أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 
تابعونا عبر تويتر تابعونا عبر فيس بوك

الإهداءات


العودة   ملتقى أهل العلم > ملتقيات السيرة النبويه والاحاديث الشريفه > ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه

ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه ملتقى يختص بالاحاديث النبويه الشريفه الصحيحه وعلومها من الكتب الستة الصحيحه وشروحاتها

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: إصدار مميز للشيخ أحمد الحذيفي - صلاتي التراويح والتهجد - جميع ليالي رمضان ١٤٤٣ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: إصدار مميز للشيخ أحمد طالب حميد - صلاتي التراويح والتهجد - جميع ليالي رمضان ١٤٤٤ " خمس ساعات " من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: جميع ليالي رمضان ١٤٤٤ للشيخ أحمد الحذيفي - صلاتي التراويح والتهجد - " أربع ساعات تقريباً " من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: جميع ليالي رمضان ١٤٤٤ للشيخ عبدالمحسن القاسم - صلاتي التراويح والتهجد - " ثلاث ساعات تقريباً " من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: اصدار قرآني مميز لجميع تلاوات الشيخ أحمد بن طالب حميد خلال شهر رمضان 1441 " 4 ساعات " من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: إصدار مميز للشيخ سعود الشريم - صلاتي التراويح والتهجد - جميع ليالي رمضان ١٤٤٣ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: إصدار مميز للشيخ أحمد الحذيفي - صلاتي التراويح والتهجد - جميع ليالي رمضان ١٤٤٥ هــ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ خالد المهنا 14 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة الفجر للشيخ عبدالله الجهني 14 شوال 1445هـ من بيت الله الحرام بمكة المكرمة (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء للشيخ صلاح البدير 13 شوال 1445هـ من الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع ابو عبدالله عبدالرحيم مشاركات 4 المشاهدات 1840  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 02 / 04 / 2016, 53 : 03 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
ابو عبدالله عبدالرحيم
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي


البيانات
التسجيل: 07 / 05 / 2015
العضوية: 54171
العمر: 39
المشاركات: 1,090 [+]
بمعدل : 0.33 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 12
ابو عبدالله عبدالرحيم is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو عبدالله عبدالرحيم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد:
الجزء الثامن عشر من السلسله الضعيفة للامام الالباني

929 - " لا يشربن أحد منكم قائما ، فمن نسي فليستقىء " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
منكر بهذا اللفظ . أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 6 / 110 - 111 ) من طريق عمر
بن حمزة : أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و عمر هذا و إن احتج به مسلم فقد ضعفه
الإمام أحمد و ابن معين و النسائي و غيرهم ، و لذلك أورده الذهبي في " الميزان
" و ذكره في " الضعفاء " و قال : " ضعفه ابن معين لنكارة حديثه " . و قال
الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " . قلت : و قد صح النهي عن الشرب قائما في غير
ما حديث ، عن غير واحد من الصحابة ، و منهم أبو هريرة ، لكن بغير هذا اللفظ ، و
فيه الأمر بالاستقاء ، لكن ليس فيه ذكر النسيان ، فهذا هو المستنكر من الحديث
، و إلا فسائره محفوظ . و لذلك أوردته في " الأحاديث الصحيحة " تحت رقم ( 177 )
.

(2/427)

929 - " من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها ، فعل به كذا و كذا من النار " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 332 ) :
ضعيف . رواه أبو داود ( 249 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 35 / 2 ) و
عنه ابن ماجه ( 599 ) و الدارمي ( 1 / 192 ) و البيهقي ( 1 / 175 ) و أحمد ( 1
/ 94 و 101 ) و ابنه في " زوائده عليه " ( 1 / 133 ) من طرق عن حماد بن سلمة
: حدثنا عطاء بن السائب عن زاذان عن علي بن أبي طالب مرفوعا به . قال علي
: فمن ثم عاديت شعري ، و كان يجزه . قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 52 ) : " و
إسناده صحيح ، فإنه من رواية عطاء بن السائب و قد سمع منه حماد بن سلمة قبل
الاختلاط ، لكن قيل : إن الصواب وقفه على علي " . و قال الشوكاني في " نيل
الأوطار " ( 1 / 239 ) عقب كلام الحافظ هذا : " و قال النووي ، ضعيف ، و عطاء
قد ضعفه ، قبل اختلاطه ، و لحماد أوهام ، و في إسناده أيضا زاذان و فيه خلاف "
. و قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 127 ) مستدركا على الحافظ : " و لكن
قال ابن كثير في " الإرشاد " : إن حديث علي هذا من رواية عطاء بن السائب و هو
سيء الحفظ ، و قال النووي : إنه حديث ضعيف " . قلت : و سبب اختلاف الأئمة في
تصحيحه و تضعيفه أن عطاء بن السائب اختلط في آخر عمره ، فمن روى عنه قبل
اختلاطه فروايته عنه صحيحة ، و من روى عنه بعد اختلاطه فروايته عنه ضعيفة ، و
حديث علي هذا اختلفوا هل رواه قبل الاختلاط أو بعده ، فلذا اختلفوا في تصحيحه و
تضعيفه ، و الحق الوقف على تصحيحه و تضعيفه حتى يتبين الحال فيه " . قلت : و
هذا هو الصواب بلا ريب كما يأتي بيانه . و يتلخص مما تقدم أن الحديث أعل بأربع
علل : الأولى : الخلاف في زاذان . الثانية : أن حماد له أوهاما . الثالثة : أن
عطاء بن السائب ضعف مطلقا ، بعد الاختلاط و قبله . الرابعة : أنه صحيح الرواية
قبل الاختلاط ، و لكن لا يدرى هل روى هذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده . و إذ
الأمر كذلك ، فلابد من تحقيق القول في هذه العلل كلها ، و النظر إليها من زاوية
علم الحديث و مصطلحه ، و تراجم رواته ، و وزنها بميزانها الذي هو القسطاس
المستقيم ، فأقول : 1 - هذا الخلاف لا يضر في زاذان فقد وثقه الجمهور من الأئمة
الفحول ، الذين عليهم العمدة في باب الجرح و التعديل ، و حسبك منهم يحيى بن
معين ، فقد قال فيه : " ثقة لا يسأل عن مثله " . و وثقه أيضا أبو سعد و ابن عدي
و العجلي و الخطيب ، و كذا ابن حبان ، و لكنه قال : " كان يخطىء كثيرا " ! قلت
: و هذا من أفراده و تناقضه ، إذ لو كان يخطىء كثيرا لم يكن ثقة ! و لعل قول
ابن حبان هذا هو عمدة قول الحاكم أبي أحمد فيه : " ليس بالمتين عندهم " . و لا
نعلم أحدا تكلم فيه غير هذين ، و هو كلام مردود لأنه غير مدعم بالدليل ، مع
مخالفته لتوثيق من سمينا من الأئمة ، و بالإضافة إلى ذلك فقد احتج به مسلم ، و
أشار الذهبي في أول ترجمته إلى أن حديثه صحيح ، و قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق " . 2 - و هذا التعليل واه كالذي قبله ، فإن حماد بن سلمة إمام من أئمة
المسلمين ثقة حجة ما في ذلك شك و لا ريب ، و لا يخرجه من ذلك أن له أوهاما ، و
إلا فمن الذي ليس له أوهام ؟ ! و لو كان الراوي الثقة يرد حديثه لمجرد أوهام له
، لما سلم لنا إلا القليل من جماهير الثقات من رجال الصحيحين فضلا عن غيرهما .
و لذلك جرى علماء الحديث سلفا و خلفا - و منهم النووي - على الاحتجاج بحديث
حماد بن سلمة إلا إذا ثبت وهمه ، و هيهات أن يثبت هنا ، على أنه قد روي له
متابع ، و إن كان السند بذلك واهيا كما يأتي . 3 - إن هذا التضعيف لا حجة عليه
، فإن المعروف عند الأئمة أن عطاء بن السائب ثقة في نفسه ، لم يصرح أحد منهم
بتضعيفه مطلقا ، و إنما وصفوه بأنه اختلط في آخر عمره ، فمن عرف من الرواة عنه
أنه سمع منه قبل الاختلاط فحديثه عنه صحيح ، و إلا فلا ، أنظر " تهذيب التهذيب
" و غيره . 4 - و هذا التعليل أو الإعلال - كما هو الأصح - هو الذي يمكن التمسك
به في تضعيف هذا الحديث ، فإنه ليس لدينا ما يصح أن يعتمد عليه في ترجيح أنه
حدث به قبل الاختلاط ، و جزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع
منه قبل الاختلاط ، لا يصح أن يكون مرجحا ، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد
الاختلاط أيضا ، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " التهذيب " ، فقد قال في آخر
ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه و فيمن روى عنه في هذه الحالة
و قبلها : " فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري و شعبة و زهير و زائدة
و حماد بن زيد و أيوب عنه صحيح ، و من عداهم يتوقف فيهم ، إلا حماد بن سلمة
فاختلف قولهم ، و الظاهر أنه سمع منه مرتين ، يعني قبل الاختلاط و بعده " . و
قال قبيل ذلك : " فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب و حماد ( يعني ابن سلمة
) و أبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط " . قلت : و هذا تحقيق دقيق يجب
أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق ، و لازم
ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة
الاختلاط ، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه : " و
الحق الوقف عن تصحيحه و تضعيفه حتى يتبين الحال فيه " . نعم لو صح ما أشرنا
إليه من المتابعة لصح الحديث ، و لكن هيهات ! فقال أبو الحسن أحمد بن محمد بن
عمران المعروف بـ ( ابن الجندي ) في " الفوائد الحسان الغرائب " ( 8 / 1 ) :
حدثنا علي بن محمد بن عبيد : أخبرنا عيسى بن جعفر الوراق قال : أنبأنا عفان ،
قال : أنبأنا شعبة و حماد ، أو قال : شعبة و حماد حدثانا عن عطاء بن السائب به
. قلت : و هذا سند ظاهره الصحة ، فإن رجاله من شيخ الجندي فمن فوقه كلهم ثقات
من رجال الصحيح غير عيسى بن جعفر الوراق فإنه صدوق و له ترجمة في " تاريخ بغداد
" ( 11 / 168 - 169 ) ، و علي بن محمد بن عبيد ثقة حافظ ترجمه الخطيب أيضا
ترجمة طيبة ( 12 / 73 - 74 ) و لكن علة الحديث من صاحب " الفوائد " و هو ابن
الجندي ، فقد ترجمه الخطيب بقوله ( 5 / 77 ) : " كان يضعف في روايته ، و يطعن
عليه في مذهبه ، سألت الأزهري عنه ؟ فقال : ليس بشيء " . و قال الحافظ في "
اللسان " : " و أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " في فضل علي حديثا بسند ،
رجاله ثقات إلا الجندي : فقال : هذا موضوع ، و لا يتعدى الجندي " <1> . قلت : و
مما يؤيد ضعف هذا الرجل ، أنه روى الحديث عن طريق عفان - و هو ابن مسلم - عن
شعبة ، و قد رواه الإمام أحمد عن عفان - و هو شيخه فيه - فلم يذكر شعبة فيه ! و
كذلك رواه البيهقي من طريق أخرى عن عفان ، و كذلك رواه الآخرون عن غير عفان و
هم جماعة عن حماد وحده ، فدل ذلك على أن ذكر شعبة في هذا السند منكر ، تفرد به
ابن الجندي هذا ، و لولا ذلك لكانت متابعة قوية من شعبة لحماد ، و لصح بذلك
الحديث ، و لكن هيهات هيهات !! و قد ثبت في غير ما حديث صحيح أنه لا يجب على
المرأة أن تنقض شعرها في غسل الجنابة ، فالرجل مثلها إن كان له شعر مضفور كما
هو معروف من عادة بعض العرب قديما ، و اليوم أيضا عند بعض القبائل . و أما في
الحيض فيجب نقضه ، هذا هو الأرجح الذي تقتضيه الأحاديث الواردة في هذا الباب
، فانظر " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ( رقم 188 ) ، و ما يأتي تحت الحديث ( 937
) .
-----------------------------------------------------------
[1] " الموضوعات " لابن الجوزي ( 1 / 368 - 379 ) . اهـ .

(2/428)

930 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي مما يلي باب بني سهم ، و الناس يمرون
بين يديه ، ليس بينه و بين الكعبة سترة . ( و في رواية ) : طاف بالبيت سبعا ،
ثم صلى ركعتين بحذائه في حاشية المقام ، و ليس بينه و بين الطواف أحد " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 326 ) :
ضعيف . أخرجه أحمد ( 6 / 399 ) و السياق له و عنه أبو داود ( 1 / 315 ) و
الأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 305 ) و البيهقي في " سننه الكبرى " ( 1 / 273 )
عن سفيان بن عيينة قال : حدثنا كثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة سمع بعض
أهله يحدث عن جده به . قلت و هذا سند ضعيف لجهالة الواسطة بين كثير و جده . و
فيه علة أخرى و هي الاختلاف في إسناده ، فقد رواه سفيان مرة عن كثير ، هكذا ، و
قال مرة أخرى : حدثني كثير بن كثير عمن سمع جده ، و قال سفيان : و كان ابن جريج
أنبأ عنه قال : حدثنا كثير عن أبيه فسألته ؟ فقال : ليس من أبي سمعته و لكن من
بعض أهلي عن جدي ! قلت : و رواية ابن جريج أخرجها النسائي ( 1 / 123 و 2 / 40
) و ابن ماجه ( 4958 ) و هي الرواية الثانية و هي رواية لأحمد و ابن حبان ( 415
- موارد ) و كذا البيهقي و قال : " و قد قيل عن ابن جريج عن كثير عن أبيه قال :
حدثني أعيان بني المطلب عن المطلب ، و رواية ابن عيينة أحفظ " . قلت : و يحتمل
عندي أن يكون الاختلاف من نفس كثير بن كثير ، بل لعل هذا أولى من نسبة الوهم
إلى ابن جريج لأن كثيرا ينزل عن ابن جريج في العدالة و الضبط كثيرا ! و مما
يؤيد الاحتمال المذكور أنه قد تابع ابن جريج زهير بن محمد العنبري عند ابن حبان
( 414 ) . و أي الأمرين كان فالحديث ضعيف لجهالة الواسطة كما سبق . ثم رأيت
الحديث في " فوائد محمد بن بشر الزبيري " ( 28 / 1 ) من طريق سالم بن عبد الله
، رجل من أهل البصرة عن كثير بن كثير أن المطلب بن أبي وداعة رأى النبي صلى
الله عليه وسلم خرج من الكعبة و قام بحيال الركن الأسود فصلى ركعتين ، و الناس
يمرون بين يديه : النساء و الرجال " . فهذا اختلاف آخر يؤكد ضعف الحديث . و إذا
عرفت ذلك فقد استدل بعضهم بالحديث على جواز المرور بين يدي المصلي في مسجد مكة
خاصة ، و بعضهم أطلق ، و من تراجم النسائي للحديث " باب الرخصة في ذلك " يعني
المرور بين يدي المصلي و سترته ، و لا يخفى عليك فساد هذا الاستدلال ، و ذلك
لوجوه : الأول : ضعف الحديث . الثاني : مخالفته لعموم الأحاديث التي توجب على
المصلي أن يصلي إلى سترة و هي معروفة ، و كذا الأحاديث التي تنهى عن المرور
كقوله صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن
يقف أربعين خيرا من أن يمر بين يديه " . رواه البخاري و مسلم و هو مخرج في
" صحيح أبي داود " ( 698 ) . الثالث : أن الحديث ليس فيه التصريح بأن الناس
كانوا يمرون بينه صلى الله عليه وسلم و بين موضع سجوده ، فإن هذا هو المقصود من
المرور المنهي عنه على الراجح من أقوال العلماء . و لذلك قال السندي في
" حاشيته على النسائي " : " ظاهره أنه لا حاجة إلى السترة في مكة . و به قيل ،
و من لا يقول به ، يحمله على أن الطائفين كانوا يمرون وراء موضع السجود ، أو
وراء ما يقع فيه نظر الخاشع " . و لقد لمست أثر هذا الحديث الضعيف في مكة حينما
حججت لأول مرة سنة ( 1369 ) ، فقد دخلتها ليلا فطفت سبعا ، ثم جئت المقام ،
فافتتحت الصلاة ، فما كدت أشرع فيها حتى وجدت نفسي في جهاد مستمر مع المارة
بيني و بين موضع سجودي ، فما أكاد أنتهي من صد أحدهم عملا بأمره صلى الله عليه
وسلم حتى يأتي آخر " فأصده و هكذا !! و لقد اغتاظ أحدهم من صدي هذا فوقف قريبا
مني حتى انتهيت من الصلاة ، ثم أقبل علي منكرا ، فلما احتججت عليه بالأحاديث
الواردة في النهي عن المرور ، و الآمرة بدفع المار ، أجاب بأن مكة مستثناة من
ذلك ، فرددت عليه ، و اشتد النزاع بيني و بينه ، فطلبت الرجوع في حله إلى أهل
العلم ، فلما اتصلنا بهم إذا هم مختلفون ! و احتج بعضهم بهذا الحديث ، فطلبت
إثبات صحته فلم يستطيعوا ، فكان ذلك من أسباب تخريج هذا الحديث ، و بيان علته
. فتأمل فيما ذكرته يتبين لك خطر الأحاديث الضعيفة و أثرها السيئ في الأمة . ثم
وقفت بعد ذلك على بعض الآثار الصحيحة عن غير واحد تؤيد ما دلت عليه الأحاديث
الصحيحة ، و أنها تشمل المرور في مسجد مكة ، فإليك ما تيسر لي الوقوف عليه منها
: 1 - عن صالح بن كيسان قال : رأيت ابن عمر يصلي في الكعبة و لا يدع أحدا يمر
بين يديه ، رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " ( 91 / 1 ) و ابن عساكر ( 8 / 106
/ 2 ) بسند صحيح . 2 - عن يحيى بن أبي كثير قال : رأيت أنس بن مالك دخل المسجد
الحرام ، فركز شيئا ، أو هيأ شيئا يصلي إليه . رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 7
/ 18 ) بسند صحيح . ( تنبيه على وهم نبيه ) : اعلم أن لفظ رواية ابن ماجه لهذا
الحديث : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من سبعه جاء حتى يحاذي
بالركن ، فصلى ركعتين .... " . و قد ذكر العلامة ابن الهمام في " فتح القدير "
هذه الرواية ، لكن تحرف عليه قوله " سبعه " إلى " سعيه " ! فاستدل به على
استحباب صلاة ركعتين بعد السعي ، و هي بدعة محدثة لا أصل لها في السنة كما نبه
على ذلك غير واحد من الأئمة كأبي شامة و غيره كما ذكرته في ذيل " حجة النبي صلى
الله عليه وسلم " الطبعة الثانية ، و كذلك في رسالتي الجديدة " مناسك الحج و
العمرة في الكتاب و السنة و آثار السلف " فقرة ( 69 ) .

