أنت غير مسجل في ملتقى أهل العلم . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
Google
 
تابعونا عبر تويتر تابعونا عبر فيس بوك

الإهداءات



الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح ملتقى للمواضيع الاسلامية العامة التي لا تنتمي الى أي قسم اسلامي آخر .. وقصص الصالحين من الاولين والاخرين .

« آخـــر الــمــواضــيــع »
         :: صلاة التراويح من مسجد شيخ الإسلام | ليبيا 16 رمضان 1445 هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة التراويح من مسجد شيخ الإسلام | ليبيا (آخر رد :شريف حمدان)       :: القارئ الشيخ رعد الكردي | صلاة التراويح ليلة 9 رمضان 1445 | مسجد الغانم والخرافي (آخر رد :شريف حمدان)       :: القارئ الشيخ رعد الكردي | صلاة التراويح ليلة 8 رمضان 1445 | مسجد الغانم والخرافي (آخر رد :شريف حمدان)       :: تلاوة من صلاة التراويح للدكتور المقرئ عبد الرحيم النابلسي بمسجد الكتبية الليلة 10 رمضان 1445هـ (آخر رد :شريف حمدان)       :: تلاوة ماتعة من صلاة التراويح للقارئ أحمد الخالدي (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء والتراويح من مسجد الأندلس بالرباط للقارئ أحمد الخالدي سورة مريم (آخر رد :شريف حمدان)       :: الشفع والوتر ليلة 18 رمضان 1445 هجرية - للشيخ أحمد زين العابدين - بمسجد الرحمن البحري بنزالي جانوب (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة التراويح ليلة 18 رمضان 1445 هجرية - للشيخ أحمد زين العابدين - بمسجد الرحمن البحري بنزالي جانوب (آخر رد :شريف حمدان)       :: صلاة العشاء ليلة 18 رمضان 1445 هجرية - للشيخ أحمد زين العابدين - بمسجد الرحمن البحري بنزالي جانوب (آخر رد :شريف حمدان)      

إضافة رد
كاتب الموضوع طويلب علم مبتدئ مشاركات 1 المشاهدات 645  مشاهدة صفحة طباعة الموضوع | أرسل هذا الموضوع إلى صديق | الاشتراك انشر الموضوع
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 06 / 01 / 2018, 44 : 08 PM   المشاركة رقم: 1
المعلومات
الكاتب:
طويلب علم مبتدئ
اللقب:
عضو ملتقى ماسي

التوقيت

الإتصالات
الحالة:
طويلب علم مبتدئ غير متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
نور البيان في مقاصد سور القرآن
"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".


(8) سورة الأنفال
الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته على هذا النبي الكريم، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وصلي علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.



أما بعد:

أيها الإخوة الأحباب، فتقبل الله تعالى منّا ومنكم صالح الأعمال، وجعل عيدنا وعبادتنا وحركتنا في الحياة في ميزان حسناتنا جميعًا، وثبتنا الله على دينه حتى نلقاه به وهو راضٍ عنّا غير غضبان، كما نسأله سبحانه أن يكون قد أعطانا بركة يوم عرفة فكفّر عنا ذنوب سنةٍ ماضية وذنوب سنة مستقبلة[1]، اللهم آمين.



أما حديثنا فمعروف وموصول حول مقاصد سور القرآن الكريم، نتعرف على كل سورةٍ على حدة، نتعرف عليها بشكل إجمالي فنعرف اسمها، وحكمته، ومدلوله، ونعرف إن كانت مدنية أو مكية، وإن كان لها فضلٌ خاص، وموضوعاتها التي جمعها الله فيها، وهدفها الذي تهدف إليه من وراء هذه الموضوعات المتعددة، وتناسبها في هذا المقام بين سور القرآن، وإن كانت نازلةً في مكة قديماً أو في المدينة حديثاً فقد جعلها الله في هذا المقام بين السور في وضعٍ متناسق وتناسق جميل بما يدعو إلى معرفة الحكمة في ذلك، وهذا كله يتبين بفضل الله تبارك وتعالى.



