ابن عم أبي هريرة ، قيل : لا يعرف ، و قد وثقه ابن حبان " . و قال البوصيري
في " الزوائد " ( ق 56 / 1 ) : " هذا إسناد ضعيف ، أبو عبد الله لا يعرف حاله ،
و بشر ضعفه أحمد ، و قال ابن حبان : يروي الموضوعات " . قلت : و تمام كلام ابن
حبان ( 1 / 179 ) : " كأنه كان المتعمد لها " . و من أوهام الشوكاني رحمه الله
أنه قال في هذا الحديث بعد أن ذكره المجد ابن تيمية بلفظ أبي داود و لفظ ابن
ماجه ( 2 / 188 ) قال الشوكاني : " أخرجه أيضا الدارقطني ، و قال : إسناده حسن
، و الحاكم ، و قال : صحيح على شرطهما " و البيهقي و قال : حسن صحيح " ! و
هؤلاء إنما أخرجوا الشطر الأول من الحديث بلفظ : " كان إذا فرغ من قراءة أم
القرآن رفع صوته فقال : آمين " ، فليس فيه تسميع من يليه من الصف .... الخ ،
فهذا اللفظ لا يحتمل ما يحتمله لفظ ابن ماجه من تأمين المؤتمين أيضا حتى يرتج
بها المسجد ، فثبت الفرق بين اللفظين ، و لم يجز عزو الأول منهما إلى من أخرج
الآخر ، كما هو ظاهر . على أن هذا اللفظ إسناده ضعيف أيضا ، فإن فيه عندهم
جميعا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي و هو المعروف بابن زبريق و هو ضعيف ،
قال أبو حاتم : " شيخ لا بأس به " و أثنى عليه ابن معين خيرا ، و قال النسائي :
" ليس بثقة " . و قال محمد بن عوف : " ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب " . لكن
هذا اللفظ معناه صحيح ، فإن له شاهدا من حديث وائل بن حجر بسند صحيح . و أما
اللفظ الأول فلا أعرف ما يشهد له من السنة إلا ما رواه الشافعي في " مسنده " (
1 / 76 ) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال : " كنت أسمع الأئمة و
ذكر ابن الزبير و من بعده يقولون آمين ، و يقول من خلفهم آمين ، حتى أن للمسجد
للجة " . سكت عليه الحافظ كما سبق قريبا ، و فيه علتان : الأولى : ضعف مسلم بن
خالد و هو الزنجي ، قال الحافظ : صدوق ، كثير الأوهام " . الثانية : عنعنة ابن
جريج ، فإنه كان مدلسا ، و لعله تلقاه عن خال بن أبي أنوف فقد رواه عن عطاء
بلفظ : " أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد
( يعني الحرام ) إذا قال الإمام *( و لا الضالين )* رفعوا أصواتهم بآمين ، ( و
في رواية ) : سمعت لهم رجة بآمين " . أخرجه ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 74
) و البيهقي ( 2 / 59 ) و الرواية الأخرى له . و خالد هذا ترجمه ابن أبي حاتم (
1 / 2 / 355 - 356 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و أورده ابن حبان في "
الثقات " و في ترجمته ساق له هذا الأثر ، و توثيق ابن حبان فيه تساهل معروف ، و
لذلك فإني غير مطمئن لصحة روايته ، فإن كان ابن جريج أخذه عنه فالطريق واحدة ،
و إلا فلا ندري عمن تلقاه ابن جريج ، و يبدو أن الإمام الشافعي نفسه لم يطمئن
أيضا لصحة روايته هذه ، فقد ذهب إلى خلافها ، قال في " الأم " ( 1 / 95 ) :
" فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن قال آمين ، و رفع بها صوته ، ليقتدي به
من كان خلفه ، فإذا قالها قالوها و أسمعوا أنفسهم ، و لا أحب أن يجهروا بها "
. فلو أن هذا الأثر ثابت عن أولئك الصحابة عند الشافعي لما أحب خلاف فعلهم إن
شاء الله و لذلك فالأقرب إلى الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي أن
يجهر الإمام دون المؤتمين . و الله أعلم . ثم رأيت البخاري قد علق أثر ابن
الزبير المذكور بصيغة الجزم ، فقال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 208 ) : " وصله
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ، قال و يعني ابن جريج ، قلت له : أكان ابن
الزبير يؤمن على أثر أم القرآن ؟ قال : نعم ، و يؤمن من وراءه حتى أن للمسجد
للجة ، ثم قال : إنما آمين دعاء " . قلت : و هو في " مصنف عبد الرزاق " برقم (
2640 ج 2 ) و من طريقه ابن حزم في " المحلى " ( 3 / 364 ) . فقد صرح ابن جريج
في هذه الرواية أنه تلقى ذلك عن عطاء مباشرة ، فأمنا بذلك تدليسه ، و ثبت بذلك
هذا الأثر عن ابن الزبير ، و قد صح نحوه عن أبي هريرة ، فقال أبو رافع : " إن
أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم ، فاشترط أن لا يسبقه بـ *( الضالين ) *
حتى يعلم أنه قد دخل الصف ، فكان إذا قال مروان : *( و لا الضالين )* قال أبو
هريرة : آمين يمد بها صوته ، و قال : إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل
السماء غفر لهم " . أخرجه البيهقي ( 2 / 59 ) و إسناده صحيح . فإذا لم يثبت عن
غير أبي هريرة و ابن الزبير من الصحابة خلاف الجهر الذي صح عنهما ، فالقلب
يطمئن للأخذ بذلك أيضا ، و لا أعلم الآن أثرا يخالف ذلك ، و الله أعلم .