(2/429)

931 - " ما رفع أحد صوته بغناء ، إلا بعث الله عز وجل إليه شيطانين يجلسان على منكبيه
يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسك " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 335 ) :
ضعيف جدا . رواه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " ( 165 / 1 ) عن عبيد
الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا . قلت : و هذا
سند ضعيف جدا ، علته علي بن يزيد و هو الآلهاني أبو عبيد الله بن زحر . أما
الآلهاني ، فقال البخاري : " منكر الحديث " . و قال النسائي : " ليس بثقة " . و
قال أبو زرعة : " ليس بالقوي " . و قال الدارقطني : " متروك " . و أما ابن زحر
، فقال أبو مسهر : " صاحب كل معضلة ، و إن ذلك على حديثه لبين " . و قال ابن
المديني : " منكر الحديث " . و قال ابن حبان ( 2 / 63 ) : " يروي الموضوعات على
الأثبات ، و إذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ، و إذا اجتمع في إسناد خبر
عبيد الله ، و علي بن يزيد و القاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما
عملته أيديهم " ! قلت : القاسم أبو عبد الرحمن خير منهما ، و ليس هو محلا
للتهمة إن شاء الله تعالى ، بل الراجح فيه عند المحققين أنه حسن الحديث ،
فالعلة في هذا الحديث ممن دونه . و الله أعلم . و الحديث عزاه الحافظ العراقي
في " تخريج الإحياء " ( 6 / 165 - طبع لجنة نشر الثقافة الإسلامية ) للطبراني
أيضا في " الكبير " و قال : " و هو ضعيف " . و قال تلميذه الهيثمي في " مجمع
الزوائد " ( 8 / 119 - 120 ) : " رواه الطبراني بأسانيد ، و رجال أحدها وثقوا و
ضعفوا " ! كذا قال ، و كأنه يشير بذلك إلى رجال هذا الإسناد ، و هو واه جدا كما
بينا . و الله أعلم .

(2/430)

932 - " من أفطر ( يعني في السفر ) فرخصة ، و من صام فالصوم أفضل " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 336 ) :

ضعيف شاذ . رواه أبو حفص الكناني في " الأمالي " ( 1 / 10 / 1 ) : حدثنا
محمد بن هارون الحضرمي : حدثنا أبو هاشم زياد بن أيوب : حدثنا معاوية الضرير :
أخبرنا عاصم الأحول عن أنس بن مالك قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن الصوم في السفر ؟ قال : فقال : فذكره . قلت : و هذا سند رجاله كلهم
ثقات على شرط البخاري ، غير الحضرمي ، و هو ثقة كما قال الدارقطني و غيره ، و
له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " ، فظاهر الإسناد الصحة ، و قد اغتررت به برهة
يسيرة من الزمن ، ثم بدا لي أنه معلول بالوقف ، فقد قال ابن أبي شيبة في
" المصنف " ( 2 / 149 / 2 ) : حدثنا أبو معاوية و مروان بن معاوية عن عاصم قال
: سئل أنس عن الصوم في السفر ؟ فقال : فذكره بالحرف الواحد هكذا موقوفا على أنس
. قلت : و هذا هو الصواب ، لأن أبا معاوية - و اسمه محمد بن حازم - و إن كان
ثقة و أحفظ الناس لحديث الأعمش ، فهو قد يهم في حديث غيره كما قال الحافظ في "
التقريب " ، فمثله يحتج به إذا لم يخالف ، أو لم يختلف عليه كما وقع في هذا
الإسناد ، فأبو هاشم زياد بن أيوب رفعه ، و ابن أبي شيبة أوقفه ، و لابد من
مرجح ، و هو أعني ابن أبي شيبة قد قرن مع أبي معاوية مروان بن معاوية و هو ثقة
حافظ كما في " التقريب " فأوقفه أيضا ، و لم يختلف عليه فيه ، فروايته أولى ،
لاسيما مع موافقة إحدى الروايتين عن أبي معاوية له ، و هذا ظاهر لا يخفى إن شاء
الله تعالى . و مما يرجح أن الحديث موقوف على أنس و ليس بمرفوع ، ما روى ابن
أبي شيبة أيضا : قال مروان بن معاوية : عن عاصم عن ابن سيرين قال : كان عثمان
بن أبي العاص يقول في ذلك مثل قول أنس بن مالك . قلت : و هذا سند صحيح أيضا
موقوفا . فتبين أن الصواب في هذا الحديث الوقف ، و أنه شاذ مرفوعا ، و لعل هذا
هو السر في عدم وروده في شيء من كتب " السنن " و " المسانيد " و غيرها ، ككتب
التخريجات ، مثل " نصب الراية " للزيلعي ، و " تلخيص الحبير " للعسقلاني ، و
نحوها . و قد اختلف العلماء ، في صوم رمضان في السفر على أقوال معروفة ، و لا
شك أن الإفطار فيه رخصة ، و الأخذ بها أحب إلينا إذا كان المفطر لا يتحرج من
القضاء ، و إلا فالأحب لدينا حينئذ الصيام ، و الله أعلم . و من شاء التوسع في
هذه المسألة فليراجع " نيل الأوطار " ، أو غيره من كتب أهل العلم و التحقيق .

(2/431)

933 - " سارعوا إلى تعليم العلم و السنة و القرآن ، و اقتبسوهن من صادق ، من قبل أن
يخرج أقوام في أمتي من بعدي يدعونكم إلى تأسيس البدعة و الضلالة ، فوالذي نفسي
بيده لباب من العلم من صادق خير لكم من الذهب و الفضة تنفقونها في سبيل الله
تعالى بغير هدى من الله ، من مشى في تعليم العلم و السنة و القرآن فعمل بما أمر
الله و سن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا عمل بذلك فله بكل خطوة يخطوها
حسنة ، و تحط عنه سيئة ، و ترفع له درجة في الجنة " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 337 ) :

موضوع . رواه الخطيب في " تلخيص المتشابه " ( 2 / 51 / 2 ) عن محمد بن
عبيدة المروزى : حدثنا حسان بن إبراهيم : حدثنا سعيد بن مسروق الثوري : حدثنا
يزيد بن حيان : حدثنا زيد بن أرقم قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : فذكره
مرفوعا . قلت : و هذا حديث موضوع ، و لوائح الوضع عليه ظاهرة ، و آفته محمد بن
عبيدة المروزي . قال الذهبي : " قال ابن ماكولا : صاحب مناكير " . و أورد قبله
" محمد بن عبيدة عن ( بياض في الأصل ) وضع أحاديث ، قاله أبو سعيد النقاش " .
قال الحافظ في " اللسان " : " و أنا أظنه الذي بعده " . قلت : يعني المروزي
المذكور . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " من رواية
الرافعي في " تاريخه " عن جابر بلفظ : " سارعوا في طلب العلم ، فالحديث من صادق
خير من الدنيا و ما عليها من ذهب و فضة " . قلت : و سكت عليه المناوي .

(2/432)

934 - " لا تبل قائما " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 337 ) :
ضعيف . رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 135 ) عن هشام بن يوسف عن ابن جريج عن
نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و
هذا سند ظاهره الصحة ، فإن رجاله ثقات ، لكنه معلول بعنعنة ابن جريج فإنه كان
مدلسا ، و قد تبين أنه تلقاه عن بعض الضعفاء ، فقال الترمذي في " سننه " ( 1 /
17 ) : " و حديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم بن أبي المخارق عن نافع عن
ابن عمر عن عمر قال : رآني النبي صلى الله عليه وسلم و أنا أبول قائما فقال
: " يا عمر لا تبل قائما " . فما بلت قائما بعده " . قال الترمذي : " و إنما
رفع هذا الحديث عبد الكريم بن أبي المخارق و هو ضعيف عند أهل الحديث ، ضعفه أبو
أيوب السختياني " . قلت : و قد أخرجه ابن ماجه ( 1 / 130 ) و تمام في " الفوائد
" ( ق 123 / 2 ) و البيهقي في " السنن الكبرى " ( 1 / 102 ) عن عبد الرزاق
حدثنا ابن جريج عن عبد الكريم أبي أمية به . و عبد الكريم أبو أمية هو ابن أبي
المخارق ، قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 23 / 2 ) : خبر عبيد الله بن عمر
العمري الثقة المأمون المجمع على تثبته ، و لا يغتر بتصحيح ابن حبان هذا الخبر
، فإنه قال بعده : أخاف أن يكون ابن جريج لم يسمعه من نافع . و قد صح ظنه ، فإن
ابن جريج إنما سمعه من ابن المخارق كما ثبت من رواية ابن ماجه و الحاكم في "
المستدرك " ، و اعتذر عن تخريجه بأنه إنما أخرجه في المتابعات ، و حديث عبيد
الله العمري أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه و البزار في مسنده " . قلت : و
لم أعرف حديث عبيد الله الذي أشار إليه ، و " المصنف " لا أطوله الآن ، فإني
أكتب هذا و أنا في المدينة المنورة ، و هو في المكتبة الظاهرية بدمشق ، لكن
الظاهر أنه يعني مثل حديث عبد الله بن دينار أنه رأى عبد الله بن عمر بال قائما
. أخرجه البيهقي ( 1 / 102 ) و قال : " و هذا يضعف حديث عبد الكريم ، و قد
روينا البول قائما عن عمر و علي و سهل بن سعد و أنس بن مالك " . و إذا عرفت ضعف
الحديث فلا شيء في البول قائما إذا أمن الرشاش ، و قد قال الحافظ في " الفتح "
: " و لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه شيء " . ثم وقفت على
حديث عبيد الله العمري في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 1 / 124 - طبع الهند ) و
" مسند البزار " ( ص 31 - زوائده ) ، فإذا هو لا يعارض حديث الترجمة - كما ادعى
البوصيري - فإنه رواه عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : " ما بلت قائما منذ
أسلمت " . و إسناده صحيح . فالأولى المعارضة بأثر عبد الله بن دينار المتقدم عن
ابن عمر ، على اعتبار أنه هو الذي روى الحديث عنه كما هو ظاهر ، ثم بما روى ابن
أبي شيبة أيضا قبيل الموضع المشار إلى صفحته آنفا من طريق أخرى عن زيد قال
: " رأيت عمر بال قائما " . و زيد هو ابن وهب الكوفي و هو ثقة كسائر من دونه ،
فالإسناد صحيح أيضا ، و لعل هذا وقع من عمر رضي الله عنه بعد قوله المتقدم ، و
بعد ما تبين له أنه لا شيء في البول قائما .

(2/433)

935 - " خيار أمتي في كل قرن خمسمائة ، و الأبدال أربعون ، فلا الخمسمائة ينقصون ، و
لا الأربعون ، كلما مات رجل أبدل الله عز وجل من الخمسمائة مكانه ، و أدخل من
الأربعين مكانه ، قالوا : يا رسول الله ! دلنا على أعمالهم ، قال : يعفون عمن
ظلمهم ، و يحسنون إلى من أساء إليهم ، و يتواسون فيما آتاهم الله عز وجل " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 339 ) :

موضوع . أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 8 ) من طريق الطبراني ، و عنه
ابن الجوزي في " الموضوعات " ( 3 / 151 ) : عن سعيد بن زيدون : حدثنا عبد الله
بن هارون الصوري : حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر مرفوعا .
قلت : و هذا سند مظلم ، سعيد بن أبي { زيدون } و عبد الله بن هارون لم أعرفهم ،
إلا أن الثاني منهما أورده الذهبي في " الميزان " و قال : " عن الأوزاعي لا
يعرف ، و الخبر كذب في أخلاق الأبدال " . قلت : و هو هذا ، و أقره الحافظ ابن
حجر في " اللسان " . و الحديث أورده السيوطي في الجامع الصغير " فأساء ، لاسيما
و قد وقع في بعض النسخ مرموزا له بالحسن ! و اغتر بذلك بعض المتأخرين <1> فقال
: " حديث حسن " ! و أما المناوي فقد تنبه لعلته ، فقال بعد نقل كلام الذهبي
السابق : " و من ثم حكم ابن الجوزي بوضعه ، و وافقه عليها المؤلف في " مختصر
الموضوعات " فأقره و لم يتعقبه " . و اعلم أن أحاديث الأبدال لا يصح منها شيء ،
و كلها معلولة ، و بعضها أشد ضعفا من بعض ، و أنا ذاكر لك بعضها ، و كاشف عن
عللها ، إن شاء الله تبارك و تعالى .

(2/434)

936 - " الأبدال في هذه الأمة ثلاثون ، مثل إبراهيم خليل الرحمن عز وجل ، كلما مات
رجل أبدل الله تبارك و تعالى مكانه رجلا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 340 ) :

منكر . رواه الإمام أحمد ( 5 / 322 ) و الهيثم بن كليب في " مسنده " ( 159
/ 1 - 2 ) و الخلال في " كرامات الأولياء " ( ق 1 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار
أصبهان " ( 1 / 180 ) و عنه ابن عساكر في " التاريخ " ( 1 / 67 / 2 ) عن الحسن
بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت مرفوعا ، و قال أحمد
عقبه : " هو حديث منكر " . قلت : و فيه علتان : الأولى : عبد الواحد بن قيس
، مختلف فيه ، فوثقه ابن معين في رواية و أبو زرعة . و قال ابن معين في رواية
أخرى : لم يكن بذاك و لا قريب ، و قال أبو حاتم : ليس بالقوي ، و كذا قال صالح
بن محمد البغدادي و زاد : " روى عن أبي هريرة و لم يسمع منه " . و قال الذهبي
: " لم يلق أبا هريرة ، إنما روايته عنه مرسلة ، إنما أدرك عروة و نافعا
" . قلت : فعلى هذا فهو لم يدرك عبادة بن الصامت ، فالسند مع ضعفه منقطع !
الثانية : الحسن بن ذكوان مختلف فيه أيضا ، و قد ضعفه الجمهور ، و قال أحمد :
" أحاديثه أباطيل " . و قال ابن معين : " كان صاحب أوابد " . و قال ابن حجر في
" التقريب " : " صدوق يخطىء و كان يدلس " . و رمز له بأنه من رجال البخاري .
قلت : و قد عنعن هنا . و مما تقدم تعلم ما في قول الهيثمي من الإيهام فقال في
" مجمع الزوائد " ( 10 / 62 ) و قلده السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 461 ) رواه
أحمد و رجاله رجال الصحيح ، غير عبد الواحد بن قيس ، و قد وثقه العجلي و أبو
زرعة ، و ضعفه غيرهما " . و لم يذكر السيوطي : " و ضعفه غيرهما " ! فقد أوهم
شيئين : الأول : أن لا انقطاع بين عبد الواحد و عبادة و ليس كذلك كما بينا .
الثاني : أن الحسن بن ذكوان ثقة ، لوصفه إياه بأنه من رجال الصحيح ، و سكوته
عما قيل فيه من التضعيف ، و الوصف بالتدليس ! قلت : و بهذا التحقيق يتبين لك
خطأ قول السيوطي في " اللآلي " ( 2 / 332 ) : " و سنده حسن " ! و قول ابن عراق
( 2 / 307 - طبع مصر ) : " و سنده صحيح " ! و قد روي الحديث عن عبادة بلفظ آخر
و هو : " لا يزال في أمتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، و بهم تمطرون ، و بهم
تنصرون " . قلت : و هو ضعيف أيضا فيه من لا يعرف ، فقد قال الهيثمي ( 10 / 63 )
: " رواه الطبراني من طريق عمرو البزار عن عنبسة الخواص و كلاهما لم أعرفه ، و
بقية رجاله رجال الصحيح " . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من
رواية الطبراني أيضا عن عبادة بلفظ : " الأبدال في أمتي ثلاثون ... " فلعل ما
نقلته عن " المجمع " محرف عنه . و قال الشارح المناوي : " قال المصنف : سنده
صحيح " ! و لم يتعقبه المناوي بشيء ! و كأنه لم يقف على كلام الهيثمي فيه ، و
لا على إسناد ، و قد ساق السيوطي في " الحاوي " ( 2 / 461 ) فقال : قال
الطبراني في " الكبير " : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل : حدثني محمد بن
الفرج : حدثنا زيد بن الحباب : أخبرني عمر البزار عن عبيسة الخواص عن قتادة عن
أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت .... فذكره بلفظ " الجامع الصغير "
. قلت : كذا في نقله : " عمر " بدون الواو ، " عبيسة " ، و لعل هذا الثاني
تحريف ، و أما الأول فمحتمل ، فإن في شيوخ زيد بن الحباب عن المزي في " تهذيبه
" ( 1 / 227 / 1 ) عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي ، و عمرو بن عبد الله
بن وهب النخعي ، و عمرو بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعد بن يربوع المخزومي ، فإن
كان الأول - بدون الواو - فهو ضعيف جدا ، و إن كان أحد الآخرين فهو ثقة ، و لكن
لم يصفوا جميعا بـ ( البزار ) . فالله أعلم من هو منهم ، أو هو غيرهم و على كل
حال فتصحيح مثل هذا الإسناد لا وجه له مطلقا ، و لا أدري من أين نقل المناوي
تصحيح السيوطي له ، و هو مرموز له في بعض نسخ " الجامع " بالحسن ، و للذي قبله
بالصحة !! على أن رموز الجمع لا يوثق بها لأسباب ذكرتها في مقدمة كتابي " صحيح
الجامع الصغير " و ضعيف الجامع الصغير " ، و هو مطبوعان ، فليرجع إليهما من شاء
. و أخرج ابن عساكر في " التاريخ " ( 1 / 277 ) من طريق الطبراني و غيره عن
عمرو بن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال : " لما فتحت مصر سبوا
أهل الشام ، فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال : يا أهل مصر ! أنا عوف بن
مالك ، لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فيهم
الأبدال و بهم ينصرون و بهم ترزقون " . قلت : و هذا إسناد ضعيف جدا ، شهر بن
حوشب سيء الحفظ ، و عمرو بن واقد متروك كما في " التقريب " . و قال الهيثمي : "
رواه الطبراني " و فيه عمرو بن واقد ، و قد ضعفه جمهور الأئمة ، و وثقه محمد بن
المبارك الصوري ، و شهر اختلفوا فيه ، و بقية رجاله ثقات " . قلت : و روي
الحديث عن علي مرفوعا بلفظ آخر ، سيأتي تخريجه إن شاء الله برقم ( 2993 ) .