وسورتنا اليوم التي نلتقي معها وفي ظلالها إنما هي سورة الأنفال، وهكذا سماها الله تعالى بهذا الاسم، عُرفت به في عهد نزول القرآن وتناقلتها الأمة جيل بعد جيل بهذا الاسم دون غيره حتى وصلت إلينا في المصاحف العثمانية بهذا الاسم أيضاً، وتبقى به إلى أن تقوم الساعة إن شاء الله، فالله هو الذي سمى سور القرآن بأسمائها[2]، وكلمة الأنفال جمع الواحد منها نَفَلٌ على وزن نفع، نفل باللام في آخرها، وهو الشيء الزائد عن الحد الواجب، ولذلك كانت صلاتنا بعد الفريضة الواجبة نافلة، وكانت ولد الولد – الحفيد – كان نافلة، كما قال الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾، إسحاق ولد إبراهيم المباشر، ومن وراء إسحاق كان يعقوب فهو ولد ولد إبراهيم، ولذلك وصف الله يعقوب في نسبه إلى إبراهيم بأنه نافلة، أي زيادة عن الولد الأصلي، نسلٌ من نسل، فالنافلة هي الشيء الزائد[3]، هذا في لغة العرب التي أُنزل بها القرآن، ولكن أيّة زيادة في هذه السورة؟ أي زيادة فيها حتى تسمى بـ الأنفال؟ المقصود بالزيادة في السورة حيث قال الله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ الأنفال هنا هي الغنائم، التي يجمعها جيشٌ من خصمه في حرب، تحارب جيشان فغلب أحدهما الآخر وظفر ببعض آثاره من أموال ومراكب وآلات حربٍ ونحو ذلك، فيأخذه ذلك الجيش ويسمى هذا غنيمة[4]، وفرّق العلماء بين ما يأخذه المسلمون من عدوهم الكافر بعد حرب فهو غنيمة، أو يأخذونه بغير حرب[5]، كما أخذوا سَلَب يهود بني النضير الذين تآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم ونقضوا عهده السلمي وحاولوا قتله خلسةً ففضحهم الله تعالى وكشفهم، فحاصرهم النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن استسلموا وانطلقوا من الأرض كما أجلاهم الله، فأخذ المسلمون من ورائهم خيراً كثيراً بدون حرب ولا اشتباك ولا شيء، فسمي هذا فيئاً، أي شيءٌ فاء ورجع إلى المسلمين بغير جهد ﴿ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ﴾[6]، فسميت هذه الغنيمة في هذه السورة وهي غنيمة المسلمين في غزوة بدر، وغزوة بدر الكبرى هي أول لقاءٍ كبير وأول غزوة بين المسلمين وبين الكافرين، فجاءتهم هذه الغنيمة من هذه الغزوة فسماها الله نَفَلاً وأنفالاً لأنها كانت كثيرة، لماذا؟ لأن المسلمين بالمنطق العسكري ما كانوا ليأخذوا شيئاً، لا نصراً ولا غنيمة، ثلاثمائة رجلٍ مسلمٍ معهم فرسان مقابل ما بين التسعمائة والألف من الكافرين بمراكبهم وأسلحتهم وعتادهم، باستعداد كامل للحرب، والمسلمون ما خرجوا من المدينة رغم قلتهم لحربٍ وإنما خرجوا لأخذ قافلة قريش تعويضاً عما أخذوا منهم في مكة ساعة الهجرة، شيءٌ بشيء وواحدة بواحدة، فهو مكسبٌ سلمي مريح سهلٌ بسيط، ينقلب وهم في الطريق إلى غزوة ولقاء مع الكافرين وحرب، ولأول مرة بمواجهةٍ غير متكافئة فنصرهم الله على خلاف المعتاد، وعلى خلاف القوانين المادية في مثل هذه اللقاءات، فكان النصر كرامةً من الله تعالى، ولولا كرم الله في هذه الغزوة ما كان النصر، ولذلك يقول الله تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾ صلى الله عليه وسلم، أي حين رميت سهمك وضربتك ما كانت لتقتل أحداً لولا أن الله وجهها وصوبها وأصاب بها ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾[7]، إذاً أنتم يا مسلمون ما فعلتم شيئاً تستحقون عليه غنيمة، ما قاتلتم، إنما قاتلت ملائكتي ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾، يرسل الله ألفاً من الملائكة مردفين متتابعين وراء بعضهم يقاتلون مع المسلمين، ألفاً من الملائكة مقابل ألف من الكفرة من البشر، جندٌ مهزومٌ لا محالة، والملائكة منصورون لأنهم أقوى ماديّاً وروحانيّاً، لأنهم جندٌ من جند الله، ثم ألقى الله في قلوب الكافرين الرعب، إذاً كان المسلمين في غزوة بدر مجرد صورة ظاهرةٍ، شبح يحاول الكفار أن يواجهوه وأن يقاتلوه، لكن الجندي المجهول الذي يقاتل حقيقةً ضد الكافرين هم جند الله عز وجل، فقال ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا ﴾، إذاً علامَ تطلبون الغنائم؟ إنها أنفال زائدة، كفاكم أنكم انتصرتم رغم قلة عددكم وقلة عتادكم، فأنتم تطلبون زائداً، شيئاً زائداً فوق الحقّ الذي أخذتموه دون انتظار، دون طلب، رزقكم الله بالنصر والعزّة والكرامة في غزوة بدر، في أوّل لقاء مع الكافرين صارت لكم رايةٌ بين الرايات بل أعلى الرايات، صار لكم اسمٌ عظيمٌ في أرض العرب، صارت لكم قوة تُرهَب، يخشاكم عدوكم وينهزم أمامكم بالرعب يلقى في قلبه، ثلاثمائة مقابل ألف، هذا شيءٌ مخيف مرعب، يكفي أنكم فزتم بكل هذا، أما الغنائم فهي أنفالٌ زائدة فلا تطلبوها، اتركوها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم يقسمها الله كيفما شاء، فالأنفال في السورة هي الغنائم، ولكن سميت أنفالاً لأنها كانت زائدة عن الأصل في الجهاد في سبيل الله وأنه لإعلاء كلمة الله، فلا تقاتل يا مسلم طلباً لغنيمة ولا نظراً لسَلَب كافر تسلبه منه بعد قتله، ولا لجارية أو عبد تفوز به من قطاع الرقيق في الأسرى، ولكن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، هذا هو الهدف الأساس، قاتل لتزيح العقبات والمعوقات من طريق الدعوة، وبعد ذلك يعطيك الله ما شاء ويمنع عنك ما شاء، فليس لك حقٌّ وراء ذلك، كانت الغنائم قبلنا محرمةً على الأمم، فأُحلت لرسولنا صلى الله عليه وسلم ولنا من بعده، أول مرة تحل الغنائم لهذه الأمة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام فيما خصه الله به من بين الأنبياء والمرسلين: ((وأُحلَّت لي الغنائم))[8]، لم تكن حلالاً قبل ذلك إنما أُحلَّت لنا، هذا شيءٌ زائد عما أخذته الأمم السابقة، والمؤمنون السابقون قبلكم، فلا تبحثوا عن هذه الزوائد.



الأنفال، هذا هو اسم السورة، أما سورتنا فهي سورة مدنية، طالما في السورة قتال وغزوة وجهاد، وفيها كلام عن المنافقين، ونصرٌ وغنيمة وما إلى ذلك، هذا كله لم يكن إلا في المدينة بعد الهجرة، أما طول العمر المكي في الدين وبقاء الدين في مكة قبل الهجرة ثلاثة عشر عاماً، فطالما أوصى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على الكافرين، وبالحلم عن المشركين، وبالعفو عن الظالمين، والإعراض عن المشركين، هذا طول هذا العمر الطويل حتى صار الصحابة عدداً كبيراً قبل الهجرة بفترة زمنية قصيرة وصاروا قوة، فقالوا: يا رسول الله نؤذى فعلام نسكت؟ صرنا أقوياء، صرنا كثيراً.. صرنا.. صرنا، ما عدنا كبدء الأمر في أوله، فأذن لنا في القتال، قال: لم أؤمر بهذا، اصبروا اصبروا اصبروا[9]، حتى هاجروا، وما كانوا ليقاتلوا لولا أن قريشاً خرجت لنجدة قافلتها، حيث علموا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سيأخذها والمسلمون، فخرجوا لنصرتها، وهم في الطريق أو في معسكرهم علموا أن القافلة قد نجت، وأن أبا سفيان أخذها من طريق آخر ونجا بها، فقالوا نرجع إذاً، رجع من رجع، فريقٌ كبيرٌ رجع، وبقي أبو جهل لعنة الله عليه معانداً مكابراً بمن معه من هؤلاء النفر الكثيرين - قرابة الألف - أصروا على مواجهة النبي عليه الصلاة والسلام ومقاتلة الإسلام والمسلمين[10]، فلما أصروا على الحرب واجههم الله تعالى وبأقل عدد وبغير عتاد وأسلحة، ولكن بجنده هو وسلاحه هو سبحانه وتعالى فقتلهم شر قِتلة وأعطاهم والكافرين من بعدهم درساً عظيماً؛ أن هذا الدين لا ترعاه أيدي البشر مهما تخاذلوا عنه فإن الله ناصره ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ليس مجرد حفظٍ للقرآن في المصاحف والأوراق وإنما هو حفظٌ للدين الذي سُطِّر في هذا الكتاب، والذي تضمنته هذه الآيات، الله سينصره في كل يوم وفي كل ليلة في كل مكان، ولكن يريد الله أن يتخذ منكم شهداء فيدعوكم إلى الجهاد وإلى نصرة الدين ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾، ﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا ﴾، يُقحم المؤمنين في هذه المعركة الهلامية أو الصورية حتى ينالوا شهادةً في سبيله حين يقتلون على أيدي الكافرين، أو يرجعوا بنصرٍ عظيم، وعزةٍ عالية، وسَلَبٍ وغنيمة كثيرة تغنيهم في الدنيا وتشفي صدور قومٍ مؤمنين ﴿ قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ ﴾ إما النصر وإما الشهادة، أراد الله أن يرزق المؤمنين من هذه الأمور والحوادث القدرية التي يديرها بقدره وقدرته سبحانه وتعالى ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾، فيعذب الكافرين على أيدي المؤمنين، ويستشهد المؤمنين على أيدي الكافرين، هذا يدخل الجنة شهيداً، وذاك يدخل النار آثماً عنيداً طريداً من رحمة الله تبارك وتعالى، فالسورة مدنية حيث ذُكر فيها القتال والجهاد والغنائم وما إلى ذلك[11]، وذُكرت فيها الهجرة، وهذا يدلنا على مدى سماحة الإسلام، صبر ثلاثة عشر سنة في مكة على الكافرين لم يأذن الله بحربهم، وهو القادر على هزيمتهم ونُصرة المؤمنين عليهم كما فعلها يوم بدر، وفي المدينة لم يبدأ الله بقتالهم ولم يدعو إلى قتالهم حتى خرجوا هم وأصروا على القتال بغير سبب، سبب الحرب واللقاء تلاشى[12]، لماذا تقاتلون؟ كفوا أيديكم وعيشوا في سلام، لا، لابد أن نقاتل، لا بد أن نحارب المسلمين، إذاً قابلوا مصيركم والقوا حتفكم على يدي قدرة الله تبارك وتعالى، ولولا أنهم أصروا على ذلك ربما أخَّر الله شريعة القتال، فقال ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾، أُذن لهم، إذاً كانوا يستأذنون منذ فترة، كما قلنا قبل الهجرة يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في القتال ولكن يؤجلهم الله ويصبِّرهم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أُذن لهم بعد الهجرة.