(2/451)

953 - " إذا نام العبد في سجوده باهى الله عز وجل به ملائكته ، قال : انظروا إلى عبدي
، روحه عندي و جسده في طاعتي ! " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 369 ) :
ضعيف . رواه تمام في " الفوائد " ( ق 263 / 2 ) و عنه ابن عساكر ( 11 / 444
/ 1 ) عن داود بن الزبرقان عن سليمان التيمي عن أنس مرفوعا . قلت : و هذا
سند ضعيف جدا ، داود بن الزبرقان قال الحافظ في " التقريب " : " متروك ، و كذبه
الأزدي " . قال ابن حبان ( 1 / 287 ) : " يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم "
. قلت : و من طريقه رواه البيهقي أيضا في " الخلافيات " كما في " تلخيص الحبير
" ( ص 44 ) و اقتصر هناك على قوله في داود هذا : إنه ضعيف : و قال : " و روي من
وجه آخر عن أبان عن أنس ، و أبان متروك " . و روي من حديث أبي هريرة مرفوعا
.أخرجه ابن سمعون في " الأمالي " ( 172 / 1 ) عن حجاج بن نصير : أخبرنا المبارك
بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة . قلت : و هذا سند ضعيف ، و فيه ثلاث علل : 1 -
حجاج بن نصير ، قال الحافظ : " ضعيف كان يقبل التلقين " . 2 - المبارك بن فضالة
ضعيف أيضا ، قال الحافظ : " صدوق ، يدلس و يسوي " . 3 - الحسن و هو البصري ،
فإنه على جلالته كان يدلس ، و من طريقة الأئمة النقاد إعلال الحديث بعنعة الحسن
البصري ، فانظر " اللآلي المصنوعة " للسيوطي ( 2 / 389 ) ، على أنه اختلف في
ثبوت سماعه من أبي هريرة . لكن ذكر الحافظ في " التلخيص " أنه رواه ابن شاهين
في " الناسخ و المنسوخ " من حديث المبارك بن فضالة ، فإن كان عنده غير طريق
الحجاج بن نصير ، فقد ذهبت العلة الأولى و بقيت الثانية و الثالثة . ثم قال
الحافظ : " و ذكره الدارقطني في " العلل " من حديث عباد بن راشد كلاهما ( يعني
المبارك و عبادا ) عن الحسن عن أبي هريرة ، قال الدارقطني : و قيل : عن الحسن :
بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : و الحسن لم يسمع من أبي هريرة " .
قلت : و عباد بن راشد صدوق له أوهام ، فمتابعته للمبارك تذهب بالعلة الثانية ،
فيبقى في الحديث العلة الثالثة ، و بها أعل الحديث ابن حزم في " المحلى " فقال
( 1 / 228 ) : " و هذا لا شيء ، أنه مرسل ، لم يخبر الحسن ممن سمعه " . ثم قال
الحافظ : " و مرسل الحسن ، أخرجه في " الزهد " ، و روى ابن شاهين عن أبي سعيد
معناه ، و إسناده ضعيف " . قلت : و سنده في " الزهد " ( 20 / 81 / 1 ) صحيح ،
فراجع الإسناد إلى أنه من مرسل الحسن البصري فهو علته . و الحديث على ضعفه قد
استدل به من ذهب إلى نوم الساجد - و ألحقوا به الراكع - لا ينقض الوضوء ، قال
ابن حزم : " لو صح لم يكن في إسقاط الوضوء عنه " . و هو كما قال ، و قال
الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 92 ) : " و من استدل به قالوا : سماه ساجدا و
هو نائم ، و لا سجود إلا بطهارة ، و أجيب بأنه سماه باعتبار أول أمره ، أو
باعتبار هيئته " . و قد ذكر الصنعاني اختلاف العلماء ، في هذا المسألة ، و جمع
الأقوال فيها فبلغت ثمانية ، الصواب منها القول الأول و هو أن النوم ناقض مطلقا
على كل حال قليلا كان أو كثيرا ، و نصره ابن حزم بأدلة قوية فراجعه ، و مثل هذا
الحديث في الضعف و الدلالة الحديث الآتي : " من استحق النوم وجب عليه الوضوء "
.