(2/435)

937 - " إذا اغتسلت المرأة من حيضها ، نقضت شعرها ، و غسلت بالخطمي و الأشنان ، و إذا
اغتسلت من الجنابة لم تنقض رأسها ، و لم تغسل بالخطمي و الأشنان " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 342 ) :
ضعيف . أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " ( 2 / 34 / 1 ) و البيهقي في
" السنن الكبرى " ( 1 / 182 ) من طريقين عن مسلم بن صبيح : حدثنا حماد بن سلمة
عن ثابت عن أنس مرفوعا . و من هذا الوجه رواه الدارقطني أيضا في " الأفراد
" كما في نصب الراية " ( 1 / 80 ) . و قال الخطيب : " قال علي بن عمر ( يعني
الدارقطني ) : هذا حديث غريب من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس ، تفرد به
مسلم بن صبيح عن حماد و لم نكتبه إلا من هذا الوجه " . قلت : و هو ضعيف لتفرد
ابن صبيح به ، و هو في عداد المجهولين ، فإني لم أجد من ترجمه ، و قد يشتبه
بمسلم بن صبيح الهمداني الذي أخرج له الستة ، و ليس به ، فإن هذا متأخر ، من
طبقة شيوخ الإمام أحمد ، و ذاك الهمداني تابعي يروي عن ابن عباس و غيره ، و هو
معروف ثقة ، و له ترجمة في " التهذيب " للحافظ ابن حجر ، و كان يحسن به أن يورد
بعده مسلم بن صبيح هذا المجهول تميزا له عن الذي قبله ، كما هي عادته في أمثاله
، و لكنه لم يفعل ، و الله أعلم ، ثم قد ميزه في " تبصير المنتبه " ( 3 / 833 )
و لم يذكره بعدالة أو جرح ، و قيده بضم الصاد المهملة . و قد أخرجه الضياء
المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( ق 23 / 2 - مسند أنس ) من طريق الطبراني و
هذا في " المعجم الكبير " ( 1 / 37 / 2 ) قال حدثنا أحمد بن داود المكي : حدثنا
سلمة بن صبيح اليحمدي حدثنا حماد بن سلمة به . كذا سماه ابن داود " سلمة " بدل
مسلم " ، و ليس هو تصحيفا ، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 273 ) :
" رواه الطبراني في " الكبير " ، و فيه سلمة بن صبيح اليحمدي و لم أجد من ذكره
" . قلت : و لعل " سلمة " وهم من ابن داود فإني لا أعرفه أيضا ، و قد خالفه
عثمان بن خرزاذ و هو ثقة ، أخرجه الخطيب . و أيهما كان فالرجل مجهول لا يعرف ،
فهو علة الحديث ، و خفي هذا على الصنعاني فقال في " السبل " ( 1 / 138 ) بعد أن
عزاه لمن ذكرنا : " فهذا الحديث مع إخراج الضياء له ، و هو يشترط الصحة فيما
يخرجه ، يثمر الظن في العمل به " . قلت : و هذا مسلم بالنسبة لمن لم يقف على
إسناده ، و أما من وقف عليه فقد يختلف الحكم بالنسبة له ، و يرى خلاف ما ذهب
الضياء إليه ، و عول عليه ، كما هو الشأن في هذا الحديث ، و رواية مسلم بن صبيح
، و هو من الأدلة الكثيرة على أن الضياء رحمه الله متساهل في التصحيح كالحاكم
، و إن كان هو أحسن حالا منه كما شهد بذلك ابن تيمية رحمه الله . و الحديث سكت
عليه الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 217 ) فأوهم سلامته من العلة ، فاقتضى
التنويه بها ، و تحقيق الكلام على الحديث ، و الله سبحانه هو الموفق . و قد
استدل الصنعاني بالحديث على أن نقض الشعر من المرأة الحائض في غسلها ليس واجبا
عليها ، بل هو على الندب لذكر الخطمي و الأشنان فيه ، قال : " إذ لا قائل
بوجوبهما فهو قرينة على الندب " . قلت : و إذا عرفت ضعف الحديث فالاستدلال به
على ما ذكره الصنعاني غير صحيح ، لاسيما و قد ثبت من حديث عائشة أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال لها في الحيض : " انقضي شعرك و اغتسلي " . و لهذا كان أقرب
المذاهب إلى الصواب التفريق بين غسل الحيض فيجب فيه النقض ، و بين غسل الجنابة
فلا يجب ، كما بيت ذلك في الكلام على حديث عائشة هذا في " الأحاديث الصحيحة "
رقم ( 188 ) .

(2/436)

938 - " لا تضربوا إماءكم على كسر إنائكم ، فإن لها آجالا كآجال الناس " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 343 ) :
كذب . رواه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 26 ) : حدثنا أبو دلف عبد العزيز
بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن
الدعاء : حدثنا جعفر بن عاصم : حدثنا أحمد بن أبي الحواري : حدثنا عباس بن
الوليد قال : حدثني علي بن المديني عن حماد بن زيد عن مالك بن دينار عن الحسن
عن كعب بن عجرة مرفوعا . قلت : و هذا سند واه جدا ، و فيه علل : أولا : أبو
دلف هذا ، أورده الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 10 / 465 ) و لم يذكر فيه جرحا و
لا تعديلا . ثانيا : يعقوب بن عبد الرحمن الدعاء و هو أبو يوسف الجصاص ، قال
الخطيب ( 12 / 294 ) : " في حديثه وهم كثير ، قال أبو محمد بن غلام الزهري
: ليس بالمرضي ، مات سنة ( 331 ) " . ثالثا : جعفر بن عاصم لم أجد له ترجمة
. رابعا : عنعنة الحسن و هو البصري ، فقد كان يدلس . قلت : و بقية رجال الإسناد
ثقات معرفون مترجم لهم في " التهذيب " و عباس بن الوليد هو ابن مزيد أبو الفضل
البيروني مات سنة ( 270 ) ، و قد روى عنه جماعة ، و كتب عنه أحمد بن أبي
الحواري و هو أكبر منه ، توفي سنة ( 246 ) فهو من رواية الأكابر عن الصاغر
. هذا ما تبين لي فيه و أما المناوي فقال في هذا الحديث : " أورده في " الميزان
" في ترجمة العباس بن الوليد الشرقي ، و قال : ذكره الخطيب في " الملخص " <1>
فقال : روى عن ابن المديني حديثا منكرا ، رواه عنه أحمد بن أبي الحواري من حديث
كعب بن عجرة مرفوعا ، ثم ساق هذا بعينه " . قلت : و لم أجد هذا الترجمة في "
الميزان " للذهبي ، و لا في " الضعفاء " له ، و لا في " لسان الميزان " للحافظ
بن حجر ، فالله أعلم من أين وقع ذلك للمناوي . و الحديث أورده ابن أبي حاتم في
" العلل " ( 2 / 295 - 296 ) بسنده عن ابن أبي الزرقاء عن ميمون بن مهران قال :
فذكره موقوفا عليه و قال : " قال أبي هذه الحكاية كذب " . قلت : و فيه وهب بن
داود قال الخطيب : " لم يكن بثقة " . و فيه أيضا من لم أعرفه .
-----------------------------------------------------------
[1] كذا ، و لعل الصواب " التلخيص " . اهـ .

(2/437)

939 - " استاكوا و تنظفوا ، و أوتروا فإن الله وتر يحب الوتر " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 344 ) :
ضعيف . رواه ابن أبي شيبة ( 1 / 63 / 1 ) : وكيع قال : حدثنا سفيان عن موسى
بن أبي عائشة عن سليمان بن سعد مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف ، رجاله كلهم
ثقات غير سليمان بن سعد و هو تابعي مجهول ، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح و
التعديل " ( 2 / 1 / 118 ) فقال : " روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسل
، روى عنه موسى بن أبي عائشة " . قلت : و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و قد
أخطأ بعض الضعفاء فسماه سليمان بن صرد ، و أسنده ، لأن ابن صرد هذا صحابي ! و
هو إسماعيل بن عمرو البجلي : فقال : حدثنا الحسن بن صالح عن موسى بن أبي عائشة
عن سليمان بن صرد مرفوعا به . أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 59 / 2 -
زوائد المعجمين ) و قال : " لا يروى عن سليمان إلا بهذا الإسناد " . قلت : و هو
ضعيف لأن البجلي هذا ضعفه غير واحد كما قال الذهبي في " الضعفاء " . و قال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 2 / 240 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، و
فيه إسماعيل بن عمرو البجلي ، ضعفه أبو حاتم و الدارقطني و ابن عدي ، و وثقه
ابن حبان و إذا عرفت الفرق بين رواية ابن أبي شيبة و الطبراني يتبن لك خطأ عزو
السيوطي في " الجامع " الحديث إلى المذكورين من رواية سليمان بن صرد ثم خطأ
رمزه له بالحسن ، و قد فات الأمر الأول على المناوي فلم يتنبه له ، أما الآخر ،
فقد تعقبه بقول الهيثمي الذي ذكرته ثم قال : " و به يعرف ما في رمز المصنف
لحسنه إلا أن يراد أنه حسن لغيره " . و هذا الكلام يشعر بأن المناوي لم يطلع
على سند الحديث عند ابن أبي شيبة فإنه عنده من غير طريق البجلي ، و لكن ذلك لا
يقوي حديثه بل يضعفه ، للمخالفة التي سبق بيانها .

(2/438)

940 - " " كان يستاك عرضا ، و لا يستاك طولا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 346 ) :
ضعيف جدا . رواه أبو نعيم في " كتاب السواك " من حديث عائشة مرفوعا .
قال الحافظ ( 23 ) : " و في إسناده عبد الله بن حكيم و هو متروك " . و قال ابن
حبان ( 2 / 27 ) : " كان يضع الحديث على الثقات ، و يروي عن مالك و الثوري و
مسعر ما ليس من أحاديثهم ".

(2/441)

940 - " إذا شربتم فاشربوا مصا ، و إذا استكتم فاستاكوا عرضا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 345 ) :
ضعيف . رواه البيهقي ( 1 / 40 ) من طريق أبي داود في " مراسيله " عن هيثم
عن محمد بن خالد القرشي عن عطاء بن أبي رباح قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم . قلت : و هذا سند ضعيف لإرساله ، و عنعنة هشيم ، فإنه مدلس ، و
جهالة القرشي هذا ، و من ثم رمز له السيوطي بالضعف ، فأصاب ، و تعقبه المناوي
بقوله فما أصاب : " رمز لضعفه اغترارا بقول ابن القطان : " فيه محمد بن خالد لا
يعرف " و فاته أن الحافظ ابن حجر رده على ابن القطان بأن محمد هذا وثقه ابن
معين و ابن حبان " . و هذا تعقب واه جاءه من التقليد و الاستسلام لرد الحافظ
ابن حجر دون تبصر ، و هو في كتابه " التلخيص " ( ص 23 ) كما نقله المناوي ، و
فاته أن الجواد قد يكبو ، فإن توثيق ابن معين المذكور مما لم يذكره أحد ، حتى و
لا الحافظ نفسه في " التهذيب " ، فأخشى أن يكون وهما منه ، و يؤيده أنه صرح في
" تقريب التهذيب " أن القرشي هذا " مجهول " فوافق في ذلك قول ابن القطان : " لا
يعرف " ، و كذلك قال الذهبي في " الميزان " فمع اتفاق هؤلاء على تجهيله ، هل
يعقل أن يكون توثيق ابن معين له ثابتا عنه ؟! ثم لو سلمنا جدلا ثبوت ذلك عنه ،
فهل يسلم السند من العلتين الأوليين : التدليس و الإرسال ؟! و بذلك يتبين أن لا
وجه لذلك التعقب على السيوطي ، بل هو من تعصب المناوي عليه ، عفا الله عنا و
عنهم . و روي في الاستياك عرضا حديثا آخر ، و هو بلفظ : " كان يستاك عرضا ، و
يشرب مصا ، و يقول : هو أهنأ و أمرأ و أبرأ " .

(2/439)

940 - " كان يستاك عرضا ، و يشرب مصا ، و يقول : هو أهنأ و أمرأ و أبرأ " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 345 ) :
ضعيف . رواه ابن حبان في " المجروحين " ( 1 / 199 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 1 / 123 / 1 - 2 ) و ابن شاهين في " الخامس من الأفراد " ( 31 - 32
) و البيهقي في " سننه " ( 1 / 40 ) و ابن عساكر ( 4 / 63 / 2 ) عن اليمان بن
عدي حدثنا ثبيت بن كثير الضبي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن
بهز مرفوعا ، و قال ابن شاهين : " حديث غريب الإسناد ، حسن المتن ، و بهز لا
أعرف له نسبا و لا أعرف له غير هذا الحديث " . قلت : و علته ثبيت هذا و هو ضعيف
، كما قال الهيثمي ( 2 / 100 ) بعدما عزاه للطبراني وحده ، و تناقض فيه ابن
حبان ، فذكره في " الثقات " و ذكره في " الضعفاء " أيضا و قال : " منكر الحديث
على قلته ، لا يجوز الاحتجاج به " . و قال ابن عدي : " غير معروف " . و قال
الحافظ في " التلخيص " ( ص 23 ) : " و هو ضعيف ، و اليمان بن عدي أضعف منه
" . قلت : و قد تابعه ضعيف مثله إلا أنه خالفه في إسناده ، و هو علي بن ربيعة
القرشي المدني فقال : عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن ربيعة بن أكثم به ،
فجعل ربيعة هذا بدل " بهز " . أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 10 / 110
/ 2 ) و العقيلي في " الضعفاء " ( 295 ) و البيهقي ، و قال العقيلي : " و لا
يصح ، علي بن ربيعة القرشي مجهول بالنقل ، حديثه غير محفوظ ، و لا يتابعه إلا
من هو دونه " . قلت : يشير إلى ثبيت بن كثير ، و القرشي هذا قال ابن أبي حاتم (
3 / 1 / 185 ) عن أبيه : هو مثل يزيد بن عياض في الضعف " . و يزيد هذا ضعيف
الحديث ، منكر الحديث عند أبي حاتم ، و غيره يكذبه ، و قال الحافظ في " التلخيص
" ( ص 23 ) بعدما عزاه للعقيلي و البيهقي : " إسناده ضعيف جدا " ثم ذكر
الاختلاف الذي ذكرته ، ثم قال ابن عبد البر : " ربيعة قتل بخيبر فلم يدركه سعيد
، و قال في " التمهيد " : لا يصحان من جهة الإسناد " . و لم يحرر المناوي القول
في هذين الطريقتين فظن أن أحدهما يقوي الآخر ، فصرح أن الحديث صار بذلك حسنا !
و في الباب حديث آخر ، و هو : " كان يستاك عرضا ، و لا يستاك طولا " .