سورة الأنفال سورةٌ عظيمة ككل سور القرآن، معجزة في ذاتها، تحدى الله بها وبغيرها وأمثالها الكافرين والخلق أجمعين، وقال: ﴿ قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾، كما قال ﴿ وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، عجزوا على أن يأتوا بسورة ولو كانت مثل سورة الأنفال، ولكن ليس لها فضلٌ يخصها من بين السور كما لسورة البقرة وآل عمران كما عرفنا، تلكما الزهراوان، وكسورة الكهف تقرأ كل جمعة، وكسورة قل هو الله أحد، والزلزلة، والمعوذتين، وهكذا، بعض السور لها خصوصيات، هذه السورة ليست لها خصوصية، وهذا لا ينقص من قدرها شيئاً، سورة الأنفال جُلّ حديثها إنما هو عن أمرٍ عظيم وهو غزوة بدر، ببيان سببها، وبداية الأمر بها، واللقاء أثناءها، وتقرير بنتائجها العظيمة، ومن الجندي الخفي وراء هذا النصر العظيم غير المتوقع.. وهكذا، والدروس العظيمة المستفادة من غزوة بدر فيما سجله القرآن الكريم من أحداث لتنتفع الأمة على طول عمرها إلى يوم القيامة بهذه الدروس، حين تقرأ سورة الأنفال، سورة عسكرية تعالج الشئون العسكرية في الأمم أو في الأمة بأجيالها إلى أن تقوم الساعة، لو أن المسلمين في عسكريتهم أخذوا بهذه المبادئ الشرعية وأخذوا بهذا المنهج القتالي العظيم لكان منهجاً رائعاً يحقق لهم عزةً ونصراً، ويحقق للمجتمع البشري سلاماً وأمناً، فالإسلام لا يقصد القتل إلا لمن أراد القتل، أصرّ أبو جهل على قتل النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، وهذه آخرها في حياة أبي جهل لعنه الله فقتله الله، هو الذي تآمر عليه منذ قليلٍ في الهجرة ليقتله في داره وفي عقر بيته، لولا أن الله تبارك وتعالى حفظه وأخرجه وأغشى على عيون الكافرين ومنهم أبو جهل، فخرج النبي عليه الصلاة والسلام سالماً آمناً إلى الأرض الطيبة، إلى أرض طيبة المدينة المنورة[13]، أما من يسالم وإن كفر فهذا له السلم، من يعاهد ويحفظ عهده فله عهده إلى مدته.. وهكذا، الإسلام عظيم، قويٌّ متسامحٌ، يتسامح في غير عفو ويقوى بغير ظلم، ولذلك تجد من الدروس العظيمة في هذه السورة والتي لا نستطيع أن نحصيها كلها في هذه العجالة، ولكن على سبيل المثال: التأكيد على إصلاح ذات البين فيما بين المسلمين بعضهم وبعض، الحفاظ على الأخوة الإيمانية والترابط الاجتماعي في المجتمع المسلم، هذا عاملٌ قويٌ من عوامل النصر والتمكين ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا ﴾، ولذلك يقول الله تعالى في أول السورة ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾، وفي آخر السورة يذكّر الله تعالى المهاجرين والأنصار في إخاءٍ عظيم أقامه النبي صلى الله عليه وسلم بينهما بوحي الله وبترتيب الله وتقديره ليؤكد هذه العلاقة فجعل الله الإخاء الإيماني يسبق كلّ علاقةٍ بشريّة، فكان به يتوارث المهاجر والأنصاري، من مات منهما أولاً ورثه أخوه، وأخوه من صلب أبيه ورحم أمه ولكن كافر لا قيمة لهذه الرحم، ولا قيمة لهذه العلاقة[14]، إلى اليوم الكافر لا يرث المسلم أبداً، من شروط استحقاق الميراث اتفاق الدين واتحاده، فلا يرث الكافر مسلماً وإن كان أباه أو ولده[15]، وفي ميراث المسلم من الكافر خلافٌ بين الفقهاء والراجح أخذ الميراث[16]، فالمسلم يستفيد من الكافر أما الكافر فيحرم من الاستفادة، أسلوب ضغطٍ عليه حتى يعرف الصواب ويلتزمه، ربما يغريه المال فلكي يأخذ ميراث أبيه أو ولده أو أخيه يُسلم، وليسلم أولاً هكذا، حين يذوق طعم الإيمان وطعم الإسلام وحلاوته يؤمن لله ويخلص لله عز وجل، فالله يستدرجه إلى الإيمان به، بمثل هذه الضغوط، فكانت الأخوة الإيمانية سبباً من أسباب التوارث وسبباً من أسباب النصر والتمكين، درسٌ عظيم يعلمه الله تعالى لهذه الأمة في هذه السورة وهو أنه ينبغي على المسلم أن يتوكل على الله توكلاً حقيقيّاً يجعله يسلّم مراده إلى مراد الله، ما تريده أنت سلّمه لله وليفعل الله ما يشاء، قلها بلسانٍ وقلب واطمئنان: يفعل الله ما يشاء ويختار، وكل شيء عنده بمقدار، بعد أن تأخذ بالأسباب المشروعة في حياتك، فلا توكل بغير أسباب، نأخذ بالأسباب ونترك مرادنا إلى مراد الله، حينما يكلفك الشرع بأمرٍ تكرهه نفسك فقل مرحباً بشريعة الله، واستجب لله وإن كرهت النفس في البداية لأنها لا ترى ما هنالك إنما ترى بين أيديها، وترى تحت قدميها، لا ترى ما هناك، إنما الله يرى كل شيء، يقول الله تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾، قعد كثيرٌ من المسلمين في المدينة ولم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم حين انتدبهم ودعاهم إلى الخروج لأخذ قافلة قريش تعويضاً لهم عما فوَّتهم الكافرون من أموالهم وديارهم وبلدهم في مكة، فنأخذ هذا تعويضاً عن هذا، فلم يقم معه إلا ثلاثمائة رجل وهم آلاف، فكره البعض الخروج وحين أُمروا بالجهاد كرهت النفس البشرية هذا أيضاً[17]، فالنفس البشرية وإن كانت نفس صحابي جليل إلا أنها نفسٌ حريصةٌ على الأجل، حريصة على المال، حريصة على الحياة، هذه فطرة وغريزة في كل حي ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾، نرى أسباب الموت ومواقع الموت فنبعد عنها، يقول الله تعالى ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ﴾ الطائفة الأولى قافلة قريش، الله قادرٌ على أن يسلمها للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع أبو سفيان التصرف فيها، الطائفة الثانية هي النفير والحرب والقتال حتى يظفروا بالنصر العظيم والسمعة الطيبة بين العباد وفي البلاد، فتكون لهم العزة، تأخذون مالاً عاجلاً أو عزة دائمة، وتودون كبشر رضي الله عنهم وأرضاهم ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾ غير ذات الشوكة أي المكسب الذي ليس فيه حربٌ ولا سلاح ولا ضربٌ ولا مشاجرةٌ ولا شيء، مكسبٌ سهل مريح، القافلة يا رب، نفوسهم تقول هذا، علمه الله منهم، ولكن الله ينظر إلى هناك ويرى كل شيء، يرى مستقبل هذا الدين ويرى الأفضل لعباده، ويحقق لهم الأحسن والأصلح دائماً، رعايةً لهم وفضلاً منه ونعمة، ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾، فلما انتصروا وأخذوا الغنائم عظمت فرحتهم وسعدوا بالعزة والكرامة والنصر، فكان مراد الله لهم أحسن من مرادهم لأنفسهم، وهذا موضوعٌ كبيرٌ واسع لمن أراد أن يستقصيه، التسليم لله في مراده خيرٌ جدًّا، خيرٌ بكل المقاييس من أن يتمسك أحدنا بمراد نفسه، فمراد الله لي أعظم من مرادي لنفسي، والخيرة – كما يقول أهل الخير – والخيرة فيما اختاره الله، فأين المسلم الذي يسلم لله عز وجل؟ هذا موضوعٌ عظيمٌ ودرس عظيم في غزوة بدر وفي هذه السورة، ولذلك أنبه هنا إلى لفتة مهمة لفتت نظري وهي أن هذا الكلام وهذا الدرس يوجه إلى الصحابة، كم كان حبهم للنبي عليه الصلاة والسلام، وطاعتهم واتباعهم وتفانيهم في افتدائه بأنفسهم وأموالهم وأهليهم وهكذا، فما بالنا نحن؟ إذا كانوا هم قد احتاجوا هذا الدرس فنحن إليه أحوج، ونحن إليه أفقر، أن تسلم، وأسلم، أن نسلم جميعاً مرادنا إلى مراد الله، فإذا حصل مراد الله نرضى به؛ لأنه أحسن من مرادنا، في هذه السورة درسٌ من الدروس المهمة وهو أن العقيدة ليست مجرد تصوّرٍ عقلي، يعني فكرة عن الإله الحق، هذه موجودة، ركن في العقيدة، فكرة عن إرسال الرسل، فكرة عقلية، فكرة عن أن هناك يوماً آخر اسمه يوم القيامة، وفيه حساب وعقاب وثواب وما إلى ذلك وجنةً ونار، هذه كلها أفكار عقلية، أشياء معنوية في القلب، لكن أليس لها واقعٌ في الحياة؟ بلى، ينبغي أن يكون هذا التصوّر هو منطلقنا في أعمالنا، لماذا تفعل كذا؟ من إيماني بالله، لماذا تفعل كذا؟ من إيماني بالله، والنبي عليه الصلاة والسلام نبه على ذلك تنبيهاً جليلاً دقيقاً يقول: "الإيمان بضعٌ وستون أو قال بضعٌ وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"[18]، فلماذا تميط الأذى عن الطريق يا مسلم؟ لأني مؤمنٌ بالله، إيماني يقتضي منه هذا، عقيدتي تدفعني إلى أن أصلح البيئة التي أعيش فيها، إلى أن أساهم في تأمين حياة البشر بغض النظر عن الدين، في أن أعيش معهم ويعيشوا معي في سلام، عقيدتي تقول لي ذلك، لا أتصور فيها كحضارة، كوجه حضاري أو تقدمي أو ما إلى ذلك كما يقال، ولكن هذا تصرف من منطلق العقيدة، لماذا تتركون حكم الغنائم لله وللرسول؟ لأن إيماننا بالله يمنعنا أن نأخذ شيئاً لأنفسنا أو نتحكم فيه رأينا وهوانا، إنما نأخذ الشيء بقدر الله أو بتقدير الله وتشريعه، حياةٌ منتظمة، حياة لها مبادئ، لها دوافع، لها منطلقات تنطلق منها، فالعقيدة هي أساس كلّ حركة في حياة المسلم، هذا من دروس السورة التي استقتها من غزوة بدر الكبرى، فهي دروس من غزوة بدر وهي دروس من سورة الأنفال، هدف هذه السورة من هذه الجولة العظيمة في أجواء غزوة جليلة كهذه، في ظلال النصر والعزة والتمكين والغنيمة والأنفال وما إلى ذلك، هدفها أن تعلم المؤمنين هذه الدروس، كأنها تقول للصحابة أولاً ولنا ثانياً إلى يوم القيامة للأمة جميعاً: إنكم حينما تسألون حقكم عند الله تطلبون كل شيء، وتريدون أن تأخذوا الأصول الواجبة والأنفال الزائدة، أما كفاكم النصر؟ أما كفاكم أن أعزكم الله بغير أيديكم وبغير فعلكم؟ ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾، وحين تطلبون ذلك كله تنشغل بما لك فإنك تنشغل عما عليك من الواجبات، فتنسى أموراً مهمة هي ركائز في الدين وفي الحياة، تنسى أخوتك الإيمانية وحق المؤمن عليك، هذا وقع من الصحابة وهم في بداية الأمر، في بداية دور التربية في العهد المدني، حصل أنّ رجلاً أعجبه سيفٌ، رجل من الصحابة رضي الله عنهم، أعجبه سيفٌ من السيوف لكافرٍ قتله، كان كافراً ذا شأن فأراد أن يأخذ سيفه ليثبت أمام الناس أني قتلت فلاناً وهذا سيفه، فهذا منظر عزة بين الناس، فاستأذن النبي عليه الصلاة والسلام في أخذه، فقال: ضعه مكانه، يا رسول الله أنا قتلته وأنا سلبته، قال: رد السيف إلى موضعه، ثلاث مرات فالتزم الرجل ووضع السيف وألغى إرادة نفسه ورضي بحكم الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، يقول أحد الصحابة ممن حضر بدراً يقول: فينا أهل بدر نزلت هذه السورة حين اختلفنا على الغنائم من يأخذها[19]، أناس في المقدمة واجهوا الجيش الكافر وواجهوا الضربات والصدمات وما إلى ذلك، قالوا: نحن أحق، نحن الذين قتلناهم وهزمناهم أما أنتم فكنتم في المؤخرة، أهل المؤخرة يقولون لهم: نحن الذين حمينا ظهوركم ولا تدرون لعلنا لو لم نكن في مكاننا لأتاكم عدوكم من خلفكم وأغار عليكم وقتلكم فما انتصرتم وما سلبتم شيئاً، فموقعنا كان أهم من موقعكم، ليس كل الجيش جمع الغنائم من أرض المعركة إنما جمعها بعضهم، وكلهم وضعوها في مكان خاص حسب توجيهات القائد الأعلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن الذين جمعناها بأيدينا ونحن أولى بها، والشباب من الصحابة يريدون أخذها والشيوخ يريدون أخذها، وهكذا تنازعوها، ولكن مهما فعل الصحابة فهم يرجعون إلى مرجعية ثابتة، رجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه، عندهم من يحتكمون إليه ليفصل بينهم بوحي من الله عز وجل ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ ﴾، هي لمن يا رسول الله، من أحق بها فينا، فالله رد عليهم، ولم يترك النبي عليه الصلاة والسلام يرد إنما عاجلهم بالجواب، وكأنه يقول لهم ليست لكم ولا لكم ولا لكم ولا لأحد منكم إنما هي لله وللرسول، يحكم الله ويوزعها النبي صلى الله عليه وسلم كما شاء الله وكما قدّر، فقص القصة عليهم، كلفتكم أو انتدبكم نبيي للخروج إلى القافلة فكره بعضكم ذلك وقعد، أمرتكم بالجهاد ولستم مستعدين له ووعدتكم بالنصر وبشرتكم به فكرهت أنفسكم ﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ﴾، ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾ فعلام تسألون؟ وأي شيء تطلبون؟ لا حق لكم فيها حتى يقسِّمها الله وينفذ هذه القسمة رسوله صلى الله عليه وسلم، إذاً طلبهم للأنفال كان قد أنساهم للحظة أخوتهم الإيمانية، كل يريد أن يأخذها، ولا تسمح بها نفسه لأخيه المسلم، لا قيمة للأنفال وبيننا ضغائن وأحقاد وأحساد، وكلٌ يريد أن يأخذ لنفسه، فحينما تسألون حقكم تأخذون كل شيء لا تتركون شيء حتى الزوائد، وحين تكلفون تتثاقلون من الفرائض الواجبة، نسيتم طاعة الله وطاعة رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾، نسيتم حقيقة الإيمان حيث إن الإيمان الحق ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ خافت واهتزت واضطربت، ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ أين التوكل على الله؟ أين الإيمان بالرزق؟ حينما كلفكم الله بالجهاد كانت لكم إرادة أخرى إلى شيء آخر، إلى مكسب سهل مريح، هل سلَّمتم ورضيتم بمراد الله، إنكم كأنكم قاتلتم لتأخذوا الغنيمة، لذلك بعد أن فرغتم من القتال جئتم تبحثون عن الغنائم والأنفال، لكن ما أقمتم الأفراح ولا ظهرت عليكم البهجة بالنصر، بإعلاء كلمة الله، بنصرة دين الله، وهذا أكسب لكم وأربح عندكم من الأنفال مهما كثرت، فكأن السورة تعلمنا هذا الدرس العظيم، حينما تطلب من الله أو من غيره تطلب الكثير والمزيد، وحينما تكلف أنت تعطي القليل، أنا وأنت وهذا وذاك وهذا الكلام قيل للصحابة ونحن أقل منهم بكثير في الوفاء بهذه الحقوق، فنحن أحوج وألزم بهذه الدروس، فلا يظن أحدنا سوءاً بالصحابة، ويدعي في نفسه أنه مؤمن، لو كنت مكانهم لفعلت كذا، لا والله ما بلغ أحدنا معشار أحدهم من محبة الله وطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ينبغي أن تتوكلوا على الله تعالى دون النظر للأسباب على أنها فاعلة إنما هي صورة ظاهرة، تركيب ظاهر نُرَكِّبه ولكن الفعل عند الله، وحينما تأتينا النتائج نرضى بها، موجبةً أو سالبة، جاءنا الله بما طلبنا وأردنا نرضى ونشكره على ذلك، وإذا جاءتنا النتائج بغير ما نطلب على خلاف مرادنا نرضى ونصبر، هذا هو الإيمان الحق، فكأن السورة تؤكد على هذا الموضوع وعلى هذا الدرس، وفيها من الدروس الكثير والكثير بنبغي عند قراءتها أن نتفكر فيها، وأن نتمهل في قراءتها، وأن نتدبر آياتها، فإن القرآن ما نزل لعهد النبوة ولم ينزل للعرب خاصة، وإنما نزل لينذر أم القرى ومن حولها، ومن حولها على أوسع ما تكون الدنيا، وقد بلغ الإسلام ذلك يوماً من الأيام لولا ضعف المسلمين وتخاذلهم فانحسر الإسلام وضاقت رقعته، واستغل الكافرون جزءاً كبيراً من العالم، فنسأل الله عز وجل أن ينفعنا بهذه السورة وبالقرآن كله وأن يبارك لنا في القرآن العظيم حتى ننتفع به في ديننا ودنيانا، أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله العظيم ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي عن عصيانه تعالى ومخالفة أمره، فهو القائل سبحانه وتعالى ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.