(2/452)

954 - " من استحق النوم وجب عليه الوضوء " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 370 ) :
شاذ لا يصح . رواه الحافظ ابن المظفر في " غرائب شعبة " ( 148 / 2 ) :
حدثنا أبو الفضل العباس بن إبراهيم : حدثنا أبو غسان مالك بن الخليل : حدثنا
محمد بن عباد الهنائي : حدثنا شعبة عن الجريري عن خالد بن غلاق - و لا أعلمه
إلا عن أبي هريرة مرفوعا : قلت : و هذا سند رجاله كلهم ثقات : أبو الفضل
العباس بن إبراهيم له ترجمة في " تاريخ الخطيب ( 12 / 151 - 152 ) و قال : " و
كان ثقة " . و سائرهم من رجال " التهذيب " . لكن قوله : " لا أعلمه إلا .... "
فيه بعض الشك في رفعه ، و يقوي الشك أن الهنائي خولف في رفعه ، فقال علي بن
الجعد : أنبأنا شعبة فذكره موقوفا ، أخرجه البغوي في " الجعديات " ( 7 / 69 / 1
) و من طريقه البيهقي ( 1 / 119 ) و علي بن الجعد ثقة ثبت ، و قد تابعه الثقات
، فقال : ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 39 / 2 ) : حدثنا هشيم و ابن علية
عن الجريري عن خالد بن غلاق القيسي عن أبي هريرة قال : فذكره موقفا عليه ، و
لعله الصواب ، و زاد ابن علية ، قال الجريري : فسألنا عن استحقاق النوم
. فقالوا : " إذا وضع جنبه " . قلت : فاتفاق هؤلاء الثلاثة الثقات على وقفه
يجعل رواية الهنائي شاذة ، و لذلك قال البيهقي : " و قد روي مرفوعا و لا يصح
رفعه " . و قال الحافظ في " التلخيص " ( 43 ) بعد أن ذكره من طريق البيهقي :
" و روي موقوفا ، و إسناده صحيح ، و رواه في " الخلافيات " من طريق آخر عن أبي
هريرة و أعله بالربيع بن بدر عند ابن عدي ، و كذا قال الدارقطني في " العلل "
أن وقفه أصح " . قلت : و يشهد لوقفه أن البيهقي رواه ( 1 / 122 - 123 ) من طريق
أخرى عن يزيد ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول : " ليس على المحتبي النائم ، و
لا على القائم النائم ، و لا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع ، فإذا اضطجع
توضأ " ، و قال : " و هذا موقوف " . قلت : و إسناده جيد كما قال الحافظ في "
التلخيص " . لكن الراجح أن العمل على خلافه كما تقدم في آخر الحديث الذي قبله .

(2/453)