(2/440)

943 - " كان يرفع يده إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 346 ) :
باطل موضوع . رواه البيهقي في " الخلافيات " من حديث محمد بن غالب حدثنا
محمد البرتي <1> حدثنا عبد الله بن عون الخراز <2> : حدثنا مالك عن الزهري عن
سالم عن ابن عمر مرفوعا . قلت : و هذا سند ظاهره الجودة ، و قد اغتر به بعض
الحنفية ، فقال الحافظ مغلطاي : " لا بأس بسنده " . و لا أدري كيف يقول ذلك مثل
هذا الحافظ مع اشتهار الحديث في " الصحيحين " و " السنن الأربعة " و " المسانيد
" عن مالك بإسناده المذكور عن ابن عمر برفع اليدين في الركوع أيضا ، لاسيما و
قد نبه على ذلك مخرجه البيهقي و شيخه الحاكم فقالا : " هذا باطل موضوع لا يجوز
أن يذكر إلى على سبيل التعجب و القدح فيه ، و قد روينا بالأسانيد الزاهرة عن
مالك خلاف هذا " . نقلت هذا و سند الحديث و قول مغلطاي من " ما تمس إليه الحاجة
لمن يطالع سنن ابن ماجه " للشيخ محمد عبد الرشيد النعماني ( ص 48 - 49 ) و هو
متعصب جدا للحنفية على أهل الحديث ، و لا يعبأ بقواعدهم العلمية ، و مما يدلك
على هذا تعقبه لقول الحافظين المذكورين و حكمهما على الحديث بالبطلان ، فقال :
" قلت : تضعيف الحديث لا يثبت بمجرد الحكم ، و إنما يثبت ببيان وجوه الطعن ، و
حديث ابن عمر هذا رجاله رجال الصحيح ، فما أرى له ضعفا بعد ذلك ، اللهم إلا أن
يكون الراوي عن مالك مطعونا ، لكن الأصل العدم ، فهذا الحديث عندي صحيح لا
محالة " ! قلت : هذا الكلام يدل على أحد شيئين : إما أن الرجل لا يعبأ بما هو
مقرر عند المحدثين من القواعد ، أو أنه جاهل بها ، و غالب الظن أنه الأول ،
فمثله مما لا أظن يبلغ به الجهل إلى أن لا يعلم تعريف الحديث الصحيح عندهم ، و
هو " ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه و لا يكون شاذا و لا معلا "
، و إذا كان الأمر كذلك فقوله " .... لا يثبت بمجرد الحكم .... " جهل منه أو
تجاهل بشرط من شروط الحديث الصحيح ، و هو عدم الشذوذ و قد أشار الحاكم و
البيهقي إلى أن الحديث لم يسلم من الشذوذ و ذلك قولهما : " فقد روينا بالأسانيد
الزاهرة عن مالك خلاف هذا " . قلت : فالحاكم و البيهقي لم يحكما على الحديث
بالبطلان بمجرد الدعوى كما زعم النعماني ، بل قرنا ذلك بالدليل لمن يريد أن
يفهم ، و هو الشذوذ ، على أن هناك أدلة أخرى تؤيد الحكم المذكور على ما يأتي
بيانه إن شاء الله تعالى . و لو لم يكن ثمة دليل على بطلان الحديث إلا وروده في
كتاب الإمام مالك " الموطأ " ( 1 / 97 ) على خلاف هذا اللفظ لكفى ، فكيف و قد
رواه جمع كثير من المصنفين و الرواة عن مالك على خلافه ؟ فأخرجه البخاري ( 3 /
174 ) و أبو عوانة في " صحيحه ( 2 / 91 ) و النسائي ( 1 / 140 و 161 - 162 ) و
الدارمي ( 1 / 285 ) و الشافعي ( رقم 199 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 /
131 ) و أحمد ( 4674 و 5279 ) من طرق كثيرة عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد
الله عن أبيه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه
، إذا افتتح الصلاة ، و إذا كبر للركوع ، و إذا رفع رأسه من الركوع ، رفعهما
كذلك " . الحديث و السياق للبخاري عنه . و الواقع أن الحديث بهذا اللفظ المخالف
لهذا الحديث الباطل متواتر عن مالك رحمه الله ، فقد سرد ابن عبد البر أسماء من
رواه عن مالك من الرواة فجاء عددهم نحو الثلاثين ! و قد وافقه جماعة من الثقات
في روايته عن ابن شهاب به . أخرجه البخاري ( 2 / 175 و 176 ) و مسلم ( 2 / 6 و
7 ) و أبو عوانة ( 2 / 90 ) أبو داود ( 1 / 114 ) ) و الترمذي ( 2 / 35 ) و ابن
ماجه ( 1 / 281 ) و الطحاوي و الدارقطني ( ص 108 ) و كذا الشافعي ( 198 ) و
أحمد ( 5081 و 4540 و 6345 ) من طرق كثيرة عن ابن شهاب به . و تابع الزهري جابر
و هو الجعفي قال : " رأيت سالم بن عبد الله رفع يديه حذاء منكبيه في الصلاة
ثلاث مرات ، حين افتتح الصلاة ، و حين ركع ، و حين رفع رأسه ، قال جابر ! فسألت
سالما عن ذلك ؟ فقال سالم رأيت ابن عمر يفعل ذلك ، و قال ابن عمر رأيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك " . رواه الطحاوي و أحمد ( 5054 ) ، و الجعفي
ضعيف ، لكن سكت على الحديث الطحاوي و كأن ذلك لطرقه . و تابع سالما نافع مولى
ابن عمر : أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر و رفع يديه ، و إذا ركع رفع
يديه و إذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه ، و إذا قام من الركعتين رفع يديه ،
و رفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري في " صحيحه " (
2 / 176 ) و في " رفع اليدين " ( ص 14 ) و أبو داود ( 1 / 118 ) و البيهقي ( 2
/ 136 ) عن عبيد الله عنه ، و رواه مالك ( 1 / 98 - 99 ) عن نافع به دون قوله
" و إذا ركع رفع يديه " و دون الرفع عند القيام ، و من طريقه رواه الشافعي و
أبو داود و تابعه أيوب عن نافع به المرفوع فقط ، دون الرفع عند القيام . أخرجه
البخاري في " جزئه " ( 17 ) و البيهقي ( 2 / 24 و 70 ) و أحمد ( 5762 ) و تابعه
صالح بن كيسان عن نافع به أخرجه أحمد ( 6164 ) . و تابع سالما أيضا محارب بن
دثار قال : " رأيت ابن عمر يرفع يديه كلما ركع ، و كلما رفع رأسه من الركوع ،
قال : فقلت له : ما هذا ؟ قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم : إذا قام في
الركعتين كبر و رفع يديه " . أخرجه أحمد ( 6328 ) بإسناد صحيح . إذا عرف هذا
فهذه الروايات و الطرق الصحيحة عن ابن عمر رضي الله عنه تدل على بطلان هذا
الحديث من وجوه : الأول ما أشار إليه الحاكم و البيهقي من مخالفة راويه عن
مالك لجميع من رواه عنه من الثقات على خلاف هذا الحديث و إثبات الرفع الذي نفاه
، لاسيما و قد بلغ عددهم مبلغ التواتر كما سبق ، و مخالفة الفرد لأقل منهم
بكثير يجعل حديثه شاذ مردودا عند أهل العلم ، فكيف و هم جمع غفير ؟ ! الثاني :
أن مالكا رحمه الله لو كان عنده علم بهذا الحديث المنسوب إليه لرواه في كتابه
" الموطأ " و عمل به ، و كل من الأمرين منفي ، أما الأول ، فلما سبق بيانه أنه
روى فيه الحديث المخالف له بسنده هذا . و الآخر أنه عمل بخلافه ، و قال
بمشروعية الرفع بعد الرفع في تكبيرة الإحرام كما حكاه عنه الترمذي في " سننه "
( 2 / 37 ) و لم يحك عنه خلافه ، و نقل الخطابي و القرطبي أنه آخر قولي مالك و
أصححها كما في " الفتح " ( 2 / 174 ) . الثالث : أن ابن عمر رضي الله عنه كان
يحافظ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : على الرفع المذكور كما سبق ذلك عنه
صريحا ، فلو كان هذا الحديث ثابتا عنه لما رفع و هو من أحرص أصحابه صلى الله
عليه وسلم على اتباعه كما هو معلوم ، كيف لا و قد صح عنه أنه كان إذا رأى رجلا
لا يرفع يديه إذا ركع و إذا رفع رماه بالحصى ! أخرجه البخاري في " رفع اليدين "
( ص 8 ) و عبد الله بن الإمام أحمد في " مسائله عن أبيه " و الدارقطني ( 108
) بسند صحيح عنه <3> . الرابع : أن الذي روى هذا الحديث عن ابن عمر إنما هو
سالم ابنه - فيما زعموا - و من الثابت عنه أنه كان يرفع يديه أيضا كما حكاه
الترمذي أيضا عنه ، و سبق ذلك في بعض الروايات عنه - فلو كان هذا الحديث مما
رواه عن أبيه حقا لم خالفه أصلا ، كما هو ظاهر . فدل ذلك كله على صحة قول
الحاكم و البيهقي في الحديث : إنه باطل ، و أن قول الشيخ النعماني : " فهذا
الحديث عندي صحيح لا محالة " محال ! و مما سبق تعلم بطلان قول الشيخ المذكور
عقب جملته المذكورة : " و غاية ما يقال فيه : أن ابن عمر رأى النبي صلى الله
عليه وسلم حينا يرفع ، فأخبر عن تلك الحالة ، و أحيانا لا يرفع ، و أخبر عن تلك
الحالة ، و ليس في كل من حديثه ما يفيد الدوام و الاستمرار على شيء معين منهما
، و لفظ : " كان " لا يفيد الدوام إلا على سبيل الغالب " . قلت : و هذا الجمع
بين الروايتين ، باطل أيضا ، لأن الشرط في الجمع إنما هو ثبوت الروايتين ، أما
و إحداهما صحيحة ، و الأخرى باطلة ، فلا يجوز الجمع حينئذ ، و كيف يعقل أن
الراوي الواحد يقول مرة : كان لا يرفع ، و أخرى : كان يرفع ، و لا يجمع هو نفسه
بينهما في عبارة واحدة و لو مرة واحدة ؟ هذا مما لا نعرف له مثيلا في شيء من
الأحاديث ! و إنما يقال مثل هذا الجمع في روايتين صحيحتين عن صحابيين مختلفين ،
مثل حديث ابن عمر هذا في الرفع و حديث ابن مسعود بمعنى هذا الحديث الباطل عن
ابن عمر . فإن قال قائل : قد عرفنا بطلان هذا الحديث من الوجوه السابقة ، فممن
العلة فيه ؟ هل هي من عبد الله بن عون الخراز الذي رواه عن مالك أم ممن دونه !
و الجواب : أنه ليس في إسناده من يمكن الظن بأن الخطأ منه غير محمد بن غالب ، و
هو الملقب بـ ( تمتام ) فإنه و إن كان الدارقطني وثقه ، فقد قال : " إلا أنه
يخطىء ، و كان وهم في أحاديث " . و قال ابن المناوي : " كتب عنه الناس ، ثم رغب
أكثرهم عنه لخصال شنيعة في الحديث و غيره " . فالظاهر أنه هو الذي أخطأ في هذا
الحديث ، فلعله من الأحاديث التي أشار إليها الدارقطني . و أما شيخه البرتي فهو
ثقة ثبت حجة كما قال الخطيب ( 5 / 61 ) ، و كذا شيخ هذا و هو الخراز ثقة من
رجال مسلم ، فانحصرت الشبهة في ( تمتام ) . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل " البراني " و الصواب ما أثبته و هو بكسر الباء الموحدة و سكون الراء
ثم مثناة فوقية نسبة إلى ( برت ) قرية بنواحي بغداد .
[2] الأصل " الخزار " و التصويب من " التقريب " .
[3] و أما ما رواه الطحاوي ( 1 / 133 ) من طريق بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد
قال صليت خلف ابن عمر فلم يكن يرفع يديه إلا في التكبيرة الأولى من الصلاة
، فهو شاذ أيضا للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش . اهـ .

(2/442)

944 - " نهى أن يبول الرجل و فرجه باد إلى الشمس و القمر " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 350 ) :
باطل . رواه الحكيم الترمذي في " كتاب المناهي " عن عباد بن كثير عن عثمان
الأعرج عن الحسن : حدثني سبعة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم :
أبو هريرة ، و جابر ، و عبد الله بن عمرو و عمران بن حصين و معقل بن يسار و عبد
الله بن عمر و أنس بن مالك يزيد بعضهم على بعض في الحديث أن النبي صلى الله
عليه وسلم نهى .... قلت : فذكر حديثا طويلا جدا في النواهي ، ساقه في " تنزيه
الشريعة " بتمامه في نحو خمس صفحات ! ( 2 / 397 - 401 ) ، و ذكر الحافظ ابن حجر
في كتابه " التلخيص " ( 37 ) قطعة من أوله ، هذا بعضه و قال : " و هو حديث باطل
لا أصل له ، بل هو من اختلاق عباد " . و تبعه السيوطي في " ذيل الأحاديث
الموضوعة " ( ص 199 ) ، ثم ابن عراق و قال : " و ذكر النووي في " شرحه على
المهذب " من هذا الحديث النهي عن استقبال الشمس و القمر ، و قال : حديث باطل لا
يعرف " . قلت : و من الغرائب أن يذكر هذا الحكم الوارد في هذا الحديث الباطل في
بعض كتب الحنابلة مثل " المقنع " لابن قدامة ( 1 / 25 - 26 ) و " منار السبيل
" لابن ضويان ( 1 / 19 ) ، و قال هذا معللا : " تكريما لهما " ! و في حاشية
الأول منهما : " لأنه روي أن معهما ملائكة ، و أن أسماء الله مكتوبة عليها
" ! قلت : و هذا التعليل مما لا أعرف له أصلا في السنة ، و كم كنت أود أن لا
يذكر مثل هذا الحكم و تعليله في مثل مذهب الإمام أحمد رحمه الله الذي هو أقرب
المذاهب إلى السنة ، و لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، فقد أصاب مذهبه من بعض
أتباعه نحو ما أصاب المذاهب الأخرى من الملحقات و البدعات . و لذلك كان لزاما
على جميع الأتباع الرجوع إلى السنة الصحيحة ، و هذا لا سبيل إليه إلا بدراسة
هذا العلم الشريف ، و لعلهم يفعلون . و مما يبطل هذا الحكم حديث أبي أيوب
الأنصاري مرفوعا : " لا تستقبلوا القبلة و لا تستدبروها بغائط أو بول و لكن
شرقوا أو غربوا " . أخرجه الشيخان و أصحاب السنن و غيرهم ، و هو مخرج في " صحيح
أبي داود " ( رقم 7 ) ، و ذلك أن قوله : " و لكن شرقوا أو غربوا " صريح في جواز
استقبال القمرين و استدبارهما إذ لابد أن يكونا في الشرق أو الغرب غالبا . و
يبطله أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : الشمس و القمر ثوران مكوران في النار يوم
القيامة " . أخرجه الطحاوي و البخاري مختصرا كما بينته في " الأحاديث الصحيحة "
( 123 ) . قلت : فهذا يبطل تعليل ابن ضويان ، فإن إلقاءهما في النار و إن لم
يكن تعذيبا لهما ، فليس من باب إكرامهما كما هو ظاهر لا يخفى !

(2/443)

945 - " كان يصلي بعد العصر ، و ينهى عنها ، و يواصل و ينهى عن الوصال " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 351 ) :
منكر . رواه أبو داود ( 1 / 201 ) من طريق ابن إسحاق عن محمد بن عمرو عن
عطاء عن ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
.... الحديث . قلت : و هذا سند ضعيف رجاله ثقات كلهم ، لكن ابن إسحاق مدلس و قد
عنعنه ، و قد صح ما يعارض حديثه هذا ، و هو ما أخرجه أحمد ( 6 / 125 ) عن
المقدام بن شريح عن أبيه قال : " سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر ؟ فقالت : صل
، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت
الشمس " . قلت : و سنده صحيح على شرط مسلم . و وجه المعارضة واضح منه ، و هو
قولها " صل " فلو كان عندها علم بالنهي الذى رواه ابن إسحاق عنها لما أفتت
بخلافه إن شاء الله تعالى ، بل لقد ثبت عنها أنها كانت تصلي بعد صلاة العصر
ركعتين ، أخرجه البخاري ( 3 / 82 ) و مسلم ( 2 / 210 ) . فهذا كله يدل على خطأ
حديث ابن إسحاق و نكارته . و هذا من جهة الصلاة ، و أما من حيث الوصال ، فالنهي
عنه صحيح ثابت في الصحيحين و غيرهما عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم . ثم إن الحديث يخالف من جهة ثانية حديث أم سلمة المشار إليه ، فإن فيه
: " فقالت أم سلمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ( تعني
الركعتين بعد العصر ) ثم رأيته يصليهما ، أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ثم دخل
و عندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه الجارية ، فقلت
: قومي بجنبه فقولي له : تقول أم سلمة : يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين
الركعتين ، و أراك تصليهما ، فإن أشار بيده ، فاستأخري عنه ، قال : ففعلت
الجارية فأشار بيده فاستأخرت عنه ، فلما انصرف ، قال : يا بنت أبي أمية ! سألت
عن الركعتين بعد العصر ، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم فشغلوني
عن الكعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان " . و وجه المخالفة هو أن النهي عن
الصلاة بعد العصر في الحديث متأخر عن صلاته صلى الله عليه وسلم بعدها ، و في
حديث أم سلمة أن النهي متقدم و صلاته بعده متأخر ، و هذا مما لا يفسح المجال
لادعاء نسخ صلاة الركعتين بعد العصر ، بل إن صلاته صلى الله عليه وسلم إياهما
دليل عن تخصيص النهي السابق بغيرهما ، فالحديث دليل واضح على مشروعية قضاء
الفائتة لعذر ، و لو كانت نافلة بعد العصر ، و هو أرجح المذاهب ، كما هو مذكور
في المبسوطات . و الحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 51 ) و تبعه
الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 171 ) ثم الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 3 /
24 ) و سكوتهم الموهم صحته هو الذي حملني على تحرير القول فيه و الكشف عن علته
، و الله الموفق . ثم رأيت ابن حزم ذكره ( 2 / 265 ) من طريق أبي داود و لم
يضعفه ، بل صنيعه يشعر بصحته عنده ، فإنه أجاب عنه ( 2 / 268 ) بما يتعلق به من
جهة دلالته و وفق بينه و بين ما يعارضه من جواز الركعتين بعد العصر عنده ، و لو
كان ضعيف لضعفه و ما قصر ، و لكنه قد قصر ! و رأيت أبا الطيب الشهير بشمس الحق
العظيم آبادي قد تنبه في كتابه " إعلام أهل العصر ، بأحكام ركعتي الفجر " ( ص
55 ) لعلة أخرى في الحديث فقال : " و هذا معارض بما أخرجه مسلم و النسائي و
غيرهما عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة أنها قالت : وهم عمر ، إنما نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس و غروبها ، فإنما مفاد كلامه
في رواية ذكوان ( يعني في حديث ابن إسحاق ) أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن
الصلاة بعد العصر ، و مفاد كلامها في رواية طاووس أن النهي يتعلق بطلوع الشمس و
غروبها ، لا يرفع صلاة الفجر و العصر " . قلت : و هذه معارضة أخرى تضاف إلى
المعارضتين السابقتين ، و هي مما تزيد الحديث ضعفا على ضعف .