أما بعد:

أيها الإخوة المسلمون عباد الله، فهذه هي سورة الأنفال بنظرة عامة شاملة، لا شك أننا لا نلقي الضوء ولا نشير بالأصبع على كل فائدة في السورة، وكل درس عظيم في السورة، وإنما هي نظرة عامة جامعة، بشكل مختصر، دعوة للتفكر، دعوة للتدبر، لنعود إلى حياتنا ونقرأ في مصاحفنا سورة الأنفال على مهَل، وننظر فيها ونعيش بقلوبنا وخيالنا تلك اللحظات الرائعة الجميلة التي عاشها الصحابة رضي الله عنهم، خاصةً في أجواء هذا الغزو الأول في الإسلام، والذي كان سببه هم الكفار، ولولا أنهم تسببوا في ذلك ما أنشأ الله قتالاً، وإن كان قد شرعه، لكن لا ينشئ الله القتال إلا لمن قاتل وحارب وعاند وصد عن سبيل الله، إن هؤلاء وأمثالهم قاتلوا في سبيل الطاغوت، في سبيل الشيطان، في سبيل هواهم، في سبيل الدنيا، حتى قاتلوا الدين الذي يحوي المبادئ العظيمة والقيم الراقية، والمنهج العظيم لرقي الأمم وعلو الناس في الأرض واستخلافها وتمكينها، لذلك بقيت لنا من هذه النظرة الشاملة للسورة تناسب السورة مع ما قبلها وما بعدها، لننظر كيف رتب الله سور القرآن، هذه نزلت في مكة وهذه نزلت في المدينة، هذه قبل الهجرة وهذه بعد الهجرة، ونزلت السورة الواحدة على مرات لم تنزل دفعةً واحدة، رغم ذلك رتب الله الآيات في كل سورة، ورتب الله السور كلها في القرآن الكريم بترتيب توقيفي من عنده، كل سورةٌ منهما نزلت في ظرف زمني بعيد عن الآخر ورغم ذلك في جوارهما تناسب والتقاء عظيم، إن سورة الأعراف - لو أنا نذكر ما فيها - ذكرت أن المسلم ينبغي أن يأخذ عرفه الذي يحكم حياته من كتاب الله، ورأينا تكرار الكتاب وذكره في سورة الأعراف، وأن الله ذكر لكل أمة ذكراً وكتاباً أنزله الله تعالى على رسول هذه الأمة، كل رسول في أمته أوتي كتاباً وأوتي ذكراً وأوتي بينة، يحوي منهج الحلال والحرام الذي اعتدى عليه الناس في جاهليتهم كما بينت سورة الأنعام، فسورة الأعراف تبين أنه ينبغي على الناس أن يحكموا حياتهم بالأعراف التي ذكرها الله في القرآن، وفي الكتاب المنزل المقدس، أحكام الشريعة ينبغي أن تكون هي عرف الناس، ولكن كما تبين في سورة الأعراف لم يلتزم الناس بذلك، وخاصة في العهد المكي ظل المسلمون قلة، ويذكرهم الله بهذا في سورة الأنفال ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾، كانوا قلة مهما كثروا، كانوا قلة بالنسبة إلى عدد الكافرين، فلم يستجب الكثيرون إلى أعراف الشريعة وإلى الأخذ بالكتاب المقدس المنزَّل من عند الله عز وجل، إنما عاشوا بأهوائهم، ولم يكتفوا بهذا الكفر فقط، كفر في نفسه وفي قلبه وأعرض عن ربه ومنهجه، لا، بل طغى على هذا الكفر فقام يحارب الإسلام، قام يشكّك المسلمين ويضيق عليهم، قام يعاند ويحارب رسول الله عليه الصلاة والسلام حتى عزموا على قتله لولا أن الله أمنّه وأخرجه من مكة مهاجراً إلى المدينة، لو ترك الله الأسباب تعمل لقتله أربعون شاباً جلداً قاسي القلب بسيف ماضٍ مسموم محموم، ضربة واحدة يتفرق دمه بين القبائل فلا يستطيع بنو هاشم أن يثأروا له أو أن يطالبوا بديته، ممن يطالبون؟ فيضيع حق النبي عليه الصلاة والسلام ويموت بغير دية، هذه عزيمتهم[20]، الله أذن للبشر أن يقبلوا دينه أو يرفضوه ﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ لكن أن يقوم الكافر في وجه المؤمن ويصده عن سبيل الله فهذا لا يرضى الله به، إن لم يكن الرد من المؤمنين فسيرد الله تعالى بقدرته كما رد على كفار بدر، كفار غزوة بدر رد الله عليهم بنفسه سبحانه وتعالى بجنده وقتلهم شر قتلة وهزمهم شر هزيمة، وهذا درس للبشرية كلها لو يعقلون، فكانت سورة الأعراف مصورةً لواقع الكافرين بعد البيان وبعد الشرح والتفصيل، ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ ﴾ شرحناه وبيناه ﴿ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً ﴾ ومع ذلك لم يؤمنوا، فماذا لهم مقابل هذا الطغيان، مقابل هذا التعدي السافر، مقابل هذا الحقد على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وقد عرفوه بالصادق الأمين طول عمره، ما جرّبنا عليك كذباً قط، نسوا في سبيل ذلك أُخُوَّته ونسبه وأنه منهم، إذاً ليس لهم إلا القتال، بل ليس لهم إلا القتل، وجنب الله نبيّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه إنما استعملهم كصورة ظاهرة فقط، أشباحاً يدورون في المعركة، أما القتل الحقيقي ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾، حتى بقي أسرى كافرون على قيد الحياة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفذ فيهم كلمته، فأراد أن يتخذ فيهم قراراً فاستشار أبا بكر واستشار عمر وزيريه الطيبين الصالحين رضي الله عنهما، فقال أبو بكر: يا رسول الله هم أهلك وعشيرتك ماذا أنت صانعٌ بهم، أهلك وعشيرتك يعني أحسن إليهم، وقال عمر: يا رسول الله إنهم قاتلوك، إنهم آذوك، أخرجوك، حاربوك، اقطع رقابهم[21]، غلظة من عمر، رحمة ورقة من أبي بكر، شخصية النبي عليه الصلاة والسلام أوفق وأشبه بشخصية أبي بكر، أو أبو بكر يشبه شخصية رسول الله عليه الصلاة والسلام في الرحمة ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ ﴾ صلى الله عليه وسلم ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾، فالرحمة عنده أغلب، فأخذ برأي أبي بكر ولم يأخذ برأي عمر، لكن هذه المعركة معركة الله مع الكافرين الطاغين في الأرض، ليزيحهم من الحياة فلا حقّ لهم فيها، وهم الذين قالوا ما ذكّر الله به في هذه السورة ﴿ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، هم الذين طلبوا العذاب، إذاً خذوا سأريكم، فعاتب الله نبيه صلى الله عليه وسلم في أن رحم هؤلاء، وقبل منهم الفداء، فليعلم كل واحدٍ منكم عشرةً من أبناء المسلمين القراءة والكتابة وينطلق بعد ذلك إلى أهله وبلده[22]، هذا هو الفداء، منتهى الرحمة، منتهى الرقة، ولكن هؤلاء بالذات ما كانوا ليرجعوا، هؤلاء الذي خرجوا لقتلك يا محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابك، هؤلاء الذين خرجوا وزال سبب خروجهم وراحت أسباب التعارك والتحارب، ورغم ذلك أصروا على الملاقاة والمواجهة ما كان لهم أن يحيوا بعدها لحظة، وعاتب الله نبيه عليه الصلاة والسلام ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾، لهجة شديدة يواجه بها النبي صلى الله عليه وسلم، ليس لك أسرى في الأرض إنما هم أسرى الله، هم أسرى الله والله هو صاحب القرار فيها، ولكن رقةً مع رسوله صلى الله عليه وسلم تركه يجتهد ويأخذ رأيه ثم بعد ذلك بيّن له أن الأحسن كنت تقتلهم، هؤلاء كان ينبغي أن يقتّلوا، ﴿ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾، أبو بكر رضي الله عنه حينما نزلت هذه الآية ارتعد وارتعب وخاف خوفاً شديداً ويقول ويحدث: كنت والله أشعر أن عذاب الله أقرب إلينا من هذه الشجرة[23]، يشير إلى شجرة قريبة منه، يعني شعر أن عذاب الله سينزل عليه لأنه هو الذي أشار على النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الرأي، واعتبرت هذه الحادثة من المواقف التي وافق القرآن فيها رأي عمر، رضي الله عنه وأرضاه، وكم له من موافقات[24]، وهكذا حتى الأسرى يأخذهم الله لحقه، ويقول فيهم قراره، ولكن قدّر قرار رسوله عليه الصلاة والسلام وأمضاه ولولا ذلك لمنعه من البداية أن يجتهد ولأنزل عليه قرآناً يفصل في هذا الحكم، لكن انظر كيف كان الأمر، فهذا تناسب بين سورة الأعراف التي ذكرت عناد الكافرين، وبين سورة الأنفال التي قضت في هؤلاء الكافرين، ماذا لهم وكيف يعاملون؟ أما الكافر الذي يكتفي بكفره ويكف أذاه فهذا لا يمسه أحد، يعيش حقوقه في الحياة كاملة، يأخذها ويعيش بها، بعد ذلك بست سنوات أو بسبع سنوات في فتح مكة يفتحها النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف مقاتل من الصحابة وينادي ويقول: من دخل بيته فهو آمن، ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن[25]، يعني كن على كفرك كما تريد، لا تسليم لا نجبرك على الإسلام ولكن ادخل بيتك وأغلق بابك عليك، حتى لا تواجه مسلماً فيظن أنك تقاتله فيقاتلك فربما قتلك، تجنب هذه الملحمة حتى لا يراق دم، حتى لا يقتل إنسان بظلم، فيبقى في الميدان الكافر المحارب فقط، وهذا عليه الحرب، طالما أراد حربي وينوي على قتلي فأنا كذلك مثله، كل حريص على حياته.



