سنلتقي .. يوماً ما!
الكاتب/ د. سعد بن عبد القادر القويعي
سأرسم من الوفاء حروفا يجسده حجم رثاء , كتبتها بعباراتي قبل كلماتي , اشتياقا لك وتحية يرشح بها قلم محب . بعد أن رحلت على إثرها الأيام , وأتى الموعد على غير انتظار , وانقشعت غيوم الخبر , فعدت لحال الصحو أكثر صمودا .
لقد كنت يا ابن جبرين تمثل تواضع العقلاء , وطيبة البسطاء , وسماحة النبلاء . وكنت بحق مثيرا للجدل في عطائك , وعاصفا في بيان مرادك . لم يزدك علمك إلا تواضعا وإعجابا وعذوبات متراكمة . فلطالما أسديت المعروف والمبرات , فأكسبتك المحامد وطيب الشمائل .
أتذكر جيدا ذاك المساء حين دخلنا جناحه نتجمع لزيارته , فكانت حكاية حب تجمعنا به . وفي ذاكرتي وأنا أكتب مثل هذه الخاطرة , أن أخذ بيدي وكأنه يعرفني منذ سنين . فمر الحب كأنظف ما يراهن عليه الإنسان , وهبت ريح حياته مودعة برحيل جسده أجمل ما فيها من خير بعد أن دب المرض في جسده , لكنه لم يكن قادرا على النيل من معنوياته , وتسللت روحه دون استئذان , فطافت الذكرى بنا نسبل الدمع وتحرق القلب .
ومثلما نذكر ظباء الفلاه , وأناشيد الهوى , ومسالك الروح , وشعاب الوجدان , سنذكر رحلتك يا سماحة الشيخ راضية مرضية في بطون التاريخ , فلا يبقى من الدنيا إلا طيب الذكر , والناس شهود الله على ظهرها
تلك هي حتمية الموت لمن أراد أن يتدبر ويتعظ , وسنجتمع للعزاء الذي لن يطول , فكلنا راحلون . ولن نبكي رحيل جسدك , بل سنبكي رحيل إرث خلفته علما وتواضعا وخلقا , وسنمسح دموع الذكريات بمناديل الشموخ . وستنطلق إلى السماء دعوات لا حصر لها , بأن يسبغ الله عليك رحمته وغفرانه , فإنا لله وإنا إليه راجعون .