(2/444)

946 - " قدم علي مال فشغلني عن الركعتين كنت أركعهم بعد الظهر ، فصليتهما الآن ، فقلت
: يا رسول الله أفنقضيهما إذا فاتتا ؟ قال : لا " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 353 ) :
منكر . رواه أحمد ( 6 / 315 ) الطحاوي ( 1 / 180 ) و ابن حبان في " صحيحه "
( 623 ) عن يزيد بن هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان
عن أم سلمة قالت : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر ، ثم دخل بيتي
فصلى ركعتين ، فقلت : يا رسول الله صليت صلاة لم تكن تصليهما ، فقال : فذكره
. و هذا سند ظاهره الصحة ، و لكنه معلول ، فقال ابن حزم في " المحلى " ( 2 /
271 ) : " حديث منكر ، لأنه ليس هو في كتب حماد بن سلمة ، و أيضا فإنه منقطع لم
يسمعه ذكوان من أم سلمة ، برهان ذلك أن أبا الوليد الطيالسي روى هذا الخبر عن
حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة عن أم سلمة أن " النبي صلى
الله عليه وسلم صلى في بيتها ركعتين بعد العصر فقلت : ما هاتان الركعتان ؟ قال
: كنت أصليهما بعد الظهر ، و جاءني مال فشغلني ، فصليتهما الآن " ، فهذه هي
الرواية المتصلة و ليس فيها : " أفنقضيهما نحن ؟ قال : لا " ، فصح أن هذه
الزيادة لم يسمعها ذكوان من أم سلمة ، و لا ندري عمن أخذها ، فسقطت " . قلت : و
رواية أبو الوليد عبد الملك بن إبراهيم التي علقها ابن حزم وصلها الطحاوي ( 1 /
178 ) . و تابع أب الوليد عبد الملك بن إبراهيم الجدي : حدثنا حماد بن سلمة به
دون الزيادة . أخرجه البيهقي ( 2 / 475 ) . و نقل الحافظ في " التلخيص " ( 70 )
عنه أنه ضعف الحديث بهذه الزيادة ، و نص كلام البيهقي و هو في كتابه " المعرفة
" كما نقله صاحب " إعلام أهل العصر " ( ص 55 ) : " و معلوم عند أهل العلم
بالحديث أن هذا الحديث يرويه حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس عن ذكوان عن عائشة
عن أم سلمة دون هذه الزيادة ، فذكوان إنما حمل الحديث عن عائشة ، و عائشة حملته
عن أم سلمة ، ثم كانت ترويه مرة عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، و ترسله
أخرى ، و كانت ترى مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما ، و كانت تحكي عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه أثبتهما ، قالت : " و كان إذا صلى صلاة أثبتها "
. و قالت : " ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين عندي بعد العصر قط "
، و كانت تروي أنه " كان يصليهما في بيوت نسائه و لا يصليهما في المسجد مخافة
أن يثقل على أمته ، و كان يحب ما خفف عنهم " فهذه الأخبار تشير إلى اختصاصه
بإثباتهما ، لا إلى أصل القضاء . هذا و طاووس يروي أنها قالت : " وهم عمر ،
إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس و غروبها " . و
كأنها لما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم أثبتهما بعد العصر ذهبت في النهي
هذا المذهب ، و لو كان عندها ما يروون عنها في رواية ذكوان و غيره من الزيادة
في حديث القضاء لما وقع هذا الاشتباه ، فدل على خطأ تلك اللفظة ، و قد روي عن
محمد بن عمرو بن عطاء عن ذكوان عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان
يصلي بعد العصر و ينهى عنها ، و يواصل ، و ينهى عن الوصال " . و هذا يرجع إلى
استدامته لهما لا أصل القضاء " . قلت : و التأويل فرع التصحيح ، و حديث محمد بن
عمرو هذا لا يصح إسناده كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله ، فتنبه .

(2/445)

947 - " استقبلوا بمقعدتي القبلة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 354 ) :
منكر . أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 1 / 143 ) و ابن ماجه (
1 / 136 ) و الطحاوي ( 2 / 336 ) و الدارقطني ( 22 ) و الطيالسي ( 1 / 46 - من
ترتيبه ) و أحمد ( 6 / 137 و 219 ) و ابن عساكر ( 5 / 537 / 1 ) من طريق موسى و
وكيع و بهز و يحيى بن إسحاق و أسد بن موسى خمستهم عن حماد بن سلمة عن خالد
الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عراك ابن مالك عن ( و قال موسى سمعت ) عائشة
قالت : " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم يكرهون أن يستقبلوا
بفروجهم القبلة ، فقال : أراهم قد فعلوها ؟ ! ( و في لفظ : أو قد فعلوها ؟ ! )
استقبلوا .... " الحديث . قلت : و هذا سند ضعيف و فيه علل كثيرة : الأولى :
الاختلاف على حماد بن سلمة . الثانية : الاختلاف على خالد الحذاء و هو ابن
مهران . الثالثة : جهالة خالد بن أبي الصلت . الرابعة : مخالفته للثقة .الخامسة
: الانقطاع بين عراك و عائشة . السادسة : النكارة في المتن . العلة الأولى
الاختلاف على حماد بن سلمة ، فرواه الخمسة الذين سميناهم عنه خالد الحذاء عن
خالد بن أبي الصلت عن عراك عنها ، و خالفهم أبو كامل اسمه الفضيل بن حسين فقال
: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عراك بن مالك حدث عن عمر
بن عبد العزيز أن عائشة قالت ... الحديث ، فأدخل عمر بن عبد العزيز . أخرجه
أحمد ( 6 / 227 ) . و خالفهم يزيد بن هارون ، فقال : أنبأنا حماد عن خالد
الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال : كنا عند عمر بن عبد العزيز ، فذكروا الرجل
يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة ، فكرهوا ذلك ، فحدث عن عراك بن مالك عن عائشة
، فجعل عمر بن عبد العزيز بين ابن أبي الصلت و عراك . أخرجه أحمد ( 6 / 239
) : حدثنا يزيد به . و خالفه علي بن شيبة فقال : حدثنا يزيد ابن هارن ... فساق
سنده مثل رواية الخمسة عن حماد إلا أنه زاد في الإسناد فقال : " فحدث عراك عن
عروة بن الزبير عنها ، فأدخل بينه و بينها عروة بن الزبير ! أخرجه الطحاوي ( 2
/ 336 ) . قلت : فهذا اختلاف شديد على حماد ، و لعل الأرجح الوجه الأول
، لاتفاق الجماعة عليه ، مع احتمال أن يكون حماد نفسه مصدر الاختلاف ، فقد كان
يخطىء أحيانا . الثانية و هي الاختلاف على خالد الحذاء فهو على وجوه : الأول
: قال أبو عوانة و يحيى بن مطر و القاسم بن مطيب ثلاثتهم عن خالد الحذاء عن
عراك بن مالك عن عائشة . أخرجه الدارقطني . الثاني : عن عبد الوهاب الثقفي عن
خالد عن رجل عن عراك عنها فزاد رجلا بين الحذاء و عراك أخرجه أحمد ( 6 / 183 )
و الدارقطني . و تابعه وهيب عن خالد به . رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (
2 / 1 / 143 ) . الثالث : عن علي بن عاصم : حدثنا خالد الحذاء عن خالد بن أبي
الصلت قال : كنت عند عمر بن عبد العزيز في خلافته و عنده عراك بن مالك ، فقال
عمر : ما استقبلت القبلة و لا استدبرتها ببول و لا غائط منذ كذا و كذا ، فقال
عراك : حدثتني عائشة .... أخرجه الدارقطني و أحمد ( 6 / 184 ) و البيهقي ( 1 /
92 - 93 ) و قال : " تابعه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء في إقامة إسناده " .
قلت : يعني رواية حماد المتقدمة من رواية الجماعة عنه ، و إلا فقد اختلفوا عليه
كما سبق بيانه ، و قال الدارقطني : " هذا أضبط إسناد ، و زاد فيه خالد بن أبي
الصلت ، و هو الصواب " . قلت : و تابعه عبد العزيز بن المغيرة عن خالد الحذاء
به ، لكنه لم يصرح بسماع عراك من عائشة أخرجه أبو الحسن القطان في " زيادته على
ابن ماجه " ( 1 / 136 ) . قلت : و هذا الوجه من الاختلاف على خالد الحذاء أرجح
لاتفاق علي بن عاصم - على ضعف فيه لسوء حفظه - و عبد العزيز بن المغيرة عليه ،
و متابعة حماد بن سلمة لهما في رواية الجماعة عنه كما تقدم . فهذا الاضطراب في
إسناد الحديث و إن كان من الممكن ترجيح الوجه الأخير منه كما ذكرنا ، فإنه
لشدته لا يزال يبقى في النفس منه شيء ، و على التسليم بهذا الترجيح يظهر فيه
علة أخرى و هي : الثالثة : جهالة خالد بن أبي الصلت ، و ذلك أنه لم يكن مشهورا
بالعدالة ، و لا معروفا بالضبط ، عند علماء الجرح و التعديل ، فأورده ابن أبي
حاتم ( 1 / 336 - 337 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، بل صرح الإمام أحمد
بجهالته فقال : " ليس معروفا " . و قال عبد الحق الإشبيلي : " ضعيف " . و لعله
يعني بسبب جهالته . و قال الذهبي في " الميزان " و قد ساق له هذا الحديث : " لا
يكاد يعرف ، تفرد عنه خالد الحذاء ، و هذا منكر ، و ذكره ابن حبان في " الثقات
" ، و ما علمت أحد تعرض إلى لينه ، و لكن الخبر منكر " . قلت : و لعل الذهبي
أراد بقوله : " و ما علمت ... " يعني من القدامى ، و إلا فقد ضعفه عبد الحق كما
سبق ، و أما توثيق ابن حبان إياه ، فمما لا يقام له وزن - و إن اغتر به بعض
المتقدمين و المعاصرين كما يأتي - لما عرف أنه متساهل في التوثيق ، و قد بينت
ذلك في " الرد على التعقيب الحثيث " ، و هذا إذا انفرد بالتوثيق و لم يخالف ،
فكيف إذا خالف ؟ و قال ابن حزم في " المحلى " ( 1 / 196 ) : " حديث ساقط و خالد
بن أبي الصلت مجهول لا يدرى من هو ؟ " . و في " التهذيب " : " و تعقب ابن مفوز
كلام ابن حزم فقال : هو مشهور بالرواية ، معروف ، بحمل العلم ، و لكن حديثه
معلول " . قلت : و هذا القدر من الوصف لا يقتضي أن يكون الموصوف ثقة ضابطا إلا
عند بعض المتساهلين ، فكم من المعروفين بحمل العلم و الرواية لا يحتج بهم إما
للجهالة بضبطهم و حفظهم أو لظهور ضعفهم ، و لذلك نجد الحافظ ابن حجر الذي من
كتابه " التهذيب " نقلت التعقب المذكور لم يتبنه ، فلم يوثقه في " التقريب " بل
قال فيه : " مقبول " أي عند المتابعة ، و إلا فلين الحديث ، كما نص عليه في
المقدمة . إذا عرفت ذلك ، فمن كان حاله ما ذكرنا من الجهالة فحري بحديثه أن لا
يحتج به ، و هذا إذا لم يخالف الثقات ، فكيف مع المخالفة ؟! و هذه علة أخرى و
هي : الرابعة : مخالفة ابن أبي الصلت للثقة ، و هو جعفر بن ربيعة ، فقد رواه عن
عراك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر قولهم ، لا تستقبل القبلة . أخرجه
البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 1 / 143 ) و ابن أبي حاتم في " العلل " (
1 / 29 ) و ابن عساكر ( 5 / 237 / 1 ) . و قال البخاري : " و هذا أصح ". و كذا
قال ابن عساكر . و قال ابن أبي حاتم : " سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن
خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت ... ( قلت : فذكره ، ثم قال : ) قال أبي :
فلم أزل أقفو أثر هذا الحديث ، حتى كتبت بمصر عن .... جعفر بن ربيعة عن عراك بن
مالك عن عروة عن عائشة موقوف ، و هذا أشبه " . قلت : و لا يشك حديثي أن ترجيح
هؤلاء الأئمة الثلاثة وقف الحديث هو الصواب ، ذلك لأن الذي أوقفه إنما هو جعفر
بن عراك ، و هو ثقة اتفاقا ، و قد احتج به الشيخان ، بينما الذي خالفه و هو
خالد بن أبي الصلت لم يوثقه أحد من الأئمة المعروفين و الموثوق بتوثيقهم ، و لو
سلمنا . لا أن توثيق ابن حبان المتقدم مما يعتد به فهل من المعقول أن ترجح
رواية من وثقه هو وحده .... آخرون على رواية من وثقه الجماعة من الأئمة ، و
احتج به الشيخان ؟ ! و إذا تبين لك ما ذكرنا تعرف سقوط تعقب البوصيري للإمام
البخاري بقوله في " الزوائد " ( ق 25 / 1 ) : " و هذا الذي علل به البخاري ليس
بقادح ، فالإسناد الأول حسن <1> ، رجاله ثقات معرفون ، و قد أخطأ من زعم أن
خالد بن أبي الصلت مجهول ، و أقوى ما أعل به هذا الخبر أن عراكا لم يسمع من
عائشة ، نقلوه عن الإمام أحمد ، و قد ثبت سماعه منها عند مسلم " . قلت : و
الجواب على هذا من وجوه : الأول : أن المخالفة التي أعل البخاري الحديث بها لم
يجب عنها البوصيري بشيء عنها أصلا ، إلا مجرد الدعوى " ليس بقادح " ! مع أنه
ساق كلامه للرد عليه ، فانصرف عنه إلى الرد على غيره ! و ذلك دليل على ضعف رده
و سلامة الحجة عند المردود عليه ! الثاني : أن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال
مسلم غير ابن أبي الصلت فإن كان ثقة فلماذا اقتصر البوصيري على تحسين الإسناد و
لم يصححه ؟ ! أليس في هذا وحده ما يدل على أن في ابن أبي الصلت شيئا يمنع حتى
الموثقين له من تصحيح حديثه ! فما هو هذا الشيء ؟ ليس هو إلا عدم الاطمئنان
لتوثيق ابن حبان ، و إن تظاهروا بالاعتداد بتوثيقه ! الثالث : جزمه بخطإ من جهل
ابن أبي الصلت مردود عليه بما سبق بيانه في العلة ( الثالثة ) ، فأغنى عن
الإعادة . الرابع : دعواه أن الانقطاع الذي ذكره هو أقوى ما أعل به الحديث ،
ليس مسلما عندي ، بل الأقوى هو المخالفة التي لم يستطع الإجابة عنها ، ثم
الجهالة . الخامس : أن رده للانقطاع بقوله : " ثبت سماعه منه عند مسلم " ، خطأ
مبني على خطأ ، و ذلك أنه ليس عند مسلم ما زعمه من سماع عراك من عائشة ، و ما
علمت أحدا سبقه إلى هذا الزعم ، و إنما ذكر الشيخ ابن دقيق العيد أن مسلما أخرج
في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة : " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ... "
الحديث <2> ، نقله الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 107 ) ، و ليس فيه السماع
المدعى كما ترى . السادس : أنه لو فرضنا أن عراكا سمع من عائشة بعض الأحاديث ،
فلا يلزم من ذلك أنه سمع منها كل حديث يروى من طريقه عنها ، لاحتمال عدم ثبوت
السند بذلك عنه ، كما هو الشأن في هذا الحديث ، و هذه علة أخرى فيه و هي :
الخامسة : الانقطاع بين عراك و عائشة ، و الدليل على ذلك مجموع أمرين : 1 - أن
أكثر الروايات التي سبق ذكرها لم يقع فيها تصريح عراك بالسماع من عائشة ، و
إنما وقع في رواية علي بن عاصم و هو ضعيف الحفظ كما سبق ، و قول الشيخ أحمد
شاكر في تعليقه على " المحلى " ( 1 / 197 ) و قد تابعه على ذلك حماد بن سلمة
فارتفعت شبهة الغلط " ، ليس مسلما ، لأن هذه المتابعة مشكوك في ثبوتها ، فإن كل
ما رواه عن حماد لم يصرح بالسماع سوى موسى و هو التبوذكي ، و أما الثقات
الآخرون فرووه معنعنا ، و هم وكيع ابن الجراح و بهز بن أسد و يحيى ابن إسحاق و
أسد بن موسى و يزيد بن هارون في رواية عنه ، و عبد العزيز بن المغيرة ، كلهم
قالوا : " عن عائشة " و روايتهم أرجح من رواية الفرد و لو كان ثقة ، مع أنه
يمكن أن تكون المخالفة ليست منه بل من حماد نفسه ، لما سبق ذكره من أنه كان
يخطىء أحيانا ، فكان في الغالب يرويه معنعنا ، فحفظ ذلك منه الجماعة ، و نادرا
يرويه بالسماع فحفظ ذلك منه موسى ، و هذا اضطراب من حماد نفسه ، كما كان يضطرب
في إسناده على ما سبق بيانه . و مما يرجح رواية العنعنة ، رواية جماعة آخرين
لها مثل أبي عوانة و يحيى بن مطر و القاسم بن مطيب و عبد الوهاب الثقفي و وهيب
عن خالد الحذاء على خلاف بينهم و بين الجماعة الأولى كلهم أجمعوا على روايته
بالعنعنة . فهؤلاء عشرة أشخاص و زيادة رووه بالعنعنة فلا يشك كل من وقف عليها
أنها هي الصواب ، و أن رواية السماع منكرة أو شاذة ، و قد صرح بهذا الإمام أحمد
فقال إبراهيم بن الحارث : " أنكر أحمد قول من قال : عن عراك سمعت عائشة ، و قال
: عراك من أين سمع من عائشة " . و قال أبو طالب عن أحمد : " إنما هو عراك عن
عروة عن عائشة ، و لم يسمع عراك منها " و ذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل " ( ص
103 - 104 - طبع بغداد ) بعد أن ساق الحديث أن الإمام أحمد قال : " مرسل ، عراك
بن مالك من أين سمع عن عائشة ، إنما يروي عن عروة ، هذا خطأ ، ثم قال : من يروي
هذا ؟ قلت : حماد بن سلمة عن خالد الحذاء ، فقال : قال غير واحد : عن خالد
الحذاء ليس فيه سمعت و قال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت " . فقد
أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أن ذكر السماع غير محفوظ عن حماد من جهة ، و لا
عن خالد الحذاء من جهة أخرى ، و ذلك ما فصلناه آنفا . و لو أن الذين خالفوا
الإمام أحمد و رجحوا رواية السماع تأملوا في كلامه ثم تتبعوا الروايات التي
ذكرناها لما أقدموا إن شاء الله على مخالفته ، لأن الحجة الواضحة معه ، و لكنه
رحمه الله اكتفى بالإشارة إليها و قد فصلناه لك تفصيلا لا يدع مجالا للشك في
خطإ المخالفين ، و قال موسى بن هارون : " لا نعلم لعراك سماعا من عائشة " . و
ليس من السهل في نظر الباحث المحقق تخطئة هذين الإمامين ، كما فعل المعلق على "
المحلى " ، و من قبله البوصيري بمجرد ذكر السماع في بعض الروايات مع شذوذها ،
ثم هي كلها مدارها على خالد بن أبي الصلت الذي لا دليل عندنا على ثقته و ضبطه
كما سبق ، و ما يدرينا و لعل هذا الاختلاف عنه في السماع و العنعنة إنما هو منه
، و ذلك دليل على تردده و عدم حفظه ، و يؤيد هذا ما يأتي : ، و هو : الأمر
الثاني : أن جعفر بن ربيعة قد خالف خالد بن أبي الصلت ، فأدخل بين عراك و عائشة
عروة ، كما تقدم و هو أرجح من وجهين : أولا : أن جعفر بن أبي ربيعة أوثق من ابن
أبي الصلت كما تقدم بيانه . ثانيا : أن روايته موافقة لبعض الروايات عن خالد و
هي رواية يزيد بن هارون عن حماد ابن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت
عن عراك عن عروة بن الزبير عنها . أخرجه الطحاوي كما تقدم ، فهذا يؤكد وهم ابن
أبي الصلت أو بعض من دونه في ذكر السماع من عراك لعائشة . و قد خالف جعفر خالدا
في موضع آخر من السند و هو أنه أوقفه و لم يذكر فيه رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، و قد سبق بيان ذلك في العلة ( الرابعة ) . العلة السادسة : النكارة . و
قد بقي الكلام على العلة الأخيرة و هي السادسة ، و هي النكارة في المتن ، و
بيان ذلك في ما يأتي : من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهى أصحابه
عن استقبال القبلة و استدبارها ببول أو غائط نهيا عاما لم يقيده بالصحراء ،
فإذا روي في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أن الصحابة كرهوا
استقبال القبلة ، فما يكون ذلك منهم إلا اتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
اتباعا يستحقون عليه الأجر و المثوبة ، لأنهم على أقل الدرجات مجتهدون مخطئون
مأجرون أجرا واحدا ، و سبب خطئهم عملهم بالنص على عمومه ، أو عملهم بالمنسوخ
الذي لم يعرفوا نسخه ، و أي الأمرين فرض ، فلا يعقل أن ينكر النبي صلى الله
عليه وسلم على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه قبل أن يبلغهم النص
المخصص أو الناسخ ، كيف و هو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم و تعليمهم ،
كما يدل على ذلك سيرته الشريفة معهم ، كحديث الأعرابي الذي بال في المسجد ، و
حديث معاوية بن الحكم السلمي الذي تكلم في الصلاة جاهلا ، و غير ذلك مما هو
معروف ، فلم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم نكارا شديدا مع أنهم
فعلوا أشياء لم يسبق أن جوزها لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم و أما في هذا
الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم ، و ما هو ؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة
، التي كانوا تلقوها عنه صلى الله عليه وسلم ، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه
صلى الله عليه وسلم في التلطف في الإنكار ؟ كلا ثم كلا ، بل لو أراد صلى الله
عليه وسلم أن يبدل شيئا من الحكم السابق أو أن ينسخه من أصله لقال لهم كما قال
في أمثاله : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، و كنت نهيتكم عن
الانتباذ في الأوعية فانتبذوا ، و كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي ألا
فادخروها " . أخرجه مسلم و غيره و هو مخرج في " الصحيحة " ( 2048 ) . فلو أن
قوما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استمروا على العمل بهذا النهي لعدم
بلوغ الرخصة إليهم ، أفكان ينكر صلى الله عليه وسلم عليهم أم يكتفي بتعليمهم ؟
لا شك أن الجواب إنما هو تعليمهم فقط ، فكذلك الأمر في كراهة الاستقبال ، كان
يكتفي معهم بتعليمهم ، و أما أن ينكر عليهم بقوله " أو قد فعلوها " فإنه شيء
ثقيل لا أكاد أتخيل صدوره منه صلى الله عليه وسلم ، و قد أراحنا الله تعالى من
التصديق به بعد أن علمنا ثبوته بالطريق التي أقام الحجة بها على عباده في
تعريفهم بتفاصيل شريعته ، و أعني الإسناد . و اعلم أن كلامنا هذا إنما هو قائم
على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن
استقبال القبلة ، و أما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا
يرد الاستنكار المذكور ، و عليه حمل ابن حزم الحديث على فرض صحته فقال ( 1 /
197 - 198 ) : " ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأن نصه يبين أنه إنما كان قبل
النهي ، لأن من الباطل المحال أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاهم عن
استقبال القبلة بالبول و الغائط ، ثم ينكر عليهم طاعته في ذلك المجال ، هذا ما
لا يظنه مسلم و لا ذو عقل ، و في هذا الخبر إنكار ذلك عليهم ، لو صح لكان
منسوخا بلا شك " . قلت : لكن يرد على هذا الافتراض أنه يبعد أن يكره الصحابة
شيئا دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ، و افتراض ثبوت ذلك عنهم
فيه إساءة الظن بهم و أنهم يشرعون بآرائهم ، و هذا ما لا يجوز أن نظنه بهم ، و
لذلك فالحديث كيف ما أول فهو منكر عندي . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] سبقه إلى تحسينه النووي ، ثم تبعهما الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 116
) و في " العدة شرح العمدة " ( 1 / 131 ) أيضا لكنه عقب ذلك بقوله " إلا أنه
أشار البخاري في تاريخه إلى أن فيه علة " .
[2] و هو في مسلم ( 8 / 38 ) و تمامه " فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة
منها تمرة ، و رفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة التي كانت
تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها قد ذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : إن الله قد أوجب لها الجنة ، أو أعتقها من النار " .