955 - " يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر ، و أطل القراءة قدر ما يطيق الناس و
لا تملهم ، و إذا كان الصيف فأسفر بالفجر ، فإن الليل قصير ، و الناس ينامون ،
فأمهلهم حتى يداركوا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 371 ) :
موضوع . رواه البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 52 / 1 ) من طريق أبي الشيخ و
هذا في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ( ص 76 و 80 ) عن يوسف بن أسباط :
المنهال بن الجراح عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل
قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال : فذكره . قلت : و
هذا سند ضعيف جدا بل موضوع ، آفته المنهال بن الجراح ، و هو الجراح بن المنهال
، انقلب على يوسف بن أسباط ، و كذلك قلبه محمد بن إسحاق كما ذكر الحافظ في "
اللسان " و هو متفق على تضعيفه ، و قال البخاري و مسلم : " منكر الحديث " . و
قال النسائي و الدارقطني : " متروك " ، و قال ابن حبان ( 1 / 213 ) : " كان
يكذب في الحديث و يشرب الخمر " . و ذكره البرقي في " باب من اتهم بالكذب " . و
مما يؤكد كذبه في هذا الحديث أنه خلاف ما جرى عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من التغليس بصلاة الفجر دون تفريق بين الشتاء و الصيف ، كما تدل على ذلك
الأحاديث الصحيحة فأكتفي بذكر واحد منها ، و هو حديث أبي مسعود البدري " أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم
كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ، و لم يعد إلى أن يسفر " . رواه أبو داود
بسند حسن كما قال النووي و ابن حبان في " صحيحه " ( 273 ) و صححه الحاكم و
الخطابي و الذهبي و غيرهم كما بينته في " صحيح أبي داود " ( رقم 417 ) . و
العمل بهذا الحديث هو الذي عليه جماهير العلماء ، من الصحابة و التابعين و
الأئمة المجتهدين ، و منهم الإمام أحمد أن التعجيل بصلاة الفجر أفضل ، لكن ذكر
ابن قدامة في " المقنع " ( 1 / 105 ) رواية أخرى عن الإمام أحمد : " إن أسفر
المأمومون فالأفضل الإسفار " ، و احتج له في الشرح بحديث معاذ هذا ، و عزاه
لأبي سعيد الأموي في مغازيه !

(2/454)