وهكذا أحبتي الكرام، وتأتي من بعد ذلك سورة التوبة إن شاء الله وسورة براءة، وهي من السور المتأخرة، من التناسب الجميل والعجيب بينها وبين سورة الأنفال أنهما كالسورة الواحدة؛ لأن موضوعهما واحد، تتحدثان عن القتال والجهاد الإسلامي السمح، الجهاد العدل في الإسلام، الذي لا يظلم أحداً ولا يقتل ظلماً، وإنما يدفع شراً لتصل كلمة الله إلى كل إنسان يقبلها فيسلم أو يرفضها ويلقى الله كافراً إلى جهنم كما يشاء، فيفعل الله به يوم القيامة ما يشاء، إلا أنّ سورة الأنفال نزلت في أوائل العهد المدني لتنقل إلينا أحداث أول لقاء، وسورة التوبة كما سنتعلمها إن شاء الله تعالى في لقاء قادم، فيها ذكر غزوة تبوك وهي آخر غزوةٍ في الإسلام، ففيها – أي في سورة التوبة – آخر كلمة قالها الله عن الكافرين، آخر تشريع حكم الجهاد، ماذا قال الله فيه، وكيف نتعامل مع الكافرين؟ القرار النهائي، القرار الأخير في سورة التوبة، فالبداية في سورة الأنفال والنهاية في سورة التوبة، ولذلك رأى بعض العلماء لعل معهم صواب أو لعلهم خالفهم الصواب عفا الله عنا وعنهم، زعموا أنهما سورة واحدة ورجحوا ذلك - أي أيّدوه - بأنه ليس بينهما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن الصحيح أن هذه سورة وهذه سورة، هما مدنيتان نعم، ولكن الأنفال نزلت في أوائل العهد المدني والتوبة في أواخر العهد المدني[26]، حتى قيل في قول من الأقوال أنها آخر ما نزل من القرآن[27]، وليس ذلك بصحيح، بل فيها آخر ما نزل في الجهاد وفي معاملة الكفار المنافقين وغيرهم وهكذا، فبين سورة الأنفال وجارتيها مناسبة عظيمة وتناسب رائق، وذلك كله لأن الله هو الذي رتب السور بهذا الترتيب فلا يخلو هذا الترتيب من حكمة، فالله هو العليم الحكيم.