(2/446)

948 - " إنما هو بمنزلة المخاط و البزاق ، و إنما يكفيك أن تمسحه بخرقة ، أو إذخرة .
( يعني المني ) " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 360 ) :
منكر مرفوعا . رواه الدارقطني ( 46 ) و البيهقي ( 2 / 418 ) من طريق إسحاق
بن يوسف الأزرق : أخبرنا شريك عن محمد بن عبد الرحمن عن عطاء عن ابن عباس
قال : " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن المني يصيب الثوب ؟ قال : " فذكره ، و
قال الدارقطني : " لم يروه غير إسحاق الأزرق عن شريك ( يعني مرفوعا ) ، محمد بن
عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظ شيء " . و قال البيهقي : " و رواه وكيع
عن ابن أبي ليلى موقوفا على ابن عباس ، و هو الصحيح " . قلت : و هذا وصله
الدارقطني : حدثنا محمد بن مخلد : أخبرنا الحساني : أخبرنا وكيع به . و يرجح
هذا أنه ورد موقوفا من طريقين آخرين عن عطاء ، فقال الشافعي في " سننه " ( 1 /
24 ) : أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار و ابن جريج كلاهما يخبره عن عطاء عن ابن
عباس رضي الله عنه أنه قال في المني يصيب الثوب ، قال : " أمطه عنك - قال
أحدهما - بعود أو إذخرة ، فإنما هو بمنزلة البصاق و المخاط " . قلت : و هذا سند
صحيح على شرط الشيخين ، و قد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي ثم قال : " هذا
صحيح عن ابن عباس من قوله ، و قد روي مرفوعا ، و لا يصح رفعه ". قلت : و جملة
القول أن المرفوع فيه ثلاث علل : الأولى : ضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
كما أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله " في حفظه شيء " على تسامح منه في التعبير !
الثانية : ضعف شريك أيضا و هو ابن عبد الله القاضي ، و أستغرب من الدارقطني
سكوته عنه هنا ، مع أنه قال فيه و قد ساق له حديث وضع الركبتين قبل اليدين عند
الهوي للسجود : " و شريك ليس بالقوي فيما تفرد به " . ( انظر الحديث المتقدم
929 ) . الثالثة : تفرد إسحاق الأزرق بروايته عن شريك مرفوعا ، و هو - أعني
الأزرق - و إن كان ثقة ، فقد خالفه وكيع و هو أوثق منه ، و لذلك رجح روايته
البيهقي كما تقدم ، لكن يبدو لي أن الراجح صحة الروايتين معا عن شريك ،
الموقوفة و المرفوعة ، و أن هذا الاختلاف إنما هو من شريك أو شيخه ابن أبي ليلى
، لما عرفت من سوء حفظهما ، فهذا الإعلال أولى من تخطئة إسحاق الأزرق الثقة ، و
هذا أولى من نصب الخلاف بين الثقتين كما فعل البيهقي من جهة ، و ابن الجوزي من
جهة أخرى ، أما البيهقي فقد رجح رواية وكيع على إسحاق ، و عكس ذلك ابن الجوزي
فقال بعد أن ذكر قول الدارقطني " لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك " : " قلنا
إسحاق إمام مخرج عنه في " الصحيحين " ، و رفعه زيادة ، و الزيادة من الثقة
مقبولة ، و من وقفه لم يحفظ " . كذا قال : و قد عرفت أن الصواب تصحيح الروايتين
و أن كلا من الثقتين حفظ ما سمع من شريك ، و أن هذا أو شيخه هو الذي كان يضطرب
في رواية الحديث عن عطاء ، فتارة يرفعه ، و تارة يوقفه ، فسمع الأزرق منه الرفع
، و سمع وكيع منه الوقف ، و كل روى ما سمع ، و كل ثقة . و من العجيب أن ابن
الجوزي يتغافل عن العلتين الأوليين ، و يجادل في العلة الثالثة ، و قد عرفت ما
في كلامه فيها ، و لو سلم له ذلك ، فلم يسلم الحديث من العلتين ، و أعجب من ذلك
أن العلة الأولى قد نبه عليها الدارقطني في جملته التي ذكرنا عنه في أول هذا
التحقيق ، فلما نقلها ابن الجوزي عنه اقتصر منها على الشطر الأول الذي فيه
إعلال الحديث بالوقف ، و لم يذكر الشطر الثاني الذي فيه الإشارة إلى العلة
الأولى و هي ضعف ابن أبي ليلى ! و هذا شيء لا يليق بأهل التحقيق و العلم . و من
الأوهام حول هذا الحديث قول الإمام الصنعاني - في " العدة على شرح العمدة " ( 1
/ 404 ) : " ثبت عنه ( يعني ابن عباس ) مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال : إنه بمنزلة البصاق و المخاط .... أخرجه الدارقطني من حديث إسحاق بن
يوسف الأزرق : حدثنا شريك .... " . ثم أعاده قائلا ( 1 / 405 ) : " و إسناده
صحيح كما قال ابن القيم في ( بدائع الفوائد ) " <1> . قلت : و هذا هو السبب
الذي دفعني إلى كتابة هذا التحقيق حول هذا الحديث ، و بيان أن رفعه وهم و إن
كان ما تضمنه من الحكم على المني بالطهارة هو الصواب ، و حسبنا في ذلك جزم ابن
عباس رضي الله عنه بأنه بمنزلة المخاط و البصاق ، و لا يعرف له مخالف من
الصحابة ، و لا ما يعارضه من الكتاب و السنة ، و قد حقق القول في المسألة ابن
قيم الجوزية في المصدر السابق تحت عنوان " مناظرة بين فقيهين في طهارة المني و
نجاسته " ( 3 / 119 - 126 ) و هو بحث هام جدا في غاية التحقيق .
-----------------------------------------------------------
[1] البدائع ( 3 / 123 ) . اهـ .

(2/447)