956 - " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره ، فلا ينظرن إلى شيء من عورته ، فإن أسفل من
سرته إلى ركبتيه من عورته " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 372 ) :
ضعيف مضطرب . يرويه سوار بن داود أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
، فرواه هكذا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي و عبد الله بن بكر السهمي - المعنى
واحد - قالا : حدثنا سوار به . أخرجه الإمام أحمد ( رقم 6756 ) عنهما معا هكذا
، و أخرجه الدارقطني ( 85 ) و عنه البيهقي ( 2 / 228 - 229 ) و الخطيب في "
تاريخ بغداد " ( 2 / 278 ) و كذا العقيلي في " الضعفاء ( 173 - 174 ) عن السهمي
وحده . و تابعهما وكيع عن سوار لكنه قلب اسمه فقال : " داود بن سوار " بلفظ : "
إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره ، فلا ينظر إلى ما دون السرة و فوق الركبة "
. أخرجه أبو داود ( 1 / 185 - 186 - عون ) و قال : وهم وكيع في اسمه ، و روى عن
أبو داود الطيالسي هذا الحديث فقال : حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي " . و خالفهم
النضر بن شميل فقال : أنبأنا أبو حمزة الصيرفي و هو سوار بن داود به بلفظ : "
إذا زوج أحدكم عبده : أمته أو أجيره ، فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته ، فإن
ما تحت السرة إلى الركبة من العورة " . أخرجه الدارقطني و عنه البيهقي . فهذه
الرواية على خلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أن المنهي عنه النظر إنما هي
الأمة ، و أن ضمير " عورته " راجع إلى " أحدكم " و المقصود به السيد ، و هذه
الرواية أرجح عندي لسببين : الأول : أنها أوضح في المعنى من الأولى لأنها لا
تحتمل إلا معنى واحدا ، بخلاف الأولى ، فإنها تحتمل معنيين : أحدهما يتفق مع
معنى هذه ، و الآخر يختلف عنه تمام الاختلاف ، و هو الظاهر من المعنيين ، و هو
أن المنهي عن النظر إنما هو السيد ، و أن ضمير " عورته " راجع إلى العبد أو
الأجير أي الأمة ، و لهذا استدل بعض العلماء بهذه الرواية على أن عورة الأمة
كعورة الرجل ما بين السرة و الركبة ، قال : " و يريد به ( يعني بقوله : عبده أو
أجيره ) الأمة ، فإن العبد و الأجير لا يختلف حاله بالتزويج و عدمه " <1> لكن
المعنى الأول أرجح بدليل هذه الرواية التي لا تقبل غيره و يؤيده السبب الآتي و
هو : الآخر : أن الليث بن أبي سليم قد تابع سوارا في روايته عن عمرو به ، و
لفظه : " إذا زوج أحدكم أمته أو عبده أو أجيره ، فلا تنظر إلى عورته ، و العورة
ما بين السرة و الركبة " . أخرجه البيهقي ( 2 / 229 ) عن الخليل بن مرة عن
الليث . و هذا السند إلى عمرو ، و إن كان ضعيفا ، فإنه لا بأس به في الشواهد و
المتابعات ، و هذا صريح في المعنى الأول لا يحتمل غيره أيضا ، لكن روي الحديث
بلفظ آخر ، لا يحتمل إلا المعنى الآخر ، و هو من طريق الوليد : حدثنا الأوزاعي
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ : " إذا زوج أحدكم عبده أو أمته
( أو أجيره ) فلا ينظرن إلى عورتها " . كذا قال " عورتها " . أخرجه البيهقي ( 2
/ 226 ) ، و الوليد هو ابن مسلم و هو يدلس تدليس التسوية ، و قد عنعن بين
الأوزاعي و عمرو ، ثم هو لو صح ، فليس فيه تعيين العورة من الأمة ، و لذلك قال
البيهقي بعد أن أتبع هذه الرواية برواية وكيع المتقدمة : " و هذه الرواية إذا
قرنت برواية الأوزاعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد عن النظر إلى
عورتها إذا زوجها ، و أن عورة الأمة ما بين السرة و الركبة ، و سائر طرق هذا
الحديث يدل ، و بعضها ينص على ( أن ) المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة
السيد ، بعد ما زوجت ، أو نهي الخادم من العبد و الأجير عن النظر إلى عورة
السيد بعدما بلغا النكاح ، فيكون الخبر واردا في بيان مقدار العورة من الرجل ،
لا في بيان مقدارها من الأمة " . و جملة القول أن الحديث اضطرب فيه سوار ، فلا
يطمئن القلب إلى ترجيح رواية من روايتيه و إن كنا نميل إلى الرواية التي وافقه
عليها الليث بن أبي سليم و إن كان ضعيف ، فإن اتفاق ضعيفين على لفظ من لفظين
، أولى بالترجيح من اللفظ الآخر الذي تفرد به أحدهما ، هذا لو اتفق الرواة عنه
فيه ، فكيف و قد اختلفوا ، و البيهقي ، و إن مال إلى أن الحديث ورد في عورة
الرجل لا الأمة ، فقد جزم بضعفه للاختلاف الذي ذكرنا ، فقال : " فأما حديث عمرو
بن شعيب فقد اختلف في متنه ، فلا ينبغي أن يعتمد عليه في عورة الأمة و إن كان
يصلح الاستدلال به و سائر ما يأتي عليه معه في عورة الرجل ، و بالله التوفيق "
. و إذا عرفت ذلك ، فمن الغرائب أن تتبنى بعض المذاهب هذا الحديث فتقول : بأن
الأمة عورتها عورة الرجل ! و يرتب على ذلك جواز النظر إليها بل هذا ما صرح به
بعضهم ، فقالوا : فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة و ذراعها و ساقها و صدرها
و ثديها " ! ذكره الجصاص في " أحكام القرآن " ( 3 / 390 ) ، و لا يخفى ما في
ذلك من فتح باب الفساد ، مع مخالفة عمومات النصوص التي توجب على النساء إطلاقا
التستر ، و على الرجال غض البصر انظر كتابنا " حجاب المرأة المسلمة " ( 22 - 25
) .
-----------------------------------------------------------
[1] انظر الحاشية على " المقنع " ( 1 / 110 ) . اهـ .

شريف حمدان
03 / 04 / 2016, 32 : 03 AM
جزاك الله خيرا

ابو عبدالله عبدالرحيم
03 / 04 / 2016, 24 : 04 AM
شكرا لمروركم المبارك
اخي ****** الحاج عبد الجواد
اعزكم الله وبارك فيكم واثابكم الجنة

ابو توفيق
03 / 04 / 2016, 38 : 09 AM
بارك الله تعالى فيكم اخي ****** ابو عبدالله
.وثقل ميزانكم بماتقدموه من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا
وأسأل الله تعالى أن يجازيكم خير الجزاء

ابو عبدالله عبدالرحيم
04 / 04 / 2016, 32 : 02 AM
شكرا لمروركم المبارك
جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم
اخي ****** الحاج ابوتوفيق
رفع الله قدركم
في الدارين