أحبتي الكرام، ما أعظم هذا الكلام ولكن المقام ضيق، لا أستطيع بيان كل شيء، فاعذروني في التقصير وارجعوا إلى كتاب الله واقرءوه بتدبر بصير، وانظروا ماذا في الآيات من دروس وعبر، فإنما نزل القرآن لينظم لنا حياتنا بمختلف شئونها ونواحيها، إنما هو دستور حياة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبكم وقدوتكم وأسوتكم كان قرآناً يمشي على الأرض، نرجو أن نصل إلى هذا الحد ولو بنسبة ما، ولو أن نكون خلف النبي صلى الله عليه وسلم ولو من بُعد، فينا قرآنٌ يمشي على الأرض في أخلاقنا، في سلوكياتنا، في حياتنا، في تعاملنا، في كلامنا، منطقنا، في كل شيء قدر استطاعتنا نكون كما كان عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض، وكان خلقه القرآن.



إذا سألتم الله تعالى فلا تسألوا ما زاد عن الحق، وإن كان السؤال مع الله مسموحاً ولكن حينما تأخذ من الحياة لا تطلب الزيادات، لا تطلب حقك وافياً وأنت مقصرٌ في الواجبات التي عليك، أد ما عليك أولاً واطلب ما تشاء بعد ذلك، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا وصيةً عظيمة، وقد ذكر في مستقبل أعمال الأمة أنه سيكون في بعض الأزمان مُلكٌ عضود يعني بالحديد والنار، بالسيف، بالقوة والقهر، فقال بعض الصحابة: ماذا نفعل يا رسول الله إن أدركنا ذلك الزمان؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "أدوا ما عليكم واسألوا الله ما لكم"[28]، ما عليك أده وانشغل بأدائه، أما حقك الذي لك فادعو الله أن يأتيك به، وإن شاء الله الله كفيل والله غالب على أمره، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا.



وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾، اللهم اهدنا واهدي بنا واهدي لنا واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنك تعلم ما بنا، وتعلم ما حولنا، اللهم إنا نسألك أن تشفي مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم أمواتنا وأموات المسلمين، وارحم أمواتنا وأموات المسلمين، اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اغفر اللهم للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مجيب الدعوات ورافع الدرجات، اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وارزقنا تلاوته وتدبره آناء اللي وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا برحمتك يا عزيز يا غفار، اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أعمالنا أواخرها، وأوسع أرزاقنا عند كبر سننا، وخير أيامنا يوم نلقاك يا رب العالمين.



عباد الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾، اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم.. وأقم الصلاة.


[1] أخرجه مسلمٌ (١١٦٢) مِنْ حديثِ أبي قتادة الأنصاريِّ رضي الله عنه.

[2] تقدّم التنبيه على وجود الخلاف في تلك المسألة غير مرّة.

[3] أساس البلاغة، للزمخشري: (ص 468).

[4] انظر: تفسير ابن كثير (2/284).

[5] انظر في تعريف الغنيمة: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني: (7/115) دار الكتاب العربي بيروت، الكافي لابن عبد البر يوسف بن عبد الله القرطبي: (216)، دار الكتب العلمية، كفاية الأخيار للحصني الشافعي: (ص606)، والمغني (6/312)، وانظر في تعريف الفيء: الاختار لعليل المختار (3/81)، كفاية الأخيار (2 /605)، المغني لابن قدامة: (6/312)، وراجع كتاب التطور الدلالي بين لغة الشعر الجاهلي ولغة القرآن الكريم، (دراسة دلالية مقارنة)، تأليف د. عودة خليل أبو عودة: (524، 527).

[6] انظر: تفسير الطبري (23/ 273)، تفسير ابن كثير (8/ 64).

[7] انظر تفسير الطبري: (13/ 442).

[8] أخرجه البخاري (328)، ومسلم (521).