949 - " كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر بالهاجرة فقال لنا :
أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 362 ) :
ضعيف بهذا السياق . أخرجه ابن ماجة ( 1 / 232 ) و ابن أبي حاتم في " العلل
" ( رقم 376 و 378 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 269 - موارد ) و الطحاوي في "
شرح المعاني " ( 1 / 111 ) و البيهقي ( 1 / 439 ) و أحمد ( 4 / 250 ) من طريق
إسحاق بن يوسف الأزرق عن شريك عن بيان بن بشر عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة
بن شعبة قال : فذكره . قلت : و هذا سند ضعيف ، علته شريك و هو بن عبد الله
القاضي و هو ضعيف لسوء حفظه كما تقدم آنفا ، و قال الحافظ في " التقريب " : "
صدوق يخطيء كثيرا ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة " . قلت : و من ذلك تعلم
أن قول الحافظ في " الفتح " ( 2 / 13 ) : " رجاله ثقات ، رواه أحمد و ابن ماجه
و صححه ابن حبان " ، وهم أو تساهل منه ، و إن قلده فيه الصنعاني في " العدة " (
2 / 485 ) ، و أشد منه في الوهم قول البوصيري في " الزوائد " ( ق 46 / 1 ) : "
إسناده صحيح ، و رجاله ثقات " !! و ليت شعري كيف يكون ثقة صحيح الإسناد و فيه
من كان يخطيء كثيرا ، و هو معروف بذلك لدى أهل العلم ؟! و لاسيما و قد اضطرب في
إسناد هذا الحديث ، فرواه مرة هكذا ، و مرة قال : " عن عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله " . رواه على الوجهين أبو
حاتم الرازي ، فقال ابنه ( 1 / 136 / 378 ) : " سمعت أبي يقول : سألت يحيى بن
معين و قلت له : حدثنا أحمد بن حنبل بحديث إسحاق الأزرق عن شريك عن بيان ... (
قلت : فذكره ثم قال : ) و ذكرته للحسن بن شاذان الواسطي فحدثنا به ، و حدثنا
أيضا عن إسحاق عن شريك عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم : بمثله ؟ قال يحيى : ليس له أصل إني <1> نظرت في كتاب
إسحاق فليس فيه هذا . قلت لأبي : فما قولك في حديث عمارة بن القعقاع عن أبي
زرعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : الذي أنكره يحيى ؟ قال هو
عندي صحيح و حدثنا به أحمد ابن حنبل بالحديثين جميعا عن إسحاق الأزرق . قلت
لأبي : فما بال يحيى نظر في كتاب إسحاق فلم يجده ؟ قال : كيف ؟ نظر في كتابه
كله ؟ ! إنما نظر في بعض و ربما كان في موضع آخر " . فقد حكم أبو حاتم على
الحديث بالصحة من رواية شريك بسنده عن أبي هريرة خلافا لما يوهمه صنيع الحافظ
في " التلخيص " ( 67 ) أنه صحح حديث المغيرة ، و السياق المذكور من كلام أبي
حاتم يشهد لما ذكرنا . و يؤيده أن أبا حاتم أعل الطريق الأولى . فقد قال ابن
أبي حاتم ( 1 / 136 / 376 ) بعد أن ساقها : " و رواه أبو عوانة عن طارق عن قيس
قال : سمعت عمر بن الخطاب قال : أبردوا بالصلاة . قال ابن أبي حاتم عن أبيه : "
أخاف أن يكون هذا الحديث ( يعني الموقوف على عمر ) يدفع ذاك الحديث . قلت :
فأيهما أشبه ؟ قال : كأنه هذا ، يعني حديث عمر قال أبي في موضع آخر : لو كان
عند قيس عن المغيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتج أن يفتقر إلى أن يحدث
عن عمر موقوفا " . و قد ذكر الحافظ في " التلخيص " عن ابن معين نحو ما ذكر ابن
أبي حاتم عن أبيه فقال : " و أعله ابن معين بما روى أبو عوانة عن طارق عن قيس
عن عمر موقوفا . و قال : لو كان عند قيس عن المغيرة مرفوعا لم يفتقر إلى أن
يحدث به عن عمر موقوفا ، و قوى ذلك عنده أن أبا عوانة أثبت من شريك " . قلت : و
هذا هو الذي تقتضيه القواعد العلمية أن الحديث معلول بتفرد شريك به و مخالفته
لمن هو أثبت منه ، فلا وجه عندي لتصحيح الحديث كما فعل أبو حاتم ، و قال الحافظ
قبيل ما نقلنا عنه آنفا ! " و ذكر الميموني عن أحمد أنه رجح صحته " و في " طرح
الترتيب " للحافظ العراقي ( 2 / 154 ) : " و ذكر الخلال عن الميموني أنهم
ذاكروا أبا عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - حديث المغيرة بن شعبة ، فقال :
أسانيد جياد ، قال و في رواية غير الميموني : و كان آخر الأمرين من رسول الله
صلى الله عليه وسلم الإبراد " . فهذا النقل عن الإمام أحمد غريب عندي لقوله "
أسانيد جياد " مع أنه ليس له إلا إسناد واحد كما يفيده قول الحافظ ابن حجر : "
تفرد به إسحاق الأزرق عن شريك ... " و قال البيهقي عقب الحديث : " قال أبو عيسى
الترمذي ... فيما بلغني عنه - : سألت محمدا يعني البخاري - عن هذا الحديث ؟
فعده محفوظا ، و قال : رواه غير شريك عن بيان عن قيس عن المغيرة قال : كنا نصلي
الظهر بالهاجرة ، فقيل لنا : أبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ، رواه
أبو عيسى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن بيان كما قال البخاري " . قلت
: عمر بن إسماعيل ضعيف جدا ، قال بن معين : كذاب خبيث رجل سوء ، و قال النسائي
: " ليس بثقة ، متروك الحديث " . و أبوه فيه ضعف ، فمثل هذه الطريق لا يقوى
طريق شريك لشدة ضعفها ، فلا أدري ما وجه عد البخاري الحديث محفوظا ، فإن كان
بالنظر إلى الطريق الأولى فقد عرفت ضعفها و تفرد شريك بها ، و إن كان من أجل
هذه الطريق فهي ضعيفة جدا . و خلاصة القول : أن الحديث ضعيف لا تقوم به حجة
عندي ، لتفرد الضعيف به ، و عدم وجود شاهد معتبر له . ثم إن الكلام عليه إنما
هو بالنظر لوروده بهذا السياق الذي يدل على أن صلاته صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة منسوخ بقوله : أبردوا .. و هو ظاهر الدلالة على ذلك ، و به أحتج
الطحاوي و غيره على النسخ فإذا تبين ضعفه سقط الاحتجاج به و أما إذا نظرنا إلى
الحديث نظرة أخرى و هي أنه تضمن أمرين اثنين : صلاته صلى الله عليه وسلم
بالهاجرة ، و أمره بالإبراد دون أن نربط بينهما بهذا السياق الذي يمنع من فعل
أي الأمرين و يضطرنا إلى القول بالنسخ . أقول إذا نظرنا إليه هذه النظرة
فالحديث صحيح أما الأمر الأول فقد ورد من حديث جابر قال : " كان النبي صلى الله
عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة " . أخرجه البخاري ( 2 / 33 ) و مسلم ( 2 / 119
) و غيرهما . و أما الأمر بالإبراد . فقد ورد في " الصحيحين " و غيرهما من طرق
عن أبي هريرة و عن أبي سعيد أيضا ، و ابن عمر . فإذا عرف هذا . فقد اختلف
العلماء في الجمع بين الأمرين . فذهب الطحاوي و غيره إلا أن الأول منسوخ . و قد
عرفت ضعف دليله ، و ذهب الجمهور إلى أن الأمر بالإبراد أمر استحباب ، فيجوز
التعجيل به . و الإبراد أفضل ، و ذهب بعض الأئمة إلى تخصيص ذلك بالجماعة دون
المنفرد ، و بما إذا كانوا ينتابون مسجدا من بعد ، فلو كانوا مجتمعين ، أو
كانوا يمشون في كن فالأفضل في حقهم التعجيل ، و الحق التسوية ، و أنه لا فرق
بين جماعة و جماعة ، و لا بينهما و بين الفرد ، فالكل يستحب لهم الإبراد ، لأن
التأذي بالحر الذي يتسبب عنه ذهاب الخشوع ، يستوي فيه المنفرد و غيره كما قال
الشوكاني ( 1 / 265 ) . و أما تخصيص ذلك بالبلد الحار ، فهو الظاهر من التعليل
في قوله " فإن شدة الحر من فيح جهنم " . و يشهد له من فعله صلى الله عليه وسلم
حديث أنس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة
، و إذا اشتد الحر أبرد بالصلاة " . أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1162
) و النسائي ( 1 / 87 ) و الطحاوي ( 1 / 111 ) ، و له عنده شاهد من حديث أبي
مسعود بسند حسن . ( تنبيه ) : قال الحافظ في " التلخيص " في تخريج حديث المغيرة
: " و في رواية للخلال : و كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الإبراد " . و تلقى هذا عنه الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 265 ) دون أن
يعزوه إليه كما هو الغالب عليه من عادته ! ثم بنى على ذلك قوله في الصفحة التي
قبل المشار إليها : " فرواية الخلال من أعظم الأدلة الدالة على النسخ " . قلت :
لكن الظاهر مما نقله الحافظ العراقي عن الخلال فيما سبق ذكره في هذا البحث أن
هذه الرواية ليست من حديث المغيرة ، و إنما هي من قول الإمام أحمد رحمه الله ،
و قد صرح بهذا الحافظ في " الفتح " ( 2 / 13 ) فقال : " و نقل الخلال عن أحمد
أنه قال : هذا آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم " . و كذا قال
الصنعاني في " العدة " ( 2 / 485 ) دون أن يعزوه للحافظ أيضا !

-----------------------------------------------------------
[1] قلت : الأصل ( إنما ) و لعل الصواب ما أثبتنا . اهـ .

(2/448)

950 - " قال الله تبارك و تعالى : إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع بها لعظمتي ، و لم
يستطل على خلقي ، و لم يبت مصرا على معصيتي ، و قطع نهاره في ذكري ، و رحم
المسكين و ابن السبيل ، و الأرملة ، و رحم المصاب ، ذلك نوره كنور الشمس
، أكلؤه بعزتي ، و أستحفظه ملائكتي ، و أجعل له في الظلمة نورا ، و في الجهالة
حلما ، و مثله في خلقي كمثل الفردوس في الجنة " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 365 ) :
ضعيف . رواه البزار ( ص 65 - زوائده ) و ابن حبان في " المجروحين " ( 2 /
35 ) عن عبد الله بن واقد الحراني عن حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس عن ابن
عباس مرفوعا . قلت : و عبد الله بن واقد كان متعففا صالحا متفقها برأي أبي
حنيفة حافظا له . و لم يكن حافظا للحديث ، فضعف حديثه و ترك . كذا في " الأحكام
الكبرى " ( 57 / 1 - 2 ) لعبد الحق الإشبيلي . و قال في " المجمع " ( 2 / 147 )
: " رواه البزار و فيه عبد الله بن واقد الحراني ضعفه النسائي ، و البخاري ، و
إبراهيم الجوزجاني ، و ابن معين في رواية ، و وثقه في رواية ، و وثقه أحمد ، و
قال : كان يتحرى الصدق و أنكر على من تكلم فيه ، و أثنى عليه خيرا ، و بقية
رجاله ثقات " . و كذا قال في " الترغيب " ( 1 / 176 ) أن بقية رواته ثقات ، و
أشار إلى أن في ابن واقد هذا ضعفا ، و لم يسق فيه كلاما للأئمة ، و جمهور
الأئمة على تضعيفه ، و أحمد و إن أثنى عليه خيرا فقد نسبه للخطإ و التدليس ، و
قال : " لعله كبر و اختلط " . لكنه لم ينفرد به ، فأخرجه الحسن بن علي الجوهري
في " مجلس من الأمالي " ( ق 69 / 2 ) من طريق ابن نمير : حدثنا ابن كثير ، عن
عبد الله بن طاووس عن أبيه به . قلت : لكن ابن كثير و اسمه محمد بن كثير البصري
السلمي القصاب ، قال ابن المديني : " ذاهب الحديث " . و قال البخاري و الساجي :
" منكر الحديث " ، و ضعفه آخرون . و روي من حديث علي مرفوعا نحوه ، و زاد في
آخره : " لا يتسنى ثمارها ، و لا يتغير حالها " . رواه ابن عساكر في " مدح
التواضع " ( ق 90 / 1 - 2 ) و قال : " قال الدارقطني : غريب تفرد به الدينوري .
قلت : يعني أبا جعفر محمد بن عبد العزيز بن المبارك الدينوري ، قال الذهبي : "
منكر الحديث ، ضعيف ، ذكره ابن عدي ، و ذكر له مناكير ، و كان ليس بثقة يأتي
ببلايا " . ثم ساق له حديثين من بلاياه و موضوعاته ، و أقره الحافظ في " اللسان
" و قال : " و أورد له ابن عدي أحاديث قال في بعضها : باطل بهذا الإسناد ، ثم
قال : و له غير ما ذكرت من المناكير " .

(2/449)

951 - " كان إذا أمن أمن من خلفه حتى إن للمسجد ضجة " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 366 ) :

لا أصل له بهذا اللفظ فيما نعلم . و قد نص على ذلك الحفاظ فقال الحافظ ابن
حجر في " التلخيص " ( ص 90 ) : " لم أره بهذا اللفظ ، لكن روى معناه ابن ماجه
من حديث بشر بن رافع " ( ثم ذكر الحديث الآتي ) ثم قال : " تنبيه : قال ابن
الصلاح في الكلام على " الوسيط " : هذا الحديث أورده الغزالي هكذا تبعا لإمام
الحرمين ، فإنه أورده في " نهايته " كذلك ، و هو غير صحيح مرفوعا ، و إنما رواه
الشافعي من حديث عطاء قال : " كنت أسمع الأئمة ابن الزبير فمن بعده يقولون آمين
حتى إن للمسجد للجة " . و قال النووي مثل ذلك ، و زاد هذا غلط منهما ، و كأنه و
ابن الصلاح أرادا لفظ الحديث و الحق معهما ، لكن سياق ابن ماجه يعطي بعض معناه
كما أسلفناه " . قلت : ما سلف من كلامه ينص على أن سياق ابن ماجه يعطي معناه
كله لا بعضه ، فليتأمل فإن السياق المشار إليه يحتمل بعض المعنى أو كله ، أما
البعض فهو جهر الإمام وحده ، و هو صريح في ذلك ، و أما الكل ، فهو هذا مع جهر
المؤتمين لقوله فيه " فيرتج بها المسجد " ، فإن هذا يحتمل أن الارتجاج سببه
تأمين الرسول صلى الله عليه وسلم و هو صريح الحديث ، و يحتمل أنه بسبب تأمين
المؤتمين معه ، و هو محتمل ، و هذا هو لفظ ابن ماجه : " كان إذا تلا *( غير
المغضوب عليهم و لا الضالين )* قال : آمين ، حتى يسمع من يليه من الصف الأول (
فيرتج بها المسجد ) " .

(2/450)

952 - " كان إذا تلا *( غير المغضوب عليهم و لا الضالين )* قال : آمين ، حتى يسمع من
يليه من الصف الأول ( فيرتج بها المسجد ) " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 367 ) :
ضعيف . أخرجه أبو داود ( 1 / 148 ) و السياق له و ابن ماجه ( 1 / 281 ) و
الزيادة له ، كلاهما من طريق بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن
أبي هريرة مرفوعا . قلت : و هذا سند ضعيف ، و قول الحافظ أبو زرعة ابن
العراقي في " طرح التثريب " ( 2 / 268 ) : " و إسناده جيد " غير جيد ، يبينه ما
يأتيك من النصوص ، فقال الحافظ في " التلخيص " ( 90 ) : " و بشر بن رافع ضعيف ،
و ابن عم أبي هريرة ، قيل : لا يعرف ، و قد وثقه ابن حبان " . و قال البوصيري
في " الزوائد " ( ق 56 / 1 ) : " هذا إسناد ضعيف ، أبو عبد الله لا يعرف حاله ،
و بشر ضعفه أحمد ، و قال ابن حبان : يروي الموضوعات " . قلت : و تمام كلام ابن
حبان ( 1 / 179 ) : " كأنه كان المتعمد لها " . و من أوهام الشوكاني رحمه الله
أنه قال في هذا الحديث بعد أن ذكره المجد ابن تيمية بلفظ أبي داود و لفظ ابن
ماجه ( 2 / 188 ) قال الشوكاني : " أخرجه أيضا الدارقطني ، و قال : إسناده حسن
، و الحاكم ، و قال : صحيح على شرطهما " و البيهقي و قال : حسن صحيح " ! و
هؤلاء إنما أخرجوا الشطر الأول من الحديث بلفظ : " كان إذا فرغ من قراءة أم
القرآن رفع صوته فقال : آمين " ، فليس فيه تسميع من يليه من الصف .... الخ ،
فهذا اللفظ لا يحتمل ما يحتمله لفظ ابن ماجه من تأمين المؤتمين أيضا حتى يرتج
بها المسجد ، فثبت الفرق بين اللفظين ، و لم يجز عزو الأول منهما إلى من أخرج
الآخر ، كما هو ظاهر . على أن هذا اللفظ إسناده ضعيف أيضا ، فإن فيه عندهم
جميعا إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي و هو المعروف بابن زبريق و هو ضعيف ،
قال أبو حاتم : " شيخ لا بأس به " و أثنى عليه ابن معين خيرا ، و قال النسائي :
" ليس بثقة " . و قال محمد بن عوف : " ما أشك أن إسحاق بن زبريق يكذب " . لكن
هذا اللفظ معناه صحيح ، فإن له شاهدا من حديث وائل بن حجر بسند صحيح . و أما
اللفظ الأول فلا أعرف ما يشهد له من السنة إلا ما رواه الشافعي في " مسنده " (
1 / 76 ) : أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء قال : " كنت أسمع الأئمة و
ذكر ابن الزبير و من بعده يقولون آمين ، و يقول من خلفهم آمين ، حتى أن للمسجد
للجة " . سكت عليه الحافظ كما سبق قريبا ، و فيه علتان : الأولى : ضعف مسلم بن
خالد و هو الزنجي ، قال الحافظ : صدوق ، كثير الأوهام " . الثانية : عنعنة ابن
جريج ، فإنه كان مدلسا ، و لعله تلقاه عن خال بن أبي أنوف فقد رواه عن عطاء
بلفظ : " أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المسجد
( يعني الحرام ) إذا قال الإمام *( و لا الضالين )* رفعوا أصواتهم بآمين ، ( و
في رواية ) : سمعت لهم رجة بآمين " . أخرجه ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 74
) و البيهقي ( 2 / 59 ) و الرواية الأخرى له . و خالد هذا ترجمه ابن أبي حاتم (
1 / 2 / 355 - 356 ) و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا ، و أورده ابن حبان في "
الثقات " و في ترجمته ساق له هذا الأثر ، و توثيق ابن حبان فيه تساهل معروف ، و
لذلك فإني غير مطمئن لصحة روايته ، فإن كان ابن جريج أخذه عنه فالطريق واحدة ،
و إلا فلا ندري عمن تلقاه ابن جريج ، و يبدو أن الإمام الشافعي نفسه لم يطمئن
أيضا لصحة روايته هذه ، فقد ذهب إلى خلافها ، قال في " الأم " ( 1 / 95 ) :
" فإذا فرغ الإمام من قراءة أم القرآن قال آمين ، و رفع بها صوته ، ليقتدي به
من كان خلفه ، فإذا قالها قالوها و أسمعوا أنفسهم ، و لا أحب أن يجهروا بها "
. فلو أن هذا الأثر ثابت عن أولئك الصحابة عند الشافعي لما أحب خلاف فعلهم إن
شاء الله و لذلك فالأقرب إلى الصواب في هذه المسألة ما ذهب إليه الشافعي أن
يجهر الإمام دون المؤتمين . و الله أعلم . ثم رأيت البخاري قد علق أثر ابن
الزبير المذكور بصيغة الجزم ، فقال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 208 ) : " وصله
عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء ، قال و يعني ابن جريج ، قلت له : أكان ابن
الزبير يؤمن على أثر أم القرآن ؟ قال : نعم ، و يؤمن من وراءه حتى أن للمسجد
للجة ، ثم قال : إنما آمين دعاء " . قلت : و هو في " مصنف عبد الرزاق " برقم (
2640 ج 2 ) و من طريقه ابن حزم في " المحلى " ( 3 / 364 ) . فقد صرح ابن جريج
في هذه الرواية أنه تلقى ذلك عن عطاء مباشرة ، فأمنا بذلك تدليسه ، و ثبت بذلك
هذا الأثر عن ابن الزبير ، و قد صح نحوه عن أبي هريرة ، فقال أبو رافع : " إن
أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم ، فاشترط أن لا يسبقه بـ *( الضالين ) *
حتى يعلم أنه قد دخل الصف ، فكان إذا قال مروان : *( و لا الضالين )* قال أبو
هريرة : آمين يمد بها صوته ، و قال : إذا وافق تأمين أهل الأرض تأمين أهل
السماء غفر لهم " . أخرجه البيهقي ( 2 / 59 ) و إسناده صحيح . فإذا لم يثبت عن
غير أبي هريرة و ابن الزبير من الصحابة خلاف الجهر الذي صح عنهما ، فالقلب
يطمئن للأخذ بذلك أيضا ، و لا أعلم الآن أثرا يخالف ذلك ، و الله أعلم .

(2/451)

953 - " إذا نام العبد في سجوده باهى الله عز وجل به ملائكته ، قال : انظروا إلى عبدي
، روحه عندي و جسده في طاعتي ! " .
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 369 ) :
ضعيف . رواه تمام في " الفوائد " ( ق 263 / 2 ) و عنه ابن عساكر ( 11 / 444
/ 1 ) عن داود بن الزبرقان عن سليمان التيمي عن أنس مرفوعا . قلت : و هذا
سند ضعيف جدا ، داود بن الزبرقان قال الحافظ في " التقريب " : " متروك ، و كذبه
الأزدي " . قال ابن حبان ( 1 / 287 ) : " يأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم "
. قلت : و من طريقه رواه البيهقي أيضا في " الخلافيات " كما في " تلخيص الحبير
" ( ص 44 ) و اقتصر هناك على قوله في داود هذا : إنه ضعيف : و قال : " و روي من
وجه آخر عن أبان عن أنس ، و أبان متروك " . و روي من حديث أبي هريرة مرفوعا
.أخرجه ابن سمعون في " الأمالي " ( 172 / 1 ) عن حجاج بن نصير : أخبرنا المبارك
بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة . قلت : و هذا سند ضعيف ، و فيه ثلاث علل : 1 -
حجاج بن نصير ، قال الحافظ : " ضعيف كان يقبل التلقين " . 2 - المبارك بن فضالة
ضعيف أيضا ، قال الحافظ : " صدوق ، يدلس و يسوي " . 3 - الحسن و هو البصري ،
فإنه على جلالته كان يدلس ، و من طريقة الأئمة النقاد إعلال الحديث بعنعة الحسن
البصري ، فانظر " اللآلي المصنوعة " للسيوطي ( 2 / 389 ) ، على أنه اختلف في
ثبوت سماعه من أبي هريرة . لكن ذكر الحافظ في " التلخيص " أنه رواه ابن شاهين
في " الناسخ و المنسوخ " من حديث المبارك بن فضالة ، فإن كان عنده غير طريق
الحجاج بن نصير ، فقد ذهبت العلة الأولى و بقيت الثانية و الثالثة . ثم قال
الحافظ : " و ذكره الدارقطني في " العلل " من حديث عباد بن راشد كلاهما ( يعني
المبارك و عبادا ) عن الحسن عن أبي هريرة ، قال الدارقطني : و قيل : عن الحسن :
بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : و الحسن لم يسمع من أبي هريرة " .
قلت : و عباد بن راشد صدوق له أوهام ، فمتابعته للمبارك تذهب بالعلة الثانية ،
فيبقى في الحديث العلة الثالثة ، و بها أعل الحديث ابن حزم في " المحلى " فقال
( 1 / 228 ) : " و هذا لا شيء ، أنه مرسل ، لم يخبر الحسن ممن سمعه " . ثم قال
الحافظ : " و مرسل الحسن ، أخرجه في " الزهد " ، و روى ابن شاهين عن أبي سعيد
معناه ، و إسناده ضعيف " . قلت : و سنده في " الزهد " ( 20 / 81 / 1 ) صحيح ،
فراجع الإسناد إلى أنه من مرسل الحسن البصري فهو علته . و الحديث على ضعفه قد
استدل به من ذهب إلى نوم الساجد - و ألحقوا به الراكع - لا ينقض الوضوء ، قال
ابن حزم : " لو صح لم يكن في إسقاط الوضوء عنه " . و هو كما قال ، و قال
الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 92 ) : " و من استدل به قالوا : سماه ساجدا و
هو نائم ، و لا سجود إلا بطهارة ، و أجيب بأنه سماه باعتبار أول أمره ، أو
باعتبار هيئته " . و قد ذكر الصنعاني اختلاف العلماء ، في هذا المسألة ، و جمع
الأقوال فيها فبلغت ثمانية ، الصواب منها القول الأول و هو أن النوم ناقض مطلقا
على كل حال قليلا كان أو كثيرا ، و نصره ابن حزم بأدلة قوية فراجعه ، و مثل هذا
الحديث في الضعف و الدلالة الحديث الآتي : " من استحق النوم وجب عليه الوضوء "
.

(2/452)

954 - " من استحق النوم وجب عليه الوضوء " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 370 ) :
شاذ لا يصح . رواه الحافظ ابن المظفر في " غرائب شعبة " ( 148 / 2 ) :
حدثنا أبو الفضل العباس بن إبراهيم : حدثنا أبو غسان مالك بن الخليل : حدثنا
محمد بن عباد الهنائي : حدثنا شعبة عن الجريري عن خالد بن غلاق - و لا أعلمه
إلا عن أبي هريرة مرفوعا : قلت : و هذا سند رجاله كلهم ثقات : أبو الفضل
العباس بن إبراهيم له ترجمة في " تاريخ الخطيب ( 12 / 151 - 152 ) و قال : " و
كان ثقة " . و سائرهم من رجال " التهذيب " . لكن قوله : " لا أعلمه إلا .... "
فيه بعض الشك في رفعه ، و يقوي الشك أن الهنائي خولف في رفعه ، فقال علي بن
الجعد : أنبأنا شعبة فذكره موقوفا ، أخرجه البغوي في " الجعديات " ( 7 / 69 / 1
) و من طريقه البيهقي ( 1 / 119 ) و علي بن الجعد ثقة ثبت ، و قد تابعه الثقات
، فقال : ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 39 / 2 ) : حدثنا هشيم و ابن علية
عن الجريري عن خالد بن غلاق القيسي عن أبي هريرة قال : فذكره موقفا عليه ، و
لعله الصواب ، و زاد ابن علية ، قال الجريري : فسألنا عن استحقاق النوم
. فقالوا : " إذا وضع جنبه " . قلت : فاتفاق هؤلاء الثلاثة الثقات على وقفه
يجعل رواية الهنائي شاذة ، و لذلك قال البيهقي : " و قد روي مرفوعا و لا يصح
رفعه " . و قال الحافظ في " التلخيص " ( 43 ) بعد أن ذكره من طريق البيهقي :
" و روي موقوفا ، و إسناده صحيح ، و رواه في " الخلافيات " من طريق آخر عن أبي
هريرة و أعله بالربيع بن بدر عند ابن عدي ، و كذا قال الدارقطني في " العلل "
أن وقفه أصح " . قلت : و يشهد لوقفه أن البيهقي رواه ( 1 / 122 - 123 ) من طريق
أخرى عن يزيد ابن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول : " ليس على المحتبي النائم ، و
لا على القائم النائم ، و لا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع ، فإذا اضطجع
توضأ " ، و قال : " و هذا موقوف " . قلت : و إسناده جيد كما قال الحافظ في "
التلخيص " . لكن الراجح أن العمل على خلافه كما تقدم في آخر الحديث الذي قبله .

(2/453)

955 - " يا معاذ إذا كان في الشتاء فغلس بالفجر ، و أطل القراءة قدر ما يطيق الناس و
لا تملهم ، و إذا كان الصيف فأسفر بالفجر ، فإن الليل قصير ، و الناس ينامون ،
فأمهلهم حتى يداركوا " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 371 ) :
موضوع . رواه البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 52 / 1 ) من طريق أبي الشيخ و
هذا في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ( ص 76 و 80 ) عن يوسف بن أسباط :
المنهال بن الجراح عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل
قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال : فذكره . قلت : و
هذا سند ضعيف جدا بل موضوع ، آفته المنهال بن الجراح ، و هو الجراح بن المنهال
، انقلب على يوسف بن أسباط ، و كذلك قلبه محمد بن إسحاق كما ذكر الحافظ في "
اللسان " و هو متفق على تضعيفه ، و قال البخاري و مسلم : " منكر الحديث " . و
قال النسائي و الدارقطني : " متروك " ، و قال ابن حبان ( 1 / 213 ) : " كان
يكذب في الحديث و يشرب الخمر " . و ذكره البرقي في " باب من اتهم بالكذب " . و
مما يؤكد كذبه في هذا الحديث أنه خلاف ما جرى عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم من التغليس بصلاة الفجر دون تفريق بين الشتاء و الصيف ، كما تدل على ذلك
الأحاديث الصحيحة فأكتفي بذكر واحد منها ، و هو حديث أبي مسعود البدري " أن
النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم
كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات ، و لم يعد إلى أن يسفر " . رواه أبو داود
بسند حسن كما قال النووي و ابن حبان في " صحيحه " ( 273 ) و صححه الحاكم و
الخطابي و الذهبي و غيرهم كما بينته في " صحيح أبي داود " ( رقم 417 ) . و
العمل بهذا الحديث هو الذي عليه جماهير العلماء ، من الصحابة و التابعين و
الأئمة المجتهدين ، و منهم الإمام أحمد أن التعجيل بصلاة الفجر أفضل ، لكن ذكر
ابن قدامة في " المقنع " ( 1 / 105 ) رواية أخرى عن الإمام أحمد : " إن أسفر
المأمومون فالأفضل الإسفار " ، و احتج له في الشرح بحديث معاذ هذا ، و عزاه
لأبي سعيد الأموي في مغازيه !

(2/454)

956 - " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره ، فلا ينظرن إلى شيء من عورته ، فإن أسفل من
سرته إلى ركبتيه من عورته " .

قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 372 ) :
ضعيف مضطرب . يرويه سوار بن داود أبو حمزة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
، فرواه هكذا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي و عبد الله بن بكر السهمي - المعنى
واحد - قالا : حدثنا سوار به . أخرجه الإمام أحمد ( رقم 6756 ) عنهما معا هكذا
، و أخرجه الدارقطني ( 85 ) و عنه البيهقي ( 2 / 228 - 229 ) و الخطيب في "
تاريخ بغداد " ( 2 / 278 ) و كذا العقيلي في " الضعفاء ( 173 - 174 ) عن السهمي
وحده . و تابعهما وكيع عن سوار لكنه قلب اسمه فقال : " داود بن سوار " بلفظ : "
إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجيره ، فلا ينظر إلى ما دون السرة و فوق الركبة "
. أخرجه أبو داود ( 1 / 185 - 186 - عون ) و قال : وهم وكيع في اسمه ، و روى عن
أبو داود الطيالسي هذا الحديث فقال : حدثنا أبو حمزة سوار الصيرفي " . و خالفهم
النضر بن شميل فقال : أنبأنا أبو حمزة الصيرفي و هو سوار بن داود به بلفظ : "
إذا زوج أحدكم عبده : أمته أو أجيره ، فلا تنظر الأمة إلى شيء من عورته ، فإن
ما تحت السرة إلى الركبة من العورة " . أخرجه الدارقطني و عنه البيهقي . فهذه
الرواية على خلاف الروايات السابقة فإنها صريحة في أن المنهي عنه النظر إنما هي
الأمة ، و أن ضمير " عورته " راجع إلى " أحدكم " و المقصود به السيد ، و هذه
الرواية أرجح عندي لسببين : الأول : أنها أوضح في المعنى من الأولى لأنها لا
تحتمل إلا معنى واحدا ، بخلاف الأولى ، فإنها تحتمل معنيين : أحدهما يتفق مع
معنى هذه ، و الآخر يختلف عنه تمام الاختلاف ، و هو الظاهر من المعنيين ، و هو
أن المنهي عن النظر إنما هو السيد ، و أن ضمير " عورته " راجع إلى العبد أو
الأجير أي الأمة ، و لهذا استدل بعض العلماء بهذه الرواية على أن عورة الأمة
كعورة الرجل ما بين السرة و الركبة ، قال : " و يريد به ( يعني بقوله : عبده أو
أجيره ) الأمة ، فإن العبد و الأجير لا يختلف حاله بالتزويج و عدمه " <1> لكن
المعنى الأول أرجح بدليل هذه الرواية التي لا تقبل غيره و يؤيده السبب الآتي و
هو : الآخر : أن الليث بن أبي سليم قد تابع سوارا في روايته عن عمرو به ، و
لفظه : " إذا زوج أحدكم أمته أو عبده أو أجيره ، فلا تنظر إلى عورته ، و العورة
ما بين السرة و الركبة " . أخرجه البيهقي ( 2 / 229 ) عن الخليل بن مرة عن
الليث . و هذا السند إلى عمرو ، و إن كان ضعيفا ، فإنه لا بأس به في الشواهد و
المتابعات ، و هذا صريح في المعنى الأول لا يحتمل غيره أيضا ، لكن روي الحديث
بلفظ آخر ، لا يحتمل إلا المعنى الآخر ، و هو من طريق الوليد : حدثنا الأوزاعي
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ : " إذا زوج أحدكم عبده أو أمته
( أو أجيره ) فلا ينظرن إلى عورتها " . كذا قال " عورتها " . أخرجه البيهقي ( 2
/ 226 ) ، و الوليد هو ابن مسلم و هو يدلس تدليس التسوية ، و قد عنعن بين
الأوزاعي و عمرو ، ثم هو لو صح ، فليس فيه تعيين العورة من الأمة ، و لذلك قال
البيهقي بعد أن أتبع هذه الرواية برواية وكيع المتقدمة : " و هذه الرواية إذا
قرنت برواية الأوزاعي دلنا على أن المراد بالحديث نهي السيد عن النظر إلى
عورتها إذا زوجها ، و أن عورة الأمة ما بين السرة و الركبة ، و سائر طرق هذا
الحديث يدل ، و بعضها ينص على ( أن ) المراد به نهي الأمة عن النظر إلى عورة
السيد ، بعد ما زوجت ، أو نهي الخادم من العبد و الأجير عن النظر إلى عورة
السيد بعدما بلغا النكاح ، فيكون الخبر واردا في بيان مقدار العورة من الرجل ،
لا في بيان مقدارها من الأمة " . و جملة القول أن الحديث اضطرب فيه سوار ، فلا
يطمئن القلب إلى ترجيح رواية من روايتيه و إن كنا نميل إلى الرواية التي وافقه
عليها الليث بن أبي سليم و إن كان ضعيف ، فإن اتفاق ضعيفين على لفظ من لفظين
، أولى بالترجيح من اللفظ الآخر الذي تفرد به أحدهما ، هذا لو اتفق الرواة عنه
فيه ، فكيف و قد اختلفوا ، و البيهقي ، و إن مال إلى أن الحديث ورد في عورة
الرجل لا الأمة ، فقد جزم بضعفه للاختلاف الذي ذكرنا ، فقال : " فأما حديث عمرو
بن شعيب فقد اختلف في متنه ، فلا ينبغي أن يعتمد عليه في عورة الأمة و إن كان
يصلح الاستدلال به و سائر ما يأتي عليه معه في عورة الرجل ، و بالله التوفيق "
. و إذا عرفت ذلك ، فمن الغرائب أن تتبنى بعض المذاهب هذا الحديث فتقول : بأن
الأمة عورتها عورة الرجل ! و يرتب على ذلك جواز النظر إليها بل هذا ما صرح به
بعضهم ، فقالوا : فيجوز للأجنبي النظر إلى شعر الأمة و ذراعها و ساقها و صدرها
و ثديها " ! ذكره الجصاص في " أحكام القرآن " ( 3 / 390 ) ، و لا يخفى ما في
ذلك من فتح باب الفساد ، مع مخالفة عمومات النصوص التي توجب على النساء إطلاقا
التستر ، و على الرجال غض البصر انظر كتابنا " حجاب المرأة المسلمة " ( 22 - 25
) .
-----------------------------------------------------------
[1] انظر الحاشية على " المقنع " ( 1 / 110 ) . اهـ .

hg[.x hgehlk uav lk hgsgsgi hgqudtm gghlhl hghgfhkd










عرض البوم صور ابو عبدالله عبدالرحيم   رد مع اقتباس
قديم 03 / 04 / 2016, 32 : 03 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو عبدالله عبدالرحيم المنتدى : ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه
[motr]جزاك الله خيرا[/motr]









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
قديم 03 / 04 / 2016, 24 : 04 AM   المشاركة رقم: 3
المعلومات
الكاتب:
ابو عبدالله عبدالرحيم
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي


البيانات
التسجيل: 07 / 05 / 2015
العضوية: 54171
العمر: 39
المشاركات: 1,090 [+]
بمعدل : 0.33 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 12
ابو عبدالله عبدالرحيم is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو عبدالله عبدالرحيم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو عبدالله عبدالرحيم المنتدى : ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه
شكرا لمروركم المبارك
اخي ****** الحاج عبد الجواد
اعزكم الله وبارك فيكم واثابكم الجنة









عرض البوم صور ابو عبدالله عبدالرحيم   رد مع اقتباس
قديم 03 / 04 / 2016, 38 : 09 AM   المشاركة رقم: 4
المعلومات
الكاتب:
ابو توفيق
اللقب:
نائب المشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية ابو توفيق


البيانات
التسجيل: 30 / 03 / 2016
العضوية: 54282
المشاركات: 2,489 [+]
بمعدل : 0.84 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 347
نقاط التقييم: 12
ابو توفيق is on a distinguished road
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 54282
عدد المشاركات : 2,489
بمعدل : 0.84 يوميا
عدد المواضيع : 178
عدد الردود : 2311
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو توفيق غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو عبدالله عبدالرحيم المنتدى : ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه
بارك الله تعالى فيكم اخي ****** ابو عبدالله
.وثقل ميزانكم بماتقدموه من
مجهود في الدعوة لدين الله تعالى
تقبل مني مرورا متواضعا
وأسأل الله تعالى أن يجازيكم خير الجزاء









عرض البوم صور ابو توفيق   رد مع اقتباس
قديم 04 / 04 / 2016, 32 : 02 AM   المشاركة رقم: 5
المعلومات
الكاتب:
ابو عبدالله عبدالرحيم
اللقب:
عضو ملتقى ذهبي


البيانات
التسجيل: 07 / 05 / 2015
العضوية: 54171
العمر: 39
المشاركات: 1,090 [+]
بمعدل : 0.33 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 0
نقاط التقييم: 12
ابو عبدالله عبدالرحيم is on a distinguished road

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
ابو عبدالله عبدالرحيم غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : ابو عبدالله عبدالرحيم المنتدى : ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه
شكرا لمروركم المبارك
جزاكم الله خيرا ونفع الله بكم
اخي ****** الحاج ابوتوفيق
رفع الله قدركم
في الدارين









عرض البوم صور ابو عبدالله عبدالرحيم   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للامام, من, الالباني, الثامن, الجزء, السلسله, الضعيفة, عشر

جديد ملتقى الأحاديث النبويه الشريفه وعلومه


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018