[9]لم أجده هكذا، وعزاه الواحدي في الوسيط للمفسرين. قلت: هو منتزع من أحاديث: أقربها ما أخرجه ابن أبى حاتم من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان قوله أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وذلك أن مشركي أهل مكة كانوا يؤذون المسلمين بمكة، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في قتالهم بمكة. فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فلم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أنزل الله عليه أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وذكر الطبري أن الصحابة رضى الله عنهم استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الكفار إذا رأوهم وسطوا عليهم بمكة قبل الهجرة غيلة وسرًّا: فأنزل الله إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ فلما هاجروهم أحلوهم مالهم وقتالهم فقال أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ- الآية. أ هـ من (تخريج أحاديث الكشاف للإمام الزيلعى)، انظر: الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 160)، دار الكتاب العربي – بيروت، وراجع موسوعة الحافظ ابن حجر الحديثية ( 4/548 وما بعدها).

[10] السيرة النبوية لابن هشام: (1/207).

[11] انظر الضوابط التي يعرف بها المكي والمدني في مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني: (1/ 198- 200).

[12] انظر: تاريخ الرسل والملوك، للطبري: (2/443).

[13] انظر السيرة النبوية لابن هشام: (1/483)، تاريخ الرسل والملوك: (2/372، 373)، البداية والنهاية (3/216).

[14] انظر: صحيح البخاري حديث رقم (4580)، وصحيح مسلم حديث رقم (1614)، وتفسير ابن كثير (2/ 288).

[15] انظر: صحيح البخاري، كتاب الفرائض، باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم وإذا أسلم قبل أن يقسم الميراث فلا ميراث له.

[16] انظر: المبسوط (7/ 586)، بداية المجتهد (1/ 1160)، المغني (7/ 166)، الكتاب (1/ 349)، والراجح كما تجده في هذه المصادر جميعًا هو خلاف ما رجحه المصنّف، أنه لا يأخذ المسلم الميراث، لكن لعله رأى أن تركه بيد الكفار سيضر بالمسلمين، فإذا تُرك هذا المال بيد الكافر، وكان تركه ذلك سيضر بالمسلمين، إذا استعان الكفار بهذا المال على قتل المسلمين، وسفك دمائهم، وهتك أعراضهم، كان الراجح أخذ هذا المال، وقد عُلِم أن الحفاظ على دين المسلم ونفسه، من أصول الشريعة العظيمة، التي لا بد من قيامها والمحافظة عليها، وقد دلَّ على ذلك نصوص كثيرة معروفة، والله تعالى أعلى وأعلم.

[17] فهل ذكر مسألة كراهيتهم للخروج إلى الحرب هي طعن فيهم؟ لا، فهذا القول له حيثية بشرية؛ لأن الذي يريد أن يخوض معركة لا بد أن يغلب عليه الظن بأنه سوف ينتصر، وإلا سينظر إلى أن عملية الخروج إلى القتال فيها مجازفة. وكان المسلمون في ذلك الوقت قليلي العدد، وليس معهم عُدَد، بل لم يكن لديهم من مراكب إلا فرسان اثنان. وكان خروجهم من أجل البضائع والعير، لا لملاقاة جيش كبير، وهكذا لم تكن الكراهية لهذه المسألة نابعة من التأبي على أوامر الله تعالى، أو مطالب رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولكنهم نظروا إلى المسألة كلها بالمقاييس البشرية فلم يجدوا فيها التوازن المحتمل. أ هـ. تفسير الشعراوي (ص4581) طبع أخبار اليوم.

[18] أخرجه البخاري (9)، ومسلم (35).

[19] انظر: المسند (22246).

[20] انظر: السيرة النبوية (1/480-482)، تاريخ الرسل والملوك (2/370-372)، البداية والنهاية (3/215، 216)، وقال محمد بن طاهر البرزنجي: رواية الطبري حسنة بمجموع طرقها. انظر: صحيح تاريخ الطبري، 2/60، وقال الصوياني: حديث حسن بطرقه. انظر: السيرة النبوية 1/254، والصحيح من أحاديث السيرة النبوية ص141.

[21] انظر: صحيح مسلم (1763)، ودلائل النبوة، للبيهقي: (3/137).

[22] أخرجه أحمد في المسند (2217)، وأبو داود (2691) وسنده حسن.

[23] الثابت في ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن عمر حدثه قال: فلما أسروا الأسارى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر؛ ولكني أرى أن تمكنا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان -نسيبا لعمر- فأضرب عنقه فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها. فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت، فلما كان من الغد جئت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة، شجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله عز وجل: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ* لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. فأحل الله الغنيمة لهم. انظر: صحيح مسلم (1763).

[24] انظر في موافقاته – رضي الله عنه – قطف الثمر في موافقات عمر، للسيوطي، منظومة، وهو مطبوع متداول، وشرحها الشيخ محمد بدر الدين الحسني في فيض الوهاب في موافقات سيدنا عمر بن الخطاب.

[25] انظر: مسلم (1780).

[26] انظر حديث عثمان في هذا، أخرجه أبو داود ( 786 ) والترمذي ( 3086 ) وغيرهما، وانظر: البرهان، للزركشي: (1/ 360)، الإتقان (1/ 63).

[27] ذكر ذلك البخاري (4329) ومسلم (1618) عن البراء بن عازب، وانظر: الإتقان (1/ 101).

[28] أخرجه البخاري (6644)، من حديث ابن مسعود، ولفظه: "قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها قالوا فما تأمرنا يا رسول الله قال أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم".

lrhw] s,vm hgHkthg










عرض البوم صور طويلب علم مبتدئ   رد مع اقتباس
قديم 07 / 01 / 2018, 14 : 11 AM   المشاركة رقم: 2
المعلومات
الكاتب:
شريف حمدان
اللقب:
مدير عام الملتقى والمشرف العام
الرتبة
الصورة الرمزية
 
الصورة الرمزية شريف حمدان


البيانات
التسجيل: 26 / 01 / 2008
العضوية: 38
العمر: 65
المشاركات: 188,806 [+]
بمعدل : 31.97 يوميا
اخر زياره : [+]
معدل التقييم: 19116
نقاط التقييم: 791
شريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to beholdشريف حمدان is a splendid one to behold
معلوماتي ومن مواضيعي
رقم العضوية : 38
عدد المشاركات : 188,806
بمعدل : 31.97 يوميا
عدد المواضيع : 92436
عدد الردود : 96370
الجنس : الجنس : ذكر
الدولة : الدولة : saudi arabia


التوقيت

الإتصالات
الحالة:
شريف حمدان متواجد حالياً
وسائل الإتصال:

كاتب الموضوع : طويلب علم مبتدئ المنتدى : الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة









عرض البوم صور شريف حمدان   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

جديد الملتقى الاسلامي العام والسلف الصالح


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education
الحقوق محفوظة لشبكة ملتقى أهل العلم الاسلامي
اختصار الروابط

For best browsing ever, use Firefox.
Supported By: ISeveNiT Co.™ Company For Web Services
بدعم من شركة .:: اي سفن ::. لخدمات الويب المتكاملة
جميع الحقوق محفوظة © 2015 - 2018